المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[كراهة الطلاق وإباحته لمصلحة الزوجين] - الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية - جـ ٢

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌[علامات الساعة وموقف النصارى منها]

- ‌[منافع الحبة السوداء]

- ‌[طهارة محمد- صلى الله عليه وسلم وعلو همته]

- ‌[معجزات محمد- صلى الله عليه وسلم وموقف النصراني منها]

- ‌ الشرط الثالث" الإعجاز

- ‌[المعجزة الخالدة، والرد على النصراني في إنكاره إعجاز القرآن وبلاغته]

- ‌ الشرط الرابع: حسن الشريعة

- ‌[نسخ شريعة محمد- صلى الله عليه وسلم لشرائع الأنبياء قبله]

- ‌[تعدد الزوجات، والطلاق بين الإسلام والنصرانية]

- ‌[الرد على النصراني في ادعائه أن الإسلام أجاز إتيان المرأة في دبرها]

- ‌[كراهة الطلاق وإباحته لمصلحة الزوجين]

- ‌[نكاح المتعة وموقف الإسلام منه]

- ‌[العزل وإباحته في غير معارضة القدر]

- ‌[حد الزنا…وحرص الإسلام على الستر والإغضاء]

- ‌[الاستمتاع بالحائض في زمن الحيض]

- ‌[حكم الحنث فى اليمين وجمعة بين تعظيم الله ورفع الحرج عن المكلفين]

- ‌[متى يباح الكذب وتنزيه الأنبياء منه]

- ‌[حسن العطاس وكراهة التثاؤب]

- ‌[آدب الأكل فى الإسلام وجهل النصارى بها]

- ‌[حكم مرور الكلب الأسود بين يدي المصلي، والرد على النصراني في اعتراضه على ذلك]

- ‌[التورية والمعاريض مندوحة عن الكذب]

- ‌[جسمية الشيطان والرد على النصراني في انكار ذلك]

- ‌[النهي عن مشابهة النصارى غيرهم في أوقات الصلوات]

- ‌[إثبات نصوص الصفات على ما يليق بالله سبحانه]

- ‌[حث محمد- صلى الله عليه وسلم لأمته على طاعة الله والرد على إنكار النصراني لمغفرة الله لذنوب عباده]

- ‌[زيارة النبي- صلى الله عليه وسلم لقبر أمه. وأنه لا محذور في ذلك]

- ‌[الرد على زعم النصراني بأن النبي- صلى الله عليه وسلم لا بدّ أن يعلم الغيب]

- ‌[نفي الضلال عن أمة محمد- صلى الله عليه وسلم وشدة الموت عليه والرد على شبهة النصراني في ذلك]

- ‌[مكان قبض النبي صلى الله عليه وسلم وشدة الموت عليه، والرد على شبهة النصراني في ذلك]

- ‌ حجج واضحة على صحة دين الإسلام وصدق محمد- عليه السلام

- ‌الحجة الأولى:

- ‌الحجة الثانية:

- ‌الحجة الثالثة:

- ‌الحجة الرابعة:

- ‌الحجة الخامسة:

- ‌الحجة السادسة:

- ‌الحجة السابعة:

- ‌الحجة الثامنة:

- ‌الحجة التاسعة:

- ‌الحجة العاشرة:

- ‌الفهارس

- ‌أولا: فهرس الآيات القرآنية

- ‌ثانيا: فهرس الأحاديث والآثار

- ‌ثالثا: فهرس الأشعار

- ‌رابعا: الأمثال

- ‌خامسا: فهرس الألفاظ والمصطلحات المشروحة

- ‌سادسا: فهرس الأعلام

- ‌سابعا: فهرس الأماكن والمواقع والبقاع

- ‌ثامنا: فهرس الفرق والأمم

- ‌تاسعا: فهرس المراجع والمصادر

- ‌عاشرا: فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[كراهة الطلاق وإباحته لمصلحة الزوجين]

[كراهة الطلاق وإباحته لمصلحة الزوجين]

قال:/" وفي هذه السورة «1» : الطَّلاقُ مَرَّتانِ

(229) إلى قوله: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ

(230)«2» وذكر حديث امرأة رفاعة القرظي «3» : (لا. حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك)«4» وكأن حاصل ما ذكره: انكار فراق المرأة بالطلاق أو المرض أو العيب ونحوه. قال:" ولو جاز ترك المرأة لأجل شيء من العيوب، لجاز للمرأة ترك الرجل لذلك. لأنها أحوج إلى الرفق بها لضعفها".

