الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1645 -
وعن جابر، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعدما أدخل حفرته، فأمر به، فأخرج، فوضعه علي ركبتيه، فنفث فيه من ريقه، وألبس قميصه، قال: وكان كسا عباساً قميصاً. متفق عليه.
(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها
الفصل الأول
1646 -
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم)). متفق عليه.
ــ
الحديث الثاني عن جابر: قوله: ((عبد الله بن أبي)) ((خط)): منافق ظاهر النفاق، وأنزل في كفره ونفاقه آيات من القرآن تتلي، فاحتمل أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك قبل أن ينزل قوله عز وجل:{ولا تصل علي أحد منهم مات أبداً ولا تقم علي قبره} وأن يكون تأليفاً لابنه، وإكراماً له، وكان مسلماً بريئاً من النفاق، وأن يكون مجازاة؛ لأنه كان قد كسى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم قميصاً، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يكافئه علي ذلك لئلا يكون لمنافق عنده يد لم يجازه عليها. وقال: في الحديث دليل علي جواز التكفين بالقميص، وإخراج الميت من القبر بعد الدفن لعلة أو سبب.
باب المشي بالجنازة والصلاة عليها
الفصل الأول
الحديث الأول عن أبي هريرة: قوله: ((فإن تك صالحة)) ((مظ)): أي فإن تكن الجنازة صالحة. الجنازة: بكسر الجيم الميت، وبالفتح السرير لا غير، فعلي هذا أسند الفعل إلي الجنازة وأراد به الميت. قوله:((فخير تقدمونها إليه)) يعني حاله في القبر يكون حسناً طيباً، فأسرعوا به حتى يصل إلي تلك الحالة الطيبة عن قريب.
أقول: جعلت الجنازة عين الميت، ووصفت بأعماله الصالحة، ثم عبر عن الأعمال الصالحة بالخير، وجعلت الجنازة التي هي في مكان الميت مقدمة إلي ذلك الخير فبكني بالجنازة عن العمل مبالغة في كمال هذا المعنى، كما في قول ابن المناذر:
ما درى نعشه ولا حاملوه ما علي النعش من عفاف وجود
1647 -
وعن أبي سعيد [الخدري]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا وضعت الجنازة، فاحتملها الرجال علي أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها: يا ويلها! أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق)). رواه البخاري.
1648 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع)) متفق عليه.
ــ
ولما لاحظ في جانب العمل الصالح هذا، قابل قرينتها بوضع الشر عن الرقاب، وكان أثر عمل الرجل الصالح راحة له، فأمر بإسراعه إلي ما يستريح إليه، وأثر عمل الرجل الطالح مشقة عليهم، فأمر بوضع حيفته عن رقابهم. فالضمير في ((إليه)) راجع إلي الخير باعتبار الثواب أو الأكرام. وروى المالكي في التوضيح ((إليها)) بالتإنيث، وقال: أنث الضمير العائد علي الخير وهو مذكر، فكان ينبغي أن يقول: فخير قدمتموها إليه، لكن المذكور يجوز تإنيثه إذا أول بمؤنث، كتأويل الخير الذي تقدم إليه النفس الصالحة بالرحمة، أو بالحسنى أو بالبشرى.
وأقول: معنى الحديث ينظر إلي ما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم: ((مستريح أو مستراح منه)) أي يستريح إلي رحمة الله تعالي، أو يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب.
الحديث الثاني عن أبي سعيد: قوله: ((لأهلها)) أي قالت لأجل أهلها إظهاراً لوقوعه في الحزن والهلاك، والمشقة والعذاب. وكل من وقع في هلكة دعا بالويل، ومعنى النداء فيه: يا حزني، يا هلاكي، يا عذابي! احضر، فهذا وقتك وأوانك. وأضاف الويل إلي ضمير الغائب حملاً علي المعنى، وعدل عن حكاية قول الجنازة ((يا ويلي)) كراهة أن يضيف الويل إلي نفسه. قوله:((لصعق)) أي مات. ((نه)): الصعق أن يغشى علي الإنسان من صوت شديد يسمعه وربما مات منه، ثم استعمل في الموت منه كثيراً.
الحديث الثالث، والرابع عن أبي سعيد: قوله: ((فقوموا)) ((قض)): الباعث علي الأمر بالقيام أحد أمرين: إما ترحيب بالميت وتعظيمه، وإما تهويل الموت وتفظيعه، والتنبيه علي أنه بحال ينبغي أن يقلق ويضطرب من رأي ميتاً استشعاراً منه ورعباً، ولا يثبت علي حاله لعدم المبالاة، وقلة الاحتفال به. ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم:((إن الموت فزع، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا)) فإن ترتب الحكم علي الوصف لاسيما إذا كان بالفاء يدل علي أن الوصف علة الحكم، والفزع- بفتح الزاي- مصدر، جرى الوصف به للمبالغة، أو بتقدير ((ذي)). وقوله:((ولا يقعد حتى توضع)) قيل: أراد به وضعها عن الأعناق، ويعضده رواية الثوري ((حتى توضع بالأرض)). وقيل: حتى
1649 -
وعن جابر، قال: مرت جنازة، فقام لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمنا معه، فقلنا: يا رسول الله! إنها يهودية. فقال: ((إن الموت فزع، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا)) متفق عليه.
