الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
كتاب الجنائز
(1) باب عيادة المريض وثواب المرض
الفصل الأول
1523 -
عن أبي موسى، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العإني)). رواه البخاري.
1524 -
وعن أبي هريرة، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حق المسلم علي المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس)). متفق عليه.
ــ
كتاب الجنائز
((مح)): الجنازة بكسر الجيم وفتحها، والكسر أفصح، ويقال: بالفتح للميت، وبالكسر للنعش عليه ميت. ويقال: عكسه، حكاه صاحب المطالع. والجمع جنائز بالفتح لا غير والله أعلم بالصواب.
باب عيادة المريض وثواب المرض
الفصل الأول
الحديث الأول عن أبي موسى: قوله: ((فكوا العإني)) ((نه)): العإني: الأسير، وكل من ذل، واستكان، وخضع - فقد عنا. يقال: عنا يعنو فهو عان، والمرأة عإنية، وجمعها عوان: المتضررون الذين وجب حقهم علي غيرهم من المسلمين، منحصرون في هذه الأقسام صريحًا وكناية عند إمعان النظر.
الحديث الثاني عن أبي هريرة: قوله: ((حق المسلم علي المسلم خمس)) ((حس)): هذه كلها من حق الإسلام يستوي فيها جميع المسلمين برهم وفاجرهم، غير أنه يخص البر بالبشاشة والمسايلة والمصافحة، دون الفاجر المظهر للفجور.
((مظ)): إذا دعا المسلم المسلم إلي الضيافة، والمعارفة وجب عليه طاعته، إذا لم يكن ثمة ما يضر بدينه من الملاهي ومفارش الحرير. ورد السلام، واتباع الجنائز فرض علي الكفاية. وأما تشميت العاطس إذا حمد الله، وعيادة المريض فسنة إذا كان له متعهد وإلا فواجب. ويجوز أن تعطف السنة علي الواجب إن دلت عليه القرينة كما يقال: صم رمضان وستة من شوال.
1525 -
وعنه، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حق المسلم علي المسلم ست)). قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: ((إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه)). رواه مسلم.
1526 -
وعن البراء بن عازب، قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع، أمرنا: بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ورد السلام، وإجابة الداعي، وإبرار المقسم، ونصر المظلوم، ونهانا: عن خاتم الذهب، وعن الحرير،
ــ
((نه)): التشميت – بالسين والشين – الدعاء للعاطس بالخير والبركة، والمعجمة أعلاهما. واشتقاقه من الشوامت وهي القوائم، كأنه دعاء للعاطس بالثبات علي طاعة الله. وقيل: معناه أبعدك الله عن الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك.
قوله: ((وإذا استنصحك)) ((غب)): النصح تحري فعل أو قول فيه صلاح صاحبه وهو من قولهم: نصحت له الود، أخصلته، وناصح العسل خالصه.
الحديث الثالث عن أبي هريرة: قوله: ((إذا لقيته)) إلي آخره، فإن قلت: كيف طابق هذا جوابًا عن ((ما هن))، وكان حقه ظاهرًا أن يقال: أن يسلم عليه إذا لقيه، وأن يجيبه إذا دعاه، إلي آخره؟ قلت: لما كانت الخصال الست من معظمات مكارم الأخلاق، عدل عن الإخبار إلي صورة الأمر مريدًا به الخطاب العام لئلا يختص بواحد دون آخر كما سبق في قوله:((بشر المشائين)).
الحديث الرابع عن البراء: قوله: ((وإبرار المقسم)) قيل: هو تصديق من أقسم عليك، وهو أن يفعل ما سأله الملتمس وأقسم عليه أن يفعله، يقال: بر وأبر القسم إذا صدقه. وقيل: المراد من المقسم الحالف، ويكون المعنى أنه لو حلف أحد علي أمر مستقبل، وأنت تقدر علي تصديق يمينه، كما لو أقسم أن لا يفارقك حتى تفعل كذا، وأنت تستطيع فعله – فافعل كيلا يحنث يمينه.
قوله: ((ونصر المظلوم)) ((حس)): هو واجب يدخل فيه المسلم والذمي. وقد يكون ذلك بالقول، وقد يكون بالفعل، وبكفه عن الظلم.
قوله: ((ونهانا عن خاتم الذهب)) ((خط)): هذه الخصال مختلفة المراتب في حكم العموم والخصوص، والوجوب، فيحرم خاتم الذهب، وما ذكر معه من لبس الحرير والديباج، خاصة للرجال دون النساء. ويحرم إنية الفضة عامة في حق الكل؛ لأنه من باب السرف والمخيلة.
والإستبرق، والديباج، والميثرة الحمراء، والقسي، وإنية الفضة – وفي رواية: - وعن الشرب في الفضة، فإنه من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة. متفق عليه.
1527 -
وعن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع)). رواه مسلم.
ــ
قوله: ((والميثرة الحمراء)) ((نه)): الميثرة – بكسر الميم – مفعلة من الوثار، يقال: وثر وثارة فهو وثير، أي وطئ ولين. وأصلها: موثرة، فقلبت الواو ياء، لكسرة الميم: وهي من مراكب العجم يعمل من حرير أو ديباج، ويتخذ كالفراش الصغير، ويحشى بقطن أو صوف، يجعلها الراكب تحته علي الرحال والسروج. ((حس)): فإن كانت الميثرة من ديباج فحرام، وإن لم تكن فالحمراء منها منهي عنها، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم نهي عن ميثرة الأرجوان. ((قض)): توصيفها بالحمرة؛ لأنها كانت الأغلب في مراكب الأعاجم يتخذونها رعونة.
قوله: ((والقسي)) ((فا)): هو ضرب من ثياب كتان مخلوط بحرير يؤتى به من مصر، نسبت إلي قرية علي ساحل البحر، يقال لها القس. وقيل: القسي القزي، وهو ردئ الحرير، أبدلت الزاي سينًا.
قوله: ((لم يشرب فيها في الآخرة)) ((مظ)): يعني من اعتقد حلها، ومات عليه، فإنه كافر، وحكم من لم يعتقد ذلك خلاف ذلك؛ لأنه ذنب صغير، غلظ وشدد للرد والارتداع. أقول: قوله: ((لم يشرب فيها في الآخرة)) كناية تلويحية عن كونه جهنميًا، فإن الشرب من أوإني الفضة من دأب أهل الجنة؛ لقوله تعالي:{قوارير من فضة} ، فمن لم يكن هذا دأبه لم يكن من أهل الجنة، فيكون جهنميًا، فهو كقوله:((إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)).
الحديث الخامس عن ثوبان: قوله: ((في خرفة الجنة)) ((نه)): الخرفة بالضم اسم ما يخترف من النخيل حين يدرك. وفي حديث آخر ((عائد المريض علي مخارف الجنة، حتى يرجع)) والمخارف جمع مخرف – بالفتح – وهو الحائط من النخيل. يعني أن العائد فيما يحوزه من الثواب كأنه علي نخيل الجنة يخرف ثمارها. ((قض)): الخرفة: ما يجتنى من الثمار، وقد يتجوز بها للبستان من حيث أنه محلها، وهو المعني بها، بدليل ما روي ((علي مخارف الجنة)) أو علي تقدير المضاف، أي في مواضع خرفها.
1528 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالي يقول يوم القيامة: يا بن آدم، مرضت فلم تعدني. قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا بن آدم استطعمتك فلم تطعمني. قال: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العلمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟! يا بن آدم استسقيتك فلم تسقنى. قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟. قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي؟!)). رواه مسلم.
1529 -
وعن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل علي أعرابي يعوده، وكان إذا دخل علي مريض يعوده قال:((لا بأس، طهور إن شاء الله))، فقال له:((لا بأس، طهور إن شاء الله)). قال: كلا، بل حمى تفور، علي شيخ كبير، تزيره القبور، فقال:((فنعم إذن)). رواه البخاري.
ــ
الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((وأنت رب العالمين)) حال مقررة لجهة الإشكال الذي يتضمنه معنى ((كيف)). ومعنى الرب المالك، والمربي، بمعنى الأول: أن العيادة إنما تكون للمريض العاجز، ويستحيل ذلك في حق المالك الحقيقي، أي كيف أعودك، وأنت القاهر القادر القوي المتين؟ وعلي الثاني، والثالث، أن الإطعام والإسقاء إنما يحتاج إليه الضعيف الذي يتقوت به، فيقوم صلبه به، وأنت مربي العالمين، والغني علي الإطلاق. وخص الأول بقوله:((وجدتني عنده))، لأن العجز والانكسار ألصق وألزم هناك. والله تعالي أقرب إلي المنكسر المسكين. فإن قلت: الظاهر أن يقال: كيف تمرض مكان ((أعودك، وأنت رب العالمين؟)) قلت: عدل معتذرًا علي ما عوتب عليه، وهو مستلزم لنفي المرض. ((شف)): قال في العيادة: ((لوجدتني عنده)) وفي الإطعام والسقي: ((لوجدت ذلك عندي)) إرشاد إلي أن الزيارة والعيادة أكثر ثوابًا منهما.
