الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(26) باب الإمامة
الفصل الأول
1117 -
وعن أبي مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله؛ فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة؛ فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة؛ فإن كانوا في الهجراء سواء، فأقدمهم سناً. ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه. ولا يقعد في بيته علي تكرمته إلا بإذنه)). رواه مسلم. وفي رواية له: ((ولا يؤمن الرجل الرجل في أهله)).
ــ
قوله: ((هلك أهل العقد)) ((نه)): يعني أصحاب الولايات علي الأمصار، من عقد الألوية للأمراء ومنه:((هلك أهل العقد)) يريد البيعة المعقودة للولاة.
قوله: ((آسى)) ((نه)): الأسى مقصوراً مفتوحاً الحزن، أسى يأسى فهو آس، المعنى إني لا أحزن علي هؤلاء الجورة والضلال، بل أحزن علي أتباعهم الذين أضلوهم، لعله قال ذلك تعريضاً بأمراء عهده، وذكره بعد الصلاة مستقبل القبلة تحسراً عظيماً عليهم.
باب الإمامة
الفصل الأول
الحديث الأول عن ابن مسعود: قوله: ((يؤم القوم أقرؤهم)) إخبار في معنى الأمر، كما أن قوله تعالي:{الزإنية لا ينكحها لا زان} إخبار في معنى النهي. ((حس)): لم يختلفوا في أن القراءة والفقه يقدمان علي غيرهما، واختلفوا في الفقه مع القراءة، فذهب جماعة إلي تقدمها علي الفقه، وبه قال أصحاب أبي حنيفة- رحمهم الله تعالي- عملا بظاهر هذا الحديث، وذهب قوم إلي أن الفقه أولي إذا كان يحسن من القراءة ما تصح بها الصلاة، وبه قال مالك والشافعي- رحمهما الله سبحانه وتعالي- وذلك أن الفقيه يعلم ما يجب من القراءة في الصلاة؛ لأنه محصور، وما يقع فيها من الجواز غير محصور، وقد يعرض للمصلي ما يفسد صلاته وهو لم يعلم إذا لم يكن فقيهاً.
قوله: ((فأقدمهم هجرة)) ((حس)): الهجرة اليوم منقطعة، وفضلها موروثة، فأولاد المهاجرين مقدمون علي غيرهم. قوله:((فأقدمهم سناً)) ((حس)): لأن من يقدم سناً يقدم إسلاماً.
قوله: ((في سلطانه)) ((تو)): السلاطة التمكن من القهر، وهو من التسلط، ومنه السلطان،
1118 -
وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم)). رواه مسلم.
وذكر حديث مالك بن الحويرث في باب بعد باب ((فصل الأذان)).
الفصل الثاني
1119 -
عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم قراؤكم)). رواه أبو داود. [1119]
ــ
والسلطان يقال في السلاطة، ولذي السلاطة، والمراد الأول، والمعنى لا يؤم الرجل الرجل في محل ولايته، ومظهر سلطانه، أو فيما يملكه، أو في محل يكون في حكمه، ويعضد هذا التأويل الرواية الأخرى:((في أهله)). وتحريره أن الجماعة شرعت لاجتماع المؤمنين علي الطاعة، وتألفهم وتوادهم، فإذا أم الرجل في سلطانه أفضى ذلك إلي توهين أمر السلطنة، وخلع ربقة الطاعة، وكذا إذا أمه في أهله وقومه أدى ذلك إلي التباغض والتقاطع، وظهور الخلاف الذي شرع لرفعه الاجتماع، فلا يتقدم الرجل علي ذي السلطنة، لاسيما في الأعياد والجمعات، ولا علي إمام الحي ورب البيت إلا بإذن.
قوله: ((علي تكرمته)) ((تو)): وهي ما يعد للرجل إكراماً له في منزله من فراش وسجادة ونحوهما. وقيل: ((تكرمته)) مائدته، ولا إسناد لهذا ولا مأخذ يعتد به. ((قض)): علي هذا هو في الأصل مصدر كرم تكريماً، أطلق علي ما يكرم به مجازاً.
الحديث الثاني عن أبي سعيد: قوله: ((أحقهم بالإمامة أقرؤهم)) ((حس)): وذلك أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسلمون كباراً، فيتفقهون قبل أن يقرأوا، ومن بعدهم يتعلمون القراءة صغاراً قبل أن يتفقهوا، فلم يكن فيهم قارئ إلا وهو فقيه.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن ابن عباس رضي الله عنه: قوله: ((ليؤذن لكم خياركم)) ((الجوهري)): الخيار خلاف الأشرار، والخيار الاسم من الاختيار، إنما كانوا خياراً لما ورد أنهم أمناء؛ لأن أمر الصائم من الإفطار والأكل والمباشرة منوط إليهم، وكذا أمر المصلي لحفظ أوقات الصلاة متعلق بهم، فهم بهذا الاعتبار مختارون.
1120 -
وعن أبي عطية العقيلي، قال: كان مالك بن الحويرث يأتينا إلي مصلانا يتحدث، فحضرت الصلاة يوماً، قال أبو عطية: فقلنا له: تقدم فصله. قال لنا: قدموا رجلاً منكم يصلي بكم، وسأحدثكم لم لا أصلي بكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((من زار قوماً فلا يؤمهم، وليؤمهم رجل منهم)). رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي إلا أنه اقتصر علي لفظ النبي صلى الله عليه وسلم. [1120]
1121 -
وعن أنس، قال: استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى. رواه أبو داود. [1121]
1122 -
وعن أبي أمامة، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون)). رواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب. [1122]
ــ
الحديث الثاني، والثالث عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((يؤم الناس وهو أعمى)) ((شف)): فيه دليل علي جواز إمامة الأعمى. روى أنه صلى الله عليه وسلم استخلفه مرتين ((تو)): واستخلفه علي الإمامة حين خرج إلي تبوك، مع أن علياً رضي الله عنه فيها، كيلا يشغله شاغل عن القيام بحفظ من استحفظه من الأهل والمال، حذراً أن ينالهم عدو بمكروه.
الحديث الرابع عن أبي أمامة: قوله: ((لا تجاوز صلاتهم آذانهم)) ((تو)): أي لا ترفع إلي الله سبحانه وتعالي رفع العمل الصالح، بل أدنى شيء من الرفع، وخص الأذن بالذكر لما يقع فيها من التلاوة والدعاء، ولا يصل إلي الله قبولاً وإجابة. وهذا مثل قوله في المارقة:((يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم)) عبر عن عدم القبول بعدم مجاوزته الآذان، بدليل التصريح بعدم القبول في الحديث الآتي. ويحتمل أن يراد لا يرفع عن آذانهم فيظلهم، كما يظل العمل الصالح صاحبه يوم القيامة. أقول: يومكن أن يقال: إن هؤلاء استوصوا بالمحافظة علي ما يجب عليهم، من مراعاة حق السيد والزوج والصلاة، فلما لم يقوموا بما استوصوا به لم تتجاوز طاعتهم عن مسامعهم كما أن القارئ الكامل هو أن يتدبر القرآن بقلبه، ويتلقاه بالعمل، فلما لم يقم بذلك لم يتجاوز من صدره إلي ترقوته. قوله:((وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط)) ((مظ)): هذا إذا كان السخط لسوء خلقها، وإلا فالأمر بالعكس.
1123 -
وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا تقبل منهم صلاتهم: من تقدم قوماً وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دباراً- والدبار: أن يأتيها بعد أن تفوته- ورجل اعتبد محررة)). رواه أبو داود، وابن ماجه. [1123]
1124 -
وعن سلامة بنت الحر، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إماماً يصلي بهم)). رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه. [1124]
1125 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجهاد واجب عليكم
ــ
قوله: ((إمام قوم)) القوم في الأصل مصدر قام، فوصف به، ثم غلب علي الرجال دون النساء، قال الله تعالي:{الرجال قوامون علي النساء} . ((حس)): قيل: المراد بالإمام إمام ظلم، وأما من أقام بالعدالة فاللوم علي من كرهه. وقيل: هو إمام الصلاة، وليس من أهلها فيتغلب، فإن كان مستحقاً لها فاللوم علي من كرهه. قال أحمد وإسحاق: إذا كرهه واحد أو اثنان أو ثلاثة فله أن يصلي بهم حتى يكرهه أكثر القوم.
الحديث الخامس عن ابن عمر: قوله: ((دباراً)) في الغريبين عن ابن الأعرابي: دبار جمع دبر ودبر، وهو آخر أوقات الشيء، أي يأتي الصلاة بعد ما يفوت الوقت، فإقبال الأمر وإدباره أوله وآخره، و ((دباراً)) انتصابه علي المصدر.
قوله: ((اعتبد محررة) أي نسمة أو رقبة محررة، ((نه)) يقال: أعبدته واعتبدته إذا اتخذته عبداً وهو حر، وذلك بأن يعتقه ثم يكتمه إياه، أو يتملكه فيستخدمه كرهاً، أو يأخذ حراً فيدعيه عبداً ويتملكه.
الحديث السادس عن سلامة: قوله: ((أشرطة الساعة)) هي علامتها، واحدتها شرط بالتحريك. ((خط)): أنكر بعضهم هذا التفسير، وقال: هي ما ينكره الناس من صغار أمور الساعة قبل أن تقوم.
قوله: ((يتدافع)) ((مظ)): أن يتدافع أي يدرأ كل من أهل المسجد الإمامة عن نفسه، ويقول: لست أهلاً لها؛ لما ترك تعلم ما تصح الإمامة به.
الحديث السابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((الجهاد واجب عليكم)) ((مظ)): أي
مع كل أمير، براً كان أو فاجراً، وإن عمل الكبائر. والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم، براً كان أو فاجراً، وإن عمل الكبائر. والصلاة واجبة علي كل مسلم، براً كان أو فاجراً، وإن عمل الكبائر)). رواه أبو داود. [1125]
الفصل الثالث
1126 -
عن عمرو بن سلمة، قال: كنا بماء ممر الناس، يمر بنا الركبان نسألهم: ما للناس ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله أوحى إليه، أوحى إليه كذا. فكنت أحفظ ذلك الكلام، فكأنما يغرى في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح. فيقولون: ارتكوه وقومه؛ فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق. فلما كانت وقعة الفتح، بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم،
ــ
طاعة السلطان واجبة علي الرعية إذا لم يأمرهم بالمعصية ظالماً كان أو عادلاً. وفيه أن السلطان لا ينعزل بالفسق، والمسألة الثانية تدل علي جواز الصلاة خلف الفاسق والمبتدع، والمسألة الثالثة علي جواز صلاة الفاسق، وعلي أن الكبيرة لا تحبط العمل الصالح.
قوله: ((الصلاة واجبة عليكم)) ((شف)): أي جائزة عليكم، لأن الجواب والجواز مشتركان في جانب الإتيان بهما. وقال أيضاً: قد تمسك بظاهرة القائل بوجوب الجماعة في الصلوات. وفي قوله: ((وإن عمل الكبائر)) دلالة علي أن من أتى الكبائر لا يخرج عن الإسلام. ولفظ الكبائر علي صيغة الجمع يدل علي تعدد صدور الكبيرة عنه.
أقول: في ظاهر كل قرينة دلالة علي وجوب أمر وجواز آخر، فالأولي تدل علي وجوب الجهاد علي المسلمين، وعلي جواز كون الفاسق أميراً، والثانية تدل علي وجوب الصلاة بالجماعة عليهم، وجواز أن يكون الفاجر إماماً، والثالثة علي وجوب الصلاة عليهم وعلي جواز صدورها عن الفاجر، هذا ظاهر الحديث. ومن قال: إن الجماعة ليست بواجبة علي الأعيان، تأوله بأنه فرض علي الكفاية كالجهاد، وعليه دليل إثبات ما ادعاه.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن عمرو: قوله: ((بماء)) خبر ((كان))، و ((ممر الناس صفة لـ ((ماء))، أو بدل منه، أي نازلين بمكان فهي ما يمر الناس عليه، وقوله ((يمر بنا الناس)) استئناف، أو حال من ضمير
قال: جئتكم والله من عند النبي حقاً، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا. فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً)). فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني، لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم، وأن ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني. فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم؟! فاشتروا، فقطعوا لي قميصاً. فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص. رواه البخاري.
1127 -
وعن ابن عمر، قال: لما قدم المهاجرون الأولون المدينة، كان يؤمهم سالم مولي أبي حذيفة، وفيهم عمر، وأبو سلمة بن عبد الأسد. رواه البخاري.
ــ
قوله: ((ما للناس)) سؤالهم هذا يدل علي حدوث أمر غريب، ولذلك كرروه، ((وما هذا الرجل)) يدل علي سماعهم منه نبأ عجيباً. فيكون السؤال عن وصفه، ولذلك وصفوه بالنبوة والرسالة في الجواب. وقوله:((كذا)) كناية عما أوحي إليه من القرآن، هذا هو المعنى بقوله:((لما كنت أتلقى من الركبان)).
قوله: ((يغري في صدري)) ((نه)): أي يلتصق به، يقال: غري هذا الحديث في صدري- بالكسر- ((يغري)) - بالفتح- كأنه ألصق بالغراء، والغراء- بالمد والقصر- ما تلصق به الأشياء، ويتخذ من أطراف الجلود والسمك.
قوله: ((تلوم بإسلامهم)) ((نه)): أي ينتظر، أراد تتلوم، فحذف إحدى التائين تخفيفاً، وهو كثير في كلامهم. وفي ((المغرب)): التلوم من الانتظار، ومنه أصبحوا مفطرين متلومين. أي منتظرين.
قوله: ((الفتح)) ((غب)): الفتح إزالة الإغلاق والإشكال، و ((الفتح)): النصرة والظفرة والحكم، و ((الفاء)) في قوله:((فيقولون)) للتعقيب عقب التفسير المفسر، فإن ((يقولون)) بيان لـ ((تلوم)).
قوله: ((وبدر أبي)) هو من باب المغالبة بدليل قوله: ((بادر كل قوم بإسلامهم)) أي بادر القوم أبي فبدرهم، أي غلبهم في البدار. و ((حقاً)) حال من ضمير العائد إلي الموصول، أعني الألف واللام في ((النبي)) علي تأويل الذي نبأ حقاً. قوله:((تقلصت عني)) ((نه)): يقال: قلصت الدرع وتقلصت، واجتمعت وانضمت.
الحديث الثاني عن ابن عمر: قوله: ((يؤمهم سالم)) فيه إشارة إلي أن سالماً مع كونه مفضولاً كان أقرأهما، وهو مولي أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة، كان من أهل فارس، وكان من فضلاء