1650 -
وعن علي، [رضي الله عنه]، قال: رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا، وقعد فقعدنا. يعني في الجنازة. رواه مسلم. وفي رواية مالك وأبي داود: قام في الجنازة، ثم قعد بنا.
1651 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً، وكان معه حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد. ومن صلي عليها ثم رجع قبل أن تدفن، فإنه يرجع بقيراط)) متفق عليه.
ــ
توضع في اللحد. أقول: يؤيد الأول ما روى الترمذي عن أحمد وإسحاق قالا: من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن أعناق الرجال.
الحديث الخامس عن علي: قوله: ((قعد فقعدنا)) ((حس)): عن الشافعي: حديث علي ناسخ لحديث أبي سعيد ((إذا رأيتم الجنازة فقوموا)). وقال أحمد وإسحاق: إن شاء قام، وإن شاء لم يقم. وعن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنهم كانوا يتقدمون بالجنازة فيقعدون قبل أن تنتهي إليهم الجنازة.
((قض)): الحديث محتمل لمعنيين: أحدهما أنه كان يقوم للجنازة ثم يقعد بعد قيامه إذا تجاوزت وبعدت عنه، وثإنيهما أنه كان يقوم أياماً ثم لم يكن يقوم بعد ذلك. وعلي هذا يكون فعله الأخير قرينة وأمارة علي أن الأمر الوارد في ذينك الخبرين للندب. ويحتمل أن يكون نسخاً للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر، فإنه وإن كان مخصوصاً بنا دونه؛ لأن الآمر لا يكون مأموراً بأمره، والفعل صورة يختص بمن يتعاطاه إلا أن فعله المتأخر من حيث أنه يجب علينا الأخذ به عارضة فنسخه، والأول أرجح؛ لأن حتمال المجاز أقرب من النسخ.
الحديث السادس عن أبي هريرة: قوله: ((بقيراطين)) ((نه)): القيراط جزء من أجزاء الدينا، وهو نصف عشرة في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءاً من أربعة وعشرين، والياء فيه بدل من الراء؛ فإن أصله قراط. قيل: لأنه يجمع علي قراريط، وهو شائع مستمر، وقد يطلق ويراد به بعض الشيء.
1652 -
وعنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلي المصلي، فصف بهم، وكبر أربع تكبيرات. متفق عليه.
1653 -
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلي، قال: كان زيد بن أرقم يكبر علي جنائزنا أربعاً، وإنه كبر علي جنازة خمساً، فسألناه. فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكبرها. رواه مسلم.
1654 -
وعن طلحة بن عبد الله بن عوف، قال: صلي خف ابن عباس علي جنازة فقرأ فاتحة الكتاب، فقال: لتعلموا أنه سنة. رواه البخاري.
1655 -
وعن عوف بن مالك، قال: صلي رسول الله صلى الله عليه وسلم علي جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: ((اللهم اغفر له وراحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله،
ــ
((تو)): وذلك لأنه فسر بقوله: ((كل قيراط مثل أحد)) وذلك تفسير للمقصود من الكلام، لا للفظ القيراط. والمراد منه علي الحقيقة أنه يرجع بحصتين من جنس الأجر، فبين المعنى بالقيراط الذي هو حصته من جملة الدينار. أقول: يريد أن قوله: ((بقيراطين)) مبهم من وجهين، فبين جنس الموزون أولا بقوله:((من الأجر)) ثم بين ثإنياً المقدار المراد منه بقوله: ((مثل أحد)) ولك من البيإنين صفة لـ ((قيراطين))، لكن الأولي قدمت، فصارت حالا، وبقيت الثانية علي حالها.
الحديث السابع عن أبي هريرة: قوله: ((نعى للناس)) ((نه)): نعي الميت ينعاه نعياً ونعياً إذا أذاع موته، وأخبر به وندبه، وفي قوله:((اليوم الذي مات فيه)) دلالة علي معجزة رسولنا صلي الله عليه وسلم.