الحديث السابع عن ابن عباس: قوله: ((تفور)) ((نه)): أي تظهر حرها، ووهجها، وغليانها. قوله:((فنعم إذن)) الفاء مرتبة علي محذوف، و ((نعم)) تقرير لما قال، يعني أرشدتك بقولي: لا بأس عليك، إلي أن الحمى تطهرك، وتنفي ذنوبك، فاصبر، واشكر الله عليهما، فأبيت إلا اليأس، والكفران، فكان كما زعمت، وما اكتفيت بذلك، بل رددت نعمة الله وأنت مسجع به. قاله غضبًا عليه.
1530 -
وعن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى منا إنسان، مسحه بيمينه، ثم قال:((أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا)). متفق عليه.
1531 -
وعنها، قالت: إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كانت به قرحة أو جرح، قال النبي صلى الله عليه وسلم بأصبعه:((بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، ليشفي سقيمنا، بإذن ربنا)). متفق عليه.
ــ
الحديث الثامن عن عائشة: قوله: ((لا شفاء إلا شفاؤك)) خرج مخرج الحصر تأكيدًا لقوله: ((أنت الشافي))؛ لأن خبر المبتدأ إذا كان معرفًا باللام أفاد الحصر؛ لأن تدبير الطبيب ونفع الدواء لا ينجح في المريض إذا لم يقدر الله تعالي الشفاء. وقوله: ((شفاء لا يغادر سقمًا)) تكميل لقوله: ((اشف)) والجملتان معترضتان بين الفعل والمفعول المطلق، والتنكير في ((سقما)) للتقليل.
الحديث التاسع عن عائشة: قوله: ((تربة أرضنا)) ((تو)): الذي يسبق إلي الفهم من صنيعه ذلك، ومن قوله:((تربة أرضنا)) إشارة إلي فطرة آدم، و ((ريقة بعضنا)) إلي النطفة التي خلق منها الإنسان، فكأنه يتضرع بلسان الحال، ويعرض بفحوى المقال: إنك اخترعت الأصل الأول من طين، ثم أبدعت بنيه من ماء مهين، فهين عليك أن تشفي من كانت هذه نشأته.
((قض)) قد شهدت المباحث الطبية علي أن الريق له مدخل في النضج، وتبديل المزاج، ولتراب الوطن تأثير في حفظ المزاج الأصلي، ودفع نكاية المضرات؛ لهذا ذكر في تدبير المسافرين أن المسافر ينبغي أن يستصحب تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائها، حتى إذا ورد ماء غير الماء الذي يعتاد شربه ويوافق مزاجه جعل منه شيئًا في سقائه ويشرب الماء منها؛ ليأمن تغير مزاجه. ثم إن الرقى والعزائم لها آثار عجيبة تتقاعد العقول عن الوصول إلي كنهها. وقوله:((بإصبعه)) في موضع الحال من فاعل ((قال)) و ((تربة أرضنا)) خبر مبتدأ محذوف، أي هذه. و ((الباء)) متعلقة بمحذوف، هو خبر ثان، أو حال عنها العامل فيها معنى الإشارة، والتقدير: قال النبي صلى الله عليه وسلم مشيرًا بإصبعه: باسم الله هذه تربة أرضنا معجونة بريقة بعضنا. قلنا هذا القول، أو صنعنا هذا الصنيع؛ ليشفي سقيمنا.
أقول: علي هذا ((بسم الله)) إلي آخره مقول للقول صريحًا، ويمكن أن يقال: إن قوله: ((بسم الله)) حال أخرى متداخلة، أو مترادفة علي تقدير قال متبركًا باسم الله. ويلزم منه أن يكون مقولاً، والقول الصريح قوله:((هذه تربة أرضنا))، إضافة ((تربة أرضنا، وريقة بعضنا)) يدل علي الاختصاص، وأن تلك التربة، والريقة كل واحدة منهما مختصة بمكان شريف متبرك، بل بذي
1532 -
وعنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى نفث علي نفسه بالمعوذات، ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه، كنت أنفث عليه بالمعوذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه.
وفي رواية لمسلم، قالت: كان إذا مرض أحد من أهل بيته نفث عليه بالمعوذت.
ــ
نفس شريفة قدسية طاهرة زكية من أوضار الذنوب، وأوساخ الآثام، ظاهرة جلية بما تواترت الأنوار عليها من مطلعي الجلال والإكرام. فلما تبرك باسم الله الشافي، ونطق بها، ضم إليه تلك التربة والريقة وسيلة إلي المطلوب من التشفي، فتكون اللام في ((ليشفي)) متعلقة بالتبرك المقدر. ويعضده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بزق في عين علي رضي الله عنه فبرأ من الرمد، وفي بئر الحديبية فامتلأت ماء إلي غير ذلك. ونظير قوله:((بعضنا)) ((بعضهم)) في قوله: {ورفع بعضهم درجات} ((الكشاف)): الظاهر أنه أراد بالبعض محمدًا صلى الله عليه وسلم لأنه هو المفضل علي سائر الأنبياء. وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره ما لا يخفي، لما فيه من الشهادة علي أنه العلم الذي لا يشتبه، والمتميز الذي لا يلتبس. ويقال للرجل: من فعل هذا؟ فيقول: بعضكم، يريد به الذي تعورف واشتهر بنحوه من الأفعال، فيكون أفخم من التصريح به، وأنوه بصاحبه. ((مح)) قالوا: المراد بـ ((أرضنا)) جملة الأرض. وقيل: أرض المدينة خاصة؛ لبركتها. وكان صلى الله عليه وسلم يأخذ من ريق نفسه علي إصبعه السبابة، ثم يضعها علي التراب، فيعلق بها منه، فيمسح بها علي الموضع الجريح والعليل، ويتلفظ بهذه الكلمات في حال المسح. ((شف)). هذا يدل علي جواز الرقية ما لم تشتمل علي شيء من المحرمات، كالسحر وكلمة الكفر. والله أعلم.
الحديث العاشر عن عائشة: قوله: ((نفث علي نفسه)) ((نه)): النفث بالفم، وهو شبيه بالنفخ وهو أقل من التفل؛ لأن التفل لا يكون إلا ومعه شيء من الريق.
قوله: ((بالمعودات)) ((مظ)): حقه أن يقال: بالمعوذتين؛ لأنهما سورتان، ولكن أتى بلفظ الجمع، إما لأنها أجرت التثنية مجرى الجمع، أو لأنها تعنى بالمعوذات هاتين السورتين، وكل ما يشبهها من الآيات. ومن ذهب إلي أن أقل الجمع اثنان، فلا يرد عليه هذا، وفيه أن الرقية والنفث بكلام الله تعالي سنة.
قوله: ((مسح عنه بيده)) الضمير في ((عنه)) راجع إلي ذلك النفث، والجار والمجرور حال، أي نفث علي بعض جسمه صلى الله عليه وسلم، ثم مسح بيده متجاوزًا عن ذلك النفث إلي سائر أعضائه صلى الله عليه وسلم. ((شف)): لعله صلى الله عليه وسلم لما علم أنه آخر مرضه، وأن ارتحاله عن الدنيا عن قريب ترك قراءتهما.
1533 -
وعن عثمان بن أبي العاص، أنه شكا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ضع يدك علي الذي يألم من جسدك، وقل: بسم الله ثلاثًا، وقل سبع مرات: أعوز بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر)). قال: ففعلت، فأذهب الله ما كان بي. رواه مسلم.
1534 -
وعن أبي سعيد الخدري، أن حبريل أتي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد اشتكيت؟ فقال: ((نعم)). قال: بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك. رواه مسلم.
1535 -
وعن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين: ((أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة))، ويقول:((إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق)). رواه البخاري. وفي أكثر نسخ ((المصابيح)): ((بهما)) علي لفظ التثنية.
ــ
الحديث الحادي عشر عن عثمان: قوله: ((ما أجد وأحاذر)) تعوذ من وجع ومكروه هو فيه، ومما يتوقع حصوله في المستقبل من الحزن والخوف؛ فإن الحذر هو الاحتراز عن مخوف.
الحديث الثاني عشر عن ابن عباس: قوله: ((بكلمات الله التامة)) ((تو)): الكلمة في لغة العرب تقع علي كل جزء من الكلام، اسمًا كان أو فعلاً أو حرفًا، وتقع علي الألفاظ المنظومة، وعلي المعإني المجموعة. والكلمات ها هنا محمولة علي أسماء الله الحسنى، وكتبه المنزلة؛ لأن المستعاذ به من الكلمات إنما يصح ويستقيم أن يكون بمثلها. ووصفها بـ ((التامة)) لخلوها عن النواقص والعوارض، فإن الناس متفاوتون في كلامهم علي حسب تفاوتهم في العلم واللهجة، وأساليب القول، فما منهم من أحد إلا وقد يوجد فوقه آخر، إما في معناه، أو في معان كثيرة، ثم إن أحدهم قلما يسلم من معارضة أو خطأ أو نسيان أو العجز عن المعنى الذي يراد، أو عظم النقائص التي هي مقترنة بها، إنها كلمات مخلوقة يتكلم بها مخلوق مفتقر إلي الأدوات والمخارج، وهذه أدوات نقيصة لا ينفك عنها كلام مخلوق، وكلمات الله تعالي متعالية عن هذه القوادح، فهي التي لا يسعها نقص ولا يعتريها اختلال. واحتج الإمام أحمد بها علي القائلين بخلق القرآن. فقال: لو كانت كلمات الله تعالي مخلوقة لم يعذ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لا يجوز الاستعاذة بمخلوق، واحتج أيضًا بقوله:((التامة)) فقال: ما من مخلوق إلا وفيه نقص.
