المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في إضافة الطلاق إلى الزمان] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٣

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌[فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى]

- ‌[فَصْلٌ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ]

- ‌(بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ)

- ‌(بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ)

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ فِي الْحَجّ أَوْ الْعُمْرَة]

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ فِي الْحَجُّ]

- ‌(بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ)

- ‌(بَابُ الْهَدْيِ)

- ‌[مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌(كِتَابُ النِّكَاحِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاح]

- ‌[بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاح]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ مَسَائِلِ الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاح]

- ‌(بَابُ الْمَهْرِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ)

- ‌[بَابُ نِكَاحِ الْكَافِر]

- ‌(بَابُ الْقَسْمِ)

- ‌(كِتَابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[الْمُحْرِمَات بِسَبَبِ الرَّضَاعِ]

- ‌[وَلَبَنُ الرَّجُلِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ]

- ‌ أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌[بَابُ أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ)

- ‌(بَابُ الْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ)

- ‌(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)

الفصل: ‌[فصل في إضافة الطلاق إلى الزمان]

الْجُمُعَةِ كَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَجَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ كَمَا هَلَّ الْهِلَالُ، وَإِنْ لَمْ يَجِئْ كُلُّهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا جَاءَ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْهُ فَأَمَّا الْمُضِيُّ فَعِبَارَةٌ عَنْ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْيَوْمِ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْ حِينِ حَلَفَ مُضِيُّ بَعْضِ يَوْمٍ لَا مُضِيُّ كُلِّهِ فَوَجَبَ ضَرُورَةُ تَتْمِيمِهِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي لِيَتَحَقَّقَ مُضِيُّ جَمِيعِ يَوْمٍ اهـ.

وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ " فِي " لِلظَّرْفِيَّةِ وَتُجْعَلُ شَرْطًا لِلتَّعَذُّرِ إلَى أَنْ قَالَ: وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَتَنَجَّزُ، وَالْوَكِيلُ بِهِ يَمْلِكُ ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً قَالَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَنْت طَالِقٌ فِي مُضِيِّ الْيَوْمِ يَقَعُ عِنْدَ غُرُوبِهَا، وَفِي مُضِيِّ الْيَوْمِ عِنْدَ مَجِيءِ تِلْكَ السَّاعَةِ وَكَذَا فِي مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ قَالَ لَيْلًا يَقَعُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الثَّالِثِ اهـ.

وَصُورَةُ التَّوْكِيلِ بِهِ أَنْ يَقُولَ لِآخَرَ طَلِّقْ امْرَأَتِي فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِيقَاعَ لَا يَمْتَدُّ فَاقْتَضَى التَّفْرِيقَ بِخِلَافِ وَصْفِهَا بِالطَّلَاقِ فِي الثَّلَاثَةِ.

