المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(40) باب صلاة التسبيح - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٤

[الطيبي]

فهرس الكتاب

- ‌(21) باب سجود القرآن

- ‌(22) باب أوقات النهي

- ‌(23) باب الجماعة وفضلها

- ‌(24) باب تسوية الصف

- ‌(25) باب الموقف

- ‌(26) باب الإمامة

- ‌(27) باب ما علي الإمام

- ‌(28) باب ما علي المأموم من المتابعة

- ‌(29) باب من صلي صلاة مرتين

- ‌(30) باب السنن وفضائلها

- ‌(31) باب صلاة الليل

- ‌(32) باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌(33) باب التحريض علي قيام الليل

- ‌(34) باب القصد في العمل

- ‌(35) باب الوتر

- ‌(36) باب القنوت

- ‌(37) باب قيام شهر رمضان

- ‌(38) باب صلاة الضحى

- ‌(39) باب التطوع

- ‌(40) باب صلاة التسبيح

- ‌(41) باب صلاة السفر

- ‌(42) باب الجمعة

- ‌(43) باب وجوبها

- ‌(44) باب التنظيف والتبكير

- ‌(45) باب الخطبة والصلاة

- ‌(46) باب صلاة الخوف

- ‌(47) باب صلاة العيدين

- ‌(48) باب في الأضحية

- ‌(49) باب العتيرة

- ‌(50) باب صلاة الخسوف

- ‌(51) باب في سجود الشكر

- ‌(52) باب الاستسقاء

- ‌(53) باب في الرياح

- ‌ كتاب الجنائز

- ‌(1) باب عيادة المريض وثواب المرض

- ‌(2) باب تمني الموت وذكره

- ‌(3) باب ما يقال عند من حضره الموت

- ‌(4) باب غسل الميت وتكفينه

- ‌(5) باب المشي بالجنازة والصلاة عليها

- ‌(6) باب دفن الميت

- ‌(7) باب البكاء علي الميت

- ‌(8) باب زيارة القبور

الفصل: ‌(40) باب صلاة التسبيح

1327 -

وعن عبد الله بن أبي أوفي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كانت له حاجة إلي الله أو إلي أحد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين، ثم ليثن علي الله تعالي، وليصل علي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضي إلا قضيتها يا أرحم الراحمين)) رواه الترمذي، وابن ماجه وقال الترمذي: هذا حديث غريب. [1327]

(40) باب صلاة التسبيح

1328 -

عن ابن عباس [رضي الله عنهما] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب: ((عباس! يا عماه! ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أخبرك؟ ألا أفعل بك؟ عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك؛ غفر الله لك ذنبك أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره. سره وعلإنيته: أن تصلي أربع ركعات. تقرأ في كل ركعة

ــ

كصوت السلاح. قوله: ((رأيت أن لله علي)) أي ظننت أن الله أوجب علي ركعتين، هذه كناية عن استدامته، ومواظبته عليهما. وقوله:((بهما)) أي نلت ما نلت بسبب الركعتين بعد الوضوء وبعد الأذان، عليك بهما، أو استمسك بهما، ومضى شرحه في الفصل الأول من هذا الباب.

الحديث الرابع عن عبد الله بن أبي أوفي: قوله: ((موجبات رحمتك)) أهي جمع ((نه)): هي جمع موجبة، وهي الكلمة التي أوجبت لقائلها الجنة وحقيقتها. قوله:((عزائم مغفرتك)) ((نه)): أي أسألك أعمالا تتعزم وتتأكد بها مغفرتك.

صلاة التسابيح

الحديث الأول عن ابن عباس: قوله: ((يا عباس)) ((تو)): الحديث علي ما هو في المصابيح غير مستقيم، قد سقط عنه كلمات لا يعرف يدونها معناه، إحداها قوله:((أفعل بك)) والرواية الصحيح ((أفعل لك))، وثإنيها سقطت بعد قوله:((أوله)) ((وآخره قديمة وحديثة))، وثالثها سقط ((عشر خصال)) بعد قوله:((سره وعلإنيته)). إذا تقرر هذا فنقول: قوله: ((ألا أمنحك)) المراد من

ص: 1248

فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم. قلت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع، فتقولها وأنت راكع عشراً، ثم ترفع رأسك من الركوع، فتقولها عشراً، ثم تهوى ساجداً، فتقولها وأنت ساجد عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد

ــ

المنحة الدلالة علي فعل ما تفيده الخصال العشر. وعلي هذا معنى جميع ما قرن معه من الألفاظ.

