الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر القوادح في العلة
منها النقض
قال ابن الأنباري في جدله
"وهو وجود العلة، ولا حكم على مذهب من لا يرى تخصيص العلة"
وقال في أصوله:
الأكثرون على أن الطرد شرط في العلة، وذلك أن يوجد الحكم عند وجودها في كل موضع، كرفع كل ما أسند إليه الفعل في كل موضع؛ لوجود علة الإسناد، ونصب كل مفعول وقع فضلةً؛ لوجود علة وقوع الفعل عليه، وجر كل ما دخل عليه حرف الجر، لوجود عامله، وكذلك وجود الجزم في كل ما دخل عليه حرف الجزم؛ لوجود عامله.
وإنما وجب أن يكون الطرد شرطا في العلة هاهنا؛ لأن العلة النحوية كالعلة العقلية، ولا خلاف في أن العلة العقلية لا تكون إلا مطردة، ولا يجوز أن يدخلها التخصيص فكذلك العلة النحوية.
وقال قوم: إن الطرد ليس بشرط في العلة، فيجوز أن يدخلها التخصيص، وذلك لأن هذه العلة دليل على الحكم بجعل جاعل، فصارت بمنزلة الاسم العام، فكما يجوز تخصيص الاسم العام فكذلك ما كان في معناه، وكذلك إذا جاز التمسك بالعموم المخصوص، فكذلك بالعلة المخصوصة.
وعلى الأول قال في الجدل:
مثال النقض أن يقول: إنما بنيت حذامِ وقطامِ ورقاشِ لاجتماع ثلاث علل، وهي التعريف والتأنيث والعدل.
فتقول هذا ينتقض بـ (أذربيجان) فإن فيه ثلاث علل بل أكثر وليس بمبني.
قال: والجواب عن النقض أن يمنع مسألة النقض، إن كان فيها منع، أو يدفع النقض باللفظ أو بمعنى في اللفظ.
فالمنع مثل أن تقول: إنما جاز النصب في نحو يا زيد الظريفَ حملا على الموضع؛ لأنه وصف لمنادى مفرد مضموم.
فيقال: هذا ينتقض بقولهم: يا أيها الرجل؛ فإن الرجل وصف لمنادى مفرد مضموم، ولا يجوز فيه النصب.
نسلم أنه لا يجوز فيه النصب.
ويمنع على مذهب من يرى جوازه.
والدفع [ينتقض] باللفظ مثل أن يقول في حد المبتدأ "كل اسم عريته من العوامل اللفظية لفظا أو تقديرا"
فيقال: هذا ينتقض بقولهم: إذا زيد جاءني أكرمته، فـ (زيد) قد تعرى من العوامل اللفظية ومع هذا فليس مبتدأ.
فيقول: قد ذكرت في الحد ما يدفع النقض لأني قلت لفظا أو تقديرا.
وهو وإن تعرى لفظا لم يتعر تقديرا فإن التقدير إذا جاءني زيد.
والدفع بمعنى في اللفظ مثل مثل أن يقول إنما ارتفع يكتب في نحو: مررت برجل يكتب لقيامه مقام الاسم وهو كاتب.
فيقول: هذا ينتقض بقولك: مررت برجل كتب فإنه فعل قد قام مقام الاسم وهو كاتب وليس بمفروع.
فنقول قيام الفعل مقام الاسم إنما يكون موجبا للرفع إذا كان الفعل معربا وهو الفعل المضارع نحو يكتب، و (كتب) فعل ماض والفعل الماض لا يستحق شيئا من الإعراب فلما لم يستحق من جنس الإعراب منع الرفع الذي هو نوع منه فكأنا قلنا هذا الفعل المستحق للإعراب قام مقام الاسم فوجب له الرفع فلا يرد النقض بالفعل الماضي الذي لا يستحق شيئا من الإعراب.
أما على من يرى تخصيص العلة فإن النقض غير مقبول ".
ومنها (تخلف العكس)
بناء على أن العكس شرط في العلة وهو رأي الأكثرين وهو" أن يعدم الحكم عند عدم العلة " كعدم رفع الفاعل لعدم إسناد الفعل
إليه لفظا أو تقديرا وعدم نصب المفعول لعدم وقوع الفعل عليه لفظا أو تقديرا.
