المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(6) باب دفن الميت - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٤

[الطيبي]

فهرس الكتاب

- ‌(21) باب سجود القرآن

- ‌(22) باب أوقات النهي

- ‌(23) باب الجماعة وفضلها

- ‌(24) باب تسوية الصف

- ‌(25) باب الموقف

- ‌(26) باب الإمامة

- ‌(27) باب ما علي الإمام

- ‌(28) باب ما علي المأموم من المتابعة

- ‌(29) باب من صلي صلاة مرتين

- ‌(30) باب السنن وفضائلها

- ‌(31) باب صلاة الليل

- ‌(32) باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌(33) باب التحريض علي قيام الليل

- ‌(34) باب القصد في العمل

- ‌(35) باب الوتر

- ‌(36) باب القنوت

- ‌(37) باب قيام شهر رمضان

- ‌(38) باب صلاة الضحى

- ‌(39) باب التطوع

- ‌(40) باب صلاة التسبيح

- ‌(41) باب صلاة السفر

- ‌(42) باب الجمعة

- ‌(43) باب وجوبها

- ‌(44) باب التنظيف والتبكير

- ‌(45) باب الخطبة والصلاة

- ‌(46) باب صلاة الخوف

- ‌(47) باب صلاة العيدين

- ‌(48) باب في الأضحية

- ‌(49) باب العتيرة

- ‌(50) باب صلاة الخسوف

- ‌(51) باب في سجود الشكر

- ‌(52) باب الاستسقاء

- ‌(53) باب في الرياح

- ‌ كتاب الجنائز

- ‌(1) باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌(2) باب تمني الموت وذكره

- ‌(3) باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌(4) باب غسل الميت وتكفينه

- ‌(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌(6) باب دفن الميت

- ‌(7) باب البكاء علي الميت

- ‌(8) باب زيارة القبور

الفصل: ‌(6) باب دفن الميت

1690 -

وعن البخاري تعليقاً، قال: يقرأ الحسن علي الطفل فاتحة الكتاب، ويقول: اللهم اجعله لنا سلفاً وفرطاً وذخراً وأجر اً.

1691 -

وعن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((الطفل لا يصلي عليه، ولا يرث، ولا يورث، حتى يستهل)). رواه الترمذي وابن ماجه إلا أنه لم يذكر: ((ولا يورث)). [1691]

1692 -

وعن أبي مسعود الأنصاري، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم الإمام فوق شيء والناس خلفه، يعنى أسفل منه. رواه الدراقطني في ((المجتبى)) في كتاب الجنائز. [1692]

(6) باب دفن الميت

الفصل الأول

1693 -

عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، أن سعد بن أبي وقاص، قال في مرضه الذي هلك فيه: ألحدوا لي لحداً، وانصبوا علي اللبن نصباً، كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.

ــ

تعالي مغفرته وعداً منه تعالي، وهو خبر ((ما)) والمستثنى منه أعم عام الأشياء، وهو دليل ظاهر بين الدلالة علي ما قررناه في حديث أنس من معنى تأثير الثناء في الوجوب.

الحديث الثامن إلي الحادي عشر عن البخاري: قوله: ((تعليقاً)) قال في الإرشاد: التعليق مستعمل فيما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر، واستعمله بعضهم في حذف كل الإسناد، مثاله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا: قال ابن عباس كذا، قال: سعيد بن المسيب عن أبي هريرة كذا. قوله: ((حتى يستهل)) ((نه)): استهلال الصبي تصويته عند ولادته.

باب دفن الميت

الفصل الأول

الحديث الأول عن عامر: قوله: ((ألحدوا)) ((نه)): اللحد: الشق الذي يعمل في جانب القبر لوضع الميت؛ لأنه قد أميل عن وسط القبر إلي جانبه، يقال: لحدت وألحدت وأوصل الإلحاد

ص: 1405

1694 -

وعن ابن عباس، قال: جعل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء. رواه مسلم.

1695 -

وعن سفيان التمار: أنه رأي قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنماً. رواه البخاري.

1696 -

وعن أبي الهياج الأسدي، قال: قال لي علي: ألا أبعثك علي ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته. رواه مسلم.

1697 -

وعن جابر، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يُبنى عليه، وأن يقعد عليه. رواه مسلم.

