المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(31) باب صلاة الليل - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٤

[الطيبي]

فهرس الكتاب

- ‌(21) باب سجود القرآن

- ‌(22) باب أوقات النهي

- ‌(23) باب الجماعة وفضلها

- ‌(24) باب تسوية الصف

- ‌(25) باب الموقف

- ‌(26) باب الإمامة

- ‌(27) باب ما علي الإمام

- ‌(28) باب ما علي المأموم من المتابعة

- ‌(29) باب من صلي صلاة مرتين

- ‌(30) باب السنن وفضائلها

- ‌(31) باب صلاة الليل

- ‌(32) باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌(33) باب التحريض علي قيام الليل

- ‌(34) باب القصد في العمل

- ‌(35) باب الوتر

- ‌(36) باب القنوت

- ‌(37) باب قيام شهر رمضان

- ‌(38) باب صلاة الضحى

- ‌(39) باب التطوع

- ‌(40) باب صلاة التسبيح

- ‌(41) باب صلاة السفر

- ‌(42) باب الجمعة

- ‌(43) باب وجوبها

- ‌(44) باب التنظيف والتبكير

- ‌(45) باب الخطبة والصلاة

- ‌(46) باب صلاة الخوف

- ‌(47) باب صلاة العيدين

- ‌(48) باب في الأضحية

- ‌(49) باب العتيرة

- ‌(50) باب صلاة الخسوف

- ‌(51) باب في سجود الشكر

- ‌(52) باب الاستسقاء

- ‌(53) باب في الرياح

- ‌ كتاب الجنائز

- ‌(1) باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌(2) باب تمني الموت وذكره

- ‌(3) باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌(4) باب غسل الميت وتكفينه

- ‌(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌(6) باب دفن الميت

- ‌(7) باب البكاء علي الميت

- ‌(8) باب زيارة القبور

الفصل: ‌(31) باب صلاة الليل

فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك أن لا نوصل بصلاة حتى نتكلم أو نخرج. رواه مسلم.

1187 -

وعن عطاء، قال: كان ابن عمر إذا صلي الجمعة بمكة تقدم فصلي ركعتين، ثم يتقدم فيصلي أربعاً. وإذا كان بالمدينة صلي الجمعة، ثم رجع إلي بيته فصلي ركعتين، ولم يصل في المسجد. فقيل له: فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. رواه أبو داود. وفي رواية الترمذي، قال: رأيت ابن عمر صلي بعد الجمعة ركعتين، ثم صلي بعد ذلك أربعاً. [1187]

(31) باب صلاة الليل

الفصل الأول

1188 -

عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلي الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة، فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه. فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر، قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع علي شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة، فيخرج. متفق عليه.

ــ

باب صلاة الليل

الفصل الأول

الحديث الأول عن عائشة: قوله: ((إحدى عشرة ركعة)) ((قض)): بنى الشافعي رضي الله عنه عليه مذهبه في الوتر. وقال: إن أكثر الوتر إحدى عشرة ركعة، والفصل فيه أولي من الوصل، وإن وقته ما بين فرض العشاء وطلوع الفجر. وفي جواز تقديمه علي السنة خلاف. أقول: والظاهر أن صلاة التهجد المفروضة عليه صلى الله عليه وسلم لم يكن غيرها، ويشهد لذلك ما ذكر الترمذي في جامعه أن إسحاق بن إبراهيم قال: معنى ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة ركعة أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، فنسب صلاة الليل إلي الوتر. وروى في ذلك حديثاً عن عائشة. واحتج بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((أوتروا يا أهل القرآن)) قال: إنما عن به قيام الليل، بقوله: إنما قيام الليل علي أصحاب القرآن.

ص: 1180

1189 -

وعنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلي ركعتي الفجر، فإن كنت مستيقظة حدثني؛ وإلا اضطجع. رواه مسلم.

1190 -

وعنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلي ركعتي الفجر اضطجع علي شقه الأيمن. متفق عليه.

