الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتاب الأول
في السماع
وأعني به ما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته ، فشمل كلام الله تعالى ، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم ، وكلام العرب ، قبل بعثته ، وفي زمنه ، وبعده ، إلى أن فسدت الألسنة بكثرة المولدين ، نظما ونثرا ، عن مسلم أو كافر.
فهذه ثلاثة أنواع ، لابد في كل منها من الثبوت.
أما القرآن فكل ما ورد أنه قريء به جاز الاحتجاج به في العربية ، سواء كان متواترا ، أو آحادا ، أم شاذا.
وقد أطبق الناس على الاحتجاج بالقراءات الشاذة في العربية إذا لم تخالف قياسا معلوما ، بل ولو خالفته يحتج بها في مثل ذلك الحرف بعينه ، وإن لم يجز القياس عليه ، كما يحتج بالمجمع على وروده ومخالفته القياس في ذلك الوارد بعينه ، ولا يقاس عليه ، نحو: استحوذ ، ويأبى.
وما ذكرته من الاحتجاج بالقراءة الشاذة لا أعلم فيه خلافا بين النحاة ، وإن اختلف في الاحتجاج بها في الفقه.
ومن ثم احتج على جواز إدخال لام الأمر على المضارع المبدوء بتاء
الخطاب بقراءة (فبذلك فلتفرحوا) ، كما احتج على إدخالها على المبدوء بالنون بالقراءة المتواترة (ولنحمل خطاياكم).
واحتج على صحة قول من قال: إن (الله) أصله (لاه) بالاسانيد المتواترة الصحيحة التي لا مطعن فيها ، وثبوت ذلك دليل على جوازه في العربية ، وقد رد المتأخرون منهم ابن مالك ، على من عاب عليهم ذلك بأبلغ رد ، واختار جواز ما وردت به قراءاتهم في العربية ، وإن منعه الأكثرون مستدلا به من ذلك احتجاجه على جواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار بقراءة حمزة:(تساءلون به والأرحام).
وعلى جواز الفصل بين المضاف والمضاف إليه بمفعوله بقراءة ابن عامر:
(قتل أولادهم شركائهم).
وعلى جواز سكون لام الأمر بعد (ثم) بقراءة حمزة:
(ثم ليقطع)
فإن قلت فقد روي عن عثمان أنه قال: لما عرض عليه المصاحف: إن فيه لحنا ستقيمه العرب بألسنتها.
وعن عروة قال: سالت عائشة عن لحن القرآن عن قوله: (إن هذان لسحران).
وعن قوله: (والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة)
وعن قوله: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون)
فقالت يا ابن أختي ، هذا عمل الكتاب ، أخطأوا في الكتاب.
أخرجهما أبو عبيد ، في فضائله فكيف يستقيم الاستدلال بكل ما فيه بعد هذا؟
قلت: معاذ الله كيف يظن أولا بالصحابة أنهم يلحنون في الكلام ، فضلا عن القرآن وهم الفصحاء اللد؟!
فقلت: كيف يظن بهم ثانيا في القرآن الذي تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم كما أنزل وضبطوه وحفظوه وأتقنوه؟!
ثم كيف يظن بهم ثالثا اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته؟!
ثم كيف يظن بهم رابعا عدم تنبههم ورجوعهم عنه؟!
ثم كيف يظن بعثمان أن يقرأه ولا يغيره؟!
ثم كيف يظن أن القراءات استمرت على مقتضى ذلك الخطأ ، وهو مروي بالتواتر خلف عن سلف؟!
هذا مما يستحيل عقلا وشرعا وعادة.
وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة عديدة ، بسطتها في كتابي (الإتقان في علوم القرآن).
وأحسن ما يقال في أثر عثمان _ رضي الله عنه _ بعد تضعيفه بالاضطراب الواقع في إسناده والانقطاع: أنه وقع في روايته تحريف ، فإن ابن أشته أخرجه في
كتاب (المصاحف) من طريق عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر ، قال:"لما فرغ من المصحف ، أتي به عثمان ، فنظر فيه فقال: أحسنتم وأجملتم ، أرى شيئا سنقيمه بألسنتنا ".
فهذا الأثر لا إشكال فيه فكأنه لما عرض عليه ، عند الفراغ من كتابته ، رأى فيه شيئا غير لسان قريش ، كما وقع لهم في (التابوت) و (التابوه) ، فوعد بأنه سيقيمه على لسان قريش ، ثم وفى بذلك ، كما ورد من طريق آخر ، أوردتها في كتاب (الإتقان).
ولعل من روى ذلك الأثر حرفه ، ولم يتقن اللفظ الذي صدر عن عثمان فلزم ما لزم من الإشكال ، وأما أثر عائشة فقد أوضحنا الجواب عنه في (الإتقان) أيضا.