الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} [الْبَقَرَة: 198]، أَيْ: دَفَعْتُمْ فِي السَّيْرِ، يُقَالُ: أَفَاضَ مِنَ الْمَكَانِ: إِذَا أَسْرَعَ مِنْهُ إِلَى الْمَكَانِ الْآخَرِ، وَأَصْلُهُ الدَّفْعُ، سُمِّيَ بِهِ، لِأَنَّهُمْ إِذَا انْصَرَفُوا ازْدَحَمُوا، وَدَفَعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
1933 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَأَنَا جَالِسٌ مَعَهُ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ؟ قَالَ: «كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةً، نَصَّ» ، قَالَ مَالِكٌ: قَالَ هِشامٌ: وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،
عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، وَقَالَ:«فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ» .
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: الْعَنَقُ: السَّيْرُ الْوَسِيعُ، وَالنَّصُّ: أَرْفَعُ السَّيْرِ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَصَصْتُ الْحَدِيثَ: إِذَا رَفَعْتُهُ إِلَى قَائِلِهِ، وَنَسَبْتُهُ إِلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: النَّصُّ: التَّحْرِيكُ حَتَّى يَسْتَخْرِجَ مِنَ النَّاقَةِ أَقْصَى سَيْرِهَا، وَالنَّصُّ أَصْلُهُ: مُنْتَهَى الْأَشْيَاءِ وَغَايَتِهَا، وَمَبْلَغُ أَقْصَاهَا.
وَالْفَجْوَةُ: الْفُرْجَةُ بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ.
وَفِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّ السَّكِينَةَ وَالتُّؤَدَةَ الْمَأْمُورُ بِهَا إِنَّمَا هِيَ مِنْ أَجْلِ الرِّفْقِ بِالنَّاسِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زِحَامٌ وَفِي الْمَوْضِعِ سِعَةٌ، سَارَ كَيْفَ شَاءَ.
1934 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، مَوْلَى وَالِبَةَ الْكُوفِيِّ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا، وَضَرْبًا لِلْإِبلِ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ:«أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَالإِيضَاعُ: حَمْلُ الركاب عَلَى الْعَدْوِ السَّرِيعِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} [التَّوْبَة: 47].
وَيُقَالُ: الإِيضَاعُ سَيْرٌ مِثْلُ الْخَبَبِ، وَمِثْلُهُ الإِيجَافُ.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ، فِيمَا.
1935 -
أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:" وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ، حتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّها النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ، كُلَّمَا أَتَى حَبْلا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَاهُ، وَكَبَّرَهُ، وَهَلَّلَهُ، وَوَحَدَّهُ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أسْفَرَ جدا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قَوْلُهُ: شَنَّقَ لِلْقَصْوَاءِ، أَيْ: كَفَّهَا بِزِمَامِهَا، وَالْحِبَالُ: مَا كَانَ دُونَ الْجِبَالِ فِي الارْتِفَاعِ، وَاحِدُهَا: حَبْلٌ.
وَالْقَصْوَاءُ: اسْمُ نَاقَتِهِ، وَكَانَتْ مَقْصُوَّةَ الْأُذُنِ، وَهُوَ أَنْ يُقْطَعُ طَرَفٌ مِنَ الْأُذُنِ، وَلا يُقَالُ: جَمَلٌ أَقْصَى.