الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
في العلة
فيه مسائل:
المسألة الأولى
قال صاحب المستوفي:
"إذا استقريت أصول هذه الصناعة علمت أنها في غاية الوثاقة وإذا تأملت عللها عرفت أنها غير مدخولة ولا متسمح فيها.
وأما ما ذهب إليه غفلة العوام من أن علل النحو تكون واهية ومتمحلة واستدلالهم على ذلك بأنها أبدا تكون هي تابعة للوجود لا الوجود تابعا لها فبمعزل عن الحق
وذلك أن هذه الأوضاع والصيغ وإن كنا نستعملها فليس ذلك على سبيل الابتداء والابتداع بل على وجه الاقتداء والاتباع ولابد فيها من التوقيف فنحن إذا صادفنا الصيغ المستعملة والأوضاع بحال من الأحوال وعلمنا أنها كلها أو بعضها من وضع واضع حكيم جل وتعالى تطلبنا بها وجه الحكمة لتلك الحال من بين أخواتها فإذا حصلنا عليه فذلك غاية المطلوب "
وقال ابن جني في الخصائص:
" اعلم أن علل النحويين أقرب إلى علل المتكلمين منها إلى علل المتفقهين وذلك أنهم إنما يحيلون على الحس ويحتجون فيه بثقل الحال أو خفتها على النفس وليس كذلك علل الفقه لأنها إنما هي أعلام وأمارات لوقوع الأحكام وكثير منه لا يظهر فيه وجه الحكمة كالأحكام التعبدية بخلاف النحو فإن كله أو غالبه مما تدرك علته وتظهر حكمته ".
قال سيبويه:
" وليس شيء مما يضطرون إلا وهم يحاولون به وجها ".
نعم قد لا يظهر فيه وجه الحكمة.
قال بعضهم إذا عجز عن تعليل الحكم قال هذا تعبدي وإذا عجز النحوي عنه قال: هذا مسموع.
وهذا موضع آخر من الخصائص:
لاشك أن العرب قد أرادت من العلل والأعراض ما نسبناه إليها ألا ترى إلى أطراد رفع الفاعل ونصب المفعول والجر بحروفه والجزم بحروفه وغير ذلك من التثنية والجمع والإضافة والنسب والتحقير وما يطول شرحه.
فهل يحسن بذي لب أن يعتقد هذا كله اتفاق وقع وتوارد اتجه؟
فإن قلت فلعله شيئ طبعوا عليه من غير اعتقاد لعلة ولا لقصد من المقصود من القصود التي تنسبها إليهم بل لأن آخرا منهم حذرا على ما نهج الأول فقام به.
قيل: إن الله إنما هداهم لذلك وجبلهم عليه لأن في طباعهم قبولا له وانطواء على صحة الوضع فيه وتراهم قد اجتمعوا على هذه اللغة وتواردوا عليها.
فإن قلت: كيف تدعي الاجتماع وهذا اختلافهم موجود ظاهر ألا ترى إلى الخلاف في (ما) الحجازية والتميمية إلى غير ذلك؟
قيل: هذا القدر والخلاف لقلته محتقر غير محتفل به وإنما هو في شيء من الفروع يسير فأما الأصول وما عليه العامة والجمهور فلا خلاف عليه.
وأيضا فإن أهل كل واحدة من اللغتين عدد كثير وخلق عظيم وكل منهم محافظ على لغته لا يخالف شيئا منها.
فهل ذلك إلا لأنهم يحتاطون ويقتاسون ولا يفرطون ولا يخلطون؟
ومع هذا فليس شيئ من مواضع الخلاف على قلته إلا وله وجه من القياس يؤخذ به.
ولو كانت اللغة حشوا مكيلا وحثوا مهيلا لكثر خلافها وتعادت أوصافها فجاء عنهم جر الفاعل ورفع المضاف إليه والنصب بحروف الجزم.
وأيضا فقد ثبت عنهم التعليل في مواضع نقلت عنهم كما سيأتي.