ــ

قوله: ((فيسجد السجدة من ذلك)). ((قض)): فيه دليل، علي أنه يجوز أن يتقرب إلي الله تعالي بسجدة فردة لغير التلاوة والشكر. وقد اختلفت الآراء في جوازها. أقول:((الفاء)) في ((فيسجد)) للتعقيب داعية إلي هذا فيقف عليه. بأن ((من ذلك)) لا يساعد عليه. اللهم إلا أن يقال: إن ((من)) ابتدائية متصلة بالفعل، أي فيسجد السجدة من جهة ما صدر منه ذلك المذكور فيكون حينئذ سجدة شكر. ((مظ)):((من)) للتبعيض والمشار إليه بـ ((ذلك)) السجدات التي تضمنتها الركعات فيقف عليه بأن ((من)) التبعيضية حينئذ بدل. فالتقدير: فيسجد بعض ذلك، وليس بقوى وفاء التعقيب تنبو عنه. والظاهر أن الفاء في ((فيسجد)) لتفصيل المجمل والتاء في السجدة ليست للوحدة، وهي كما في قوله: سورة السجدة، والتعريف للجنس، يعني فيسجد سجدات تلك الركعات طويلة قدر ما يقرأ فيها خمسين آية، ويعضده حديث ابن عباس:((أطال فيها القيام والقعود والسجود)) لأن قوله تعالي: {قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه} يستدعي طول الزمان، وطول الزمان يستدعي طول الصلاة. ولأن اضطجاعه بعد كان استراحة من مكابدة الليل، ومجاهدة التهجد.

قوله: ((فإذا سكت)) ((قض)): أي من أذانها وتبين له الفجر. هذا يدل علي أن التبين لم يكن بالأذان، وإلا لما كان لقولها:((وتبين له الفجر)) فائدة بعد قولها: ((وسكت المؤذن)). ((نه)): ((سكب)) بالباء المنقوطة من تحت من السكب. أورده في السين مع الكاف والباء. قال: أستعير السكب للإفاضة في الكلام، كما يقال أفرغ في أذني حديثاً، أي ألقى وصب كذا في الفائق. وأقول فعلي هذا لا يتقدم الأذان علي الفجر ((ومن)) كما في قوله تعالي:{فإذا أفضتم من عرفات} ابتدائية، وليست بصلة كما في قولك: سكب من الكلام.

الحديث الثاني عن عائشة: قوله: ((فإن كنت مستيقظة)) الشرط مع الجزاء جواب للشرط الأول. ويجوز أن يكون جزاء (الشرط الأول محذوفاً)، ((والفاء)) تفصيلية، المعنى: إذا صلاهما أتإني، فإن كنت مستيقظة حدثني، وإن لم أكن مستيقظة اضطجع. والركعتان هما قبل الفرض، ويدل عليه الحديث السابق واللاحق.

ص: 1181

1191 -

وعنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر، وركعتا الفجر. رواه مسلم.

1192 -

وعن مسروق، قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل. فقالت: سبع، وتسع، وإحدى عشرة ركعة، سوى ركعتي الفجر. رواه البخاري.

1193 -

وعن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين. رواه مسلم.

1194 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قام أحدكم من الليل، فليفتح الصلاة بركعتين خفيفتين)). رواه مسلم.

1195 -

وعن ابن عباس، قال: بت عند خالتي ميمونة ليلة، والنبي صلى الله عليه وسلم عندها، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة، ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الآخر أو بعضه قعد، فنظر إلي السماء فقرأ:{إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} حتى ختم السورة، ثم قام إلي القربة فأطلق شناقها، ثم صب في الجفنة، ثم توضأ وضوءاً حسناً بين الوضوءين، لم يكثر وقد أبلغ، فقام فصلي، فقمت وتوضأت، فقمت عن يساره، فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه. فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، وكان إذا نام

ــ

الحديث الثالث إلي الثامن عن ابن عباس: قوله: ((فأطلق شناقها)) ((نه)): هو الخيط أو السير الذي تعلق به القربة والخيط الذي يشد به فمها يقال: شنق القربة وأشنقها إذا أوكأها، وعلقها.

قوله: ((لم يكثر وقد أبلغ)) بيان لقوله ((بين الوضوءين)) وهو صفة أخرى لوضوء؛ كقوله تعالي: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} يعني لم يكثر صب الماء وقد أبلغ الوضوء أماكنه، أي أسبغ الوضوء. وهو الوضوء الحسن.

