الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْمُحْرِمِ إِذَا كَانَ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ يَحْلِقُ وَيَفْدِي
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [الْبَقَرَة: 196].
أَرَادَ بِالنُّسُكِ: ذَبْحَ الشَّاةِ، يُقَالُ: نَسَكَ يَنْسُكُ نُسُكًا، أَيْ: ذَبَحَ، وَالذَّبِيحَةُ نَسِيكَةٌ، وَجَمْعُهَا نُسُكٌ.
وَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا} [الْحَج: 67].
قِيلَ مَذْبَحًا، وَقِيلَ أَيْ: مَذْهَبًا مِنَ الطَّاعَةِ، يُقَالُ: نَسَكَ نُسْكَ قَوْمِهِ، أَيْ: ذَهَبَ مَذْهَبَهُمْ.
وَقَوْلُهُ عز وجل: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} [الْبَقَرَة: 128]، أَيْ: عَرِّفْنَا مُتَعَبَّدَاتِنَا، وَكُلُّ مُتَعَبَّدٍ مَنْسَكٌ.
ثُمَّ سُمِّيَ أُمُورُ الْحَجِّ مَنَاسِكَ، وَالنُّسُكُ: الطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ.
1994 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، نَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: نَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَهُ:«لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ؟» ، قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «
احْلِقْ رَأْسَكَ، وَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوِ انْسُكْ بِشاةٍ».
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَأَيُّوبَ، وَحُمَيْدٍ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ، وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَهُوَ يُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ، وَالْقَمْلُ يَتَهَافَتُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ:«أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟» ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:" فَاحْلِقْ رَأْسَكَ، وَأَطْعِمْ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَالْفَرَقُ: ثَلاثَةُ آصُعٍ أَوْ صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً "، وَأَرَادَ بِالْهَوَامِّ: الْقَمْلَ سَمَّاهَا هَوَامَّ، لِأَنَّهَا تَهِمُ فِي الرَّأْسِ وَتَدُبُّ.
1995 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ:
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ، قَالَ: قَعَدْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي: مَسْجِدَ الْكُوفَةِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ فِدْيَةٍ مِنْ صِيَامٍ، فَقَالَ: حُمِلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ:«مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ هَذَا، أَمَا تَجِدُ شَاةً؟» ، قُلْتُ: لَا، قَالَ:«صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ، وَاحْلِقْ رَأْسَكَ» ، فَنَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةٌ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ
قَالَ الإِمَامُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِذَا اخْتَارَ الإِطْعَامَ، يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ، سَوَاءٌ أَطْعَمَ حِنْطَةً، أَوْ شَعِيرًا، أَوْ تَمْرًا، أَوْ زَبِيبًا.
وَذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ، إِنْ تَصَدَّقَ بِالْبُرِّ أَطْعَمَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِتَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ، أَطْعَمَ كُلَّ وَاحِدٍ صَاعًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ:«أَوْ أَطْعَمَ ثَلاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ» .
وَرُوِيَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ:«أَوُ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ فَرَقًا مِنْ زَبِيبٍ» ، فَثَبَتَ بِاخْتِلافِ الرِّوَايَاتِ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْوَاعِ الطَّعَامِ فِي الْقِدْرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِدْيَةَ الْأَذَى مُخَيَّرَةٌ، يَتَخَيَّرُ الرَّجُلُ فِيهَا بَيْنَ الْهَدْيِ، وَالإِطْعَامِ، وَالصِّيَامِ، عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَلا فَرْقَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ بِعُذْرٍ، أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ، إِنْ حَلَقَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَعَلَيْهِ دَمٌ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَا غَيْرَ، وَكَذَلِكَ فِدْيَةُ قَلْمِ الْأَظْفَارِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالتَّقْدِيرِ كَفِدْيَةِ الْحَلْقِ، وَجَزَاءُ الصَّيْدِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالتَّعْدِيلِ، فَإِنْ شَاءَ ذَبَحَ الْمِثْلَ، أَوْ قَوَّمَ الْمِثْلَ دَرَاهِمَ، وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا، فَتَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا.
أَمَّا فِدْيَةُ الاسْتِمْتَاعَاتِ، فَعَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّعْدِيلِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ سَتَرَ رَأْسَهُ، أَوْ لَبِسَ مَا لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ، أَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ، أَوْ تَطَيَّبَ، أَوْ بَاشَرَ بِغَيْرِ جِمَاعٍ، فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ يَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الشَّاةِ، قَوَّمَ الشَّاةَ دَرَاهِمَ، وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا، فَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الإِطْعَامِ، صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا.
وَكَذَلِكَ الْجِمَاعُ فِدْيَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّعْدِيلِ، غَيْرَ أَنَّ حُكْمَهُ أَغْلَظُ مِنْ سَائِرِ الاسْتَمْتَاعَاتِ، فَإِنْ جَامَعَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ، فَسَدَ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَدَنَةِ فَبَقَرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَقَرَةً فَسَبْعٌ مِنَ الْغَنَمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، قَوَّمَ الْبَدَنَةَ دَرَاهِمَ وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا، فَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنَ الطَّعَامِ يَوْمًا.
وَإِنْ جَامَعَ بَيْنَ التَّحَلُّلَيْنِ لَا يَفْسَدُ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي أَنَّهَا بَدَنَةٌ أَوْ شَاةٌ، وَهِيَ أَيْضًا عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّعْدِيلِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ فِدْيَةٍ تَجِبُ بِتَرْكِ مَأْمُورٍ مِثْلَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ مِنْ غَيْرِ إِحْرَامٍ، مَعَ إِرَادَةِ النُّسُكِ، وَتَرْكِ الرَّمْيِ، وَالْبَيْتُوتَةِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَبِمِنًى لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَتَرْكِ طَوَافِ الْوَدَاعِ، فِدْيَتُهَا عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّعْدِيلِ، كَفِدْيَةِ اللُّبْسِ وَالطِّيبِ.
وَأَمَّا دَمُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، وَكَذَلِكَ دَمُ الْفَوَاتِ، فَعَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ، فَعَلَيْهِ دَمُ شَاةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يَصُومُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ: ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي التَّمَتُّعِ.
وَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِاللَّحْمِ وَالطَّعَامِ فِي هَذِهِ الْفِدْيَاتِ كُلِّهَا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، أَمَّا الصَّوْمُ فَحَيْثُ يَشَاءُ، لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ لِلْمَسَاكِينِ، وَقَالَ مَالِكٌ: الْهَدْيُ بِمَكَّةَ، وَأَمَّا الصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ حَيْثُ أَحَبَّ، لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [الْمَائِدَة: 95].