وقال قوم: إنه ليس بشرط لأن هذه العلة مشبهة بالدليل العقلي والدليل العقلي يدل وجوده على وجود الحكم ولا يدل عدمه على عدمه.
ومثال تخلف العكس قول بعض النحاة في نصب الظرف إذا وقع خبرا عن المبتدأ نحو (زيد أمامك): إنه منصوب بفعل محذوف غير مطلوب ولا مقدر بل حذف الفعل واكتفى بالظرف منه وبقي منصوبا بعد حذف الفعل لفظا وتقديرا على ما كان عليه قبل حذف الفعل.
فذكر المقصورة حشو لأنه لا أثر له في العلة لأن ألف التأنيث لم تستحق أن تكون سببا مانعا من الصرف لكونها مقصورة بل لكونها للتأنيث فقط ألا ترى أن الممدودة سبب مانع أيضا؟
واستدل على عدم الجواز بأنه لا إخالة فيه ولا مناسبة وإذا كان خاليا عن ذلك لم يكن دليلا لم يجز إلحاقه بالعلة.
وقال قوم: إذا ذكر إذا ذكر لدفع النقض لم يكن حشوا لأن الأوصاف في العلة تفتقر إلى شيئين.
أحدهما: أن يكون لها تأثير.
والثاني: أن يكون يفها احتراز فكما لا يكون ما له تأثير حشوا فكذلك ما فيه احتراز حشوا ".
وقال ابن جني في الخصائص:
قد يزاد في العلة صفة لضرب من الاحتياط بحيث لو اسقطت لم يقدح اسقاطها فيها كقولهم في همز أوائل:
أصله: أواول فلما اكتنف الألف واوان وقربت الثانية منهما من الطرف ولم يؤثر إخراج ذلك على الأصل تنبيها على غيره من المغيرات في معناه وليس هناك ياء قبل الطرف مقدرة وكانت الكلمة جمعا ثقل ذلك فأبدلت الواو همزة فصار (أوائل)
فهذه علة مركبة من خمسة أوصاف محتاج إليها إلا الخامس.
فقولك: ولم يؤثر
…
إلى آخره احتراز من نحو قوله:
تسمع من شذانها عواولا
وقولك: وليس هناك ياء مقدرة لئلا يلزمك نحو قوله:
وكحل العينين بالعواور
لأن أصله (عواوير)
وقولك: وكانت الكلمة جمعا غير محتاج إليه لأنك لو لم تذكره لم يخل
ذلك بالعلة ألا ترى أنك لو بنيت من قلت (قلت) و (بعت) واحدا على فواعل أو أفاعل لهمزت كما تهمز في الجمع لكنه ذكر تأنيسا من حيث كان الجمع في غير هذا مما يدعو إلى قلب الواو ياء في نحو: حقي ودلي فذكر هنا تأكيدا ووجوبا ".
قال: ولا يجوز زيادة صفة لا تأثير لها أصلا البتة كقولك في رفع (طلحة) من نحو جائني طلحة:: إنه لإسناد الفعل إليه ولأنه مؤنث وعلم فذكر التأنيث والعلمية لغو لا فائدة له ".
انتهى.
ومنها (القول بالموجب)
قال ابن الأنباري: في جدله:
" وهو أن يسلم للمستدل منقطعا فإن توجه في بعض الصور مع عموم العلة لم يعد منقطعا.
مثل أن يستدل البصري على جواز تقديم الحال على العامل في الحال إذا كان العامل فيها فعلا متصرفا وذو الحال اسما ظاهرا نحو راكبا جاء زيد فيقول: جواز تقديم معمول الفعل المتصرف ثابت في غير حال فكذلك في الحال.
فيقول له الكوفي: أنا أقول بموجبه فإن الحال يجوز تقديمها عندي إذا كان ذو الحال مضمرا.
والجواب: أن يقدر العلة على وجه لا يمكنه القول بالموجب بأن يقول: عنيت به ما وقع فيه الخلاف فيه وعرفته بالألف واللام فتناوله وانصرف إليه.
وله أن يقول: هذا قول بموجب العلة في بعض الصور مع عموم العلة في جميع الصور فلا يكون قولا بموجبها ".
ومنها (فساد الاعتبار)
قال ابن الأنباري:
" وهو أن يستدل بالقياس على مسألة في مقابلة النص عن العرب.