قوله: ((فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة)) أي صارت تامة، تفاعل من تم، وهو لا يجيء إلا لازماً. قوله:((فنام حتى نفخ)) ((قض)): هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم؛ لأن عينه كانت تنام ولا ينام قلبه. فيقظة قلبه تمنعه من الحدث. وإنما منع النوم قلبه ليعي الوحي إذا أوحى إليه في منامه. قال عبيد بن عمير: رؤيا الأنبياء وحي، ثم قرأ:{إني أرى في المنام إني أذبحك} .

ص: 1182

نفخ، فآذنه بلال بالصلاة، فصلي، ولم يتوضأ. وكان في دعائه:((اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، وفوقي نوراً، وتحتي نوراً، وأمامي نوراً، وخلفي نوراً، واجعل لي نوراً)) - وزاد بعضهم -: ((وفي لسإني نوراً)) - وذكر-: ((وعصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري)). متفق عليه. وفي رواية لهما-: ((واجعل في نفسي نوراً، وأعظم لي نوراً)). وفي أخرى لمسلم: ((اللهم أعطني نوراً)).

ــ

قوله: ((وكان دعائه)) أي في جملة دعائه تلك الليلة هذا الدعاء. كان باعثه عليه وعلي الصلاة قوله تعالي: {إن في خلق السموات والأرض- إلي قوله- فقنا عذاب النار} فإن الفاء الفصيحة تقتضي مقدراً يرتبط معها. تقديره: ربنا ما خلقت هذا باطلاً، بل خلقته للدلالة علي معرفتك، ومن عرفك يجب عليه أداء طاعتك واجتناب معصيتك ليفوز بدخول جنتك ويتوقى به من عذاب نارك، لأن النار جزاء من يخل بذلك، ونحن قد عرفناك وأدينا طاعتك، واجتنبنا معصيتك، فقنا عذاب النار. وتحريره: أنه صلى الله عليه وسلم لما تفكر في عجائب الملك والملكوت، وعرج إلي عالم الجبروت، حتى انتهي إلي سرادقات الجلال، فتح لسانه بالذكر، ثم أتبع بدنه روحه بالتأهب، والوقوف في مقام التناجي والدعاء. ومعنى طلب النور للأعضاء عضوراً عضواً أن يتجلي بأنوار المعرفة والطاعة، ويتعرى عن ظلمة الجهالة والمعاصي؛ لأن الإنسان ذو سهو وطغيان أي رأي أنه قد أحاطت ظلمات الجبلة معتورة عليه من فرقه إلي قدمه، والأدخنة الثائرة من نيران الشهوات من جوانبه، ورأي الشيطان يأتيه من الجهات الست بوساوسه وشبهاته ظلمات بعضها فوق بعض، فلم ير للتخلص منها مساغاً إلا بأنوار سادة لتلك الجهات، فسأل الله سبحانه أن يمده بها ليستأصل شاقة تلك الظلمات إرشاداً للأمة وتعليماً لهم. وكل هذه الأنوار راجعة إلي هداية وبيان وضياء للحق، وإلي مطالع هذه الأنوار يرشد قوله تعالي:{الله نور السموات والأرض- إلي قوله- نور علي نور يهدي الله لنوره} وإلي أودية تلك الظلمات يلمح قوله: {أو كظلمات في بحر لجى- إلي قوله- ظلمات بعضها فوق بعض} وقوله: {ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور} . اللهم إنا نعوذ بك من تلك الظلمات ونسألك هذه الأنوار.

فإن قلت: كيف قيل: في قلبي، وفي بصري، وفي سمعي، وعن يميني، وعن شمالي، ولم يقل عن فوقي، وتحتي، وأمامي، وخلفي؟ قلت: سأل نحوه صاحب الكشاف في قوله تعالي:

ص: 1183

1196 -

وعنه، أنه رقد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ، فتسوك، وتوضأ وهو يقول:(إن في خلق السموات والأرض ..) حتى ختم السورة، ثم قام فصلي ركعتين أطال فيهما القيام والركوع، والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات، كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث. رواه مسلم.