الحديث الثامن عن عبد الرحمن: قوله: ((خمساً)) ((مح)): دل الإجماع علي نسخ هذا الحديث؛ لأن ابن عبد البر وغيره نقلوا الإجماع علي أنه لا يكبر اليوم إلا أربعاً، وهذا دليل علي أنهم أجمعوا بعد زيد بن الأرقم، والأصح: أن الإجماع يصح من الخلاف.
الحديث التاسع عن طلحة: قوله: ((لتعلموا أنها سنة)) ((شف)): الضمير المؤنث لقراءة الفاتحة، وليس المراد بالنسبة أنها غير واجبة، بل المراد: أنها طريقة مروية مقابلة للبدعة. هذا التأويل علي مذهب الشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: ليس بفرض.
الحديث العاشر عن عوف: قوله: ((وعافه)) أي سلمه من العذاب والبلايا، ((نه)): العفو والعافية والمعافاة وألفاظ متقاربة، فالعفو محو الذنوب، والعافية أن يسلم من الأسقام والبلايا، وهي الصحة وضد المرض، والمعافاة هي أن يعافيك الله تعالي من الناس، ويعافيهم منك، ويصرف أذانهم عنك، وأذاك عنهم. قوله:((وأكرم نزله)) النزل ما يقدم إلي الضيف من
((وقه فتنة القبر وعذاب النار)) قال حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. رواه مسلم.
1656 -
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن عائشة لما توفي سعد بن أبي وقاص قالت: ادخلوا به المسجد حتى أصلي عليه، فأنكر ذلك عليها، فقالت: والله لقد صلي رسول الله صلي الله عيله وسلم علي ابنى بيضاء في المسجد: سهيل وأخيه. رواه مسلم.
ــ
الطعام، أي أحسن نصيبه من الجنة. قوله:((واغسله بالماء)) إلي آخره. ((مظ)): أي طهره من الذنوب بأنواع المغفرة، والمراد بـ ((فتنة القبر)) التحير في الجواب عن الملكين.
وفرائض صلاة الجنازة عند الشافعي سبع: النية، والتكبيرات الأربعة، وقراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولي، والصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية، والدعاء للميت بعد الثالثة، والتسليمة. والأصح: أن القيام فرض، وأما عند أبي حنيفة فالواجب التكبيرات الأربعة، وما سواها سنة.
((مح)): اختلفت الروايات في دعاء الميت، والتقط الإمام الشافعي رضي الله عنه منها هذا: اللهم هذا عبدك، وابن عبدك، خرج من روح الدنيا وسعتها، ومحبوبه، وأحبائه فيها، إلي ظلمة القبر وما هو لاقيه، كان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك، وأنت أعلم به. اللهم إنه نزل بك وأنت خير منزول به، وأصبح فقراً إلي رحمتك، وأنت غني عن عذابه، وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له. اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه ولقه برحمتك ورضاك، وقه فتنة القبر وعذابه، وأفسح له في قبره، وجاف الأرض عن جنبيه، ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلي جنتك، يا أرحم الراحمين. هذا نص الشافعي في مختصر المزني، قال أصحابنا: فإن كان الميت طفلاً دعا لأبويه، فقال: اللهم اجعله لهما فرطاً، واجعله لهما سلفاً وذخراً، وثقل به موازينهما، وأفرغ الصبر علي قلوبهما، ولا تفتنهما بعده، ولا تحرمهما أجره.
وأما التكبيرة الرابعة فلا يجب بعدها ذكر بالاتفاق، ولكن يستحب أن يقول ما نص عليه الشافعي رضي الله عنه في كتاب البويطي قال: يقول في الرابعة: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده.
الحديث الحادي عشر عن أبي سلمة: قوله: ((علي ابني بيضاء)) بيضاء أمهما واسمها دعد بنت الجحدم، واسم أبيها عمرو بن وهب. واسم أخي سهيل سهل. وسعد توفي في قصره
1657 -
وعن سمرة بن جندب، قال: صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم علي امرأة ماتت في نفسها، فقام وسطها. متفق عليه.
1658 -
وعن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبر دفن ليلاً، فقال:((متى دفن هذا؟)) قالوا: البارحة. قال: ((أفلا آذنتموني؟)) قالوا: دفناه في ظلمة الليل فكرهنا أن نوقظك، فقام فصففنا خلفه، فصلي عليه. متفق عليه.
1659 -
وعن أبي هريرة، أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، أو شاب، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها، أو عنه، فقالوا: مات. قال: ((أفلا كنتم آذنتموني؟)) قال: فكأنهم صغروا أمرها، أو أمره. فقال:((دلوني علي قبره)) فدلوه فصلي عليها ثم قال: ((إن هذه القبور مملوءة ظلمة علي أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم)). متفق عليه. ولفظه لمسلم.