ــ

الميل والعدول عن الشيء. ((مح)) ((الحدوا)): وهو بوصل الهمزة وفتح الحاء. ويجوز بقطع الهمزة وكسر الحاء يقال: لحد يلحد كذهب يذهب، وألحد يلحد إذا حفر اللحد. وفيه استحباب اللحد، ونصب اللبن، وأنه فعل ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم باتفاق الصحابة رضي الله عنهم. وقد نقلوا أن عدد لبناته صلى الله عليه وسلم تسع.

الحديث الثانى عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((قطيفة حمراء)) ((نه)): هي كساء له خمل، ومنه الحديث ((تعس عبد القطيفة)) أي الذي يعمل لها ويهتم بتحصيلها. ((مح)): هذه القطيفة ألقاها شقران مولي ارسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: كرهت أن يلبسه أحد بعده صلى الله عليه وسلم. وقد نص الشافعى وغيره من العلماء علي كراهة وضع قطيفة، أو مخدة، ونحوهما تحت الميت في القبر. وقيل: إن ذلك كان من خواصه صلوات الله عليه، فلا يحسن في حق غيره. ((تو)): وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كما فارق الأمة في بعض أحكام حياته فارقهم في بعض أحكام مماته؛ فإن الله تعالي حرم علي الأرض لحوم الأنبياء، وحق لجسد عصمه الله تعالي عن البلي، والتغير، والاستحالة أن يفرش له في قبره؛ لأن المعنى الذي يفرش للحى لم يزل عنه بحكم الموت، وليس الأمر في غيره علي هذا النمط.

الحديث الثالث عن سفيان: قوله: ((مسنماً)) تسنيم القبر أن يجعل كهيئة السنام، وهو خلاف تسطيحه.

الحديث الرابع عن أبي الهياج رضي الله عنه: قوله: ((ألا أبعثك)) ((تو)): أي ألا أرسلك للأمر الذي أرسلنى له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما في قوله:((ألا أبعثك علي ما بعثنى)) من معنى التأمير، عدى ((أبعثك)) بحرف الاستعلاء، أي أجعلك أميراً. أقول: وفيه أن ما أمر عليه من الشؤون العظيمة؛ فإن مثل علي رضي الله عنه إنما يؤمر في الأمور المهمة.

ص: 1406

1698 -

وعن أبي مرثد الغنويِّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجلسوا علي القبور، ولا تصلوا إليها)). رواه مسلم.

1699 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن يجلس أحدكم علي جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلي جلده؛ خيرٌ له من أن يجلس علي قبر)). رواه مسلم.

الفصل الثانى

1700 -

عن عروة بن الزبير، قال: كان بالمدينة رجلان: أحدهما يلحد،

ــ

قوله: ((أن لا تدع)) خبر مبتدأ محذوف، أي الأمر الذي لا تدع. و ((التمثال)) الصورة، وطمسها محوها وإبطالها، والقبر المشرف: الذي بني عليه حتى ارتفع، دون الذي أعلم عليه بالرمل والحصباء أو الحجارة، ليعرف فلا يوطأ.

الحديث الخامس عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((أن يبنى عليه)) ((تو)): يحتمل وجهين أحدهما: البناء علي القبر بالحجارة وما يجرى مجراها، والآخر: أن يضرب عليه خباء أو نحوه، وكلاهما منهي عنه؛ لانعدام الفائدة فيه، ولأنه من صنيع أهل الجاهلية، وعن ابن عمر أنه رأي فسطاطاً علي قبر أخيه عبد الرحمن، فقال: انزعه يا غلام، فقال: إنما يظله عمله. وقوله: ((أن يقعد عليه)) حمله الأكثرون علي ما يقتضيه الظاهر من الجلوس، والقعود علي القبر، لما فيه من الاستخفاف بحق أخيه المسلم. وحمله جماعة علي الجلوس علي القبر لقضاء الحاجة، ونسبوه إلي زيد بن ثابت.

الحديث السادس عن أبي مرثد: قوله: ((ولا تصلوا إليها)) أي مستقبلين إليها لما فيه من التعظيم البالغ؛ لأنه من مرتبة المعبود. فجمع بين النهي عن الاستخفاف العظيم والتعظيم البليغ.

الحديث السابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((فتحرق ثيابه)) أي فتخلص إلي جلده، جعل الجلوس علي القبر وسراية مضرته إلي قلبه- وهو لا يشعر- بمنزلة سراية النار من الثوب إلي الجلد ثم إلي داخله.

