المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(35) باب الوتر - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٤

[الطيبي]

فهرس الكتاب

- ‌(21) باب سجود القرآن

- ‌(22) باب أوقات النهي

- ‌(23) باب الجماعة وفضلها

- ‌(24) باب تسوية الصف

- ‌(25) باب الموقف

- ‌(26) باب الإمامة

- ‌(27) باب ما علي الإمام

- ‌(28) باب ما علي المأموم من المتابعة

- ‌(29) باب من صلي صلاة مرتين

- ‌(30) باب السنن وفضائلها

- ‌(31) باب صلاة الليل

- ‌(32) باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌(33) باب التحريض علي قيام الليل

- ‌(34) باب القصد في العمل

- ‌(35) باب الوتر

- ‌(36) باب القنوت

- ‌(37) باب قيام شهر رمضان

- ‌(38) باب صلاة الضحى

- ‌(39) باب التطوع

- ‌(40) باب صلاة التسبيح

- ‌(41) باب صلاة السفر

- ‌(42) باب الجمعة

- ‌(43) باب وجوبها

- ‌(44) باب التنظيف والتبكير

- ‌(45) باب الخطبة والصلاة

- ‌(46) باب صلاة الخوف

- ‌(47) باب صلاة العيدين

- ‌(48) باب في الأضحية

- ‌(49) باب العتيرة

- ‌(50) باب صلاة الخسوف

- ‌(51) باب في سجود الشكر

- ‌(52) باب الاستسقاء

- ‌(53) باب في الرياح

- ‌ كتاب الجنائز

- ‌(1) باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌(2) باب تمني الموت وذكره

- ‌(3) باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌(4) باب غسل الميت وتكفينه

- ‌(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌(6) باب دفن الميت

- ‌(7) باب البكاء علي الميت

- ‌(8) باب زيارة القبور

الفصل: ‌(35) باب الوتر

(35) باب الوتر

الفصل الأول

1254 -

عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشى أحدكم الصبح؛ صلي ركعة واحدة، توتر له ما قد صلي)) متفق عليه.

ــ

النفس وثقيلة عليها، لعلهم نسوا قوله تعالي:{وإنها لكبيرة إلي علي الخاشعين} . قوله: ((أرحنا بها)) ((نه)): ي أذن بالصلاة، نسترح بأذانها من شغل القلب بها. وقيل: كان اشتغاله بالصلاة راحة له، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يعد غيرها من الأعمال الدنيوية تعباً، وكان يستريح بالصلاة لما فيها من مناجاة الله تعالي؛ ولهذا قال:((وقرة عني في الصلاة)) وما أقرب الراحة من قرة العين. يقال: أراح الرجل واستراح إذا رجعت نفسه إليه بعد الإعياء.

باب الوتر

الفصل الأول

الحديث الأول عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((مثنى مثنى)) أتى بالثاني تأكيداً، لأن الأول مكرر معنى، ولذلك امتنع من الصرف. ((الكشاف)): وإنما لم ينصر؛ لتكرار العدل فيها قال الزجاج: أحدهما أنه معدول عن اثنين اثنين، والثاني أن عدله وقع في حال التكرر. وزعم سيبويه: أن عدم الصرف للعدل والصفة. ((الكشاف)): وأما الوصفية فلا يفترق الحال فيها، فلا يعرج عليها، يعني لو كانت الوصفية مؤثرة في المنع من الصرف، لقلت: مررت بنسوة أربع مفتوحاً، فلما صرفته علم أنها ليست بمؤثرة، فالوصفية ليست بأصل، لأن الواضع لم يضعها لتقع وصفاً بل عرض لها ذلك، نحو مررت بحية ذراع، ورجل أسد، والذراع والأسد ليسا بوصفين للحية والرجل حقيقة، وقيل: يفترق الحال فيها فإن مثنى وغيرها تقع صفة البتة، والثلاثة وغيرها وقوعها صفة بالتأويل، تقول: رجال ثلاثة، أي مقدر بثلاثة. وأجيب عنه: بأن مثنى وثلاث لا تخلو من أن تكون موضوعاً للصفة من غير اعتبار الاثنين والثلاثة، أو لا تكون. فإن كان الأول لم يكن فيه العدد، والمقدر خلافه، وإن كان الثاني كان الوصف عارضاً لمثنى وثلاث، كما كان عارضاً لاثنين وثلاثة.

