المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(48) باب في الأضحية - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٤

[الطيبي]

فهرس الكتاب

- ‌(21) باب سجود القرآن

- ‌(22) باب أوقات النهي

- ‌(23) باب الجماعة وفضلها

- ‌(24) باب تسوية الصف

- ‌(25) باب الموقف

- ‌(26) باب الإمامة

- ‌(27) باب ما علي الإمام

- ‌(28) باب ما علي المأموم من المتابعة

- ‌(29) باب من صلي صلاة مرتين

- ‌(30) باب السنن وفضائلها

- ‌(31) باب صلاة الليل

- ‌(32) باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌(33) باب التحريض علي قيام الليل

- ‌(34) باب القصد في العمل

- ‌(35) باب الوتر

- ‌(36) باب القنوت

- ‌(37) باب قيام شهر رمضان

- ‌(38) باب صلاة الضحى

- ‌(39) باب التطوع

- ‌(40) باب صلاة التسبيح

- ‌(41) باب صلاة السفر

- ‌(42) باب الجمعة

- ‌(43) باب وجوبها

- ‌(44) باب التنظيف والتبكير

- ‌(45) باب الخطبة والصلاة

- ‌(46) باب صلاة الخوف

- ‌(47) باب صلاة العيدين

- ‌(48) باب في الأضحية

- ‌(49) باب العتيرة

- ‌(50) باب صلاة الخسوف

- ‌(51) باب في سجود الشكر

- ‌(52) باب الاستسقاء

- ‌(53) باب في الرياح

- ‌ كتاب الجنائز

- ‌(1) باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌(2) باب تمني الموت وذكره

- ‌(3) باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌(4) باب غسل الميت وتكفينه

- ‌(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌(6) باب دفن الميت

- ‌(7) باب البكاء علي الميت

- ‌(8) باب زيارة القبور

الفصل: ‌(48) باب في الأضحية

(48) باب في الأضحية

الفصل الأول

1453 -

عن أنس، قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمى وكبر، قال: رأيته واضعًا قدمه علي صفاحهما ويقول: ((بسم الله والله أكبر)) متفق عليه.

1454 -

وعن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد، فأتى ليضحي به، قال: يا عائشة! هلمي المدية))، ثم قال:((اشحذيها بحجر))، ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش، فأضجعه ثم ذبحه، ثم قال:((بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد))، ثم ضحى به. رواه مسلم.

ــ

باب في الأضحية

وهي ما يذبح يوم النحر علي وجه القربة. وفي المغرب: الأضحية جمعها أضاح. وقال: ضحية وضحايا كهدية وهدايا، وأضحاة وأضحى، كأرطاة وأرطى. وبه سمى يوم الأضحى. ويقال: ضحى بكبش، أو غيره، إذا ذبحه وقت الضحى من أيام الأضحى. ثم كثر حتى قيل ذلك ولو ذبح آخر النهار. ((غب)): تسمية الأضحية بها في الشرع لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من ذبح قبل صلاتنا هذه فليعد)).

الفصل الأول

الحديث الأول عن أنس: ((أملحين)) ((نه)): الأملح: الذي بياضه أكثر من سواده. قيل: هي النقي البياض. والأقرن: العظيم القرن، والأنثى قرناء. قوله:((صفاحهما)) ((نه)): صفح كل شيء وجهه وناحيته. ((مظ)): وفيه أن السنة أن يذبح كل أحد الأضحية بيده لأن الذبح عبادة، والعبادة أفضلها أن يباشر كل بنفسه، ولو يوكل غيره جاز.

الحديث الثاني عن عائشة: قوله: ((أمر)) أي أمر بإتيان كبش، فأتي. قوله ((يطأ في سواد)) ((شف)): هو مجاز عن سواد القوائم، ويبرك في سواد من سواد البطن، وينظر في سواد عن سواد العينين. أقول: لو ذهب فيه إلي التجريد لجاز، كما في قوله تعالي: {لقد كان لكم في

ص: 1300

1455 -

وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة)) إلا أن يعسر عليكم؛ فتذبحوا جذعة من الضأن)) رواه مسلم.

1456 -

وعن عقبة بن عامر، أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنمًا يقسمها علي صحابته ضحايا، فبقي عتود، فذكره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((ضح به أنت)) – وفي رواية – قلت: ((يا رسول الله! أصابني حذع، قال: ((ضح به)). متفق عليه.

1457 -

وعن ابن عمر، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلي. رواه البخاري.