(فَصْلٌ) يَعْنِي فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ ذَكَرَ فِي بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَصَلَيْنَ بِاعْتِبَارِ تَنْوِيعِ الْإِيقَاعِ أَيْ مَا بِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا إلَى مُضَافٍ وَمَوْصُوفٍ وَمُشَبَّهٍ وَغَيْرُهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَدْخُولٍ بِهَا وَغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا وَكُلٌّ مِنْهَا صِنْفٌ تَحْتَ ذَلِكَ الصِّنْفِ الْمُسَمَّى بَابًا كَمَا أَنَّ الْبَابَ يَكُونُ تَحْتَ الصِّنْفِ الْمُسَمَّى كِتَابًا، وَالْكُلُّ تَحْتَ الصِّنْفِ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْعِلْمِ الْمُدَوَّنِ فَإِنَّهُ صِنْفٌ عَالٍ، وَالْعِلْمُ مُطْلَقًا بِمَعْنَى الْإِدْرَاكِ جِنْسٌ وَمَا تَحْتَهُ مِنْ الْيَقِينِ، وَالظَّنِّ نَوْعٌ، وَالْعُلُومُ الْمُدَوَّنَةُ تَكُونُ ظَنِّيَّةً كَالْفِقْهِ وَقَطْعِيَّةً كَالْكَلَامِ، وَالْحِسَابِ، وَالْهَنْدَسَةِ فَوَاضِعُ الْعِلْمِ لَمَّا لَاحَظَ الْغَايَةَ الْمَطْلُوبَةَ لَهُ فَوَجَدَهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ بِأَحْوَالٍ شَتَّى أَوْ أَشْيَاءَ مِنْ جِهَةٍ خَاصَّةٍ وَضَعَهُ لِيَبْحَثَ عَنْ أَحْوَالِهِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ فَقَدْ قَيَّدَ ذَلِكَ النَّوْعَ مِنْ الْعِلْمِ بِعَارِضٍ كُلِّيٍّ فَصَارَ صِنْفًا وَقِيلَ الْوَاضِعُ صَنَّفَ الْعِلْمَ أَيْ جَعَلَهُ صِنْفًا فَالْوَاضِعُ أَوْلَى بِاسْمِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ، وَإِنْ صَحَّ أَيْضًا فِيهِمْ وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهَا تَتَبَايَنُ مُنْدَرِجَةً تَحْتَ صِنْفٍ أَعْلَى لِتَبَايُنِ الْعَوَارِضِ الْمُقَيَّدِ بِكُلٍّ مِنْهَا النَّوْعُ وَإِنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ نَحْوِ كِتَابِ الْحَوَالَةِ اللَّائِقُ بِهِ خِلَافُ تَسْمِيَتِهِ بِكِتَابٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالصِّنْفُ فِي اللُّغَةِ الطَّائِفَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَقِيلَ النَّوْعُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ قَوْلُهُ:(أَنْت طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ تَطْلُقُ عِنْدَ الصُّبْحِ) لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ جَمِيعَهُ هُوَ مُسَمَّى الْغَدِ فَتَعَيَّنَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ، وَفِي الثَّانِي وَصَفَهَا فِي جُزْءٍ مِنْهُ وَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا أَضَافَهُ إلَى وَقْتٍ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ لِلْحَالِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَالَ مَالِكٌ يَقَعُ فِي الْحَالِ إذَا كَانَ الْوَقْتُ يَأْتِي لَا مَحَالَةَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ دَخَلَ رَمَضَانُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالتَّدْبِيرِ فَإِنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي زَمَانُهُ لَا مَحَالَةَ وَلَا يَتَنَجَّزُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَأَقَّتُ.

فَإِذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ بَعْدَ الْعَشَرَةِ وَتَكُونُ إلَى بِمَعْنَى بَعْدَ، وَالْعِتْقُ، وَالْكَفَالَةُ إلَى شَهْرٍ كَالطَّلَاقِ إلَيْهِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ كَفِيلٌ فِي الْحَالِ، وَالْفَتْوَى أَنَّهُ كَفِيلٌ بَعْدَ شَهْرٍ، وَالْأَمْرُ بِالْيَدِ إلَى عَشَرَةٍ صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا لِلْحَالِ وَيَزُولُ بِمُضِيِّهَا وَلَوْ نَوَى أَنْ يَكُونَ بِيَدِهَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَالْبَيْعُ إلَى شَهْرٍ تَأْجِيلٌ لِلثَّمَنِ، وَالْوَكَالَةُ تَقْبَلُ التَّأْقِيتَ حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يَصِحُّ، وَفِي الْإِجَارَةِ إلَى شَهْرٍ تَعَيَّنَ مَا يَلِي الْعَقْدَ وَتَمَّتْ بِمُضِيِّهِ وَكَذَا فِي الْمُزَارَعَةِ، وَالشِّرْكَةِ إلَى شَهْرٍ كَالْإِجَارَةِ، وَالصُّلْحِ إلَى شَهْرٍ، وَالْقِسْمَةُ إلَيْهِ لَا تَصِحُّ، وَالْإِبْرَاءُ إلَى شَهْرٍ كَالطَّلَاقِ إلَّا إذَا قَالَ أَرَدْت التَّأْخِيرَ فَيَكُونُ تَأْجِيلًا إلَيْهِ، وَالْإِقْرَارُ إلَى شَهْرٍ إنْ صَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لَهُ ثَبَتَ الْأَجَلُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَزِمَ الْمَالُ حَالًّا، وَالْقَوْلُ لَهُ وَإِذْنُ الْعَبْدِ لَا يَتَأَقَّتُ، وَالتَّحْكِيمُ، وَالْقَضَاءُ يَقْبَلَانِ التَّأْقِيتَ نَهْيُ الْوَكِيلِ عَنْ الْبَيْعِ يَوْمًا يَتَأَقَّتُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لِبَيَانِ مَا يَتَوَقَّتُ وَمَا لَا يَتَوَقَّتُ ذَكَرْتهَا هُنَا لِكَثْرَةِ فَوَائِدِهَا وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، وَفِيهَا مِنْ الْأَيْمَانِ أَنْتِ كَذَا إذَا جَاءَ غَدٌ يَمِينٌ أَنْتِ كَذَا غَدًا لَيْسَ بِيَمِينٍ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ، وَالطَّلَاقُ الْمُضَافُ إلَى وَقْتَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا، وَالْمُعَلَّقُ

