الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[معجزات محمد- صلى الله عليه وسلم وموقف النصراني منها]
قال:"
الشرط الثالث" الإعجاز
ولم يأت محمد بمعجز، ولا خارق من خوارق العادة.
قال: والدليل على ذلك: ما جاء في كتاب «1» السير أن أشراف قريش اجتمعوا عند الكعبة. فقالوا: يا محمد ما أدخل أحد على قومه ما أدخلت علينا لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسببت الآلهة فإن كنت تريد السيادة سودناك، أو المال أغنيناك أو كان بك جنون بذلنا أموالنا وأبرأناك. فقال:" لا شيء من ذلك كله، بل الله أرسلني إليكم بشيرا ونذيرا" قالوا: فإن كنت غير قابل/ ما عرضناه عليك، فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلدا منا، ولا أشد عيشا، فسل ربك- إن كنت نبيا- فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليخرق فيها «2» أنهارا، كأنهار الشام والعراق «3» ، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن في من مضى منهم «4»
(1) هكذا في النسخ الثلاث والصحيح: كتب.
(2)
في (م): منها.
(3)
العراق: البلد المشهور ما بين حديثة الموصل إلى عبّادان طولا، وما بين عذيب القادسية إلى حلوان عرضا، وسميت بذلك لأن اسمها بالفارسية إيران فعربتها العرب وقالوا: عراق. لاستواء أرضها وخلوها من الجبال وقيل غير ذلك.
[انظر مراصد الاطلاع 2/ 926].
(4)
منهم: ليست في (م).
" قصي بن كلاب"«1» فإنه كان شيخ صدق، فنسألهم عما تقول، فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك، وعرفنا لك منزلتك من الله. وأنك رسوله.
فقال لهم:" ما بهذا بعثت إليكم إنما جئتكم من الله بالذي «2» بعثني به" قالوا: فسل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك فيما تقول، ويراجعنا «3» عنك، وسله فليجعل لك خياما وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي بالأسواق وتلتمس المعايش «4» كما نلتمسها.
قال:" ما أنا بفاعل. ولا أسأل ربي هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا".
قالوا: فأسقط السماء علينا كسفا. وقالوا كثيرا حتى انتهى مقالهم إلى أن قالوا:/ أما علم ربك أنا سنسألك عما سألناك عنه فعلمك بما تراجعنا به «5» ،
(1) قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي: سيد قريش في عصره ورئيسهم ويقال: بأنه أول من كان له ملك من بني كنانة. وهو الأب الخامس في نسب النبي صلى الله عليه وسلم، مات أبوه وهو طفل فتزوجت أمه رجلا من بني عذرة، انتقل بها إلى أطراف الشام فشب في حجره، وسمى قصيا لبعده عن قومه. ويرى المؤرخون بأن اسمه: زيد أو يزيد، ولما كبر عاد إلى بلده. وقد عرف بالدهاء. هدم الكعبة وجدد بناءها. وكانت له الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء. لا ينازع ولا يفخر عليه فاخر. مات بمكة ودفن بالحجون.
[انظر الأعلام 5/ 198 - 199، طبقات ابن سعد 1/ 66 - 73].
(2)
في (أ): الذي.
(3)
في (أ): وتراجعنا.
(4)
في (ش): المعاش.
(5)
«به» : ليست في (ش)، وعبارة (أ): أنا سنسألك عنه فيعلمك بما تراجعنا
…
".
ويخبرك بما هو صانع بنا «1» ، إذ لم نقبل منك/ ما جئتنا به «2» .
قد بلغنا: أنه إنما يعلمك بهذا رجل باليمامة «3» يقال له: الرحمن «4» وإنا- والله- لا نؤمن بالرحمن أبدا.
ثم انصرف محمد حزينا إلى أهله «5» .
قال:" أفلا ترى كيف سألوه عن جملة معجزات، فلم يأت بواحدة، فظهر أنه إنما كان يعلمه القرآن: الرحمن الذي ذكروه، لا غير".
(1)" بنا" سقطت من (أ)، (ش).
(2)
في (أ):" ما جبيتنا له .. ".
(3)
اليمامة: بلد كبير في نجد فيه قرى وحصون وعيون ونخل، كان اسمها أولا: جوا، [مراصد الاطلاع 3/ 1483]، قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات (4/ 201)" مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف وأربع من مكة سميت باسم جارية زرقاء كانت تبصر الركب من مسيرة ثلاثة أيام، يقال: أبصر من زرقاء اليمامة فسميت اليمامة لكثرة ما أضيف إليها والنسبة إليها يمامي" اهـ. والصحيح أنها في نجد وليست في اليمن كما سيأتي في التعليق التالي لهذا.
(4)
هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي- من بني حنيفة- الوائلي المتنبّئ الكذاب من المعمرين، اشتهر بالكذب فصار في الأمثال:" أكذب من مسيلمة" ولد ونشأ باليمامة المسماة اليوم بالجبيلة بقرب العيينة بوادي حنيفة في نجد. وتلقب في الجاهلية بالرحمن وعرف برحمن اليمامة، قدم قومه إلى مكة فأسلموا ولم يسلم وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أشركه معه في الرسالة، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بكتابه المشهور. ظهرت فتنته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقض عليها إلا في خلافة أبي بكر بقيادة خالد بن الوليد، فقتل مسيلمة، وذلك في سنة ثنتي عشرة من الهجرة. [الكامل في التاريخ 2/ 203، 204، 243، والأعلام 7/ 226].
(5)
ذكر القصة كاملة ابن جرير الطبري في تفسيره (15/ 164 - 166) والقرطبي في تفسيره (10/ 328 - 329) وابن كثير في تفسيره (3/ 63 - 64)، وابن هشام في السيرة (1/ 297)، وذكر السهيلي أن ابن إسحاق ذكر هذه القصة [انظر الروض الأنف 2/ 50].
قلت:/ أما قوله: إن محمدا لم يأت بمعجز فسنذكر من معجزاته ما يكتفي ببعضه العاقل، وأما ما ذكر من أنه لم يجب قريشا إلى ما سألوه من المعجزات فجوابه من أربعة أوجه:
أحدها: أنه علم أنهم معاندون، وأنه لو أتاهم بذلك لم يؤمنوا «1» ..
والدليل على ذلك في كلامهم. فإنهم قالوا له: أزل عنا هذه الجبال، وخرق لنا الأنهار في أرضنا، وأوسعها «2» علينا، وابعث لنا آباءنا مع" قصي «3» " فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك.
فعلقوا تصديقهم له على شريطين: إزالة الجبال ونحوها، وتصديق الموتى [له، ولم يكتفوا بأحد الشرطين. ولا شك أن من له نية في متابعة الحق يكتفي ببعض ذلك. فإن بعد تصديق الموتى]«4» له في ذلك لا يبقى إلا العناد. فلما علم
(1) قال الله تعالى في سورة الأنعام (4): وما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ وقال تعالى في نفس السورة: 25 ومِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وفِي آذانِهِمْ وَقْراً وإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها
…
الآية. وقال في نفس السورة أيضا 123 - 124: وكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وما يَشْعُرُونَ (123) وإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ
…
والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة في هذه السورة وفي غيرها.
(2)
في (أ): ولوسعها.
(3)
في (ش): قصي بن كلاب.
(4)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ش).
عنادهم لم يجبهم إلى ذلك. ولهذا أوحى الله إليه: ولَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ
…
(111)«1» .
وكذلك كان. فإنه لم يؤمن من قريش إلى يسير أول الأمر.
الوجه الثاني: أنه علم باستقراء أحوال الأمم الخالية مع أنبيائهم أنه إن «2» عاجلهم بإظهار الآيات مع ما علمه منهم من العناد، أنهم يهلكون كما هلك قوم فرعون «3» بعد إظهار موسى آياته وعاد «4» وثمود «5» وغيرهم، وكما مسخ قوم
(1) سورة الأنعام، آية:111.
(2)
«أن» سقطت من (أ).
(3)
فرعون: هو الوليد بن مصعب (فرعون موسى) قيل: إنه من العمالقة. وقيل: إنه فرعون يوسف عمّر إلى أيام موسى. وقيل: هو من القبط، وهو الذي ادعى الربوبية كما حكى ذلك عنه القرآن: فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات: 24] وكان له دولة عظيمة، وكان وزيره هامان.
قتل الأطفال الذكور من بني إسرائيل بأمر منه عند ما أخبره بظهور موسى الذي أنجاه الله وألقته أمه في اليم بأمر من الله والتقطه آل فرعون وتحقق أمر الله وهلك فرعون بالغرق وجنوده.
والقصة معروفة لكل مسلم. [انظر البداية والنهاية 1/ 268 وما بعدها وتاريخ ابن جرير 1/ 405 فما بعدها].
(4)
عاد: قبيلة من القبائل أرسل الله إليهم نبيه هود عليه الصلاة والسلام بعد أن كان الرجل منهم ليتخذ المصراع من حجارة، ولو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يقلّوه، وإن كان أحدهم ليدخل قدمه في الأرض فتدخل فيها. ولكنهم لما كذبوا بآيات الله وجحدوا فأهلكوا بريح صرصر عاتية. [انظر تفسير القرطبي 20/ 44].
(5)
ثمود: قوم صالح عليه السلام اشتهروا بقوتهم، وهم أول من نحت الجبال والصور والرخام. بنوا من المدائن ألفا وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة، ومن الدور والمنازل ألفي ألف وسبعمائة ألف كلها من الحجارة أيضا. قال الله تعالى عنهم: وكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ [سورة الحجر 82] وكانوا لقوتهم يخرجون الصخور، وينقبون الجبال، ويجعلونها بيوتا لأنفسهم.
[انظر تفسير القرطبى 20/ 48].
من قوم المسيح: خنازير، لما لم يؤمنوا بعد نزول المائدة «1» ، ونحو ذلك فأراد التمادي بهم رجاء أن يفيئوا إلى الحق.
وقد جاء في الحديث أنه- عليه السلام قال: «خيرت بين أن يجعل الله لي الصفا/ ذهبا ثم إن لم يؤمنوا هلكوا، وبين أن ينظروا حتى أدعوهم إلى الإسلام فاخترت أن ينظروا» «2» معنى الحديث هذا، فهو «3» عليه السلام كان
(1) انظر تفسير الطبري 7/ 136، وتفسير القرطبي 6/ 369، عند تفسير قوله تعالى: إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا ونَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا ونَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وآخِرِنا وآيَةً مِنْكَ وارْزُقْنا وأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (115)[سورة المائدة 112 - 115]. وأخرج الترمذي في تفسير سورة المائدة عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد، فخانوا وادخروا ورفعوا لغد فمسخوا قردة وخنازير" وقال الترمذي: إن هذا الحديث موقوف على عمار، ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث الحسن بن قزعة.
(2)
أخرج الإمام أحمد رحمه الله في المسند (1/ 258) عن ابن عباس رضي الله عنه قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحي الجبال عنهم فيزدرعوا فقيل له إن شئت أن تستأني بهم أي: تتأخر وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم، قال بل أستأني بهم فأنزل الله عز وجل هذه الآية: وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً [الإسراء: 59] ورجاله رجال الصحيح. وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 362) بنحو لفظ أحمد وقال:" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي في التلخيص فقال: صحيح.
(3)
في (أ): وهو.
حريصا على إسلامهم، لا على تعجيل هلاكهم، ولهذا قال الله سبحانه: وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (59)«1» ./
أي إلا أن كذب بها الأولون فأهلكناهم، وأنت استأنيت «2» بقومك فأجبناك إلى ذلك. ولهذا- لما أتاهم بعد ذلك بالخوارق كانشقاق القمر «3» . وتسليم الشجر «4» وعجزوا عن معارضة القرآن، ولم يؤمنوا- جاءهم العذاب فاستؤصلوا بالسيف يوم بدر «5» وغيره.
(1) سورة الإسراء، آية:59.
(2)
استأنيت: من التأني وهو الانتظار. يقال تأنى إذا رفق، واستأنيت بكم انتظرت وتربصت، ولم أعجلكم. فالمعنى هنا: انتظرت وتربصت فلم يعاجلهم بطلب الهلاك. [انظر لسان العرب 14/ 48 - 49، والفتح الرباني 18/ 193].
(3)
انظر هامش ص: 257 من هذا الكتاب.
(4)
أخرج الترمذي في المناقب، باب 6، حديث 3626. عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه قال:" كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله". قال:" وهذا حديث غريب. وروى غير واحد عن الوليد بن أبي ثور، وقال: عن عباد بن أبي زيد" اهـ ورجال سنده فيهم الصدوق المتهم بالرفض والضعيف والمجهول. وانظر: ص 572 ففيها زيادة بيان عنه.
