الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة
(حد اللغة ، وهل هي بوضع الله أو البشر)
قال في (الخصاص):
" حد اللغة: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ".
واختلف هل هي بوضع الله أو البشر؟ على مذاهب:
أحدها: وهو مذهب الأشعري أنها بوضع الله.
واختلف على هذا: هل وصل إلينا علمها بالوحي إلى نبي من أنبيائه ، أو بخلق أصوات في بعض الأجسام تدل عليها ، واسماعها لمن عرفها ونقلها ، أو بخلق العلم الضروري في بعض العباد بها؟
على ثلاثة مذاهب ، أرجحها الأول ، ويدل له ولأصل المذهب قوله تعالى: وعلم آدم الأسماء كلها ، أي أسماء المسميات.
قال ابن عباس: علمه اسم الصحفة ، والقدر ، حتى الفسوة والفسية.
وفي رواية عنه: عرض عليه أسماء ولده إنسانا إنسانا ، والدواب فقيل: هذا الحمار ، هذا الجمل ، هذا الفرس.
أخرجهما ابن أبي حاتم في تفسيره.
وتعليمه تعالى دال على أن الواضع دون البشر ، وأن وصولها بالوحي إلى آدم.
ومال إلى هذا القول ابن جني ، ونقله عن شيخه أبي علي الفارسي ، وهما من المعتزلة.
والمذهب الثاني: أنها اصطلاحية ، وضعها البشر ، ثم قيل: وضعها آدم.
وتأول ابن جني الآية على أن معنى (علم آدم): أقدره على وضعها.
وقيل: لعله كان يجتمع حكيمان ، أو ثلاثة فصاعدا ، فيحتاجون إلى الإبانة عن الأشياء المعلومة ، فوضعوا لكل واحد منها لفظا ، إذا ذكر عرف به.
وقيل: أصل اللغات كلها من الأصوات المسموعات ، كدوي الريح والرعد ،
وخرير الماء ، ونعيق الغراب ، وصهيل الفرس ، ونهيق الحمار ، ونحو ذلك ، ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد.
واستحسنه ابن جني.
والمذهب الثالث: الوقف ، أي لا يدري: أهي من وضع الله أو البشر لعدم دليل قاطع في ذلك.
وهو الذي اختاره ابن جني أخيرا.
تنبيهان:
الأول: زعم بعضهم أنه لا فائدة لهذا الخلاف. وليس كذلك ، بل ذكر له فائدتان:
الأولى: فقهية ، ولذا ذكرت هذه المسألة في أصوله.
والأخرى: نحوية ، ولهذا ذكرها في أصوله تبعا لابن جني في (الخصائص) ، وهي جواز قلب اللغة ، فإن قلنا: أنها اصطلاحية جاز ، وإلا فلا.
وإطباق أكثر النحاة على أن المصحفات ليست بكلام ينبغي أن يكون في هذا الأصل.
الثاني: قال ابن جني:
الصواب ، وهو رأي أبي الحسن الأخفش ، سواء قلنا بالتوقيف أن بالاصطلاح - أن اللغة لم توضع كلها في وقت واحد ، بل وقعت متلاحقة متتابعة.
قال الأخفش: اختلاف لغات العرب إنما جاء من قبل أن أول ما وضع منها وضع على خلاف ، وإن كان كله مسوقا على صحة وقياس ، ثم أحدثوا من بعد أشياء كثيرة لا حاجة إليها ، غير أنها على قياس ما كان وضع في الأصل مختلفا.