ــ
بالعقيق علي عشرة أميال من المدينة، وحمل إليها علي أعناق الرجال ليدفن بالبقيع، وذلك في إمارة معاوية، فسألت عائشة رضي الله عنها أن يصلي عليه في المسجد لتصلي هي عليه، فأبوا عليها، وقالوا: لا نصلي علي الميت في المسجد، فذكرت الحديث. وإلي قول عائشة رضي الله عنها ذهب الشافعي. وأبو حنيفة رضي الله عنه يكره ذلك، وأصحابه قالوا: إن الصحابة كانوا متوافرين فلو لم يعلموا بالنسخ لما خالفوا حديث عائشة رضي الله عنها.
الحديث الثاني عشر عن سمرة: قوله: ((وسطها)) ((نه)): الوسط- بالسكون- يقال فيما كان تفرق الأجزاء غير متصل كالناس، والدواب، وغير ذلك. وإذا كان متصل الأجزاء كالدار فهو بالفتح. وقيل: كل ما يصلح فيه بين، فهو بالفتح. وقيل: كل منهما يقع موقع الآخر، كأنه الأشبه. وقد ذكرنا عن صاحب المغرب: أن الوسط بالفتح كالمركز للدائرة، وبالسكون داخل الأشبه. وقد ذكرنا عن صاحب المغرب: أن الوسط بالفتح كالمركز للدائرة، وبالسكون داخل الدائرة. ((شف)): فيه دليل علي أن المستحب للإمام أن يقف عند عجيزة المرأة.
الحديث الثالث عشر عن ابن عباس: قوله: ((دفن ليلا)) ((مظ)): فيه مسائل: جواز الدفن في الليل، والصلاة علي القبر بعد الدفن، واستحباب صلاة الميت بالجماعة.
الحديث الرابع عشر عن أبي هريرة: قوله: ((تقم المسجد)) ((نه)): أي تكنسه، والقمامة: الكناسة، والمقمة: المكنسة. وقوله: ((قال: فكأنهم صغروا أمرها)) وهو معطوف علي ((قال)) الأولي، ومقول أبي هريرة، وفاعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن هذه القبور مملوءة ظلمة)) إلي آخره، فكالأسلوب الحكيم، يعني ليس النظر في الصلاة علي الميت إلي حقارته ورفعة شأنه، بل هي بمنزلة الشفاعة له لينور قبره ويخفف من عذابه، وعليه الدعاء السابق، فليتأمل.
1660 -
وعن كريب مولي ابن عباس، عن عبد الله بن عباس، أنه مات له ابن بقديد أو بعسفان، فقال: يا كريب! انظر ما اجتمع له من الناس. قال: فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له، فأخبرته، فقال: تقول: هم أربعون؟ قال: نعم. قال: أخرجوه؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من رجل مسلم يموت فيقوم علي جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه)) رواه مسلم.
1661 -
وعن عائشة، [رضي الله عنها] عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة، كلهم يشفعون له؛ إلا شفعوا فيه)). رواه مسلم.
1662 -
وعن أنس، قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وجبت)) ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً. فقال: ((وجبت)) فقال عمر: ما وجبت؟ فقال: ((هل أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض)) متفق عليه وفي رواية: ((المؤمنون شهداء الله في الأرض)).
ــ
الحديث الخامس عشر، والسادس عشر عن عائشة: قوله: ((ما من ميت)) ((ما)) نافية و ((من)) زائدة لاستغراق الجنس. و ((ميت))، مطلق محمول علي المقيد في قوله:((ما من رجل مسلم)). ((تو)): لا تضاد بين حديث كريب وحديث عائشة؛ لأن السبيل في أمثال هذا المقام أن يكون الأقل من العددين متأخراً؛ لأن الله تعالي إذا وعد المغفرة في المعنى الواحد مرتين، وإحداهما أيسر من الأخرى، لم يكن من سنته أن ينقص من الفضل الموعود بعد ذلك، بل يزيد عليه فضلاً منه وتكرماً علي عباده. أقول: هذا كلام حسن؛ لأن الحديث الثاني فيه مبالغة وتشديد ليس في الأول، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم جعل قوله:((يصلي عليه أمة من المسلمين)) توطئة لقوله: ((يبلغون مائة)) ثم أكده بقوله: ((كلهم يشفعون له)).
الحديث السابع عشر، والثامن عشر عن أنس: قوله: ((فأثنوا عليها شراً)) الثناء إنما يستعمل في الخير استعماله ها هنا في الشر إما مشاكلة لقوله: ((فأثنوا عليها خيراً)) أو تهكم، كاستعمال البشارة في النذارة. ((مح)): فإن قيل: كيف مكنوا من الثناء بالشر مع الحديث الصحيح في البخاري في النهي عن سب الأموات؟ قلت: إن النهي عن سب الأموات إنما هو في حق غير المنافق والكافر، وفي حق غير المتظاهر فسقه وبدعته، وأما هؤلاء فلا يحرم سبهم للتحذير من طريقهم، ومن الاقتداء بآثارهم، والتخلق بأخلاقهم.