(5)
بدر: موضع الغزوة العظمى لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصر الله فيه المسلمين كما قال تعالى: ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ
…
[سورة آل عمران، آية: 123] وهو ماء وقرية عامرة على نحو أربع مراحل من المدينة النبوية من الجنوب الغربي. وسميت بذلك نسبة إلى رجل من غفار كانت بدر له، وكان يوم بدر يوم الجمعة، وكان يوما حارا. وقد سماه الله يوم الفرقان لأنه فرق الله فيه بين الحق والباطل كما قال تعالى:
…
وما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ
…
[سورة الأنفال، آية: 41] وهي أول غزوة شهدها الرسول صلى الله عليه وسلم. [انظر تهذيب الأسماء واللغات 3/ 37، وتفاسير سورة الأنفال].
الوجه الثالث: أنهم سألوه ما يسقط فائدة التكليف بالإيمان بالغيب وبيانه أنهم سألوه إحياء الموتى. فلو بعثهم لهم لأخبروهم بصحة ما وعدهم وأوعدهم من ثواب وعقاب، وجنة ونار، فكان يحصل لهم بذلك العلم الضروري بما هناك فيصير إيمانهم كإيمان فرعون، لما عاين الملك ليقبض روحه قال:" آمنت «1» " فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا «2» .
والمقصود: أنما هو الإيمان الاختيارى، لا الضروري. وما يفضي إلى سقوط فائدة التكليف. لا تجوز الإجابة إليه،/ وكذلك إنزال الملك عليهم يسقط فائدة التكليف.
الرابع: المعارضة بما في الفصل الحادي والعشرين من انجيل مرقس «3» : أنهم سألوا المسيح آية فلم يأت بها. والجواب مشترك.
ومما يدل على جهلهم وعنادهم في سؤالهم له: أنهم أنكروا./ عليه فقره، وابتغاءه الرزق بالأسواق. وقالوا: قل لربك يجعل لك خياما «4» وقصورا وكنوزا من ذهب يغنيك عن ذلك «5» .
وهل في ابتغاء الرزق عيب عند أحد من العقلاء؟ وقد كان الأنبياء يبتغونه
(1) قال الله تعالى في سورة يونس: 90 - 91: وجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ بَغْياً وعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ....
(2)
آخر آية في سورة غافر.
(3)
في التراجم الحديثة: أول الأصحاح السادس عشر من انجيل متى.
(4)
في (ش): جنانا.
(5)
قال الله تعالى في سورة الفرقان: 7، 8: وقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ ويَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً.
برعاية الغنم وغيرها، وهل علم من حال أحد من الأنبياء أن الله جعل له خياما «1» وقصورا وكنوزا من ذهب «2». إنما فعل ذلك بالفراعنة لطغيهم كقارون «3» وفرعون وهامان «4» ونظرائهم. ولذلك عاب الله عليهم قولهم حيث قال:
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) الآيات إلى قوله: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (93)«5» ثم قال «6» : تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ
(1) في (ش): جنانا.
(2)
قال الله تعالى: وما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ ويَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وكانَ رَبُّكَ بَصِيراً [الفرقان: 20].
(3)
قارون: قيل: إنه ابن عم موسى- عليه السلام، وأن اسمه: قارون بن يصهر ابن قاهت. وهو قول أكثر المؤرخين، وقيل: إنه كان عم موسى- عليه السلام ورد هذا القول. وكان يسمى النور لحسن صوته بالتوراة، ولكنه نافق كما نافق السامري فأهلكه البغي لكثرة ماله. [البداية والنهاية 1/ 309] قال الله تعالى: إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ولا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَولَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وأَكْثَرُ جَمْعاً ولا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [سورة القصص، الآيات: 76 - 79].
(4)
هامان: وزير فرعون، المنفذ لما يأمر به، فهو الذي بنى الصرح من الآجر المشوي بالنار، وأعلاه حتى أصبح لم ير بناء أعلى منه. كما قال الله تعالى: وقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً الآية [سورة غافر: 36 - 37]. وقال تعالى: وقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ [القصص: 38].
(5)
سورة الإسراء، آية: 90 - 93.
(6)
الأصح أن يقول: (وقال)، لأن (ثم) تقتضي العطف مع الترتيب ولا ترتيب بينهما فإحداهما في سورة الإسراء، والتالية في سورة الفرقان.
لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ويَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ
…
(11)«1» وأما قولهم: أما علم ربك أنا سنسألك عما سألناك فيخبرك بما تراجعنا به، وبما يفعل بنا إذ لم نقبل منك؟ فإنا نقول: تحذيره «2» الذي راجعهم به، هو الذي أمر به، إذ كان لا ينطق عن الهوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (4) «3» وقد كان يتوعدهم بما سيجري لهم كقوله: ولَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)«4» وقوله:
إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (46)«5» / ونحو ذلك كثير.
وقولهم: وقوله:" إنما يخبره بذلك ويعلمه رحمن اليمامة".
الجواب عنه من وجوه:
أحدها: أنه لم يصح لنا عن محمد- صلى الله عليه وسلم «6» أنه دخل اليمامة ليجتمع برحمانها «7» ولا جالس أحدا من علماء الأولين، ولا الكهان بمكة ولا غيرها. فهذا كذب منهم وافتراء، وإنما هذا منهم كان على جهة الاستهزاء لما قال لهم:«اسجدوا/ للرحمن «8» » يعني: الله. قالوا: لا رحمن إلا رحمن اليمامة. أنسجد له «9» .
(1) سورة الفرقان، آية: 10 - 11.
(2)
تحذيره: ليست في (م) و (ش).
(3)
سورة النجم، آية:4.
(4)
سورة ص، آية:88.
(5)
سورة سبأ، آية:46.
(6)
" وسلم": ليست في (أ)، (ش).
(7)
في (أ): ترجمانها.
(8)
سورة الفرقان، آية:60.
(9)
انظر تفسير القرطبي 13/ 64.
كما أنه لما توعدهم بالزقوم، قال لهم أبو جهل «1»: أتدرون ما الزقوم الذي يتوعدكم به محمد؟ إنما هو الزبد بالعسل. أما والله لئن رأيناه لنتزقمنه تزقما «2» ولذلك يقول الله له: وكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ولِيَقُولُوا دَرَسْتَ .. (105)«3» وقال:
وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ ولا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (48)«4» .
الثاني: أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يكتب، يتيما لا أب له مستضعفا بين قريش وجبابرتها، فكيف يختصه رحمن اليمامة بالتعليم دون غيره من أصحاب الكتابة والقوة؟.
الثالث: أن الذي نسبه إلى التعليم من رحمن اليمامة إنما هم نفر يسير من قريش، من جبابرتها وجهالها، على ما ظهر من جبروتهم وجهلهم في سؤالهم فكيف اختص هؤلاء بعلم ذلك دون بقية سادات العرب الذين اتبعوه من سائر القبائل كأبي بكر وعمر «5» وعثمان «6» وعلي وغيرهم؟، مع أن المسيح يقول في
(1) أبو جهل: عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي. أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام، وأحد رؤساء قريش ودهاتها في الجاهلية، وأسيادها منذ صغر سنه، يكنى بأبي الحكم فدعاه المسلمون أبا جهل، فغلب عليه. اشتهر بعناده، واثارة الناس على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى قتله معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء واحتز رأسه ابن مسعود- رضي الله عنهم في غزوة بدر الكبرى. [انظر الأعلام 5/ 87، والبداية والنهاية 3/ 287 - 291].
(2)
انظر تفسير القرطبي 15/ 85.
(3)
سورة الأنعام، آية:105.
(4)
سورة العنكبوت، آية:48.
(5)
تقدمت ترجمته في الدراسة ص: 88.
(6)
تقدمت ترجمته في قسم الدراسة ص: 94
الإنجيل «1» :" ما من خفي إلا سيظهر ولا مكتوم/ إلا سيعلن" فلو علم بقية العرب ذلك وصح عندهم لما بايعوه ولكانوا «2» مع الذين خالفوه وهذا مما تتوفر «3» الدواعي على نقله وظهوره، فاختصاص نفر يسير به دون سائر العرب محال عادة.
الرابع: أن علماء العرب وعقلاءهم كانوا يصدقونه في دعواه، كورقة بن نوفل «4» وأبي طالب «5» حيث يقول:
وعرضت دينا لا محالة أنه من خير أديان البرية دينا إلى أن قال:
ولقد صدقت وكنت قدم أمينا «6»
(1) انظر إنجيل متى الأصحاح العاشر.
(2)
في (أ): ولكان.
(3)
في (أ): وهذا في ما يتوفر.
(4)
ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى القرشي، حكيم جاهلي، اعتزل الأوثان قبل الإسلام وامتنع من أكل ذبائحها، وهو ابن عم خديجة، كان قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الإنجيل بالعربية، وكان قد عمي في آخر أمره عند نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي يقول عند ما ذهبت خديجة بالنبي صلى الله عليه وسلم إليه لما نزل عليه الوحي في حراء وخاف على نفسه:" هذا الناموس الذي أنزل على موسى- صلى الله عليه وسلم. [انظر صحيح البخاري الحديث الثالث من أوله، وصحيح مسلم كتاب الإيمان، باب بدء الوحي
…
حديث 252، والأعلام 8/ 114 - 115].
(5)
تقدمت ترجمته في الدراسة ص 118.
(6)
حين طلبت قريش من أبي طالب التخلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب منه أبو طالب أن يترك ما جاء به وتأرجح في الاستمرار في نصرته فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا عم. والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه
…
فقال له عمه: يا ابن أخي قل ما أحببت فو الله ما اسلمك لشيء أبدا وفي ذلك يقول أبو طالب:-
ورأى ابنه عليا يصلي مع رسول الله فقال: يا بني ما هذا؟ قال:/ علمنيه محمد. فقال: يا بنى تابع ابن عمك، فإنه لا يرشدك إلا إلى خير. وإنما منع أبا طالب من الإسلام، ما ذكره في شعره حيث يقول:
لولا الملامة أو حذاري سبة «1» لوجدتني سمحا بذاك مبينا/ وكزيد بن عمرو بن نفيل «2» .
-
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر بذاك وقرّ منه عيونا ودعوتني وعرفت أنك ناصحي ولقد صدقت وكنت ثم أمينا وعرضت دينا قد علمت بأنه من خير أديان البرية دنيا وقد رويت الأبيات باختلاف بعض الألفاظ [انظر حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار، لابن الديبع 1/ 305 - 307، والبداية والنهاية 3/ 42].
(1)
في المراجع السابقة:" مسبة".
(2)
زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى القرشي العدوي والد سعيد بن زيد أحد العشرة، وأحد الحكماء، وهو ابن عم عمر بن الخطاب، لم يدرك الإسلام على الصحيح، ولكنه كان يعبد الله على دين إبراهيم- عليه السلام. جاهر بعدائه لعبادة الأوثان فتألبت عليه قريش ومنعته من دخول مكة فكان يتعبد في غار حراء. وكان يحارب وأد البنات ويذهب إلى آبائهن فيأخذهن ويربيهن حتى يكبرن ثم يعرضهن على آبائهن فإن قبلوهن وإلا زوجهن الكفء وكان ينتظر ظهور محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنا بذلك. ولهذا ذكره الطوفي هنا. توفي قبل البعثة بخمس سنين، وقيل سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يبعث يوم القيامة أمة واحدة. [انظر الاصابة (ت 2923) وسير أعلام النبلاء 1/ 126 وما بعدها، والأعلام 3/ 60] ..
ومن الكهان الذين بشروا بنبوته:" سطيح"«1» و" شق «2» " و" خطر"«3»
(1) سطيح: اسمه: ربيع بن ربيعة من الأزد، سمى سطيحا لأنه كان لا عظم له والسطيح المستلقي على قفاه من الزمانة. وملخص خبره بمحمد صلى الله عليه وسلم:" لما كانت ليلة ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى وخمدت نار فارس
…
وطلب كسرى من النعمان بن المنذر ملك العرب أن يبعث له رجلا يخبر بما سأله عنه، فأرسل عبد المسيح بن حيان فعجز عن إجابة كسرى ورحل إلى سطيح فسأله فقال سطيح: إذا ظهرت التلاوة وغارت بحيرة سارة، وخرج صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة، فليست الشام لسطيح بشام، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات، ثم تكون هنات وهنات، وكل ما هو آت آت. ثم قضى سطيح مكانه وعاد عبد المسيح إلى كسرى فأخبره بما قال سطيح فقال كسرى: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا تكون أمور. قال: فملك منهم عشرة في أربع سنين وملك الباقون إلى خلافة عثمان- رضي الله عنه" اهـ. قلت: هذا ملخص القصة قال ابن الأثير في منال الطالب ص 154 - 158:" حديث سطيح هذا مشهور بين الرواة، مذكور في دلائل النبوة" اهـ. وقال البيهقي بعد إيراده القصة في دلائل النبوة (1/ 126 - 129) قلت ولسطيح قصة أخرى في أخباره حين قدم مكة من لقيه من قريش- منهم عبد مناف بن قصي- بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه بعده" اهـ. وذكر ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 268 - 269): مثله. وقد ضعف الدكتور عبد المعطي قلعجي في تحقيق دلائل النبوة للبيهقي قصة سطيح المشار إليها. وقد ذكرها أيضا أبو نعيم في دلائل النبوة ص 97 - 99، والماوردي في أعلام النبوة ص 149 - 151.