(1) في (أ):" قال هذه السورة".

(2)

سورة البقرة، آية: 229، 230.

(3)

رفاعة بن سموأل، ويقال: رفاعة بن رفاعة القرظي، من بنى قريظة. روي عنه أنه قال:" نزلت هذه الآية: ولَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ [سورة القصص: 51] في عشرة أنا أحدهم"[الاستيعاب: 2/ 500] وامرأته: تميمة بنت وهب، وقيل: سهيمة، وقيل: أميمة بنت الحارث، ورجح ابن حجر في الفتح (9/ 464) الأول. وهو الذي صرح به مالك في روايته.

(4)

أخرجه البخاري في كتاب الشهادات، باب شهادة المختبي، وفي الطلاق باب من جوز الطلاق الثلاث، وباب إذا طلقها ثلاثا ثم تزوجت

وفي مواضع أخرى من صحيحه. كما أخرجه مسلم في النكاح حديث 112 - 115، باب لا تحل المطلقة ثلاثا لمطلقها حتى تنكح

، وأبو داود في الطلاق، باب المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح غيره. والترمذي في النكاح.

باب ما جاء فيمن يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر فيطلقها قبل أن يدخل بها، والنسائي في النكاح باب إحلال المطلقة ثلاثا، وابن ماجه في النكاح، باب الرجل يطلق امرأته ثلاثا

، والدارمي في الطلاق باب ما يحل المرأة لزوجها الذي طلقها

، ومالك في الموطأ في النكاح، باب نكاح المحلل

مرسلا. وأحمد في عدة مواضع من المسند منها (6/ 34).

ص: 644

قال: بل ينبغي أن تمان «1» المرأة ذات العيب لأجل الضرورة ولا تفارق لأن أحد المتعاهدين إذا فارق صاحبه حال المرض والضرورة عدّ قاسيا خائنا".

قلت: أما الطلاق فجائز بإجماع المسلمين، وقد تقدم البحث معه فيه «2» ، وأن النكاح عقد معاوضة في الحقيقة فجاز فسخه كالبيع، نعم جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم «أبغض المباح إلى الله الطلاق» «3» وعليه اشكال، وهو أن البغضة تقتضي الكراهة والإباحة تقتضي التسوية، فالجمع بينهما متعذر.

وأجيب: بأن المباح قد يراد به تساوى الطرفين وقد يراد به القدر المشترك بين المتساوي الطرفين وراجح الترك وراجح من غير جزم وبهذا يستقيم معنى الحديث، لأنه يصير تقديره: أبغض ما للإنسان فعله: الطلاق. وهو أعم من المتساوي وغيره «4» .

(1) تمان: أى يقام عليها. [انظر لسان العرب 13/ 396].

(2)

انظر ص: 626 من هذا الكتاب.

(3)

أخرجه أبو داود في الطلاق، باب كراهية الطلاق، وابن ماجة في الطلاق الباب الأول منه. وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 638):" هذا حديث لا يصح" وقيل إنه مرسل [المقاصد الحسنة ص 12] وأخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب الطلاق 2/ 196 بلفظ:" ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد لم يخرجاه" وقال الذهبي في التلخيص بهامش المستدرك:" صحيح على شرط مسلم".

(4)

قلت: لعل الكراهة في الحديث منصرفة إلى السبب الجالب للطلاق، وهو سوء العشرة، وقلة الموافقة لا إلى نفس الطلاق، فقد أباح الله الطلاق وثبت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم أنه" طلق حفصة ثم راجعها"[رواه أبو داود في الطلاق، باب في الرجعة]، وكانت لابن عمر امرأة يحبها وأبوه يكرهها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك"[أخرجه الترمذي في الطلاق باب ما جاء في الرجل يسأله أبوه أن يطلق زوجته]. والله أعلم.

ص: 645

قوله:" لو جاز ترك المرأة لعيب ونحوه، لجاز لها ترك الرجل".