الفصل الثانى

الحديث الأول عن عبادة: قوله: ((أحدهما يلحد)) وهو أبو طلحة زيد بن سهل الأنصارى، والآخر هو أبو عبيدة بن الجراح، وكان يعمل الضريح، وهو الشق في وسط القبر.

ص: 1407

والآخر لا يلحد. فقالوا: أيهما جاء أولا عمل عمله. فجاء الذي يلحد، فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه في ((شرح السنة)). [1700]

1701 -

وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللحد لنا والشق لغيرنا)). رواه الترمذى، وأبو داود، والنسائى، وابن ماجه. [1701]

1702 -

ورواهُ أحمد عن جرير بن عبد الله. [1702]

1703 -

وعن هشام بن عامر، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال يوم أحُد:((احفروا وأوسعوا وأعمقوا وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحدٍ، وقدِّموا أكثرهم قرآنًا)) رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وروى ابن ماجه إلي قوله:((وأحسنوا)). [1703]

1704 -

وعن جابر، قال: لما كانَ يومُ أحُدٍ جاءت عمَّتي بأبي لتدفنه في مقابرنا، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ردُّوا القتلي إلي مضاجعهم)). رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، والدرامي، ولفظه للترمذي. [1704]

ــ

الحديث الثانى عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((اللحد لنا)) ((تو)): أي اللحد الذي نؤثره ونختاره، والشق اختيار من كان قبلنا. وفي ذلك بيان فضيلة اللحد، وليس فيه النهي عن الشق، والدليل عليه حديث عروة، إذ لو كان منهياً عنه لم يكن أبو عبيدة ليصنعه مع جلالة قدره في الدين والأمانة، ولم يكن الصحابة رضي الله عنهم ليقولوا دون دفن النبي صلى الله عليه وسلم: أيهما جاء أولا عمل عمله. أقول: ويمكن أنه صلى الله عليه وسلم عني بضمير الجمع نفسه، أي أوثر لي اللحد، وهو إخبار عن الكائن، فيكون معجزة.

الحديث الثالث عن هشام رضي الله عنه: قوله: ((وأعمقوا وأحسنوا)) ((مظ)): أي اجعلوا عمقه قدر قامة رجل إذا مد يده إلي رءوس أصابع يديه، وأجيدوا تسوية قعره، لا منخفضاً ولا مرتفعاً، ونظفوه من التراب والقذارة وغيرهما.

قوله: ((أكثرهم قرآناً)) بولغ فيه حيث أبهم أولاً، وأسند ضميره إلي الكثرة، ثم بين ذلك الإبهام بقوله:((قرآناً)) دلالة علي أن القرآن خالط لحمه ودمه، وأخذ بمجامعه، فحق لمثله أن يقدم علي كل سواه- في حياته في الإمامة، وفي مماته في القبر-.

الحديث الرابع عن جابر رضي الله عنه: قولوا: ((ردوا)) ((مظ)): فيه دلالة علي أن الميت لا ينقل

ص: 1408

1705 -

وعن ابن عباس، قال: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل رأسه. رواه الشافعى. [1705]

1706 -

وعنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبراً ليلاً فأسرج له بسراج، فأخذ من قبل القبلة، وقال:((رحمك الله، إن كنت لأواها تلاء للقرآن)). رواه الترمذي. وقال في ((شرح السنة)): إسناده ضعيف.

1707 -

وعن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أدخل الميت القبر قال: ((بسم

ــ

من الموضع الذي مات فيه إلي بلد آخر. ((شف)): هذا كان في الابتداء، فأما بعده فلا؛ لما روي أن جابراً جاء بابنه عبد الله الذي قتل في أحد بعد ستة أشهر إلي البقيع، ودفنه بها.

أقول: ولعل الظاهر: إن دعت ضرورة إلي النقل جاز، وإلا فلا؛ لما روينا عن الإمام مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة: أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ثم المسلميين، كانا قد حفر السيل قبرهما وكان قبرهما مما يلي السيل، وكانا في قبر واحد، وهما ممن استشهد يوم أحد، فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما، فوجدا لم يتغيرا كأنما ماتا بالأمس، وكان أحدهما قد جرح فوضع يده علي جرحه، فدفن وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه، ثم أرسلت فرجعت كما كانت، وكان بين يوم أحد وبين يوم الحفر عنهما ست وأربعون سنة. وأيضاً دل قول عائشة رضي الله عنها في حديث ابن أبي مليكة:((والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت)) - قالته حين نقل أخوها من الحبش إلي مكة- علي عدم الجواز.