كأن يقول البصري: الدليل على أن ترك صرف ما لا ينصرف لا يجوز لضرورة الشعر أن الأصل في الاسم الصرف فلو جوزنا ترك صرف ما لا ينصرف لأدى ذلك إلى أن نرده عن الأصلا إلى غير أصل فوجب أن لا يجوز قياسا على مد المقصور.
فيقول له المعترض: هذا استدلال منك بالقياس في مقابلة النص عن العرب وهو لا يجوز فإنه قد ورد النص عنهم في أبيات تركوا فيها صرف المنصرف للضرورة.
والجواب: الطعن في النقل المذكور إما في أسناده وذلك من وجهين:
أحدهما: أن يطالبه بإثباته وجوابه: أن يسنده أو يحيله على كتاب عند أهل اللغة.
والثاني: القدح في راويه وجوابه: أن يبدي له طريقا آخر
وإما في متنه وذلك من خمسة أوجه:
أحدها: التأويل بأن يقول الكوفي: الدليل على ترك صرف المنصرف قوله:
وممن ولدوا عامـ
…
ـر ذو الطول وذو العرض
فيقول له البصري: إنما لم يصرفه لأنه ذهب به إلى القبيلة والحمل على المعنى كثير في كلامهم.
والثاني: المعارضة بنص آخر مثله فيتساقطان ويسلم الأول كأن يقول الكوفي: الدليل على أن إعمال الأول في (باب التنازع) أولى قول الشاعر:
وقد نغني بها ونرى عصورا
فيقول له البصري:
هذا معارض بقول الآخر:
لوكن نصفا لو سببت وسبني بنو عبد شمس من مناف وهاشم
والثالث:
اختلاف الراوية كأن يقول الكوفي: الدليل على جواز مد المقصور في الضرورة قوله:
سيغنيني الذي أغناك عني
…
فلا فقر يدوم ولا غناء
فيقول له البصري:
الراوية (غناء) بفتح الغين وهو ممدود.
الرابع: منع ظهور دلالته على ما يلزم منه فساد القياس كأن يقول البصري الدليل على أن المصدر أصل للفعل أنه يسمى مصدرا والمصدر هو الموضع الذي تصدر عنه الإبل فلو لم يصدر عنه الفعل لما سمي مصدرا.
فيقول له الكوفي: هذا حجة لنا في أن الفعل أصل للمصدر فإنه إنما يسمى مصدرا لأنه مصدور عن الفعل كما يقول:
مركب فاره ومشرب عذب أي مركوب ومشروب
ومنها (فساد الوضع)
قال ابن الأنباري:
" وهو أن يعلق على العلة ضد المقتضي كأن يقول الكوفي:
إنما جاز التعجب من السواد والبياض دون سائر الألوان لأنهما أصلا من الألوان.
فيقول له البصري: قد علقت على العلة ضد المقتضي لأن التعجب إنما امتنع من سائر الألوان للزومها المحل وهذا المعنى في الأصل أبلغ منه في الفرع فإذا لم يجز مما كان فرعا لملازمته المحل فلأن لا يجوز مما كان أصلا وهو ملازم للمحل أولى.
والجواب: أن يبين عدم الضدية أو يسلم له ذلك ويبين أنه يقتضي ما ذكره أيضا من وجه آخر ".
ومنها (المنع للعلة)
قال ابن الأنباري: " وقد يكون في الأصل والفرع
وأما المنع في الأصل فمثل أن يقول البصري: إنما ارتفع المضارع لقيامه مقام الاسم وهو عامل معنوي فأشبه الابتداء في الاسم المبتدأ والابتداء يوجب الرفع فكذلك ما أشبهه.
فيقول له الكوفي: لا أسلم أن الابتداء يوجب الرفع في الاسم المبتدأ.
والمنع في الفرع مثل أن يقول البصري: الدليل على أن فعل الأمر مبني أن دراك ونزال وتراك وما أشبه ذلك من أسماء الأفعال مبنية لقيامها قيامه ولولا أنه مبني وإلا لما بنى ما قام مقامه.
فيقول له الكوفي: لا أسلم أن نحو دراك ونزال وتراك إنما بني لمقامه مقام فعل الأمر وإنما بني لتضمنه لام الأمر.
والجواب عن منع العلة أن يدل على وجودها في الأصل أو الفرع بما يظهر به فساد المنع ".
ومنها (المطالبة بتصحيح العلة)
قال ابن الأنباري:
" والجواب أن يدل على ذلك بشيئين: التأثير وشهادة الأصول.
