المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(53) باب في الرياح - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٤

[الطيبي]

فهرس الكتاب

- ‌(21) باب سجود القرآن

- ‌(22) باب أوقات النهي

- ‌(23) باب الجماعة وفضلها

- ‌(24) باب تسوية الصف

- ‌(25) باب الموقف

- ‌(26) باب الإمامة

- ‌(27) باب ما علي الإمام

- ‌(28) باب ما علي المأموم من المتابعة

- ‌(29) باب من صلي صلاة مرتين

- ‌(30) باب السنن وفضائلها

- ‌(31) باب صلاة الليل

- ‌(32) باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌(33) باب التحريض علي قيام الليل

- ‌(34) باب القصد في العمل

- ‌(35) باب الوتر

- ‌(36) باب القنوت

- ‌(37) باب قيام شهر رمضان

- ‌(38) باب صلاة الضحى

- ‌(39) باب التطوع

- ‌(40) باب صلاة التسبيح

- ‌(41) باب صلاة السفر

- ‌(42) باب الجمعة

- ‌(43) باب وجوبها

- ‌(44) باب التنظيف والتبكير

- ‌(45) باب الخطبة والصلاة

- ‌(46) باب صلاة الخوف

- ‌(47) باب صلاة العيدين

- ‌(48) باب في الأضحية

- ‌(49) باب العتيرة

- ‌(50) باب صلاة الخسوف

- ‌(51) باب في سجود الشكر

- ‌(52) باب الاستسقاء

- ‌(53) باب في الرياح

- ‌ كتاب الجنائز

- ‌(1) باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌(2) باب تمني الموت وذكره

- ‌(3) باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌(4) باب غسل الميت وتكفينه

- ‌(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌(6) باب دفن الميت

- ‌(7) باب البكاء علي الميت

- ‌(8) باب زيارة القبور

الفصل: ‌(53) باب في الرياح

(53) باب في الرياح

الفصل الأول

1511 -

عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور)). متفق عليه.

1512 -

وعن عائشة، قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكًا حتى أرى منه لهوته، إنما كان يبتسم، فكان إذا رأي غيمًا أو ريحًا عرف في وجهه متفق عليه.

1513 -

وعنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: ((اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها

ــ

باب في الرياح

الفصل الأول

الحديث الأول عن ابن عباس: قوله: ((نصرت بالصبا)) ((مظ)) الصبا: الريح التي تجئ من ظهرك إذا استقبلت القبلة. والدبور: هي التي تجئ من قبل وجهك إذا استقبلت القبلة أيضًا. روي: أن الأحزاب لما حاصروا المدينة يوم الخندق، هبت ريح الصبا، وكانت شديدة، فقلعت خيامهم، وألقى الله تعالي في قلوبهم الخوف، فهربوا، وكان ذلك فضلاً من الله تعالي، ومعجزة لرسوله صلى الله عليه وسلم. أما الدبور فأهلكت قوم عاد. وقضيتهم مشهورة.

الحديث الثاني عن عائشة: قوله: ((لهواته)) ((نه)) اللهوات: جمع لهاة، وهي اللحمات من سقف أقصى الفم. قوله:((عرف في وجهه)) أي ظهر أثر الخوف في وجهه مخافة أن يحصل من ذلك السحاب، أو الريح، ما فيه ضرر بالناس. فدل نفي الضحك البليغ عنه صلى الله عليه وسلم علي أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فرحًا لاهيًا بطرًا، ودل إثبات التبسم له صلى الله عليه وسلم علي طلاقة وجهه وبشاشته، ودل أثر الخوف من رؤية الغيم والريح علي رأفته ورحمته علي الخلق. هذا هو الخلق العظيم.

الحديث الثالث عن عائشة: قوله: ((إذا عصفت الريح)) ((نه)): أي اشتد هبوبها، وريح عاصف شديدة الهبوب. قوله:((خير ما أرسلت به)) يحتمل الفتح علي الخطاب ((وشر ما

ص: 1325

وشر ما أرسلت به))، وإذا تخيلت السماء، تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سري عنه، فعرفت ذلك عائشة، فسألته، فقال:((لعله يا عائشة كما قال قوم عاد)) – وفي رواية: (فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا) ويقول إذا رأي المطر: ((رحمة)). متفق عليه.

1514 -

وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مفاتيح الغيب خمس، ثم قرأ:{إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث} الآية. رواه البخاري.

1515 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليست السنة بأن لا تمطروا، ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئًا)). رواه مسلم.

ــ

أرسلت)) علي بناء المفعول ليكون من قبيل قوله تعالي: {أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم} وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الخير كله في يديك والشر ليس إليك)).

قوله: ((وإذا تخيلت السماء)) السماء ها هنا بمعنى السحاب. ((وتخيلت)) إذا ظهر في السحاب أثر المطر. ((نه)): ومنه ((إذا رأي مخيلة أقبل وأدبر)) المخيلة: موضع الخيل، وهو الظن كالمظنة وهي السحابة الخليقة بالمطر، ((وسري عنه)) أي كشف عنه الخوف، وأزيل: يقال: سروت الثوب، وسريته إذا خلعته، والتشديد فيه للمبالغة. قوله:{هذا عارض} أي سحاب عرض ليمطر، وقوله:((رحمة)) أي اجعله رحمة ولا تجعله عذابًا.

