الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُمِّلَ وعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ
…
(54)«1» وقوله:
…
إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (7)«2» وقوله:
…
ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى
…
(164)«3» ومعنى ذلك كله: أن عليك إنذارهم وليس عليك شيء من «4» عقابهم، كما قال:
…
ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ
…
(52)«5» وهذا عام فى جميع الكفار.
نعم. قد قرئ لا تُسْئَلُ على النهي له عن السؤال،/ وهو محتمل لما ذكره هذا الخصم «6» . والجواب عنه ما سبق.
[الرد على زعم النصراني بأن النبي- صلى الله عليه وسلم لا بدّ أن يعلم الغيب]
وذكر النصوص التي تضمنت أنه لا يعلم الغيب كقوله «7» : وما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ
…
(9)«8» وقوله:
…
ولَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ
…
(188)«9» .
(1) سورة النور، آية:54.
(2)
سورة الرعد، آية:7.
(3)
سورة الأنعام، آية: 164، وسورة الإسراء، آية: 15، وسورة فاطر، آية: 18، وسورة الزمر، آية:7.
(4)
«شيء من» ليست في (ش).
(5)
سورة الأنعام، آية:52.
(6)
انظر تفسير الطبري (1/ 515 - 516). وتفسير القرطبي (2/ 92)، وتفسير ابن كثير (1/ 162).
(7)
في (أ): لقوله.
(8)
سورة الأحقاف، آية:9.
(9)
سورة الأعراف، آية:188.
قال:" فأخبر أنه لو كان يعلم الغيب لاجتلب الخير، واجتنب الشر، واستعد لكل أمر بما ينبغي له. وكقوله «1»:
…
لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً ولا ضَرًّا
…
(188)«2» وقوله: ولا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ ولا أَعْلَمُ الْغَيْبَ
…
(31)«3»
وقوله: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا ولا رَشَداً (21)«4» وقول عائشة:" من زعم أن محمدا يخبر بما يكون فقد أعظم الفرية على الله «5» . والله يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ والْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ
…
(65)«6» .
قلت: هذا غير وارد بحمد الله- تعالى- فإن محمدا لم يدع أنه يعلم الغيب كله ولا أنه يعلم ما علم منه بنفسه، بل بإخبار الله له بذلك، كما قال الله سبحانه: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27)«7» .
(1) في (ش)، (أ): لقوله.
(2)
سورة الأعراف، آية:188.
(3)
سورة هود، آية:31.
(4)
سورة الجن. آية: 21.
(5)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب معنى قول الله: ولَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: 13] حديث: 287، والترمذي بنحوه في تفسير سورة الأنعام، حديث 3068.
(6)
سورة النمل، آية:65.
(7)
سورة الجن. آية: 26.
وأما قول عائشة:" من زعم أن محمدا يخبر بما يكون" فلا أعرف هذا اللفظ إنما المشهور من رواية الترمذي وغيره أنها قالت:" ومن زعم أن محمدا يعلم ما في غد «1» " والمعنى متقارب، وكلامها محمول على ما ذكرناه من التقييد، أي لا يعلم ما في غد ولا يخبر بما يكون من عند نفسه بل بإخبار الله له وهل كان النبي- صلى الله عليه وسلم إلا عبدا مأمورا «2» ؟.
ولم يكن إلها معبودا كما اعتقدتم في المسيح، ثم خفي عنكم ما تضمنه اعتقادكم الفاسد، من جهلكم المتزايد، فإن المسيح إن كان يعلم الغيب فكيف لم «3» يعلم أنه يؤخذ فيقتل،/ فيختفي عنهم، لئلا يقع في الصلب والقتل؟.
فإن قلتم: كان يعلم ذلك لكن هو سلم نفسه ليفتدي الخلق من العذاب بنفسه.
قلنا: نتابعكم على جهلكم في هذا، ونسلمه لكم، لكنه لما بات ليلة في الجبل ساهرا يصلي ويدعو أباه من الموت، ويعبر عنه كأسه.
(1) لفظ مسلم في الموضع المشار إليه سابقا:" قالت ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية
…
" الحديث.
(2)
قال صلى الله عليه وسلم: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله" [أخرجه البخاري في عدة مواضع منها: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله: واذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها [سورة مريم 16]. وأحمد فى المسند (1/ 23، 24، 55)].