وإنما أعاد القول بألفاظ مختلفة تقريراً للتأكيد، وتوطئة للاستماع إليه. وإنما أضاف فعل الخصال إلي نفسه في قوله:((ألا أفعل لك)) لأنه الباعث عليها. والخصال العشر منحصرة في قوله: ((أوله وآخره)) إلي آخر ما ذكر في المصابيح من انضمام ((قديمه وحديثه)) إليها. فهذه الخصال العشر قد زادها إيضاحاً بقوله: ((عشر خصال)) بعد حصر هذه الأقسام. فمن نصب ((عشراً)) فالمعنى: خذها، أو دونك عشر خصال.

فإن قيل: أليس الأول والآخر يأتيان علي القديم والحديث؟ وعلي هذا فما فائدة هذه الألفاظ وتقسيمها علي عشر خصال؟ قلنا: معنى قوله: ((أوله وآخره)) مبتدأ الذنب ومنتهاه. ومعنى ((قديمه وحديثه)) ما قدم به عهده وحدث. وقوله: ((خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلإنيته)) فهذه الأقسام الثلاثة وإن كانت متداخلة؛ لأن الخطأ والعمد يأتيان علي سائر أقسام الذنب، وكذلك الصغير والكبير، والسر والعلإنية؛ لأن جنس الذنب لا يخلو عن أحد القسمين من جملة الأقسام المذكورة، ولكن كل قسمين متقابلين منها متفارقين عن الآخر في الحد والحقيقة. فالحكم الذي يختص بالخطأ غير الحكم الذي يختص بالعمد. والمؤاخذة التي تتعلق بالصغيرة غير التي تتعلق بالكبيرة. وكذلك السر والعلإنية.

فإن قيل: الخصلة هي السجية الخلقية، أو المكتسبة، فتختص بمعنى محمود أو مذموم في نفس الإنسان، وهذه ليست كذلك. قلنا: قد يقال أيضاً لما تقع حاجة الإنسان إليه، لما روي ((ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء)) فسماها خصالاً وهي خارجة عن نفس الإنسان. ((حس)):((عشر خصال)) مفعول تنازعت عليه الأفعال قبله، ومعنى قوله:((أفعل بك عشر خصال)) أصيرك ذا عشر خصال. والمراد بها التسبيحات والتهليلات؛ لأنهما فيما سوى القيام عشر عشر.

أقول- وبالله التوفيق -: معنى قوله: ((ألا أفعل بك)) ألا آمرك بما إن فعلته تصير ذا عشر خصال. فالمعطي والمخبر هو الآمر؛ لأنه سبب لأن يصير ذا عشر خصال. والعشر سبب لمغفرة الذنوب كلها بأسرها. والتكريم لتفخيم المعطي، والترغيب فيه؛ ليتلقاه المأمور بشراشره. والمشار إليه بـ ((ذلك)) في قوله:((إذا أنت فعلت ذلك)) هو المأمور به العشر من قوله: ((أن تصلي))

ص: 1249

فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات؛ إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل؛ ففي كل جمعة مرة، [فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة]، فإن لم تفعل ففي كل

ــ

وقوله: ((تقرأ فاتحة الكتاب)) وقوله: ((وسورة)) وقوله: ((قلت سبحان الله في القيام)) وقوله: ((ثم تقولها وأنت راكع)) إلي قوله: ((فذلك خمس وسبعون)).

وقوله: ((أوله وآخره)) قديمه وحديثه)) إلي آخره بدل من قوله: ((ذنبك)) علي معنى: لا أدع من ذنبك شيئاً يقع عليه اسم الذنب، فهو كناية عن التزكية التامة. فالمعنى: إذا أنت فعلت ما أمرتك به من الحسنة، فإن الله تعالي يمنحك عشر خصال، أولاها: محو سيئاتك كلها، ثم عد بعد ذلك إلي أن تنتهي الأشياء إلي عشر مما لا يعلمها إلا الله. ونظيره قوله تعالي:{ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويتم نعمته عليك، ويهديك صراطاً مستقيما} إلي آخر السورة. وذلك أنه تعالي عد بعد محو ما تقدم من ذنبه وما تأخر نعما لا تحصى دينية ودنيوية، ولأن التزكية مقدمة علي التحلية.