1536 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيرًا يصب منه)). رواه البخاري.
1537 -
وعنه وعن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم ((ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها؛ إلا كفر الله بها من خطاياه). متفق عليه.
ــ
أقول: معنى قوله تعالي: {والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين * وتمت كلمة ربك صدقًا وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم} أنه تم كل ما أخبر به وأمر ونهي، ووعد وأوعد، صدقًا وعدلاً، خص الأنواع بالذكر لدلالة السابق، يعني فضله بمثل تلك الأنواع، ثم قسمه بالصدق والعدل فإن الصدق مناسب للخير والوعد، والوعيد. وإن العدل موافق للأمر والنهي، لأنه تعالي يأمر وينهي بمقتضى حكمته. ويضع كلاً قي موضعه، ويتصرف في ملكه بالأمر والنهي علي ما أراد. ومعنى تمام الإخبار والوعد والوعيد أن يكون صدقًا، وفي الأمر والنهي أن يكون عدلاً؛ لأن تمام الشيء انتهاؤه، وكماله لا يحتاج إلي خارج عنه، والناقص بخلافه.
قوله: ((وهامة)((نه)): الهامة كل ذات سم يقتل، والجمع الهوام. فأما ما له سم ولا يقتل، فهي السامة، كالعقرب والزنبور. وقد تقع الهوام علي كل ما يدب من الحيوان وإن لم يقتل، كالحشرات.
قوله: ((عين لامة)) ((نه)): أراد ذات لمم؛ ولذلك لم يقل: لممة. وأصلها من ألمت بالشيء وقيل: ((لامة)) لازدواج قوله: ((هامة)). وعن بعضهم: الأصل فيه ملمة؛ لأنها فاعل ألمت، إلا أنه صلى الله عليه وسلم قصد المشاكلة في الفواصل. قوله:((وفي أكثر نسخ المصابيح: بهما)) وهو مشكل، اللهم إلا أن يجعل ((كلمات الله)) مجازًا من معلومات الله، ومما تكلم به سبحانه وتعالي من الكتب المنزلة. والظاهر أنه سهو من الكاتب.
الحديث الثالث عشر عن أبي هريرة: قوله: ((يُصب)) ((مح)): ضبطوا بفتح الصاد وكسرها. أقول: الفتح أحسن للأدب، كما قال:{وإذا مرضت فهو يشفين} . ((فا)): أي ينل منه بالمصائب. ((مظ، حس)): يعني يبتليه بالمصائب. المعنى: من يرد الله به خبرًا أوصل إليه مصيبة ليطهره من الذنوب وليرفع درجته. والمصيبة اسم لكل مكروه يصيب أحدًا.
الحديث الرابع عشر عن أبي هريرة، وأبي سعيد: قوله: ((نصب ولا وصب)) ((نه)): النصب
1538 -
وعن عبد الله بن مسعود، قال: دخلت علي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله! إنك لتوعك وعكًا شديدًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم)) قال: فقلت: ذلك لأن لك أجرين؟ فقال: ((أجل)). ثم قال: ((ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حط الله تعالي به سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها)). متفق عليه.
1539 -
وعن عائشة، قالت: ما رأيت أحدًا الوجع عليه أشد من رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه.
ــ
التعب، والوصب دوام الوجع ولزومه. قوله:((ولا هم ولا حزن)) ((تو)): الهم الحزن الذي يذيب الإنسان، من قولهم: هممت الشحم، فالهم والحزن خشونة في النفس لما يحصل فيها من الغم، أخذ من حزونة الأرض. فعلي هذا الهم أخص وأبلغ من من الحزن. وقيل: الهم يختص بما هو آت، والحزن بما مضى. روى الترمذي: أن وكيعًا قال: لم يسمع في الهم أنه يكون كفارة إلا في هذا الحديث. ((مظ)): الغم الحزن الذي يغم الرجل، أي يصيره بحيث يقرب أن يغمى عليه، والحزن أسهل منه.
قوله: ((حتى الشوكة)) ((الكشاف)): شكت الرجل، أشوكه، أي دخلت في جسده شوكة، وشيك – علي ما لم يسم فاعله – يشاك شوكًا. ((مظ)): يجوز رفع الشوكة علي الابتداء، والخبر ((يشاكها)) وجرها علي أن ((حتى)) عاطفة، أو بمعنى إلي، والضمير في ((يشاكها)) مفعوله الثاني، والمفعول الأول مضمر أقيم مقام الفاعل، المعنى حتى الشوكة يشاك المسلم تلك الشوكة.
الحديث الخامس عشر عن عبد الله: قوله: ((وهو يوعك)) ((نه)): هو حرارة الحمى وألمها، وقد وعكه المرض وعكًا فهو موعوك.
قوله: ((كما تحط الشجرة)) شبه حالة المريض وإصابة المرض جسده، ثم محو السيئات عنه سريعًا بحالة الشجرة، وهبوب الرياح الخريفية، وتناثر الأوراق منها سريعًا، وتجردها عنها، فهو تشبيه تمثيلي لانتزاع الأمور المتوهمة في المشبه من المشبه به، فوجه التشبيه: الإزالة الكلية علي سبيل السرعة، لا الكمال والنقصان، لأن إزالة الذنوب عن الإنسان سبب كماله، وإزالة الأوراق عن الشجرة سبب نقصانها.
الحديث السادس عشر عن عائشة: قوله: ((الوجع عليه)) مبتدأ وخبره ((أشد)) إلي آخره، والجملة بمنزلة المفعول الثاني لـ ((رأيت))؛ لأنها من دواخل المبتدأ والخبر، والخبر قد يكون جملة و ((من)) زائدة، المعنى: ما رأيت أحدًا أشد وجعًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1540 -
وعنها، قالت: مات النبي صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدًا بعد النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري.
1541 -
وعن كعب بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الرياح، تصرعها مرة، وتعدلها أخرى، حتى يأتيه أجله، ومثل المنافق كمثل الأرزة المجذبة التي لا يصيبها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة)). متفق عليه.
1452 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرزة لا تهتز حتى تستحصد)). متفق عليه.
ــ
الحديث السابع عشر عن عائشة: قوله: ((بين حاقنتي وذاقنتي)) أي توفي مستندًا إلي. ((نه)): الحاقنة: الوهدة المنخفضة بين الترقوتين من الحلق، والذاقنة: الذقن. وقيل: طرف الحلقوم. وقيل: ما يناله الذقن من الصدر ((قض)): عنت إني لما رأيت شدة وفاته علمت أن ذلك ليس من المنذرات الدالة علي سوء عاقبة المتوفي، وأن هون الموت وسهولته ليس من المكرمات، وإلا لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولي الناس به، فلا أكره شدة الموت لأحد ولا أغبط أحدًا يموت من غير شدة.
الحديث التاسع عشر عن كعب: قوله: ((كمثل الخامة)) ((نه)): الخامة: الطاقة الغضة اللينة من الزرع، وألفها منقلبة عن واو. قوله:((تفيئها)) ((فا)) أي تميلها يمينًا وشمالاً. ((تو)): وذلك أن الريح إذا هبت شمالاً أمالت الخامة إلي الجنوب، فصار فيئها يمينًا وشمالاً في الجانب الجنوبي، وإذا هبت جنوبًا فيأت في الجانب الشمالي.
قوله: ((يصرعها)) ((نه)): اي يميلها ويرميها من جانب إلي جانب. قوله: ((كمثل الأرزة)) ((فا)): الأرزة – بفتح الراء – شجرة الأرزن، وروى بسكونها. وهي شجرة الصنوبر، والصنوبر ثمرها. ((مظ)): الأرزن شجرة صلب يجعل منه السوط، والعصا، والرواية الأخرى أصح. قوله:((المجذبة)) (فا)): يقال: جذا يجذو، وأجذى يجذي، إذا ثبت قائمًا.
قوله: (انجعافها)) ((فا)): أي انقلاعها، وهو مطاوع جعفته جعفًا، إذا قلعته. وقوله:((من الزرع)) صفة للخامة، لأن التعريف في الخامة للجنس. و ((تفيئها)) يجوز أن يكون صفة أخرى للخامة، وأن يكون حالاً من الضمير المتحول إلي الجار والمجرور. وهذا التشبيه يجوز أن يكون مفرقًا، فيقدر للمشبه معان مقابلة للمشبه به، وأن يكون تمثيليًا، فيتوهم للمشبه ما للمشبه به، وأن يكون قولاً بأن تؤخذ الزبدة من المجموع. وفيه إشارة إلي أن المؤمن ينبغي له أن يرى نفسه في الدنيا عارية معزولة عن استيفاء اللذات والشهوات معروضة للحوادث والمصيبات، مخلوقة
1453 -
وعن جابر، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي أم السائب فقال: ((مالك تزفزفين؟)) قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال:((لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد)). رواه مسلم.
1544 -
وعن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا مرض العبد أو سافر؛ كتب له بمثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا)). رواه البخاري.
1545 -
وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطاعون شهادة لكل مسلم)). متفق عليه.
1546 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله)) متفق عليه.