ــ

رسول الله أسوة حسنة} وقولهم: في البيضة عشرون رطلاً من حديد – وهي في نفسها هذا المقدار؛ لأنها ظرف لموزون مقداره عشرون رطلاً – كذلك قوله: ((يطأ في سواد)) معناه يطأ في الأرض بسواد قوائمه، جعل السواد ظرفًا محل لوطئه، وهو صفة القوائم، وكذلك جعل المنظور فيه سواد العين، وهي الناظر نفسه.

قوله: ((هلمي)) ((نه)): تعالي، وفيه لغتان: فأهل الحجاز يطلقونه علي الواحد، والجمع، والاثنين، والمؤنث بلفظ واحد مبني علي الفتح. وبنو تميم تثني، وتجمع، وتؤنث. قوله:((اشحذيها)) ((نه)): يقال: شحذت السيف والسكين إذا حددته بالمسن، وغيره. قوله:((ثم قال: بسم الله)) فإن قلت: التسمية ينبغي أن تكون قبل الذبح، فما معنى ((ثم)) هنا؟ قلت: معناه التراخي في الرتبة، وأنها هي المقصودة الأولية. ومن ثم كنى بها عن الذبح في قوله تعالي {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها}. قوله:((من أمة محمد)) ((مظ)): ليس معناه أن الغنم الواحد يضحى عن اثنين فصاعدًا، بل معناه: المشاركة في الثواب بالأمة. قوله: ((ثم ضحى به)) أي غدا به، في أساس البلاغة: ضحى قومه أي غداهم.

الحديث الثالث عن عقبة: قوله ((جذعة)) ((نه)): أصل الجذع من أسنان الدواب، وهو ما كان منها شابًا فتيًا، فهو من الإبل: ما دخل في السنة الخامسة، ومن البقر: ما دخل في الثلاثة، ومن الضأن: ما تمت له سنة. وقيل: أقل منها. ((حس)): اتفقوا علي أنه لا يجوز من الإبل، والبقر، والمعز دون الثنى، والثني من الإبل: ما استكمل خمس سنين، ومن البقر والمعز: ما استكمل سنتين وطعن في الثالثة، أما الجذع من الضأن فاختلفوا فيه، فذهب أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فمن بعدهم إلي جوازه، غير أن بعضهم اشترط أن يكون عظيمًا. وقال الزهري: لا يجوز من الضأن إلا الثني فصاعدًا كالإبل والبقر؛ والأول أصح لما ورد ((نعمت الأضحية الجذع من الضأن)).

الحديث الرابع عن عقبة: قوله: ((عتود)) ((نه)): هو الصغير من أولاد المعز إذا قوي وأتى عليه

ص: 1301

1458 -

وعن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة)). رواه مسلم، وأبو داود، واللفظ له.

1459 -

وعن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل العشر وأراد بعضكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئًا))، - وفي رواية:((فلا يأخذن شعرًا، ولا يقلمن ظفرًا، - وفي رواية: ((من رأي هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره)). رواه مسلم.

1460 -

وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلي الله من هذه الأيام العشرة، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد

ــ

حول. قوله ((ضح به أنت)) يذاق منه معنى الاختصاص، كما في جذعة ابن نيار قال:((يجزيء عنك، ولا يجزيء عن أحد بعدك)).

الحديث الخامس عن ابن عمر: قوله: ((والجزور عن سبعة)) أي يجزيء عن سبعة أنفس.

الحديث السادس عن أم سلمة: قوله: ((من شعره وبشره)) ((مظ)): المراد بالبشرة هنا الظفر، لعله ذهب إلي أن الروايتين دلتا عليه، وإلا فالبشر ظاهر جلد الإنسان، ويحتمل أن يراد أنه لا يغير من جلده شيئًا اذا احتيج إلي تغييره. ((تو)): ذهب بعضهم إلي أن النهي للتشبيه بحجاج بيت الله المحرمين. والأولي أن يقال: إن المضحي يجعل أضحيته فدية لنفسه من العذاب، ويرتاد بها القربة لوجه الله تعالي جبرانًا لتقصيره في حقوق الله، فرأي نفسه مستوجبة للعقاب، - وهو القتل – ولم يؤذن فيه، فقد أهانها وصار كل جزء منها فداء كل جزء منه، فلذلك نهي مس الشعر والبشر لئلا يفقد من ذلك قسط ما عند تنزل الرحمة وفيضان النور الإلهي، ليتم له الفضائل وينزه عن النقائص:((حس)): في الحديث دليل علي أن الأضحية غير واجبة، لقوله صلى الله عليه وسلم:((وأراد أحدكم أن يضحي)) ولو كانت واجبة، لم يفوض إلي إرادته، ولأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كراهة أن يرى أنها واجبة، بل هي مستحبة. وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، وإليه ذهب الشافعي. وذهب أصحاب أبي حنيفة إلي وجوبها علي من ملك نصابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:((علي أهل كل بيت في كل عام أضحية، وعتيرة)) والحديث ضعيف مع اتفاق أن العتيرة غير واجبة.