قلنا: هكذا نقول على تفصيل فيه.

تقريره مختصرا: إن العيب في أحد الزوجين: إما أن لا يخل بمقصود النكاح أو كماله، فلا يثبت به الفسخ، أو يخل بذلك فيثبت به إقامة/ للعدل وإزالة للمكروه عن المكلف.

ثم العيوب الموجبة للفسخ: إما خاص «1» بالرجل كالجب «2» والعنة «3» ، أو بالمرأة كالقرن «4» / والرتق «5» . أو مشترك بينهما كالجنون والجذام والبرص، ولكل من الزوجين فسخ نكاح صاحبه، لما يخل بمقصود «6» نكاحه من ذلك.

(1) هكذا في النسخ الثلاث: والأصح: خاصة.

(2)

الجب: القطع. جبه أي استأصله. والمقصود به: مقطوع الذكر [انظر لسان العرب 1/ 249، والمصباح المنير 1/ 109].

(3)

العنة: وصف للرجل الّذي لا يأتي النساء، أو منع من ذلك بالسحر أو غيره. وسمي بذلك لأنه يعنّ ذكره لقبل المرأة عن يمينه وشماله فلا يقصده.

[انظر لسان العرب 13/ 291، وإكمال الإعلام بتثليث الكلام 2/ 454، وتهذيب الأسماء واللغات 4/ 48].

(4)

في (م): كالعتق، وفي (ش): كالفتق.

والقرن: عظم في الفرج يمنع الوطء، أو لحم ينبت في الفرج فيسده.

[انظر لسان العرب 13/ 335، وإكمال الإعلام 2/ 508، وتهذيب الأسماء واللغات 4/ 91، والمغني لابن قدامة 6/ 651].

(5)

الرتق: أن يكون الفرج ملتصقا لا يدخل الذكر فيه.

[انظر لسان العرب 10/ 114، والمصباح المنير 1/ 259]

(6)

في (أ): مقصود.

ص: 646

قوله:؛ تمان المرأة للضرورة ولا تفارق".

قلنا: فيه إلزام للرجل مكروها، له عنه مندوحة، وذلك ينافي العدل.

قوله:" أحد المتعاهدين إذا فارق صاحبه حال الضرورة عدّ قاسيا خائنا".

قلنا: النكاح من باب العقود العوضية «1» ، لا من باب العهود.

والعقود العوضية «2» يجوز فسخها بعيب وإقالة، فكذلك النكاح يفسخ بالعيوب والخلع، وهو نظير الإقالة في البيع ونحوه، والفرق بين العقد والعهد أن العقد «3» يتضمن عوضا، والعهد لا يتضمن عوضا، وقد أمر الله بالوفاء بالأمرين ومن الوفاء بالعقد، الفسخ عند قيام المقتضى له، ولو كان اجتماع الزوجين على جهة العهد على ما ذكرنا لكان زنا حراما بإجماع المسلمين.

وحينئذ نقول: فسخ العقد لا قسوة فيه ولا جناية، بل إنما ذلك في العهد.

فأما قوله تعالى: وأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً «4» فقال المفسرون/ عقدا مؤكدا. وهي كلمة الله التي أخذها «5» للنساء على الرجال، وهي الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان، قال قتادة:" وكان ذلك يؤخذ عند عقدة النكاح «6» ".

(1) في (أ): العوضة.

(2)

في (أ): العوضة.

(3)

في (أ): أن عقد.

(4)

سورة النساء، آية:21.

(5)

في (ش): أخذها الله.

(6)

تفسير القرطبي 5/ 103، وتفسير الطبري 4/ 315.

ص: 647

نعم: إن شرط في العقد ألا يفسخ أحد من الزوجين بعيب ظهر بصاحبه.

فإن قلنا: لا فسخ بالعيب الحادث، كان هذا الشرط مؤكدا للحكم وإن قلنا يثبت به الفسخ احتمل/ أن يلزمهما بموجب الشرط لقوله عليه السلام:«المسلمون على شروطهم «1» » واحتمل أن يبطل النكاح من أصله، بناء على الشروط الفاسدة في العقود. وأحكام الأنكحة الفاسدة معلومة.