(3)
لم: سقطت من (م).
يرد عليكم إذ من يجود بنفسه هذا الجود، كيف يجزع هذا الجزع ويشح بنفسه هذا الشح، ويستسعد بالتلاميذ أن يساهروه، ويسألوا معه تعبير «1» كأس الموت عنه؟.
سامحناكم في هذه، لكنه لو كان يعلم الغيب- كما زعمتم- فلا يخلو في سؤاله تعبير كأس الموت عنه، إما أن يكون علم أنه يجاب في سؤاله أو لا يجاب/ والأول باطل لوقوع الأمر بخلافه، فما علم الغيب في هذه القضية «2» .
والثاني: يوجب أن سؤاله كان عبثا لا يليق برعاع الناس فضلا عن الأنبياء على رأينا فيه. فضلا عن ابن الله أو الله، خالق السموات والأرض على رأيكم الفاسد فيه.
ثم نقول لكم: من «3» من الأنبياء/ علم الغيب لذاته؟ آدم لما أخرج من الجنة؟
أو إبراهيم لما امتحن بذبح ولده؟ أو إسحاق لما أوهمه ابنه يعقوب أنه ابنه العيص، فأخذ بكوريته وجعل يخبر «4» في أمره، ويقول:" الصوت صوت يعقوب واللمس لمس العيص"«5» ؟ أو يعقوب لما جرى ليوسف ما جرى وهو يظنه ميتا؟ أو موسى لما
(1) في (ش): للقضية.
(2)
في (م): في تعبير.
(3)
(أ):" لكم من الأنبياء".
(4)
في (أ):" يخير في أمره". وغير واضحة في (م). وما أثبته من (ش) ولعل الصواب يتحير.
(5)
في التراجم الحديثة:" عيسو" انظر سفر التكوين الأصحاح السابع والعشرين.
أرسل فرعون الذّبّاحين خلفه «1» ليقتلوه؟ فلو لم يبادر رجل مؤمن فأنذره حتى هرب لفات فيه الفائت.
ما أقل عقل هؤلاء القوم الضلال، بل ما أقل من يتعجب من قلة عقولهم بعد ما يعلم منهم ما هم عليه. إنما الأنبياء عبيد الله يعلمهم ما لا يعلمون وما لا يعلمهموه لا يعلموه.
قال:" وينضم إلى ذلك وعده للمسلمين يوم أحد بالنصر على عدوهم، فكان بخلاف ما أخبرهم. فقتلوا وهزموا وجرح هو وانكسرت رباعيته، ودخل حلق المغفر «2» في وجهه ثم لما تبين كذبه اعتذر إليهم بقوله: وكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وما ضَعُفُوا ومَا اسْتَكانُوا
…
(146)«3» الآية.
قال:" واعتذاره أقبح من خلف وعده، لأنه باطل. فإن الأنبياء المتقدمين على نوعين:
أحدهما: جاءوا باللين والملاطفة والخشوع مثل حزقيال وارمياء وأشعياء ونحوهم لم يحاربوا أحدا، ولا خاصموه، بل أعداؤهم الكفار استضعفوهم فعذبوهم وقتلوهم ولم يقتل/ أحد منهم في حرب ولا قتل معه حبر.
(1) خلفه: ليست في (م).
(2)
المغفر: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة.
[انظر لسان العرب 5/ 26، ومختار الصحاح ص 476 - 477].
(3)
سورة آل عمران، آية:146.
الثاني: جاءوا بالتأييد من عند الله، والظهور على الأعداء والقهر لهم فقمعوا المشركين، ولم يقتل أحد منهم في حرب ولا هزم يوما واحدا، ولا قتل معه ربي «1» ولا حبر مثل موسى وداود وسليمان".
قال:" وأنت إذا تأملت أحوال/ محمد، علمت أنه ليس من أحد هذين النوعين، لأنه لم يأت بخشوع ولا خضوع فيكون من النوع الأول ولا أيد بمعجزة يقهر بها أعداءه فيكون من النوع الثاني.
نعم. هو من النوع الذي حذر عنه سيدنا/ المسيح حيث قال في إنجيله الطاهر:" تحذروا عن الأنبياء الكذابين، الذين يأتونكم في لباس الضأن وهم في الباطن ذئاب خاطفة، ومن ثمراتهم تعرفونهم"«2» .