الحديث السابع: عن ابن عباس: قوله: ((العمل)) مبتدأ ((فيهن)) متعلق به، والخبر ((أحب))

ص: 1302

في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)). رواه البخاري.

الفصل الثاني

1461 -

عن جابر، قال: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجوءين، فلما وجههما قال:((إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض علي ملة إبراهيم حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك، عن محمد وأمته، بسم الله، والله أكبر))، ثم ذبح. رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، والدارمي. وفي رواية لأحمد، وأبي داود، والترمذي: ذبح بيده وقال: ((بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي)). [1461]

ــ

والجملة خبر ((ما)) و ((من)) الأولي زائدة، والثانية متعلقة بأفعل، وفيه حذف، كأنه لما قيل: ليس العمل في أيام سوى العشر أحب إلي الله تعالي من العمل في الأيام العشر، سئل: ولا الجهاد؟ أي ولا الجهاد في سبيل الله في أيام أخر أحب إلي الله من العمل في هذه الأيام؟ قيل: ويوضح هذا المعنى حديث أبي هريرة في آخر الفصل الثاني.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن جابر: قوله: ((موجوءين)) ((نه)): الوجاء: أن يرض أنثيا الفحل رضا شديدًا يذهب شهوة الجماع، وجيء وجأ فهو موجوء. وقيل: هو أن توجأ العروق والخصيتان بحالهما. قوله ((وجههما)) أي جعل وجههما تلقاء القبلة، ثم استقبل بوجه قبله تلقاء الحضرة الإلهية. قال:{إن صلاتي ونسكي} أي عبادتي، وتقربي، وذبحي، جمع بين الصلاة والذبح كما في قوله تعالي:{فصل لربك وانحر} وقوله {محياي ومماتي} أي وما آتيه في حياتي، وأموت عليه من الإيمان والعمل الصالح {لله رب العالمين} خالصة لوجهه، ((وبذلك أمرت وأنا من المسلمين)).

ص: 1303

1462 -

وعن حنش، قال: رأيت عليا [رضي الله عنه] يضحي بكبشين، فقلت له: ما هذا؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصإني أن أضحي عنه، فأنا أضحي عنه. رواه أبو داود، وروى الترمذي نحوه. [1462]

1463 -

وعن علي، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن، وألا نضحي بمقابلة ولا مدابرة، ولا شرقاء ولا خرقاء، رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، والدارمي، وانتهت روايته إلي قوله: والأذن. [1463]

ــ

قوله: ((اللهم منك)) أي هذه منحة منك صادرة عن محمد خالصة لك. قوله: ((عني)) أي اجعله أضحية عني، وعن أمتي. ((حس)): وقد كره بعض أهل العلم الموجوء لنقصان العضو، والأصح: أنه غير مكروه، ولأن الخصاء يزيد اللحم طيبًا، وينفي عنه الزهومة؛ ولأن ذلك العضو لا يؤكل. وفيه استحباب أن يذبح الأضحية بنفسه إن قدر عليه وكذلك المرأة.

الحديث الثاني عن حنش: قوله: ((ما هذا)) أي ما الذي بعثك علي فعلك هذا؟ فأجاب: وصية أوصإنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ((وعن)) في قوله: ((أضحي عنه)) كما في قوله تعالي: {وما فعلته عن أمري} أي ما صدر ما فعلته عن اجتهادي ورأيي. ((حس)): هذا دليل علي أنه لو ضحى عمن مات جاز. ولم ير بعض أهل العلم التضحية عن الميت. قال ابن المبارك: أحب أن يتصدق عنه ولا يضحي فإن ضحى، فلا يأكل منها شيئًا ويتصدق بها كلها.