ثم ما ذكره ينتقض بالتلاميذ «2» مع المسيح، حيث آمنوا به وبايعوه على دينه، ثم لما قبض اليهود عليه فروا عنه، خصوصا بطرس التلاميذ الكبير «3» الذي قال له:" لو أنكرك كل واحد «4» لما أنكرتك" ثم أنكره قبل صياح الديك ثلاث مرات «5» ".

فهذا هو ترك العهد لا طلاق الزوجة. فإن قيل: إن تفرقهم عنه كان بإذنه.

(1) أخرجه البخارى معلقا بصيغة الجزم فقال:" وقال النبي- صلى الله عليه وسلم المسلمون عند شروطهم" في كتاب الإجارة، باب أجر السمسرة. وأخرجه أبو داود في كتاب الأقضية، باب في الصلح، والترمذي في كتاب الأحكام، باب ما ذكر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(2)

الحواريون الاثنا عشر الذين آمنوا وتتلمذوا على المسيح بإجماع النصارى [انظر الفارق بين المخلوق والخالق ص: 19].

(3)

ويسمى بطرس الرسول.

(4)

في (م): أحد.

(5)

ذكرت القصة في إنجيل متى الأصحاح السادس والعشرين، وفي إنجيل مرقس الأصحاح الرابع عشر، وفي إنجيل لوقا الأصحاح الثاني والعشرين.

ص: 648

قلنا: وطلاق الزوجة وفراق الزوج بإذن الشارع الذي هو إله المسيح والزوجين وغيرهما من العالم.

فإن منعوا أن ذلك بإذن الله/، عدنا إلى النزاع في تصديق الرسول، وخرجنا عن مسألة إنكار الطلاق.

قال:" ثم إن جاز أن تترك المرأة بلا سبب أو بسبب ضعيف، كما في ملة المسلمين أفضى ذلك بسبب الهجرة والغضب إلى تبديل الزوجات الكثيرة وتنجيسهن واحدة بعد أخرى، وافتضاض الأبكار وتركهن. وذلك يورث البغض بين النساء وأزواجهن وأقربائهن، وذلك خلاف الدين الطبيعي والصيانة والمروءة".

قلت: أما إفضاء ذلك إلى تبديل النساء فلا محذور فيه، بناء على ما ذكرنا من أن النكاح عقد، والمرأة معقود عليه، كالفرس والشاة، لا فرق بينهما إلا أن هذه من الجنس بخلاف الفرس.

وأما تنجيسهن فالجماع لا نجاسة فيه، وإنما هذه لفظة استفادتها النصارى من قول" يعقوب" لابنه/ روبيل:" وطئت سريتي ونجست فراشي «1» " وهذه حكاية باطلة، ثم لو صحت لكان التنجيس هنا مجازا عن انتهاك حرمة فراشه وإلحاق العار به بذلك، والعلاقة المجوزة فيه تأذي الإنسان بلحوق العار، كما يتأذى بلحوق النجاسة، وإن تفاوت «2» الأديان أو يكون أراد نجاسة الفعل يعني قبحه، لاشتراك النجاسة والفعل القبيح في القبح.

(1) انظر سفر التكوين الأصحاح التاسع والأربعين.

(2)

هكذا في النسخ الثلاث. والأصح: تفاوتت.

ص: 649

وأما افتضاض الأبكار وتركهن فتلك متعة أمتع الله بها خلقه، فالمانع منها متحجر فضولي. والدليل على ذلك صريح العقل، فإن الخلق كلهم ذكرهم وأنثاهم عباد الله وإماؤه، فإذا سمح لعبيده بوطء إمائه على وجه مخصوص جاز، كما أن الواحد «1» من الخلق يجوز أن يهب لعبده ألف جارية له، يقول افعل بهن ما شئت، فإنه يجوز أن يتصرف فيهن بسائر التصرفات من بيع وعتق ووطء للبعض دون البعض أو للكل.

والانتقال من واحدة إلى واحدة وغير ذلك، فإن نازعتمونا في أن الله سبحانه أذن لنا في ذلك خرجنا عن المسألة «2» كما سبق.