قوله: ((يوتر له)) ((نه)): الوتر الفرد، تكسر واوه، وتفتح. وفي الحديث:((أوتر)) أمر بالصلاة

ص: 1218

1255 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الوتر ركعة من آخر الليل)) رواه مسلم.

1256 -

وعن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها. متفق عليه.

1257 -

وعن سعد بن هشام، قال: انطلقت إلي عائشة، فقلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلي. قالت: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن. قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ــ

الوتر، وهو أن يصلي مثنى مثنى، ثم يصلي في آخرها ركعة مفردة، ويضيفها إلي ما قبلها من الركعات، فعلي هذا في تركيب هذا الحديث إسناد مجازي حيث أسند الفعل إلي الركعة، وجعل الضمير في ((له)) للمصلي، وكان الظاهر أن يقال: يوتر المصلي بها ما قد صلي. وفي قوله: ((يوتر له)) إشارة إلي أن جميع ما صلي وتر.

((مظ)) قل الشافعي رضي الله عنه: يسلم في صلاة الليل والنهار من كل ركعتين غير الفريضة؛ روي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((صلاة الليل مثنى والنهار مثنى مثنى)). وقال بعض أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنهم: إن صلاة الليل مثنى، وصلاة النهار يسلم عن أربع. والله أعلم.

الحديث الثاني عن ابن عمر: قوله: ((ركعة من آخر الليل)) خبر موصوف أي ركعة منشأة من آخر الليل، أي آخر وقتها آخر الليل.

الحديث الثالث عن عائشة: قوله: ((يصلي من الليل)) أي بعضه. ومذهب مالك أن من أوتر من أول الليل ثم تهجد في آخره، يعيد الوتر.

الحديث الرابع عن سعد: قوله: ((يا أم المؤمنين)) هو من قوله تعالي: {وأزواجه أمهاتهم} شبههن بالأمهات في بعض الأحكام، وهو وجوب تعظيمهن واحترامهن، وتحريم نكاحهن، وهن فيما وراء ذلك بمنزلة الأجنبيات.

قوله: ((فإن خلق النبي الله القرآن)) في الإحياء: أرادت عائشة رضي الله عنها بقولها: ((كان خلقه القرآن)) مثل قوله تعالي {خذ العفو} الآية، وقوله تعالي: {إن الله يأمر بالعدل

ص: 1219

فقالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات، لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله، ويحمده،

ــ

والإحسان وإيتاء ذي القربى} وقوله تعالي: {واصبر علي ما أصابك} وقوله تعالي: {فاعف عنهم واصفح} وقوله تعالي: {ادفع بالتي هي أحسن} وقوله تعالي: {والكاظمين الغيظ} وقوله تعالي: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن} من الآيات الدالة علي تهذيب الأخلاق الذميمة، وتحصيل الأخلاق الحميدة. وقال شيخنا شيخ الإسلام في ((العوارف)): قوله رضي الله عنها: ((كان خلقه القرآن)) فيه سر كبير غامض، وذلك أن النفوس مجبولة علي طبائع وغرائز من البهيمية، والسبعية، والشيطنة، والله تعالي بعظيم عنايته نزع نصيب الشيطان منه صلوات الله عليه؛ لقوله تعالي:{ألم نشرح لك صدرك} ، ولحديث انشراح الصدر، وبعد هذا النزع بقيت للنفس الزكية النبوية بقايا صفات البشرية رحمة للخلق، فاستمدت البقايا من الصفات، لظهورها فيه صلوات الله عليه تنزيل الآيات المحكمات بإزائها لقمعها تأديباً من الله ورحمة له خاصة، وللأمة عامة، موزعاً نزول الآيات علي الأيام والأوقات عند ظهور الصفات. قال الله تعالي:{لولا أنزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك} فلما تحركت النفس الشريفة عند كسر رباعيته وقال: ((وكيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم)) فأنزل الله تعالي: {ليس لك من الأمر شيء} فاكتسى القلب لباس الاصطبار، فلما توزعت الآيات علي ظهور الصفات وصفت الأخلاق النبوية بالقرآن ليكون خلقه القرآن. وكذا ورد:((أنا أنسى لأسن)) تأديباً لنفوس الأمة وتهذيباً ورحمة. ووجه آخر: أن قولها رضي الله عنها: ((كان خلقه القرآن)) إيماء إلي التخلق بأخلاق الله تعالي، فعبرت عن المعنى بقولها ذلك استحياء من سبحات الجلال، وستراً للحال بلطف المقال، وهذا من وفور علمها، وكمال أدبها.

