الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحجة الرابعة:
أن محمدا- صلى الله عليه وسلم أقر اليهود والنصارى «1» في شريعته بالجزية، مع علمه بأنهم يكذبونه ويقدحون في صدقه، وما «2» كان ذلك منه إلا مراعاة لحرمة كتابهم/ وأنبيائهم لأنه علم أنهم وإن تصرفوا فيها بالتبديل والتحريف لكنهم «3» لم يحرفوا الجميع، إنما حرفوا ما كان تحريفه مهما عندهم، فهم على بقايا من شرائعهم، فراعاهم لذلك وجعل عقوبة كفرهم به: دفع «4» الجزية والصغار عليهم.
ومن المعلوم أنه لو كان ملكا محضا لا نبوة له لأخلى «5» الأرض منهم على تكذيبهم له، وعدم طاعته لأن هذا شأن الملوك. لا يستبقون من خشوا عاقبته/ خصوصا «6» ، ولم يكن يخفى عليه أن جنس الملتين يبقى بعده، ويتطرق منها تشكيك أمته بالشبهات والترهات، وذلك مما يضعف الناموس فلما تركهم بالجزية دل على أنه مأمور فيهم من الله بما لا تصبر عليه نفوس البشر.
ولا يتجه على هذه الحجة إلا أن يقال: لعله تركهم ليستنبط له من/ تركهم هذه الشبهة ويوهم الناس العدل وأخلاق النبوة.
(1) في (أ): والنصراني.
(2)
في (م): وأما.
(3)
عبارة (أ):" والتحريف المفهم لم يحرفوا".
(4)
في (ش)، (م): وضع الجزية.
(5)
في (م): لا خلاء.
(6)
في (أ): خضوعا.
لكن الجواب عنها أنه لو كان قصده ذلك لكان ذلك يحصل له بأن يعف عنهم في حياته فقط، ولا كان يوصي بهم كما أوصى بأمته حتى قال:(أنا بريء ممن وافاني يوم القيامة ولذمي عليه مظلمة «1»). وقال (لهم ما لكم وعليهم ما عليكم «2»).
وهذا أبو حنيفة- رحمه الله أول أئمة الإسلام وشيخ السلف يقتل المسلم بالذمي لهذا الحديث، وروى فى مسنده بإسناد متصل أن النبي- صلى الله عليه وسلم أقاد
(1) لم أجده بهذا اللفظ وما وجدت في الموضوع إلا ما رواه أبو داود في الخراج والإمارة
…
، باب في تعشير أهل الذمة
…
:" ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة". وفيه رجال مجهولون.
(2)
أورده الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة برقم (1103) بلفظ:" لهم ما لنا، وعليهم ما علينا. يعني أهل الذمة"، وقال:" باطل لا أصل له"، قلت: وليس لأهل الكتاب: اليهود والنصارى، ما للمسلمين وعليهم ما عليهم إلا إذا دخلوا دين الإسلام بدليل ما رواه الإمام أحمد فى مسنده (3/ 199، 225) بسند صحيح أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا شهدوا واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا، فقد حرمت علينا دماؤها وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم)، وأكثره في صحيح البخارى، وفيه:"
…
سأل ميمون بن سياه، أنس بن مالك قال: يا أبا حمزة ما يحرّم دم العبد وماله؟ فقال: من شهد ألا إله إلا الله واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم: له ما للمسلم وعليه ما على المسلم". [كتاب الصلاة، باب فضل استقبال القبلة].
قلت: وهذان الحديثان دليل على بطلان الحديث السابق- والله أعلم-.
مسلما بكافر «1» ، فلولا أنه مأمور فيهم من الله تعالى بالاستبقاء، ولو «2» كان ملكا محضا يحب الرئاسة وإقامة الناموس لكان استبقاهم حال حياته وسكت عن الوصية فيهم بعد موته. حتى كان المسلمون قد أخلوا منهم الأرض ولم يبق منهم من يورد هذه الشبه على دينه.
(1) لم أجده في مسند أبي حنيفة، ولكن وجدت في مصنف ابن أبي شبية (9/ 290)، وسنن البيهقي (8/ 30 - 31)، وسنن الدارقطني (3/ 135) " أن النبي- صلى الله عليه وسلم قتل رجلا من أهل القبلة قتل رجلا من أهل الذمة وقال: أنا أحق من وفىّ بالذمة" ولا يصح هذا الحديث عند أحد منهم، أو من علماء الحديث غيرهم. [انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني 1/ 471 - 476] ويعارضه أحاديث في بيان أن المسلم لا يقتل بالكافر الذمي أو غيره، ومنها ما أخرجه البخاري في كتاب الديات، باب العاقلة، باب لا يقتل المسلم بالكافر،" وألا يقتل مسلم بالكافر" وقد أخرجه أبو داود في الديات، باب أيقاد المسلم بالكافر، والترمذي في الديات، باب لا يقتل مسلم بكافر، والنسائي في القسامة، باب القود بين الأحرار والمماليك في النفس، وابن ماجه في الديات، باب لا يقتل مسلم بكافر، وأحمد في مواضع من المسند منها (1/ 79، 119، 2/ 178) أما قتل الذمي المعاهد فهو إثم كبير كما روى البخاري في الديات، باب إثم من قتل ذميا بغير جرم، أن النبي- صلى الله عليه وسلم قال:«من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما» . فهذا وعيد شديد في قتل المعاهد بدون جرم.
(2)
لو: ليست في (م).