الحديث الخامس عن ابن عباس رضي الله عنه: قوله: ((سل)) ((نه)): هو إخراج الشيء بتأن وتدريج. ((مظ)): سن أن توضع رأس الجنازة [في جانب القبلة من القبر بحيث أن تكون مؤخرة الجنازة] علي مؤخر القبر، ثم يدخل الميت القبر، وبهذا قال الشافعى رضي الله عنه. وقال أبو حنيفة: توضع الجنازة في جانب القبلة من القبر بحيث يكون مؤخر الجنازة إلي مؤخر القبر، ورأسه إلي رأسه، ويدخل الميت القبر.

الحديث السادس عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((فأسرج له بسراج)) أقيم مقام الفاعل، أي أشعل له سراج، فأخذ الميت من مكان هو من قبل القبلة ثم أدخله القبر، هذا مذهب أبي حنيفة. قوله:((لأواها)) ((نه)) الأواه: المتأوه المتضرع. وقيل: هو الكثير البكاء. وقيل: الكثير الدعاء. ((وإن)) هي المخففة من المثقلة؛ ولذلك أدخلت علي فعل من أفعال المبتدأ، ولزمها اللام الفارقة بينها وبين النافية، وفيه دليل علي جواز دفن الميت بالليل.

الحديث السابع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((كان إذا أدخل الميت القبر)) ((أدخل))

ص: 1409

الله، وبالله، وعلي ملة رسول الله)). وفي رواية:((وعلي سنة رسول الله)). رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وروى أبو داود الثانية. [1707]

1708 -

وعن جعفر بن محمد، عن أبيه مرسلاً، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حثا علي الميث ثلاث حثيات بيديه جميعاً، وأنه رش علي قبر ابنه إبراهيم، ووضع عليه حصباء. رواه في ((شرح السنة))، وروى الشافعي من قوله:((رش)). [1708]

1709 -

وعن جابر، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجصص القبور، وأن يكتب عليها، وأن توطأ. رواه الترمذي. [1709]

1710 -

وعنه، قال: رُشَّ قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الذي رش الماء علي قبره بلال ابن رباح بقربة، بدأ من قبل رأسه حتى انتهي إلي رجليه. رواه البيهقي في ((دلائل النبوة)). [1710]

ــ

في بعض النسخ مجهولاً، وفي بعضها معلوماً، فعلي المجهول لفظ ((كان)) بمعنى الدوام، وعلي المعلوم بخلافه، لما روى أبو داود عن جابر قال:((رأي ناس ناراً في المقبرة، فأتوها، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر، وهو يقول: ناولونى صاحبكم، فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر)).

الحديث الثامن، والتاسع عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((أن تجصص القبور)) قيل: لعل ورود النهي لأنه نوع من الزينة، ولذلك رخص بعضهم التطيين، منهم الحسن البصرى، وقال الشافعى: لا بأس أن يطين القبر. ((مظ)): يكره كتابة اسم الله ورسوله، والقرآن علي القبر؛ لئلا يهان بالجلوس عليه، ويداس عند الانهدام.

الحديث العاشر عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((رش قبر النبي صلى الله عليه وسلم) لعل ذلك إشارة إلي استنزال الرحمة الإلهية، والعواطف الربإنية علي صاحب القبر، كما ورد في الدعاء ((اللهم اغسل خطايأي بالماء، والثلج، والبرد)) وقالوا: سقى الله ثراه، وبرد الله مضجعه، وكان ذلك من دأبهم وعادتهم في أشعرهم، وأنشد الرضي يرثي أبا حسان:

سقاكم ولولا عادة غريبة

لقل لكم قطر الجي المنضد

والجي من السحاب المتراكم. أو إلي الدعاء بالطراوة وعدم الدروس قال الحماسى:

ص: 1410

1711 -

وعن المطلب بن أبي وداعة، قال: لما مات عثمان بن مظعون، أخرج جنازته فدفن، أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حملها، فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعيه. قال المطلب: قال الذي يخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كإني أنظر إلي بياض ذراعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حسر عنهما، ثم حملها فوضعها عند رأسه، وقال:((أعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي)). رواه أبو داود. [1711]