قلت: أما خروج النبي- صلى الله عليه وسلم إلى أحد فلم يكن منشرحا له، ولا اختاره بادئ الرأي. وإنما كان رأيه: أن يتحصن في المدينة فإن دخل العدو عليه قاتله بالسلاح والحجارة وإن بقي خارج المدينة بقي بشر، ولم يلق كيدا.
(1) الربي كالرباني: جمعه ربيون، والربيون الجماعات الكثيرة، ويقال: عشرة آلاف. ومنه قوله تعالى: وكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ [سورة آل عمران: 146] قال القرطبي- رحمه الله:" وقد روي عن ابن عباس بفتح الراء منسوب إلى الرب. قال الخليل: الرّبي الواحد من العباد الذين صبروا مع الأنبياء. وهم الربانيون، نسبوا إلى التأله والعبادة ومعرفة الربوبية لله تعالى.
[انظر مختار الصحاح ص 228، والمفردات في غريب القرآن ص 184، وتفسير القرطبي 4/ 230، وتفسير ابن عطية 3/ 255 - 256]. وسيأتي زيادة بيان بعد صفحات قليلة.
(2)
انظر إنجيل متى الأصحاح السابع.
لكن رجالا من المسلمين ممن لم يشهدوا بدرا تأسفوا على فوات حضورها فأشاروا بالخروج إلى أحد وألحوا على ذلك لما أراد الله لهم من الإكرام بالشهادة وتصديقا لرؤيا النبي- صلى الله عليه وسلم حيث رأى في منامه كأنه في درع حصينة، وكأن في سيفه فلولا، وكأن بقرا تذبح. فأول الدرع الحصينة بالمدينة، والفلول في سيفه بأنه يصاب أصحابه، والبقر بمن قتل من الكفار يومئذ «1» .
وأما وعده إياهم بالنصر فصحيح. وقد نصروا في أول الحرب وهزم الله الكفار، لكن لما خالف الرماة ما أمرهم به، وتركوا مراكزهم التي «2» وكلوا
(1) أخرج الدارمي في كتاب الرؤيا، باب في القمص والبير واللبن
…
وغير ذلك في النوم. قال:
أخبرنا الحجاج بن منهال، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا أبو الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:(رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقرا ينحر فأولت أن الدرع: المدينة، وأن البقر: نفر والله خير، ولو أقمنا بالمدينة، فإذا دخلوا علينا قاتلناهم، فقالوا: والله ما دخلت علينا في الجاهلية، أفتدخل علينا في الإسلام، قال: فشأنكم إذا. وقالت الأنصار بعضها لبعض: رددنا على النبي صلى الله عليه وسلم رأيه، فجاءوا فقالوا: يا رسول الله شأنك فقال: الآن إنه ليس لنبي إذا لبس لامته أن يضعه حتى يقاتل». قلت: ورجاله رجال الصحيح. وقد أخرجه أحمد بنحو هذا اللفظ في المسند (3/ 351)، ورجال إسناده رجال الصحيح أيضا. وأخرج أحمد في المسند (1/ 271) عن ابن عباس قال: تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد، فقال: «رأيت في سيفي ذي الفقار فلا فأولته فلا يكون فيكم، ورأيت أني مردف كبشا فأولته كبش الكتيبة، ورأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة ورأيت بقرا تذبح، فبقر والله خير، فبقر والله خير، فكان الذي قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم" اهـ.
(2)
في (م): للتى.
بحفظها وطلبوا «1» الغنيمة من أموال المشركين، عاقبهم الله بالمخالفة فخرج عليهم الكمين فنال منهم ما نال «2» .
وقد شرح الله هذه القصة في القرآن حيث يقول: ولَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ - أي تقتلونهم «3» - بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا ومِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ولَقَدْ عَفا عَنْكُمْ واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ ولا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ والرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ الآيات «4» .
فقد صدقهم في/ الوعد لكنهم خالفوا فعوقبوا بذنبهم. ثم يقال: إنما وعدهم بالنصر الكلي ذلك اليوم بشرط أن يسمعوا له ويطيعوا لكنهم خالفوا فانتفى المشروط لانتفاء شرطه.
وأما ما أصابه من ذلك في نفسه: فهو كالذي أصاب الأنبياء قبله من القتل والضرب، بل من النشر بالمناشير، كما جرى لجرجيس النبي- عليه السلام «5» -.