وأما قوله:" ذلك يورث البغض بين الرجال ونسائهم وأزواجهن"«3» فممنوع. بيانه:

هو أن الشرائع قوانين متبعة لا يخرج عنها من هو من أهلها، فإذا علم الناس من شرعهم جواز التزوج والطلاق، وافتضاض الأبكار وتركهن، وجب عليهم أن لا/ يتباغضوا لذلك ولا يتحاقدوا، كما يجب عليهم أن لا يتباغضوا/ لتأدية الحقوق المالية، كالديون ونحوها، وإن كان أداؤها على خلاف الطبع.

(1) في (أ): للواحد.

(2)

هكذا في النسخ الثلاث.

وصحيح العبارة:"

يورث البغض بين النساء وأزواجهن وأقربائهن" كما تقدم في عبارة النصراني قريبا.

(3)

في (ش): الملة.

ص: 650

وما فائدة الشرع إلا كف الطباع عن الشر الذي جبلت عليه- وهذا منه- فإن غلبتهم النفوس/ على البغضاء والحقد بالطبع كان ذلك مراغمة للشرع فيعصي فاعله ولا يكون بفعله اعتبار، كما أنه لما حرم أخذ المال بغير حق كان فعل قطاع الطريق ونحوهم إثما عليهم يستحقون به العقوبة، وهو ساقط الاعتبار، لا يفيد ملكا ولا يجيز تصرفا، وتصرفات الطبائع لا يلزم موافقتها للشرائع، فما وافق الشرع منها كان حقا كالنكاح، وما خالفه كان باطلا كالسفاح ثم هذا معارض بأن الطلاق إن كان يفضي إلى التباغض فلزوم النكاح أبدا والحبس على زوجة واحدة يفضي إلى تكره كل منهما بالآخر وتبرمه به، وتضجره منه، وقل أن يطيب مع ذلك عيش لبهيمتين، فضلا عن إنسانين فتدوم المفسدة، وربما انتفى لذلك مقصود النكاح، وربما أفضى إلى مفارقة الدين.

كما حكي أن بعض النصارى تزوج امرأة فلما دخلت عليه رآها عوراء فقال: عورتا، قالت: بلستا «1» . قال:" محمد بن عبد الله" على الباب، ثم خرج فأسلم.

فحجز الدين ما بينهما «2» ، فلو كان في دين النصارى فسحة في الطلاق

(1) هكذا في (م)، وفي (أ): بلشتا. والإبلاس: الانكسار والانقطاع والسكوت، يقال: أبلس فلان إذا سكت غما. [انظر مختار الصحاح ص 63، والمصباح المنير 1/ 76، ولسان العرب 6/ 30].

(2)

قلت: لا يحجز الدين بين المسلم والكتابية بل يجوز للمسلم أن يتزوج النصرانية بالعقد الصحيح. إلا أن يكون مراد المؤلف أنه أسلم فطلق فحصل الطلاق بخروجه من دين النصارى الذين يحرمون الطلاق.

ص: 651

لقال عوض كلمة الإسلام: أنت طالق، ثم استراح منها، ولم يحتج إلى فراق دين يعتقدونه حقا إلى دين يعتقدونه باطلا. مع أن فراق كل من في الدنيا أهون من فراق الدين.

فإن قلت: نحن مع قولنا بلزوم النكاح أبدا، وارتباط الرجل على زوجته يوجب على كل منهما احتمال صاحبه وعشرته بالمعروف، وأن لا يتبرم به، ولا يتضجر منه، فإن خالف ذلك كان فعله خلاف الشرع «1» ، وهو غير معتبر.

قلنا: فقل في الطرف الآخر هكذا، وهو أنا/ إذا اخترنا الطلاق والفراق أوجبنا على الرجال والنساء أن لا يغضبوا، ولا يحقد بعضهم على بعض فإن خالفوا ذلك كان فعلهم على خلاف الشرع، وهو غير معتبر.

ثم يترجح ما قلناه بوجهين:

أحدهما: أنه إذا لم يكن بد من البغضة الطبيعية، فتباغض الزوجين بعد أن يصيرا أجنبيين أسهل من تباغضهما في عصمة النكاح مجتمعين لافضاء ذلك إلى تكدر عيشهما باجتماعهما، وربما/ غلبت المرأة لوفور شهوتها وقلة دينها وعقلها على أن تقتل زوجها بسم أو غيره لتستريح منه وتصير إلى غيره، وكم قد وقع مثل هذا، وذلك مأمون بعد الفراق.