قوله: ((فبعثه الله)) ((نه)): أي يوقظه من نومه، يقال: انبعث فلان بشأنه، إذا سار ومضى ذاهباً لقضاء حاجته. فإن قلت: قد تقرر عند علماء المعإني: أن مفعول شاء وأراد لا يذكر في الكلام الفصيح إلا أن يكون فيه غرابة، نحو قول القائل: لو شئت أن أبكي دماً لبكيته، ولو شاء الله أن يتخذ ولداً، فأين الغرابة في قوله:((شاء أن يبعثه))؟ قلت: كفي بلفظ البعث شاهداً علي

ص: 1220

ويدعوه، ثم ينهض، ولا يسلم، فيصلي التاسعة، ثم يقعد، فيذكر الله، ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني! فلما أسن صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم، أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه في الأولي، فتلك تسع يا بني!. وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا صلي صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلي من النهار ثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلي ليلة إلي الصبح، ولا صام شهراً كاملاً غير رمضان. رواه مسلم.

1258 -

وعن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) رواه مسلم.

1259 -

وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((بادروا الصبح بالوتر)) رواه مسلم.

ــ

الغرابة، كأنه تعالي نبه حبيبه لقضاء نهمته من حبيبه مناغاة ومناجاة بينهما من مكاشفات وأحوال. قال تعالي:{فأوحى إلي عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأي} فأي غرابة أغرب من هذا. و ((ما)) موصولة والعائد محذوف، أي ما شاء فيه بمعنى المقدار، و ((من الليل)) بيانه.

قوله: ((فيذكر الله ويحمده)) ((مظ)): أي يتشهد، فالحمد إذاً لمطلق الثاء؛ إذ ليس في التحيات لفظ الحمد. قوله:((ثم يصلي ركعتين)) ((مح)): قال أحمد رضي الله عنه: لا أفعلهما ولا أمنع فعلهما، وأنكر مالك رضي الله عنه. قال الشيخ محيي الدين: الصواب أن هاتين الركعتين فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الوتر جالساً، لبيان جواز الصلاة بعد الوتر، وبيان جواز النفل جالساً، ولم يواظب علي ذلك، وأما رد القاضي عياض رواية هاتين الركعتين، فليس بصواب؛ لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع بينهما، تعين. وقد جمعنا بينها.

قوله: ((لا أعلم نبي الله)) هذا من باب نفي الشيء بنفي لازمه، ولا يسلك هذا الأسلوب إلا في حق من أحاط علمه بالمعلوم، ويتمكن منه تمكناً تاماً، وهذا في علم الله تعالي مطرد. قال تعالي:{قل أتنبئون الله بما لا يعلم} أي بما لم يوجد ولم يثبت؛ لأنه لو وجد لتعلق علم الله به. وكذلك الصديقة ابنة الصديق رضي الله عنهما كانت مترقبة أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلها ونهارها، وحضورها وغيبتها، مشاهدة ومسائلة، أي لم يكن يفعل المذكور إذا لو فعل لعلمته والله أعلم.

الحديث الخامس والسادس: عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((بادروا الصبح بالوتر))

ص: 1221

1260 -

وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل)) رواه مسلم.

1261 -

وعن عائشة، قالت: من كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أول الليل، وأوسطه، وآخره، وانتهي وتره إلي السجر. متفق عليه.