ــ
للآخرة؛ لأنها جنته، ودار خلوده وثباته. وقوله:((حتى يستحصد)) الحصاد إنما يستعمل في الزروع والكلأ واستعماله في الشحر إما استعارة لفظية، كالمشفر للشفة، أو معنوية، شبه قلع شجر الصنوبر أو الأرزن في سهولته بحصاد الزرع، فدل علي سوء خاتمة الكافر.
الحديث العشرون عن جابر: قوله: ((تزفزفين)) ((نه)): زفزف الطائر بجناحيه إذا بسطهما عند السقوط علي شيء يحوم عليه ليقع فوقه. والمعنى: مالك ترتعدين؟ ويروى بالزاي من الزفزفة وهي الارتعاد من البرد. قوله: ((الكير)) ((نه)): هو بالكسر كير الحداد، وهي المبنى من الطين. وقيل: الزق الذي ينفخ به النار، والمبنى الكور.
الحديث الحادي والعشرون عن أبي موسى: قوله: ((بمثل)) الباء زائدة كما في قوله تعالي: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} .
الحديث الثاني والعشرون عن أنس – رضي الله عنه – قوله: ((الطاعون)) ((نه)) وهو المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد به الأمزجة والأبدان.
الحديث الثالث والعشرون عن أبي هريرة: قوله: ((الشهداء)) ((غب)): الشهود والشهادة الحضور مع المشاهدة، إما بالبصر أو بالبصيرة. وسمي الشهيد شهيدًا؛ لحضور الملائكة إياه، إشارة إلي قوله تعالي:{تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} أو لأنهم يشهدون في تلك الحالة ما أعد لهم من النعيم، أو لأنه يشهد أرواحهم
1547 -
وعن عائشة، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرني: أنه عذاب يبعثه الله علي من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرًا محتسبًا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد)). رواه البخاري.
1548 -
وعن أسامة بن زيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطاعون رجز أرسل علي طائفة من بني إسرائيل، أو علي من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض، وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارًا منه)) متفق عليه.
ــ
عند الله، كما قال تعالي:{بل أحياء عند ربهم يرزقون* فرحين} . فإن قلت: ((خمسة)) خبر لـ ((الشهداء)) والمعدود بعده بيان له، فيكون حمله علي المبتدأ من باب التشبيه، كأنه قيل: المطعون كالشهيد إلي آخره، فكيف يصح هذا في الشهيد، فإنه حمل الشيء علي نفسه قلت: هو من باب قوله: أنا أبو النجم، وشعرى شعرى، كأنه قيل: الشهيد الكامل أو المعروف هو من قتل في سبيل الله: قوله: ((المبطون)) ((نه)): أي الذي يموت بمرض البطن كالاستسقاء ونحوه.
الحديث الرابع والعشرون عن عائشة: قوله: ((ليس من أحد)) الجملة بيان لقوله: ((جعله رحمة للمؤمنين)) و ((من)) زائدة، و ((يقع الطاعون)) صفة لـ ((أحد)) والراجع محذوف، أي يقع في بلده. و (فيمكث)) عطف علي (يقع)) وكذا ((يعلم)) وإلا لكان خبر ((ليس)) و (صابرًا ومحتسبًا)) حالان من فاعل ((يمكث)) أي يصبر وهو قادر علي الخروج متوكلاً علي الله تعالي ابتغاءً لمرضات الله طالبًا لثوابه لا لغرض آخر.
الحديث الخامس والعشرون عن أسامة: قوله: ((رجز)) ((تو)): الرجز العذاب. والأصل فيه الاضطراب، ومنه قيل: رجز البعير رجزًا، إذا تقارب خطوه واضطرب لضعف فيه. وقوله:((علي طائفة من بني إسرائيل)) هم الذين أمرهم الله تعالي أن يدخلوا الباب سجدًا، فخالفوا، قال تعالي:{فأنزلنا علي الذين ظلموا رجزًا من السماء} . قيل: أرسل الله عليهم الطاعون، فمات منهم في ساعة أربعة وعشرون ألفًا. ((قض)): في الحديث النهي عن استقبال البلاء، فإنه تهور، وإقدام علي خطر، وإيقاع للنفس في معرض التهلكة، وعن الفرار منه، فإنه فرار من
1549 -
وعن أنس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله سبحانه وتعالي: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه، ثم صبر؛ عوضته منهما الجنة)) يريد عينيه. رواه البخاري.
ــ
القدر، وهو لا ينفعه. ((خط)): أحد الأمرين تأديب وتعليم، والآخر تفويض وتسليم. ((تو)): إن الله تعالي شرع التوفي عن المحذور، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغ الحجر، منع أصحابه من الدخول فيه، وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن الخروج منه، فيحتمل أنه أراد إذا خرج الأصحاء ضاعت المرضي ممن يتعهدهم، والموتى من التجهيز والتكفين والصلاة عليهم.
قوله: ((سمعتم به بأرض)) الباء الأولي متعلقة بـ ((سمعتم)) علي تضمين أخبرتم، و ((بأرض)) حال، أي واقعًا في أرض. ((حس): وفيه دليل علي أنه لو خرج منه لحاجة يريدها، أو سفر يقصده، فلا بأس به.
الحديث السادس والعشرون عن أنس: قوله: ((بحبيبتيه)) تسمى العينان بالحبيبتين لأن العالم عالم الغيب والشهادة، وكل منهما محبوب، ومدرك الأولي البصيرة، ومدرك الثاني البصر، واشتق الحبيب من حبة القلب، وهي سويداؤه، نظير سويداء العين، وأنشد السيد الرضي:
لو يفتدى ذاك السواد فديته بسواد عيني بل سواد ضمائري
وفقال [أبو العلاء]:
يود أن سواد الليل دام له وزيد فيه سواد القلب والبصر
ولأن السرور يكنى عنه بقرة العين لما نشاهد المحبوب بها، ويكنى عن الحزن بسخونتها للمفارقة عنه. ولعل جعل الجنة عوضًا عنها، لأن فاقدهما حبيس، فالدنيا سجنه حتى يدخل الجنة، علي ما ورد ((الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)). و ((ثم)) في قوله: ((ثم صبر)) للتراخي في الرتبة؛ لأن ابتلاء الله تعالي العبد نعمة، وصبره عليه مقتضٍ لتضاعف تلك النعمة؛ لقوله تعالي:{إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب} . ولما أصيب ابن عباس رضي الله عنهما بكريمتيه)) أنشد:
إن يذهب الله من عيني نورهما ففي لسإني وقلبي للهدى نور
عقلي ذكي، وقولي غير ذي خطل وفي فمي صارم كالسيف مأثور
الفصل الثاني
1550 -
عن علي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلي عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلي عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة)). رواه الترمذى، وأبو داود. [1550]
1551 -
وعن زيد بن أرقم، قال: عادني النبي صلى الله عليه وسلم من وجع كان يصيبني. رواه أحمد، وابو داود. [1551]
1552 -
وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فأحسن الوضوء، وعاد أخاه محتسبًا، بُوعد من جهنم مسيرة ستين خريفًا)). رواه أبو داود. [1552]
1553 -
وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يعود مسلمًا فيقول سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا شفي، إلا أن يكون قد حضر أجله)). رواه أبو داود والترمذي. [1553]
1554 -
وعنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الحمى ومن الأوجاع كلها أن
ــ
الفصل الثاني
الحديث الأول عن علي: قوله: ((وإن عاده عشية)) ((إن)) نافية بدلالة ((إلا))، ولمقابلتها ((ما)). و ((خريف)) أي مخروف من ثمر الجنة، فعيل بمعنى مفعول.
الحديث الثاني إلي الرابع عن أنس: قوله: ((محتسبًا)) تنازع فيه ((توضأ)) و ((عاد)) قوله: ((ستين خريفًا) أي عامًا. قالوا: سمي به لاشتماله عليه، إطلاقًا للبعض وإرادة للكل مجازًا. وقد سئل أنس عن الخريف، قال: العام. وكانت العرب يؤرخون أعوامهم بالخريف؛ لأنه كان أوان جدادهم، وقطافهم، وإدراك غلاتهم، إلي أن أرخ عمر رضي الله عنه بسنة الهجرة. وفيه أن الوضوء سنة في عيادة المريض؛ لأن العائد إن دعا وسمى الله وهو علي الطهارة، كان أقرب إلي الإجابة.
الحديث الخامس عن ابن عباس: قوله: ((كل عرق نعار)) (نه)): نعر العرق بالدم إذا ارتفع
يقولوا ((بسم الله الكبير)) أعوذ بالله العظيم، من شر كل عرق نعار، ومن شر حر النار)). رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب، لا يعرف إلا من حديث إبراهيم بن إسماعيل وهو يضعف في الحديث. [1554]
1555 -
وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من اشتكى منكم شيئًا أو اشتكاه أخ له، فليقل: ربنا الله الذي في السماء، تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما أن رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك، علي هذا الوجع؛ فيبرأ)). رواه أبو داود. [1555]
ــ
وعلا، وجرح نعار ونعور إذا صوت دمه عند خروجه. ((فا)): فلان نعار في الفتن إذا كان يسعى فيها، ويصوت بالناس.
الحديث السادس عن أبي الدرداء: قوله: ((ربنا الله الذي في السماء)) ((ربنا)) مبتدأ، و ((الله)) خبره، و ((الذي)) صفة مادحة عبارة عن مجرد علو شأنه ورفعته، لا عن المكان لأنه منزه عن المكان. ومن ثم نزه اسمه عما لا ينبغي، فيلزم منه تقدس المسمى بالطريق الأولي.