1712 -

وعن القاسم بن محمد، قال: دخلت علي عائشة، فقلت: يا أماه! اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا نشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء. رواه أبو داود. [1712]

ــ

سقى الله أجداثاً ورائى تركتها

بحاضر قنسرين من سبيل القطر

مضوا لا يريدون الرواح وغالهم

من الدهر أسباب جرين علي قدر

قال المرزوقى: المعنى: سقى الله هذه القبور من ماء السحاب ما سال علي عجلة، والقصد فيه: أن تبقى عهودها غضة محمية من الدروس، طرية لا يتسلط عليها ما يزيل جدتها ونضارتها، ألا ترى أنه لما أراد ضد ذلك، قال: فلا سقاهن إلا النار تضرم.

الحديث الحادى عشر عن المطلب: قوله: ((وحسر عن ذراعيه)) ((نه)): أي أخرجهما عن كميه. وقوله: ((أعلم بها قبر أخي)) سماء أخًا لقرابة بينهما؛ لأنه كان قرشيًا، وهو عثمان بن مظعون ابن حبيب بن وهيب القرشي الجمحي، وكان ممن حرم الخمر [في الجاهلية وقال: لا أشرب ما يضحك بي من هو دوني وقال السلمي: وكان عثمان من] أهل الصفة، وهو أول من دفن بالبقيع، ومن هاجر بالمدينة.

قوله: ((وأدفن إليه من مات)) أي أضم إليه في الدفن من مات من أهلي. قيل: أول من تبعه من أهل النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال صلوات الله عليه لزينب ابنته بعد أن ماتت:((الحقى بسلفنا الخير عثمان بن مظعون)). ((مظ)): فيه أن جعل العلامة علي القبر ليعرفه الناس سنة، وكذلك دفن بعض الأقارب بقرب بعض.

الحديث الثانى عشر عن القاسم: قوله: ((ولا لا طية)) ((نه)): يقال: لطا بالأرض ولطى بها

ص: 1411

1713 -

وعن البراء بن عازب، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلي القبر ولما يلحد بعد، فجلس النبي صلي الله وعليه وسلم مستقبل القبلة، وجلسنا معه. رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه وزاد في آخره: كأن علي رؤوسنا الطير. [1713]

1714 -

وعن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((كسر عظام الميت ككسره حياً)). رواه مالك، وأبو داود، وابن ماجه. [1714]

الفصل الثالث

1715 -

عن أنس، قال: شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تدفن، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس علي القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال:((هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة؟)) فقال أبو طلحة: أنا. قال: ((فانزل في قبرها)). فنزل في قبرها. رواه البخاري.

ــ

إذا لزق. و ((العرصة)) جمعها عرصات، وهي كل موضع واسع لا بناء فيه. و ((البطحاء)) مسيل واسع فيه دقاق الحصى، والمراد به ههنا الحصى؛ لإضافتها إلي العرصة، أي كشفت لي عن ثلاثة قبور، لا مرتفعة ولا منخفضة، [لاصقة بالأرض] مبسوطة مسواة. والبطح أن يجعل ما ارتفع من الأرض مسطحاً حتى يستوى، ويذهب التفاوت.

الحديث الثالث عشر، والرابع عشر عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((ككسره حياً)) فيه دلالة علي أن إكرام الميت مندوب إليه في جميع ما يجب كإكرامه حياً، وإهانته منهي عنها، كما في الحياة.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((لم يقارف)) ((نه)): في الحديث ((رجل قرف علي نفسه))، أي كسبها، يقال: قارف الذنب وغيره إذا داناه، ولاصقة، وقرفه بكذا. أضافة إليه واتهمه به، وقارف امرأته إذا جامعها. وفي جامع الأصول: لم يقارف، أي لم يذنب ذنباً، ويجوز أن يريد به الجماع، فكنى عنه، وهو المعني في الحديث.

أقول: مثله في الكناية قوله تعالي: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلي نسائكم} وكان من عادة أدب القرآن أن يكنى عن الجماع باللمس، والقربان؛ لبشاعة التصريح، فعكس فكنى عن

ص: 1412

1716 -

وعن عمرو بن العاص، قال لابنه وهو في سياق الموت: إذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شناً، ثم أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها، حتى أستانس بكم وأعلم ماذا أراجع به رسل ربي. رواه مسلم.

