المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الجنايات في الحج] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٣

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌[فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى]

- ‌[فَصْلٌ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ]

- ‌(بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ)

- ‌(بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ)

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ فِي الْحَجّ أَوْ الْعُمْرَة]

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ فِي الْحَجُّ]

- ‌(بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ)

- ‌(بَابُ الْهَدْيِ)

- ‌[مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌(كِتَابُ النِّكَاحِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاح]

- ‌[بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاح]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ مَسَائِلِ الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاح]

- ‌(بَابُ الْمَهْرِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ)

- ‌[بَابُ نِكَاحِ الْكَافِر]

- ‌(بَابُ الْقَسْمِ)

- ‌(كِتَابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[الْمُحْرِمَات بِسَبَبِ الرَّضَاعِ]

- ‌[وَلَبَنُ الرَّجُلِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ]

- ‌ أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌[بَابُ أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ)

- ‌(بَابُ الْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ)

- ‌(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)

الفصل: ‌[باب الجنايات في الحج]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (بَابُ الْجِنَايَاتِ)

لَمَّا كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ الْعَوَارِضِ أَخَّرَهَا، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مَا تَجْنِيهِ مِنْ شَرٍّ أَيْ تُحْدِثُهُ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ مِنْ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا، وَهُوَ عَامٌّ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِمَا يَحْرُمُ مِنْ الْفِعْلِ، وَأَصْلُهُ مِنْ جَنْيِ الثَّمَرِ، وَهُوَ أَخْذُهُ مِنْ الشَّجَرِ، وَفِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا سَوَاءٌ حَلَّ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ خَصُّوهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْفِعْلِ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ وَخَصُّوا الْفِعْلَ فِي الْمَالِ بِاسْمِ الْغَصْبِ وَالْمُرَادُ هُنَا خَاصٌّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ حُرْمَتُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ وَحَاصِلُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ الطِّيبُ وَلُبْسُ الْمَخِيطِ وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ، وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ مِنْ الْبَدَنِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَالْجِمَاعُ صُورَةً، وَمَعْنًى أَوْ مَعْنًى فَقَطْ وَتَرْكُ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ وَالتَّعَرُّضُ لِلصَّيْدِ وَحَاصِلُ الثَّانِي التَّعَرُّضُ لِصَيْدِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ فَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْ الْأَوَّلِ فَقَالَ:(تَجِبُ شَاةٌ إنْ طَيَّبَ مُحْرِمٌ عُضْوًا، وَإِلَّا تَصَدَّقَ أَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ أَوْ أَدْهَنَ بِزَيْتٍ) ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَكَامَلُ بِتَكَامُلِ الِارْتِفَاقِ وَذَلِكَ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْمُوجِبِ وَتَتَقَاصَرُ الْجِنَايَةُ فِيمَا دُونَهُ فَوَجَبَتْ الصَّدَقَةُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَبْلُغُ نِصْفَ الْعُضْوِ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ قَدْرَ نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ، وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ رُبْعًا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ قَدْرَ رُبْعِ قِيمَةِ الشَّاةِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَقْلِ خِلَافٍ.

ثُمَّ مَا اخْتَارَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ مِنْ أَنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الْعُضْوُ وَالْقَلِيلَ مَا دُونَهُ هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ عَنْ الْإِمَامِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَقَدْ أَشَارَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إلَى أَنَّ الدَّمَ يَجِبُ بِالتَّطَيُّبِ الْكَثِيرِ وَالصَّدَقَةُ بِالْقَلِيلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْعُضْوَ، وَمَا دُونَهُ فَفَهِمَ مِنْ ذَلِكَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّ الْكَثْرَةَ تُعْتَبَرُ فِي نَفْسِ الطِّيبِ لَا فِي الْعُضْوِ فَلَوْ كَانَ

ــ

[منحة الخالق]

[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

بَابُ الْجِنَايَاتِ)

ص: 2

كَثِيرًا مِثْلَ كَفَّيْنِ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ، وَكَفٍّ مِنْ الْغَالِيَةِ وَالْمِسْكِ بِقَدْرِ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فِي نَفْسِهِ وَالْقَلِيلُ مَا يَسْتَقِلُّهُ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ كَثِيرًا، وَكَفٍّ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ يَكُونُ قَلِيلًا، وَوَفَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: إنَّ التَّوْفِيقَ هُوَ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ الطِّيبَ إنْ كَانَ قَلِيلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْعُضْوِ لَا لِلطِّيبِ فَإِنْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ، وَإِنْ كَانَ الطِّيبُ كَثِيرًا فَالْعِبْرَةُ لِلطِّيبِ لَا لِلْعُضْوِ حَتَّى لَوْ طَيَّبَ بِهِ رُبْعَ عُضْوٍ يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَفِيمَا دُونَهُ صَدَقَةٌ وَنَظِيرُهُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ فِي تَقْدِيرِ النَّجَاسَةِ الْكَثِيرَةِ اُعْتُبِرَ الْمِسَاحَةُ فِي النَّجَاسَةِ الرَّقِيقَةِ وَاعْتُبِرَ الْوَزْنُ فِي النَّجَاسَةِ الْكَثِيفَةِ. اهـ. مَا فِي الْمُحِيطِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الطِّيبُ قَلِيلًا أَمَّا إذَا كَانَ كَثِيرًا فَلَا اعْتِبَارَ بِالْعُضْوِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ اعْتِبَارِ الْعُضْوِ صَرِيحٌ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْكَثْرَةِ إشَارَةٌ يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى الْمُصَرَّحِ بِهِ فَيَتَّحِدُ الْقَوْلَانِ وَيَتَرَجَّحُ مَا فِي الْمُتُونِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعُضْوِ، وَهُوَ كَالرَّأْسِ وَالسَّاقِ وَالْفَخِذِ وَالْيَدِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ إذَا خَضَّبَتْ الْمَرْأَةُ كَفَّهَا بِحِنَّاءٍ يَجِبُ عَلَيْهَا دَمٌ قَالَ: وَجُعِلَ الْكَفُّ عُضْوًا كَامِلًا، وَحَقِيقَةُ التَّطَيُّبِ أَنْ يَلْزَقَ بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ طِيبًا، وَمَا زَادَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ فِرَاشِهِ فَرَاجِعٌ إلَيْهِمَا وَالطِّيبُ جِسْمٌ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالْيَاسَمِينِ وَالْغَالِيَةِ وَالرَّيْحَانِ وَالْوَرْدِ وَالْوَرْسِ وَالْعُصْفُرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَلْتَزِقَ بِثَوْبِهِ عَيْنُهُ أَوْ رَائِحَتُهُ فَلِذَا صَرَّحُوا أَنَّهُ لَوْ بَخَّرَ ثَوْبَهُ بِالْبَخُورِ فَتَعَلَّقَ بِهِ كَثِيرٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَصَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِالطِّيبِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بَيْتًا قَدْ أُجْمِرَ فِيهِ فَعَلِقَ بِثِيَابِهِ رَائِحَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِعَيْنِهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْلِسَ فِي حَانُوتِ عَطَّارٍ، وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَهُ أَوْ لَا وَلِذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَإِنْ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَأَصَابَ فَمَهُ أَوْ يَدَهُ خُلُوفٌ كَثِيرٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَصَدَقَةٌ.

وَفِي الْمَجْمَعِ وَنُوجِبُهُ فِي النَّاسِي لَا الصَّبِيِّ وَنَعْكِسُ فِي شَمْسِهِ، وَأَكْلُ كَثِيرِهِ مُوجِبٌ لَهُ، وَفِي قَلِيلِهِ صَدَقَةٌ بِقَدْرِهِ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ مَفْهُومَ شَرْطِهِ أَنَّهُ لَوْ شَمَّ الطِّيبَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا كَمَا لَوْ تَوَسَّدَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِالزَّعْفَرَانِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَاصِرٌ عَلَى الطِّيبِ الْمُلْتَزِقِ بِالْبَدَنِ، وَأَمَّا الْمُلْتَزِقُ بِالثِّيَابِ فَلَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ الْعُضْوِ فِيهِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ كَثْرَةُ الطِّيبِ وَقِلَّتُهُ، وَهُوَ مُرَجَّحٌ بِقَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْبَدَنَ وَالثَّوْبَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ مِسْكًا فِي طَرَفِ إزَارِهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَانَ الْمُرَجِّحُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ الْعُرْفَ إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَمَا يَقَعُ عِنْدَ الْمُبْتَلَى.

وَمَا فِي الْمُجَرَّدِ إنْ كَانَ فِي ثَوْبِهِ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ فَمَكَثَ عَلَيْهِ يَوْمًا يُطْعِمُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَصَدَقَةٌ يُفِيدُ التَّنْصِيصَ عَلَى أَنَّ الشِّبْرَ فِي الشِّبْرِ دَاخِلٌ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الطِّيبِ فِي الثَّوْبِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَإِنَّ التَّوْفِيقَ هُوَ التَّوْفِيقُ) أَيْ التَّوْفِيقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ هُوَ التَّوْفِيقُ الْمُعْتَبَرُ أَوْ هُوَ التَّوْفِيقُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ بِأَنَّ الطِّيبَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَوَفَّقَ بَعْضُهُمْ وَالْمُرَادُ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّوْفِيقِ الثَّانِي لَكِنَّهُ لَيْسَ هُوَ لَفْظَ مَا فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ التَّوْفِيقَ قَالَ: وَالتَّوْفِيقُ هُوَ التَّوْفِيقُ (قَوْلُهُ: وَمَا زَادَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ فِرَاشِهِ) حَيْثُ قَالَ: بَعْدَمَا عَرَّفَ التَّطَيُّبَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَنْعِ بَيْنَ بَدَنِهِ، وَإِزَارِهِ وَفِرَاشِهِ. اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَزِدْهُ عَلَى الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بَيْتًا إلَخْ) اُنْظُرْهُ مَعَ قَوْلِهِ عَقِبَهُ، وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَهُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَهُ أَوْ لَا) قَالَ: فِي اللُّبَابِ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ فِيمَا إذَا جَنَى عَامِدًا أَوْ خَاطِئًا مُبْتَدَأً أَوْ عَائِدًا ذَاكِرًا أَوْ نَاسِيًا عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا نَائِمًا أَوْ مُنْتَبِهًا سَكْرَانَ أَوْ صَاحِيًا مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مُفِيقًا مَعْذُورًا أَوْ غَيْرَهُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا بِمُبَاشَرَتِهِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ جَمِيعِهَا يَجِبُ الْجَزَاءُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَنَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا فَاحْفَظْهُ. اهـ.

قَالَ شَارِحُهُ: وَلَعَلَّهُ أَشَارَ أَيْ بِقَوْلِهِ غَالِبًا إلَى مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا طَيَّبَ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا لَا شَيْءَ عَلَى الْفَاعِلِ وَيَجِبُ عَلَى الْمَفْعُولِ الْجَزَاءُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْمَجْمَعِ وَنُوجِبُهُ فِي النَّاسِي إلَخْ) أَشَارَ بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الْمُضَارِعَةِ الْمُصَدَّرَةِ بِنُونِ الْجَمَاعَةِ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ كَمَا هُوَ مُصْطَلَحُهُ قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِهِ وَنُوجِبُهُ أَيْ الدَّمَ فِي النَّاسِي أَيْ فِي جِنَايَةِ مَنْ جَنَى عَلَى إحْرَامِهِ نَاسِيًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَا الصَّبِيِّ بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى النَّاسِي يَعْنِي لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْمُحْرِمِ فِي جِنَايَتِهِ شَيْءٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ وَنَعْكِسُ الْحُكْمَ السَّابِقَ، وَهُوَ الْوَاجِبُ يَعْنِي لَا يَجِبُ فِي شَمِّهِ أَيْ شَمِّ الْمُحْرِمِ طِيبًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ، وَأَكْلُ كَثِيرِهِ أَيْ أَكْلُ الْمُحْرِمِ كَثِيرًا مِنْ الطِّيبِ بِحَيْثُ يَلْتَزِقُ بِكُلِّ فَمِهِ أَوْ أَكْثَرِهِ مُوجِبٌ لَهُ أَيْ لِلْأَكْلِ دَمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ الْوُجُوبَ بِاللَّامِ تَضْمِينًا فِيهِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ، وَفِي قَلِيلِهِ صَدَقَةٌ بِقَدْرِهِ أَيْ بِقَدْرِ الدَّمِ يَعْنِي إنْ الْتَزَقَ الطِّيبُ بِثُلُثِ فَمِهِ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ تَبْلُغُ ثُلُثَ الدَّمِ، وَإِنْ الْتَزَقَ بِنِصْفِهِ فَصَدَقَةٌ تَبْلُغُ نِصْفَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِ الطِّيبِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ لَا اسْتِعْمَالٌ (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ أَنَّ مَفْهُومَ شَرْطِهِ إلَخْ) أَيْ الشَّرْطُ الْوَاقِعُ فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ إنْ طَيَّبَ، وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا فِي الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى تَقْدِيرِ الطِّيبِ فِي الثَّوْبِ

ص: 3

بِالزَّمَانِ بِخِلَافِ تَطْيِيبِ الْعُضْوِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الزَّمَانُ حَتَّى لَوْ غَسَلَهُ مِنْ سَاعَتِهِ فَالدَّمُ وَاجِبٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِذَا أَطْلَقَهُ فِي الْمَتْنِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ تَطَيَّبَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَطَيَّبَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ انْتَقَلَ بَعْدَهُ مِنْ مَكَان إلَى آخَرَ مِنْ بَدَنِهِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَإِذَا وَجَبَ الْجَزَاءُ بِالتَّطَيُّبِ فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهِ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِقْلَاعِ عَنْهَا، وَذَبْحُ الْهَدْيِ لَا يُبِيحُ بَقَاءَهُ فَلَوْ لَمْ يُزِلْهُ بَعْدَ مَا كَفَّرَ لَهُ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ دَمٍ آخَرَ لِبَقَائِهِ، وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ كَانَ مَحْظُورًا فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ، وَالرِّوَايَةُ تُوَافِقُهُ، وَهِيَ مَا فِي الْمُبْتَغَى عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا مَسَّ طِيبًا كَثِيرًا فَأَرَاقَ لَهُ دَمًا ثُمَّ تَرَكَ الطِّيبَ عَلَى حَالِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ لِتَرْكِهِ دَمٌ آخَرُ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الَّذِي تَطَيَّبَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ أَحْرَمَ وَتَرَكَ الطِّيبَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا.

وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ بَيَانِهِ حُكْمُ الْعُضْوِ، وَمَا دُونَهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْعُضْوِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ ثُمَّ إنَّمَا تَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِتَطْيِيبِ كُلِّ الْبَدَنِ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَلِكُلِّ طِيبٍ كَفَّارَةٌ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ دَاوَى قُرْحَةً بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ ثُمَّ خَرَجَتْ قُرْحَةٌ أُخْرَى فَدَاوَاهَا مَعَ الْأُولَى فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ مَا لَمْ تَبْرَأْ الْأُولَى، وَلَوْ كَانَ الطِّيبُ فِي أَعْضَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنْ بَلَغَ عُضْوًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ، وَفِي الْمُحِيطِ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ.

وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِرَارًا كَثِيرَةً فَدَمٌ وَالْمُرَادُ بِالْمِرَارِ الْمَرَّتَانِ فَأَكْثَرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ، وَقَالَ: لَوْ جَعَلَ الْمِلْحَ الَّذِي فِيهِ طِيبٌ فِي طَعَامٍ قَدْ طُبِخَ وَتَغَيَّرَ، وَأَكَلَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ وَرِيحُهُ يُوجَدُ مِنْهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ جُعِلَ الزَّعْفَرَانُ فِي الْمِلْحِ فَإِنْ كَانَ الزَّعْفَرَانُ غَالِبًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْمِلْحُ غَالِبًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. اهـ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ شَاةٌ إلَى أَنَّ سُبْعَ الْبَدَنَةِ لَا يَكْفِي فِي هَذَا الْبَابِ بِخِلَافِ دَمِ الشُّكْرِ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ عُضْوُهُ بِالْإِضَافَةِ كَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِذَا أَلْبَسَ الْمُحْرِمُ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا مَخِيطًا أَوْ طَيَّبَهُ بِطِيبٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ قَمْلَةً عَلَى غَيْرِهِ. اهـ.

وَقَوْلُهُ أَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى طَيَّبَ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِالْحِنَّاءِ مَعَ دُخُولِهَا تَحْتَ الطِّيبِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» لِلِاخْتِلَافِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الرَّأْسِ، وَلَمْ يَذْكُرْ اللِّحْيَةَ كَمَا وَقَعَ فِي الْأَصْلِ لِيُفِيدَ أَنَّ الرَّأْسَ بِانْفِرَادِهَا مَضْمُونَةٌ، وَأَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ فِي عِبَارَةِ الْأَصْلِ بِدَلِيلِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الرَّأْسِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَمَّا كَانَ مُصَرَّحًا فِيمَا يَأْتِي بِأَنَّ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ مُوجِبَةٌ لِلدَّمِ

ــ

[منحة الخالق]

بِالزَّمَانِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنَّ الشَّعْرَ إلَخْ، وَفِي اللُّبَابِ لَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الطِّيبِ فِي الْبَدَنِ زَمَانًا لِوُجُوبِ الْجَزَاءِ وَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الثَّوْبِ فَلَوْ أَصَابَ جَسَدَهُ طِيبٌ كَثِيرٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ غَسَلَ مِنْ سَاعَتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ فَيَغْسِلَهُ، وَإِنْ أَصَابَ ثَوْبَهُ فَحَكَّهُ أَوْ غَسَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَثُرَ، وَإِنْ مَكَثَ عَلَيْهِ يَوْمًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَتِهِ إلَخْ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ أَيْ إنْ وَجَدَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَيَغْسِلُهُ لِئَلَّا يَصِيرَ عَاصِيًا بِاسْتِعْمَالِهِ حَالَ غَسْلِهِ، وَإِنْ زَالَ الطِّيبُ بِصَبِّ الْمَاءِ اكْتَفَى بِهِ شَرْحُ اللُّبَابِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَلَغَ عُضْوًا كَامِلًا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَصْغَرُ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ الَّتِي أَصَابَهَا الطِّيبُ كَمَا فِي انْكِشَافِ أَعْضَاءِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلْيُرَاجَعْ الْمَنْقُولُ (قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ بِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الزِّينَةِ إلَّا إذَا كَانَ عَنْ ضَرُورَةٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْمِرَارِ الْمَرَّتَانِ فَأَكْثَرُ) تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: كَثِيرَةٌ عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ قَاضِي خَانْ هَكَذَا، وَإِنْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ فِيهِ طِيبٌ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ عَلَيْهِ الدَّمُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله انْتَهَتْ، وَهَكَذَا نَقَلَهَا عَنْهُ فِي الْفَتْحِ، وَفِيهِ عَنْ الْمَبْسُوطِ إذَا اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ فِيهِ طِيبٌ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ الدَّمُ قَالَ: وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ يُفِيدُ تَفْسِيرَ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا أَنَّهُ الْكَثْرَةُ فِي الْفِعْلِ لَا فِي نَفْسِ الطِّيبِ الْمُخَالِطِ فَلَا يَلْزَمُ الدَّمُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ الطِّيبُ كَثِيرًا فِي الْكُحْلِ وَيُشْعِرُ بِالْخِلَافِ لَكِنْ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ يَعْنِي الْكُحْلَ فَفِيهِ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِرَارًا كَثِيرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، وَلَوْ كَانَ لَحَكَاهُ ظَاهِرًا كَمَا هُوَ عَادَةُ مُحَمَّدٍ رحمه الله اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يُفِيدُهُ تَنْصِيصُهُ عَلَى الْمَرَّةِ وَالْمَرَّتَيْنِ، وَمَا فِي الْكَافِي الْمِرَارُ الْكَثِيرَةُ. اهـ.

وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمُحِيطِ هُوَ مَا فِي الْكَافِي، وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ قَوْلُ الْإِمَامِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي السِّرَاجِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ مُطَيَّبٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِرَارًا كَثِيرَةً فَعَلَيْهِ فَقَدْ صَرَّحَ بِالْخِلَافِ (قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ شَاةٌ إلَى أَنَّ سُبُعَ الْبَدَنَةِ لَا يَكْفِي إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية بَعْدَ نَقْلِهِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ عَنْهُ لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ فِيمَا لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَنَّهُ يَقُومُ الشِّرْكُ فِي الْبَدَنَةِ مَقَامَهَا أَيْ الشَّاةِ. اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.

قُلْت: وَقَدْ نَقَلْت فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْقِرَانِ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ مَا هُوَ خِلَافُهُ أَيْضًا صَرِيحًا، وَمِثْلُهُ مَا يَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْهَدْيِ

ص: 4

لَمْ يُقَيِّدْ الْحِنَّاءَ بِأَنْ تَكُونَ مَائِعَةً فَإِنْ كَانَتْ مُلَبَّدَةً فَفِيهِ دَمَانِ دَمٌ لِلتَّطَيُّبِ مُطْلَقًا وَدَمٌ لِلتَّغْطِيَةِ إنْ دَامَ يَوْمًا، وَلَيْلَةً وَغَطَّى الْكُلَّ أَوْ الرُّبْعَ فَلَوْ كَانَ التَّلْبِيدُ بِغَيْرِ الْحِنَّاءِ لَزِمَهُ دَمٌ أَيْضًا. وَالتَّلْبِيدُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ الْخِطْمِيَّ وَالْآسِ وَالصَّمْغِ فَيَجْعَلَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ لِيَتَلَبَّدَ.

، وَمَا ذَكَرَهُ رَشِيدُ الدِّينِ فِي مَنَاسِكِهِ وَحَسَنٌ أَنْ يُلَبِّدَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِصْحَابُهُ التَّغْطِيَةَ الْكَائِنَةَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الطِّيبِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا، وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِك قَالَ: إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّلْبِيدِ وَالطِّيبِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحْظُورٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَجَازَ اسْتِصْحَابُ الطِّيبِ الْكَائِنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالسُّنَّةِ فَكَذَلِكَ التَّلْبِيدُ قَبْلَهُ بِالسُّنَّةِ، وَقَيَّدَ الْخِضَابَ بِالرَّأْسِ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَةَ لَوْ خَضَّبَتْ يَدَهَا أَوْ كَفَّهَا فَعَلَيْهَا دَمٌ إنْ كَانَ كَثِيرًا فَاحِشًا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَعَلَيْهَا صَدَقَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ بِخِلَافِ خِضَابِ الرَّأْسِ بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلدَّمِ مُطْلَقًا.

وَأَمَّا خِضَابُ اللِّحْيَةِ فَوَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ مَضْمُونٌ، وَلَمْ يَقُلْ بِالدَّمِ وَزَادَ الشَّارِحُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِالدَّمِ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ مَضْمُونَةٌ بِالصَّدَقَةِ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا لِلْمَبْسُوطِ، وَقَيَّدَ بِالْحِنَّاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَضَّبَ بِالْوَسْمَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَلَكِنْ إنْ خَافَ أَنْ يَقْتُلَ الْهَوَامَّ أَطْعَمَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجِنَايَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَكَامِلٍ فَيَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْوَسِمَةُ بِسُكُونِ السِّينِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ الْأَفْصَحُ شَجَرٌ يُخَضَّبُ بِوَرِقِهِ، وَفِي الْهِدَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْوَسْمَةِ لِأَجْلِ الْمُعَالَجَةِ مِنْ الصُّدَاعِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ، وَهَذَا صَحِيحٌ. اهـ.

يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ التَّغْطِيَةَ مُوجِبَةٌ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ أَنَّهَا لِلْعِلَاجِ فَلِهَذَا ذَكَرَ الْجَزَاءَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّمَ وَالْحِنَّاءَ مُنَوَّنٌ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ فِعَالٌ لَا فَعَلَاءٌ لِيَمْنَعَ صَرْفَهُ أَلْفُ التَّأْنِيثِ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَدْهَنَ بِزَيْتٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ طَيَّبَ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مَطْبُوخًا أَوْ غَيْرَ مَطْبُوخٍ مُطَيَّبًا أَوْ غَيْرَ مُطَيَّبٍ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْكَثِيرِ لِمَا عُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِهِ فِي الطِّيبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَرَّقَ فِي الطِّيبِ بَيْنَ الْعُضْوِ، وَمَا دُونَهُ فَالزَّيْتُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الطِّيبِ، وَفِي الزَّيْتِ الَّذِي لَيْسَ بِمُطَيَّبٍ، وَلَا مَطْبُوخٍ خِلَافُهُمَا فَقَالَا: يَجِبُ فِيهِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَدَمٌ لِلتَّغْطِيَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ إنَّ التَّغْطِيَةَ بِمَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ لَا تُوجِبُ شَيْئًا. اهـ.

قَالَ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ الْمُرَادُ بِمَا يُغَطَّى بِهِ عَادَةً مَا لِلْفَاعِلِ فِي فِعْلِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ كَانَتْ التَّغْطِيَةُ بِالْحِنَّاءِ أَوْ الْوَسِمَةِ لِلتَّدَاوِي مِنْ نَحْوِ صُدَاعٍ بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ لِمَا لَا تَكُونُ التَّغْطِيَةُ مُوجِبَةً لِلدَّمِ بِالْجُوَالِقِ وَالْإِجَّانَةِ فَلَا إشْكَالَ. اهـ.

وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ التَّغْطِيَةَ بِالْجُوَالِقِ وَالْإِجَّانَةِ قَدْ تَكُونُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَقَدْ نَصُّوا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ. اهـ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَلْبِيدَ الشَّعْرِ مُعْتَادٌ عِنْدَ أَهْلِ الْبَوَادِي وَنَحْوِهِمْ فَيَدْخُلُ فِي التَّغْطِيَةِ الْمُعْتَادَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) أَجَابَ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بِقَوْلِهِ أَقُولُ: لَا رَيْبَ فِي وُجُوبِ حَمْلِ فِعْلِهِ عليه السلام عَلَى مَا هُوَ سَائِغٌ بَلْ مَا هُوَ أَكْمَلُ فَالتَّلْبِيدُ الَّذِي فَعَلَهُ يَسِيرٌ لَا يَحْصُلُ بِهِ تَغْطِيَةٌ، وَلَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءً فِعْلُهُ فِي الْإِحْرَامِ، وَلَا بَقَاؤُهُ وَالْمُوجِبُ لِلدَّمِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِيهِ بِحَيْثُ تَحْصُلُ مِنْهُ تَغْطِيَةٌ. اهـ.

وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا ذَكَرَهُ رَشِيدُ الدِّينِ عَلَى هَذَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ الْخِضَابَ بِالرَّأْسِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الرَّأْسَ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ وَالْمُرَادُ بِهَا الْعُضْوُ حَتَّى لَوْ خَضَّبَ بِهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ وَجَبَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ الْعُضْوَ لَا مَعْنَى لِلتَّفْرِيقِ عَلَى قَوْلِهِ بَيْنَ الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ وَلِهَذَا سَوَّى فِي الْفَتْحِ بَيْنَ الرَّأْسِ وَالْيَدِ فَقَالَ: وَكَذَا لَوْ خَضَّبَتْ يَدَهَا بِهَا، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِقِلَّةٍ، وَلَا كَثْرَةٍ، وَمَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ فِي نَفْسِ الطِّيبِ، وَلَا تَنْسَ ذَلِكَ التَّوْفِيقَ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هُوَ السَّاهِي وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْمِعْرَاجِ إنَّمَا نَقَلَ هَذَا عَنْ الْمَبْسُوطِ فِيمَا لَوْ اخْتَضَبَ بِالْوَسِمَةِ فَقَالَ: مَا لَفْظُهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْوَسِمَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْخِضَابِ بَلْ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ خَضَّبَ لِحْيَتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَلَكِنْ إنْ خَافَ مِنْ قَتْلِ الدَّوَابِّ أَعْطَى شَيْئًا؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجِنَايَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَكَامِلٍ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ وَالصَّدَقَةُ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ خِضَابِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّمِ وَخِضَابُ اللِّحْيَةِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالصَّدَقَةِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ.

وَكَيْفَ يَكُونُ مَا فِي الْجَامِعِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَضْمُونٌ عَلَى مَا تَوَهَّمَ، وَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا إذْ وُجُوبُ الدَّمِ يُغَايِرُ وُجُوبَ الصَّدَقَةِ وَيَلْزَمُهُ إيجَابُ الصَّدَقَةِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ دَهَنَهَا بِالْخِطْمِيِّ، وَقَدْ جَزَمُوا فِيهِ بِوُجُوبِ الدَّمِ عِنْدَهُ. اهـ.

وَقَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة قُلْت وَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ هُنَا غَيْرُ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا بِتَقْدِيرِهَا بِنِصْفِ صَاعٍ بَلْ أَعَمُّ لِقَوْلِهِ فِي الْمِعْرَاجِ أَعْطَى شَيْئًا فَإِطْلَاقُ صَاحِبِ الْبَحْرِ فِيهِ مَا فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ) أَيْ يُغَطِّيهِ، وَقَوْلُهُ: وَهَذَا أَيْ تَأْوِيلُ أَبِي يُوسُفَ بِالتَّغْلِيفِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ تُوجِبُ الْجَزَاءَ

ص: 5

صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِيهِ قَاصِرَةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ ارْتِفَاقًا لِمَعْنَى قَتْلِ الْهَوَامِّ، وَإِزَالَةِ الشُّعْثِ.

وَقَالَ: الْإِمَامُ يَجِبُ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ الطِّيبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُلْقِي فِيهِ الْأَنْوَارَ كَالْوَرْدِ وَالْبَنَفْسَجِ فَيَصِيرُ نَفْسُهُ طِيبًا، وَلَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ طِيبٍ وَيَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلَيِّنُ الشَّعْرَ وَيُزِيلُ التَّفَثَ وَالشُّعْثَ، وَأَرَادَ بِالزَّيْتِ دُهْنَ الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالشَّيْرَجِ فَخَرَجَ بَقِيَّةُ الْأَدْهَانِ كَالشَّحْمِ وَالسَّمْنِ، وَقَيَّدَ بِالْإِدْهَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَهُ أَوْ دَاوَى بِهِ شُقُوقَ رِجْلَيْهِ أَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنِهِ لَا يَجِبُ دَمٌ، وَلَا صَدَقَةٌ بِخِلَافِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْغَالِيَةِ وَالْكَافُورِ وَنَحْوِهَا حَيْثُ يَلْزَمُ الْجَزَاءُ بِالِاسْتِعْمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ إذَا كَانَ لِعُذْرٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا إذَا أَكَلَ الْكَثِيرَ مِنْ الطِّيبِ، وَهُوَ مَا يَلْتَزِقُ بِأَكْثَرِ فَمِهِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَهَذِهِ تَشْهَدُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْعُضْوِ مُطْلَقًا فِي لُزُومِ الدَّمِ بَلْ ذَاكَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الْكَثْرَةِ فِي نَفْسِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَوْ خَلَطَ الطِّيبَ بِطَعَامٍ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ فَالْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ فَإِنْ كَانَ الطِّيبُ مَغْلُوبًا فَلَا شَيْءَ أَصْلًا زَادَ بَعْضُهُمْ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا كَانَ رَائِحَتُهُ تُوجَدُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ غَالِبًا فَهُوَ كَالْخَالِصِ، وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَقَالُوا: وَلَوْ خَلَطَهُ بِمَشْرُوبٍ، وَهُوَ غَالِبٌ فَفِيهِ الدَّمُ، وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا فَصَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ مِرَارًا فَدَمٌ فَإِنْ كَانَ لِلتَّدَاوِي خُيِّرَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ الْمَخْلُوطِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِطِيبٍ مَغْلُوبٍ أَمَّا بِعَدَمِ شَيْءٍ أَصْلًا كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمَأْكُولِ أَوْ بِوُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيهِمَا كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمَشْرُوبِ، وَمَا فَرَّقَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ الطِّيبَ مِمَّا يُقْصَدُ شُرْبُهُ فَإِذَا خَلَطَهُ بِمَشْرُوبٍ لَمْ يَصِرْ تَبَعًا لِمَشْرُوبٍ مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوبُ غَالِبًا كَمَا لَوْ خَلَطَ اللَّبَنَ بِالْمَاءِ فَشَرِبَهُ الصَّبِيُّ تَثْبُت حُرْمَةُ الرَّضَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ غَالِبًا بِخِلَافِ أَكْلِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُقْصَدُ عَادَةً فَإِذَا خُلِطَ بِالطَّعَامِ صَارَ تَبَعًا لِلطَّعَامِ وَسَقَطَ حُكْمُهُ فَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنَّ مِنْ الطِّيبِ مَا يُقْصَدُ أَكْلًا إذَا كَانَ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ لِلْمَعْنَى الْقَائِمِ بِهِ، وَهُوَ الطِّيبِيَّةُ إمَّا مُدَاوَاةً أَوْ تَنَعُّمًا مُنْفَرِدًا أَوْ مَخْلُوطًا كَمَا يُقْصَدُ شُرْبًا الثَّانِي أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ النَّاسِيَ وَالْعَامِدَ وَالْجَاهِلَ سَوَاءٌ، وَذَكَرَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ أَنِّي لَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا بِمَاذَا تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ؟ . وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ إنْ وَجَدَ فِي الْمُخَالِطِ رَائِحَةَ الطِّيبِ كَمَا قَبْلَ الْخَلْطِ وَحَسَّ الذَّوْقُ السَّلِيمُ بِطَعْمِهِ فِيهِ حِسًّا ظَاهِرًا فَهُوَ غَالِبٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مَغْلُوبٌ؛ لِأَنَّ الْمَنَاطَ كَثْرَةُ الْأَجْزَاءِ ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّفْصِيلِ أَيْضًا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ أَكْلِ الطِّيبِ وَحْدَهُ، وَإِنَّهُ بِإِثْبَاتِهِ فِيهَا أَيْضًا لَجَدِيرٌ وَيُقَالُ إنْ كَانَ الطِّيبُ غَالِبًا، وَأَكَلَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ، وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا، وَأَكَلَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَ كَثِيرًا فَصَدَقَةٌ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ الْكَثِيرَ مَا يَعُدُّهُ الْعَارِفُ الْعَدْلُ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ شَرَهٌ وَنَحْوُهُ كَثِيرًا وَالْقَلِيلُ مَا عَدَاهُ.

ثُمَّ قَالَ: وَلَا شَيْءَ فِي أَكْلِ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحَلْوَاءِ الْمُبَخَّرَةِ بِالْعُودِ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَتْ رَائِحَتُهُ تُوجَدُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْحَلْوَاءِ الْمُسَمَّى بِالْقَاوُوتِ الْمُضَافِ إلَى أَجْزَائِهَا الْمَاوَرْدَ وَالْمِسْكَ فَإِنَّ فِي أَكْلِ الْكَثِيرِ دَمًا وَالْقَلِيلِ صَدَقَةً، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِحَقَائِق الْأَحْوَالِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ إذَا كَانَ لِعُذْرٍ) أَيْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الدَّمِ وَالصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا أَكَلَ الْكَثِيرَ مِنْ الطِّيبِ إلَخْ) ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا بِأَنْ لَمْ يَلْتَصِقْ بِأَكْثَرَ فَمِهِ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَكَلَهُ كَمَا هُوَ أَيْ مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ أَوْ طَبْخٍ أَمَّا إذَا خَلَطَهُ بِطَعَامٍ قَدْ طُبِخَ كَالزَّعْفَرَانِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ مَسَّهُ النَّارُ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ يُوجَدُ رِيحُهُ أَوْ لَا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إنْ وَجَدَ رِيحَهُ، وَإِنْ خُلِطَ بِمَا يُؤْكَلُ بِلَا طَبْخٍ كَالزَّعْفَرَانِ بِالْمِلْحِ فَالْعِبْرَةُ بِالْغَلَبَةِ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الْمِلْحَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ رَائِحَتُهُ مَوْجُودَةً كُرِهَ أَكْلُهُ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الطِّيبَ فَفِيهِ الدَّمُ لُبَابٌ (قَوْلُهُ: فَهُوَ كَالْخَالِصِ) أَيْ فَيَجِبُ الْجَزَاءُ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ رَائِحَتُهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَوِّيَ إلَخْ) أَقُولُ: لَمْ يُفَرِّقْ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْمَخْلُوطِ بِالْمَأْكُولِ بَيْنَ الْغَالِبِ وَالْمَغْلُوبِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْرُوبِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ أَكَلَ زَعْفَرَانًا مَخْلُوطًا بِطَعَامٍ أَوْ طِيبٍ آخَرَ، وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ يَلْزَمُهُ دَمٌ، وَإِنْ مَسَّتْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي الْمَشْرُوبِ. اهـ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا يَأْتِي عَنْ الْحَلَبِيِّ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ إنْ وَجَدَ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ هُنَا مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الثَّوْبِ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْفَرْقَ يُنَافِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الطِّيبُ غَالِبًا يَجِبُ الْجَزَاءُ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ رَائِحَتُهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنَاطَ كَثْرَةُ الْأَجْزَاءِ لَا وُجُودُ الرَّائِحَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ فِيمَا إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مِمَّا كَانَ الطِّيبُ فِيهِ غَالِبًا، وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ مَا إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَكَذَا فِيمَا إذَا كَانَ مَغْلُوبًا وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَجِبَ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ مَثَلًا كَمَا يَجِبُ بِأَكْلِ الْكَثِيرِ (قَوْلُهُ: وَأَكَلَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَ كَثِيرًا) الضَّمِيرُ يَعُودُ إلَى الْمَخْلُوطِ بِالطِّيبِ الْغَالِبِ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا (قَوْلُهُ: فَإِنَّ فِي أَكْلِ الْكَثِيرِ دَمًا وَالْقَلِيلِ صَدَقَةً) قَالَ: فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة يَتَأَمَّلُ فِي حُكْمِ الْمِسْكِ الْمُضَافِ