1663 -
وعن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة)) قلنا: وثلاثة؟ قال: ((وثلاثة)) قلنا: واثنان؟ قال: ((واثنان))، ثم لم نسأله عن الواحد. رواه البخاري.
1664 -
وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلي ما قدموا)). رواه البخاري.
ــ
((مظ)): ليس معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنتم شهداء الله)) أن ما يقول الصحابة والمؤمنون في حق شخص من استحقاقه الجنة أو النار يكون كذلك؛ لأن من يستحق الجنة لا يصير من أهل النار بقولهم، ولا من يستحق من أهل الجنة بقولهم، بل معناه: أن الذي أثنوا عليه خيراً، رأوا منه الصلاح والخيرات في حياته، والخيرات والصلاح علامة كون الرجل من أهل الجنة، والذي أثنوا عليه شراً، رأوا منه الشر والفساد، والشر والفساد علامة أهل النار؛ فشهد النبي صلى الله عليه وسلم للأول بالجنة، وللثإني بالنار. وتأويل قطعه صلى الله عليه وسلم للأول بالجنة، وللثإني بالنار أنه اطلعه الله تعالي علي ذلك، وليس هذا الحكم عاماً في كل من شهد له جماعة بالجنة أو بالنار. ألا ترى أنه لا يجوز أن يقطع بكون أحد أنه من أهل الجنة، أو من أهل النار وإن شهد له جماعة كثيرة، بل ترجى الجنة لمن شهد له جماعة بالخير، وتخاف النار لمن شهد له جماعة بالشر.
أقول: لا ارتياب أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وجبت)) بعد ثناء الصحابة رضي الله عنهم حكم، عقب وصفاً مناسباً، وهو يشعر بالعلية. وكذا الوصف بقوله:((أنتم شهداء الله)) لأن الإضافة فيه للتشريف، وأنهم بمكان ومنزلة عالية عند الله. وهو أيضاً كالتزكية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وإظهار عدالتهم بعد أداء شهادتهم لصاحب الجنازة، فينبغي أن يكون لها أثر ونفع في حقه وأن الله تعالي يقبل شهادتهم ويصدق ظنونهم في حق المثني عليه كرامة لهم وتفضلاً عليهم كالدعاء والشفاعة، فيوجب لهم الجنة أو النار علي سبيل الوعد أو الوعيد؛ لأن وعده حق لابد من وقوعه، فهو كالواجب إذ لا أثر للعمل ولا للشهادة في الوجوب. وإلي معنى الحديث برمز قوله تعالي:{وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} أي جعلناكم عدولاً خياراً لتشهدوا علي غيركم، ويكون الرسول رقيباً مهيمناً عليكم، ومزكياً لكم، ويبين عدالتكم. والله أعلم.
1665 -
وعن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلي أحد في ثوب واحد، ثم يقول:((أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟)) فإذا أشير له إلي أحدهما قدمه في اللحد. وقال: ((أنا شهيد علي هؤلاء يوم القيامة)) وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا. رواه البخاري.
1666 -
وعن جابر بن سمرة، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بفرس معرور، فركبه حين انصرف من جنازة ابن الدحداح، ونحن نمشي حوله. رواه مسلم.
ــ
الحديث التاسع عشر عن عائشة: قوله: ((قد أفضوا إلي ما قدموا)) أي قد مضوا إلي جزاء ما قدموا من أعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر)) والله تعالي هو المجازي، إن شاء عفا عنهم وإن شاء عذبهم، فما لكم وإياهم، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه؟ هذا يدل علي أنه لا يجوز الخوض بلا فائدة، وإن كان للتحذير فلا بأس، كما سبق.
الحديث العشرون عن جابر: قوله: ((في ثوب واحد)) ((مظ)): أي في قبر واحد، لا في ثوب واحد؛ إذ لا يجوز تجريدهما بحيث تتلاقى بشرتاهما بل ينبغي أن يكون علي كل واحد منهما ثيابه الملطخة بالدم وغير الملطخة، ولكن يضجع أحدهما بجنب الآخر في قبر واحد.
قوله: ((أن شهيد عليهم)) ((مظ)): أن شفيع لهؤلاء، وأشهد لهم بأنهم بذلوا أرواحهم، وتركوا حياتهم لله تعالي. أقول: لا يساعد عليه تعدية الشهيد بعلي؛ لأنه لو أريد ما قال: لقيل: أنا شهيد لهم، فعدل لتضمين ((شهيد)) معنى رقيب وحفيظ، أي أن حفيظ عليهم أراق أحوالهم وأصونهم من المكاره والمناصب، شفيعاً لهم، ومنه قوله تعالي:{والله علي كل شيء شهيد} ، {كنت أنت الرقيم عليهم، وأنت علي كل شيء شهيد} .