الحديث الثالث عن علي: قوله: ((أن نستشرف العين)) ((نه)): أي نتأمل سلامتهما من آفة تكون بهما. وقيل: هو من الشرفة، وهي خيار المال، أي أمرنا أن نتحراهما. ((والمقابلة)) هي التي قطع من قبل أذنها شيء، ثم يترك معلقًا، كأنه زنمة، ((والمدابرة)) هي التي فعل بدبر أذنها ذلك، ((ولا شرقاء)) أي المشقوقة الأذن باثنين، ((والخرقاء)) المثقوبة الأذن ثقبًا مستديرًا. وقيل: الشرقاء: ما قطع أذنها طولاً، والخرقاء: ما قطع عرضًا. ((مظ)): لا يجوز التضحية بشاة قطع بعض أذنها عند الشافعي، وعند أبي حنيفة رضي الله عنهما يجوز إذا قطع أقل من النصف. ولا بأس بمكسورة القرن.

ص: 1304

1464 -

وعنه، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضحي بأعضب القرن والأذن. رواه ابن ماجه. [1464]

1465 -

وعن البراء بن عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: ماذا يتقى من الضحايا؟ فأشار بيده فقال: ((أربعًا، العرجاء البين ظلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقي)) رواه مالك، وأحمد، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي. [1465]

1466 -

وعن أبي سعيد، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبش أقرن فحيل، ينظر في سواد، ويأكل في سواد، ويمشي في سواد. رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. [1466]

1467 -

وعن مجاشع من بني سليم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:((إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني)) رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. [1467]

ــ

الحديث الرابع عن علي: قوله: ((بأعضب القرن)) ((فا)): العضب في القرن الداخل: الانكسار ويقال للكسر الخارج: القصم. قال ابن الأنباري: وقد يكون العضب في الأذن إلا أنه في القرن أكثر.

الحديث الخامس عن البراء: قوله: ((أربعًا)) فإن قلت: السؤال بقوله: ((ماذا يتقى)) – علي ما لم يسم فاعله – يقتضي أن يجاب بأربع بالرفع. قلت: لعله صحف الناسخ ((نتقي)) بالنون فكتب ((يتقي)) بالياء، أو أن يخالف الجواب، فتقدر العامل: اتق أربعًا. قوله: ((التي لا تنقي)) ((تو)): هي المهزولة التي لا نقي لها، أي لا مخ. وأنقى البعير إذا وقع في عظامه المخ.

الحديث السادس عن أبي سعيد: قوله: ((فحيل)) ((نه)): الفحيل: المنجب في ضرابه. وقيل: هو الذي يشبه الفحولة في عظم خلقه.

الحديث السابع عن مجاشع: قوله: ((يوفي مما يوفي منه الثني)) أي الجذع يجزيء مما يتقرب به من الثني. الجذع من الإبل: ما دخل السنة الخامسة، ومن البقر والمعز، ما دخل في الثانية.

ص: 1305

1468 -

وعن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((نعمت الضحية الجذع من الضأن)). رواه الترمذي. [1468]

1469 -

وعن ابن عباس، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فحضر الأضحى، فاشتركنا في البقرة سبعة، وفي البعير عشرة. رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. [1469]

1470 -

وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما عمل ابن آدم من عمل يوم النحر أحب إلي الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفسًا)) رواه الترمذي، وابن ماجه. [1470]

ــ

الحديث الثامن والتاسع عن ابن عباس: قوله: ((سبعة)) منصوب بتقدير أعني بيانًا لضمير الجمع. ((مظ)): قوله: ((في البعير عشرة)) عمل به إسحاق بن راهويه. وقال غيره: إنه منسوخ.

الحديث العاشر عن عائشة قوله: ((وإنه)) الضمير راجع إلي ما دل عليه إهراق الدم. والتإنيث في ((بقرونها)) باعتبار الجنس. ((مظ)): يعني أفضل عبادات يوم العيد إراقة دم القربان، وإنه يأتي يوم القيامة كما كان في الدنيا من غير أن ينقص منه شيء، ويعطى الرجل بكل عضو منه ثوابًا. وكل زمان يختص بعبادة، ويوم النحر مختص بعبادة فعلها إبراهيم عليه السلام من القربان والتكبير، ولو كان شيء أفضل من ذبح النعم في فداء الإنسان لم يجعل الله تعالي الذبح المذكور في قوله تعالي:{وفديناه بذبح عظيم} فداء لإسماعيل عليه السلام.