(2)
شق بن صعب بن يشكر بن رهم بن بسر بن عقبة الكاهن، ولد هو وسطيح في يوم واحد فحملا إلى الكاهنة: طريفة بنت الحسين الحميدية، فتفلت في فيهيهما، فورثا منها الكهانة وماتت من يومها. وكان نصف إنسان، ويقال: إن خالد بن عبد الله القسري من سلالته وقد مات شق قبل سطيح بدهر. وقد أورد ابن كثير- رحمه الله قصة اخباره هو وسطيح بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[انظر البداية والنهاية 2/ 162 - 271].
(3)
الكاهن خطر بن مالك الثقفي كان شيخا كبيرا، فلما كثر الرمي بالنجوم- قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم للشياطين فبين لهم الخبر وما حدث من أمر النبوة
…
ومن قوله في ذلك:
يا معشر بني قحطان أخبركم بالحق والبيان -
كاهن ذكره الديار بكرى «1» في تفسير قوله: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ
…
(18)«2»
وذكر له حكاية عجيبة «3» .
ومن الرهبان: بحيرا «4» وسلمان «5» وأصحابه وغير هؤلاء كثير.
الخامس: أن رحمن اليمامة إن كان قد كان عالما بمثل هذا العلم الغزير كيف لم يدع به النبوة، ويستغني عن واسطة غيره؟ مع أن مثل منصب النبوة مما لا يؤثر به أحد غيره، ويجتهد أن لا يدعه يستقر لغيره، لما علم من حب النفوس للرئاسة.
-
أقسمت بالكعبة والأركان والبلد المؤتمن السدان لقد منع السمع عتاة الجن بثاقب بكف ذي سلطان من أجل مبعوث عظيم الشأن تبطل به عبادة الأوثان وذكر كلاما كثيرا في ذلك ثم قال:" هذا هو البيان، أخبرني به رئيس الجان ثم قال: الله أكبر ثم سكت وأغمي عليه، فما أفاق إلا بعد ثلاثة، فقال: لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حكى له القصة- لقد نطق عن مثل النبوة وإنه ليبعث يوم القيامة أمة وحده.
[انظر الروض الأنف للسهيلي 1/ 239 - 241]. قلت: والله أعلم بصحة هذا.
(1)
لم أجد من يطلق عليه الديار البكري: إلا حسين بن محمد بن الحسن، مؤرخ نسبته إلى ديار بكر. ولي قضاء مكة وتوفي فيها وقد اختلف في وفاة هذا الرجل فقيل: توفي سنة 966 هـ وقيل: بعيد 982 هـ ولم أجد ترجمة بهذه النسبة لمن ألف في السيرة أو التفسير غيره، فلعله هو ولكن لم تضبط سنة وفاته والله أعلم. [انظر الأعلام 2/ 256، ومعجم المؤلفين 4/ 47].
(2)
سورة الحجر، آية:18.
(3)
ذكرها السهيلي في الروض كما سبق.
(4)
بحيرا: تقدم خبره وترجمته في هامش ص: 377.
(5)
أبو عبد الله سلمان الخير، أصله من فارس من رام هرمز، وقيل: من أصبهان، وكان إذا قيل: ابن من أنت؟ قال: أنا سلمان بن الإسلام من بني آدم، وقصة تنصره ثم دلالة الرهبان له بأنه يخرج في العرب نبي ثم معرفته علامات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ثم إسلامه مذكورة في حديث طويل أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/ 441) وابن سعد في الطبقات الكبرى 4/ 75 - 80، وترجمته في الاستيعاب 2/ 634. وغيره.
وقد كان أمية بن أبي الصلت «1» يطمع في النبوة، فلما لم تحصل له مات غيظا وحسدا، ولم يتابع محمدا على أن المعروف أن رحمن اليمامة هو مسيلمة وقد أظهر الله فضيحته يوم الحديقة فقتل، ولما رهقته السيوف قال له أصحابه ما أوحى إليك ربك؟ فقال: قاتلوا عن أحسابكم «2» وحريمكم، واعترف بالكذب على الله.
السادس: أن هذا السؤال ألزم للنصارى «3» منه للمسلمين، لأن محمدا كان أميا، لا يختلف في ذلك اثنان: فإتيانه بمثل هذا العلم والناموس إن سلمتم أنه لم يستفده من بشر «4» غيره فهو معجز في نفسه، وإن اتهمتموه بأنه تعلمه «5» من غيره فالمسيح أولى بالتهمة لأنه تعلم الكتابة صغيرا وجالس العلماء وسمع منهم وكانوا يتعجبون من فرط ذكائه وإدراكه في هيكل أورشليم «6» ،
(1) أمية بن عبد الله بن أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي، شاعر حكيم من أهل الطائف، قدم دمشق قبل الإسلام، وكان مطلعا على الكتب القديمة، وهو ممن حرموا على أنفسهم الخمر ونبذوا عبادة الأوثان في الجاهلية، ورحل إلى البحرين فأقام بها ثماني سنين في أثناءها ظهر الإسلام. ثم قدم الطائف وسأل عن محمد ثم ذهب إليه فسمع منه آيات فلما انصرف لحقته قريش وسألته عن رأيه فيه. فقال:" أشهد أنه على الحق" وهو أول من جعل في أول الكتب باسمك اللهم، فكتبتها قريش. توفي سنة خمس من الهجرة، وقيل: في السنة الثانية.
[انظر الأعلام 2/ 23].
(2)
انظر الكامل في التاريخ 1/ 246.
(3)
في (أ): النصارى.
(4)
في (أ): يسير.
(5)
في (أ): يعلمه.
(6)
في (أ): أوراشلم.
وغيره، كما ذكر في الإنجيل «1» .
وحينئذ يتسع/ لقائل أن يقول: إن حكمة المسيح كانت من العلماء والكتب، ومعجزاته كانت شعبذة وتخييلا، كما نسبه إلى ذلك اليهود. فأنتم في الطعن على محمد كاليهود في الطعن على المسيح، فإن صدقوا صدقتم. وأن كذبوا كذبتم، والفرق عليكم متعذر عسير «2» .
قال: ومن الأدلة على كونه لم يظهر معجزة: ما قال في سورة الإسراء «3» :
وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) إلى قوله سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (93)«4» وقوله: وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ
…
(59)«5» وحسبك شهادة أنه لم يرسل بالآيات.
قلت: لقد أبان هذا السائل في هذا السؤال عن بلادة عظيمة وسوء فهم مع أنه متفلسف، والمعهود من الفلاسفة جودة الذهن وحسن الفهم.
أما قوله: قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (93)«6» / فليس فيه ما يدل على أنه/ لم يأت بمعجز، بل فيه اعتراف بالبشرية والرسالة والعبودية بين
(1) انظر إنجيل لوقا: الأصحاح الثاني.
(2)
فى (أ): غير اليسير.
(3)
فى (أ): الأسرى.
(4)
سورة الإسراء، آية: 90 - 93.
(5)
سورة الإسراء، آية:59.
(6)
سورة الإسراء، آية:93.
يدي ربه- عز وجل.
ونحن «1» نقول:" إن المعجز يخلقه الله على يدى أنبيائه لا أنهم هم يخلقونه على أيديهم".
وقد روى وثيمة في القصص «2» قال: قال سعيد «3» عن قتادة عن الحسن «4» : إن موسى لما غشيه فرعون تقدم إلى البحر فقال له: إن الله أمرني أن أسلك فيك طريقا، وضرب بعصاه البحر من غير أن يوحى إليه، فأنطق الله البحر فقال له يا موسى أنا أعظم منك سلطانا وأشد منك قوة. وأنا أول منك خلقا وكان عليّ عرش ربنا وأنا لا يدرك «5» قعري ولا أترك أحدا يمر عليّ إلا بإذن/ ربي وأنا عبد مأمور ولم يوح إلي فيك شيء. ولم ينفرق له حتى أوحى الله إليه بذلك «6» .
(1) فى (أ): ونحسن.
(2)
تقدمت ترجمته في هامش ص: 180 من قسم الدراسة. ولم أجد كتابه هذا.
(3)
لعله سعيد بن المسيب فقد روى سعيد عن قتادة، أو لعله سعيد بن بشير أو سعيد بن زربي وهما ممن روى عن قتادة.
(4)
هو الحسن البصري. وقد تقدمت ترجمته ص 317.
(5)
فى (أ): لا ندري.
(6)
أورد القصة أيضا ابن جرير الطبري في تفسيره (1/ 278) موقوفا على ابن زيد.
وذكر أيضا قال: قال خارجة بن مصعب «1» عن أبي إلياس «2» عن وهب:
أن موسى كان يضرب الحجر بالعصا فتنفجر الأنهار لبني إسرائيل، فقالوا يوما: لو ضاعت العصا أو الحجر متنا عطشا. فأراد الله أن يريهم قدرته وسوء ظنهم فأوحى إلى موسى فأخبره بذلك وقال: الآن لا تضرب الحجر بالعصا ولكن كلمه واعزم «3» عليه باسمي فإنه يطيعك، فغضب موسى من كلام بني إسرائيل، ونسي ما قال له ربه، فضرب الحجر بالعصا فلم تنفجر الأنهار على عادتها. فذكر عهد ربه فأقسم على الحجر باسمه فأجاب وقال: أما تستحي يا موسى أن تنسى عهد ربك؟ هلا كان هذا قبل الآن؟ ثم تفجرت منه الأنهار «4» .
فالأنبياء بشر وليسوا- كما اعتقدتم في المسيح أنه يفعل الأشياء بنفسه،
(1) أبو الحجاج خارجة بن مصعب بن خارجة الضبعي السرخسي الإمام العالم المحدث، شيخ خراسان، وثقه العلماء في نفسه، وبعضهم قال: يرمى بالارجاء، وبعضهم يقول: متروك الحديث، توفي سنة ثمان وستين ومائة، وله ثمان وسبعون سنة.
[انظر تقريب التهذيب 1/ 210، وسير أعلام النبلاء 7/ 326 - 328، وشذرات الذهب 1/ 265].
(2)
لم أقف له على نسب ولا نسبة ولم أجد من ذكر هذه الكنية لأحد شيوخ خارجة أو تلاميذ وهب ابن منبه، ولكن خارجة اشتهر بالتدليس فلعله دلس عن أحد شيوخه فكناه بهذه الكنية الخفية حتى لا يعرف، وقد كان خارجة يدلس كثيرا عن شيخه الكذاب الوضاع غياث بن إبراهيم، فلعله كناه بهذه الكنية. والله أعلم.
(3)
في (أ): واغرم.
(4)
لم أجد هذه القصة فيما بين يدي من مراجع.
فمعنى قوله:
…
هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا (93)«1» أي: لا آتي بالمعجز إلا أن يأذن فيه ربي «2» ، وأنه لم يأذن له في ذلك الوقت، للوجوه التي بيناها قبل.
وهذا أيضا معنى قوله تعالى: وأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ
…
(109)«3» أي أن إظهارها متوقف على إرادته.
وأما قوله: وما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ
…
(59)«4» فليس إخبار بنفي الإرسال في عموم الأوقات، حتى انقضى عهد النبوة، بل ينفيه في وقت خاص وهو في أول الأمر ثم أرسل بها بعد ذلك «5» بدليل قوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ويَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) إلى قوله: ولَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (5)«6» .
(1) سورة الإسراء، آية:93.
(2)
قال ابن جرير الطبري في تفسيره (15/ 164):" يقول: هل أنا إلا عبد من عبيده من بني آدم فكيف أقدر أن أفعل ما سألتموني من هذه الأمور، وإنما يقدر عليها خالقي وخالقكم، وإنما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إليكم، والذي سألتموني أن أفعله بيد الله الذي أنا وأنتم عبيد له، لا يقدر على ذلك غيره: اهـ. وقال القرطبي في تفسيره أيضا (10/ 331):" أتبع ما يوحى إليّ من ربي، ويفعل الله ما يشاء من هذه الأشياء التي ليست في قدرة البشر فهل سمعتم أحدا من البشر أتى بهذه الآيات" اهـ.