(1) في (ش)، (أ): فطلبوا.
(2)
فى (أ): مآبان.
(3)
انظر تفسير الطبري 4/ 127، وتفسير القرطبي 4/ 235.
(4)
سورة آل عمران، الآية: 152 - 153.
(5)
تقدمت الإشارة إلى الرجل الصالح" سرجس" أو جرجيس ص: 374. وأنه أحد من أدرك بعض حواري عيسى- عليه السلام، ومما ذكره عنه الطبري أنه كان كذلك ثم أوحي إليه فصار نبيا، وذكر كثيرا من قصص تعذيبه وسجنه وصبره على ذلك، وذكر شيئا من معجزاته. [انظر تاريخ الأمم والملوك 2/ 24 - 34] قلت: ولا نبي بعد عيسى عليه السلام لقول محمد صلى الله عليه وسلم:
(
…
وليس بينى وبينه نبي) أخرجه البخاري وغيره.
وأما قوله: وكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ «1» مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ
…
(146) فهو إخبار صحيح لكن قوله قاتَلَ مَعَهُ/ رِبِّيُّونَ فيه تقديران مناسبان لسياق القصة.
أحدهما: أن الكلام تم على قوله: «قتل» وفيه ضمير النبي، أي كائن. أي كم من نبي قتل، وهو صحيح، فإن الخصم قد اعترف بأن كثيرا من الأنبياء قتلوا كيحيى وزكريا والمسيح- على زعمه- وغيرهم كثير. وقوله: مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ جملة حالية، أي قتل حال كونه ذا أصحاب كثيرين فما أوجب قتله لهم أن تزلزلوا في دينه، بل ثبتوا عليه بعده «2» .
ووجه مناسبة هذا التقدير: أن الشيطان صاح يوم أحد:" قتل محمد" فاضطربت قلوب أصحابه. وقالوا: عمن عدنا نقاتل؟ ولمن نتبع؟ فعاتبهم الله على هذا «3» بقوله: وما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ومَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) إلى قوله:
وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ
…
(146)«4» أي ما ضعف أحد بعد نبيه ورجع عن دينه، كما هممتم أنتم أن/ تفعلوا.
(1) هذه قراءة جماعة من قراء الحجاز والبصرة. وجميع القراء ما عدا ابن عامر. ورجح ابن جرير هذه القراءة. [انظر كتاب الإقناع في القراءات السبع 2/ 622، وتفسير ابن جرير 4/ 116، وتفسير القرطبي 4/ 229، وتفسير ابن كثير 1/ 410، وتفسير ابن عطية 3/ 251 - 256].
(2)
انظر تفسير الطبري 4/ 116، وتفسير القرطبي 4/ 229، وتفسير ابن كثير 1/ 410، وتفسير ابن عطية 3/ 253 - 257.
(3)
انظر تفسير القرطبي 4/ 228، وتفسير ابن كثير 1/ 409.
(4)
سورة آل عمران، آية: 144 - 146.
التقدير الثاني: أن" قتل" مسند إلى" ربيون" وهم جمع" ربي" والربي منسوب إلى الربة وهي الجماعة كأنه قال: قتل معه قوم رؤساء ذوو جماعات كالقواد والأمراء «1» . وقيل الربيون: الأتقياء العلماء «2» ، وهذا مناسب لقوله قبل ذلك: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) ولَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)«3» .
ولكونهم وجدوا لما أصابهم يوم أحد من قتل الإخوان والأقارب فكأنه يسليهم بذلك ويأسيهم بمن سبق منهم.
ولا شك أن من الأنبياء المتقدمين من كان ذا حروب ومغازى كداود وسليمان وموسى ويوشع بن نون، ولم يزل بنو إسرائيل بعد موسى عليه السلام «4» يكون لهم ملك للحرب، ونبي يعرّفه بأمر الله بالوحي.
والجهاد فيهم دائم، وكانوا/ يقدمون التابوت بين أيديهم، وكان من حمله لا يرجع به حتى يفتح عليه أو يقتل «5» . وقد غزا يوشع بن نون مدينة الجبارين
(1) في (أ): الإسراء.