وأقول: قد تقرر أن الأعمال الصالحة، كالفرائض والسنن والآداب مع بعد مرتبتها في الفضل، قد يقع التفاضل بينها، فكم من مفضول يفضل علي الأفضل بحسب الخاصية ووقوعه في زمان مخصوص ومكان مخصوص. والتضحية إذا نظر إليها في أنها نسك من المناسك، وأنها من شعائر الله، كما قال تعالي:{ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب، لا سيما في أيام النحر لأنها كانت لهذا المعنى

ص: 1306

1471 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيام أحب إلي الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر)) رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: إسناده ضعيف. [1471]

الفصل الثالث

1472 -

عن جندب بن عبد الله، قال: شهدت الأضحى يوم النحر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعد أن صلي وفرغ من صلاته وسلم، فإذا هو يرى لحم أضاحي قد ذبحت قبل أن يفرغ من صلاته، فقال: ((من كان ذبح قبل أن يصلي – أو نصلي –

ــ

- لا في نفسها – من أفضل ما يعمله الإنسان، وأحب ما يصدر من الآدمي عند الله من سائر العبادات حينئذ. ألا ترى كيف تمم المعنى، وبالغ فيه بما لا يؤبه له من القرن والظلف والشعر، بل يكره التلفظ بها من حقارتها وبشاعتها، فجعلها في ميزان الحسنات؟ وإلي معنى تقوى القلوب ينظر قوله صلى الله عليه وسلم:((فطيبوا بها نفسًا)) أي قلبًا.

الحديث الحادي عشر عن أبي هريرة: قوله: ((ما من أيام أحب)) قيل: لو قيل: ((أن يتعبد)) مبتدأ و ((أحب)) خبره، و ((من)) متعلق بـ ((أحب)) يلزم الفصل بين ((أحب)) ومعموله بأجنبي، فالوجه أن يقرأ ((أحب)) بالفتح ليكون صفة ((أيام)) و ((أن يتعبد)) فاعله، ((ومن)) متعلق بـ ((أحب))، والفصل لا يكون بأجنبي، وهو مثل قولك: ما رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحل من عين زيد، وخبر ((ما)) محذوف.

أقول: لو ذهب إلي أن خبر ((ما)((أحب))، وأن ((أن يتعبد)) متعلق بـ ((أحب)) بحذف الجار، فيكون المعنى ما من أيام أحب إلي الله لأن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، لكان أولي من حيث اللفظ والمعنى؛ أما اللفظ فظاهر، وأما المعنى فإن سوق الكلام لتعظيم الأيام وتفخيمها، والعبادة تابعة لها، لا عكسه، وعلي ما ذهب إليه القائل يلزم العكس مع ارتكاب ذلك التعسف.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن جندب: قوله: ((يوم النحر)) بدل من ((الأضحى)) أي حضرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم النحر، فلم يعد بعد أن صلي إلي بيته، حتى رأي لحم أضاحي قد ذبحت قبل

ص: 1307

فليذبح مكانها أخرى)) – وفي رواية: قال: صلي النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، ثم خطب، ثم ذبح، وقال:((من كان ذبح قبل أن يصلي، فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله)) متفق عليه.

1473 -

وعن نافع، أن ابن عمر قال: الأضحى يومان بعد يوم الأضحى. رواه مالك. [1473]

1474 -

وقال: وبلغني عن علي بن أبي طالب مثله. [1474]

1475 -

وعن ابن عمر، قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي. رواه الترمذي. [1475]

1476 -

وعن زيد بن أرقم، قال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ما هذه الأضاحي؟ قال: ((سنة أبيكم إبراهيم عليه السلام) قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: ((بكل شعرة حسنة)). قالوا: فالصوف يا رسول الله؟ قال: ((بكل شعرة من الصوف حسنة)) رواه أحمد، وابن ماجه. [1476]

ــ

أن يفرغ من صلاته. ويحتمل أن يكون ((يعدو)) من عدا يعدو إذا تجاوز، أي لم يتجاوز عن الصلاة إلي الخطبة، ففاح لحم الأضاحي.

الحديث الثاني عن نافع: قوله: ((الأضحى يومان)) ((الأضحى)) جمع أضحاة كأرطاة وأرطى، أي وقت الأضاحي بعد يوم الأضحى يومان، وهذا مذهب مالك.

الحديث الثالث والرابع عن زيد: قوله: ((بكل شعرة)) الباء بمعنى ((في)) ليطابق السؤال، يعني أي شيء لنا من الثواب في الأضاحي؟ فأجاب: في كل شعرة حسنة، ولما كانت الشعرة كناية عن المعز كنوا عن الضأن بالصوف.

ص: 1308