(3)
سورة الأنعام، آية:109.
(4)
سورة الإسراء، آية:59.
(5)
قال المفسرون: وما منعنا من إرسال الآيات التي سألوها إلا تكذيب الأولين فإن أرسلناها وكذب بها هؤلاء عوجلوا ولم يمهلوا كما هو سنة الله في عباده (انظر تفسير الطبري 15/ 107، وتفسير الشوكاني 3/ 237).
(6)
الآيات الخمس الأولى من سورة القمر.
قال:" ولما أسرف «1» عليهم في طلب اعترافهم له بالنبوة، وألحوا عليه في طلب الآيات، وهو لا يظهر منه غير تلاوة القرآن عليهم، عظم ضجرهم حتى ضجوا منه واستغاثوا، فقالوا في صياحهم: .. اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (32)«2» .
قال: فلم يأتهم بآية ولا لحقهم ضرر، فلما رأى ذلك اعتذر بأن تلى عليهم: وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ
…
(33)«3» الآية.
قلت: وهم في هذه الحكاية،/ وهي حجة عليه.
والصواب فيها: أن قريشا والنبي صلى الله عليه وسلم لما التقوا يوم بدر استفتح عليه المشركون: أبو جهل والنضر بن الحرث «4» وغيرهما. فقالوا: اللهم إنا لا نعرف ما جاء به محمد، فافتح بيننا وبينه. وقال أبو جهل: اللهم انصر أحب الطائفتين إليك اللهم أقطعنا للرحم، وأفسدنا للجماعة فاحنه «5» اليوم. فقتل أبو جهل
(1) في (أ): أشرف.
(2)
سورة الأنفال، آية:32.
(3)
سورة الأنفال، آية:33.
(4)
النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف صاحب لواء المشركين يوم بدر، له اطلاع على كتب الفرس وغيرهم، وقيل أول من غنى على العود بألحان الفرس، وهو ابن خالة النبي صلى الله عليه وسلم آذى الرسول كثيرا، كان يقول لقومه: إنما يأتيكم محمد بأساطير الأولين، فنزل فيه آيات. قيل: قتل في بدر، وقيل بعدها من أثر ضربة في الموقعة في السنة الثانية من الهجرة.
وقيل: قتل صبرا. [انظر الكامل في التاريخ 2/ 49، والأعلام 8/ 33].
(5)
من حنى القوس إذا عطفها. [انظر منال الطالب ص 567].
والنضر في السبعين قتيلا، وأسر مثل ذلك في ذلك اليوم، فكان استفتاحهم عليهم «1» .
ثم لو سلمنا من أنهم قالوا ذلك لضجرهم منه، لكن قد أتاهم العذاب الأليم يوم بدر وغيره، وأي عذاب يكون أشد من أن يقتل الشخص ذليلا حقيرا، ثم يصير إلى العذاب الأليم؟ «2» .
وأما قوله: وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ
…
(33)«3» قال الكلبي «4» :
" معناه لو أراد أن يعذبهم أخرجك من بينهم"«5» .
قلت: لأن الأنبياء رحمة، لا عذاب. فلا يعذب من هم فيه. ألا ترى أن لوطا لم يعذب قومه، حتى خرج عنهم، وصالح ونوح وموسى وغيرهم من الأنبياء كذلك. فهكذا. محمد لم يعذب أهل/ مكة حتى خرج منها.
(1) القصة أوردها ابن جرير الطبري في تفسيره (9/ 207 - 209)، بعدة طرق وألفاظ بمعنى هذا اللفظ، وكذلك ابن كثير في تفسيره (2/ 296)، وقال أخرجه النسائي في التفسير
…
، وكذا الحاكم في المستدرك بمعنى هذه القصة (2/ 328) وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأحمد في المسند (5/ 431).
(2)
في (ش)، (م): الدائم.
(3)
سورة الأنفال، آية:33.
(4)
أبو النصر محمد بن السائب بن بشر بن عمرو بن الحارث النسابة المفسر، ولد بالكرفة وهو من كلب بن وبرة من قضاعة. وهو ضعيف الحديث، متهم بالرفض. قال النسائي:" حدث عنه ثقات من الناس، ورضوه في التفسير أما في الحديث ففيه مناكير" صنف كتابا في تفسير القرآن توفي بالكوفة سنة ست وأربعين ومائة. [انظر تهذيب التهذيب 9/ 178، والأعلام 6/ 133].
(5)
انظر تفسير الطبري 9/ 234.
وقوله:
…
وما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)«1» فيه قولان:
أحدهما: وفي أصلابهم من سبق في علم الله، أنه سيوجد فيكون من المؤمنين المستغفرين.
والثاني: وبين أظهرهم مؤمنون مستخفون يستغفرون، فلما خرجوا من بينهم عذبوا بفتح مكة، وقيل: بيوم بدر «2» .
قال:" فإذا كان أعداؤه المكذبون لا يعذبهم وهو فيهم. فكيف عذب أصحابه يوم" أحد" وهزموا. وقتل منهم جماعة".
والجواب: أن ما جرى لهم يوم أحد ليس عذابا، بل شهادة. بدليل قوله تعالى:
…
وتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ ولِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ويَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ واللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)«3» وقوله: ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)«4» وهي في شهداء أحد «5» ، ولئن كان قتل المؤمنين في سبيل الله عذابا فليكن قتل يحيى وزكريا «6» وصلب المسيح عذابا، ونعم الله- سبحانه- على خلقه تارة تكون بأسباب سهلة كالأكل والشرب والنكاح. وتارة
(1) سورة الأنفال، آية:33.
(2)
ذكر القولين الإمام القرطبي- رحمه الله في تفسيره (7/ 399).
(3)
سورة آل عمران، آية:140.
(4)
سورة آل عمران، آية:169.
(5)
انظر تفسير الطبري 4/ 170 - 171.
(6)
اختلف الناس في أمر زكريا هل مات أو قتل. ورجح ابن اسحاق أنه مات موتا. والله أعلم.
[انظر البداية والنهاية 2/ 52، 53 - 55].
تكون بأسباب شاقة كالشهادة والعبادات والرياضات. كما أن صحة البدن تارة تكون بتناول الأغذية والأشربة المستلذة وتارة بتناول الأدوية المستكرهة كالصّبر «1» ونحوه.
قال:" وجاء في السير «2» ": أن زينب بنت الحرث «3» أهدت لمحمد شاة
(1) الصّبر: بكسر الباء: نبات كنبات السوسن الأخضر، غير أن ورق الصّبر أطول وأعرض وأثخن كثيرا، وهو كثير الماء جدا. وقال الليث: الصّبر: عصارة شجر ورقها كقرب السكاكين طوال غلاظ، في خضرتها غبرة، وكمدة مقشعرة المنظر، يخرج من وسطها ساق عليه نور أصفر
…
، وقال الرازي:" هو الدواء المر" اهـ. وهو نوعان: هندي وفارسي فالهندي ينقي الفضول الصفراوية التي في الدماغ وأعصاب البصر، وإذا طلي على الجبهة والصدغ بدهن الورد، نفع من الصداع، وينفع من قروح الأنف والفم، ويسهل السوداء، وغير ذلك. والفارسي يذكي العقل ويمدّ الفؤاد، وينقي الفصول الصفراوية والبلغمية من المعدة
…
ويرد الشهوة الباطلة والفاسدة وإذا شرب في البرد خيف أن يسهل دما.
[انظر لسان العرب 4/ 442، ومختار الصحاح ص 355، وزاد المعاد 4/ 333 - 334].
(2)
انظر سيرة ابن هشام المجلد الثاني ص 337 - 338، وقد ذكر ابن كثير القصة، وجميع من خرجها بألفاظ مختلفة في البداية والنهاية 4/ 208 - 211، وأخرجها الدارمي في المقدمة، باب ما أكرم النبي صلى الله عليه وسلم من كلام الموتى" والقصة صحيحة، وطرفها في صحيح البخاري. كتاب الهبة، باب قبول الهدية من المشركين، وفي كتاب الجزية، باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم؟، وطرف آخر منها في كتاب المغازي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم وموته، والقصة أيضا مختصرة في صحيح مسلم: كتاب السلام باب السم، حديث 45.
(3)
هي زينب بنت الحرث بن سلام الإسرائيلية. وذكر معمر في جامعة عن الزهري:" أنها اليهودية التي دست الشاة المسمومة للنبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت فتركها النبي صلى الله عليه وسلم" اهـ. وقال غيره: إنه قتلها، وقيل: إنما قتلها قصاصا لبشر بن البراء لأنه كان أكل معه من الشاة فمات بعد حول. [الإصابة 4/ 314، كتاب النساء ت: 472].
مصلية وأكثرت من السم في الذراع، لأنه كان يحبها، فلاك منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور «1» فأساغ «2» منها لقمة فهلك. ولفظ محمد لقمته. وقال:" إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم" وساق القصة. قال:" وقد كان/ هذا الموضع أحق المواضع بالمعجز، وأن يعلم بالحال فيجتنب الأكل ويخبر صاحبه. قال" وأما قوله: إن هذا العظم ليخبرني بأنه مسموم" فليس بصحيح لأنه إما أن يكون أخبره قبل أن يسيغ بشر لقمته أو بعد ذلك فإن كان الأول/ فلم لم يخبر بشرا حتى مات بأكلته. وإن كان الثاني فالمخبر له موت بشر في الحال وانزعاج روحه هو حين لاك اللقمة المسمومة وكانت سبب موته بدليل قوله:
" ما زالت أكلة خيبر تعادني «3» حتى كان هذا أوان قطعت أبهرى"«4» .
(1) بشر بن البراء بن معرور الأنصاري الخزرجي، من بني سلمة، شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق، ومات بخيبر سنة سبع من الهجرة من الأكلة المذكورة. قيل: إنه لم يبرح من مكانه حين أكل منها حتى مات. وقيل: لازمه وجعه ذلك سنة ثم مات منه.
[انظر الاستيعاب 1/ 167 - 169، وسيرة ابن هشام المجلد الأول ص: 461].
(2)
أساغ الطعام ويسيغه سوغا وساغه يسوغه اساغة: أي ابتلعه. فمعنى أساغ منها لقمة: أي ابتلع منها لقمة (انظر لسان العرب 8/ 435، والمصباح المنير 1/ 349).
(3)
تعادّني: هكذا في النسخ وفي منال الطالب ص 363، ومعناه: تعاودني تفسره رواية ابن سعد:
" ما زلت أجد من الأكلة التي أكلتها يوم خيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري.
(4)
الأبهر: أحد عرقان في الظهر. وقيل: الأبهر: عرق مستوطن القلب، فإذا انقطع لم تبق معه حياة. [منال الطالب في طوال الغرائب ص 363]. وفي سنن الدارمي (المقدمة باب 11) العبارة هكذا:" فقال في مرضه: ما زلت من الأكلة التي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري" اهـ.
وضبطت العبارة في النص كما في منال الطالب.
وقد أخرج الحديث الإمام البخاري- من غير وصل- في المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، وأحمد في المسند (6/ 18) ولهما غير هذا اللفظ. وانظر القصة في الطبقات الكبرى (2/ 201 - 203).
قلت: أما هذه القصة فصحيحة. وأما قوله هذا الوقت كان أحق بإظهار المعجز فقد بينا أن المعجز وجوده إلى الله لا إلى الأنبياء والله بالغ أمره بأسبابه، ثم هذا يرد عليكم في المسيح، حيث صلبه اليهود فإنكم زعمتم أنه كان إلها وأنه كان يزجر الريح فتسكن والبحر فيركد وكان يحيي الموتى ويستخفي عن أعين الناس إذا أراد، فلما صار في الخشبة صاح صيحة عظيمة وسلم الروح" وقد كان هذا الوقت أحق بإظهار المعجز.
فإن قلتم كان ذلك باختياره.
قلنا: هذا كذب، ومحال، فإن في الإنجيل «1» أنه جمع التلاميذ وصعد بهم إلى الجبل وقال: اسهروا معي الليلة لأسأل أبي أن يغير عني هذه الكأس. وسأل ذلك فلم يجب وجاء أعداؤه فأخذوه من هناك إلى حكم الموت.
وأما إخبار العظم للنبي- عليه السلام بأنه «2» مسموم فهو حق كما أخبر، وماذا يستبعد منه وقد سبح في يديه الحصى «3» ، وحن إليه/ الجذع «4» ،/ وسلم
(1) انظر إنجيل متى، الأصحاح السادس والعشرين، وإنجيل مرقس الأصحاح الرابع عشر.
