الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحجة التاسعة:
لو لم يكن محمد صادقا لكان المسيح كاذبا، لكن المسيح ليس بكاذب فمحمد صادق.
بيان الملازمة أن المسيح- صلى الله عليه وسلم قال «1» في الإنجيل:" ما من خفي إلا سيظهر، ولا مكتوم إلا سيعلن" وهذه نكرة في سياق النفي فتقتضي العموم، وأن كل خفي لا بد أن سيظهر، فعدم صدق محمد في دعواه، إما أن كان ظاهرا أو خفيا فإن كان ظاهرا كان يجب أن لا يتابعه أحد، وإن تابعه لرهبته أو رغبته فبالظاهر دون الباطن، حتى إذا زالت رهبته أو رغبته بزواله رجع عنه، لأن عاقلا لا يختار الباطل على الحق، ولا الكذب على الصدق فكيف بهذا الجمع الكبير، والجم «2» الغفير فى أقطار الأرض يختارون ذلك. هذا محال، وإن كان خفيا وجب أن يظهر لا سيما مع دهاء العرب وذكائهم وفطنتهم وصحة طبعهم وفطرتهم، فقد كان فيهم الكهنة والمنجمون والزجار «3» والمتطيرون وأكثرهم يصيبون ولا يخطئون.
منهم من الأذكياء أبو بكر وعمر وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وكثيرون لا يحصرهم عدد، وقد كانوا يستخرجون بأذهانهم ما هو أخفى من ذلك «4»
(1) في (م): وقال.
(2)
في (م): والجما.
(3)
الزجر: نوع من الكهانة والعيافة. [انظر لسان العرب 4/ 319].
(4)
من ذلك: ليست في (أ).
ويكفيهم أن ابن المقفع «1» فيلسوف العجم شهد لهم بالفضيلة على الروم والفرس وسائر الأمم فيما ذكره أبو حيان التوحيدي «2» في كتاب له. فمن المحال عادة أن يخفى عليهم أمر محمد- صلى الله عليه وسلم «3» لو كان باطلا، فدل على أنهم ما انهرعوا إليه، مع كونه أول الإسلام في نفر قليل ضعيف مستضعف إلا وقد علموا صدقه، فصح/ قولنا: لو لم يكن محمد صادقا لكان المسيح/ كاذبا في قوله:" ما من خفي إلا سيظهر" وأما أن المسيح ليس بكاذب فبالاتفاق/ منا ومنكم، ولو نازعتمونا في صدقه أنتم أو غيركم، لما وافقناكم على ذلك، لأنا نحن أحق به منكم.
(1) عبد الله بن المقفع، الكاتب المفوه، أسلم على يد عيسى بن عيسى بن علي عم السفاح والمنصور، وكتب له، وله رسائل وألفاظ طيبة، وكان متهما بالزندقة، وهو الذي صنف كتاب كليلة ودمنة، ويقال بل هو الذي عربها من المجوسية إلى العربية. قتل سنة خمس وأربعين ومائة للهجرة.
[انظر ترجمته في البداية والنهاية 10/ 96، والأعلام 4/ 140، وفي غيرهما].
(2)
أبو حيان علي بن محمد بن العباس المعروف بأبي حيان التوحيدي، المتكلم المتصوف أصله من شيراز، وقيل: من نيسابور، وقيل: من واسط، كان إماما في النحو، واللغة والتصوف فقيها مؤرخا صنف البصائر والإشارات وغيرهما قال الذهبي: كان عدوا لله خبيثا سيئ الاعتقاد ودافع عنه السبكي في طبقاته، وابن النجار. مات مستترا نحو سنة أربعمائة للهجرة. [انظر طبقات الشافعية الكبرى 4/ 2 - 3، والأعلام 4/ 326].
(3)
صلى الله عليه وسلم: ليست فى (م)، (ش).