ــ

{ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} وأجاب: المفعول فيه عدى إليه الفعل نحو تعديته إلي المفعول به، وكما اختلفت حروف التعدية في ذلك اختلفت في هذا. وكانت لغة تؤخذ ولا تقاس، وإنما يفتش عن صحة موقعها، يقولون: جلس عن يمينه وعلي يمينه وعن شماله وعلي شماله. قلنا: معنى علي يمينه أنه تمكن من اليمين تمكن المستعلي من المستعلي عليه، ومعنى عن يمينه: جلس متجاوزاً عن صاحب اليمين منحرفاً عنه غير ملاصق به. وكذا ما نحن بصدده، خص القلب، والبصر، والسمع بـ ((في)) الظرفية، لأن القلب مقر الفكر في آلاء الله ونعائمه، ومكانها ومعدنها. والبصر: مسارح آيات الله المنصوبة المبثوثة في الآفاق، والأنفس، ومحلها. والأسماع: مراسي أنوار وحي الله، ومحط آياته المنزلة علي أنبياء الله. واليمين والشمال: خصا بـ ((عن)) للإيذان بأنه تجاوز الأنوار عن قلبه وبصره وسمعه إلي من عن يمينه وشماله من الخلق، وعزلت فوق وتحت وأمام وخلف من الجارة؛ ليستمد استنارته وتوكيداً له. قيل: في الحديث دليل علي أن الفعل القليل لا يبطل الصلاة، وأن صلاة الصبي صحيحة، وأن له موقفاً من الإمام كالبالغ، وأن الجماعة في غير المكتوبات سنة.

الحديث التاسع عن ابن عباس: قوله: ((فاستيقظ)) الفاء عطفت ما بعدها علي محذوف. وقوله: ((إنه رقد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) معنى ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما، لا حكاية لفظه، فالتقدير أنه قال: رقدت في بيت خالتي ميمونة، ورقد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها، فاستيقظ، يدل علي هذا التقدير الحديث السابق. قوله:((ست ركعات)) مع ما بعده بدل من ((ثلاث مرات))؛ لأنه إذا حصل في كل ركعة ركعتان، صح أن يبدل ست ركعات من ثلاث مرات أي يفعل ذلك في ست مرات.

قوله: ((كل ذلك)) متعلق بـ ((يستاك)) أي في كل ذلك يستاك، ويتوضأ، ويقرأ، ويصلي. و ((ثم) في قوله:((ثم فعل ذلك)) لتراخي الإخبار تقريراً وتوكيداً، لا لمجرد العطف، لئلا يلزم منه أنه فعل ذلك أربع مرات، ونظير إبدال ست ركعات من ثلاث مرات، إبدال ((ثلاث عورات))

ص: 1184

1197 -

وعن زيد بن خالد الجهني، أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة، فصلي ركعتين خفيفتين، ثم صلي ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلي ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلي ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلي ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، [ثم صلي ركعتين وهما دون اللتين قبلهما]، ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة. رواه مسلم.

ــ

إذا قرئ بالنصب من قوله ((ثلاث مرات)) في قوله تعالي: {ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} الآية، سميت تلك الأوقات- وهي قبل صلاة الفجر، ووقت الظهيرة، وبعد صلاة العشاء- عورات؛ لأن الناس يختل تسترهم وتحفظهم فيها، والعورة: الخلل.

((قض)): قوله: ((ثم أوتر بثلاث)) يدل علي أن الركعات الست كانت من تهجده، وأن الوتر ثلاث. وإليه ذهب أبو حنيفة رضي الله عنه، وقال: الوتر ثلاث ركعات موصولة، لا أزيد ولا أنقص. وذكر الشيخ محيي الدين في الروضة: الصحيح المنصوص في الأم، والمختصر: أن الوتر يسمى تهجداً. وقيل: الوتر غير التهجد. وفيه أن السواك كلما قام من النوم مستحب.

((مظ)): فإن قيل: لم توضأ في هذه الرواية بعد ما استيقظ، ولم يتوضأ في الرواية المتقدمة، مع أنه نام فهيما حتى نفخ؟ قلنا: إنما توضأ حيث توضأ لتجديد الوضوء، لا أن وضوءه بطل. أقول: ويجوز أن يقال: إن قلبه صلى الله عليه وسلم كما أحس ببقاء الطهارة في الرواية الأولي، كذلك أحس في الثانية بحدوث الحدث.