(2)
في (أ): فانه.
(3)
انظر دلائل النبوة للبيهقي 6/ 64 - 65، وأعلام النبوة للماوردي ص 115 والبداية والنهاية 6/ 132، ويقول محقق دلائل النبوة للبيهقي:"
…
وذكره السيوطي في الخصائص 2/ 74، وعزاه للبزار، والطبراني في الأوسط وأبي نعيم والبيهقي، والخبر كما ترى فيه ضعيف، ووضاع" اهـ. قلت: الضعيف هو: صالح بن أبي الأخضر اليمامي مولى هشام بن عبد الملك. قال عنه ابن حجر:" ضعيف يعتبر به" اهـ، وأما الوضاع فهو: محمد بن يونس بن موسى الكديمي، جعله الدارقطني في الضعفاء والمتروكين وقال عنه ابن حجر في التقريب:" ضعيف" وفي المغني أنه" هالك
…
يضع الحديث على الثقات".
(4)
سيأتي تخريجه بإذن الله في هامش ص: 572.
عليه الحجر «1» ، وأطاعه الشجر «2» .
قوله:" إما أن يكون أخبره قبل اساغة بشر لقمته أو بعدها".
فجوابه من وجوه:
أحدها: أن هذه قسمة غير حاصرة لجواز أنه أخبره بعد اساغة بشر لقمته، وقبل تغيره فإن السم بالغا ما بلغ ليس صاعقة تحرق بمجرد ملابستها «3» الجسم بل لا بدّ من نفوذه إلى الروح ثم سريانه إلى القلب.
الثاني: أنه من الجائز أن بشرا سبق بلقمته فابتلعها، ثم صبر على ما وجده من ألمها ظنا أن ذلك لعارض «4» يزول «5» ، أو أن «6» لقمته كانت من الموضع الذي سمه قليل، فإن في القصة أنها أكثرت السم في الذراع وسمت سائر الشاة فلم يحس به سريعا، وأن النبي- عليه السلام اشتغل يأكل ولم يميز إلى بشر لما عرف من أدبه على الأكل أنه لا ينظر إلى جليسه فأخبره الذراع حينئذ، ثم ظهر بعد ذلك تأثير السم في بشر.
(1) سيأتي تخريجه بإذن الله في هامش ص: 572.
(2)
سيأتي تخريجه بإذن الله في هامش ص: 573، 575.
(3)
في (أ): ملابسها.
(4)
في (ش): العارض.
(5)
قلت: هذا من سياق القصة عند ابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 202).
(6)
في (م):" اذ أن" وكلاهما صحيح.
الثالث: لو حملنا أخبار الذراع هاهنا على مجازه وهو الاستدلال بانزعاج الروح بالسم كما يقال:" أخبرني السيف بما لقي من الوقائع" استدلالا بفلول مضاربه على ذلك. و" أخبرني المنزل برحيل أهله منذ حين" لدروس رسمه، ونسخ الرياح آثاره- لما كان فيه محذور.
فإن لمحمد- عليه السلام من المعجزات المحققة ما يغنينا عن المنازعة في هذه.
وحينئذ يكون الإخبار صحيحا بلا نزاع.
قال:" فها نحن قد بينا لك بنص القرآن على طريق الاختصار أنه لم يأت بمعجزة وتبين ذلك من الحديث الصحيح عندهم" وذكر حديث مسلم: «ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطي/ من الآيات ما آمن على مثله البشر/ وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحى الله إلى وأرجوا أن أكون «1» أكثرهم تابعا يوم القيامة «2» ".
قال:" فمن حاول التعصب له، ورام الانتصار بشهوة نفسه بالتمسك بنقل الآحاد للمعجزات المردودة عند علماء المسلمين فقال: إنه فعل وصنع شيئا من المعجزات، فهو مكذب لقرآنه، وحديثه الصحيح.
(1) لفظ مسلم: (ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إليّ فأرجو أن أكون
…
) الحديث.
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم حديث 239، والبخاري في أول فضائل القرآن وفي أول الاعتصام. وأحمد في المسند 6/ 152
قال:" وقوله في الحديث:" إني لأرجو «1» أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة" مسلم له. فإن جميع أهل الباطل والكذب متبعوه إلى جهنم يوم القيامة.
وأهل الحق الذين هم قليلون بالنسبة إلى هؤلاء يتبعون سيدنا المسيح إلى الحياة الدائمة"./
قلت: قوله:؛ قد بينا بنص القرآن أنه لم يأت بمعجز" قد بينا لمن أنصف أنه لم يبين شيئا من ذلك. وإنما مادة كلامه أمران: هوى وقصر باع في العلم وسوء فهم.
وأما قوله في حديث مسلم:" وإنما كان الذي أوتيته وحيا" فجوابه من وجهين:
أحدهما: أنه يجوز أن هذا الحديث قاله في أول الإسلام قبل تكامل معجزاته.
الثاني: أن الأصوليين اختلفوا في" إنما" هل تقتضي الحصر أم لا؟. بل الإثبات المؤكد وهو الذي يدل عليه الدليل، وحينئذ لا يفيد هذا الحديث انحصار معجزه في القرآن «2» على أنه لو أفاد
(1) في (ش): لأني أرجو.
(2)
فيكون معنى الحديث: أي أن معجزتي التي تحديت بها: الوحي الذي أنزل عليّ وهو القرآن. فهو معجزته العظمى التي اختص بها دون غيره وكانت مناسبة لحال قومه لأن معجزة كل نبي مناسبة لحال قومه. وقد أفرد بالذكر هنا لعظمته ولأهميته ولأنه لا يساويه معجزة أخرى. [انظر فتح الباري 9/ 6 - 7]. قلت: ومعجزاته كلها من الوحي أيضا لأنه لا يعلمها ولا يفعلها إلا بالوحي وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (النجم، آية 3 - 4).
لكان فيه كفاية «1» ، كما سنبين «2» .
فتقدير الكلام إذن: وأن الذي أوتيته كان وحيا، وإنما خصه بالذكر لأنه أول ما ظهر على يديه ورأى بسببه الملائكة، وهو قديم على أصل أهل السنة «3» وسائر معجزات الأنبياء مخلوقة، وهو المتواتر اللفظي، فلهذه الخصائص خصه بالذكر.
(1) قال المازري:" ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم ضربان: أحدهما: القرآن، وهو منقول تواترا. والثاني: مثل تكثير الطعام والشراب ونحو ذلك ولك فيه طريقان: أحدهما: تواترت على المعنى كتواتر جود حاتم طيئ وحلم الأحنف بن قيس، فإنه لا ينقل في ذلك قصة بعينها متواترة ولكن تكاثرت أرفادها بالآحاد حتى أفاد مجموعها تواتر الكرم والحلم وكذلك تواتر انخراق العادة للنبي صلى الله عليه وسلم بغير القرآن. والطريق الثاني: أن تقول: إذا روى الصحابي مثل هذا الأمر العجيب- تكثير الطعام والشراب- وأحال على حضوره فيه مع سائر الصحابة، وهم يسمعون روايته ودعواه، أو بلغهم ذلك ولا ينكرون عليه: كان ذلك تصديقا له يوجب العلم بصحة ما قال والله أعلم" اهـ.
[شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 35].
(2)
في ص: 587 وما بعدها.
(3)
قلت: مذهب أهل السنة والجماعة في كلام الله تعالى أنه صفة ذاتية فعلية، وهو قديم النوع حادث الآحاد. أو قديم النوع وإن لم يكن الصوت المعين قديما. وليس مخلوقا لأنه صفة الله والصفة تابعة للموصوف فليست مخلوقة كما زعمت الجهمية والمعتزلة، وليس بعضه مخلوقا كما قالت الكلابية والأشاعرة، فهؤلاء يقولون إن الحروف والأصوات مخلوقة. والمعاني غير مخلوقة وهي قائمة بنفس الله. وعبرت عنها أو حكتها الحروف والأصوات المخلوقة. ولا أنه صفة قديمة في الأزل لا يقبل الحدث، كقول السالمية وبعض أتباع الأئمة الأربعة. ولا أنه حادث بعد أن لم يكن كما زعمت الكرامية. وقول الطوفي" وهو قديم على أصل أهل السنة" هذا على مذهب السالمية ومن وافقهم من أتباع الأئمة الأربعة أو على قول الأشاعرة فهم يقولون إن كلام الله صفة قديمة.
وقوله:/" فمن حاول التعصب له بالتمسك بنقل الآحاد للمعجزات المردودة عند علماء المسلمين [فقال: إنه فعل وصنع فهو مكذب لقرآنه «1» وحديثه الصحيح.
فجوابه: أنا قد بينا أن القرآن والحديث الصحيح لا يد لان على أنه لم يأت بمعجز. وأما قوله:" نقل الآحاد المردودة «2» عند علماء المسلمين"] «3» فهذا عدم علم بأصول المسلمين واصطلاحهم في دينهم، فيحتاج أن «4» نشرح ذلك بيّنا، ليعرفه من وقف عليه ممن لم يعرفه. فنقول: اعلم أن الخبر إما متواتر أو آحاد والمتواتر لفظي «5» أو معنوي.
فالمتواتر هو: الخبر الّذي ينقله عدد لا يتواطأ مثلهم على الكذب لكثرتهم عن مثلهم عن مثلهم إلى محل صدوره، يستوي طرفاه وواسطته في ذلك، ويستند في أصله إلى حس، لا إلى نظر، واللفظي منه: ما كان الاتفاق فيه على قضية واحدة معينة" يخبر بها هؤلاء القوم بالشرط المذكور، كطوفان نوح، وإغراق «6» فرعون. وقلب «7» عصا موسى حية، وإحياء المسيح الموتى «8». وقول محمد: إني
(1) في (أ): لقراءته.
(2)
في (م): المردود.
(3)
ما بين المعكوفتين ساقط من (ش).
(4)
في (م): إلى أن.
(5)
في (ش)، (م): اما لفظي.
(6)
في (أ): واغتراف.
(7)
في (أ): وقلت.
(8)
بإذن الله.
رسول الله، وتحديه العرب بالقرآن، ونحو ذلك.
والمعنوي: ما كان إخبار المخبرين فيه عن عدة «1» قضايا جزئية تشترك في كلي واحد، كسخاء حاتم «2» ، وشجاعة علي. فإن التواتر لم يوجد في قضية واحدة/ من مكارم حاتم، ولا من شجاعة علي. بل نقل قوم: أن حاتما وهب يوما فرسا ويوما قطعة إبل، ويوما قطيع غنم، ويوما باع نفسه ببعيرين نحرهما لضيفه. في قضايا كثيرة/ حصل التواتر بمجموعها لا بواحدة منها.
وكذلك في شجاعة" علي": صح عنه أنه كان يوم بدر أول مبارز «3» . ويوم أحد أول مقاتل «4» ، ويوم الخندق بارز
(1) في (ش): هذه.
(2)
حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي القحطاني، أبو عدي، فارس شاعر جواد جاهلي يضرب المثل بجوده، كان من أهل نجد وزار الشام فتزوج من الغساسنة، ومات في جبل من بلاد طيئ اسمه عوارض، وذلك بعد ولادة النبي صلى الله عليه وسلم بثمان سنوات تقريبا.
[انظر الأعلام 2/ 151].
(3)
أخرج البخاري- رحمه الله في تفسير سورة الحج، باب:" هذان خصمان اختصموا في ربهم" عن قيس بن عباد عن علي رضي الله عنه قال:" أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة" قال قيس: وفيهم نزلت: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [الحج: 19] قال:
هم الذين بارزوا يوم بدر: علي وحمزة وعبيدة، وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة" وأخرجه بنحوه في المغازي، باب قتل أبي جهل، وأخرجه مسلم في آخر كتاب التفسير، وهو آخر حديث في صحيحه.
(4)
أبلي الصحابة- رضي الله عنهم يوم أحد بلاء حسنا كحمزة وأبي دجانة ومصعب بن عمير، الذي كان يحمل راية المسلمين، فلما قتل دفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي- رضي الله عنه، ولما حمي القتال أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن قدم الراية، فتقدم علي فناداه أبو سعد بن أبي طلحة، وهو-
عمرا «1» ، وقد نكل عنه الناس، ويوم خيبر/ خصه النبي- صلى الله عليه وسلم «2» بالراية، بعد رجوع الشيخين بها «3» لم يفتح عليهما، فقتل مرحبا «4» في
- صاحب لواء المشركين أن يبارزه فبارزه علي فقتله. [انظر سيرة ابن هشام المجلد الثاني ص 73 - 74، وزاد المعاد 3/ 197] قلت: ولم أجد ما يدل على أن عليا أول من قاتل، فلعله أول من بارز كما سبق. والله أعلم.