ــ

[منحة الخالق]

[فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ]

فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَأَقَّتُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ يَقَعُ بَعْدَ السَّنَةِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ فَتَكُونُ هَذِهِ إضَافَةً لِلْإِيقَاعِ إلَى مَا بَعْدَ السَّنَةِ. اهـ.

فَالْحُكْمُ مُوَافِقٌ، وَالْعِلَّةُ مُخَالِفَةٌ لِمَا هُنَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْأَمْرَ يَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ تَكُونُ إلَى بِمَعْنَى بَعْدُ لِأَنَّ تَأْجِيلَ الْوُقُوعِ غَيْرُ مُمْكِنٌ فَأَجَّلَ الْإِيقَاعَ وَلَوْ نَوَى أَنْ يَقَعَ فِي الْحَالِ يَقَعُ اهـ.

فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ لَا سَاقِطَةً سَهْوًا أَوْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَالَ أَرَدْت التَّأْخِيرَ) فَيَكُونُ تَأْجِيلًا إلَيْهِ لِلْمُؤَلَّفِ فِي هَذَا بَحْثٌ يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي بَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ (قَوْلُهُ: وَالطَّلَاقُ الْمُضَافُ إلَى وَقْتَيْنِ) أَيْ مُسْتَقْبَلَيْنِ فَلَوْ أَحَدُهَا حَالًّا فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَفِي الْيَوْمِ غَدًا

ص: 287

بِالْفِعْلَيْنِ عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَالْمُضَافُ إلَى أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ كَقَوْلِهِ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ طَلُقَتْ بَعْدَ غَدٍ وَلَوْ عَلَّقَ بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا، وَالْمُعَلَّقُ بِفِعْلٍ أَوْ وَقْتٍ يَقَعُ بِأَيِّهِمَا سَبَقَ، وَفِي الزِّيَادَاتِ إنْ وُجِدَ الْفِعْلُ أَوَّلًا يَقَعُ وَلَا يُنْظَرُ وُجُودُ الْوَقْتِ، وَإِنْ وُجِدَ الْوَقْتُ أَوَّلًا لَا يَقَعُ مَا لَمْ يُوجَدْ الْفِعْلُ اهـ.