وقوله: ((أن تصلي)) خبر مبتدأ محذوف، أي المأمور به: هو أن تصلي، فعلي هذا التقدير يتبين أن الرواية بالباء في قوله:((ألا أفعل بك)) أظهر في المعنى من الرواية باللام؛ لأنه فعل عام خص بحسب المقام، وقرائن الأحوال بما ذكرناه، كما في قوله تعالي:{وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم} . قال الكلبي: قال للنبي صلى الله عليه وسلم أصحابه- وقد ضجروا من أذى المشركين -: حتى متى نكون علي هذا؟ فقال: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم، أأترك بمكة أو أأمر بالخروج إلي المدينة، علي أن الرواية بالباء هي المثبتة هي الكتب المضبوطة في سنن أبي داود وابن ماجه. وظهر أن إدخال ((قديمة وحديثة)) وإخراجهما لا يضر بالمعنى. اللهم إلا أن يراد به مزيد الاستيعاب وأن ((عشر خصال)) جيء به لإتمام المعنى، لا لما قال، لاستغنائه عنه بقوله:((عشر خصال)) أولاً. والله أعلم.

((مح)): في الأذكار: قال الإمام بن العربي في كتابه ((الأحوذي)) في شرح الترمذي: حديث أبي رافع هذا ضعيف، ليس له أصل في الصحة ولا في الحسن. وإنما ذكره الترمذي لينبه عليه لئلا يغتر به. قال: وقول ابن المبارك ليس بحجة. وقال العقيلي: ليس في صلاة التسبيح حديث ثبت. وذكر أبو الفرج الجوزي في كتاب الموضوعات أحاديث صلاة التسبيح وطرقها، ثم ضعفها كلها وبين ضعفها، وبلغنا عن الإمام أبي الحسن الدارقطني أنه قال: أصح شيء سمعناه في فضائل السور فضل ((قل هو الله أحد)) وفي فضائل الصلوات فضل صلاة التسبيح.

ص: 1250

سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة)) رواه أبو داود، وابن ماجه، والبيهقي في ((الدعوات الكبير)) [1328]

1329 -

وورى الترمذي عن أبي رافع نحوه. [1329]

1330 -

وعن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيام من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت قد خاب وخسر؛ فإن انتقص من فريضته شيء، قال الرب تبارك وتعالي: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله

ــ

قال الشيخ محيي الدين: لا يلزم من هذه العبارة أن يكون حديث صلاة التسابيح صحيحاً، فإنهم يقولون: هذا أصح ما جاء في الباب- وإن كان ضعيفاً- ومرادهم: أرجحه أقله ضعفاً. وقد نص جماعة من أئمة أصحابنا علي استحباب صلاة التسبيح منهم أبو محمد البغوي وأبو المحاسن الرويإني. قال: قال الرويإني في ((كتاب البحر)): إن صلاة التسبيح مرغب فيها، يستحب أن تعتاد في كل حين ولا يتغافل عنها. قال: هكذا قال عبد الله بن المبارك.

الحديث الثاني عن أبي هريرة: قوله: ((فإن صلحت)) الصلاح: كون الشيء علي حالة استقامته، وكماله والفساد ضده. والفلاح: الفوز بالبغية، والمفلح كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر، ولم تستغلق عليه، والنجح: إصابة ما احتيج إليه. فالثاني تكميل للأول، لأن ذا الحاجة عاجز، والمفلح مقتدر. وأنشد:

ونحن التاركون لما سخطنا ونحن الآخذون لما رضينا

وكذلك الخسار مقابل للفوز، كما أن الخيبة مقابلة للنجاح.

ص: 1251

على ذلك)). في رواية: ((ثم الزكاة مثل ذلك، ثم تؤخذ الأعمال علي حسب ذلك)) رواه أبو داود. [1330]

1331 -

رواه أحمد عن رجل. [1331]

1332 -

وعن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أذن الله لعبد في شيء أفضل من الركعتين يصليهما، وإن البر ليذر علي رأس العبد ما دام في صلاته، وما تقرب العباد إلي الله بمثل ما خرج منه))، يعني القرآن. رواه أحمد، والترمذي. [1332]

ــ

قوله: ((فإن انتقص)) قوبل الصلاح بالفساد تارة، وهو مقابل حقيقي، وبالنقصان أخرى وهو مقابل معنوي. ثم فرع علي النقصان قوله:((ثم يكون سائر عمله علي ذلك)) أي علي أن الزكاة إن نقصت كملت بالصدقة، وكذلك الصوم والحج، هذا بالنظر إلي الكمال، وأما إذا نظر إلي الصلاح نفسه فلا؛ لأنه رتب عليه قوله:((فقد أفلح وأنجح)) وذلك أن الصلاة أم العبادات ومستتبعها وهي بمنزلة القلب من الإنسان، فإذا صلحت صلحت الأعمال، وإذا فسدت فسدت الأعمال. قوله:((فيكمل بها)) أنت ضمير التطور نظراً إلي معنى الصلاة، والظاهر نصبه علي جواب الاستفهام علي أنه من كلام الله تعالي، ويؤيده رواية أحمد ((فكملوا بها فريضته)) وهو عطف علي ((انظروا)).