(1)
عمرو بن عبد ود العامري من بني لؤي، من قريش: فارس قريش وشجاعها في الجاهلية حضر غزوة الخندق مع المشركين، وقد تجاوز الثمانين. [انظر الأعلام 5/ 81] وخبر مبارزة علي له في مستدرك الحاكم 3/ 32 - 33، وسيرة ابن هشام المجلد الثاني ص 225.
(2)
في (ش)، (م): عليه السلام.
(3)
أخرج الحاكم في مستدركه (3/ 37) عن علي أنه قال: يا أبا ليلى أما كنت معنا بخيبر قال بلى:
والله. كنت معكم. قال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر إلى خيبر فسار بالناس، وانهزم حتى رجع" قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي في التلخيص.
وأخرج الحاكم أيضا في نفس الموضع عن علي قال: سار النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فلما أتاها بعث عمر- رضي الله عنه وبعث معه الناس إلى مدينتهم أو قصرهم فقاتلوهم، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه فجاءوا يجبنونه ويجبنهم فسار النبي صلى الله عليه وسلم. الحديث. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قلت وتبعه الذهبي فقال صحيح. وأما اعطاءه الراية يوم خيبر. فخبره مشهور.
قلت: ما تقدم لا ينقص من قدر الشيخين- رضي الله عنهما ولا يقلل من فضلهما، بل تقديم النبي صلى الله عليه وسلم لهما في حمل الراية يدل على فضلهما أما الفتح فهذا بيد الله سبحانه وقد كان في الوقت الذي حمل علي فيه الراية.
(4)
مرحب اليهودي الذي برز في غزوة خيبر فخرج له عامر بن الأكوع فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر- رضي الله عنه ولما أخذ الراية علي- رضي الله عنه برز مرحب، وهو يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب فبرز له علي- رضي الله عنه فضرب رأسه ففلقه فقتله وكان الفتح [انظر صحيح مسلم كتاب الجهاد، باب غزوة ذي قرد وغيرها، حديث 132، ومسند أحمد (4/ 51، 52].
جماعة، من اليهود «1» ، وكان الفتح على يده «2»: وفي يوم حنين قتل ذا الخمار برازا «3» . وفر الناس عن النبي- عليه السلام فلم يبق معه إلا هو «4» سابع سبعة «5» ، وأنه لم يرجع عن مقبل، ولا تبع مدبرا ونحو ذلك مما حصل بمجموعه العلم بشجاعته.
وإن شئت فسم الأول تواترا منفردا «6» والثاني تواترا مركبا، أعني من
(1) في (أ): واليهود، وفي (ش) جماعة اليهود.
(2)
حديث اعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم الراية لعلي يوم خيبر وفتح الله على يديه: أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة خيبر، في كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي، وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد، باب غزوة ذي قرد وغيرها، حديث 132، والترمذي في كتاب المناقب، باب مناقب علي، وأحمد في المسند (1/ 185، 4/ 52).
(3)
ذو الخمار: عوف بن الربيع بن سماعة. شجاع يعرف بذي الخمار، لأنه لبس خمار امرأته في معركة فطعن الكثيرين من مقاتليه فيها، فكانوا إذا سئل أحدهم: من طعنك؟ قال: ذو الخمار فاشتهر بهذا اللقب. وكان حامل راية المشركين في غزوة حنين. فقدم إليه علي- رضي الله عنه وأحد الأنصار، وذو الخمار على جمل فضرب علي عرقوبي الجمل فوقع على عجزه ووثب الأنصاري فضربه ضربة طيرت قدمه بنصف ساقه، فسقط عن رحله. [انظر سيرة ابن هشام المجلد الثاني ص 445، والأعلام 5/ 95] قلت: ولم يكن في القصة أنهما تبارزا. والله أعلم.
(4)
في (أ): الا وهو.
(5)
اختلف الناس في عدد من بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقيل: أربعة نفر، وقيل: سبعة، وقيل: عشرة، وقيل: اثنا عشر، وقيل: ثمانون، وقيل: مائة. وليس في الروايات ما يدل على حصر العدد [انظر مسند الإمام أحمد 1/ 453، وجامع الترمذي، كتاب الجهاد، باب ما جاء في الثبات عند القتال، وتفسير ابن كثير 2/ 344].
(6)
في (أ): مفرادا.
مجموع قضايا. وإن شئت سم الأول كليا، والثاني جزئيا لا حجر في شيء من ذلك «1» .
وأما الآحاد: فما رواه العدل الضابط عن مثله عن مثله «2» إلى محل صدوره، ثم ينقسم إلى مستفيض وغيره، فالمستفيض أعلى من الآحادي، ودون التواتر «3» .
(1) المتواتر- عند كثير من المحدثين والأصوليين- لغة: التتابع، نقول: تواتر المطر، أي تتابع نزوله.
واصطلاحا: ما رواه جماعة يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب من أول السند إلى منتهاه.
وهو لفظي كما ذكر المؤلف ومعنوي. ويفيد القطع بصدقه أي يفيد العلم ويوجب العمل به، ولابن تيمية رأي طيب فيما يفيد العلم وملاحظة على التعريف المتقدم فهو يقول:" والصحيح ما عليه الأكثرون: أن العلم يحصل بكثرة المخبرين تارة، وقد يحصل بصفاتهم لدينهم وضبطهم، وقد يحصل بقرائن تحتف بالخبر يحصل العلم بمجموع ذلك، وقد يحصل العلم بطائفة دون طائفة. وأيضا فالخبر الذي تلقاه الأئمة بالقبول تصديقا له أو عملا بموجبه يفيد العلم عند جماهير الخلف والسلف، وهذا في معنى التواتر، لكن من الناس من يسميه المشهور والمستفيض، ويقسمون الخبر إلى متواتر، ومشهور وخبر واحد
…
" اهـ. ثم مثل على ذلك بحديث (إنما الأعمال بالنيات) الذي هو من غرائب الحديث وليس أصله متواترا ولكن تلقته الأمة بالقبول والتصديق وصار مقطوعا به لا أحد يشك في صحته. وبين أن مما يبين عدم انضباط هذا التقسيم للحديث أن عدد التواتر غير منضبط فهم مختلفون فيه من أربعة إلى ثلاثمائة وستة عشر، وهذا مما يدل على بطلان هذا التقسيم. [انظر فتاوى ابن تيمية 18/ 48 - 51، ونزهة النظر لابن حجر ص 26، والمغني في أصول الفقه للخبازي ص 191، وتيسير مصطلح الحديث للطحان ص 18، 19].
(2)
في (أ):"
…
الضابط عن مثله إلى محل
…
".
(3)
المستفيض هو: المشهور على رأي جماعة. وعلى رأي آخرين: الحديث الذي روته الجماعة وكان في ابتدائه وانتهائه سواء. والمشهور أعم من ذلك. ومن الأصوليين من يجعل المستفيض قسم مستقل على حدة دون المتواتر وفوق المشهور عند المحدثين. [انظر نزهة النظر ص 23، 24، ومقدمة ابن الصلاح ص 238 - 242، والحديث النبوي للصباغ ص 188] قلت: وهو حجة يفيد العلم ويوجب العمل كما تقدم في قسم الدراسة.
فإذا عرفت هذا فمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم متواترة «1» .
لكن القرآن تواتره لفظي: وما عداه منها تواتره معنوي، على ما بينا وسنبين، بضرب المثال وحينئذ يتبين أن قوله:" إن «2» ما عدا القرآن من معجزاته آحاد مردودة، عند علماء المسلمين" كلام شخص غير محصل وإنما المردود عندهم هو إخبار الواحد عن الواحد أو الاثنين «3» في قضية واحدة فهذا يوجب العمل، ولا يفيد العلم، ولا يثبت به أصل من أصول الشريعة ولا يرد به عليها «4» قدح «5» .
(1) ليست كل معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وردت إلينا بالتواتر على اصطلاح المحدثين والفقهاء. وإنما منها ما ورد بطريق التواتر ومنها ما جاء بطريق المشهور والمستفيض ومنها ما هو خبر واحد تلقته الأمة بالقبول كحديث تسليم الحجر على النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي ص: 572 من هذا الكتاب. ولكن يحمل كلام المؤلف- رحمه الله على ما قاله المازري:" إذا روى الصحابي مثل هذا الأمر العجيب وأحال على حضوره فيه مع سائر الصحابة، وهم يسمعون روايته ودعواه، أو بلغهم ذلك ولا ينكرون عليه: كان ذلك تصديقا له يوجب العلم بصحة ما قال". [انظر هامش ص 564 من هذا الكتاب] وأيضا: فإن مجموع ما روي من معجزات محمد صلى الله عليه وسلم يحصل منه التواتر بأن له معجزات غير القرآن كما مثل الطوفي- رحمه الله.
(2)
ان: ليست في (م).
(3)
في (م): والاثنين.
(4)
في (أ): علينا وفي (ش): ولا يرد عليها.
(5)
خبر الواحد لغة: ما يرويه شخص واحد، وفي اصطلاح المحدثين: ما لم يجمع شروط المتواتر.
وعند الأصوليين: الذي يرويه الواحد أو الاثنان فصاعدا بعد أن يكون دون المشهور- المستفيض- والمتواتر. [انظر نزهة النظر ص 26، والمغني في أصول الفقه للخبازي ص 194]. قلت: وخبر الواحد حجة شرعية في أصول الشريعة الإسلامية إذا رواه مسلم عاقل عدل تام الضبط عن مثله
…
إلى محل صدوره، كما سبق بيان ذلك في قسم الدراسة من هذا البحث.
وقد بينا- فيما سبق «1» - أن جميع ما أورده هذا الخصم من أخبار «2» الآحاد التي زعمها قادحة في الشريعة لا ترد علينا ولا يلزمنا الجواب عنها، وإنما أجبنا عنها في أماكنها تبرعا.
إذا عرفت هذا. فالقرآن معجز ثابت بالتواتر اللفظي، كما سنبين، وباقي المعجزات بالتواتر المعنوي. وقد صنف الناس فيها كتبا ضخمة كالشفاء للقاضي/ عياض، والوفاء بفضائل المصطفى، لأبي الفرج ابن الجوزي «3» ، ودلائل النبوة، للبيهقي «4» ، والبشر بخير البشر، لابن ظفر «5» .
ورأيت لبعض المغاربة: دلائل النبوة ومعجزاتها عشر مجلدات، وغير ذلك مما لم أقف عليه كثير. وإنما أذكر منها هنا جملة منبهة على غيرها:
فمنها: ما أخرجاه/ في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين حتى نظروا إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «6» : اشهدوا.
والروايات بانشقاق القمر في الصحيح عن ابن عمر، وابن عباس وأنس «7» .
(1) انظر ص: 243 - 245 من هذا البحث.
(2)
في (أ): من جميع الآحاد.
(3)
تقدمت ترجمته في الدراسة ص: 179.
(4)
تقدمت ترجمته في الدراسة ص: 180.
(5)
تقدمت ترجمته في الدراسة ص: 179.
(6)
صلى الله عليه وسلم: ليست في (أ).
(7)
انظر هامش ص: 257 من هذا البحث.
ومنها: ما روى جابر بن سمرة «1» . قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بمكة حجرا كان يسلم عليّ ليالي بعثت إني لأعرفه الآن. رواه مسلم «2» والترمذي «3» وقال: حسن غريب.
ومنها: ما روى علي بن أبي طالب قال:" كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله" رواه الترمذي «4» . وقال: حديث غريب.
ومنها: ما روى أنس/ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب إلى لزق «5» جذع، واتخذوا له منبرا، فخطب عليه، فحن الجذع حنين الناقة، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فمسكه «6»
(1) جابر بن سمرة بن جنادة السوائي، حليف بني زهرة، نزل الكوفة، والبصرة وكان زياد بن أبيه يستخلفه على البصرة إذا سار إلى الكوفة، وكان شديدا على الخوارج. قتل منهم جماعة. توفي سنة 58، وقيل: 59 هـ. [انظر سير أعلام النبلاء 3/ 183 - 186].
(2)
في صحيح مسلم كتاب الفضائل حديث 2.
(3)
في كتاب المناقب، باب في آيات إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم واللفظ له، وأخرجه الدارمي في المقدمة، باب ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر به والبهائم والجن، وأحمد في المسند (5/ 89، 95، 105، وأبو نعيم في دلائل النبوة ص 340.
(4)
في كتاب المناقب، باب رقم 6 بترقيم إبراهيم عطوة. وأخرجه الدارمي في المقدمة، باب ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر والبهائم والجن والحاكم في المستدرك (2/ 62) وقال:" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وصححه الذهبي في التلخيص بهامش المستدرك.