ص: 6

يَوْمًا، وَإِلَّا تَصَدَّقَ) مَعْطُوفٌ عَلَى طَيَّبَ بَيَانٌ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ التَّقْدِيرُ بِالزَّمَانِ فَإِنَّ قَوْلَهُ يَوْمًا رَاجِعٌ إلَى اللُّبْسِ وَالتَّغْطِيَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَإِلَّا تَصَدَّقَ أَيْ، وَإِنْ كَانَ لُبْسُ الْمَخِيطِ وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ لِمَا عُلِمَ أَنَّ كَمَالَ الْعُقُوبَةِ بِكَمَالِ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ بِكَمَالِ الِارْتِفَاقِ، وَهُوَ بِالدَّوَامِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا دَفْعُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَالْيَوْمَ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِمَا فَوَجَبَ الدَّمُ وَالْجِنَايَةُ قَاصِرَةٌ فِيمَا دُونَهُ فَوَجَبَتْ الصَّدَقَةُ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ مِنْ جُمْلَةِ لُبْسِ الْمَخِيطِ فَهِيَ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ الْقَمِيصَ وَالْعِمَامَةَ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ عَلَّلُوا بِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ وَحَقِيقَةُ لُبْسِ الْمَخِيطِ أَنْ يَحْصُلَ بِوَاسِطَةِ الْخِيَاطَةِ اشْتِمَالٌ عَلَى الْبَدَنِ وَاسْتِمْسَاكٌ فَلِذَا لَوْ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ أَوْ اتَّشَحَ أَوْ ائْتَزَرَ بِالسَّرَاوِيلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْهُ لُبْسَ الْمَخِيطِ لِعَدَمِ الِاشْتِمَالِ، وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ مَنْكِبَيْهِ فِي الْقَبَاءِ، وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ، وَلَمْ يَزُرَّهُ لِعَدَمِ الِاشْتِمَالِ أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَيْهِ أَوْ زَرَّهُ فَهُوَ لُبْسُ الْمَخِيطِ لِوُجُودِهِمَا بِخِلَافِ الرِّدَاءِ فَإِنَّهُ إذَا اتَّزَرَ بِهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْقِدَهُ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَعَ هَذَا لَوْ فَعَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْهُ لُبْسَ الْمَخِيطِ لِعَدَمِ الِاشْتِمَالِ أَطْلَقَ فِي اللُّبْسِ فَشَمَلَ مَا إذَا أَحْدَثَ اللُّبْسَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ أَوْ أَحْرَمَ، وَهُوَ لَابِسُهُ فَدَامَ عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ انْتِفَاعِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالطِّيبِ السَّابِقِ عَلَيْهِ قَبْلَهُ لِلنَّصِّ، وَلَوْلَاهُ لَأَوْجَبْنَا فِيهِ أَيْضًا وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا مُخْتَارًا أَوْ مُكْرَهًا فَيَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى النَّائِمِ لَوْ غَطَّى إنْسَانٌ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ حَصَلَ لَهُ، وَعَدَمُ الِاخْتِيَارِ أَسْقَطَ الْإِثْمَ عَنْهُ كَالنَّائِمِ الْمُنْقَلِبِ عَلَى شَيْءٍ أَتْلَفَهُ، وَشَمَلَ مَا إذَا لَبِسَ ثَوْبًا وَاحِدًا أَوْ جَمَعَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ الْقَمِيصَ وَالْعِمَامَةَ وَالْخُفَّيْنِ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ لَبِسَ ثَوْبًا كَغَيْرِهِ.

وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْيَوْمِ، وَمَا دُونَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الزَّائِدِ عَلَيْهِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ كَالْيَوْمِ فَلَوْ لَبِسَ الْمَخِيطَ وَدَامَ عَلَيْهِ أَيَّامًا أَوْ كَانَ يَنْزِعُهُ لَيْلًا وَيُعَاوِدُهُ نَهَارًا أَوْ عَكْسُهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ النَّزْعِ فَإِنْ عَزَمَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَبِسَ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَوَّلًا، وَفِي الثَّانِي خِلَافُ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ لَبِسَ يَوْمًا فَأَرَاقَ دَمًا ثُمَّ دَاوَمَ عَلَى لُبْسِهِ يَوْمًا آخَرَ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ آخَرُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ لِلدَّوَامِ فِيهِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَعِنْدِي الْمُودِعُ إذَا لَبِسَ قَمِيصَ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُودِعِ فَنَزَعَهُ بِاللَّيْلِ لِلنَّوْمِ فَسُرِقَ الْقَمِيصُ فِي اللَّيْلِ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَصْدِهِ أَنْ يَلْبَسَ الْقَمِيصَ مِنْ الْغَدِ لَا يُعَدُّ هَذَا تَرْكَ الْخِلَافِ وَالْعَوْدَ إلَى الْوِفَاقِ حَتَّى يَضْمَنَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَصْدِهِ أَنْ لَا يَلْبَسَ الْقَمِيصَ مِنْ الْغَدِ كَانَ هَذَا تَرْكَ الْخِلَافِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ اللُّبْسَ شَيْءٌ

ــ

[منحة الخالق]

إلَى الْحَلْوَى مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اخْتِلَاطِهِ بِمَا يُؤْكَلُ وَيُطْبَخُ، وَفِيمَا إذَا لَمْ يُطْبَخْ. اهـ.

أَيْ فَإِنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ جَعَلَهُ فِي طَعَامٍ وَطُبِخَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا يُؤْكَلُ بِلَا طَبْخٍ فَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَالِبًا وَجَبَ الْجَزَاءُ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ رَائِحَتُهُ، وَعَلَى هَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْحَلْوَى غَيْرُ مَطْبُوخَةٍ، وَإِنْ طَيَّبَهَا غَالِبٌ لِيُوَافِقَ مَا تَقَدَّمَ.

(قَوْلُهُ: لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ بِكَمَالِ الْجِنَايَةِ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ، وَهُوَ لَابِسٌ الْمَخِيطَ، وَأَدَّى ذَلِكَ النُّسُكَ بِتَمَامِهِ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَحَلَّ مِنْهُ أَنْ تَلْزَمَهُ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَصٌّ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ فَإِنْ قُلْت التَّجَرُّدُ عَنْ الْمَخِيطِ فِي النُّسُكِ وَاجِبٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ طَالَ زَمَنُ إحْرَامِهِ أَمْ قَصُرَ وَالتَّقْدِيرُ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا طَالَ زَمَنُ الْإِحْرَامِ أَمَّا إذَا قَصُرَ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ فِي نُسُكِهِ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ فَيَكُونُ تَارِكًا لِوَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ إحْرَامِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الدَّمُ قُلْت لَا شَكَّ فِي نَفَاسَتِهِ، وَلَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ. اهـ. مُلَخَّصًا. مِنْ حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ شَرْحِ الْمَنْسَكِ لِلشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَفِيفِ، وَفِيهَا عَنْ فَتَاوَى تِلْمِيذِهِ الْفَاضِلِ عَبْدِ اللَّهِ أَفَنْدِي عَتَاقِيٍّ أَنَّهُ مَالَ إلَى وُجُوبِ الدَّمِ.

(قَوْلُهُ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: التَّحْقِيقُ أَنَّ بَيْنَ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّغْطِيَةِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مُطْلَقًا فَيَجْتَمِعَانِ فِي التَّغْطِيَةِ فِي نَحْوِ الْعِرْقِيَّةِ الْمَخِيطَةِ وَتَنْفَرِدُ التَّغْطِيَةُ بِوَضْعِ نَحْوِ الشَّاشِ مِمَّا لَيْسَ مَخِيطًا عَلَى رَأْسِهِ، وَهَذَا كَافٍ فِي صِحَّةِ التَّغَايُرِ. (قَوْلُهُ: بِوَاسِطَةِ الْخِيَاطَةِ) يَرُدُّ عَلَيْهِ اللَّبَّادُ الْمُشْتَغِلُ بِاللَّصْقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ خِيَاطَةٌ مَعَ أَنَّهُ عُدَّ مِنْ الْمَخِيطِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْخِيَاطَةِ انْضِمَامُ بَعْضِ الْأَجْزَاءِ بِبَعْضِهَا شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: أَوْ جَمَعَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ) أَيْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ وَسَنَذْكُرُ عَنْهُ قَرِيبًا مَا يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى التَّرْكِ إلَخْ) أَيْ لَمْ يَنْزِعْهُ عَلَى غُرْمِ التَّرْكِ بَلْ نَزَعَهُ عَلَى قَصْدِ أَنْ يَلْبَسَهُ ثَانِيًا أَوْ خَلَعَهُ لِيَلْبَسَ بَدَلَهُ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ خَلْعَهُ لِتَبْدِيلِهِ بِغَيْرِهِ لَا يَتَعَدَّدُ بِهِ الْجَزَاءُ فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ (قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِي) أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَعِنْدِي الْمُودَعُ) كَذَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ بِإِضَافَةِ عِنْدَ إلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ، وَهَكَذَا رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ بِدُونِ يَاءٍ (قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ: تَنْبِيهٌ: قَدْ يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ فِي لُبْسٍ وَاحِدٍ بِأُمُورٍ: الْأَوَّلُ التَّكْفِيرُ بَيْنَ اللُّبْسَيْنِ بِأَنْ لَبِسَ ثُمَّ كَفَّرَ وَدَامَ عَلَى لُبْسِهِ، وَلَمْ يَنْزِعْهُ. وَالثَّانِي تَعَدُّدُ السَّبَبِ. وَالثَّالِثُ الِاسْتِمْرَارُ عَلَى اللُّبْسِ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ. وَالرَّابِعُ حُدُوثُ عُذْرٍ آخَرَ. وَالْخَامِسُ لُبْسُ الْمَخِيطِ الْمَصْبُوغِ بِطِيبٍ لِلرَّجُلِ وَيَتَّحِدُ

ص: 7

وَاحِدٌ مَا لَمْ يَتْرُكْهُ وَيَعْزِمْ عَلَى التَّرْكِ. اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إيجَابِ الْجَزَاءِ إذَا لَبِسَ جَمِيعَ الْمَخِيطِ مَحِلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَتَعَدَّدْ سَبَبُ اللُّبْسِ فَإِنْ تَعَدَّدَ كَمَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ فَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَتَخَيَّرُ فِيهَا، وَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَغَيْرِهِ لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ يَتَخَيَّرُ فِيهَا لِلضَّرُورَةِ فَقَطْ، وَمِنْ صُوَرِ تَعَدُّدِ اللُّبْسِ وَاتِّحَادِهِ مَا إذَا كَانَ بِهِ مَثَلًا حُمًّى يَحْتَاجُ إلَى اللُّبْسِ لَهَا وَيَسْتَغْنِي عَنْهُ فِي وَقْتِ زَوَالِهَا فَإِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ تَعَدَّدَ اللُّبْسُ مَا لَمْ تَزُلْ عَنْهُ فَإِنْ زَالَتْ، وَأَصَابَهُ مَرَضٌ آخَرُ أَوْ حُمًّى غَيْرُهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَّرَ لِلْأُولَى أَوْ لَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الثَّانِي، وَكَذَا إذَا حَصَرَهُ عَدُوٌّ فَاحْتَاجَ إلَى اللُّبْسِ لِلْقِتَالِ أَيَّامًا يَلْبَسُهَا إذَا خَرَجَ إلَيْهِ وَيَنْزِعُهَا إذَا رَجَعَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَذْهَبْ هَذَا الْعَدُوُّ فَإِنْ ذَهَبَ وَجَاءَ عَدُوٌّ غَيْرُهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى. وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى اتِّحَادِ الْجِهَةِ وَاخْتِلَافِهَا لَا إلَى صُورَةِ اللُّبْسِ كَيْفَ كَانَتْ، وَلَوْ لَبِسَ لِضَرُورَةٍ فَزَالَتْ فَدَامَ بَعْدَهَا يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ فَمَا دَامَ فِي شَكٍّ مِنْ زَوَالِ الضَّرُورَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَيَقَّنَ زَوَالَهَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى لَا يَتَخَيَّرُ فِيهَا هَكَذَا ذَكَرُوا، وَذَكَرَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ أَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ شَيْئًا مِنْ الْمَخِيطِ لِدَفْعِ بَرْدٍ ثُمَّ صَارَ يَنْزِعُ وَيَلْبَسُ كَذَلِكَ ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ الْبَرْدُ ثُمَّ أَصَابَهُ بَرْدٌ آخَرُ غَيْرَ الْأَوَّلِ عُرِفَ ذَلِكَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمُفِيدَةِ لِمَعْرِفَتِهِ فَلَبِسَ لِذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ. اهـ.

وَشَمَلَ كَلَامُهُ أَيْضًا مَا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ الْمَخِيطِ فَلِذَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ: وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا السَّرَاوِيلَ فَلَبِسَهُ، وَلَمْ يَفْتُقْهُ نُوجِبُهُ أَيْ الدَّمَ، وَأَطْلَقَ فِي التَّغْطِيَةِ فَانْصَرَفَتْ إلَى الْكَامِلِ، وَهُوَ مَا يُغَطِّي بِهِ عَادَةً كَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْعِمَامَةِ فَخَرَجَ مَا لَا يُغَطَّى بِهِ عَادَةً كَالطِّسْتِ وَالْإِجَّانَةِ وَالْعَدْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا يُفَرَّعُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا لَوْ دَخَلَ الْمُحْرِمُ تَحْتَ سِتْرِ الْكَعْبَةِ فَإِنْ كَانَ يُصِيبُ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُتُونِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَغْطِيَةِ جَمِيعِ الرَّأْسِ فِي لُزُومِ الدَّمِ، وَمَا رَأَيْته رِوَايَةٌ، وَلِهَذَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِحُكْمِ مَا دُونَهَا، وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ عَنْ الْأَصْلِ اعْتِبَارُ الرُّبْعِ، وَمَشَى عَلَيْهِ

ــ

[منحة الخالق]

الْجَزَاءُ مَعَ تَعَدُّدِ اللُّبْسِ بِأُمُورٍ مِنْهَا اتِّحَادُ السَّبَبِ، وَعَدَمُ الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ النَّزْعِ وَجَمْعُ اللِّبَاسِ كُلِّهِ فِي مَجْلِسٍ أَوْ يَوْمٍ. اهـ. قَالَ شَارِحُهُ أَيْ مَعَ اتِّحَادِ السَّبَبِ.

ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْيَوْمَ فِي اتِّحَادِ الْجَزَاءِ فِي حُكْمِ اللُّبْسِ كَالْمَجْلِسِ فِي غَيْرِهِ مِنْ الطِّيبِ وَالْحَلْقِ وَالْقَصِّ وَالْجِمَاعِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْفَارِسِيُّ وَالطَّرَابُلُسِيّ أَنَّهُ إنْ لَبِسَ الثِّيَابَ كُلَّهَا مَعًا، وَلَبِسَ خُفَّيْنِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ لَبِسَ قَمِيصًا بَعْدَ يَوْمِهِ ثُمَّ لَبِسَ فِي يَوْمِهِ سَرَاوِيلَ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْنِ، وَقَلَنْسُوَةً عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَيَّدَ بِالْيَوْمِ لَا بِالْمَجْلِسِ، وَفِي الْكَرْمَانِيِّ، وَلَوْ جَمَعَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِوُقُوعِهِ عَلَى جِهَةِ وَاحِدَةٍ وَسَبَبٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ إذَا حَلَقَ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَقِيلَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ دِمَاءٍ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي مُنْيَةِ النَّاسِكِ بِتَعَدُّدِ الْجَزَاءِ فِي تَعَدُّدِ الْأَيَّامِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لَبِسَ الْعِمَامَةَ يَوْمًا ثُمَّ لَبِسَ الْقَمِيصَ يَوْمًا آخَرَ ثُمَّ الْخُفَّيْنِ يَوْمًا آخَرَ ثُمَّ السَّرَاوِيلَ يَوْمًا آخَرَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ لُبْسٍ دَمٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ: كَمَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَكَذَلِكَ نَحْوُ أَنْ يَضْطَرَّ إلَى لُبْسِ قَمِيصٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ أَوْ قَمِيصًا وَجُبَّةً أَوْ اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَهَا مَعَ عِمَامَتِهِ. اهـ.

وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُؤَلِّفَ سَيَذْكُرُ مَا يُخَالِفُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ إلَخْ فَتَنَبَّهْ لَهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) ، وَكَذَا إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعَيْنِ لِضَرُورَةٍ بِهِمَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ لَبِسَ عِمَامَةً وَخُفًّا بِعُذْرٍ فِيهِمَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ كَفَّارَةُ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فَتَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ صُوَرِ تَعَدُّدِ اللُّبْسِ) كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتهَا، وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ عَنْهُ السَّبَبُ بَدَلُ اللُّبْسِ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ أَنَّ مُقْتَضَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْحُكْمُ فِي الْمَذْهَبِ مَسْطُورٌ كَذَلِكَ ثُمَّ سَاقَ عَنْ الْفَتْحِ مَسْأَلَةَ الْحُمَّى السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ: وَمَا رَأَيْته رِوَايَةٌ) أَيْ مَا رَأَيْت ظَاهِرَ مَا فِي الْمُتُونِ مَرْوِيًّا، وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ يَقْتَضِي لَا لِقَوْلِهِ، وَمَا رَأَيْته، وَالضَّمِيرُ فِي لَمْ يُصَرِّحُوا لِأَصْحَابِ الْمُتُونِ، وَفِي شَرْحِ اللُّبَابِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا سَتَرَ بَعْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا أَيْ الْوَجْهَ وَالرَّأْسَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الرُّبْعَ فَبِتَغْطِيَةِ رُبْعِ الرَّأْسِ يَجِبُ مَا يَجِبُ بِكُلِّهِ كَمَا ذُكِرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الرَّأْسِ عَلَى مَا نَقَلَ عَنْهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْمَبْسُوطِ وَنَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْكَرْمَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَقِيَاسُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ الْوُجُوبَ بِحِسَابِهِ مِنْ الدَّمِ. اهـ.

وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْوَجْهِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا مَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَإِنْ غَطَّى ثُلُثَ رَأْسِهِ أَوْ رُبْعَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَلْقِ فَهُوَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ غَيْرِهِ بَلْ لِكَلَامِهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَبِتَغَطِّيهِ رُبْعِ وَجْهِهِ أَوْ رُبْعِ رَأْسِهِ يَجِبُ مَا يَجِبُ بِكُلِّهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ مِنْ الدَّمِ لَا مِنْ

ص: 8

كَثِيرٌ وَاخْتَارَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، وَعَزَاهُ فِي الْهِدَايَةِ إلَى أَنَّهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارُ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا كَمَا اُعْتُبِرَ أَكْثَرُ الْيَوْمِ فِي لُزُومِ الدَّمِ وَاخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الرُّبْعَ رَاجِحٌ رِوَايَةً وَالْأَكْثَرُ رَاجِحٌ دِرَايَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّ تَكَامُلَ الْجِنَايَةِ لَا يَحْصُلُ بِمَا دُونَ الْأَكْثَرِ بِخِلَافِ حَلْقِ رُبْعِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ مُعْتَادٌ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ فَعَلَى اعْتِبَارِ الرُّبْعِ إنْ أَخَذَتْ قَدْرَهُ مِنْ الرَّأْسِ لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَصَدَقَةٌ فَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَصَبَ رَأْسَهُ يَوْمًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَأْخُذْ قَدْرَ الرُّبْعِ أَوْ مُفَرَّعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَكْثَرِ.

وَأَرَادَ بِالرَّأْسِ عُضْوًا يَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ فَدَخَلَ الْوَجْهُ فَلَوْ غَطَّى رُبْعَهُ لَزِمَهُ دَمٌ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَخَرَجَ مَا لَا يَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ عَصَبَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْ جَسَدِهِ، وَلَوْ كَثُرَ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَعَقْدِ الْإِزَارِ وَتَخْلِيلِ الرِّدَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُغَطِّيَ أُذُنَيْهِ وَقَفَاهُ، وَمِنْ لِحْيَتِهِ مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ الذَّقَنِ بِخِلَافِ فِيهِ، وَعَارِضِهِ وَذَقَنِهِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ دُونَ ثَوْبٍ وَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْيَوْمِ، وَمَا دُونَهُ فَأَفَادَ أَنَّ اللَّيْلَةَ كَالْيَوْمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمُحِيطِ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ الْكَامِلَ الْحَاصِلَ فِي الْيَوْمِ حَاصِلٌ فِي اللَّيْلَةِ، وَإِنَّ مَا دُونَهَا كَمَا دُونَهُ، وَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيمَا دُونَ الْيَوْمِ فَشَمَلَ السَّاعَةَ الْوَاحِدَةَ، وَمَا دُونَهَا خِلَافًا لِمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ أَنَّهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ نِصْفُ صَاعٍ، وَفِي أَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ قَبْضَةٌ مِنْ بُرٍّ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ فِي لُبْسِ بَعْضِ الْيَوْمِ قِسْطَهُ مِنْ الدَّمِ كَثُلُثِ الْيَوْمِ فِيهِ ثُلُثُ الدَّمِ، وَفِي نِصْفِهِ نِصْفُهُ، وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ هُنَا فَإِنْ لَبِسَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ لُبْسُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَرَاقَ لِذَلِكَ دَمًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. اهـ.

فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي وُجُوبِ الْجِنَايَةِ بَلْ يَكُونُ الدَّمُ فِي ذِمَّتِهِ إلَى الْمَيْسَرَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ الصَّوْمُ فِيمَا إذَا فَعَلَ شَيْئًا لِلْعُذْرِ كَمَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ: أَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَالْحَالِقِ أَوْ رَقَبَتَهُ أَوْ إبْطَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ مَحْجَمِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى طَيَّبَ، وَقَوْلُهُ أَوْ لِحْيَتِهِ بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى رَأْسِهِ أَيْ حَلَقَ رُبْعَ لِحْيَتِهِ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ، وَإِنْ كَانَ حَلَقَ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ كَمَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ إذَا حَلَقَ رَأْسَ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ رَقَبَتَهُ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مَعْطُوفٌ عَلَى الرُّبْعِ أَيْ يَجِبُ الدَّمُ بِحَلْقِ الْمُحْرِمِ رَقَبَتَهُ كُلَّهَا أَوْ بِحَلْقِ إبْطَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ بِحَلْقِ مَحَاجِمِهِ وَالْمَحْجَمَةُ هُنَا بِالْفَتْحِ مَوْضِعُ الْمَحْجَمَةِ مِنْ الْعُنُقِ وَالْمِحْجَمَةُ بِالْكَسْرِ قَارُورَةُ الْحِجَامِ، وَكَذَا الْمِحْجَمُ بِطَرْحِ الْهَاءِ، وَقَوْلُهُمْ يَجِبُ غَسْلُ الْمَحَاجِمِ يَعْنِي مَوَاضِعَ الْحِجَامَةِ مِنْ الْبَدَنِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَإِنَّمَا كَانَ حَلْقُ رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ مُوجِبًا لِلدَّمِ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِتَكَامُلِ الِارْتِفَاقِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَعْتَادُهُ بِخِلَافِ تَطْيِيبِ رُبْعِ الْعُضْوِ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ فِيهِ قَاصِرَةٌ، وَكَذَا تَغْطِيَةُ رُبْعِ الرَّأْسِ عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ الْأَكْثَرَ، وَإِذَا حَلَقَ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ فِيهِمَا تَقَاصَرَتْ الْجِنَايَةُ فَوَجَبَتْ الصَّدَقَةُ وَاعْتِبَارُ الرُّبْعِ فِي الْحَلْقِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اعْتَمَدَهَا الْمَشَايِخُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الْأَصْلِ فَاعْتِبَارُ الثُّلُثِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ الدَّمُ بِحَلْقِ الْأَكْثَرِ. اهـ.

وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْحَلْقِ الْإِزَالَةَ، سَوَاءٌ كَانَ بِالْمُوسَى أَوْ بِغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُخْتَارًا أَوْ لَا فَلَوْ أَزَالَهُ بِالنُّورَةِ أَوْ نَتَفَ لِحْيَتَهُ أَوْ احْتَرَقَ شَعْرُهُ بِخُبْزَةٍ أَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ فَسَقَطَ فَهُوَ كَالْحَلْقِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَنَاثَرَ شَعْرُهُ بِالْمَرَضِ أَوْ النَّارِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلزِّينَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْنٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا، وَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِ الصَّدَقَةِ فِيمَا إذَا حَلَقَ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ فَشَمَلَ مَا إذَا بَقِيَ شَيْءٌ بَعْدَ الْحَلْقِ أَوْ لَا فَكَذَا لَوْ كَانَ أَصْلَعَ عَلَى نَاصِيَتِهِ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ فَإِنَّمَا فِيهِ صَدَقَةٌ وَكَذَا لَوْ حَلَقَ كُلَّ رَأْسِهِ، وَمَا عَلَيْهِ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِ شَعْرِهِ كَمَا أَطْلَقَ وُجُوبَ الدَّمِ بِحَلْقِ

ــ

[منحة الخالق]

الصَّدَقَةِ وَيَكُونُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَأَفَادَ أَنَّ اللَّيْلَةَ كَالْيَوْمِ) أَيْ فَإِذَا لَبِسَ لَيْلَةً وَجَبَ دَمٌ كَمَا فِي الْيَوْمِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِقْدَارُ أَحَدِهِمَا فَيُفِيدُ أَنَّ مَنْ لَبِسَ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ انْفِصَالٍ، وَكَذَا فِي عَكْسِهِ لَزِمَهُ دَمٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: وَفِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ، وَلَيْلَةٍ صَدَقَةٌ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ قَالَ الشَّيْخُ حَنِيفُ الدِّينِ الْمُرْشِدِيُّ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ فِيمَا اطَّلَعْت عَلَيْهِ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَغَيْرِهَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ أَرَادَ بِالسَّاعَةِ الْفَلَكِيَّةَ. (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ سَنَذْكُرُهُ.

(قَوْلُهُ: وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْحَلْقِ الْإِزَالَةَ إلَخْ) يَشْمَلُ التَّقْصِيرَ فَفِي اللُّبَابِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْحَلْقِ فِي وُجُوبِ الدَّمِ بِهِ وَالصَّدَقَةِ فَلَوْ قَصَّرَ كُلَّ الرَّأْسِ أَوْ

ص: 9

الرُّبْعِ فَلِذَا لَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ قَدْرُ رُبْعِ شَعْرِهِ لَوْ كَانَ شَعْرُ رَأْسِهِ كَامِلًا فَفِيهِ دَمٌ، قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَعَلَى هَذَا يَجِيءُ مِثْلُهُ فِيمَنْ بَلَغَتْ لِحْيَتُهُ الْغَايَةَ فِي الْخِفَّةِ، وَعُلِمَ مِنْ إيجَابِهِ الدَّمَ بِحَلْقِ أَحَدِ الْإِبْطَيْنِ أَوْ الْإِبْطَيْنِ أَنَّ جِنَايَةَ الْحَلْقِ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ فِي الْبَدَنِ فَلِذَا لَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ، وَإِبْطَيْهِ بَلْ كُلَّ بَدَنِهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَدَمٌ وَاحِدٌ بِشَرْطَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَكُونَ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ فَلَوْ أَرَاقَ دَمًا لِحَلْقِ رَأْسِهِ ثُمَّ حَلْقِ لِحْيَتِهِ لَزِمَهُ آخَرُ. الثَّانِي أَنْ يَتَّحِدَ الْمَجْلِسُ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ فَلِكُلِّ مَجْلِسٍ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ إنْ تَعَدَّدَ الْمَحَلُّ كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ اتَّحَدَ فَدَمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ كَمَا إذَا حَلَقَ الرَّأْسَ فِي مَجَالِسَ وَخَالَفَ مُحَمَّدٌ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَ الْمَحَلُّ فَأَلْحَقَهُ بِمَا إذَا اتَّحَدَ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ أَنَّ فِي إزَالَتِهِ لِشَعْرِ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ نِصْفَ صَاعٍ، وَلَوْ كَانَ شَعْرَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُمْ قَالُوا كُلُّ صَدَقَةٍ فِي الْإِحْرَامِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ فَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ إلَّا مَا يَجِبُ بِقَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْجَرَادَةِ كَمَا أَنَّ وَاجِبَ الدَّمِ يَتَأَدَّى بِالشَّاةِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ مَنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، وَمَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ بَدَنَةٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ إنْ نَتَفَ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ شَعَرَاتٍ فَلِكُلِّ شَعْرَةٍ كَفٌّ مِنْ طَعَامٍ، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ فِي خُصْلَةٍ نِصْفُ صَاعٍ.

فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اشْتِبَاهًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الصَّدَقَةَ، وَلَمْ يَفْصِلْهَا، وَأَطْلَقَ فِي لُزُومِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْحَالِقِ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مُحْرِمًا سَوَاءٌ كَانَ الْمَحْلُوقُ مُحْرِمًا أَوْ لَا أَوْ حَلَالًا وَالْمَحْلُوقُ رَأْسُهُ مُحْرِمٌ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَا حَلَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ مِنْهُمَا، وَكَلَامُهُ فِيمَا يَكُونُ جِنَايَةً، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الصَّدَقَةُ فَقَطْ لِقُصُورِ جِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِإِزَالَةِ شَعْرِ غَيْرِهِ انْتِفَاعًا قَلِيلًا بِخِلَافِ الْمَحْلُوقِ، وَإِنَّمَا صَارَ جِنَايَةً مِنْ الْحَالِقِ الْحَلَالِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ شَعْرَ الْمُحْرِمِ اسْتَحَقَّ الْأَمْنَ، وَقَدْ أَزَالَهُ

ــ

[منحة الخالق]

رُبْعَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَفِي أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ صَدَقَةٌ، وَلَوْ قَصَّرْت الْمَرْأَةُ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ مِنْ رُبْعِ شَعْرِهَا فَعَلَيْهَا دَمٌ قَالَ شَارِحُهُ أَيْ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْكَرْمَانِيِّ، وَهُوَ الصَّوَابُ قِيَاسًا عَلَى التَّحَلُّلِ وَوَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ التَّقْصِيرَ لَا يُوجِبُ الدَّمَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا يَجِيءُ إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ قَدْرُ رُبْعِهَا كَامِلَةً فَفِيهِ دَمٌ، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ كَمَا فِي اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: الثَّانِي أَنْ يَتَّحِدَ الْمَجْلِسُ) هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ فَلَوْ أَسْقَطَ أَوَّلًا مِنْ كَلَامِهِ: قَوْلُهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَاسْتَقَامَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ) أَنْ وَصْلِيَّةٌ، وَلَوْ حَذَفَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَكَانَ أَقْرَبَ لِلْفَهْمِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ، وَإِنْ اتَّحَدَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ تَعَدَّدَ الْمَحَلُّ، وَهُوَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ وَحُكْمُ مَا إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا حَلَقَ الرَّأْسَ فِي مَجَالِسَ) قَالَ فِي اللُّبَابِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَا نَقَلَ الْمُؤَلِّفُ الِاتِّفَاقَ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَصِّ الْأَظْفَارِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ: لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُتَّفِقَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَمَنْسَكِ الْفَارِسِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكَافِي وَشَرْحِ الْكَنْزِ، وَفِي الْبَحْرِ الزَّاخِرِ فَدَمٌ وَاحِدٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيُخَالِفُهُ بِظَاهِرِهِ مَا ذَكَرَهُ الْخَبَّازِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ إذَا حَلَقَ رُبْعَ الرَّأْسِ ثُمَّ حَلَقَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ فِي أَزْمَانٍ مُتَفَرِّقَةٍ تَجِبُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ؛ لِأَنَّ حَلْقَ كُلِّ رُبْعٍ جِنَايَةٌ مُوجِبَةٌ لِلدَّمِ فَإِذَا اخْتَلَفَ أَزْمَانُ وُجُودِهَا نَزَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ فِي تِلَاوَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ فَلَا يَتَدَاخَلُ. اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْأَزْمَانِ الْأَيَّامُ لَا الْمَجَالِسُ الْمُتَعَدِّدَةُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَخَالَفَ مُحَمَّدٌ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَ الْمَحَلُّ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا الْمَجْلِسُ بَدَلُ الْمَحَلِّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ خِلَافَهُ فِيمَا إذَا تَعَدَّدَ الْمَحَلُّ وَالْمَجْلِسُ (قَوْلُهُ: فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مُحْرِمًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّ فِي كَلَامِهِ اشْتِبَاهًا أَيْضًا وَذَلِكَ أَنَّ الْمَحْلُوقَ رَأْسُهُ لَوْ كَانَ حَلَالًا، وَكَانَ الْحَالِقُ مُحْرِمًا تَصَدَّقَ بِمَا شَاءَ، وَفِي غَيْرِهِ نِصْفُ صَاعٍ. اهـ.

وَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ أَوْ قَصَّ أَظْفَارَ يَدَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ حَلَالًا) أَيْ أَوْ كَانَ الْحَالِقُ حَلَالًا وَالْمَحْلُوقُ رَأْسُهُ مُحْرِمٌ فَتَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ، وَمَشَى فِي اللُّبَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِقِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَنَقَلَ شَارِحُهُ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي اللُّبَابِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَالْكَرْمَانِيِّ وَالْعِنَايَةِ وَالْحَاوِي وَنَقَلَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَابْنِ الْهُمَامِ وَالشُّمُنِّيِّ ثُمَّ قَالَ: وَوَجْهُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ الْحَلَالُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي مُوجِبَاتِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَوْ يُبَاحُ فِعْلُهُ هَذَا أَوْ يُكْرَهُ الظَّاهِرُ الْآخَرُ وَذَكَرَ وَجْهَهُ وَذَكَرَ أَيْضًا وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا حَلَقَ الْمُحْرِمُ رَأْسَ غَيْرِهِ حَيْثُ تَجِبُ الْجِنَايَةُ وَبَيْنَ مَا إذَا أَلْبَسَ الْمُحْرِمُ مُحْرِمًا لِبَاسًا مَخِيطًا حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَرَاجِعْهُ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ إذْ لَا شَكَّ فِي تَأَذِّي الْإِنْسَانِ بِتَفَثِ غَيْرِهِ يَجِدُهُ مَنْ رَأَى إنْسَانًا ثَائِرَ الرَّأْسِ شَعِثَهَا وَسِخَ الثَّوْبِ تَفِلَ الرَّائِحَةِ، وَمَا سُنَّ غُسْلُ الْجُمُعَةِ إلَّا لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ أَنَّ شَعْرَ الْمُحْرِمِ اُسْتُحِقَّ إلَّا مِنْ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا أَلْبَسَ الْمُحْرِمُ مُحْرِمًا مَخِيطًا أَوْ طَيَّبَهُ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ غَطَّى رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ كَمَا فِي اللُّبَابِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ الْأَمْنُ عَنْ مُسْتَحَقِّهِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي عِبَارَةِ الظَّهِيرِيَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ قَوْلِهِ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَ قَمْلَةً عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ إلَّا مَنْ تَأَمَّلَ، وَأَمَّا لَوْ قَلَّمَ أَظَافِيرَ

ص: 10

عَنْهُ فَكَانَ جَانِيًا، وَإِذَا كَانَ الْمَحْلُوقُ رَأْسُهُ مُكْرَهًا وَجَبَ الدَّمُ عَلَيْهِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْحَالِقِ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَلْقِ جَمِيعِ الرَّقَبَةِ وَالْإِبْطِ وَالْمَحْجَمَةِ فِي لُزُومِ الدَّمِ بِكُلٍّ مِنْهُمْ فَلَوْ بَقِيَ مِنْ الرَّقَبَةِ أَوْ الْإِبْطِ شَيْءٌ لَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلِهَذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَلَوْ حَلَقَ مِنْ أَحَدِ الْإِبْطَيْنِ أَكْثَرَهُ وَجَبَتْ الصَّدَقَةُ فَعَلَى هَذَا فَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الرَّقَبَةِ كَالْكُلِّ فِي لُزُومِ الدَّمِ، وَأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ عُضْوٍ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْبَدَنِ لَا يَقُومُ أَكْثَرُهُ مَقَامَ كُلِّهِ، وَكُلُّ عُضْوٍ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْبَدَنِ كَالرَّقَبَةِ يَقُومُ أَكْثَرُهُ مَقَامَ كُلِّهِ.

وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّ فِي الْإِبْطِ إذَا كَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الرُّبْعُ لِوُجُوبِ الدَّمِ، وَإِلَّا فَالْأَكْثَرُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ أَحَدٌ حَلْقَ رُبْعِ غَيْرِ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ فَلَيْسَ فِيهِ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ ثُمَّ الرُّبْعُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يُعْتَبَرُ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ فَلَا يَكُونُ حَلْقُ الْبَعْضِ ارْتِفَاقًا كَامِلًا حَتَّى لَوْ حَلَقَ أَكْثَرَ الْإِبْطِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا صَدَقَةٌ بِخِلَافِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. اهـ.

فَالْمَذْهَبُ مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ اعْتِبَارِ الرُّبْعِ فِي الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالْكُلِّ فِي غَيْرِهِمَا فِي لُزُومِ الدَّمِ، وَأَرَادَ بِالرَّقَبَةِ، وَمَا عُطِفَ مَا عَدَا الرَّأْسَ وَاللِّحْيَةَ كَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَالْعَانَةِ كَالرَّقَبَةِ لَكِنْ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَفِي حَلْقِ الْعَانَةِ دَمٌ إنْ كَانَ الشَّعْرُ كَثِيرًا. اهـ.

فَشَرَطَ كَثْرَةَ الشَّعْرِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ فِيمَا عَدَا الرَّأْسَ وَاللِّحْيَةَ إنْ حَلَقَ عُضْوًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَمَتَى حَلَقَ عُضْوًا مَقْصُودًا بِالْحَلْقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ حَلَقَ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَصَدَقَةٌ ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ حَلْقُ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَدَفَعَ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِطَرِيقِ التَّنُّورِ بِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى حَلْقِهِمَا إنَّمَا هُوَ فِي ضِمْنِ غَيْرِهِمَا إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ تَنْوِيرَ السَّاقِ وَحْدَهُ بَلْ تَنْوِيرُ الْمَجْمُوعِ مِنْ الصُّلْبِ إلَى الْقَدَمِ فَكَانَ بَعْضَ الْمَقْصُودِ بِالْحَلْقِ فَالْحَقُّ أَنْ يَجِبَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الصَّدَقَةُ. اهـ.

فَعَلَى هَذَا فَالتَّقْيِيدُ بِالرَّقَبَةِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ بِمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وَأَطْلَقَ فِي الْمَحْجَمَةِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْحَلْقُ لِهَذَا الْمَوْضِعِ وَسِيلَةً إلَى الْحِجَامَةِ فَلَوْ حَلَقَهَا، وَلَمْ يَحْتَجِمْ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ فِي الْحَلْقِ كَمَا فِي الطِّيبِ، وَفِي الْهِدَايَةِ ذَكَرَ فِي الْإِبْطَيْنِ الْحَلْقَ هُنَا، وَفِي الْأَصْلِ النَّتْفُ، وَهُوَ السُّنَّةُ، وَفِي النِّهَايَةِ، وَأَمَّا الْعَانَةُ فَالسُّنَّةُ فِيهَا الْحَلْقُ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «عَشْرٌ مِنْ السُّنَّةِ مِنْهَا الِاسْتِحْدَادُ» وَتَفْسِيرُهُ: حَلْقُ الْعَانَةِ بِالْحَدِيدِ.

(قَوْلُهُ: وَفِي أَخْذِ شَارِبِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) مُخَالِفٌ لِمَا أَفَادَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: وَإِلَّا تَصَدَّقَ فَإِنَّ الشَّارِبَ بَعْضُ اللِّحْيَةِ، وَهُوَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ فَفِيهِ الصَّدَقَةُ، وَمَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي تَطْيِيبِ بَعْضِ الْعُضْوِ حَيْثُ قَالَ: يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ، وَأَمَّا الْمَذْهَبُ فَوُجُوبُ الصَّدَقَةِ فَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ فِي حَلْقِ الشَّارِبِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْمَذْهَبُ وُجُوبُ الصَّدَقَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلِّحْيَةِ، وَهُوَ قَلِيلٌ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ صَغِيرٌ، وَسَوَاءٌ حَلَقَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ تَبَعًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الشَّارِبِ كَمْ يَكُونُ مِنْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ فَيَلْزَمُهُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِقَدْرِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ مِثْلَ رُبْعِ رُبْعِهَا لَزِمَهُ رُبْعُ قِيمَةِ الشَّاةِ أَوْ ثُمُنِهَا فَثُمُنُهَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْوَاجِبُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى نِسْبَةِ الْمَأْخُوذِ مِنْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ مُعْتَبِرًا مَعَهَا الشَّارِبَ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي

ــ

[منحة الخالق]

غَيْرِهِ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْحَلْقِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَقَاضِي خَانْ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ إذَا قَصَّ الْمُحْرِمُ أَظَافِيرَ غَيْرِهِ فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْحَلْقِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَفِي الْبَدَائِعِ، وَإِنْ قَلَّمَ الْمُحْرِمُ أَظَافِيرَ حَلَالٍ أَوْ مُحْرِمٍ أَوْ قَلَّمَ الْحَلَالُ أَظَافِيرَ مُحْرِمٍ فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْحَلْقِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَالْحَقُّ أَنْ يَجِبَ) كَذَا فِي نُسْخَةٍ، وَفِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَالْحَلْقُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ الْأُولَى (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي الْمَحْجَمَةِ إلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَمْ أَجِدْهُ فِي نُسْخَتِي مِنْهُ. اهـ.