الحديث العاشر عن زيد بن خالد: قوله: ((لأرمقن)) ((نه)): الرمق: النظر إلي الشيء شزراً نظر العداوة. أقول: فاستعير ههنا لمطلق النظر، كما استعير ((المرسن)) وهو أنف فيه رسن لمطلق الأنف، عدل من الماضي إلي المضارع استحضاراً لتلك الحالة الماضية، لتقررها في ذهن السامع أبلغ تقرير. ويشهد بذلك عنايته بالمؤكدات المتعددة، ذكر طويلتين ثلاث مرات إرادة لغاية الطول وانتهائه، ولا طول بعد ذلك عرفاً. ثم ينزل شيئاً فشيئاً.

قال المؤلف: قول الراوي: ((ثم صلي ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما أربع مرات)) هكذا في صحيح مسلم، وكذا في إفراد الحميدي لمسلم، وفي موطأ مالك، وسنن أبي داود، وجامع الأصول. فعلي هذا لا تدخل الركعتان الخفيفتان تحت ما أجمله بقوله:((فذلك ثلاث عشرة ركعة)) ويكون الوتر ركعة واحدة. ولعل ناسخ المصابيح لما رأي المجمل، جعل الخفيفتين من جملة المفصل، فكتب قوله:((ثم صلي ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما ثلاث مرات)) ومن ذهب

ص: 1185

قوله: ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما أربع مرات، هكذا في ((صحيح مسلم))، وأفراده من كتاب ((الحميدي))، و ((موطأ مالك)) و ((سنن أبي داود)) و ((جامع الأصول)).

1198 -

وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: لما بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالساً. متفق عليه.

ــ

إلي: أن الوتر ثلاث ركعات، حمل قوله:((ثم أوتر)) علي ثلاث ركعات، فعليه أن يخرج الركعتين الخفيفتين من البين.

((مظ)) الوتر هاهنا ثلاث ركعات؛ لأنه عد ما قبل الوتر عشر ركعات لقوله: ((ركعتين خفيفتين)) ثم قال: ((ركعتين طويلتين)) فهذه أربع ركعات. ثم قال ثلاث مرات: ((صلي ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما)) فهذه ست ركعات أخر. وهو من كلام الشيخ التوربشتي.

الحديث الحادي عشر عن عائشة: قوله: ((لما بدن)) ((فا)): أي صار بدنا، والبدن: المسن، ونظيره عجزت المرأة وعود الجمل. وروى ((بدنت)) أي ثقلت عن الحركة ثقلها علي الرجل البادن وهو الضخم البدن.

((نه)): في الحديث ((لا تبادروني بالركوع والسجود، إني قد بدنت)) قال أبو عبيد: هكذا يروى في الحديث يعني بالتخفيف، وإنما هو بدنت بالتشديد، أي كبرت وأسننت. والتخفيف من البدانة، وهي كثرة اللحم، ولم يكن صلى الله عليه وسلم سميناً. قال صاحب النهاية: قد جاء في صفته صلى الله عليه وسلم في حديث ابن أبي هالة ((بادن متماسك)) والبادن الضخم، فلما قال:((بادن)) أردفه ((بمتماسك))، وهو الذي يمسك بعض أعضائه بعضاً، فهو معتدل الخلق.

((تو)): فإن قيل: وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم)) وروى عنها أنها قالت: ((كان يصلي بعض صلاته جالساً، وذلك بعد ما حمل اللحم)) فالجواب: أن الأكثرين من أهل الحديث يروونه علي غير هذا السياق: وقد روي عن عبد الله بن شقيق- وهو أصوب الروايتين- عن عائشة قال: قلت لعائشة: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي جالساً؟ قالت: ((نعم، بعد ما حطمته السن)). والظاهر أن من يروي ((أخذ اللحم)) صحف ((بدن)) ثم روى الحديث بالمعنى إلي آخر ما قال. أقول: هذا الاختلاف بنبهك علي: أن الواجب علي المحدث المتقن أن يحفظ الألفاظ، ويبالغ في أدائها كما سمع، ألا ترى هذه الكلمة، ومؤدى معناها إلي التضاد الذي يتحير عنده السامع، ولا يدري علي أيهما التعويل.

ص: 1186

1199 -

وعن عبد الله بن مسعود، قال: لقد عرفت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من أول المفصل، علي تأليف ابن مسعود سورتين في ركعة آخرهن (حم الدخان) و (عم يتساءلون). متفق عليه.