الثاني: أن الفرقة عذاب، والعذاب مؤدب. فإذا افترقا ربما استقام أحدهما للآخر، فعادا بعد نكاح جديد أو قبله بخلاف ما إذا داما مجتمعين فإنه لا يرجى لهما استقامة، بل كلما جاءا في سآمة وملل وتضجر وتبرم- والله أعلم-.

(1) في (أ) للشرع.

ص: 652

قال:" وأيضا ما أشد ما يكون ظلم النساء بوقوع الطلاق عليهن بلا ذنب".

قلت: هذه غفلة عن الصواب. فإن الطلاق فسخ عقد معاملة لا إيقاع معاقبة، وإنما يكون ظلما إيقاع العقوبة بلا ذنب، ولو كان الطلاق عقوبة/ لوجب أنها إذا زنت ونجست فراشه تكون استدامة نكاحها أفضل في حقه، للإجماع من عقلاء العالم، على «1» أن الحلم عن الذنب أفضل من العقوبة عليه، وهذا لا يقول به عاقل، اللهم إلا أن تكون رياضة النفوس قد بلغت بالنصارى إلى رتبة القيادة، والصبر على الدياثة «2». فقد قال بعض الحكماء: إن أربعا من الأمم أكثروا «3» من أكل أربع، فأورثتهم أربعا: فالترك/ أكثروا من لحم الخيل فأورثهم القوة والقسوة، والعرب أكثروا من لحم الإبل فأورثهم الحقد والكرم، والحبشة أكثروا من لحم القردة فأورثهم الرفض «4» ، والنصارى أكثروا من لحم الخنزير فأورثهم الدياثة وعدم الغيرة «5» .

(1) على: سقطت من (م).

(2)

القيادة: المطاوعة في الدياثة، والدياثة: هي أن يرى الرجل العار فى امرأته وقريباته. ومنه ما أخرجه أحمد- رحمه الله في مواضع من المسند عن عبد الله بن عمر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال:" ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث"[انظر المسند (1/ 69، 128)].

(3)

في (أ): أكثر.

(4)

الرفض: الترك والتفرق. [انظر لسان العرب 7/ 156].

(5)

لم أقف على قائل هذا القول فيما اطلعت عليه من المراجع مثل: الحيوان للجاحظ، وحياة الحيوان للدميري، وعجائب المخلوقات والحيوانات للقزويني.

ص: 653

ونقل القرطبي في تفسيره «1» عن محمد بن سيرين «2» أنه قال:" ليس شيء من الدواب يعمل عمل قوم لوط إلا الخنزير والحمار".

فلعل النصارى ورثوا من أكل لحم الخنزير اللواط بصبيانهم، حتى اكتفوا بالواحدة من نسائهم، وعدم الغيرة حتى صبروا معهن على القيادة.

قال:" وأيضا فإن هذا يفضي إلى انقطاع النسل الذي هو أعظم خير في الزواج إذ يجوز لكل واحد منهم في اليوم أن يتزوج أربعا ويطلقهن، ويأخذ أربعا غيرهن كذلك في جميع زمانه، وهذه ليست سنة العقلاء والأعفاء بل سنة الفجار والعواهر، بل سنة الكلاب والحمير".

قلت: هذا جهل منه بحكم دين الإسلام. فإن الرجل لو تزوج أربعا وطلقهن في يوم واحد جاز ذلك له، والنسب محفوظ بوجوب العدة/ إذ به يتبين

(1) ج 7/ 245. ط وزارة الثقافة بمصر سنة 1387 هـ/ 1967 م.

(2)

شيخ الإسلام أبو بكر محمد بن سيرين الأنصارى الآنسي: مولى أنس بن مالك خادم رسول الله- صلى الله عليه وسلم، كان أبو محمد من سبي جرجرايا- من أعمال النهروان بين واسط وبغداد من الجانب الشرقي- تملكه أنس ثم كاتبه على ألوف فوفاه قبل حلوله، فتمنع أنس من أخذه لما رأى سيرين قد كثر ماله من التجارة، فاحتكما عند عمر- رضي الله عنه فألزم أنس بالتعجيل. ولد محمد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان- رضي الله عنه كان ثقة مأمونا عالما رفيعا فقيها، وكان به صمم امتدحه كثير من علماء الجرح والتعديل. توفي- رحمه الله سنة عشر ومائة من الهجرة.