1717 -

وعن عبد الله بن عمر، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا مات أحدكم فلا تحسبوه، وأسرعوا به إلي قبره، وليقرأ عند رأسه فاتحة البقرة، وعند رجليه بخاتمة البقرة)). رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) وقال: والصحيح أنه موقوف عليه. [1717]

1718 -

وعن ابن أبي مليكة، قال: لما توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشي، وهو موضعٌ، فحمل إلي مكة فدفن بها، فلما قدمت عائشة، أتت قبر عبد الرحمن بن أبي بكر فقالت:

ــ

الجماع بالرفث وهو أبشع. تقبيحاً لفعلهم لينزجروا عنه، لذلك كنى في الحديث عن المباح بالمحظور؛ ليصون جانب بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما ينبئ عن الأمر المستهجن. وتخصيص الليلة [بالعهد] بالذكر لتجدد عهد المباشرة. فإن قلت: لم لا يحمل الاقتراف علي التصريح؟ قلت: لأن الكناية أبلغ، فإذا نفي المباح أو المندوب، كان أنفي للمحظور وأرعى لصيانة جلالة محل بنت نبى الله صلي الله وعليه وسلم.

الحديث الثانى عن عمرو رضي الله عنه: قوله: ((في سياق الموت)) السوق النزع، والسياق أيضاً، وأصله: سواق، فقلبت الواو ياء لكسرة السين، وهما مصدران من ساق يسوق. قوله:((فشنوا علي التراب)) ((نه)): الشن: الصب في سهولة، و ((شنوا علي التراب)) أي ضعوه وضعاً سهلاً.

الحديث الثالث إلي السادس عن عبد الله رضي الله عنه: قوله: ((بفاتحة البقرة)) لعل تخصيص فاتحة البقرة لاشتمالها علي مدح كتاب الله، وأنه هدى للمتقين الموصوفين بالخلال الحميدة من الإيمان بالغيب، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وخاتمتها لاحتوائها علي الإيمان بالله وكتبه ورسله، ولإظهار الاستكانة، وطلب الغفران والرحمة، والتولي إلي كنف الله تعالي وحمايته؛ ولذلك جعل مكثه غير مقبور منعاً له من كرامته، وحبساً من موطن عزه، وإليه الإشارة بقوله:((لا تحبسوه وأسرعوا به)).

ص: 1413

وكنا كندمإني جذيمة حقبة

من الدهر، حتى قيل: لن يتصدعا

فلما تفرقنا، كإني ومالكاً

لطول اجتماع لم نبت ليلةً معا

ثم قالت: والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت، ولو شهدتك ما زرتك. رواه الترمذي. [1718]

1719 -

وعن أبي رافع، قال: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعداً ورش علي قبره ماء. رواه ابن ماجه. [1719]

1720 -

وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلي علي جنازة، ثم أتى القبر فحثا عليه من قبل رأسه ثلاثاً. رواه ابن ماجه. [1720]

1721 -

وعن عمرو بن حزم، قال: رإني النبي صلى الله عليه وسلم متكئاً علي قبرٍ، فقال:((لا تؤذ صاحب هذا القبر، أو لا تؤذه)). رواه أحمد. [1721]

ــ

((مح)) قال محمد بن أحمد [المروزى]: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا دخلتم المقابر فاقرأوا بفاتحة الكتاب، والمعوذتين، وقل هو الله أحد، واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر؛ فإنه يصل إليهم. والمقصود من زيارة القبور للزائر الاعتبار، وللمزور الانتفاع بدعائه، ذكره في الأذكار.

الحديث السابع عن ابن أبي مليكة: قوله: ((بالحبشى)) وفي ((النهاية)) للجزرى: هو بضم الحاء وسكون الباء وكسر الشين والتشديد، موضع قريب من مكة. قال الجوهرى: هو جبل بأسفل مكة، وجذيمة هذا كان ملكه بالعراق والجزيرة، وضم إليه العرب، وهو صاحب الزباء. والحقبة- بالكسر- السنة، وجمعه حقب، والحقب- بالضم- ثمانون سنة. وقيل: أكثر. والتصدع: التقطع والتفرق، يقال: صدعت الرداء صدعاً إذا شققته. وقولها: ((لو حضرتك)) أي لو شهدت وفاتك ودفنك، منعت أن تنقل ودفنتك حيث مت، ولو دفنت حيث أنت فيه الآن وقد حضرت وفاتك ما زرتك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور.

ص: 1414