(2)
انظر في معنى الوجهين: تفسير الطبري 4/ 116 - 120، وتفسير القرطبي 4/ 228 - 229، وتفسير ابن كثير 1/ 409 - 410، وتفسير ابن عطية 3/ 255 - 256.
(3)
سورة آل عمران، آية: 142 - 143.
(4)
«عليه السلام» من (ش).
(5)
قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ واللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا ونَحْنُ -
ليلة السبت، ثم سأل الله. أن يحبس عليه الشمس حتى يفرغ منهم قبل أن يدخل السبت ففعل «1» .
وكان غزاة بني إسرائيل أكثرهم أو كثير منهم علماء أتقياء بررة أخيار أحبار لأنهم أوتوا الكتاب والحكم والنبوة وفضلوا على العالمين، كما نص عليه القرآن «2» .
ومن المحال عادة أن يكون فيهم هذا الجهاد ولا يقتل منهم أحد ومتى ثبت أنه قتل منهم ثلاثة فصاعدا ثبت صحة ما أخبر به محمد- عليه السلام كيف؟ وقد ثبت أنه قتل منهم في الحروب والمغازي ما لا يحصى كثرة على ما دلت عليه الكتب والتواريخ والسير، وحينئذ انكار هذا الخصم أن يكون قتل مع الأنبياء المحاربين منهم أحد لا/ يسمع.
وقد بينا أن الربيين لا يختصون بالأخبار/ والعلماء على القول المذكور أولا، بل عام في غيرهم من المقاتلة. فنقول:
إنك ذكرت للأنبياء نوعين، ونحن ذكرنا للآية تقديرين. فتقديرنا الأول «3» يصح في نوع الأنبياء الأول، وتقديرنا الثاني يصح في نوعهم الثانى، وأيضا صح
- أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ ولَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ والْجِسْمِ واللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (247) وقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ الآيات. [سورة البقرة 246 - 251].
(1)
انظر تخريج القصة في هامش ص: 254، 282 من هذا الكتاب.
(2)
كما في سورة البقرة من الآية 246 إلى 251. كما تقدم في الهامش السابق قريبا.
(3)
في (م): للأول.
[عندكم «1»] في التوراة: أن إبراهيم قاتل الذين أغاروا على أموال لوط، فاستاقوها فتبعهم إبراهيم بعبيده وغلمانه حتى قتلهم واسترد ما أخذوه «2» ، على أن الآية قرئت على وجهين:«قتل معه» و «قاتل معه «3» ».
لكن يقال- لنا «4» : إن القرآن نزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف فيلزمكم الجواب عن القراءتين.
فنقول: قد دلت القراءتان على أن جمعا كثيرا من الأنبياء قتلوا، وعلى أن جمعا كثيرا منهم قاتل معه أصحابه، وقتل معه أصحابه، وقد بينا صحة ذلك إذ العادة في الغزوات والحروب: أن الناس يقاتلون ويقتلون «5» .
قوله:" ليس من أحد النوعين. إنما هو رجل هزم وهزم، وأصيب وأصاب".
قلنا: قد بينا بما ذكرنا من معجزاته قبل هذا، أنه من الأنبياء. وأنه بما «6» علم من حسن سيرته وآدابه ولينه وتواضعه وخشوعه وتحديه وشجاعته وفصاحته وغير ذلك من أخلاقه الكاملة، وصفاته الجميلة متخلق بأخلاق النوعين من الأنبياء، وأنه اجتمع فيه ما لم يجتمع في واحد منهم.
(1) ما بين المعكوفتين زيادة من المحقق ليستقيم المعنى الحق من العبارة.
(2)
انظر معنى هذه القصة في التراجم الحديثة سفر التكوين الأصحاح الرابع عشر.
(3)
القراءة الثانية:" قاتل" هي قراءة الكوفيين وابن عامر، والأولى" قتل" قراءة الباقين. [انظر الإقناع في القراءات السبع 2/ 622، وتفسير القرطبي 4/ 229 - 230].
(4)
في (أ): أما.
(5)
انظر تفسير الطبري 4/ 116 - 119، وتفسير القرطبي 4/ 228 - 230، وتفسير ابن كثير 1/ 410.
(6)
بما: ليست في (أ).
وأنت لو نظرت حق النظر في سيرته لعلمت ذلك لكنك عدو أخذت/ الشبه التي زعمت أن لك فيها متعلقا، وتركت ما عليك فيه المتعلق على عادة الأعداء «1» في إظهار القبيح، وإخفاء المليح. على أنه لا قبيح في سيرة النبي- صلى الله عليه وسلم.