الحديث الحادي والعشرون عن جابر: قوله: ((معرور)) ((نه)): أي لا سرج عليه ولا غيره. واعروري فرسه: إذا ركبه عرياناً، فهو لازم ومتعد، أو يكون أتي بفرس معرور علي المفعول. ويقال: فرس عر، وخيل أعراء. وعن بعضهم يقال: اعروري الفارس فرسه: ركبه عرياناً ليس عليه سرج. اعريراء من الافعيلاء فالفارس معررو، والفرس معروري، والقياس: فرس معروري، لكن صحت الرواية بالكسر.
الفصل الثاني
1667 -
عن المغيرة بن شعبة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((الراكب يسير خلف الجنازة، والماشي يمشي خلفها وأمامها، وعن يمينها، وعن يسارها قريباً منها، والسقط يصلي عليه، ويدعي لوالديه بالمغفرة والرحمة)). رواه أبو داود. [1667]
وفي رواية أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، قال:((الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها، والطفل يصلي عليه)). وفي المصابيح عن المغيرة ابن زياد.
1668 -
وعن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة. رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: وأهل الحديث كأنهم يرونه مرسلاً. [1668]
1669 -
وعن عبد اله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجنازة متبوعة ولا تتبع، ليس معها من تقدمها)). رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، وقال الترمذي: وأبو ماجد الراوي رجل مجهول. [1669]
ــ
الفصل الثاني
الحديث الأول والثاني، عن المغيرة بن شعبة: قوله: ((السقط يصلي عليه)) ((مظ)): ذهب الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما إلي أنه يصلي علي السقط إن استهل صارخاً ثم مات، وإلا فلا. وقال أحمد: يصلي عليه إذا كان له أربعة أشهر وعشر في البطن ونفخ فيه الروح وإن لم يستهل.
قوله: ((وفي المصابيح: عن المغيرة بن زياد)) ((تو)) و ((قض)): عن المغيرة بن زياد سهو، ولعله سهو من الناسخ، إذ ليس في عداد الصحابة والتابعين أحد بهذا الاسم والنسب.
الحديث الثالث والرابع، عن سالم- هو ابن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم: قوله: ((يمشون أمام الجنازة)) بهذا الحديث قال الشافعي وأحمد رضي الله عنهما، وقال بالحديث الآتي أبو حنيفة. وعلة المشي خلف الجنازة: انتباه الناس، واعتبارهم عند النظر إليها، وقدامه كأنهم شفعاء الميت إلي الله تعالي، والشفيع يمشي قدام المشفوع له.
الحديث الخامس عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قوله: ((لا تتبع)) صفة مؤكدة أي
1670 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تبع جنازة وحملها ثلاث مرات؛ فقد قضى ما عليه من حقها)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب. [1670]
1671 -
وقد روي في ((شرح السنة)): أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين.
1672 -
وعن ثوبان، قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فرأي ناساً ركباناً، فقال:((ألا تستحيون؟! إن ملائكة الله علي أقدامهم، وأنتم علي ظهور الدواب)). رواه الترمذي، وابن ماجه. وروى أبو داود نحوه، وقال الترمذي: وقد روي عن ثوبان موقوفاً. [1672]
1673 -
وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ علي الجنازة بفاتحة الكتاب. رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه. [1673]
1674 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صليتم علي الميت، فأخلصوا له الدعاء)). رواه أبو داود، وابن ماجه. [1674]
1675 -
وعنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلي علي الجنازة، قال:((اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه علي الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه علي الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده)). رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. [1675]
ــ
متبوعة غير تابعة. وقوله: ((ليس معها)) تقرير بعد تقرير، ((يعني من تقدم الجنازة ليس ممن يشيعها فلا يثبت له الأجر.
الحديث السادس إلي التاسع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((صغيرنا وكبيرنا)) ((تو)): سئل أبو جعفر الطحاوي عن معنى الاستغفار للصبيان مع أنه لا ذنب لهم؟ فقال: سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يغفر لهم ذنوب قضيت لهم أن يصيبوها بعد الانتهاء إلي حال الكبر. أقول: كل من القرائن الأربع في هذا الحديث تدل علي الشمول والاستيعاب، فلا تحمل علي التخصيص نظراً إلي مفردات التركيب، كأنه قيل: اللهم اغفر للمسلمين كلهم أجمعين، فهي من الكناية، يدل عليه جمعه في قوله:((اللهم من أحييته منا فأحيه علي الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه علي الإيمان)).
