الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مكان قبض النبي صلى الله عليه وسلم وشدة الموت عليه، والرد على شبهة النصراني في ذلك]
وذكر حديث عائشة «1» : أن النبي- صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه: (أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟) يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه «2» يكون حيث شاء فكان في بيتي حتى مات في اليوم الذي كان يدور عليّ فيه، فقبضه الله، وإن رأسه لبين سحري «3» ونحري، وخالط ريقي ريقه في آخر أيامه من الدنيا «4» " ولقد اشتد عليه الموت حتى لا أكره شدة الموت لأحد بعده «5» ".
(1) كلمة:" عائشة" ليست في (أ).
(2)
في (أ): أزواجا.
(3)
سحري: السحر: هو الصدر. [انظر فتح الباري 8/ 139].
(4)
هذا الحديث أخرجه البخاري بعدة ألفاظ في كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم (96)، وفي كتاب فرض الخمس، باب ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
…
(4)، وفي كتاب المغازي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته (83)، وفي النكاح، باب إذا استأذن الرجل نساءه أن يمرض في بيت بعضهن فأذن له (104)، وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة، باب في فضل عائشة، حديث (84)، بلفظ مختصر.
(5)
هذه الزيادة أخرجها الترمذي فى حديث مستقل بلفظ غير هذا، في كتاب الجنائز، باب ما جاء فى التشديد عند الموت، حديث 979، عن عائشة قالت:" ما أغبط أحدا بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله- صلى الله عليه وسلم"، وفي سنده ضعف. وأخرجه النسائي في كتاب الجنائز، باب شدة الموت، قالت:" مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم وأنه لبين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم" قلت: ورجاله ثقات. وأخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز، باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم، حديث 1622، بلفظ:" ما رأيت أحدا أشد عليه الوجع من رسول الله- صلى الله عليه وسلم" وأحمد في المسند (6/ 64) بلفظ النسائي، ورجاله ثقات.
وروى البخاري فى كتاب المرضى، باب شدة المرض. (2) قالت:" ما رأيت أحدا أشد عليه الوجع من رسول الله- صلى الله عليه وسلم".
قلت: ووجه السؤال فيه من وجهين:
أحدهما: أنه لم يغفل عن لذة النكاح التي هي عار عند الخصم حتى في مرض الموت./
الثاني: أن شدة الموت عليه عقوبة، فدل «1» أنه كان يستحقها.
قلت: والجواب عن الأول من وجهين:
أحدهما: أن النكاح قد بينا أنه عبادة وهو من سنن المرسلين، والقول بأنه عار سفه.
الثاني: أنه كان يحب عائشة ويألفها أكثر من غيرها، ولهذا كان يقول:(هذا قسمي فيما أملك فهب لي ما لا أملك «2»)، ولا يلزم من ألف الشخص صاحبه أن يكون يستمتع به من جهة اللذة المشهورة، بل يصير الميل إليه خلقا للنفس حتى مع الغفلة عن اللذة.
(1) لو كانت العبارة:" فدل على أنه يستحقها" لكانت أوضح وأصح.
(2)
هكذا لفظه عند المؤلف، ولفظه عند أبي داود في كتاب النكاح، باب في القسم بين النساء:" اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"، وهو عنده موصول ورجاله ثقات، وأخرجه النسائي في عشرة النساء، باب ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض. ورجاله ثقات، والترمذي في النكاح، باب ما جاء في التسوية بين الضرائر، وقال:" حديث عائشة هكذا رواه غير واحد عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة أن النبي
…
، ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة مرسلا أن النبي .. ، وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة" اهـ، وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 187) وقال:" هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" اهـ، وألفاظهم نحو لفظ أبي داود.
والجواب عن الثاني: أن لحوق المشاق في الدنيا من أسباب النعم الأخروية، خصوصا شدة الموت فإنه آخر ما يكفر به عن العبد المؤمن ذنوبه إن كان له ذنوب، وإلا رفع به درجات في الجنة، ولهذا يرى غالب المؤمنين أهل بلاء في الدنيا، وغالب/ الكفار أهل عافية.
وفي الحديث النبوي الصحيح: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر «1» » وفي المثل العامي:" المؤمن ملقى، والفاجر موقى «2» " ثم لو كان لحوق المشقة في الدنيا عقوبة لوجب أن يكون إلقاء إبراهيم في النار، وعمى إسحاق ويعقوب، وما جرى ليوسف، وحزن أبيه عليه، وبلاء أيوب، وما قاساه موسى وهارون من بني إسرائيل وقوم فرعون، وقتل يحيى وزكريا وغيرهم من الأنبياء، وإهانة اليهود للمسيح، ثم قتله وصلبه «3» ، وما جرى لتلاميذه بعده وقتل" جرجيس «4» " أربع مرات ثم يعيش، وحبس يونس في جوف الحوت ونحو ذلك عقوبات في حقهم، واحد لا يقول بذلك.
(1) أخرجه بهذا اللفظ الإمام مسلم في أول الزهد، والترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، حديث 2324، وقال:" هذا حديث صحيح"، وابن ماجه في الزهد، باب مثل الدنيا حديث 4113، وأحمد في المسند (2/ 323، 389، 485).
(2)
هذا المثل العامي لم أجده فيما بين يدي من المراجع.
(3)
علي زعم النصارى.
(4)
انظر فيما حصل لجرجيس. تاريخ الطبري 2/ 24 - 36.
وأما قول عائشة:" خالط/ ريقي ريقه" فليس ذلك بمباشرة استمتاعية، بل لأن النبي- صلى الله عليه وسلم كان مستندا/ إلى صدرها فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر أخو عائشة ومعه سواك يستاك به فأتبعه النبي- صلى الله عليه وسلم بصره، فقالت له عائشة: آخذه لك يا رسول الله، فأومأ برأسه، أي نعم- وكان يحب السواك لأنه كما قال- عليه السلام:(مطهرة للفم، مرضاة للرب «1») - فأخذته من أخيها فمضغته بفمها حتى لان، ثم أعطته النبي «2» صلى الله عليه وسلم فاستاك به «3» . فذلك هو المراد باجتماع ريقهما.
(1) قوله: (مطهرة للفم مرضاة للرب) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الصوم، باب سواك الرطب واليابس للصائم (27)، معلقا بصيغة الجزم عن عائشة، والنسائي موصولا في كتاب الطهارة، باب الترغيب في السواك وفي سنده من ليس بالقوي، وابن ماجه في كتاب الطهارة، باب السواك، حديث 289، وفي سنده ضعف، والدارمي في كتاب الوضوء، باب السواك مطهرة للفم، وفي سنده ضعف، وأحمد في المسند (2/ 3، 10) وفي (6/ 47، 62، 124، 238) من طرق كلها عن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه، وهما مقبولا الحديث. قلت: ولعل الحديث بمجموع طرقه حسن لغيره. والله أعلم.
(2)
في (ش): للنبي.
(3)
قصة دخول عبد الرحمن بالسواك وإعطاء عائشة للنبي- صلى الله عليه وسلم في آخر أيامه أخرجها البخارى فى المغازي، باب مرض النبي- صلى الله عليه وسلم ووفاته (83) بلفظين مختلفين، وأحمد في المسند (6/ 48، 200، 274).