[انظر سير أعلام النبلاء 4/ 606 - 622، والبداية والنهاية 9/ 267].

ص: 654

الحمل فيلحق بأبيه، وإن لم يكن حمل فلا محذور، وحينئذ يكون فهمه: هو فهم الكلاب والحمير، لا سنة المسلمين «1» .

قال:" وأيضا. ما أقبح وأشنع توقف رجوع المرأة بعد طلاقها إلى زوجها على نكاح غيره، إذ تأبى ذلك نفس الرجل والمرأة، وذلك خلاف الطبيعة بالنسبة إلى الناس بل إلى كثير من الدواب والطيور كالأسد والدب، فإن كل واحد من أشخاص هذه الأنواع لا يتعدى إلى أنثى الآخر".

قلت: لو عقل هذا العلج لكفاه هذا الحكم في الدلالة/ على حكمة شريعة الإسلام وصحتها ولكن:

لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي «2»

(1) قلت: ثم إن كلام النصراني مبالغة فليس ما قاله مع حله حاصلا من المسلمين، فإنه كما تقدم- لا يلجأ المسلمون إلى الطلاق إلا في حالة تعذر استمرار الحياة الطيبة والألفة بين الزوجين، وليس الطلاق عند المسلمين كما يفهم من كلام النصراني وهو الطواف على عدة نساء في فترة وجيزة بعقد النكاح، وليس كذلك. فإن الطلاق عند المسلمين نادر لا يلجئون إليه إلا عند تعذر دوام المحبة والرحمة.

(2)

نسبه الحسن بن مسعود بن محمد اليوسفي المتوفى سنة 1102 هـ. في كتابه" زهر الأكم في الأمثال والحكم (2/ 249) إلى عز الدين المقدسي، وهو عبد السلام بن أحمد بن غانم الواعظ الشاعر الفصيح الذي نسج على منوال ابن الجوزي وأمثاله. ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية (13/ 289) يقول اليوسي: إن مجموعة الأبيات التي أوردها عنه ومنها هذا البيت في كتاب ابن غانم" كلام الطيور والأزهار" قلت: وله كتاب مطبوع اسمه:" كشف الأسرار عن حكم الطيور والأزهار" فلعله هذا الكتاب.

ص: 655

وبيان ذلك: أن الشارع لما علم من طبيعة البشر كراهة ذلك، والنفور منه جعله شرطا في جواز ارتجاع الرجل زوجته، ليكون ذلك مانعا له من المبادرة بطلاقها، وحاملا لكل من الزوجين على عشرة الآخر بالمعروف، واحتمال بوادره وسوء أخلاقه. فكان اشتراط نكاح المرأة زوجا غير مطلقها مفضيا إلى نفيه وتقليله جدا، حتى أن هذا إنما يقع في النادر بالنسبة إلى كثرة الأنكحة وللطلاق «1» ، ونظيره القتل بالقصاص ناف للقتل بالعدوان ومقلل له، وإليه الإشارة بقوله تعالى:

وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا

(179)«2» وتقول العرب:" القتل أنفى للقتل «3» " ويقول الشاعر:

بسفك الدما يا جارتي تحقن الدما وبالقتل تنجو كل نفس من القتل «4» وأما الأسد والدب ونحوهما فليسوا مكلفين،/ حتى يشرع في حقهم ما يمنعهم من المبادرة إلى الطلاق، وإنما كان ذلك فيهم طبيعة.

(1) في (ش)، (م): والطلاق.

(2)

سورة البقرة، آية:179.

(3)

في كلمة" أنفى" عدة روايات. قيل: أنقى. وقيل: أنقى. وقيل: أوقى.

[انظر تفسير القرطبي 2/ 245. وتفسير ابن عطية 2/ 65، وتفسير القاسمي 3/ 62].

(4)

لم أقف على اسم قائله، ولعله من شعر المؤلف.

ص: 656