الفصل الأول

1200 -

عن حذيفة: أنه رأي النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، وكان يقول:((الله أكبر)) ثلاثاً ((ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة))، ثم استفتح فقرأ البقرة. ثم ركع، فكان ركوعه نحواً من قيامه، فكان يقول في ركوعه:((سبحان ربي العظيم))، ثم رفع رأسه من الركوع، فكان قيامه نحواً من الركوع، يقول:((لربي الحمد)). ثم سجد، فكان سجوده نحواً من قيامه، فكان يقول في سجوده: ((سبحان ربي

ــ

الحديث الثاني عن عبد الله بن مسعود: قوله: ((النظائر)) ((فا)): سميت نظائر لفضيلتها، جمع نظورة، وهي الخيار. نظائر الجيش لأفاضلهم وأماثلهم. ((نه)): النظائر جمع نظيرة، وهو المثل، والشبه في الأشكال، والأخلاق، والأفعال، والأقوال. أراد اشتباه بعضها ببعض في الطول. والنظير: المثل في كل شيء.

((تو)) الحديث أورده أبو داود في كتابه مستوفي عن علقمة والأسود قالا: ((أتى ابن مسعود رجل، فقال: إني أقرأ المفصل في كل ركعة، فقال: أهذا كهذا الشعر ونثراً كنثر الدقل! لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر السورتين في ركعة: الرحمن والنجم في ركعة، واقترب والحآقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، وإذا وقعت والنون في ركعة، وسأل سائل والنزعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، والمدثر والمزمل في ركعة، وهل أتى ولا أقسم بيوم القيامة في ركعة، وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة)). قال أبو دواد: هذا تأليف ابن مسعود.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن حذيفة: قوله: ((فكان يقول)) الفاء مثلها في قوله: {فتوبوا إلي بارئكم فاقتلوا أنفسكم} إذا كان القتل عين التوبة. قوله: ((الجبروت)) ((نه)): هو فعلوت من الجبر القهر، يقال: جبار بين الجبروت، والجبار: الذي يقهر العباد علي ما أراد من أمر ونهي. وقيل:

ص: 1187

الأعلى)). ثم رفع رأسه من السجود، وكان يقعد فيما بين السجدتين نحواً من سجوده، وكان يقول:((رب اغفر لي، رب اغفر لي)). فصلي أربع ركعات قرأ فيهن (البقرة) و (آل عمران) و (النساء) و (المائدة) أو (الأنعام)، شك شعبة. رواه أبو داود. [1200]

1201 -

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين)). رواه أبو داود. [1201]

ــ

هو العالي فوق خلقه. وقوله: ((من قيامه)) بيان لـ ((نحواً)) أي مثلاً. اعلم أن بعض أفعال هذا الحديث وارد علي الماضي، وهي ظاهرة، وبعضها علي المضارع حكاية للحال الماضية استحضاراً لها في ذهن السامع.

الحديث الثاني عن عبد الله بن عمرو بن العاص: قوله: ((من قام بعشر آيات)) أي أخذها بقوة وعزم من غير فتور، ولا توان، من قولهم: قام بالأمر، وقامت الحرب علي ساقها. فيكون كناية عن حفظها، والدوام علي قراءتها، والتفكر في معإنيها، والعمل بمقتضاها. وإليه الإشارة بقوله:((لم يكتب من الغافلين)) أي لم يثبت اسمه في الصحيفة في زمرة الغافلين.

فإن قلت: بين لي التفاوت بين المراتب الثلاث. قلت: الأولي مشعرة: بأن صاحب عشر آيات إذا قام بها خرج من زمرة الغفلة من العامة، ودخل في زمرة {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله}. وصاحب مائة داخل في جملة من قيل في حقهم:{وكانت من القانتين} ، {أمة قانتاً لله حنيفاً} أي من الذين قاموا بأمر، ولزموا طاعته، وخضعوا له. وأعلاها صاحب ألف؛ لأنه داخل في غمار عمال الله في أرضه، الذين بلغوا في حيازة المثوبات مبلغ المقنطرين في حيازة الأموال، ولا ارتياب أن القيام بقراءة القرآن في كل آوان لها مزايا وفضائل. وأعلاها: أن يكون في الصلاة، لاسيما إذا أنشأت بالليل {إن ناشيءة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا}. ومن ثم أورد محيي السنة الحديث في باب صلاة الليل. وقوله:((من المقنطرين)) قال أبو عبيدة: لا نجد العرب تعرف وزن القنطار، وما نقل عن العرب المقدار