1262 -

وعن أبي هريرة، قال: أوصإني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام. متفق عليه.

ــ

أي سارعوا. ((غب)): يقال: بادرت إليه، وبادرته. والبدر قيل: سمي بدراً لمبادرته الشمس بالطلوع. وأقول: كأن الصبح تقدم إليك مسافراً طالباً منك الوتر، وأنت تستقبله مسرعاً بمطلوبه، وإيصاله إلي بغيته. ((حس)): ذهب بعض أهل العلم إلي أنه لا وتر بعد الصبح، وهو قول عطاء، وبه قال أحمد ومالك وذهب آخرون إلي أنه يقضيه متى كان، وهو قول سفيان الثوري، وأظهر قول الشافعي، لما وري أنه:((من نام عن وتره فليصل إذا أصبح)).

الحديث السابع عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((مشهودة)) يعني تشهدها ملائكة الليل والنهار، ينزل هؤلاء ويصعد هؤلاء، فهو آخر ديوان الليل وأول ديوان النهار، أو يشهدها كثير من المصلين في العادة.

الحديث الثامن عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((من كل الليل)) ((من)) يجوز أن تكون تبعيضية منصوبة بـ ((أوتر)) و ((من)) الثانية بدل منها، لأن الليل إذا قسم ثلاثة أقسام يكون لكل قسم منها أجزاء، ويجوز أن تكون الثانية بياناً لمعنى البعضية، ويجوز أن تكون الأولي ابتدائية، والثانية بياناً لـ ((كل)). وهذا أوجه. ويعتبر لكل الأفراد بمنزلة اللام الاستغراقية، والثانية بدل، أو بيان.

الحديث التاسع عن أبي هريرة: قوله: ((أن أوتر قبل أن أنام)) وكان مقتضى الظاهر أن يقول: والوتر قبل النوم؛ ليناسب المعطوف عيله، وأتى بـ ((أن)) المصدرية وأبرز الفعل، وجعله فاعلاً له اهتماماً بشأنه، وأنه أليق بحاله، لما خاف الفوت إن نام عنه، وإلا فإن الوتر في آخر الليل أفضل. ((مح)): الإيتار قبل النوم إنما يستحب لمن لا يثق بالاستيقاظ في آخر الليل، فإن وثق فآخر الليل أفضل.

ص: 1222

الفصل الثاني

1263 -

عن غضيف بن الحارث، قال: قلت لعائشة: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل أم في آخره؟ قالت: ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في آخره. قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، قلت: كان يوتر أول الليل أم في آخره؟ قالت: ربما أوتر في أول الليل، وربما أوتر في آخره. قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، قلت: كان يجهر بالقراءة أم يخفت؟ قالت: ربما جهر به، وربما خفت. قلت الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة. رواه أبو داود، وروى ابن ماجه الفصل الأخير. [1263]

1264 -

وعن عبد الله بن أبي قيس، قال: سألت عائشة: بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت: كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأنقص من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة. رواه أبو داود. [1264]

1265 -

وعن أبي أيوب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الوتر حق علي كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل)) رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. [1265]

ــ

الفصل الثاني

الحديث الأول عن غضيف: قوله: ((الله أكبر الحمد لله)) دل الحمد لله علي أن السعة من الله تعالي في التكاليف نعمة، يجب تلقيها بالشكر. ((والله أكبر)) دل علي أن تلك النعمة عظيمة خطيرة؛ لما فيه من معنى التعجب.

الحديث الثاني عن عبد الله: قوله: ((يوتر بأربع وثلاث)) إلي آخره ((مح)): هذا الاختلاف بحسب ما كان يحصل من اتساع الوقت، أو طول القراءة، كما جاء في حديث حذيفة وابن مسعود ((أو من مرض أو من كبر سن)) كما قالت:((فلما أسن صلي سبع ركعات أو غيرها)).