1676 -
ورواه النسائيُّ عن إبراهيم الأشهَلي، عن أبيه، وانتهت روايته عند قوله:((وأثنانا)). وفي رواية أبي داود: ((فأحيه علي الإيمان، وتوفه علي الإسلام))، وفي آخره:((ولا تُضلّنا بعدَه)).
1677 -
وعن واثلةَ بن الأسقع، قال: صلي بنا رسولُ صلى الله عليه وسلم علي رجل من المسلمين، فسمعته يقول:((اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك، فقه من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر له، وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم)). رواه أبو داود، وابن ماجه. [1677]
1678 -
وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساويهم)). رواه أبو داود، والترمذي. [1678]
ــ
قوله: ((في رواية أبي دواد: فأحيه علي الإيمان)) فإن قلت: ما الحكمة في تقديم الإسلام وتأخير الإيمان في الرواية الأولي، وعكسه في الأخرى؟ قلت: الإيذان بأن الإسلام والإيمان يعبران عن الدين كما هو مذهب السلف الصالح، علي ما نقلناه عن الأئمة المتقنين في شرح حديث جبريل عليه السلام. ويحتمل أن يراد التنبيه علي الفرق بين المقامين. وذلك أن الإسلام ورد علي معنيين: أحدهما الانقياد وإظهار الأعمال الصالحة، وهو دون الإيمان. قال الله تعالي:{قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} والإشارة بهذا ترجيح الأعمال في الحياة، والايمان عند الممات، وهذه مرتبة العوام. وثإنيهما الاستسلام وإخلاص العمل لله، وهو فوق الإيمان، قال الله تعالي:{بلي من أسلم وجهه لله وهو محسن} {إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين} وهذه مرتبة الخواص. ومن هاهنا قال يوسف عليه السلام: {توفني مسلماً وألحقني بالصالحين} والرواية الثانية مشيرة إلي هذا.
الحديث العاشر عن واثلة: قوله: ((وحبل جوارك)) ((نه)): كان من عادة العرب أن يخاف بعضهم بعضاً، وكان الرجل إذا أراد سفراً أخذ عهداً من سيد كل قبيلة، فيأمن به مادام مجاورًا أرضه، أو هو من الإجارة. والأمان، والنصرة. والحبل والعهد والأمان.
أقول: الثاني أظهر و ((حبل جوارك)) بيان لقوله: ((ذمتك)) نحو أعجبتني زيد وكرمه. وقوله:
1679 -
وعن نافع أبي غالب، قال: صليتُ مع أنس بن مالك علي جنازة رجلٍ، فقام حيال رأسه، ثم جاؤوا بجنازة امرأة من قريش، فقالوا: يا أبا حمزة! صلِّ عليها، فقام حيال وسط السرير، فقال له العلاء بن زياد: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام علي الجنازة مقامك منها؟ ومن الرجل مقامك منه؟ قال: نعم. رواه الترمذي وابن ماجه. وفي رواية أبي داود نحوه مع زيادة، وفيه: فقام عند عجيزة المرأة. [1679]
الفصل الثالث
1680 -
(35) عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، قال: كان ابن حنيف، وقيس ابن سعد قاعدين بالقادسية، فمر عليهما بجنازة، فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل
ــ
((في ذمتك)) أي أن فلاناً في عهد جوارك. والأصل في عهدك، فنسب إلي العهد ما كان منسوباً إلي الله تعالي، فجعل للجوار عهداً مبالغة في كمال حمايته ونصرته، فالحبل مستعار للعهد لما فيه من التوثقة، وعقد القول بالأيمان المؤكدة. ومن ثم قيل فيمن خان العهد: فلان نقض عهده ونكث؛ فإن النقض والنكث من صفات الحبل ولوازمه.
وقوله: ((أنت أهل الوفاء)) تجريد لاستعارة الحبل للعهد؛ لأن الوفاء صفة ملائمة للعهد المستعار له، لا للحبل المستعار. ولو أريد الترشيح لقيل: أنت أهل الإبرام.
الحديث الحادي عشر عن ابن عمر رضي الله عنه: قوله: ((اذكروا محاسن موتاكم)) المأمور والمنهي بهذا الأمر والنهي، إن كان من الصالحين من عباد الله، فكما أن ذكرهم محاسن الموتى مؤثر فيهم أمروا بذلك، وأن ذكرهم مساوئهم كذا مؤثر، فعليه أن لا يسعى في ضرر الغير، كما سبق في حديث أنس رضي الله عنه:((أنتم شهداء الله)) وإن كان المأمور والمنهي غيرهم، فإن أثر النفع والضرر راجع إلي القائل، فعليه أن يجتنب ما يتضرر بذكره، ويتحرى ما له من نفع فيه.