ولا يجوز أن يكون الصفة مميزة، كما في قوله تعالي:{يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم} لأن الرب الذ قد يتصور فيه الاشتراك علي زعم المشركين بخلاف ((الله) فإنه أسم مختص بالمعبود بالحق وفاقًا.
قوله: ((أمرك في السماء)) كقوله تعالي: {وأوحى في كل سماء أمرها} أي ما أمر به فيها، ودبره من خلق الملائكة والنيرات وغير ذلك، أو شأنها وما يصلحها.
قوله: ((كما رحمتك في السماء)) ((ما)) كافة مهيئة لدخول الكاف علي الجملة، شبه ما فيه اختلاف بما لا اختلاف فيه، وذلك أن أمر الله – كما فسر – غير مختص بالسماء دون الأرض لكن الرحمة من شأنها أن تختص بالسماء دون الأرض؛ لأنها مكان الطيبين المعصومين عن أوضار الآثام، بخلاف الأرض، ولذلك أتى بالفاء الجزائية، أي إذا كان كذلك فافعل. وقيد الفعل بالحوب ((فا)): والحوبة الإثم. والتعريف في ((الوجع)) للعهد، وهو ما يعرفه كل أحد أن
1556 -
وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاء الرجل يعود مريضًا فليقل: اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدوًا أو يمشي لك إلي جنازة)). رواه أبو داود. [1556]
1557 -
وعن علي بن زيد، عن أمية أنها سألت عائشة عن قول الله عز وجل:{إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} . وعن قوله: {من يعمل سوءًا يجز به} ، فقالت: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة، حتى البضاعة يضعها في يد قميصه، فيفقدها، فيفزع لها، حتى إن العبد ليخرج من ذنوبه، كما يخرج التبر الأحمر من الكير)). رواه الترمذي. [1557]
ــ
الوجع ما هو. ويجوز أن يشار به إلي ((شيئًا)) فالجيم مفتوحة، أو إلي ((من)) في ((من اشتكى)) فالجيم مكسورة. و ((أنت رب الطيبين)) إلي آخره تقرير للمعنى السابق، وتخصيص بعد التعميم. فالأول كالوسيلة إلي المطلوب.
الحديث السابع عن عبد الله: قوله: ((ينكأ لك عدوًا)) ((نه)): نكيت في العدو أنكى نكاية فأنا ناك، إذا كثرت فيهم الجراح والقتل، فوهنوا لذلك. و ((ينكأ)) مجزوم علي أنه جواب الأمر، ويجوز الرفع علي تقدير اشف عبدك، فإنه ينكأ عدوك. وقيل: ويجوز أن يكون ((يمشي)) أيضًا مجزومًا لم تحذف لامه، نحو قراءة من قرأ {إنه من يتقي ويصبر)) بإثبات الياء. ولعله جمع بين النكاية، وتشييع الجنازة؛ لأن الأول كدح في إنزال العقاب علي عدو الله، والثاني سعى في إيصال الرحمة إلي ولي الله. قال:
لنا ملك ما يطعم النوم همه ممات لحي، أو حياة لميت
الحديث الثامن عن علي: قوله: ((معاتبة الله العبد)) ((تو)): هذا الحديث لم يؤت في المصابيح علي وجهه، حيث جاء فيه ((متابعة الله)) من ((تبع))، وفي كتاب الترمذي:((معاتبة الله)) من ((عتب)). أقول: وكذا في شرح القاضي، والأشرف. ثم قال الشيخ: لا تعرف المتابعة في الحديث ولا معنى له، وإنما هو ((معاتبة الله العبد))، أي يؤاخذه بما أصابه من الذنب بما يصيبه في الدنيا من الحمى وغيرها. أقول: أما الرواية، فلا كلام عليها. وأما المعنى فصحيح؛ لما جاء:((اتبعوا القرآن ولا يتبعكم)). قال ابن الأثير في النهاية: قيل: معناه لا يطلبنكم لتضييعكم إياه، كما يطلب الرجل صاحبه بالتبعة. والتبيع الذي يتبعك لحق يطالبك به، فالمعنى: هذه
1558 -
وعن أبي موسى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يصيب عبدًا نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر، وقرأ:{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} . رواه الترمذي. [1558]
ــ
طلب من الله إياه ليجازيه علي ما صدر عنه من التبعة، فأطلق المتابعة، وأراد المجازاة. نعم الرواية الثانية ألطف وأنسب بالمقام، وتحقيقه: أن عائشة رضي الله عنها قد تحيرت في أمر نفسها، حيث فهمت من الآية أن هذه مؤاخذة عقاب أخروي، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، فأجابها صلى الله عليه وسلم: طيبي نفسًا إنها ليست بمؤاخذة عقاب يكون في العقبى، إنما هي مؤاخذة عتاب في الدنيا، صادرة عن مبدأ عناية ورحمة، علي ما هو معهود من ذي عاطفة وإشفاق علي معطوف عليه يراقب أوقاته وأحواله، وينبهه لطريق السعادة كلما ازور عن سواء الطريق يرده إليه لطفًا وقهرًا، فكأنه صلى الله عليه وسلم يسلي نفس أم المؤمنين ويطيبها، ويقول لها: لا تظني أن هذه المحاسبة مؤاخذة سخط وغضب، وأنها مخصوصة بالآخرة؛ إنما هي مؤاخذة عتاب يجري بين المتعاتبين، ولهذا جاء صلى الله عليه وسلم بصلة المعاتبة توضيحًا لها وتحقيقًا لمعناها في قوله:((تصيبه من الحمى والنكبة)) ووضع المظهر موضع المضمر في قوله: ((حتى إن العبد ليخرج من ذنوبه)) كأنه قيل: يخرج عبدي وهو تحت عنايتي ولطفي. و ((النكبة)) هي ما يصيب الإنسان من الحوادث. و ((البضاعة)) قسط من المال يقتنى للتجارة، والأصل فيها البضع، وهو جملة من اللحم، تبضع أي تقطع.
قوله: ((فيفقدها)) يقال: فقدت الشيء أفقده فقدًا، أي طلبته بعد ما غاب. قال الله تعالي:{ماذا تفقدون} . والمراد بـ ((يد القميص)) كمه، تسمية للمحل باسم الحال، يريد أن الرجل إذا وضع بضاعته في كمه، ووهم أنها غابت، فطلبها وفزع لذلك، كفرت عنه ذنوبه. وفيه من المبالغة ما لا يخفي. وقوله:((فيفزع لها)) يقال: فزع له، أي تغير وتحول من حال إلي حال. ((نه)): يقال: فزعت لمجيء فلان، إذا تأهبت له متحولاً من حال إلي حال.
قوله: ((والتبر)) ((نه)): هو الذهب والفضة قبل أن يضربا دراهم ودنإنير، فإذا ضربا كانا عينًا.
الحديث التاسع عن أبي موسى: قوله: ((نكبة فما فوقها)) التنكير فيها للتقليل لا للجنس، ليصح ترتيب ((فوقها، ودونها)) في العظم والحقارة عليه بالفاء، وهو يحتمل وجهين: فوقها في العظم ودونها في الحقارة، وعكس ذلك، ونحوه قوله تعالي:{إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها} .
1559 -
وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد إذا كان علي طريقة حسنة من العبادة، ثم مرض، قيل للملك الموكل به، اكتب له مثل عمله إذا كان طليقًا حتى أطلقه، أو أكفته إلي)). [1559]
1560 -
وعن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إذا ابتلي المسلم ببلاء في جسده، قيل للملك، اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل، فإن شفاه غسله وطهره. وإن قبضه غفر له ورحمه)). رواهما في ((شرح السنة)). [1560]
1561 -
وعن جابر بن عتيك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الشهادة سبع، سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد)). رواه مالك، وأبو داود، والنسائي. [1561]
1562 -
وعن سعد، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أشد بلاء؟ قال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلي الرجل علي حسب دينه فإن كان صلبًا في دينه
ــ
الحديث العاشر عن عبد الله بن عمرو: قوله: ((أو أكفته)) ((نه)): أي أضمه إلي القبر. ومنه قيل للأرض: كفات. ((مظ)): أكفته، أي أميته. وأقول: هذا المعنى أقرب؛ لأن المعنى اكتب له مثل عمله حين كان صحيحًا زمانًا بعد زمان، حتى يرجع إلي صحته، أو يموت فيرجع إلي، كما قال تعالي:{يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية} هذا معنى قوله: ((أو أكفته إلي)) أي أضمه.
الحديث الحادي عشر، والثاني عشر عن جابر: قوله: ((المطعون شهيد)) بيان للسبع من حيث المعنى، لأن الظاهر أن يقال: الطاعون شهادة، والغرق شهادة، إلي آخره، أو يقال أولاً: الشهداء سبعة.
قوله: ((والمرأة بجمع)) ((نه)): أي تموت وفي بطنها ولد. وقيل: التي تموت بكرًا. و ((الجمع)) بالضم بمعنى المجموع، كالدحر بمعنى المدحور، وكسر الكسائي الجيم، والمعنى أنها ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل من حمل أو بكارة.