وَكَأَنَّهُ نَظَرَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ أَوْ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِهِ وَنَصُّهُ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْمَقْصُودِ إلَّا بِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَتَرَتَّبْ الْحِجَامَةُ عَلَى مَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ لَا يَجِبُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَ أَنَّ كَوْنَهُ مَقْصُودًا إنَّمَا هُوَ لِلتَّوَصُّلِ بِهِ إلَى الْحِجَامَةِ فَإِذَا لَمْ تُعْقِبْهُ الْحِجَامَةُ لَمْ يَقَعْ وَسِيلَةً فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا فَلَا تَجِبُ إلَّا الصَّدَقَةُ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْكَنْزِ وَاضِحَةٌ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي دَلِيلِهِمَا وَلِأَنَّهُ قَلِيلٌ فَلَا يُوجِبُ الدَّمَ كَمَا إذَا حَلَقَهُ بِغَيْرِ الْحِجَامَةِ، وَفِي دَلِيلِهِ أَنَّ حَلْقَهُ لِمَنْ يَحْتَجِمُ مَقْصُودٌ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْحَلْقِ لِغَيْرِهَا. اهـ بِحُرُوفِهِ.

(قَوْلُهُ: وَفِي النِّهَايَةِ وَأَمَّا الْعَانَةُ إلَخْ) اُخْتُلِفَ فِي الْعَانَةِ الَّتِي يُسَنُّ حَلْقُهَا فَالْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ مَا حَوْلَ ذَكَرِ الرَّجُلِ، وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ مِنْ الشَّعْرِ، وَقِيلَ يُسَنُّ حَلْقُ جَمِيعِ مَا عَلَى الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَحَوْلَهُمَا وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ الْحَلْقِ وَالْقَصِّ وَالنَّتْفِ وَاسْتِعْمَالِ النُّورَةِ إذْ الْمَقْصُودُ حُصُولُ النَّظَافَةِ إلَّا أَنَّ الْأَحْسَنَ فِي هَذِهِ السُّنَّةِ الْحَلْقُ بِالْمُوسَى؛ لِأَنَّهُ أَنْظَفُ كَذَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي.

ص: 11

الْمَبْسُوطِ مِنْ كَوْنِ الشَّارِبِ طَرَفًا مِنْ اللِّحْيَةِ هُوَ مَعَهَا عُضْوٌ وَاحِدٌ لَا أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى رُبْعِ اللِّحْيَةِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ الشَّارِبَ مَعَهَا فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يَجِبُ رُبْعُ قِيمَةِ الشَّاةِ إذَا بَلَغَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الشَّارِبِ رُبْعَ الْمَجْمُوعِ مِنْ اللِّحْيَةِ مَعَ الشَّارِبِ لَا دُونَهُ. اهـ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ لُزُومُ الدَّمِ بِحَلْقِهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْحَلْقِ يَفْعَلُهُ الصُّوفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ ظَنَّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ تَعْبِيرِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هُنَا بِالْأَخْذِ أَنَّ السُّنَّةَ قَصُّ الشَّارِبِ لَا حَلْقُهُ رَدًّا عَلَى الطَّحَاوِيِّ الْقَائِلِ بِسُنِّيَّةِ الْحَلْقِ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَقْصِدْ هُنَا بَيَانَ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بَيَانَ حُكْمِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ بِإِزَالَةِ الشَّعْرِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ الْحَلْقَ فِي الْإِبْطِ وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ سُنِّيَّةَ النَّتْفِ لَا الْحَلْقِ؛ وَلِأَنَّ الْأَخْذَ أَعَمُّ مِنْ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ أَخْذٌ، وَلَيْسَ الْقَصُّ مُتَبَادِرًا مِنْ الْأَخْذِ وَالْوَارِدُ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى» ، وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْقَطْعِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ حَصَلَ حَصَلَ الْمَقْصُودُ غَيْرَ أَنَّهُ بِالْحَلْقِ بِالْمُوسَى أَيْسَرُ مِنْهُ بِالْقَصَّةِ فَلِذَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ: الْحَلْقُ أَحْسَنُ مِنْ الْقَصِّ، وَقَدْ يَكُونُ مِثْلَهُ بِسَبَبِ بَعْضِ الْآلَاتِ الْخَاصَّةِ بِقَصِّ الشَّارِبِ، وَأَمَّا ذِكْرُ الْقَصِّ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ فَالْمُرَادُ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِئْصَالِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ السُّنَّةَ فِيهِ الْقَصُّ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ تَرْكُهَا حَتَّى تَكَثَّ وَتَكْثُرَ، وَالسُّنَّةُ قَدْرُ الْقَبْضَةِ فَمَا زَادَ قَطَعَهُ.

(قَوْلُهُ: وَفِي شَارِبِ حَلَالٍ أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ طَعَامٌ) أَيْ يَجِبُ طَعَامٌ عَلَى مُحْرِمٍ أَخَذَ شَارِبَ حَلَالٍ أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ؛ لِأَنَّ إزَالَتَهُ عَنْ غَيْرِهِ ارْتِفَاقٌ لَكِنَّهُ قَاصِرٌ فَوَجَبَتْ الصَّدَقَةُ أَوْ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ إلَّا مِنْ عَنْ الشَّعْرِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ تَبِعَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِي جَمْعِهِ بَيْنَ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ فِي وُجُوبِ الطَّعَامِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الصَّدَقَةَ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالطَّعَامِ مَا يَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَصَّ أَظَافِيرَ حَلَالٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الصَّدَقَةَ الَّتِي هِيَ نِصْفُ صَاعٍ الَّتِي هِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ الصَّدَقَةَ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا حَلَقَ شَارِبَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فَإِذَا حَلَقَ شَارِبَ غَيْرِهِ أَطْعَمَ مَا شَاءَ كِسْرَةً خُبْزًا، وَكَفًّا مِنْ طَعَامٍ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ، وَقَدْ وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِإِطْعَامِ شَيْءٍ جَوَابًا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَكِنَّهُ أَتَى بِمِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ فِي تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ فَقَالَ فِي الْمُحْرِمِ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِ الْحَلَالِ أَوْ يَقُصُّ مِنْ أَظْفَارِهِ: يُطْعِمُ مَا شَاءَ فَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِمَا شَاءَ الْعُمُومَ. اهـ.

وَأَشَارَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى جَوَابِهِ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْأَصْلِ وَكَافِي الْحَاكِمِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا حَلَقَ رَأْسَ حَلَالٍ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، وَإِذَا حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَأَنَّ الْجَوَابَ فِي قَصِّ الْأَظْفَارِ كَالْجَوَابِ فِي الْحَلْقِ. اهـ.

فَقَوْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا قَصَّ أَظَافِيرَ حَلَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ الْمُعَيَّنَةُ نَصًّا مُعَارَضٌ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ التَّصَدُّقِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: رَدًّا عَلَى الطَّحَاوِيِّ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: الْقَصُّ حَسَنٌ وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَقُصَّ حَتَّى يَنْتَقِصَ عَنْ الْإِطَارِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مُلْتَقَى الْجِلْدَةِ وَاللَّحْمِ مِنْ الشَّفَةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى أَنْ يُحَاذِيَهُ ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْحَلْقُ أَحْسَنُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا أَنَّ السُّنَّةَ الْقَصُّ. اهـ.

كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ أَخْذٌ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاَلَّذِي لَيْسَ أَخْذًا هُوَ النَّتْفُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْقَطْعِ) قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي وَالْمُرَادُ بِالْإِحْفَاءِ هُنَا قَطْعُ مَا طَالَ عَلَى الشَّفَتَيْنِ حَتَّى تَبْدُوَ الشَّفَةُ الْعُلْيَا لَا الْقَصُّ مِنْ أَصْلِهِ فَالْمَعْنَى بَالَغُوا فِي قَصِّ مَا طَالَ مِنْ الشَّوَارِبِ حَتَّى يَبِينَ طَرَفُ الشَّفَةِ الْعُلْيَا بَيَانًا ظَاهِرًا وَيُسْتَحَبُّ الِابْتِدَاءُ بِقَصِّ الْجِهَةِ الْيُمْنَى مِنْ الشَّارِبِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَقُصُّ طَرَفَاهُ أَيْضًا، وَهُمَا الْمُسَمَّيَانِ بِالسِّبَالَيْنِ أَمْ يَتْرُكُهُمَا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ قِيلَ لَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ كُرِهَ بَقَاءُ السِّبَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ بَلْ بِالْمَجُوسِ، وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَجُوسَ فَقَالَ: إنَّهُمْ يُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ وَيَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ فَخَالِفُوهُمْ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَجُزُّ كَمَا تُجَزُّ الشَّاةُ أَوْ الْبَعِيرُ» قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَأَمَّا الشَّارِبُ فَهُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا وَاخْتُلِفَ فِي جَانِبَيْهِ، وَهُمَا السِّبَالَانِ فَقِيلَ هُمَا مِنْ الشَّارِبِ فَيُشْرَعُ قَصُّهُمَا مَعَهُ، وَقِيلَ هُمَا مِنْ جُمْلَةِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ. اهـ.

فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ بِشَيْءٍ يَذْهَبُ إلَى الثَّانِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ تَرْكُهَا إلَخْ) قَالَ: فِي غَايَةِ الْبَيَانِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي إعْفَاءِ اللِّحَى مَا هُوَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ تَرْكُهَا حَتَّى تَطُولَ فَذَاكَ إعْفَاؤُهَا مِنْ غَيْرِ قَصٍّ، وَلَا قَصْرٍ، وَقَالَ: أَصْحَابُنَا الْإِعْفَاءُ تَرْكُهَا حَتَّى تَكَثَّ وَتَكْثُرَ وَالْقَصُّ سُنَّةٌ فِيهَا، وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَ الرَّجُلُ لِحْيَتَهُ فَمَا زَادَ مِنْهَا عَلَى قَبْضَةٍ قَطَعَهَا كَذَلِكَ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: وَبِهِ نَأْخُذُ وَذَكَرَ هُنَالِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ قَدْرُ الْقَبْضَةِ إلَخْ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ قُبَيْلَ فَصْلِ الْعَوَارِضِ.

ص: 12

بِشَيْءٍ، وَهُوَ يَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِمَا إذَا حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ فَحِينَئِذٍ الْمُرَادُ بِالطَّعَامِ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ مَا يَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَهُوَ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّارِبِ وَالْأَظْفَارِ كُلِّهَا وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْحَلَالِ لِيُخْرِجَ مَا إذَا قَصَّ الْمُحْرِمُ أَظَافِيرَ مُحْرِمٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ الْمُعَيَّنَةُ، وَظَاهِرُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا حَلَقَ شَارِبَ غَيْرِهِ مُحْرِمًا كَانَ أَوْ حَلَالًا فَإِنَّهُ يُطْعِمُ مَا شَاءَ فَلَيْسَ الْحَلَالُ قَيْدًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّارِبِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا مَضَى كَالْحَالِقِ فِيهِ اشْتِبَاهٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُحْرِمًا فَالتَّشْبِيهُ تَامٌّ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَلَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إطْعَامُ شَيْءٍ لَا الصَّدَقَةُ الْمُعَيَّنَةُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ قَصَّ أَظْفَارَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِمَجْلِسٍ أَوْ يَدًا أَوْ رِجْلًا، وَإِلَّا تَصَدَّقَ كَخَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى طِيبِ أَوَّلِ الْبَابِ فَيَلْزَمُهُ دَمٌ بِالْقَصِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَضَاءِ التَّفَثِ، وَإِزَالَةِ مَا يَنْمُو مِنْ الْبَدَنِ فَإِذَا قَلَّمَهَا كُلَّهَا فَهُوَ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ، وَكَذَا إذَا قَصَّ يَدًا أَوْ رِجْلًا إقَامَةً لِلرُّبْعِ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ، وَإِنْ لَمْ يَقُصَّ يَدًا كَامِلَةً، وَلَا رِجْلًا كَامِلَةً فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِتَقَاصُرِ الْجِنَايَةِ قُيِّدَ بِالْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَصَّ الْكُلَّ فِي مَجَالِسَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ عُضْوٌ لَزِمَهُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي هَذِهِ الْكَفَّارَةِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَيَتَقَيَّدُ التَّدَاخُلُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي آيَةِ السَّجْدَةِ سَوَاءٌ كَفَّرَ لِلْأُولَى أَوْ لَا، وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ، وَقَيَّدَ التَّدَاخُلَ بِكَوْنِهِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَلَّمَ أَظَافِيرَ يَدِهِ وَحَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ وَطَيَّبَ عُضْوًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ جِنَايَةٍ دَمٌ سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ أَوْ اخْتَلَفَ اتِّفَاقًا، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَحَلِّ مُخْتَلِفًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَّحِدًا إذَا حَلَقَ الرَّأْسَ فِي أَرْبَعِ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ لَا تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ اتِّفَاقًا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ أَوْ اخْتَلَفَ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا كَفَّارَةً فِي الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ كَمَا إذَا أَفْسَدَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ تَتَعَدَّدُ إنْ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلزَّجْرِ فَالْغَالِبُ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، وَهَذِهِ شُرِعَتْ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ، وَفِي قَوْلِهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ اشْتِبَاهٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي أَنْ يَلْزَمَهُ صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَقُصَّ يَدًا كَامِلَةً أَوْ رِجْلًا كَامِلَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ ظُفُرٍ قَصَّهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ حَتَّى لَوْ قَصَّ سِتَّةَ عَشَرَ ظُفُرًا مِنْ كُلِّ عُضْوٍ أَرْبَعَةٌ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ ظُفُرٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَحِينَئِذٍ يَنْقُصُ مَا شَاءَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِالْخَمْسَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ مَعَ أَنَّهَا فُهِمَتْ مِمَّا ذَكَرَهُ لِدَفْعِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمَنْقُولِ فِي الْمَجْمَعِ أَنَّ الْخَمْسَةَ الْمُتَفَرِّقَةَ كَطَرَفٍ كَامِلٍ فَيَجِبُ دَمٌ فَأَفَادَ أَنَّ فِي كُلِّ ظُفُرٍ مِنْ الْخَمْسَةِ صَدَقَةً كَمَا قَرَّرْنَاهُ.

(قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ بِأَخْذِ ظُفُرٍ مُنْكَسِرٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْمُو بَعْدَ الِانْكِسَارِ فَأَشْبَهَ الْيَابِسَ مِنْ أَشْجَارِ الْحَرَمِ قَيَّدَ بِالِانْكِسَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَصَابَهُ أَذًى فِي كَفِّهِ فَقَصَّ أَظَافِيرَهُ فَعَلَيْهِ أَيُّ الْكَفَّارَاتِ شَاءَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ قَدْ انْكَسَرَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَأَخَذَهُ أَوْ كَانَ مُنْكَسِرًا قَبْلَهُ فَأَخَذَهُ بَعْدَهُ، وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْهِدَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَأَوْلَى مِمَّا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ انْكَسَرَ ظُفُرُ الْمُحْرِمِ وَصَارَ بِحَالٍ لَا يَثْبُتُ فَأَخَذَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ الْمُحْرِمُ مِمَّا فِيهِ الدَّمُ عَيْنًا أَوْ الصَّدَقَةُ عَيْنًا فَعَلَيْهِ ذَلِكَ إذَا عَتَقَ لَا فِي الْحَالِ، وَلَا يُبَدَّلُ بِالصَّوْمِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ ذَبَحَ شَاةً أَوْ تَصَدَّقَ بِثَلَاثَةِ أَصْوُعٍ عَلَى سِتَّةٍ أَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] ، وَكَلِمَةُ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ، وَقَدْ فَسَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا ذَكَرْنَا وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْمَعْذُورِ، وَهُوَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ الَّذِي أَذَاهُ هَوَامُّ رَأْسِهِ فَأُبِيحَ لَهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ) أَيْ فَإِنَّهُ يُقَيِّدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ اشْتِبَاهٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَإِنَّمَا قَالَ: كَخَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ مَعَ دُخُولِهَا فِي قَوْلِهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ إيمَاءً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ نِصْفَ صَاعٍ فَقَطْ بَلْ كَمَا يَتَصَدَّقُ فِي قَصِّ خَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ أَنَّهَا عَنْ كُلِّ ظُفُرٍ نِصْفُ صَاعٍ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ. اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: بَلْ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ ظُفُرٍ قَصَّهُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي اللُّبَابِ فِي بَحْثِ الْجِنَايَةِ عَلَى الصَّيْدِ أَنَّ كُلَّ صَدَقَةٍ تَجِبُ فِي الطَّوَافِ فَهِيَ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ أَوْ فِي الرَّمْيِ فَلِكُلِّ حَصَاةٍ صَدَقَةٌ أَوْ فِي قَلْمِ الْأَظْفَارِ فَلِكُلِّ ظُفُرٍ أَوْ فِي الصَّيْدِ وَنَبَاتِ الْحَرَمِ فَعَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ يَنْقُصُ مَا شَاءَ)، وَقِيلَ يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ صَاعٍ لُبَابٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْهِدَايَةِ) أَيْ حَيْثُ قَيَّدَهُ بِالْمُحْرِمِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُحْرِمِ يُفْهِمُ أَنْ لَا شَيْءَ بِأَخْذِ ظُفُرِ الْحَلَالِ بِالْأَوْلَى فَالْعِبَارَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ (قَوْلُهُ: مِمَّا فِيهِ الدَّمُ عَيْنًا أَوْ الصَّدَقَةُ عَيْنًا) قَيَّدَ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَمَّا فِيهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ لِلْحَالِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ.

ص: 13

الْحَلْقُ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَهِيَ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ لَكِنْ قِيسَ الطِّيبُ وَاللُّبْسُ وَالْقَصُّ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْجَامِعِ، وَهُوَ الْمَرَضُ أَوْ الْأَذَى كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَظَاهِرُ النِّهَايَةِ أَنَّهُ إلْحَاقٌ لَهُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَوْلَى لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُهُ عَلَيْهِ لَا يُقَاسُ فَهُوَ كَإِلْحَاقِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالْجِمَاعِ فِي كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ، وَفَسَّرَ الْعُذْرَ الْمُبِيحَ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ بِخَوْفِ الْهَلَاكِ مِنْ الْبَرْدِ وَالْمَرَضِ أَوْ لُبْسِ السِّلَاحِ لِلْقِتَالِ، وَهَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفَتْحِ الْقَدِيرِ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ الظَّنُّ لَا مُجَرَّدُ الْوَهْمِ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ هَلَاكُهُ أَوْ مَرَضُهُ مِنْ الْبَرْدِ جَازَ لَهُ تَغْطِيَةُ رَأْسِهِ مَثَلًا أَوْ سِتْرُ بَدَنِهِ بِالْمَخِيطِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ فَيُغَطِّيَ رَأْسَهُ بِالْقَلَنْسُوَةِ فَقَطْ إنْ انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِهَا وَحِينَئِذٍ فَلَفُّ الْعِمَامَةِ عَلَيْهَا حَرَامٌ مُوجِبٌ لِلدَّمِ أَوْ الصَّدَقَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

وَكَذَا إذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِلُبْسِ جُبَّةٍ فَلَبِسَ جُبَّتَيْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ آثِمًا إلَّا أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ اللُّبْسُ عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ مُخَيَّرَةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُحْرِمِينَ يَغْفُلُ عَنْهُ كَمَا شَاهَدْنَاهُ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ لِعُذْرٍ وَيَأْثَمُ إذَا كَانَ لِغَيْرِهِ وَصَرَّحُوا بِالْحُرْمَةِ، وَلَمْ أَرَ لَهُمْ صَرِيحًا هَلْ ذَبْحُ الدَّمِ أَوْ التَّصَدُّقُ مُكَفِّرٌ لِهَذَا الْإِثْمِ مُزِيلٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْهَا مَعَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْحُدُودِ هَلْ هِيَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا أَوْ لَا هَلْ يَخْرُجُ الْحَجُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَبْرُورًا بِارْتِكَابِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَفَّرَ عَنْهَا أَوْ لَا الظَّاهِرُ بَحْثًا لَا نَقْلًا أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَلَفُّ الْعِمَامَةِ عَلَيْهَا حَرَامٌ مُوجِبٌ لِلدَّمِ أَوْ الصَّدَقَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ) لَمْ يُقَدِّمْ ذَلِكَ بَلْ قَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْغَايَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة فَقَالَ: وَلْيُتَنَبَّهْ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ نَاقَضَ هَذَا بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ، وَكَذَا إذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَخْ. اهـ.

قُلْت: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مَا إذَا كَانَتْ الْعِمَامَةُ نَازِلَةً بِحَيْثُ تُغَطِّي رُبْعًا مِمَّا تَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ دَمٌ إنْ كَانَ يَوْمًا، وَإِلَّا فَصَدَقَةٌ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَجَابَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمُحِيطِ إذَا اُضْطُرَّ إلَى تَغْطِيَةِ رَأْسِهِ فَلَبِسَ قَلَنْسُوَةً، وَلَفَّ عِمَامَةً يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ وَضَعَ قَمِيصًا عَلَى رَأْسِهِ، وَقَلَنْسُوَةً يَلْزَمُهُ لِلضَّرُورَةِ فِدْيَةٌ يَتَخَيَّرُ فِيهَا بِلُبْسِ الْقَلَنْسُوَةِ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِلْقَمِيصِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلرَّأْسِ إلَى الْقَمِيصِ بِخِلَافِ الْقَلَنْسُوَةِ وَالْعِمَامَةِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْفَارِسِيُّ وَالطَّرَابُلُسِيّ، وَهُوَ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ التَّغْطِيَةُ، وَقَدْ حَصَلَتْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْمَلْبُوسِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَمْ لَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الضَّرُورَةَ مُلْجِئَةٌ إلَى قَدْرِ قَلَنْسُوَةٍ غَيْرِ مُسْتَوْعِبَةٍ لِلرَّأْسِ بِأَنْ يَكُونَ رُبْعُهُ لَيْسَ فِيهِ عُذْرٌ فَوَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ قَمِيصًا بِحَيْثُ غَطَّى رَأْسَهُ جَمِيعَهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ فِيهِ جَزَاءَانِ بِلَا شُبْهَةٍ جَزَاءٌ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَجَزَاءٌ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ لَهُمْ صَرِيحًا إلَخْ) نَقَلَ الْبَحْثَ فِي النَّهْرِ والشُّرُنبُلالِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا إلَخْ) قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي قُلْت قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ إنَّ الْكَفَّارَاتِ تَرْفَعُ الْإِثْمَ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ عَنْهُ التَّوْبَةُ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ. اهـ.

وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْجِنَايَاتِ الَّتِي فِيهَا الْكَفَّارَةُ مِنْ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ كَمَا فِي الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا كَفَّارَةٌ مَعْهُودَةٌ وَرَجَّحُوا مَا فِي الْبَدَائِعِ وَحَمَلُوا مَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَلَى غَيْرِ الْمُصِرِّ، وَقَالُوا عَلَى الْمُصِرِّ الْكَفَّارَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابُ فِي الْأُخْرَى إنْ لَمْ يَتُبْ قَالَ: الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّيْسِيرِ لِلْمُصِرِّ الْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ فِي الدُّنْيَا إذَا لَمْ يَتُبْ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَرْفَعُ الذَّنْبَ عَنْ الْمُصِرِّ. اهـ.

فَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ الْحَجُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَبْرُورًا بِارْتِكَابِ الْجِنَايَةِ عَمْدًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَإِنْ كَفَّرَ عَنْهَا صَاحِبُهَا. اهـ.

قُلْت: وَهُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الْمَارِّ فِي بَحْثِ الْوُقُوفِ «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ، وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» ، وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ أَنَّ الْفُسُوقَ الْمَعَاصِي ثُمَّ رَأَيْته فِي اللُّبَابِ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ، وَقَالَ: شَارِحُهُ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ إذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ عَامِدًا يَأْثَمُ، وَلَا تُخْرِجُهُ الْفِدْيَةُ وَالْعَزْمُ عَلَيْهَا عَنْ كَوْنِهِ عَاصِيًا قَالَ النَّوَوِيُّ: وَرُبَّمَا ارْتَكَبَ بَعْضُ الْعَامَّةِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَالَ: أَنَا أَفْدِي مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ بِالْتِزَامِ الْفِدْيَةِ يَتَخَلَّصُ مِنْ وَبَالِ الْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ فَإِذَا خَالَفَ أَثِمَ، وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، وَلَيْسَتْ الْفِدْيَةُ مُبِيحَةً لِلْإِقْدَامِ عَلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمِ وَجَهَالَةُ هَذَا الْفَاعِلِ كَجَهَالَةِ مَنْ يَقُولُ أَنَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَأَزْنِي وَالْحَدُّ يُطَهِّرُنِي، وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا يُحْكَمُ بِتَحْرِيمِهِ فَقَدْ أَخْرَجَ حَجَّهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَبْرُورًا. اهـ.

وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِمِثْلِ هَذَا فِي الْحُدُودِ فَقَالُوا إنَّ الْحَدَّ لَا يَكُونُ طُهْرَةً مِنْ الذُّنُوبِ، وَلَا يَعْمَلُ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ لَكِنْ قَالَ: فِي الْمُلْتَقَطِ إلَخْ ثُمَّ ذَكَرَ شَارِحُ اللُّبَابِ كَلَامَ النَّسَفِيِّ الْمَارِّ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا

ص: 14