الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(39) باب التطوع
الفصل الأول
1322 -
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الفجر: ((يا بلال! حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام؛ فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة)). قال: ما عملت عملاً أرجى عندي إني لم أتطهر طهوراً من ساعة من ليل ولا نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي. متفق عليه.
ــ
الأوقات لفضلها، ويتركها في بعضها خشية أن تفرض. ويشبه أنه صلى الله عليه وسلم لم يحضر عندها في وقت الضحى إلا نادراً ويصليها في المسجد أو غيره. وإذا كان عند نسائه، وكان لها يوم من تسعة أيام، ولم يصل فيه، يصح قولها:((ما رأيته يصليها)) أو يقال: قوله: ((ما كان يصليها)) أي يداوم عليها. وأما ما روي عن ابن عمر أنه قال في الضحى: هي بدعة، فمحمول علي أن صلاتها في المسجد والتظاهر بها، كما كانوا يفعلونه بدعة، لأن أصلها أن تصلي في البيوت، أو يقال: إن المواظبة عليها بدعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يواظب عليها خشية أن تفرض. وهذا في حقه صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت استحباب المواظبة في حقنا لحديث أبي الدرداء وغيره. أو يقال: إن ابن عمر لم يبلغه فعل النبي صلى الله عليه وسلم للضحى وأمره بها. وكيف كان فجمهور العلماء علي استحباب الضحى انتهي كلام الشيخ محيي الدين.
باب التطوع
الفصل الأول
الحديث الأول عن أبي هريرة: قوله: ((بأرجى عمل)) ((قض)): أرجى من أسماء التفضيل التي بنيت للمفعول، نحو قولك: فلان أشهر من فلان؛ فإن قياس ((أفعل)) أن لا يبنى للمفعول، وقد بنيت هذه اله؛ فإن العمل مرجو به الثواب، وعلو الدرجة، ويجوز أن تكون إضافته إلي العمل؛ لأنه سبب الرجاء، فيكون المعنى: حدثني بما أنت أرجى من نفسك به من أعمالك.
قوله: ((دف نعليك)) ((تو)): أي حسيسهما عند المشي فيهما، وأراه أخذ من دفيف الطائر إذا أراد النهوض قبل أن يستقل، وأصله ضربة بجناحيه ودفتيه، أي بجنبتيه، فيسمع لهما حسيس.
قوله: ((ما كتب لي)) أي ما قدر علي، وهذه اللفظة وإخراج التركيب علي سبيل الحصر يدل علي استحبابه في جميع الأوقات وتوكيده. وقيل:((كتب)) يحمل علي الوجوب. ((شف)): هذا
1323 -
وعن جابر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: ((إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري- أو قال: في
ــ
يدل علي جواز إيقاعهما في الأوقات المكروهة. ((مظ)): هذا لا يدل علي تفضيل بلال علي العشرة المبشرة فضلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإنما سبقه للخدمة، كما يسبق العبد سيده، وسؤاله تطييب لقلبه بإخباره باستحقاقه الجنة؛ ليداوم عليها، ولإظهار رغبة السامعين.
((تو)): هذا شيء كوشف به صلى الله عليه وسلم من عالم الغيب في نومه، أو يقظته، ونرى ذلك- والله أعلم- عبارة عن مسارعة بلال إلي العمل الموجب لتلك الفضيلة قبل ورود الأمر عليه، وبلوغ الندب إليه. وذلك مثل قول القائل لعبده: تسبقني إلي العمل، أي تعمل قبل ورود أمري عليك.
أقول: هذا التأويل لا ينافي قوله تعالي: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} كما أن التقدم بين يدي الرجل خارج عن صفة المتابع المنقاد، جعله تصويراً للهجنة فيما نهوا عنه من الإقدام علي ما يحكمان به؛ لأن الآية واردة في النهي عما لا يرضي الله تعالي ورسوله به، كما يشهد له سبب النزول. والحديث ليس كذلك؛ ومن ثم قرره علي ذلك، واستحمده عليه.
الحديث الثاني عن جابر: قوله: ((أستخيرك)) ((نه)): الاستخارة طلب الخير في الشيء، وهي استفعال من الخير، ضد الشر. وقوله:((أستقدرك)) أي أطلب منك أن تجعل لي قدرة. وقوله: ((فاقدره)) أي اقض به وهيئة.