الحديث الثالث عن أبي أيوب: قوله: ((الوتر حق)) الحق يجيء بمعنى الثبوت والوجوب،

ص: 1223

1266 -

وعن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن!)) رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي. [1266]

1267 -

وعن خارجة بن حذافة، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم: الوتر جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلي أن يطلع الفجر)) رواه الترمذي، وأبو داود. [1267]

ــ

ذهب أبو حنيفة إلي الثاني، والشافعي إلي الأول، أي ثابت في السنة والشرع، وفيه نوع تأكيد. ((حس)): أجمع أهل العلم علي أن الوتر ليس بفريضة، وهو سنة عند عامتهم. والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي قال له:((هل علي غيرهن؟ قال: لا إلا أن تطوع)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((خمس صلوات كتبهن الله علي العباد، من جاء بهن لم ينقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة)). وقال أبو حنيفة: هو واجب، واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم:((الوتر حق، فمن لم يوتر، فليس منا)). قوله: ((من أحب أن يوتر بواحدة فليفعل)) ((مح)): فيه دليل علي أن أقل الوتر ركعة، وأن الركعة الفردة صلاة صحيحة. وهو مذهبنا، ومذهب الجمهور. وقال أبو حنيفة: لا يصح الإيتار بواحدة، ولا تكون الركعة الواحدة صلاة، والأحاديث الصحيحة ترد عليه.

الحديث الرابع عن علي: قوله: ((إن الله وتر)) ((نه)): إن الله تعالي واحد في ذاته، لا يقبل الانقسام والتجزئة، واحد في صفاته، فلا شبه له ولا مثل، واحد في أفعاله، فلا شريك له ولا معين. و ((يحب الوتر)) أي يثيب عليه ويقبله من عامله. ((قض)): وكل ما يناسب الشيء أدنى مناسبة كان أحب إليه مما لم تكن له تلك المناسبة. قوله: ((فأوتروا)) ((تو)): أي صلوا الوتر. و ((الفاء)) جزاء شرط محذوف، كأنه قال: إذا هديتم إلي أن الله تعالي يحب الوتر، فأوتروا؛ فإن من شأن أهل القرآن أن يكدحوا في ابتغاء مرضاة الله وإيثار محابه ومراعاة حدوده والمراد بأهل القرآن المؤمنون الذين صدقوا القرآن، وخاصة من يتولي القيام بحفظه، وتلاوته، ومراعاة حدوده وأحكامه.

أقول- والله أعلم -: لعل المناسبة لتخصيص النداء بأهل القرآن في مقام الفردإنية إنما كانت لأجل أن القرآن ما أنزل إلا لتقرير التوحيد، قال تعالي علي سبيل الحصر وتكريره:{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد} أي مقصور علي استئثار الله بالتوحيد كأنه قيل: إن الله واحد يحب الوحدة، فوحدوه يا أهل التوحيد.

الحديث الخامس عن خارجة: قوله: ((أمدكم)) ((الكشاف)): هو مد الجيش وأمده إذا زاده،

ص: 1224

1268 -

وعن زيد بن أسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نام عن وتره فليصل إلي أصبح)) رواه الترمذي مرسلا. [1268]

1269 -

وعن عبد العزيز بن جريج، قال: سألنا عائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان يقرآ في الأولي بـ {سبح اسم ربك الأعلي} ، وفي الثانية بـ {قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} والمعوذتين. رواه الترمذي، وأبو داود. [1269]

1270 -

ورواه النسائي عن عبد الرحمن بن أبزى.

1271 -

ورواه أحمد عن أبي بن كعب.

1272 -

والدارمي عن ابن عباس، ولم يذكروا ((والمعوذتين)).

1273 -

وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم

ــ

وألحق به ما يقويه ويكثره، وكذلك مد الدواب وأمدها زادها ما يصلحها، مددت السراج والأرض إذا أصلحتهما بالزيت والسماد. ((قض)): وروى ((زادكم)) وليس في الروايتين ما يدل علي وجوب الوتر؛ إذ الإمداد والزيادة تحتمل أن تكون علي سبيل الوجوب، وأن تكون علي طريقة الندب.