وأما قولك:" هزم وهزم،/ وأصاب وأصيب «2» ":
فالنوع الثاني من الأنبياء الذين ذكرتهم. هكذا كانوا. وقد هزمت «3» بنو إسرائيل وأخذ منهم التابوت إلى أرض أعدائهم، حتى رد عليهم في زمن طالوت الملك «4» .
وأما النوع الأول منهم فكانوا تارة يثبتون، وتارة يهربون، كما كان المسيح يفر من اليهود من مكان إلى مكان «5» لخوفه منهم، حتى كان منه ومنهم ما كان.
وقد أخبر الله تعالى بذلك في القرآن حيث يقول: وتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ
…
(140)«6» والله أعلم.
(1) في (ش) على العادة من الأعداء.
(2)
فى (أ): وأصبت.
(3)
في (ش): هربت.
(4)
انظر تفسير الطبري 2/ 607، وتفسير القرطبي 3/ 247، وتفسير ابن كثير 1/ 301، عند تفسير قول الله تعالى: وقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ
…
الآية. [سورة البقرة: 248].
(5)
«إلى مكان» مكررة في (ش).
(6)
سورة آل عمران، آية:140.
ثم يقال له: هل رأيت ملكا يهزم ويهزم ويصيب ويصاب يبقى ناموسه بعده قريب ألف سنة، وهو كلما «1» جاء في رسوخ/ وثبوت؟ هذا عقل فاسد «2» .
وأما ما حكاه عن سيده المسيح في إنجيله الطاهر: فقد بينا في أول الكتاب:
أنه لا حجة فيه، ولعمري أن في الإنجيل الذي يعتمد عليه من التناقض والمحال ما يمنعه أن يتصف بصفة الطهارة
وذكر حديث عائشة: أن النبي- صلى الله عليه وسلم سحر، حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله «3» .
قلت: هذا صحيح، وقد بينا عند قوله تعالى: إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ
…
(52)«4» أن السحر ونحوه جائز على الأنبياء وأنهم معصومون فيما يوحى إليهم، بمعنى أنهم لا يقرون فيه على خطأ «5» .
وذكر حديث عائشة: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قالت:" فلولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ قبره مسجدا «6» ".
(1) وهو كلما: مكررة في (أ).
(2)
«هذا عقل فاسد» ليست في (ش).
(3)
انظر تخريجه في هامش ص: 402 من هذا الكتاب.
(4)
سورة الحج، آية:52.
(5)
انظر ص: 401، 402 من هذا الكتاب.
(6)
أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور (61)، وباب ما جاء في قبر النبي- صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر
…
(96)، ومسلم في كتاب المساجد، باب النهي عن بناء-
قلت: وهذا صحيح مشهور عنهم. فإنهم لغلوهم في أنبيائهم كما غلوتم في المسيح فجعلتموه إلها، كانوا يتعبدون عند قبور أنبيائهم/، ذلك منهي عنه في دين الإسلام لئلا يصير النبي بالصلاة عنده شبيه المعبود، وإن كانت النية تميز العبادة لمن «1» ؟.
لكن لمجرد الشبه تكره، وأيضا فإن الأنبياء معظمون، فإذا عبد الله عندهم «2» لم يؤمن أن يجيء من بعد ذلك العصر فتظن العبادة لهم لتعظيمهم «3» في النفوس كما يقال: إن إدريس لما رفع إلى السماء «4» جاء إبليس إلى أخ له فقال له: أصنع لك تمثالا على صورة إدريس تتسلى بها؟ قال: نعم./ فصنع له تمثالا كان يدخل عليه كل يوم يبكي عنده، ويتذكر إدريس به فيحصل «5» له بعض السلوة، وكان التمثال في خزانة لا يدخلها غيره، فلما مات أخو إدريس- أو أنه
- المساجد على القبور، حديث 19، وأبو داود بنحوه في كتاب الجنائز، باب في البناء على القبر (76)، والنسائي بنحوه أيضا في كتاب المساجد، باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وفي كتاب الجنائز، باب اتخاذ القبور مساجد، والدارمي بلفظ غير هذا في كتاب الصلاة، باب النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وأحمد في عدة مواضع من المسند منها:(6/ 80، 121، 255).