وأقول: قوله: ((من غير الفريضة)) بعد قوله: ((كما يعلمنا السورة من القرآن)) يدل علي الاعتناء التام البالغ حده بالصلاة والدعاء، وأنهما تلوان للفريضة والقرآن. و ((الباء)) في قوله:((بعلمك، وبقدرتك)) يحتمل أن تكون للاستعانة، كما هي في قوله تعالي:{بسم الله مجريها ومرساها} أي إني أطلب خيرك مستعيناً بعلمك، فإني لا أعلم فيم خيرتي، وأطلب منك القدرة، فإني لا حول لي ولا قوة إلا بك، وأن تكون للاستعطاف كما في قوله: {رب بما
عاجل أمري وآجله- فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري- أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم ارضني به))، قال:((ويسمي حاجته)). رواه البخاري.
الفصل الثاني
1324 -
عن علي [رضي الله عنه] قال: حدثني أبو بكر- وصدق أبو بكر- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من رجل يذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله؛ إلا غفر الله له، ثم قرأ: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم))). رواه الترمذي، وابن ماجه؛ إلا أن ابن ماجه لم يذكر الآية. [1324]
ــ
أنعمت علي} كأنه قيل: اللهم إني أطلب منك الخير بحق علمك الشامل لكل الخيرات، وأطلب منك القدرة بحق تقديرك المقدورات أن تيسرهما علي، ثم باركهما لي. ثم عم الطلب بقوله:((واقدر لي الخير حيث كان)) ثم ختم الدعاء بقوله: ((ثم ارضني به)) ورضي العبد ورضي الرب متلازمان، بل رضي العبد مسبوق برضي الله، ورضوان الله جماع كل الخير، وإن اليسير منه خير من الجنان.
قوله: ((ويسمي)) يجوز أن يكون حالا من فاعل ((يقل)) أي فليقل هذا الكلام مسمياً حاجته، أو عطف علي ((ليقل)) علي التأويل؛ لأنه في معنى الأمر. وعلي التقديرين يوجب الجمع بين المقول والتسمية اهتماماً بالمطلوب علي سبيل الإجمال والتفصيل، نحو قوله تعالي:{وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين} المشار إليه بـ ((ذلك)) ما في الذهن، و ((الأمر)) بيانه، وهو أيضاً مبهم، ففسره بقوله:{أن دابر هؤلاء مقطوع} .
الفصل الثاني
الحديث الأول عن علي: قوله تعالي: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم} عطف
1325 -
وعن حذيفة، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلي. رواه أبو داود. [1325]
1326 -
وعن بريدة، قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا بلالا، فقال:((بم سبقتني إلي الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي)). قال: يا رسول الله! ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عنده ورأيت أن لله علي ركعتين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((بهما)) رواه الترمذي. [1326]
ــ
علي ((للمتقين)) أي أعدت للمتقين، والتائبين. وقوله:((أولئك)) إشارة إلي الفريقين. وقوله: ((فاحشة)) أي فعلة متزايدة القبح ((أو ظلموا أنفسهم)) أي أذنبوا أي ذنب كان يؤاخذون به. وقيل: الفاحشة الزنى، وظل النفس ما دونه من القبلة واللمس ونحوهما. وقيل: الفاحشة الكبيرة، وظلم النفس الصغيرة. ((ذكروا الله)) تذكروا عقابه، أو وعيده، فخافوا واستغفروا، فتابوا توبة نصوحاً.
أقول: ((وذكروا الله)) يجب أن يحمل علي الصلاة، كما في قوله تعالي:{فاسعوا إلي ذكر الله} ليطابق لفظ الحديث: وهو قوله: ((ثم يصلي ثم يستغفر الله)).
فإن قلت: ما الفرق بين ((الفاء)) التنزيلية، و ((ثم)) في الكلام النبوي، في قوله تعالي:((فاستغفروا)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ثم يستغفر الله)) فإنهما متضادان؟ قلت: في التنزيل مجرى بمعنى التعاقب علي مقتضى الظاهر، وفي الحديث لتراخي الرتبة وإن كانت الصلاة أعلي رتبة من الاستغفار؛ لأن المطلوب بالذات في هذا المقام هو الاستغفار وذكر الصلاة كالوسيلة إلي قبول التوبة، ومآل المعنيين إلي أمر واحد.
الحديث الثاني عن حذيفة: قوله: ((إذا حزبه أمر صلي)) ((نه)): أي إذا نزل به هم، أو أصابه غم صلي، نحوه قوله تعالي:((واستعينوا بالصبر والصلاة)) أي استعينوا علي البلايا والنوائب بالصبر عليها، والالتجاء إلي الصلاة عند وقوعها. عن ابن عباس: أنه نعي إليه أخوه قثم- وهو في سفر- فاسترجع وتنحى عن الطريق فصلي ركعتين، ثم قرأ ((واستعينوا بالصبر والصلاة)).
الحديث الثالث عن بريدة: قوله: ((خشخشتك أمامي)) ((نه)): الخشخشة حركة لها صوت