(5)
في (ش): ابرق. والترمذي:" إلى عذق جذع" ومعنى إلى لزق جذع: أي بجانبه. [انظر لسان العرب 10/ 329]. والصحيح أن الكلمة" عذق" لما سيأتي من تفسير الطوفي له.
(6)
" فمسكه" سقطت من (أ)، وفي الترمذي فمسه.
فسكن". رواه الترمذي «1» وقال:" حسن صحيح"، ورواه أحمد «2» والبخاري بألفاظ متعددة «3» .
ومنها: ما روى ابن عباس، قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
بم «4» أعرف أنك نبي؟ قال: «إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة تشهد أني رسول الله؟ فدعاه «5» رسول الله- صلى الله عليه وسلم «6» فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال له:" ارجع، فعاد. فأسلم الأعرابي. رواه/ الترمذي «7» وقال:" حسن صحيح «8» " والعذق: شمراخ النخل الذي فيه الرطب «9» .
(1) في كتاب الجمعة، باب ما جاء في الخطبة على المنبر، وفي كتاب المناقب باب 6 بترقيم إبراهيم عطوة، وهذا لفظ الترمذي في المناقب.
(2)
في المسند (1/ 249، 267، 363 - 3/ 295، 300، 306، 324).
(3)
في كتاب الجمعة، باب الخطبة على المنبر، وفي كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام.
قلت: وأخرجه النسائي في كتاب الجمعة، باب مقام الإمام في الخطبة، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في بدء شأن المنبر، والدارمي في كتاب الصلاة، باب مقام الإمام إذا خطب والبيهقي في دلائل النبوة 6/ 66.
(4)
في (أ): بما.
(5)
في (أ): فدعى، وفي (ش): فدعا.
(6)
صلى الله عليه وسلم: ليست في (أ).
(7)
في كتاب المناقب، باب 6 بترقيم إبراهيم عطوة، وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 620) وقال:
" هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" وسكت عنه الذهبي في التلخيص موافقة له في حكمه.
(8)
عبارة الترمذي:" حديث حسن غريب صحيح".
(9)
العثكال الذي عليه الثمر. [انظر غريب الحديث للخطابي 1/ 482، ولسان العرب 3/ 31، والمصباح المنير 1/ 381].
ومنها ما روى يعلى بن مرة «1» قال: خرجت مع النبي- صلى الله عليه وسلم «2» ذات يوم إلى الجبانة «3» ، حتى إذا أبرزنا «4» ، قال: انظر ويحك «5» هل ترى من شيء يواريني «6» "؟ قلت: ما أرى شيئا يواريك «7» إلا شجرة، ما أراها
(1) أبو المرازم يعلى بن مرة بن وهب بن جابر الثقفي. ويقال: العامري. اسم أمه: سيّابة، فنسب إليها، فقيل: يعلى بن سيّابة. شهد الحديبية، وخيبر، والفتح، وحنينا، والطائف. وكان من أفاضل الصحابة. ولم تذكر سنة وفاته. [انظر الاستيعاب 4/ 1587، والإصابة 3/ 669، (ت:
9361)].
(2)
صلى الله عليه وسلم: ليست في (م)، (ش).
(3)
الجبانة: الجبّان والجبّانة الصحراء، وهي المراد هنا، وتسمى المقابر أيضا: جبّانة لأنها تكون في الصحراء، تسمية للشيء بموضعه. [انظر الفتح الرباني 22/ 44، والمصباح المنير 1/ 111، ومراصد الاطلاع 1/ 310].
(4)
وفي المسند: برزنا.
وبرزنا: من البراز بالفتح: الفضاء الواسع الخالي من الشجر، وقيل: البراز: الصحراء البارزة.
فيكون معنى الجملة هنا: حتى إذا كنا في الفضاء الخالي من الشجر، أو في الصحراء البارزة.
[انظر المصباح المنير 1/ 56، وتهذيب الأسماء واللغات 3/ 25].
(5)
ويحك: كلمة ترحم وتوجع. تقال لمن وقع في بلية يرحم ويدعى له بالتخلص منها. وهي مقابل كلمة ويل التي هي كلمة عذاب تقال لمن وقع في هلكة أو بلية لا يترحم عليه. قال صلى الله عليه وسلم:
«ويح عمار تقتله الفئة الباغية" [أخرجه البخاري، في الصلاة، باب: 63، ومسلم: في الفتن حديث: 7] وقال صلى الله عليه وسلم: «ويلك من يعدل إذا لم أعدل» [اخرجه البخاري في الأدب، باب 95]، وانظر لسان العرب 2/ 638 - 639].
(6)
أي يسترني. [الفتح الرباني 22/ 44].
(7)
يواريك: سقطت من: (م)، (ش).
تواريك قال:؛ فما قربها «1» ؟ " قلت: شجرة مثلها أو قريب منها. قال: فاذهب إليهما فقل: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم «2» يأمركما أن تجتمعا بإذن الله" قال: فاجتمعنا، فبرز لحاجته ثم رجع فقال:" اذهب إليهما فقل لهما" إن رسول الله يأمركما أن ترجع كل واحدة منكما إلى مكانها فرجعت «3» .
قال: وكنت معه ذات يوم جالسا إذ جاء جمل يخب حتى برك بين يديه ثم ذرفت «4» عيناه فقال:" ويحك انظر لمن هذا الجمل إن له لشأنا"/ قال: فسألت فوجدته «5» لرجل من الأنصار، فدعوته إليه فقال: ما شأن جملك هذا؟ قال:
لا أدري، عملنا «6» عليه ونضحنا عليه «7» حتى عجز عن السقاية فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه قال:" فلا تفعل هبة لي، أو بعنيه" قال «8» : بل هو لك يا
(1) في المسند:" فما بقربها".
(2)
صلى الله عليه وسلم: ليست في (أ)، (ش).
(3)
إلى هنا أخرجه مسلم بمعناه: في كتاب الزهد، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر حديث 74، وبنحوه أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة، باب الارتياد للغائط والبول، وأبو نعيم في دلائل النبوة ص 333 - 337.
(4)
عبارة المسند:" قال: وكنت عنده جالسا ذات يوم إذ جاءه جمل يخبب حتى صوب بجرانه بين يديه
…
" وبجرانه: أي باطن عنقه [انظر الفتح الرباني 22/ 44].
(5)
عبارة المسند:" قال: فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته
…
".
(6)
في مسند أحمد:" لا أدري والله ما شأنه، عملنا
…
".
(7)
عليه: ليست في (أ).
(8)
في مسند أحمد: فقال.
رسول الله. قال: فوسمه بسمة الصدقة «1» ثم بعث به «2» .
ومنها: أنه صح أن قتادة بن النعمان قلعت عينه في حرب فقال: يا رسول الله إن لي امرأة وأنا أحبها وأخاف أن تبغضني لعوري أو كما قال «3» ، وكانت قد سالت على خده. فأعادها النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكانها فكانت أحسن عينيه بعد «4» .
وروى البكري «5» في سيرته: أن جابر بن عبد الله الأنصاري دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته في حفر «6» الخندق" وقد ذبح له شاة وطبخها وكان له ابنان صغيران،/
(1) في (أ): للصدقة.
(2)
أخرجه بكامله بهذا اللفظ الإمام أحمد في المسند (4/ 170 - 171) والدارمي بمعناه في المقدمة، باب ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر والبهائم، والحاكم بغير هذا اللفظ في المستدرك (2/ 617 - 618) وقال:" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة" وتبعه الذهبي في التلخيص فقال:" صحيح". وأخرجه البيهقي من طرق بألفاظ في دلائل النبوة (6/ 18 - 27)، وله شواهد عديدة متفرقة في كتب السنة.
(3)
في (م):" قال قال".
(4)
سبق تخرجه في هامش ص: 261 من هذا الكتاب.
(5)
أبو الحسن: أحمد بن عبد الله بن محمد البكري، تقدمت ترجمته في ص 178 من قسم الدراسة. وهو:" طرقي مفتر، لا يستحي من كثرة الكذب، شحن به مجاميعه وتواليفه، هو أكذب من مسيلمة".
قلت: وهو غير العلامة أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري الذي صنف في أعلام النبوة، وفي فنون شتى.
(6)
في حفر: سقطت من: (م).
فقال أحدهما للآخر: قم حتى أفعل بك، كما فعل أبونا بالشاة، فذبحه ثم جاء «1» ليجعله في التنور، وهو مسجور، فوقع الآخر على رأسه فيه فاحترق، فوقع الصائح في دار جابر. فأخبر النبي بذلك فدعا بهما، فشملهما بكساء أو نحوه، ثم توضأ وصلى ودعا الله، فقاما حيين «2» .
إلا أن هذا لم يثبت ثبوت غيره من الخوارق «3» .
ومنها: أنه- عليه السلام يوم حنين لما ولى أصحابه نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب الأرض، ثم استقبل به وجوههم فقال:" شاهت الوجوه" فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله.
وقسم رسول الله غنائمهم «4» بين المسلمين" رواه مسلم «5» ./
(1) فى (أ): ثم جاز.
(2)
لم أجد أن أحدا أخرج هذه القصة غير البكرى الكذاب، ولو كانت صحيحة لما تركها المحدثون وأهل السير، ولكانت مشهورة لأنها من الأمور ذات الشأن العظيم، وهو إعادة الأموات أحياء، وهذا لا يكون إلا لله عز وجل فهو القادر على أن يقول للشيء كن فيكون. وهذه معجزة لعيسى عليه السلام ولم تذكر لأحد من الأنبياء غيره. والله أعلم.
(3)
قلت: لا يليق بالطوفي إخراج مثل هذه الحكاية الكاذبة التي من طريق البكري وأمثاله ممن اشتهروا بالوضع والكذب.
(4)
فى صحيح مسلم:" فهزمهم الله- عز وجل وقسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم غنائمهم .. ".
(5)
فى كتاب الجهاد، باب غزوة حنين، حديث 81، وأخرجه أيضا في نفس الباب بألفاظ غير هذا.
وأخرجه البيهقى فى دلائل النبوة (5/ 137 - 145) من طرق متعددة وبألفاظ مقاربة لألفاظ مسلم. وأخرج القصة الإمام أحمد في المسند (1/ 453 - 454) ونقلها ابن كثير في البداية والنهاية 4/ 322 - 332 عن مسند الطيالسي، وعن مسدد في مسنده وابن عساكر، وذكر كل ما يتعلق بغزوة حنين من هذه الروايات.
وفي بعض الروايات أنه قال لبغلته: الصقي بالأرض فلصقت، فأخذ ترابا ثم قامت. وهذا لا ينافي قوله في رواية مسلم: نزل عن البغلة، لأنها لما لصقت بالأرض صار كالنازل عنها بالأرض، فشبه على الراوي فظنه نزولا حقيقيا خصوصا في ذلك الوقت الذي تشتبه الحقائق فيه على الإنسان لاشتغاله بالحرب والقتال «1» .
ومنها: قوله لأصحابه:" إني لأراكم من وراء ظهري «2» ".
ومنها: ما تواتر عنه من نبع «3» الماء من بين أصابعه كالعيون في مرات كثيرة يطول- عليّ- ذكرها «4» .
ومنها: ما أخرج مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة قال: كنا مع
(1) لم أجد هذه الرواية التي أشار إليها في كتب السنة، ولو كانت صحيحة لاستفاض خبرها مع أنها كما قال لا تنافي النزول بل في بعض روايات مسلم:" فأخذ حصيات" ولم يذكر أنه نزل ليأخذ، وفي بعض روايات البيهقى ورواية أحمد بل قال لابن عباس: ناولني كفا من تراب فناوله.
(2)
أخرجه البخاري فى كتاب الصلاة، باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة، وفي كتاب الأذان باب الخشوع في الصلاة، وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها، بألفاظ متعددة. والبيهقي في دلائل النبوة (6/ 73).
(3)
في (أ): من بيع.
(4)
انظر في ذلك ما أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية، وفي كتاب المناقب، باب علامات النبوة، وفي الأشربة، باب شرب البركة، والماء المبارك، وفي كتاب الوضوء باب الوضوء من التور، وباب الغسل والوضوء في المخضب والقدح
…
، وما أخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم حديث 4، 5، 6، 7، والترمذي في كتاب المناقب باب 6 بترقيم إبراهيم عطوة، والنسائي في كتاب الطهارة، باب التسمية عند الوضوء، والدارمي في المقدمة، باب ما أكرم الله النبي صلى الله عليه وسلم من تفجير الماء بين أصابعه، وأحمد في المسند (3/ 132، 147، 170، 215، 289، 343) وما أخرج غير هؤلاء في ذلك.
