الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ملخص من المحصول للإمام فخر الدين مع زيادات من شروحه قال:
" اعلم أن معرفة اللغة والنحو والتصريف فرض كفاية لأن معرفة الأحكام الشرعية واجبة بالإجماع ومعرفة الأحكام بدون معرفة أدلتها مستحيل فلابد من معرفة أدلتها والأدلة راجعة إلى الكتاب والسنة وهما واردان بلغة العرب ونحوهم وتصريفهم فإن توقف العلم بالأحكام على الأدلة ومعرفة الأدلة تتوقف على معرفة النحو والتصريف وما يتوقف على الواجب المطلق وهو مقدور للمكلف فهو واجب فإذن معرفة اللغة والنحو والتصريف واجبة ".
قال:
" ثم الطريق إلى معرفتها إما النقل المحض كأكثر اللغة أو العقل مع النقل كقولنا: " الجمع المحلى باللام للعموم " لأنه يصح استثناء أي فرض منه فإن صحة الاستثناء بالنقل وكونه معيار العموم بالعقل.
فمعرفة كون الجمع المذكور له بالتركيب من النقل والعقل ، وأما العقل المحض فلا مجال له في ذلك ".
قال:
" فالنقل المحض: إما تواتر أو آحاد وعلى كل منهما إشكالات.
أما التواتر فالإشكال عليه من وجوه:
أحدها: أنا نجد الناس مختلفين في معاني الألفاظ التي هي أكثر الألفاظ تداولا ودورانا على ألسنة المسلمين اختلافا شديدا لا يمكن فيه القطع بما هو الحق.
كلفظة (الله) فإن بعضهم زعم أنها عبرية وقال قوم: إنها سيريانية والذين جعلوها عربية اختلفوا: هل هي مشتقة أو لا؟
والقائلون بالاشتقاق اختلفوا اختلافا شديدا ومن تأمل أدلتهم في تعيين مدلول هذا اللفظ علم أنها متعارضة وأن شيئا منها لا يفيد الظن الغالب فضلا عن اليقين.
وكذلك اختلفوا في لفظ الإيمان والكفر والصلاة والزكاة.
فإذا كان هذا الحال في الألفاظ التي هي أشهر الألفاظ والحاجة إليها ماسة جدا فما ظنك بسائر الألفاظ؟!
وإذا كان كذلك ظهر أن دعوى التواتر في اللغة والنحو متعذر.
وأجيب عنه بأنه وإن لم يكن دعوى التواتر في معانيها على سبيل التفصيل فإنا نعلم معانيها في الجملة.
فنعلم أنهم يطلقون لفظة الله على الإله المعبود بحق وإن كنا لا نعلم مسمى هذا اللفظ: أذاته أم كونه معبودا أم كونه قادرا على الاختراع أم كونه ملجأ للخلق أم كونه بحيث تتحير العقول في إدراكه؟ إلى غير ذلك من المعاني المذكورة لهذا اللفظ.
وكذا القول في سائر الألفاظ.
الإشكال الثاني: أن من شرط التواتر استواء الطرفين والواسطة.
فهب أنا علمنا حصول شرائط التواتر في حفاظ اللغة والنحو والتصريف في زماننا فكيف نعلم حصولها في سائر الأزمنة؟
وإذا جهلنا شرط التواتر جهلنا التواتر ضرورة لأن الجهل بالشرط يوجب الجهل بالمشروط.
فإن قيل: الطريق إليه أمران:
أحدهما: أن الذين شاهدناهم أخبرونا أن الذين أخبروهم بهذه اللغات كانوا موصوفين بالصفات المعتبرة في التواتر وأن الذين أخبروا من أخبرهم كانوا كذلك إلى أن يتصل النقل بزمان الرسول صلى الله عليه وسلم.
والآخر: أن هذه الألفاظ لو لم تكن موضوعة لهذه اللغات ثم وضعها واضع لهذه المعاني لاشتهر ذلك وعرف فإن ذلك مما تتوفر الدواعي على نقله.
قلنا: أما الأول فغير صحيح لأن كل واحد منا حين يسمع لغة مخصوصة من إنسان فإنه لم يسمع منه أنه سمعه من أهل التواتر وهكذا بل تحرير هذه الدعوى على هذا الوجه مما لا يفهمه كثير من الأدباء فكيف يدعى عليهم أنهم علموه بالضرورة؟ بل الغاية القصوى في راوى اللغة أن يسنده إلى كتاب صحيح أو إلى إسناد متقن ومعلوم أن ذلك لا يفيد اليقين.
وأما الثاني فضعيف أيضا لأن ذلك الاشتهار إنما يجب في الأمور العظيمة وليس هذا منه ، سلمنا أنه منه لكن لا نسلم أنه لم يشتهر فإنه قد اشتهر بل بلغ مبلغ التواتر أن هذه اللغات إنما أخذت عن جمع مخصوص كالخيل وأبي عمرو والأصمعي وأقرانهم ولا شك أن هؤلاء ما كانو معصومين ولا بالغين حد التواتر وإذا كان كذلك لم يحصل القطع واليقين بقولهم.
أقصى ما في الباب أن يقال: نعلم قطعا أن هذه اليلغات بأسرها غير منقوله على سبيل الكذب ونقطع بأن فهيا ما هو صدق قطعا لكن كل لفظة عيناها فإنا لا يمكنا القطع بأنها من قبيل ما نقل صدقا وحين إذ لا يبقى القطع في لفظ معين أصلا.
وهذا هو الإشكال على من ادعى التواتر في نقل اللغات.
هذا كلام الإمام.