وأقول: ((إن الله أمدك)) وارد علي سبيل الامتنان علي أمته مراداً به مزيد فضل علي فضل، كأنه قيل: إن الله تعالي فرض عليكم الصلوات الخمس ليؤجركم بها ويثيبكم عليها، ولم يكتف بذلك، فشرع صلاة التهجد والوتر ليزيدكم إحساناً علي إحسان وثواباً علي ثواب، وإليه لمح بقوله:{ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} ولفظة ((لك)) تدل علي اختصاص الوجوب به، فدل مفهومه علي أنه غير واجب علي الغير.

قوله: ((حمر النعم)) ((مظ)): هي عند العرب أعز الأموال وأشرفها، فجعلت كناية عن خير الدنيا كله، كأنه قيل: هذه الصلاة خير لكم مما تحبون من عرض الدنيا وزينتها لأنها ذخيرة الآخرة، {والآخرة خير وأبقى}:((والوتر)) يحتمل أن يكون مجروراً بدلاً من ((صلاة))، وأن يكون مرفوعاً خبر مبتدأ محذوف

ص: 1225

كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت)) رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي. [1273]

1274 -

وعن أبي بن كعب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم في الوتر قال: ((سبحان الملك القدوس)). رواه أبو داود، والنسائي، وزاد: ثلاث مرات يطيل [في آخرهن]. [1274]

1275 -

وفي رواية للنسائي، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، قال: كان يقول إذا سلم: ((سبحان الملك القدوس)) ثلاثاً، ويرفع صوته بالثالثة. [1275]

ــ

الحديث السادس إلي الثامن عن الحسن: قوله: ((فيما أعطيت)) ((في)) فيه ليست كما هي في السوابق؛ لأن معناها: أوقع البركة فيما أعطيتني من خير الدارين، ومعناها في قوله:((فيمن هديت اجعل لي نصيباً وافراً من الاهتداء معدوداً في زمرة المهتدين من الأنبياء والأولياء. و ((فيمن هديت)) متصل بالفعل علي سبيل المبالغة، أي أوقع هدايتي في زمرة من هديتهم، كقوله تعالي {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)). قوله:((وقني شر ما قضيت)) فإن قلت: قد سبق أن القضاء م الله أخص من القدر؛ لأن القدر هو التقدير، والقضاء هو التفصيل والقطع، فما قطع وفصل كيف يتوقى منه؟ قلت: معناه: قني شر ما حكمت في تقديرك بقضائه، كما قيل: أفر من قضاء الله إلي قدره.

الحديث التاسع عن أبي بن كعب: قوله: ((القدوس)) ((نه)): القدوس هو الطاهر المنزه عن العيوب والنقائص. وفعول- بالضم- من أبنية المبالغة ولم يجيء منه إلا قدوس، وسبوح، وذروح. قوله:((يرفع صوته)) ((مظ)): هذا يدل علي جواز الذكر مع الصوت، بل علي الاستحباب إذا اجتنب الرياء إظهاراً للدين، وتعليماً للسامعين، وإيقاظاً لهم من رقدة الغفلة،

ص: 1226

1276 -

وعن علي رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت علي نفسك)) رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. [1276]

الفصل الثالث

1277 -

عن ابن عباس، قيل له: هل لك في أمير المؤمنين معاوية ما أوتر إلا بواحدة؟ قال: أصاب، إنه فقيه.

وفي رواية: قال ابن أبي مليكة: أوتر معاوية بعد العشاء بركعة، وعنده مولي لابن عباس، فأتى ابن عباس فأخبره. فقال: دعه فإنه قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري.

1278 -

وعن بريدة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الوتر حق، فمن لم

ــ

وإيصالاً لبركة الذكر علي مقدار ما يبلغ الصوت إليه من الحيوان والحجر والمدر، وطلباً لاقتداء الغير به، وليشهد له يوم القيامة كل رطب ويابس سمع صوته. وبعض المشايخ يختار إخفاء الذكر؛ لأنه أبعد من الرياء، وهذا يتعلق بالنية.