النبي صلى الله عليه وسلم في «1» مسير،/ فنفدت أزواد القوم، حتى هموا بنحر بعض جمالهم.
فقال عمر: يا رسول الله، لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها ففعل. قال: فجاء ذو البر ببره وذو التمر بتمره، فدعا عليها/ حتى ملأ القوم أزودتهم. فقال عند ذلك:" أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما «2» إلا دخل الجنة"«3» .
وفي أفراده أيضا: من حديث سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع رسول الله في غزاة فأصابنا جهد، حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا، فأمر نبي الله فجمعنا تزوادنا «4» فبسطنا له نطعا فاجتمع زاد القوم «5» فإذا هو كربضة العنز ونحن أربع
(1) في (ش): مع رسول الله صلى الله عليه.
(2)
فيها: ليست في: (م).
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل عن أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا حديث 44 عن أبي هريرة قال كنا مع النبي- صلى الله عليه وسلم في مسير، قال فنفدت أزواد القوم. حتى هم بنحر بعض حمائلهم. قال: فقال عمر: يا رسول الله: لو جمعت ما بقي من ازواد القوم فدعوت الله عليها. قال ففعل. قال فجاء ذو البر ببره، وذو التمر بتمره. قال: وقال مجاهد:
وذو النواة بنواته. قلت: وما كانوا يصنعون بالنوى؟ قال: كانوا يمصونه ويشربون عليه الماء. قال فدعا عليها. حتى ملاء القوم أزودتهم. قال فقال عند ذلك" أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة" وأخرجه في نفس الموضع بغير هذا اللفظ حديث: 45. وأخرجه البخاري أيضا بغير هذا اللفظ عن سلمة في أول كتاب الشركة وفي كتاب الجهاد، باب حمل الزاد في الغزو.
(4)
في صحيح مسلم:" فأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم فجمعنا مزاودنا" وقال النووي في شرح صحيح مسلم:" هكذا في بعض النسخ أو أكثرها. وفي بعضها: أزوادنا. وفي بعضها: تزوادنا" اهـ.
قلت: هو من تزود تزويد وتزوادا. اهـ. ومعنى: فجمعنا: أي ما تزودناه. [انظر لسان العرب 3/ 198].
(5)
في صحيح مسلم:" فاجتمع زاد القوم على النطع. قال فتطاولت لأحرزه كم هو؟ فحرزته كربضة العنز
…
". والنطع: وعاء من الأدم. [لسان العرب 8/ 357].
عشرة مائة. قال: فأكلنا حتى شبعنا جميعا ثم حشونا جربنا .. «1» ".
قلت: وهاتان قضيتان لوجهين:
أحدهما: أن الحديث الأول كان بإشارة عمر، وهذا كان ابتداء من النبي- صلى الله عليه وسلم «2» على ظاهر الحديث.
الثاني: أنه تبين في غير هذا الطريق أن إشارة عمر كانت «3» في غزوة تبوك وكان عسكرهم فيها فوق ثلاثين ألفا «4» ، وهذا الحديث أخبر أنهم كانوا أربع عشرة مائة. إلى قضايا كثيرة غير «5» هذه، حصل لنا من مجموعها العلم الجازم
(1) الجرب: الوعاء من الجلد. [انظر المشوف المعلم 1/ 151، لسان العرب 1/ 261]. قلت: وهذا آخر حديث في كتاب اللقطة في صحيح مسلم.
وتمامه:" فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (فهل من وضوء؟ قال فجاء رجل بإداوة له فيها نطفة- قليل من الماء- فأفرغها في قدح فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة- نصبه صبا- أربع عشرة مائة
…
) اهـ. قلت:
ففيه معجزتان: الأولى: تكثير الطعام. والثانية: تكثير الماء.
(2)
في (أ): من النبي عليه وسلم، وفي (ش): عليه السلام.
(3)
" عمر كانت" مكررة في (أ).
(4)
اختلفت الروايات في عدد جيش المسلمين في تبوك، ففي صحيح مسلم: كتاب التوبة، باب حديث كعب بن مالك: حديث 55:" وغزا بناس كثير يزيدون على عشرة آلاف، ولا يجمعهم ديوان"، وذكر ابن حجر في الفتح أن الحاكم في الاكليل روى من حديث معاذ أنهم أكثر من ثلاثين ألفا، وهذا ما ذكره الواقدي في المغازي (3/ 996) وابن سعد في الطبقات الكبرى (2/ 166) وقد نقل عن أبي زرعة الرازي أنهم كانوا أربعين ألفا. (فتح الباري 8/ 117 - 118) قلت: ويمكن الجمع بين الأقوال بأن العشرة آلاف هم فرسان والثلاثين غير الفرسان فيكون جميعهم أربعين ألفا. والله أعلم.
(5)
في (أ): عين.
بظهور الخارق المطلق على يديه، وإن لم يحصل العلم بوجود كل واحدة واحدة من هذه القضايا الجزئية بعينها، فهذا هو التواتر المعنوي. وهذا المذكور في إطعام الخلق الكثير من زاد قليل، أعظم مما حكاه النصارى في الإنجيل عن المسيح أنه أطعم أربعة آلاف رجل وامرأة من خمس خبزات وحوتين، وفضل اثنتا «1» عشرة سلة «2» ، لأن العسكر كان في تبوك فوق ثلاثين ألفا.
فإن قيل: هذا إنما تواتر عند المسلمين، ولم يتواتر عندنا.
قلنا: لا يخلوا إما أن تشترطوا في التواتر ما اشترطه اليهود من أن المخبرين به لا يجمعهم دين واحد أولا تشترطوا ذلك،/
فإن اشترطتموه لئلا يلزمكم تواتر هذه الخوارق لمحمد، لزمكم مثله لليهود فإنهم يقولون: ما تواترت عندنا خوارق المسيح. والنصارى متهمون.
وإن لم تشترطوه فهذه خوارق قد تواترت عند المسلمين في شرق الأرض وغربها، فيلزمكم التصديق بها.
ثم نفرض الكلام معكم في هذا الخارق الخاص: وهو إطعام الخلق الكثير من الطعام اليسير.
فنقول: كما لم يتواتر ذلك/ عندكم عن محمد، كذلك/ لم يتواتر عندنا عن المسيح، بل إنجيلكم رأيناه، فإن سلمتم سلمنا، وإن منعتم منعنا.
فإن قلتم: نمنع وتمنعون، ثم نرجع إلى ما سلمتموه من إحياء الموتى ونحوه فأنتم إلى ماذا ترجعون؟.
(1) في (أ):" اثنتي" بالنصب أو الجر. وهو خطأ نحوى.
(2)
انظر إنجيل يوحنا الأصحاح السادس.
قلنا: أما أولا «1» : فنحن ما سلمنا معجزات المسيح المطلق الذي تعتقدونه أنتم إلها أو ابن إله. وتعتقده اليهود: ابن يوسف النجار، أو لبغيّة «2» ، وإنما سلمنا معجزات المسيح، الذي بشر بمحمد وشهد له بالرسالة، وأمر من أدركه منكم باتباعه. أما مسيحكم «3» الذي تعنونه فلا نسلم أنه كان له وجود فضلا عن أنه أتى بمعجز أو غيره «4» .
ولو سلمنا ذلك لكم للزمنا أن نعتقد إلهيته كما اعتقدتم. وذلك خروج عن دين الإسلام والسلام.
وأما ثانيا: فإنا نرجع إلى القرآن، وسنبين وجه كونه معجزا.
وقوله:" إن أهل الباطل والكذب متبعوه إلى جهنم يوم القيامة".
(1) فى (م): أما الأول.
(2)
في (أ)، (م): لغية. والصحيح ما أثبته. ومعنى بغية: زانية.
[انظر تفسير القرطبي 11/ 91].
(3)
فى (أ): مستحم.
(4)
ورد إلى مصر نصراني في زمن العز بن عبد السلام فناظره فكان مما قال النصراني: إذا أجبتني على هذه المسألة دخلت الإسلام
…
ثم قال:" أيهما أفضل المتفق عليه أو المختلف فيه، فقال الشيخ عز الدين: المتفق عليه. قال النصراني: فقد اتفقنا نحن وأنتم على نبوة عيسى واختلفنا في محمد، فيلزم أن يكون عيسى أفضل وأن تتبعوه
…
فقال العز: أي عيسى تعني؟ إن كنت تعني عيسى الذي قال لبني إسرائيل: ومُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف: 6] فهو الذي نوافق على نبوته ويلزمك أن تتبعه فيما قال، وتؤمن بأحمد الذي بشر به، وإن كنت تعني عيسى لم يقل ذلك فهذا لا نؤمن به، ولا نوافق عليه، فقامت الحجة وأسلم النصراني". اهـ.
(انظر دراسة المحقق للأجوبة الفاخرة للقرافي ص 44).
قلنا: هذا سوء أدب لا يليق على عامة الناس، بل أشرافهم، فضلا عن الأنبياء أرباب الأديان العامة والنواميس المشهورة. ولكن هذا النصراني قد يعذر طبعا في هذا السفه، فإنه قد عاش في أرض الإسلام عمره ذليلا مهانا عليه الجزية، ملتزما أحكام الملة،/ لم يقدر على شفاء غيظ، ولا إراقة فيض، فشفى غيظه بالسفه خفية، كما قال بعضهم:
" أوسعتهم سبا، وراحوا بالإبل «1» "
وكما قالت العامة في المثل: ألستم في الهوى، والصفع في القفا؟ «2»
قوله:" وأهل الحق القليلون بالنسبة إلى هؤلاء يتبعون سيدنا المسيح إلى الحياة الدائمة".
قلنا: هذا مستدرك من وجهين:
أحدهما: قولك: إنكم قليلون بالنسبة إلى المسلمين. إن عنيت في دار
(1) قيل: إن رجلا من العرب أغير على إبله فأخذت، فصعد أكمة وجعل يشتم من أخذها فلما رجع إلى قومه سألوه فقال:" أوسعتهم سبا وأودوا بالإبل" وقيل: أن أول من قال ذلك: كعب بن زهير. وذلك أن الحارث بن ورقاء أغار على بني عبد الله بن غطفان، واستاق إبل زهير وراعيه فقال قصيدة وأرسلها إلى الحارث فلم يرد الإبل، فهجاه فقال كعب: أو سعتهم سبا وأودوا بالإبل فذهبت مثلا.
[انظر مجمع الأمثال 2/ 363 - 364].
(2)
لم أعرف من قاله. وقد أورد الميدانى في مجمع الأمثال (2/ 257) مثلا للمولدين قريبا منه وهو:" لو وقعت من السماء صفعة ما سقطت إلا على قفاه".
الإسلام فهو صحيح. لكن مرادك خلافه بمقتضى كلامك: يتبعون سيدنا المسيح، فإن هذا يعم- بزعمك- كل نصراني ينتحل دين المسيح، فيكون التهافت على هذا التقدير بين لفظك ومرادك. وإن عنيت مطلقا، فالنصارى أكثر الأمم فإنهم استقلوا بالبلاد الشامية «1» ، وأطراف السواحل، وهم أهل الحبشة وملاكها، وبهم وبيأجوج ومأجوج «2» تمتلئ جهنم إن شاء الله.
الوجه الثاني: قولك:" سيدنا المسيح".
من سيدك المسيح؟ لعمري إن مع التحقيق سيدك المسيح ضاع. لأن المسلمين قالوا: ما قتل ولا صلب، بل رفعه الله إليه. وأنتم تقولون: قتل وصلب ودفن وقام «3» بعد ثلاث من الأموات، واليهود وافقوكم على صلبه، وخالفوكم في قيامه. فعلى قولهم سيدكم المسيح قد صار رميما، ثم إذا كان يوم القيامة كان لكم أشد
(1) فى (م): الشمالية.
(2)
يقال: إنهم من نسل يافث، أمتان كل أمة أربعمائة ألف أمة، كل أمة لا يعلم عددها إلا الله، لا يموت رجل منهم حتى يولد لصلبه ألف رجل وهم ثلاثة أصناف: صنف منهم أمثال الأرز شجر بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع. وصنف: عرضه وطوله سواء، وصنف يفترش أذنه ويلتحف الأخرى، لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه، ويأكلون من مات منهم وقيل: صنف منهم بطول شبر سيفسدون في الأرض بالظلم والقتل وسائر وجوه الإفساد من البشر، يمنعهم الله من الدخول إلى مكة والمدينة وقد ورد من النقول ما يضيق المقام بذكرها والحكم عليها. (انظر تفسير الطبري 16/ 17 - 22، وتفسير القرطبي 11/ 56 - 58، وتفسير ابن كثير 3/ 103 - 104).
(3)
وقام: ليست في (م).