ص: 1188

1202 -

وعن أبي هريرة، قال: كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، يرفع طوراً ويخفض طوراً. رواه أبو داود. [1202]

1203 -

وعن ابن عباس، قال: كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم علي قدر ما يسمعه من في الحرجة وهو في البيت. رواه أبو داود. [1203]

1204 -

وعن أبي قتادة، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة فإذا هو بأبي بكر يصلي يخفض من صوته، ومر بعمر وهو يصلي رافعاً صوته، قال: فلما اجتمعا عند

ــ

المعول عليه. قيل: أربعة آلاف دينار، فإذا قالوا: قناطير مقنطرة، فهي اثنا عشر ألف دينار. وقيل: القنطار ملاء جلد الثور ذهباً. وقيل: هي حملة كثيرة مجهولة من المال.

الحديث الثالث عن أبي هريرة: قوله: ((يرفع طوراً)) خبر ((كان)) والعائد محذوف، أي يرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها طوراً صوته، نحو قوله:{والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن} أي يتربصن بعدهم، وإن روى مجهولاً كان ظاهراً.

قوله: ((طوراً)) ((نه)): الطور: الحالة، وأنشد:

فإن ذا الدهر أطوار دهارير

الأطوار: الحالات المختلفة، والنازلات، وأحدها طور، أي مرة هلك ومرة ملك، ومرة بؤس ومرة نعم.

الحديث الرابع والخامس عن أبي قتادة: قوله: ((يخفض)) حال من الضمير في ((يصلي)) و ((يصلي)) حال من الضمير المستقر في الخبر، أي فإذا هو مار بأبي بكر، يدل عليه عطف قوله ((ومر بعمر)): ونظيره قوله تعالي: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا} أي وابتغ بين الجهر والمخافتة سبيلاً وسطاً، فإن خير الأمور أوساطها، كأنه قيل للصديق رضي الله عنه: انزل من مناجاة ربك شيئاً قليلاً، واجعل للخلق من قراءتك نصيباً، وللفاروق رضي الله عنه: ارتفع من الخلق هوناً، واجعل لنفسك من مناجاة ربك نصيباً. قوله:((الوسنان)) ((نه)): هو النائم الذي ليس بمستغرق في نومه. والوسن: أول النوم، وكذا السنة و ((الهاء)) فيه عوض من الواو المحذوف.

ص: 1189

النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أبا بكر! مررت بك وأنت تصلي تخفض صوتك)). قال: قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله! وقال لعمر: ((مررت بك وأنت تصلي رافعاً صوتك)). فقال: يا رسول الله! أوقظ الوسنان، وأطرد الشيطان فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((يا أبا بكر! ارفع من صوتك شيئاً))، وقال لعمر:((اخفض من صوتك شيئاً)). رواه أبو داود، وروى الترمذي نحوه. [1204]

1205 -

وعن أبي ذر، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح بآية، والآية:{إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} . رواه النسائي، وابن ماجه.

1206 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلي أحدكم ركعتي الفجر، فليضطجع علي يمينه)). رواه الترمذي، وأبو داود. [1406]

ــ

الحديث السادس عن أبي ذر. قوله: ((أصبح بآية)) متعلق بـ ((قام)) كما مر. المعنى: أخذ يقرأ هذه الآية من لدن قيامه ويواظب عليها ويتفكر في معإنيها مرة بعد أخرى، حتى أصبح. وما ذلك إلا لما اشتملت علي قدرة كاملة، وعزة قاهرة، وحكمة بالغة. وذلك أن المسيح عليه السلام لما رأي من قومه اتخاذهم إياه وأمه إلهين من دون الله، ونسبة الولد والزوجة إليه- تعالي عن ذلك علواً كبيراً التي {تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا} تفكر أن هؤلاء لا يستحقون إلا العذاب، وما ينقذهم من النار أحد، ولا يتصور فيهم الغفران. ثم تأمل في جلال الله وعزته، وكبريائه وعظمته، وعلمه وحكمته، فقال ما قال، أي لا يغفر لمن يستحق العذاب إلا العزيز القاهر الذي ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه، وإلا الحكيم الخبير الذي يعلم ما يخفي علي غيره ولا يحوم حوله فهم العقلاء، ولا يدرك كنهه درك الألباء. وفيه سر آخر: وهو أنه تعالي لما ذكر العذاب، علله بوصف العباد، وأنهم مملوكون، وهو مالكهم يتصرف في ملكه كيف شاء، لا ظلم ثمة، ولا جور. ولما ذكر الغفران: علله بوصف نفسه من العزة والغلبة، والعلم، والحكمة. فهما كالعلة لنفي الجور والظلم، يعني أنه وإن تصرف في ملكه كيف يشاء، لكن ذلك عن حكمة بالغة وإن خفي عن الخلق، كما عليه مذهب أهل السنة والجماعة والله أعلم.