(1)
لمن: سقطت من (م).
(2)
عندهم: سقطت من (أ).
(3)
في (ش)، (أ): لتعظمهم.
(4)
قال الله تعالى: واذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56) ورَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [سورة مريم: 56 - 57] وثبت في حديث الإسراء أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم مر به وهو في السماء الرابعة.
[انظر صحيح البخاري كتاب: بدء الخلق، باب ذكر الملائكة وباب المعراج، وصحيح مسلم:
كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات].
(5)
في (ش): فحصل.
كان صاحبه وخليله- جاء من بعده فوجدوا التمثال في الخزانة، فجاءهم إبليس، فقال: أتعرفون هذا التمثال؟ هذا إله إدريس وأخيه فاعبدوه فعبدوه، فكان ذلك أصل الجاهلية الأولى «1» .
وأما الجاهلية الثانية: فإن البيت الحرام كان عظيما عند أهل مكة، فكانوا إذا سافروا حملوا من حجارة الحرم معهم في أسفارهم يحتمون ويتبركون بها، ثم تدرجوا إلى أن عادوا يضعونها، ويطوفون بها حيث/ حلوا من الأرض، كما يطوفون
(1) لم أجد هذه القصة فيما استطعت الاطلاع عليه من المراجع. أما أول شرك حدث من بني آدم، أو أول جاهلية، فإن الله تعالى خلق آدم وبنيه على الفطرة وبقوا عليها عشرة قرون، ثم اختلف الناس كما قال الله تعالى: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ وأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ومَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ
…
الآية [البقرة: 213] وكان نوح- عليه السلام أول الرسل، وقد جاء والناس يعبدون الأصنام كما في قوله تعالى:
قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي واتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ ووَلَدُهُ إِلَّا خَساراً (21) ومَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22) وقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ولا تَذَرُنَّ وَدًّا ولا سُواعاً ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً (23) وقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً ولا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا [نوح: 21 - 24]. وقال ابن عباس- رضي الله عنهما:
" صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعده، أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ. وأما يعوق فكانت لهمدان. وأما نسر فكانت لحمير؛ لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت". [صحيح البخاري: تفسير سورة نوح].
فالصحيح ما أشارت إليه هذه الأدلة، أما ما ذكر من قصة أخو إدريس- عليه السلام فلو صحت فإن وقوعها قبل نوح- عليه السلام على أنه قبله وأنه نبي بعد آدم وشيث- عليهما السلام وعندئذ فلا إشكال- والله أعلم.
بالبيت، ثم تدرجوا من عصر إلى عصر، حتى عبدوها، ونشأت عبادة الأصنام بهذا السبب، فكان ذلك أصل الجاهلية الأخرى التي أزالها الله بمحمد- صلى الله عليه وسلم «1» .
وذكر قوله- عليه السلام في مرضه:" ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر. فهذا أوان قطع أبهري «2» ".
قلت: قد بينا أن الأنبياء بشر، تجوز عليهم الآفات والموت وأسبابه، وليسوا/ كما يعتقدون في المسيح أنه إله ثم هو مع ذلك قتل وصلب ودفن ولم تنفعه الإلهية.
والأبهر: عرق ينزل من الدماغ، فهو في العنق الوريد، وفي الصلب الأبهر، وفي القلب الوتين. ومن أي مواضعه انقطع هلك صاحبه والوريد والوتين مذكوران في القرآن «3» .
(1) ابتدأت عبادة الأصنام في مكة على أيدي خزاعة التي كان لها الأمر فعبدت الأحجار، وكما في صحيح البخاري. [كتاب المغازي، باب وفد بني حنيفة (70): قال أبو رجا:" كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرا هو أخير منه ألقيناه أخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به، فإذا دخل شهر رجب قلنا: منصّل الأسنة فلا ندع رمحا فيه حديدة
…
" الحديث. وقصة عبادة الأحجار مذكورة أيضا في البداية والنهاية 2/ 185، 187 وما بعدها.
(2)
تقدم ذكر القصة وتخريجها ص: 558 - 559 من هذا الكتاب.
(3)
قال الله تعالى في سورة ق الآية (16): ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، وقال تعالى فى سورة الحاقة الآية (46): ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ.