المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(42) باب الجمعة - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٤

[الطيبي]

فهرس الكتاب

- ‌(21) باب سجود القرآن

- ‌(22) باب أوقات النهي

- ‌(23) باب الجماعة وفضلها

- ‌(24) باب تسوية الصف

- ‌(25) باب الموقف

- ‌(26) باب الإمامة

- ‌(27) باب ما علي الإمام

- ‌(28) باب ما علي المأموم من المتابعة

- ‌(29) باب من صلي صلاة مرتين

- ‌(30) باب السنن وفضائلها

- ‌(31) باب صلاة الليل

- ‌(32) باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌(33) باب التحريض علي قيام الليل

- ‌(34) باب القصد في العمل

- ‌(35) باب الوتر

- ‌(36) باب القنوت

- ‌(37) باب قيام شهر رمضان

- ‌(38) باب صلاة الضحى

- ‌(39) باب التطوع

- ‌(40) باب صلاة التسبيح

- ‌(41) باب صلاة السفر

- ‌(42) باب الجمعة

- ‌(43) باب وجوبها

- ‌(44) باب التنظيف والتبكير

- ‌(45) باب الخطبة والصلاة

- ‌(46) باب صلاة الخوف

- ‌(47) باب صلاة العيدين

- ‌(48) باب في الأضحية

- ‌(49) باب العتيرة

- ‌(50) باب صلاة الخسوف

- ‌(51) باب في سجود الشكر

- ‌(52) باب الاستسقاء

- ‌(53) باب في الرياح

- ‌ كتاب الجنائز

- ‌(1) باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌(2) باب تمني الموت وذكره

- ‌(3) باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌(4) باب غسل الميت وتكفينه

- ‌(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌(6) باب دفن الميت

- ‌(7) باب البكاء علي الميت

- ‌(8) باب زيارة القبور

الفصل: ‌(42) باب الجمعة

رأيته ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر. رواه أبو داود، والترمذي، وقال: هذا حديث غريب.

1353 -

وعن نافع، قال: إن عبد الله بن عمر كان يرى ابنه عبيد الله يتنفل في السفر فلا ينكر عليه. رواه مالك. [1353]

(42) باب الجمعة

الفصل الأول

1354 -

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم. ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم- يعني يوم الجمعة- فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، والناس لنا فيه تبع، اليهود غداً، والنصارى بعد غد)). متفق عليه.

ــ

باب الجمعة

الفصل الأول

الحديث الأول عن أبي هريرة: قوله: ((بيد أنهم)) ((نه)): أي غير أنهم. وقيل معناه: علي أنهم، وزاد علي القولين في الشرح السنة، وقال المزني: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: بيد من أجل. قال أبو عبيد: وفيه لغة أخرى: ميد أنهم بالميم، وفي بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ((وأنا أفصح العرب ميد إني من قريش)). قال المالكي: المختار عندي في ((بيد)) أن يجعل حرف استثناء بمعنى ((لكن))؛ لأن معنى ((إلا)) مفهوم منها، ولا دليل علي أسميتها. والمشهور استعمالها متلوة بأن كما في الحديث. وقول الشاعر:

بيد أن الله قد فضلكم فوق من أحكأ صلباً بإزار

والأصل في رواية من روى ((بيد كل أمة)) فحذف ((أن)) وبطل عملها، وأضيف ((بيد)) إلي المبتدأ والخبر اللذين كانا معمولي ((أن))، واستعمال ما بعده علي الابتداء والخبر قول الزبير رضي الله عنه:

فلولا بنوها حولها لخطبتها

ص: 1261

وفي رواية لمسلم، قال:((نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة؛ بيد أنهم)) وذكر نحوه إلي آخره.

ــ

وجاز حذف ((أن)) المشدد قياساً علي المخففة في نحو قوله تعالي: {يريكم البرق} أي أن يريكم؛ لأنهما أختان في المصدرية.

أقول: هذا الاستثناء من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم. قال النابغة:

فتى كملت أخلاقه غير أنه جواد فما يبقى من المال باقيا

والبيت يجري في الاستثناء علي المنقطع لا المتصل بالادعاء، كما في قوله:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب

يعني إذا كان فلول السيف من القراع عيب، فلهم هذا العيب، ولكن هو من أخص صفة الشجاعة. وعلي هذا المعنى الحديث، وتقريره: نحن السابقون يوم القيامة بما منحنا من الفضائل، والكمالات، غير أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وهذا الإيتاء يؤكد مدح السابقين بما عقب من قوله:((وأوتيناه من بعدهم)) لما أدمج فيه معنى النسخ لكتابهم، فالناسخ هو السابق في الفضل، وإن كان مسبوقاً في الوجود، وعلي هذا الأسلوب أيضاً قوله:((ثم هذا يومهم)) إلي آخره، يعني يوم الجمة وإن أخر في الوجود وأوتيناه من بعدهم فهو سابق في الفضل والكمال، وإليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله:((والناس لنا فيه تبع)).

((قض)): معنى قوله: ((فهدانا الله له)) بعد قوله: ((فرضهم عليهم)) أن الله تعالي أمر عباده، وفرض عليهم أن يجتمعوا يوم الجمعة، فيحمدوا خالقهم، ويشكروه بالعبادة، وما عينه لهم بل أمرهم: أن يستخرجوه بأفكارهم ويعينهوه باجتهادهم. فقالت اليهود: هو يوم السبت؛ لأنه يوم فراغ؛ وقطع عمل، فإن الله تعالي فرغ فيه عن خلق العالم، فينبغي للخلق أن يعرضوا عن صنائعهم ويفرغوا للعبادة. وزعمت النصارى: أن المراد به يوم الأحد؛ فإنه يوم بدأ الخلق الموجب للشكر والعبادة. فهدى الله هذه الأمة، ووفقهم الإصابة حتى عينوا الجمعة، وقالوا: إن الله تعالي خلق الإنسان للعبادة، وكان خلقه يوم الجمعة، فكانت العبادة فيه أولي؛ ولأنه تعالي أوجد في سائر الأيام ما ينتفع به الإنسان، وفي الجمعة أوجد نفسه، والشكر علي نعمة الوجود أهم وأحوى. ولما كان مبدأ دور الإنسان وأول أيامه يوم الجمعة، كان المتعبد فيه باعتبار العبادة متبوعاً، والمتعبد في اليومين اللذين بعده تابعاً.

قوله: ((أوتوا الكتاب)) التعريف فيه للجنس، ولذلك أفرد الضمير في قوله:((وأوتيناه))

ص: 1262

1355 -

وفي أخرى له عنه، وعن حذيفة، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: ((نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق)).

1356 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير يوم طلعت عليه

ــ

وقوله: ((الآخرون)) اللام فيه موصولة، و ((من أهل الدنيا)) حال من الضمير الذي في الصلة، وقوله:((المقضي لهم)) صفة ((الآخرون)) والضمير في ((لهم)) راجع إلي اللام؛ لأن المعنى: الآخرون الذين يقضي لهم قبل الناس، ليدخلوا الجنة قبلهم كأنه قيل: نحن الآخرون السابقون.

((مح)): الجمعة- بضم الميم وإسكانها وفتحها- حكاه الفراء. ووجه الفتح أنها مجمع الناس ويكثرون فيها، كما يقال: همزة ولمزة، لكثرة الهمز واللمز، وكانت تسمى في الجاهلية بالعروبة. وقوله:((اليهود غداً)) أي اليهود تبع لنا في غد، والنصارى تبع لنا بعد غد، والقرينة قوله:((والناس لنا تبع))؛ لأنه تفصيل للمجمل.

وقال المالكي: وقع ظرف الزمان فيه خبراً للجنة. والأصل أن يكون المخبر عنه بظرف الزمان من أسماء المعإني كقولك: غداً التأهب، وبعد غد الرحيل. فيقدر قبل اليهود والنصارى مضافاً من أسماء المعإني: أي تعبد اليهود غداً، وتعبد النصارى بعد غد. والله أعلم.

الحديث الثاني عن أبي هريرة: قوله: ((عليه)) الضمير عائد إلي ((يوم))، أي طلعت علي ما سكن فيه، قال تعالي:{وله ما سكن في الليل والنهار} . قوله: ((وفيه أخرج منها)) فإن قلت: دخول الجنة فيه فضل لليوم، فما الفضل في خروجه؟ قلت: لما كان الخروج لتكثير النسل، وبث عباد الله تعالي في الأرضين، وإظهار العبادة التي خلق الخلق لأجلها، وما أقيمت السماوات والأرض لها، وكان لا يستتب ذلك إلا بخروجه منها، فكان أحرى بالفضل من استمراره فيها.

((مح)): قال القاضي عياض: الظاهر أن هذه القضايا المعدودة ليست لذكر فضيلته؛ لأن إخراج آدم عليه السلام، وقيام الساعة، لا يعد فضيلة، وإنما هو بيان لما وقع فيه من الأمور العظام وما سيقع، ليتأهب العبد فيه بالأعمال الصالحة لنيل رحمة الله، ودفع نقمه. أقول: وسيجيء في الفصل الثالث من الباب في الحديث الأول خلاف هذا. فإن قيل: ما أفضل الأيام؟ قيل: فيه وجهان: أصحهما يوم عرفة، والثاني يوم الجمعة لهذا الحديث. وهذا إذا أطلق، وأما إذا أريد أيام السنة فتعين يوم عرفة، وإذا أريد أيام الأسبوع تعين الجمعة.

الحديث الثالث عن أبي هريرة: قوله: (قائم يصلي يسأل الله)) كلها صفات لـ ((مسلم)).

ص: 1263

الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)). رواه مسلم.

1357 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه)). متفق عليه وزاد مسلم. قال: ((وهي ساعة خفيفة)). وفي رواية لهما، قال:((إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم قائم يصلي يسأل الله خيراً إلا أعطاه إياه)).

1358 -

وعن أبي بردة بن أبي موسى، قال: سمعت أبي يقول، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في شأن ساعة الجمعة: ((هي ما بين أن يجلس الإمام إلي أن تقضى الصلاة)). رواه مسلم.

الفصل الثاني

1359 -

وعن أبي هريرة، قال: خرجت إلي الطور، فلقيت كعب الأحبار، فجلست معه، فحدثني عن التوراة، وحدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان فيما حدثته أن قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق

ــ

ويجوز أن يكون ((يصلي)) حالاً من ((مسلم)) لا تصافه بـ ((قام))، و ((يسأل)) إما حال مترادفة، أو متداخلة.

الحديث الرابع عن أبي بردة: قوله: ((هي ما بين أن يجلس الإمام)) ((مظ)): أي ما بين الخطبتين إلي أن يفرغ الإمام من الصلاة. أقول: أصل الكلام يقتضي أن يقترن لفظة ((بين)) بطرفي الزمان، فيقال بين أن يجلس وبين أن تقضي، إلا أنه أتى بـ ((إلي)) فبين أن جميع الزمان المبتدأ من الجلوس إلي انقضاء الصلاة تلك الساعة الشريفة، و ((إلي)) هذه مقابلة ((من)) في قوله تعالي:{من بيننا وبينك حجاب} فإن ((من)) هناك لتحقيق الابتداء، فيلزم منه الانتهاء، كما أن ((إلي)) هاهنا لتحقيق الانتهاء فيلزم منه الابتداء. ((الكشاف)): لو قيل: بيننا وبينك حجاب، لكان المعنى: أن حجاباً حاصل وسط الجهتين، فأما بازدياد ((من)) فالمعنى: أن الحجاب ابتدأ منا وابتدأ منك، فالمسافة المتوسطة بجهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها.

الفصل الثاني

الحديث الأول والثاني عن أبي هريرة: قوله: ((كعب الأحبار)) الأحبار: العلماء، جمع ((حبر

ص: 1264

آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس، شفقاً من الساعة، إلا الجن والإنس. وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه. قال كعب! ذلك في كل سنة يوم؟ فقلت: بل في كل جمعة. فقرأ كعب التوراة، فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو هريرة: لقيت عبد الله بن سلام، فحدثته بمجلسي مع كعب الأحبار وما حدثته في يوم الجمعة، فقلت له: قال كعب: ذلك في كل سنة يوم؟ قال عبد الله بن سلام: كذب كعب. فقلت له: ثم قرأ كعب التوراة، فقال: بل هي في كل جمعة. فقال عبد الله بن سلام: صدق كعب. ثم قال عبد الله بن سلام: قد علمت أية ساعة هي؟ قال أبو هريرة: فقلت: أخبرني بها ولا تضن علي. فقال عبد الله بن سلام هي آخر ساعة في يوم الجمعة. قال أبو هريرة: فقلت: وكيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي فيها))؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من جلس مجلساً ينتظر الصلاة، فهو في صلاة حتى يصلي))؟ قال أبو هريرة: فقلت: بلي،

ــ

بفتح الحاء وكسره، والإضافة كما هي في ((زيد الخيل))، وهو أبو إسحق كعب بن مانع من حمير، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وأسلم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقوله:((أن قلت)) اسم ((كان)) و ((فيما حدثته)) خبره.

قوله: ((مصيخة)) ((تو)) أي مصيغة مستمعة، ويروي مسيخة بإبدال الصاد سينا. ووجه إصاخة كل دابة- وهي مما لا يعقل- هو أن الله تعالي يجعلها ملهمة لذلك، مستشعرة عنه، فلا عجب من ذلك عند قدرة الله تعالي. ولعل الحكمة في الإخفاء من الجن والإنس؛ لأنهم إذا كوشفوا بشيء من ذلك، اختلت قاعدة الابتلاء والتكليف، وحق القول عليهم. ووجه آخر أن الله تعالي يظهر يوم الجمعة من عظائم الأمور، وجلائل الشؤون ما تكاد الأرض تميد بها، فتبقى كل دابة ذاهلة دهشة، كأنها مسيخة للرعب الذي يداخلها إشفاقاً منها لقيام الساعة. وأقول: يؤيد هذا الوجه قوله: ((وفيه مات)) أي ادم. وما رويناه عن الشيخ محيي الدين عن القاضي عياض في الحديث السابق ((الظاهر أن هذه القضايا المعدودة ليست لذكر فضيلة يوم الجمعة، بل إنها بيان لما وقع فيه من الأمور العظام)) إلي آخره، فيلزم من ذلك فضيلته.

((شف)): يدل علي أنه آخر ساعة ما روي ((التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد

ص: 1265

قال: فهو ذلك. رواه مالك، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وروى أحمد إلي قوله: صدق كعب. [1359]

1360 -

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلي غيبوبة الشمس)). رواه الترمذي. [1360]

1361 -

وعن أوس بن أوس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي)). قالوا: يا رسول الله! وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: يقولون بليت. قال: ((إن الله حرم علي

ــ

العصر إلي غيبوبة الشمس)). قوله: ((من حين تصبح)) بني ((حين)) علي الفتح، لإضافته إلي الجملة مثل قوله تعالي:{يوم لا يغني} ويجوز إعرابه مثل قوله تعالي: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} ولكن الرواية علي الفتح. قوله: ((ذلك اليوم)) إشارة إلي اليوم المذكور المشتمل علي تلك الساعة الشريفة، و ((يوم)) خبره. وقوله:((بل في كل جمعة)). أي في كل أسبوع.

الحديث الثالث عن أوس: قوله: ((وفيه النفخة)) وهي نفخ الصور، فإنها مبدأ قيام الساعة، ومقدمة النشأة الثانية. والصعقة: الصوت الهائل الذي يموت الإنسان من هوله، وهو النفخة الأولي. قال تعالي:{ونفخ في الصور فصعق من في السموات} الآية.

قوله: ((وقد أرمت)) ((تو)) قال الراوي: أي بليت، يقال: أرم المال والناس، أي فنوا، أرض أرمة: لا تنبت شيئاً. ويروى أرممت، أي صرت رميماً. فعلي هذا جاز أن تكون ((أرمت)) من أرممت، فحذفت أحد الميمين، وهو لغة، كقولهم: ظلت أفعل كذا، أي ظللت. وهذا الوجه من كلام الخطابي. أقول: علي ما ورد في ((المصابيح)) وهو قوله: ((أرمت)) يقول: بليت مبهم؛ وأما في ((المشكاة)) فلفظ الحديث هكذا: قال: يقولون: بليت، فهو ظاهر؛ لأن القائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال استبعادا له. فإن قلت: ما وجه الجواب بقوله: ((إن الله حرم علي الأرض أجساد الأنبياء)) فإن المانع من العرض والسماع هو الموت، وهو قائم بعد؟ قلت: لا شك أن حفظ أجسادهم من أن ترم خرق للعادة المستمرة، فكما أن الله تعالي يحفظها منه، كذلك تمكن من

ص: 1266

الأرض أجساد الأنبياء)). رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي، والبيهقي في ((الدعوات الكبير)). [1361]

1362 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، وما طلعت الشمس ولا غربت علي يوم أفضل منه، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب الله له، ولا يستعيذ من شيء إلا أعاذه منه)). رواه أحمد، والترمذي، وقال: هذا حديث غريب لا يعرف إلا من حديث موسى بن عبيدة وهو يضعف. [1362]

الفصل الثالث

1363 -

عن أبي لبابة بن عبد المنذر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، فيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلي الأرض، وفيه توفي الله

ــ

العرض عليهم، ومن الاستماع منهم صلوات الأمة. ويؤيده ما سيرد في الحديث الثالث من الفصل الثالث قوله:((فنبي الله حي يرزق)). والله أعلم.

الحديث الرابع عن أبي هريرة: قوله: ((والشاهد يوم الجمعة)) يعني أنه تعالي أعظم شأنه في سورة البروج، حيث أقسم به، وأوقعه واسطة العقد لقلادة اليومين العظيمين ونكره لضرب من التفخيم. وأسند إليه الشهادة علي سبيل المجاز؛ لأنه مشهود فيه، نحو نهاره صائم، وليله قائم، يعني وشاهد في ذلك اليوم الشريف الخلائق لتحصيل السعادة الكبرى.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن أبي لبابة: قوله: ((سيد الأيام)) أي أفضلها، لأن السيد أفضل القوم، كما ورد ((قوموا إلي سيدكم)) أي أفضلكم، أو أريد مقدمها؛ فإن الجمعة متبوعة كما أن السيد يتبعه القوم. هذا معنى قوله:((الناس لنا تبع، اليهود غداً والنصارى بعد غد)). وقوله: ((إلا وهو مشفق)) إشفاق المذكورات في هذا الحديث كإشفاق الدواب في حديث أبي هريرة خوفاً من فجأة الساعة.

قوله: ((قال: فيه خمس خلال)) جواباً عن سؤال السائل ماذا فيه من الخير؟ يدل علي أن الخلال الخمس خيرات وفواضل، تستلزم فضيلة اليوم الذي تقع فيه. ((قض)): لا شك أن خلق

ص: 1267

آدم، وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئاً إلا أعطاه، ما لم يسأل حراماً، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهو مشفق من يوم الجمعة)). رواه ابن ماجة. [1363]

1364 -

وروى أحمد بن سعد بن عبادة: أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرنا عن يوم الجمعة ماذا فيه من الخير؟ قال: ((فيه خمس خلال)) وساق إلي آخر الحديث. [1364]

1365 -

وعن أبي هريرة، قال: قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ((لأي شيء سمي يوم الجمعة؟ قال: ((لأن فيها طبعت طينة أبيك آدم، وفيها الصعقة والبعثة وفيها البطشة، وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استجيب له)). رواه أحمد. [1365]

1366 -

وعن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة، فإنه مشهود تشهده الملائكة، وإن أحداً لن يصلي علي إلا عرضت علي

ــ

آدم فيه يوجب له شرفا وعزيمة. وكذا وفاته، فإنه سبب لوصوله إلي الجناب الأقدس والخلاص عن النكبات، وكذا قيام الساعة، لأنه من أسباب توصل أرباب الكمال إلي ما أعد لهم من النعيم المقيم.