الحديث الثالث عشر عن سعد: قوله: ((ثم الأمثل)) ((غب)): الأمثل يعبر به عن الأشبه بالفضل، والأقرب إلي الخير، وأماثل القوم كناية عن خيارهم. أقول:((ثم)) فيه للتراخي في
اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة هون عليه، فما زال كذلك حتى يمشي علي الأرض ما له ذنب)). رواه الترمذي، وابن ماجة، والدارمي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. [1562]
1563 -
وعن عائشة، قالت: ما أغبط أحدًا بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الترمذي والنسائي. [1563]
1564 -
وعنها، قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالموت، وعنده قدح فيه ماء. وهو يدخل يده في القدح، ثم يمسح وجهه، ثم يقول:((اللهم أعني علي منكرات الموت، أو سكرات الموت)). رواه الترمذي، وابن ماجه. [1564]
ــ
الرتبة، و ((الفاء)) للتعاقب علي سبيل التوالي تنزلاً من الأعلي إلي الأسفل، و ((يبتلي الرجل)) بيان للجملة الأولي، والتعريف في ((الأنبياء والأمثل)) للجنس، وفي ((الرجل)) للاستغراق في الأجناس المتوالية.
قوله: ((صلبًا)) خبر ((كان)) و ((في دينه)) متعلق به و ((كان)) الثاني يجوز أن يكون اسمه الضمير الراجع إلي الرجل، و ((رقة)) مبتدأ و ((في دينه)) خبره، والجملة خبر ((كان)). وأن يكون ((رقة)) اسم ((كان)) و ((في دينه)) خبر، وجاز التإنيث للفصل بالخبر. فإن قلت: ما الفائدة في اختلاف ((صلبًا ورقة))؟ قلت: الأول وصف للرجل، والتنكير فيه للتعظيم، والثاني وصف للدين، والتنكير فيه للتقليل؛ فيفيد أن من كان صلبًا في دينه فهو أشد بلاء، ومن كان أرق فيه كان أقل بلاء. وفيه تنبيه علي أن المطلوب من الرجل الكامل أن يكون صلبًا في دينه، وكونه رقيق الدين ليس من شيمته. وقوله:((فما زال كذلك)) الضمير راجع إلي اسم ((كان)) الأول دون الثاني، و ((كذلك)) إشارة إلي اشتداد البلاء. وقوله:((يمشي علي الأرض ما له ذنب)) كناية عن سلامته عن الذنب، وخلاصه عنه، كأنه كان محبوسًا، فأطلق وخلي سبيله، فهو يمشي ما عليه بأس.
الحديث الرابع عشر عن عائشة: قوله: ((ما أغبط)) ((نه)): غبطت الرجل أغطبنه، إذا اشتهيت أن يكون لك مثل ماله، وأن يدوم عليه ما هو فيه. و ((الهون)) الرفق واللين. والإضافة فيه إضافة الصفة إلي الموصوف. وقد سبق معنى الحديث في الحديث السابع عشر من الفصل الأول.
الحديث الخامس عشر عن عائشة قوله: ((وهو بالموت)) أي مشغول أو متلبس به والأحوال بعدها متداخلات.
1565 -
وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله تعالي بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة)). رواه الترمذي.
1566 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن عظم الجزاء، مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)). رواه الترمذي وابن ماجه.
ــ
قوله: ((سكرات الموت)) ((غب)): السكر حالة تعرض بين المرء وعقله، وأكثر ما يستعمل ذلك في الشراب، وقد يعتري من الغضب والعشق.
الحديث السادس عشر عن أنس: قوله: ((أمسك عنه بذنبه)) أي أمسكه عنه لما يستحقه بسبب ذنبه من العقوبة، والضمير المرفوع في ((يوافيه)) راجع إلي الله تعالي، والمنصوب إلي العبد، ويجوز أن يكون بالعكس، والمعنى لا يجازيه بذنبه حتى يجيء في الآخرة متوفر الذنوب وافيها، فيستوفي حقه من العقاب.
الحديث السابع عشر عن أنس: قوله: ((فمن رضي فله الرضي)). فإن قلت: إذا كانت الفاء تفصيلية، فالتفصيل غير مطابق للمفصل؛ لأن المفصل اشتمل علي فريق واحد، وهو أهل المحبة، والتفصيل علي فريقين: أهل الرضي وأهل السخط. قلت: هو من أسلوب قوله تعالي: {ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعًا * فأما الذين آمنوا} الآية. ((الكشاف)): هو كقولك: جمع الإمام الخوارج، فمن لم يخرج عليه كساه وحمله، ومن خرج عليه نكل به. وصحة ذلك أن حذف ذكر أحد الفريقين لدلالة التفصيل عليه. انتهي كلامه. فكذا ها هنا، أي إذا أحب الله تعالي قومًا وأبغض قومًا ابتلاهم جميعًا.
وقوله: ((فمن رضي فله الرضي)) شرط وجزاء، فهم منه أن رضي الله تعالي مسبوق برضي العبد، ومحال أن يرضي العبد عن الله إلا بعد رضي الله عنه، كما قال:{رضي الله عنهم ورضوا عنه} ومحال أن يحصل رضي الله ولا يحصل رضي العبد في الآخرة، كما قال تعالي:{يأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية} فعن الله الرضي أزلاً وأبدًا، سابقًا ولاحقًا.
1567 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في نفسه وماله وولده، حتى يلقى الله تعالي وما عليه من خطيئة)). رواه الترمذي وروى مالك نحوع، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
1568 -
وعن محمد بن خالد السلمي، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله، ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبره علي ذلك يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله)). رواه أحمد، وأبو داود. [1568]
1569 -
وعن عبد الله بن شخير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل ابن آدم وإلي جنبه تسع وتسعون منية، إن أخطأته المنايا وقع في الهرم حتى يموت)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب. [1569]
1570 -
وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يود أهل العافية يوم القيامة،
ــ
الحديث الثامن عشر والتاسع عشر عن محمد بن خالد: قوله: (حتى يبلغه المنزلة)) ((حتى)) هنا يجوز أن تكون للغاية، وأن تكون بمعنى ((كي)) وفيه إشعار بأن البلاء خاصية في نيل الثواب ليس للطاعة، وإن حلت مثلها، ولذلك كان من نصيب الأنبياء أشد البلاء.
الحديث العشرون عن عبد الله: قوله: ((مثل ابن آدم)): أي صور وقوله: ((تسع وتسعون)) يحتمل أن يراد به التحديد، أو التكثير، والثاني أظهر، يريد أن أصل خلقة الإنسان من شأنه أن لا يفارقه البلاء، والمصائب والأمراض والأدواء، كما قيل: البرايا أهداف المنايا. فإن أخطأته تلك النوائب علي الندرة أدركه من الأدواء الداء الذي لا دواء له. قال:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها يكون بكاء الطفل ساعة يولد
إذا أبصر الدنيا استهل كأنه بما هو لاق من أذاها يهدد
قوله: ((المنايا)) جمع منية، وهي الموت؛ لأنها مقدرة بوقت مخصوص، من المني وهو: التقدير. سمي كل بلية من البلايا منية؛ لأنها طلائعها ومقدماتها.
الحديث الحادي والعشرون عن جابر: قوله: ((يود أهل العافية)) ((غب)): الود محبة الشيء وتمني كونه له، ويستعمل في كل واحد من المعنيين من المحبة والتمني. وفي الحديث هو من
حين يعطى أهل البلاء الثواب، لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب.
1571 -
وعن عامر الرام، قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسقام، فقال:((إن المؤمن إذا أصابه السثم، ثم عافاه الله عز وجل منه، كان كفارة لما مضى من ذنوبه، وموعظة له فيما يستقبل. وإن المنافق إذا مرض ثم أعفي، كان كالبعير إذا عقله أهله ثم أرسلوه، فلم يدر لم عقلوه ولم أرسلوه)). فقال رجل: يا رسول الله! وما الأسقام))؟ والله ما مرضت قط. فقال: ((قم عنا فلست منا)). رواه أبو داود. [1571]
ــ
المودة التي بمعنى التمني. ولا بد لقوله: ((يود)) من مفعول، ((ولو)) أيضًا للتمني، فلا يصلح أن تكون مفعولاً إلا علي التاويل، فنزل مع ما بعده منزلته، كأنه قيل: يود أهل العافية ما يلازم لو أن جلودهم كانت مقرضة في الدنيا، وهو الثواب المعطى علي الابتلاء. ولو قيل: لو أن جلودنا، لكان التقدير: يود أهل العافية الابتلاء في الدنيا قائلين: ليت جلودنا كانت قرضت بالمقاريض، فنلنا الثواب المعطى علي الابتلاء. فاختير في الحديث علي التكلم؛ لأنه أقل إحواجًا إلي التقدير، فعلي هذا مفعول ((يود)) محذوف، و ((لو)) مع ما بعده مقول للقول، وهو حال من فاعل (يود)).
الحديث الثاني والعشرون عن عامر: قوله: ((وإن المنافق)) إلي آخره. مقابل لقوله: ((إن المؤمن)) وقد شبه بالبعير المرسل بعد القيد في أنه لا يدري فيم قيد، وبما أرسل، يعنى من حقه أنه إذا مرض عقل أن مرضه بسبب ما ارتكبه من الذنوب، فإذا أعفي لم يقدم علي ما تقدمه، فلما لم يتنبه عليه جعل كالبعير، كما قال تعالي:{أولئك كالأنعام بل هم أضل} فينبغي تأويل ما يقابله بهذا المعنى، كأنه قيل: إن المؤمن إذا مرض ثم عوفي تنبه وعلم أن مرضه كان مسببًا عن الذنوب الماضية، فيندم ولا يقدم علي ما مضى، فيكون كفارة لها؛ فوضع المسبب الذي هو الكفارة موضع السبب الذي هو التوبة والندم، تنبيهًا علي تيقظه، وبعد غور إدراكه لتقابل نسبة البلادة إلي المنافق، وتشبيهه بالنعم.
قوله: ((وما الأسقام)) عطف علي محذوف، أي عرفنا ما يترتب علي الأسقام من الثواب وما الأسقام. وقوله:((قم عنا)) ضمن ((قم)) معنى ابعد، فعدى تعديته، أو ((عنا)) حال، أي قم متجاوزًا عنا معتزلاً. و ((من)) في ((لسن منا)) اتصالية، كما في قول الشاعر:
1572 -
وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخلتم علي المريض فنفسوا له في أجله، فإن ذلك لا يرد شيئًا، ويطيب نفسه)). رواه الترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث غريب. [1572]
1573 -
وعن سليمان بن صرد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتله بطنه لم يعذب في قبره)). رواه أحمد، والترمذي، وقال: هذا حديث غريب.
ــ
فإني لست منك ولست مني
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وما أنا من دد، ولا الدد مني)).
الحديث الثالث والعشرون عن أبي سعيد: قوله: ((فنفسوا له)) ((تو)): الأصل في التنفيس التفريج، يقال: نفست عنه تنفيسًا أي دفعت، ونفس الله عنه كربته أي فرجها. قوله:((فإن ذلك لا يرد شيئًا)) يعني لا بأس عليك بتنفيسك المريض؛ فإن تنفيسك المريض ليس له أثر في طول عمره، لكن له أثر في تطييب نفسه. قيل لهارون الرشيد – وهو عليل -: هون عليك، وطيب نفسك، فإن الصحة لا تمنع من الفناء، والعلة لا تمنع من البقاء، فقال: والله لقد طيبت نفسي وروحت قلبي.
قوله: ((في أجله)) ((في)) متعلق بـ ((نفسوا)) مضمنًا معنى التطميع، أي طمعوه في طول أجله. واللام للنأكيد، والباء في ((بنفسه)) زائدة في الفاعل، كما في قول الشاعر:
ألا هل أتاها والحوادث جمة بأن امرأ القيس بن ملك يبقرا
ويجوز أن تكون الباء للتعدية، وفاعله ضمير عائد إلي اسم ((إن)) ويساعد الأول رواية المصابيح ((ويطيب نفسه)).
الحديث الرابع والعشرون عن سلمان: قوله: ((من قتله بطنه)) هو من الاستعارة التبعية، كما في قول الشاعر:
قتل البخل، وأحيى السماحا
شبه ما يلحق المبطون من إزهاق نفسه به بما يزهق النفس بالمحددات ونحوها، والقرينة نسبة القتل إلي البطن.
الفصل الثالث
1574 -
عن أنس، قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له:((أسلم)). فنظر إلي أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم. فأسلم. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنقذه من النار)). رواه البخاري.
1575 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عاد مريضًا نادى مناد في السماء: طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً)). رواه ابن ماجه. [1575]
1576 -
وعن ابن عباس، قال: إن عليا خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم في وجعه
ــ
الفصل الثالث
الحديث الأول عن أنس: قوله: ((الحمد لله الذي أنقذه من النار)) ولله در القائل:
ومريضًا أنت عائده قد أتاه الله بالفرج
وجهك المأمول حجتنا يوم يأتي الناس بالحجج
ما علي من باع مهجته في هوى علياك من حرج
أوله:
إن بيتًا أنت ساكنه غير محتاج إلي السرج
الحديث الثاني عن أبي هريرة: قوله: ((طبت)) ((غب)): وأصل الطيب ما تستلذه الحواس، وما تستلذه النفس. والطيب من الإنسان من تزكى عن نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال، وتحلي بالعلم والإيمان ومحاسن الأفعال. أقول: قوله: ((طبت)) دعاء له بأن يطيب عيشه في الدنيا. ((وطاب ممشاك)) كناية عن سيره وسلوكه طريق الآخرة بالتعري من رذائل الأخلاق، والتحلي بمحاسن الأفعال ومكارمها. ((وتبوأت)) دعاء بطيب العيش في الآخرة. وإخراج الأدعية عن الإنشائية؛ لإظهار الحرص علي وقوعها، كأنها حاصلة وهو يخبر عنها، كما تقول: رحمك الله، وعصمك من الآفات.
الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا الحسن! كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أصبح بحمد الله بارئًا. رواه البخاري.
1577 -
وعن عطاء بن أبي رباح، قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلي قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني أصرع، وإني أتكشف. فادع الله [لي]، فقال:((إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك)). فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله لأت لا أتكشف، فدعا لها. متفق عليه.
1578 -
وعن يحيى بن سعيد، قال: إن رجلاً جاءه الموت في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: هنيئًا له، مات ولن يبتل بمرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ويحك)! وما يدريك لو أن الله ابتلاه بمرض فكفر عنه من سيئاته)). رواه مالك مرسلاً. [1578]
1579 -
وعن شداد بن أوس، والصنابحي، أنهما دخلا علي رجل مريض يعودانه، فقالا له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بنعمة. قال: شداد: أبشر بكفارات السيئات، وحط الخطايا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((إن الله عز وجل يقول: إذا أنا ابتليت عبدًا من عبادي مؤمنًا، فحمدني علي ما ابتليته، فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا، ويقول الرب تبارك وتعالي: أنا قيدت عبدي وابتليته، فأجروا له ما كنتم تجرون له وهو صحيح)). رواه أحمد. [1579]
1580 -
وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كثرت ذنوب العبد، ولم يكن له ما يكفرها من العمل، ابتلاه الله بالحزن ليكفرها عنه)). رواه أحمد. [1580]
ــ
الحديث الثالث إلي الخامس عن يحيى: قوله: ((لو أن الله ابتلاه)) ((لو)) للتمني؛ لأن الامتناعية لا تجاب بالفاء، وهي مستدعية للفعل الماضي، كأنه لما قال القائل:((هنيئًا له مات ولم يمرض)) رده به أي لا تقل هنيئًا له، ليت أن الله تعالي ابتلاه فيكفر به سيآته. ويجوز أن يقدر: لو ابتلاه الله لكان خيرًا له، فيكفر، وعلي الأول ((ما يدريك)) معترضة، وعلي الثاني متصلة بما بعده.
1581 -
وعن جابر، قال: قال رسول الله صلي الله وعليه وسلم: ((من عاد مريضاً، لم يزل يخوض الرحمة حتى يجلس، فإذا جلس اغتمس فيها)). رواه مالك، وأحمد. [1581]
1582 -
وعن ثوبان، أن رسول الله صلي الله وعليه وسلم قال:((إذا أصاب أحدكم الحمى، فإن الحمى قطعة من النار، فليطفئها عنه بالماء، فليستنقع في نهر جار – وليستقبل جريته، فيقول: بسم الله، اللهم اشف عبدك، وصدق رسولك - بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس، ولينغمس فيه ثلاث غمسات ثلاثة أيام، فإن لم يبرأ في ثلاث فخمس، فإن لم يبرأ في خمس فسبع، فإن لم يبرأ في سبع فتسع، فإنها لا تكاد تجاوز تسعًا بإذن الله عز وجل). رواه الترمذي، وقال: حديث غريب. [1582]
ــ
الحديث السادس إلي الثامن عن جابر: قوله: ((يخوض الرحمة)) شبه الرحمة بالماء إما في الطهارة، أو في الشيوع والشمول، ثم نسب إليها ما هو منسوب إلي المشبه به من الخوض ثم عقب الاستعارة بالانغماس ترشيحًا.
الحديث التاسع عن ثوبان: قوله: ((فإن الحمى قطعة)) جواب لقوله: ((إذا أصاب)) والفاء في ((فليطفئها)) مترتبة علي الجواب، والتقدير: فإذا أصاب أحدكم الحمى فليعلم أن الحمى قطعة من النار، فليطفئها، كقوله تعالي:{من كان عدوًا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين} أي فليعلم أن الله عدو له. ويجوز أن يكون الجزاء ((فليطفئها))، وقوله:((فإن الحمى)) معترضة، كما في قول الشاعر:
ليس الجمال بمئزر فاعلم وإن رديت بردا
وكرر الحمى تقريرًا للعلة. والفاء في ((فليستنقع)) للتعقيب؛ لأن النقع هو الإطفاء، كما في قوله تعالي:{فتوبوا إلي بارئكم فاقتلوا أنفسكم} لأن المعنى فاعزموا علي التوبة فاقتلوا أنفسكم، من قبل أن الله تعالي جعل توبتهم قتل أنفسهم. ((نه)): كل ما ألقي في ماء فقد أنقع، يقال: أنقعت الدواء، وغيره في الماء، فهو منقع. وقوله:((بعد صلاة الصبح)) ظرف لقوله: ((فليستنقع)). وقوله: ((ولينغمس)) موضع لقوله: ((فليستنقع)) جيء به لتعلق المرات به.
قوله: ((وصدق رسولك)) أي اجعل قوله هذا صادقًا بأن تشفيني. وقوله: ((فخمس)) أي إن لم يبرأ في ثلاثة أيام، فالأيام التي ينبغي أن ينغمس فيها خمس.