الحديث الرابع عن ابن عمر: قوله: ((مفاتيح الغيب)) قيل هو جمع مفتح – بفتح الميم – وهو المخزن، أي خزائن الغيب خمس، لا يطلع عليها غير الله، وروى مفاتح، وهي جمع مفتاح أي العلوم التي يتوصل بها إلي الغيب خمس لا يعلمها إلا الله. ((نه)) المفاتيح، والمفاتح: جمع مفتاح، ومفتح. وهما في الأصل: كل ما يتوصل به إلي استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها.

الحديث الخامس عن أبي هريرة: قوله: ((ليست السنة بأن لا تمطروا)) ((فا)) السنة: الجدب، يقال: أجدبتهم السنة، إذا أجدبوا، وقحطوا وهي من الأسماء الغالبة. وقد خصوها بقلب لامها تاء في ((استنوا)) إذا أجدبوا. ((قض)) المعنى: أن القحط الشديد ليس بأن لا تمطروا بل بأن تمطروا، ولا تنبت. وذلك: لأن حصول الشدة بعد توقع الرخاء، وظهور مخائله، وأسبابه أقطع مما إذا كان اليأس حاصلاً من أول الأمر، والنفس مترقبة لحدوثها، انتهي كلامه، قال الشاعر:

ص: 1326

الفصل الثاني

1516 -

عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الريح من روح الله، تأتي بالرحمة وبالعذاب، فلا تسبوها، وسلوا الله من خيرها، وعوذوا به من شرها)). رواه الشافعي، وأبو داود، وابن ماجه، والبيهقي في ((الدعوات الكبير)). [1516]

1517 -

وعن ابن عباس، أن رجلاً لعن الريح عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:((لا تلعنوا الريح، فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئًا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه)). رواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب. [1517]

ــ

أظلت علينا من نداك غمامة أضاء لنا برق وأبطأ رشاشها

فلا غيمها يجلو فييأس طامع ولا غيثها يهمى فيروى عطاشها

الفصل الثاني

الحديث الأول عن أبي هريرة: قوله: ((الريح من روح الله)) ((غب)) الروح النفس، وقد أراح الإنسان إذا تنفس. وقوله تعالي:{لا تيأسوا من روح الله} . أي من فرجه ورحمته. وذلك بعض الروح. ((مظ)) فإن قيل: كيف يكون الريح من روح الله، أي من رحمته مع أنه يجيء بالعذاب؟ فجوابه من وجهين: أحدهما أن الريح إذا جاءت لعذاب قوم ظالمين، كانت رحمة لقوم مؤمنين. وأقول: يؤيده قوله تعالي: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد لله رب العالمين} ((الكشاف)): فيه إيذان بوجوب الحمد لله عند هلاك الظلمة. وهو من أجل النعم وأجزل القسم. وثإنيهما: أن الروح مصدر بمعنى الفاعل كالعدل بمعنى العادل، فالمعنى الريح من روائح الله، أي من الأشياء التي تجئ من حضرة الله بأمر الله، فتارة تجئ له للراحة، وأخرى للعذاب. فإذن لا يجوز سبها، بل تجب التوبة عند التضرر بها. وهو تأديب من الله تعالي، وتأديبه رحمة لعباده.

الحديث الثاني عن ابن عباس: قوله: ((ليس له)) صفة ((شيئًا)) واسمه ضمير راجع إليه والضمير في ((له)) راجع إلي مصدر ((لعن)) وفي ((عليه)) إلي ((من)) علي تضمين ((رجعت)) معنى

ص: 1327

1518 -

وعن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به)). رواه الترمذي. [1518]

1519 -

وعن ابن عباس، قال: ما هبت ريح قط إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم علي ركبتيه، وقال:((اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذابًا، اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا)). قال ابن عباس في كتاب الله تعالي: {إنا أرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا} و {أرسلنا عليهم الريح العقيم} {وأرسلنا الرياح لواقح} و {أن يرسل الرياح مبشرات} . رواه الشافعي، والبيهقي في ((الدعوات الكبير)). [1519]

ــ

استعلت، يعني: من لهن شيئًا ليس ذلك الشيء أهلاً له رجع اللعن إلي اللاعن، لأن اللعن طرد عن رحمة الله تعالي، فمن طرد ما هو أهل لرحمة الله عن رحمته جعل مطرودًا.

الحديث الثالث ظاهر.