وتعفبه الأصبهاني بأن كون اللغة مأخوذة عمن لم يبلغ عدد التواتر لا يصلح أن يكون سندا لمنع عدم شهرة نقل اللغات عن موضوعاتها الأصلية إلى غيرها لأن عدم عصمتهم لا يستلزم وقوع النقل والتغيير بل يثبت به احتماله وذلك لا يقدح في دعوى انتفاء اللازم.
انتهى.
والأمر كما قال.
ثم قال الإمام:
" وأما الآحاد فالإشكال عليه من وجوه:
منها أن الرواة له مجرحون ليسوا سالمين عن القدح.
بيانه: ان أصل الكتب المصنفة في النحو واللغة كتاب سيبويه وكتاب العين
أما كتاب سيبويه فقدح الكوفيين فيه وفي صاحبه أظهر من الشمس.
وأيضا فالمبرد كان من أجل البصريين وهو أفرد كتاب في القدح فيه.
وأما كتاب العين فقد أطبق الجمهور من أهل اللغة على القدح فيه.
وأيضا فإن ابن جني أورد بابا في الخصائص في قدح أكابر الأدباء بعضهم في بعض وتكذيب بعضهم بعضا.
وأورد بابا آخر في لغة أهل الوبر أصح من لغة أهل المدر وغرضه من ذلك القدح في الكوفيين.
وأورد بابا آخر في كلمات من الغريب لا يعلم أحد أتى بها إلا ابن أحمر الباهلي.
وروي عن رؤبة وأبيه أنهما كانا يرتجلان ألفاظا لم يسمعاهاولا سبقا إليها
وعلى ذلك قال المازني: " ماقيس على كلام العرب فهو من كلامهم وأيضا فالأصمعي كان منسوبا إلى الخلاعة ومشهورا بأنه كان يزيد في اللغة ما لم يكن منها.
والعجب من الأصوليين أنهم أقاموا الدلائل على خبر الواحد أنه حجة في الشرع ولم يقيموا الدلالة على ذلك في اللغة وكان هذا أولى وكان من الواجب عليهم أن يبحثوا عن أحوال اللغات والنحو وأن يتفحصوا عن أحوال جرحهم وتعديلهم كما فعلوا ذلك في رواية الأخبار لكنهم تركوا ذلك بالكلية مع شدة الحاجة إليه فإن اللغة والنحو يجريان مجرى الأصل للستدلال بالنصوص.
انتهى.
قال الأصبهاني:
أما قوله: " وأورد ابن جني بابا في كلمات عن الغريب لم يأت بها إلا الباهلي " فاعلم أنهذا القدر وهو انفراد شخص بنقل شيء في اللغة العريبة
لا يقدح في عدالته ولا يلزم من نقل الغريب أن يكون كاذبا في نقله ولا قصد ابن جني ذلك.
وأما قول المازني:" ما قيس
…
إلى آخره " فإنه ليس بكذب ولا تجويز للكذب لجواز أن يرى القياس في اللغات أو يحمل كلامه على هذه القاعدة وأمثالها وهي أن الفاعل في كلام العرب مرفوع فكل ما كان في معنى الفاعل فهو مرفوع.
وأما قوله إن الأصوليين لم يقيموا
…
إلى آخره فضعيف جدا وذلك أن الدليل الدال على أن خبر الواحد حجة في الشرع يمكن التمسك به في نقل اللعة آحادا إذا وجدت الشرائط المعتبرة في خبر الواحد فلعلهم أهملوا ذلك اكتفاء منهم بالأدلة على أنه حجة في الشرع.
وأما قوله: " كان من الواجب أن يبحثوا عن أحوال الرواة
…
إلى آخره فهذا حق فقد كان من الواجب أن يفعل ذلك ولا وجه لإهماله مع احتمال كذب من لم تعلم عدالته.
وقال القرافي في هذا الأخير إنما أهملوا ذلك لأن الدواعي متوفرة على الكذب في الحديث لأسبابه المعروفه الحاملة للواضعين على الوضع.
وأما اللغة فالدواعي إلى الكذب عليها في غاية الضعف.
وكذلك كتب الفقه لا تكاد تجد فروعا موضوعة على الشافعي أو مالك أو غيرهما ولذلك جمع الناس من السنة موضوعات كثيرة وجدوها ولم يجدوها ولم يجدوا في اللغة وفروع الفقه مثل ذلك ولا قريبا منه ولما كان الكذب والخطأ في اللغة وغيرها في غاية الندرة اكتفى العلماء فيها بالاعتماد على الكتب المشهورة المتداولة فإن شهرتها وتداولها يمنع ذلك مع ضعف الداعية له.
فهذا هو الفرق.
ثم قال الإمام:
والجواب عن الإشكالات كلها: أن اللغة والنحو والتصريف ينقسم إلى قسمين:
قسم منه متواتر والعلم الضروري حاصل بأنه كان في الأزمنة الماضية موضوعا لهذه المعاني فإنا نجد أنفسنا جازمة بأن السماء والأرض كانتا مستعملتين في زمنه صلى الله عليه وسلم في معناهما المعروف ز
وكذلك الماء والهواء والنار وأمثالها.
وكذلك لم يزل الفاعل مرفوعا والمفعول منصوبا والمضاف إليه مجرورا.
وقسم منه مظنون وهو الألفاظ الغريبة والطريق إلى معرفتها الآحاد.
وأكثر ألفاظ القرآن ونحوه وتصريفه من القسم الأول.
والثاني فيه قليل جدا فلا يتمسك به في القطعيات ويتمسك به في الظنيات.
انتهى.