ص: 1190

الفصل الثالث

1207 -

عن مسروق، قال: سألت عائشة: أي العمل كان أحب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: الدائم. قلت: فأي حين كان يقوم من الليل؟ قالت: كان يقوم إذا سمع الصارخ. متفق عليه.

1208 -

وعن أنس، قال: ما كنا نشاء أن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل مصلياً إلا رأيناه، ولا نشاء أن نراه نائماً إلا رأيناه. رواه النسائي. [1208]

1209 -

وعن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، قال: إن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلت وأنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لأرقبن رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة حتى أرى فعله، فلما صلي صلاة العشاء، وهي العتمة، اضطجع هوياً من الليل، ثم استيقظ فنظر في الأفق، فقال:(ربنا ما خلقت هذا باطلاً) حتى بلغ

ــ

الحديث السابع: عن أبي هريرة: قوله: ((ركعتي الفجر)) هما الركعتان قبل الفرض، يشهد له حديث عائشة رضي الله عنها:((فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر، قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع علي شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة فيخرج)).

الفصل الثالث

الحديث الأول عن مسروق: قوله: ((الدائم)) أي العمل الذي يستمر عليه عامله، ومن ثم أدخل حرف التراخي في قوله تعالي:{إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} .

قوله: ((إذا سمع الصارخ)) ((إذا)) ههنا لمجرد الظرفية. ((نه)): الصارخ الديك؛ لأنه كثير الصياح في الليل.

الحديث الثاني عن أنس: قوله: ((ما كنا نشاء)) ((ما)) نافية بدليل عطف قوله: ((ولا نشاء))، لا عليه والمعنى ما أردنا منه صلى الله عليه وسلم أمراً إلا وجدناه عليه، إن أردنا أن يكون مصلياً وجدناه مصلياً، وإن أردنا أن نراه نائماً وجدناه نائماً، يعني كان أمره قصداً، لا إفراط ولا تفريط.

الحديث الثالث عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف: قوله: ((للصلاة)) اللام فيها كما في قوله تعالي: {قدمت لحياتي} أي لأرقبن وقت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل، فأنظر ماذا

ص: 1191

إلى: (إنك لا تخلف الميعاد)، ثم أهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي فراشه، فاستل منه سواكاً، ثم أفرغ في قدح من إداوة عنده ماء، فاستن، ثم قام، فصلي، حتى قلت: قد صلي قدر ما نام، ثم اضطجع، حتى قلت قد نام قدر ما صلي، ثم استيقظ، ففعل كما فعل أول مرة، وقال مثل ما قال، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قبل الفجر. رواه النسائي. [1209]

1210 -

وعن يعلي بن مملك، أنه سأل أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته؟ فقالت: وما لكم وصلاته؟ كان يصلي ثم ينام قدر ما صلي، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلي، حتى يصبح، ثم نعتت قراءته، فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفاً حرفاً. رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي. [1210]

ــ

يفعل فيه. قوله: ((هويا)) بالتشديد. ((نه)): الهوى بالفتح الحين الطويل من الزمان. وقيل: هو مختص بالليل. قوله: ((استل)) أي انتزع السواك من الفراش بتأن وتدريج. قوله: ((فاستن)) ((نه)): الاستنان استعمال السواك وهو افتعال من الأسنان، أي يمره عليها.

الحديث الرابع عن يعلي بن مملك: ((وما لكم وصلاته)) عطف علي مقدر وهو ((مالك وقراءته)) والواو بمعنى ((مع)) أي ما تصنعون مع قراءته وصلاته؟ ذكرتها تحسراً وتلهفاً علي ما تذكرت من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أنها أنكرت علي السائل سؤاله.

ص: 1192