الحديث الرابع عن ابن عباس: قوله: ((في كتاب الله تعالي)) إلي آخره. اتفق معظم الشارحين علي: أن تأويل ابن عباس غير موافق للحديث. نقل الشيخ التوربشتي عن أبي جعفر الطحاوي، أنه ضعف هذا الحديث جدًا، وأبي أن يكون له أصل في السنن! وأنكر علي أبي عبيدة تفسيره، كما فسره ابن عباس ثم استشهد بقوله تعالي:{حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريج طيبة، وفرحوا بها، جاءتها ريح عاصف} الآية، وبالأحاديث الواردة في هذا الباب. فإن جل استعمال الريح المفردة في الباب في الخير والشر. ثم قال الشيخ التوربشتي: والذي قاله أبو جعفر وإن كان قولاً متينًا، فنا نرى أن لا يتسارع إلي رد هذا الحديث، وقد تيسر علينا تأويله وتخريج المعنى علي وجه لا يخالف النصوص التي أوردها. وهو أن نقول: التضاد الذي جد أبو جعفر في الهرب منه إنما نشأ من التأويل الذي نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما. فأما الحديث نفسه فإنه محتمل لتأويل يمكن معه التوفيق بينه وبين النصوص التي عارضه

ص: 1328

1520 -

وعن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أبصرنا شيئًا من السماء – تعني السحاب – ترك عمله واستقبله، وقال:((اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه))، فإن كشفه حمد الله، وإن مطرت، قال: اللهم سقيًا نافعًا)).

رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والشافعي واللفظ له. [1520]

ــ

بها أبو جعفر، وذلك أن يذهب في الحديث إلي أنه سأل النجاة من التدمير بتلك الريح فإنها إن لم تكن مهلكة لم تعقبها أخرى، وإن كانت غير ذلك فإنها توجد كرة بعد كرة. وتستسق مرة بعد مرة، فكأنه قال: لا تدمرنا بها، فلا تمر علينا بعدها، ولا تهب دوننا جنوب ولا شمال، بل أفسح في المهلة وأنسأ لنا في الأجل، حتى يهب علينا أرواح كثيرة بعد هذه الريح. قال الخطابي: إن الرياح إذا كثرت جلبت السحاب وكثرت المطر، فبركت الزروع والثمار، وإذا لم تكثر، وكانت ريحًا واحدة فإنها تكون عقيمًا. والعرب تقول: لا يلقح السحاب إلا من رياح. وأقول: ((وبالله التوفيق)) قول ابن عباس ((في كتاب الله تعالي)) معناه: أن هذا الحديث مطابق لما في كتاب الله تعالي فإن استعمال التنزيل دون أصحاب اللغة إذا حكم علي الريح والرياح مطلقتين كان إطلاق الريح غالبًا في العذاب، والرياح في الرحمة، فعلي هذا لا ترد تلك الآية علي قول ابن عباس؛ لأنها مقيدة بالوصف، ولا تلك الأحاديث؛ لأنها ليست من كتاب الله، وإنما قيدت الآية بالوصف ووحدت؛ لأنها في حديث الفلك وجريانها في البحر، فلو جمعت لأوهمت اختلاف الرياح، وهو موجب للعطب أو للاحتباس، ولو أفردت ولم تقيد بالوصف، لآذنت بالعذاب والدمار؛ ولأنها أفردت وكررت؛ ليناط بها مرة ((طيبة)) وأخرى ((عاصف)) ولو جمعت لم يستقم التعليق.

الحديث الخامس عن عائشة: قوله: ((ناشيءا)) أي سحابًا ((تو)): سمى به؛ لأنه ينشأ من الأفق، يقال: نشأ وأنشأ أي خرج، وأنشأ يفعل كذا أي طفق وفي الحديث:((إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت)) أراد السحابة. قوله: ((فإن مطرت)) الفاء تفصيلية، أي فإن لم يمطر، حمد الله تعالي علي النجاة، وإن أمطر شكر الله، وقال:((اللهم)) إلي آخره.

الحديث السادس عن ابن عمر: قوله: ((الصواعق)) جمع صاعقة وهي قصفة رعد تنقض معها قطعة من النار يقال: صعقته الصاعقة إذا أهلكته فصعق، أي مات، إما لشدة الصوت،

ص: 1329

1521 -

وعن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق، قال:((اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك)). رواه أحمد، والترمذي وقال: هذا حديث غريب. [1521]

الفصل الثالث

1522 -

عن [عامر بن] عبد الله بن الزبير، أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته. رواه مالك. [1522]

ــ

وإما بالاحتراق، فإن قلت: لم خص القتل بالغضب والإهلاك بالعذاب؟ قلت: نسبة الغضب إلي الله تعالي استعارة، والمشبه به الحالة التي تعرض للملك عند انفعاله، وغليان دمه، ثم الانتقام من المغضوب عليه، وأكثر ما ينتقم به القتل، فرشح الاستعارة به عرفا، والإهلاك والعذاب جاريان علي الحقيقة في حق الله تعالي ولما لم يكن تحصيل المطلوب إلا بمعافاة الله، كما جاء ((اللهم إني أعوذ بمعافاتك من عقوبتك)) قال:((وعافنا قبل ذلك)).

الفصل الثالث

الحديث الأول عن عبد الله رضي الله عنه: قوله: {يسبح الرعد بحمده} هو من الإسناد المجازي لأن الرعد سبب لأن يسبح الله السامع حامدًا له، خص سامعوا الرعد بالحمد؛ لأن الناس عند صوت الرعد خائفون راجون، كما قال تعالي:{هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا} رجع الحمد علي الخوف تفاؤلاً، أو إن جانب الرحمة أوسع.

ص: 1330