الحديث الثاني عن أبي هريرة: قوله: ((قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: لأي شيء سمي يوم الجمعة)) فإن قلت: سئل عن علة تسمية الجمعة، وأجيب بما لا يطابقه. قلت: يطابقه من حيث إنه سمي بها لاجتماع الأمور العظام، وجلائل الشيءون فيها. قوله:((طبعت طينة آدم)) أي جعلت صلصالاً كالفخار، أي الطين المطبوخ بالنار. الجوهري: طبعت السيف والدرهم، علمت، وطبعت من الطين خرزة، والطباع الذي يعملها.

قوله: ((وفيها البطشة)) يريد يوم القيامة، قال تعالي:{يوم نبطش البطشة الكبرى} والبطش: الأخذ القوي الشديد. وقوله: ((وفي آخر ثلاث ساعات منها)) ((في)) ههنا تجريدية، إذ

ص: 1268

صلاته حتى يفرغ منها)). قال: قلت: وبعد الموت؟ قال: ((إن الله حرم علي الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، فنبي الله حي يرزق)). رواه ابن ماجه. [1366]

1367 -

وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر)). رواه أحمد، والترمذي وقال: هذا حديث غريب وليس إسناده بمتصل. [1367]

1368 -

وعن ابن عباس: أنه قرأ: (اليوم أكملت لكم دينكم) الآية، وعنده يهودي. فقال: لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذناها عيداً. فقال ابن عباس: فإنها نزلت في يوم عيدين، في يوم الجمعة، ويوم عرفة. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب [1368].

1369 -

وعن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: ((اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان)). قال: وكان يقول: ((ليلة الجمعة ليلة أغر، ويوم الجمعة يوم أزهر)). رواه البيهقي في ((الدعوات الكبير)). [1369]

ــ

الساعة هي نفس آخر ثلاث الساعات، كما في قولك: في البيضة عشرون رطلاً من حديد، والبيضة نفس الأرطال.

الحديث الثالث إلي الخامس عن ابن عباس: قوله: ((أكملت لكم دينكم)) أي كفيتكم شر عدوكم، وجعلت اليد العليا لكم، كما تقول الملوك: اليوم كمل لنا الملك، إذا كفوا من تنازعهم الملك، ووصلوا إلي أغراضهم ومباغيهم، أو كملت لكم ما تحتاجون إليه في تكليفكم من تعليم الحلال والحرام، والتوقف علي الشرائع وقوإنين القياس، وأصول الاجتهاد. وفي جواب ابن عباس اليهودي إشارة إلي الزيادة في الجواب، يعني ما اتخذناه عيداً واحداً بل عيدين. وتكريره اليوم تقرير لاستقلال كل يوم بما سمي به، وإضافة يوم إلي عيدين كإضافة اليوم إلي الجمعة، أي يوم الفرح المجموع. والمعنى: يوم الفرح الذي يعودون مرة بعد أخرى فيه إلي السرورة. ((غب)): العيد ما يعاود مرة بعد أخرى، وخص في الشريعة بيوم الفطر ويوم النحر. ولما كان ذلك اليوم مجعولاً للسرور في الشريعة كما نبه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:((أيام أكل وشرب وبعال)) صار يستعمل العيد في كل يوم فيه مسرة.

الحديث السادس عن أنس: قوله: ((ليلة أغر)) أي أنور، من الغرة. ((نه)): جاء في الحديث

ص: 1269