1583 -
وعن أبي هريرة، قال: ذكرت الحمى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسبها رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((لا تسبها فإنها تنفي الذنوب كما تنفي النار خبث الحديد)). رواه ابن ماجه. [1583]
1584 -
وعنه، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد مريضًا فقال: ((أبشر فإن الله تعالي يقول: هي ناري أسلطها علي عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار يوم القيامة)). رواه أحمد، وابن ماجه، والبيهقي في ((شعب الإيمان)).
1585 -
وعن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن الرب سبحانه وتعالي يقول: وعزتي وجلالي لا أخرج أحدًا من الدنيا أريد أغفر له، حتى أستوفي كل خطيئة في عنقه بسقم في بدنه، وإقتار في رزقه)). رواه رزين.
ــ
الحديث التاسع والعاشر عن أبي هريرة قوله: ((هي ناري)) في إضافة ((ناري)) إشارة إلي أنها لطف ورحمة من الله سبحانه يختص بها من يشاء من عباده، ولذلك صرح بقوله:((عبدي)) ووصفه بالمؤمن. وقوله: ((أسلطها)) خبر بعد خبر، أو استئناف بيان لمعنى الإضافة، كأنه قيل: هذه العناية في حق من قيل: أسلطها علي عبدي المؤمن.
قوله: ((لتكون حظه من النار)) أي نصيبه، وهو يحتمل وجهين: أحدهما أنها نصيبه من الحتم المقضي في قوله تعالي: {وإن منكم إلا واردها} ، أو نصيبه مما اقترف من الذنوب، وهو الظاهر.
الحديث الحادي عشر عن أنس: قوله: ((أريد أغفر)) أي أن أغفر، حذف ((أن)) كما في قوله:((أحضر الوغى. وقوله: {ومن آياته يريكم البرق} والجملة إما حال من فاعل ((أخرج))، أو صفة للمفعول. وفي هذا القسم إشارة إلي معنى القسم في قوله تعالي:{كان علي ربك حتمًا مقضيا} .
قوله: ((حتى أستوفي كل خطيئة)) المضاف محذوف، أي جزاء كل خطيئة، وفي ((استوفي)) معنى الإبدال بدلالة الباء في قوله:((بسقم)). قوله: ((وإقتار في رزقه)) ((نه)): الإقتار: التضييق علي الإنسان في الرزق يقال: أقتر الله رزقه، أي ضيقه وقلله وقد أقتر الرجل، فهو مقتر، وقتر فهو مقتور.
1586 -
وعن شقيق، قال: مرض عبد الله بن مسعود، فعدناه، فجعل يبكي، فعوتب. فقال: إني لا أبكي لأجل المرض، لإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((المرض كفارة)). وإنما أبكي أنه أصابني علي حال فترة، ولم يصبني في حال اجتهاد، لأنه يكتب للعبد من الأجر إذا مرض ما كان يكتب له قبل أن يمرض فمنعه منه المرض. رواه رزين.
1587 -
وعن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعود مريضًا إلا بعد ثلاث. رواه ابن ماجة، والبيهقي في ((شعب الإيمان)). [1587]
1588 -
وعن عمر بن الخطاب، [رضي الله عنه]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخلت علي مريض فمره يدعو لك؛ فإن دعاءه كدعاء الملائكة)). رواه ابن ماجة. [1588]
1589 -
وعن ابن عباس، قال: من السنة تخفيف الجلوس وقلة الصخب في العيادة عند المريض، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كثر لغطهم واختلافهم: ((قوموا عني)). رواه رزين.
ــ
الحديث الثاني عشر عن شقيق: قوله: ((علي فترة)) أي فتور وضعف للجسم لا أقدر علي العمل الكثير، ولم يصبني علي قوة واجتهاد في العمل الكثير، حتى يكتب العمل الكثير بسبب المرض. و ((عبد الله)) هذا هو ابن مسعود رضي الله عنه، مات بالمدينة سنة اثنين وثلاثين ودفن بالبقيع، وله بضع وستون سنة.
الحديث الثالث والرابع عشر عن عمر: قوله: ((فمره يدعو)) يدعو مفعول بإضمار ((أن)) أي مره بأن يدعو لك. ويجوز أن يكون مجزومًا جوابًا للأمر، وذلك علي تأويل أن هذا الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابي يبلغه إلي المريض، فيكون من باب قوله تعالي:{قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} وعلي هذا يكون لام الفعل وهو حرف العلة قد أثبت في الجزم. وصحة ذلك علي طرف من التمام فيصبره، وإنما يؤمر بالدعاء حينئذ؛ لأنه نقي من الذنوب كيوم ولدته أمه، وصار معصومًا كالملائكة، ودعاء المعصوم مقبول.
الحديث الخامس عشر عن ابن عباس: قوله: ((وقلة الصخب)) القلة بمعنى العدم؛ لأن
1590 -
وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العيادة فواق ناقة)). [1590]
1591 -
وفي رواية سعيد بن المسيب، مرسلاً:((أفضل العيادة سرعة القيام)). رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [1591]
1592 -
وعن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً، فقال له:((ما تشتهي؟)) قال: أشتهي خبز بر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان عنده خبز بر فليبعث إلي أخيه)). ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا اشتهي مريض أحدكم شيئًا فليطعمه)). رواه ابن ماجه. [1592]
1593 -
وعن عبد الله بن عمرو، قال: توفي رجل بالمدينة ممن ولد بها، فصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:((يا ليته مات بغير مولده)). قالوا: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: ((إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس له من مولده إلي منقطع أثره في الجنة)). رواه النسائي، وابن ماجه. [1593]
ــ
الصخب، والضجة، واصطراب الأصوات للخصام منهي من أصله، لا سيما عند المريض. قوله:((لغطهم)) ((نه)): اللغط: صوت وضجة لا يفهم معناه، وكان ذلك عند وفاته صلى الله عليه وسلم. روى ابن عباس أنه لما احتضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي البيت رجال، فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال النبي صلى الله عليه وسلم:((هلموا أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده))، فقال عمر: وفي رواية: فقال بعضهم: رسول الله قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبكم كتاب الله، فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول ما قال عمر – وفي رواية: ومنهم من يقول غير ذلك – فلما أكثروا اللغط والاختلاف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((قوموا عني)) متفق عليه.
الحديث السادس عشر عن أنس: قوله: ((فواق ناقة)): ((نه)): هو قدر ما بين الحلبتين من الراحة، يضم فاؤه ويفتح، وهو خبر المبتدأ، أي زمان العيادة مقدار فواق ناقة.
وقوله: ((أفضل العيادة سرعة القيام)) أي أفضل ما يفعله العائد في العيادة أن يقوم سريعًا.
الحديث السابع عشر عن ابن عباس: قوله: ((إذا اشتهي مريض أحدكم شيئًا)) هذا إما بناء علي التوكل، وأنه هو الشافي، أو أن المريض قد شارف الوفاة.
الحديث الثامن عشر عن عبد الله: قوله: ((إلي منقطع أثره)) أي إلي موضع قطع أجله. ((نه)): وسمى الأثر أجلاً: لأنه يتبع العمر، قال زهير:
1594 -
وعن ابن عباس: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((موت غربة شهادة)). رواه ابن ماجة. [1594]
1995 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من مات مريضًا مات شهيدًا، أو وقي فتنة القبر، وغدي وريح عليه برزقه من الجنة)). رواه ابن ماجه، والبيهقي في ((شعب الإيمان)). [1595]
1596 -
وعن العرباض بن سارية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((يختضم الشهداء والمتوفون علي فرشهم إلي ربنا عز وجل في الذين يتوفون من الطاعون، فيقول الشهداء: إخواننا قتلوا كما قتلنا. ويقول المتوفون: إخواننا ماتوا علي فرشهم كما متنا. فيقول ربنا: انظروا إلي جراحتهم، فإن أشبهت جراحهم جراح المقتولين، فإنهم منهم ومعهم، فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم)). رواه أحمد، والنسائي.
1597 -
وعن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((الفار من الطاعون كالفار من الزحف، والصابر فيه له أجر شهيد)). رواه أحمد.
ــ
والمرء ما عاش ممدود له أمل لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأثر
وأصله من أثر مشيه في الأرض، فإن من مات لا يبقى له أثر، فلا يرى لأقدامه أثر.
وقوله: ((من الجنة)) متعلق بـ ((قيس)) يعني من مات في الغربة فيفسح له في قبره، ويفتح مقدار ما بين قبره وبين مولده، ويفتح له باب إلي الجنة.
الحديث التاسع عشر والعشرون عن أبي هريرة: قوله: ((وغدى وريح)) من الغدو والرواح، و ((عليه)) حال، أي غدى الميت المريض دارًا عليه برزقه بالغداة والرواح. ونظيره قوله تعالي:{ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا} لم يرد بهما الوقتين المعلومين، بل أراد الديمومة، ودرور الرزق عليه، كما تقول: أنا عند فلان بكرة وعشيا، أو هو كناية عن مجرد التنعم والترف؛ لأن المتنعم عند العرب من وجد غذاءه غدوًا وعشيًا.
الحديث الحادي والعشرون والثاني والعشرون عن جابر: قوله: ((كالفار من الزحف)) شبهه به