الحديث الثالث عن أبي أمامة: قوله: ((ما أذن الله لعبد)) هو من أذنت الشيء إذنا إذا أصغيت إليه، وأنشد:

إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا مني وما أذنوا من صالح دفنوا

وهاهنا ((أذن)) عبارة عن الإقبال من الله بالرأفة والرحمة إلي العبد. وذلك: أن العبد إذا كان في الصلاة وقد فرغ من الشواغل متوجهاً إلي مولاه، مناجياً له بقلبه ولسانه، فالله سبحانه وتعالي أيضاً يقبل عليه بلطفه وإحسانه إقبالاً لا يقبله في غيره من العبادات، فكنى عنه بالأذن له علي التلويحية، ثم إذا رضي الله تعالي عن عبده، وأقبل عليه، هل يبقى من البر والإحسان شيء إلا وينثره علي رأسه؟ كلا. و ((الذر)) بالذال المعجمية هو الرواية، وهو أنسب من ((الدر)

ص: 1252

ــ

لأنه أشمل منه لاختصاص الدر أي الصب بالمائع، وعموم الذر؛ لأن المقام أدعى له. ألا ترى إلي من أراد الإحسان إلي عبد الله الخدمة، ورضي عنه ينثر علي رأسه نثاراً من الجواهر الشريفة. وكأن اختصاص الرأس بالذكر إشارة إلي هذا السر. ((تو)):((ليذر)) أي ينثر ويفرق من قولهم: ذررت الحب، والملح، والدواء أذرة ذرا، أي فرقته. وصحف، وقيل:((ليدر)) بالدال المهملة، وهو مشاكل للصواب من طريق المعنى إلا أن الرواية لم تساعده. والحديث يؤخذ من أفواه الرجال، وليس لأحد أن يخالفهم.

قوله: ((بمثل ما خرج منه)) قال ابن فورك: الخروج علي وجهين: أحدهما خروج الجسم، وذلك بمفارقة مكانه واستبداله مكاناً آخر، وذلك محال علي الله تعالي. والثاني ظهور الشيء من الشيء كقوله: خرج لنا من كلامك نفع وخير، أراد ظهر لنا من كلامك خير. وهذا هو المراد. فالمعنى: ما أنزل الله تعالي علي نبيه صلى الله عليه وسلم، وأفهم عباده. ثم قال ابن فورك: وقد قال قائلون: إن الهاء في قوله ((خرج منه)) عائد إلي العبد وخروجه منه وجوده علي لسانه، محفوظاً في صدره، مكتوباً بيده. ((شف)): أي ظهر الحق من شرائعه بكلامه، أو خرج من كتابه المبين- وهو اللوح المحفوظ- وذكر عكرمة أنه شهد جنازة رجل مع ابن عباس رضي الله عنهما، فقال رجل: اللهم يا رب القرآن اغفر له، فقال له ابن عباس: مه، أما علمت أن القرآن منه؟ قال: فغطى الرجل رأسه، كأنه أتى كبيرة. ومعنى ((منه)) أن القرآن صفة الله تعالي القائمة بذاته، فلا يجوز أن يوصف بما يصير مربوباً محدثاً. فإن قيل: فما معنى قول السلف ((إن كلام الله منه خرج، وإليه يعود))؟ قلت: معناه: أنه تعالي به أمر، ونهي، وإليه يعود، يعني هو الذي يسألك عما أمرك، ونهاك. أقول: معنى قولهم: ((منه أبداً)) أنه أنزل علي الخلق ليكون حجة لهم وعليهم قال تعالي: {تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً} وقولهم ((وإليه يعود)) أن مآل أمره وعاقبته من تبين حقيقته، وظهور صدق ما نطق به، من الوعد والوعيد إلي الله تعالي. قال سبحانه:{يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق} . وإذا تقرر هذا، فليس شيء من العبادات يتقرب العبد إلي الله، ويجعله وسيلة له أفضل من القرآن.

قوله: ((يعني القرآن)) ((تو)): أطلق المؤلف هذا التفسير، ولم يقيده بما يفهم أن المفسر من هو. والحديث نقله المؤلف من كتاب الترمذي. وفي روايته: قال أبو النصر: ((يعني القرآن)) ومثل هذا لا يتسامح فيه أهل الحديث، والحق معهم؛ فإن مثل ذلك يوهم أن التفسير من فعل الصحابي، فيجعل من متن الحديث، وفي ذلك خلل بين.

ص: 1253