الحديث العاشر عن علي رضي الله عنه: مضى شرحه في باب السجود مستقصى.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن ابن عباس: قوله: ((هل لك في أمير المؤمنين)) نحو قوله تعالي: {هل لك إلي أن تزكى} أي هل لك رغبة إلي التزكية، وأن تتطهر من الشرك؟ ويقال: هل لك في كذا، وهل إلي كذا، كما تقول: هل ترغب فيه، وهل ترغب إليه؟ فالاستفهام في الحديث بمعنى الإنكار، أي هل لك رغبة في معاوية وهو يرتكب هذا المنكر. ومن ثم أجاب ((دعه فإنه قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم) فلا يفعل إلا ما رآه منه. أو هو فقيه أصاب في اجتهاده، وفيه شهادة من حبر الأمة لمعاوية وفضله، وصحبته، واجتهاده.

الحديث الثاني عن بريدة: قوله: ((فليس منا)) ((من)) فيه اتصالية، كما في قوله تعالي:{والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض} وقوله: ((فإني لست منك ولست مني)) المعنى:

ص: 1227

يوتر فليس منا. الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا. الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا)) رواه أبو داود. [1278]

1279 -

وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا ذكر أو إذا استيقظ)) رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه. [1279]

1280 -

وعن مالك، بلغه أن رجلاً سأل ابن عمر عن الوتر: أواجب هو؟ فقال عبد الله: قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوتر المسلمون فجعل الرجل يردد عليه، وعبد الله يقول: أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوتر المسلمون. رواه في ((الموطإ)). [1280]

1281 -

وعن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث، يقرأ فيهن بتسع سور من الفصل، يقرأ في كل ركعة بثلاث سور آخرهن {قل هو الله أحد} رواه الترمذي. [1281]

1282 -

وعن نافع، قال: كنت مع ابن عمر بمكة، والسماء مغيمة، فخشي

ــ

فمن لم يوتر فليس بمتصل بنا، وبهدينا، وطريقنا، أي إنه ثابت في الشرع وسنة مؤكدة، كما قال:((من رغب عن سنتي فليس مني)) والتكرار لمزيد تقرير حقيقته، وإثباته علي مذهب الشافعي، ولوجوبه علي مذهب أبي حنيفة رضي الله عنهما. {ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات} .

الحديث الثالث والرابع عن مالك: قوله: ((قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم) تلخيص الجواب وتقريره: إني لا أقطع القول بوجوبه ولا بعدم وجوبه، لإني إذا أنظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، واظبوا عليه، ذهبت إلي الوجوب، وإذا فتشت نصاً دالا عليه نكصت عنه.

ص: 1228

الصبح، فأوتر بواحدة، ثم انكشف، فرأي أن عليه ليلا، فشفع بواحدة، ثم صلي ركعتين ركعتين، فلما خشي الصبح أوتر بواحدة. رواه مالك. [1282]

1283 -

وعن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي جالساًن فيقرأ وهو جالس، فإذا بقى من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية، قام وقرأ وهو قائم، ثم سجد، ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك. رواه مسلم.

1284 -

وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر ركعتين. رواه الترمذي، وزاد ابن ماجه: خفيفتين وهو جالس.

1285 -

وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بواحدة. ثم يركع ركعتين يقرأ فيهما وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام فركع. رواه ابن ماجه. [1285]

1286 -

وعن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن هذا السهر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإذا قام من الليل، وإلا كانتا له)) رواه الدارمي. [1286]

1287 -

وعن أبي أمامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليهما بعد الوتر وهو جالس يقرأ فيهما {إذا زلزلت} و {قل يا أيها الكافرون} رواه أحمد. [1287]

ــ

الحديث الخامس والسادس عن نافع: قوله: ((مغيمة)) أي مغطاة بالغيم ((نه)): يقال: أغمي علينا الهلال، وغمي، فهو مغمي ومغمي إذا حال دون رؤيته غيم. قوله:((إن عليه ليلاً)) أي باق عليه، والتنكير في ((ليلا)) للنوع، وفيه سمة من التقليل.

الحديث السابع إلي الحادي عشر عن ثوبان: قوله: ((إن هذا السهر جهد)) ورد اسم الإشارة لبيان مزيد تقرير معنى الجهد، كقوله:

هذا أبو الصقر فرداً في محاسنه

ص: 1229