فالأول: وجود الحكم لوجود العلة وزواله لزوالها كأن يقول: إنما بنيت (قبل) و (بعد) على الضم لأنها اقتطعت عن الإضافة.
فيقال: وما الدليل على صحة هذه العلة؟
فيقول: التأثير وهو وجود البناء لوجود هذه العلة ، وعدمه لعدمها ألا ترى أنه إذا لم يقتطع عن الإضافة يعرب فإذا اقتطع عنها بني فإذا عادت الإضافة عاد الإعراب.
والثاني: كأن يقول: إنما بنيت (كيف) و (أين) و (متى) لتضمنها معنى الحرف
فيقال وما الدليل على صحة هذه العلة؟
فيقول: إن الأصول تشهد وتدل على أن كل اسم تضمن معنى الحرف وجب أن يكون مبنيا.
ومنها (المعارضة)
قال ابن الأنباري:
" وهو أن يعارض المستدل بعلة مبتدأة.
والأكثرون على قبولها لأنها دفعت العلة وقيل: لا تقبل لأنها تصد لمنصب الاستدلال وذلك رتبة المسئول لا السائل.
مثلها ان يقول في الإعمال: إنما كان إعما لالول أولى لأنه سابق وهو ثالح للعمل فكان إعماله أولى لقوة الابتداء والعناية به.
فيقول البصري: هذا معارض بأن الثاني أقرب إلى الاسم وليس في إعماله نقص معنى فكان إعماله أولى.
تنبيه
(في ترتيب الأسئلة)
قال ابن الأنباري
" اعلم أن علماء الجدل اختلفوا في ذلك فذهب قوم إلى أنه لا يجب على السائل ترتيب الأسئلة بل له أن يوردها كيفما شاء لأنه جاء مستفهما مستعلما.
وذهب آخرون إلى أنه يجب ترتيبها فعلى هذا أول الأسئلة فساد الاعتبار وفساد الوضع والقول بالموجب والمنع ثم المطالبة ثم النقض ثم المعارضة.
وإنما وجب تقديم فساد الاعتبار وفساد الوضع لأن المعترض يدعي أن ما يظنه قياسا ليس مستعملا في موضعه فقد صادم أصل الدليل والقول بالموجب لأنه يبين أنه لم يدل في موضع الخلاف ولا حاجة إلى الاعتراض والمنع ثم المطالبة لأن المنع إنكار العلة والمطالبة إقرار بالعلة والإقرار بعد الإنكار يقبل والإنكار بعد الإقرار لا يقبل.
ثم النقض لما فيه من تسليم صلاحية العلة لو سلمت من النقض فكان تأخيره عن المطالبة أولى من تقديمه عليها لأن المطالبة لا تتوجه على علة منقوضة.
ثم المعارضة لأنها ابتداء دليل مستقبل في مقابلة دليل المستدل فهي بمنصب الاستدلال أشبه منها بالسؤال ولهذا ذهب من ذهب إلى أنها ليست بسؤال ".
تذنيب
(في السؤال والجواب)
قال ابن الأنباري:
" السؤال طلب الجواب بأداته ومبناه على سائل ومسئول به ومسئول منه ومسؤل عنه.
فالسائل: ينبغي له أن يقصد قصد المستفهم ولهذا قال قوم: إنه ليس له مذهب
والجمهور على أنه لابد له من مذهب لئلا ينتشر الكلام فتذهب فائدة النظر.
وأن يسأل عما يثبت فيه الاستفهام فقد قيل: ما ثبت فيه الاستبهام صح عنه الاستفهام كأن يسأل عن حد النحو وأقسام الكلام فإن سأل عن وجود النطق والكلام كان فاسدا.
وأن لا يسأل إلا عن ما يلائم مذهبه فإن سأل عما لا يلائم مذهبه لم يسمع منه كأن يسأل الكوفي عن الابتداء لم كان عمله الرفع دون غيره؟ فإنه لايرى أنه عامل البتة.
وأن لا ينتقل من سؤال إلى سؤال فإن انتقل عد منقطعا.
والمسئول به أدوات الاستفهام المعروفة وليكن مفهوما غير مبهم كأن يقول ما تقول في اشتقاق الاسم؟
فإن كان مبهما غير مفهوم لم يستحق الجواب كأن يقول: ما تقول في الاسم؟