الحديث الثاني عشر عن نافع: قوله: ((نافع أبي غالب)) ((أبي غالب)) هو عطف بيان، كأن الكنية كانت أشهر وأعرف من العلم، فجئ بها بياناً بـ ((نافع)). وقوله:((حيال رأسه)) أي إزاء رأسه ومقابله، وحيال كل شيء: قبالته، وتلقاء وجهه. قوله:((عجيزة المرأة)) ((نه)): العجيزة والعجز، وهي للمرأة خاصة، والعجز مؤخر الشيء.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن عبد الرحمن رضي الله عنه: قوله: ((بالقادسية)) وهو موضع بينه وبين الكوفة خمسة عشر ميلاً، والأرض هنا كناية عن السفالة والرذالة. قال تعالي: {ولو شيءنا
الأرض، أي من أهل الذمة، فقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به جنازةٌ فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي. فقال: ((أليست نفساً؟)). متفق عليه.
1681 -
وعن عبادة بن الصامت، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تبع جنازةً لم يقعد حتى توضع في اللحد، فعرض له حبر من اليهود، فقال له: إنا هكذا نصنع يا محمد! قال: فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((خالفوهم)). رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديثٌ غريب، وبشر بن رافع الراوي ليس بالقوي.
1682 -
وعن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة، ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس. رواه أحمد. [1682]
1683 -
وعن محمد بن سيرين، قال: إن جنازة مرت بالحسن بن علي وابن عباس، فقام الحسن ولم يقم ابن عباس، فقال الحسن: أليس قد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودى؟ قال: نعم، ثم جلس. رواه النسائى. [1683]
1684 -
وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن الحسن بن علي كان جالساً فمر عليه بجنازة، فقام الناس حتى جاوزت الجنازة. فقال الحسن: إنما مر بجنازة يهودى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم علي طريقها جالساً، وكره أن تعلو رأسه جنازة يهودي، فقام رواه النسائى. [1684]
ــ
لرفعناه بها ولكنه أخلد إلي الأرض واتبع هواه} أي مال إلي السفالة؛ ولذلك ((أهل الأرض)) بـ ((أهل الذمة)). ونحوه في المعنى قوله: ((أليست نفساً؟)) أي ذا فزع، يرشد إليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر حين قام لجنازة مرت عليه، فقيل:((إنها يهودية)) فقال: ((إن الموت فزع، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا))
الحديث الثاني إلي الرابع عن محمد رضي الله عنه: قوله: ((ثم جلس)) الظاهر أن يكون قوله ((ثم جلس)) من تتمة قول ابن عباس رضي الله عنهما، أي فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا من ذلك، ولكن جلوسه كان متأخراً ناسخاً، كما سبق في حديث علي رضي الله عنه.
1685 -
وعن أبي موسى. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مرت بك جنازة يهودي أو نصرإني أو مسلم، فقوموا لها، فلستم لها تقومون؛ إنما تقومون لمن معها من الملائكة)). رواه أحمد [1685]
1686 -
وعن أنس، أن جنازة مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام، فقيل: إنها جنازة يهودى. فقال: ((إنما قمت للملائكة)). رواه النسائي. [1686]
1687 -
وعن مالك بن هبيرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين، إلا أوجب)). فكان مالكٌ إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف لهذا الحديث. رواه أبو داود.
وفي رواية الترمذي، قال: كان مالك بن هبيرة إذا صلي علي جنازة فتقال الناس عليها جزأهم ثلاثة أجزاء، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلي عليه ثلاثة صفنوف أوجب)). ورورى ابن ماجه نحوه.
1688 -
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة علي الجنازة:((اللهم أنت ربها وأنت خلقتها، وأنت هديتها إلي الإسلام، وأنت قبضت روحها وأنت أعلم بسرها وعلإنيتها، جئنا شفعاء فاغفر له)) روه أبو داود. [1688]
1689 -
وعن سعيد بن المسيب، قال: صليتُ وراء أبي هريرة علي صبيٍّ لم يعمل خطيئة قط، فسمعتُهُ يقول: اللهم أعذه من عذاب القبر. رواه مالك
ــ
الحديث الخامس والسادس عن أبي موسى: قوله: ((إنما تقومون لمن معها من الملائكة)) أي ملائكة الرحمة والعذاب. اختلفت علل القيام، فجعلت تارة الفزع، وأخرى كراهية رفعة جنازة اليهودية رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرى كرامة للملائكة المقربين، وأخرى لم يعتبر شيئاً منها، فلم يقم. ولعل ذلك لاختلاف المقامات والأحوال.
الحديث السابع عن مالك رضي الله عنه: قوله: ((أوجب)) أي أوجب ذلك الفعل علي الله