وَفِيهَا مِنْ فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً غَدًا أَوْ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا تَعَلَّقَ ثِنْتَانِ لِمَجِيءِ الْغَدِ وَكَلَامِ فُلَانٍ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً تَقَعُ عَلَيْك غَدًا تَطْلُقُ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ فَإِنَّهُ وَصَفَ التَّطْلِيقَةَ بِمَا تَتَّصِفُ بِهِ فَإِنَّهَا تَتَّصِفُ بِالْوُقُوعِ غَدًا بِأَنْ كَانَتْ مُضَافَةً إلَى الْغَدِ فَلَا تَقَعُ بِدُونِ ذَلِكَ الْوَصْفِ، وَلَوْ قَالَ: تَطْلِيقَةً لَا تَقَعُ إلَّا غَدًا طَلُقَتْ لِلْحَالِ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِمَا لَا تَتَّصِفُ بِهِ إذْ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ مَا لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْغَدِ بَلْ يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ حَالًا وَاسْتِقْبَالًا فَلَغَا ذِكْرُ الْوَصْفِ فَبَقِيَ مُرْسَلًا كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً تَصِيرُ أَوْ تُصْبِحُ غَدًا وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى تَطْلُقُ حِينَ يَمْضِي الْيَوْمُ لِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلطَّلَاقِ لِمَا بَيَّنَّا فَصَارَ الطَّلَاقُ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ يَوْمِ الْأَضْحَى فَلَمْ يَقَعْ قَبْلَهُ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَهَا يَوْمُ الْأَضْحَى طَلُقَتْ لِلْحَالِ لِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلْيَوْمِ فَيَتَأَخَّرُ الْيَوْمُ عَنْ الطَّلَاقِ فَبَقِيَ الطَّلَاقُ مُرْسَلًا غَيْرَ مُضَافٍ، وَلَوْ قَالَ مَعَ يَوْمِ الْأَضْحَى طَلُقَتْ حِينَ يَطْلُعُ فَجْرُهُ لِأَنَّ مَعَ لِلْقِرَانِ فَقَدْ جَعَلَ الْوُقُوعَ مُقَارِنًا لِيَوْمِ الْأَضْحَى وَلَوْ قَالَ مَعَهَا يَوْمُ الْأَضْحَى طَلُقَتْ لِلْحَالِ لِأَنَّ حَرْفَ مَعَ هُنَا دَخَلَتْ عَلَى الْوَقْتِ فَصَارَ مُضِيفًا الْوَقْتَ إلَى الطَّلَاقِ وَإِضَافَةُ الْوَقْتِ إلَى الطَّلَاقِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ فَيَبْقَى الطَّلَاقُ مُرْسَلًا كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ قَبْلَهَا يَوْمُ الْأَضْحَى طَلُقَتْ لِلْحَالِ اهـ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ: الْحَاصِلُ أَنَّ الطَّلَاقَ إذَا أُضِيفَ إلَى وَقْتٍ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَجِئْ ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَإِنْ أُضِيفَ الْوَقْتُ إلَى الطَّلَاقِ وَقَعَ لِلْحَالِ، وَتَوْضِيحُهُ فِيهَا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ غَدًا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ لَا بَلْ غَدًا طَلُقَتْ السَّاعَةَ وَاحِدَةً، وَفِي الْغَدِ أُخْرَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَالْمَشِيئَةُ إلَيْهَا لِلْحَالِ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ إلَيْهَا فِي الْغَدِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ غَدًا إذَا دَخَلْت الدَّارَ يَلْغُو ذِكْرُ الْغَدِ فَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِدُخُولِ الدَّارِ حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ طَلُقَتْ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ إذَا أَلْغَى ذِكْرَ الْغَدِ يَصِيرُ فَاصِلًا بَيْنَ الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَجَزَّأَ الْجَزَاءُ وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ وَقَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ غَدًا يَتَعَلَّقُ طَلَاقُ الْغَدِ بِالدُّخُولِ اهـ.

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْوَقْتِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يَأْتِ بَعْدَهُ تَعْلِيقٌ لِتَعَارُضِ الْإِضَافَةِ، وَالتَّعْلِيقِ فَيَتَرَجَّحُ الْمُتَأَخِّرُ.

قَوْلُهُ: (وَنِيَّةُ الْعَصْرِ تَصِحُّ فِي الثَّانِي) أَيْ نِيَّةُ آخِرِ النَّهَارِ تَصِحُّ مَعَ ذِكْرِ كَلِمَةِ فِي وَلَا تَصِحُّ عِنْدَ حَذْفِهَا قَضَاءً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا تَصِحُّ فِي الثَّانِي كَالْأَوَّلِ، وَالْفَرْقُ لَهُ عُمُومُ مُتَعَلَّقِهَا بِدُخُولِهَا مُقَدَّرَةً لَا مَلْفُوظَةً لُغَةً لِلْفَرْقِ بَيْنَ صُمْت سَنَةً، وَفِي سَنَةٍ لُغَةً وَكَذَا شَرْعًا فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَيَصُومَن عُمْرَهُ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ عُمُرِهِ حَتَّى لَا يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ إلَّا بِصَوْمِ جَمِيعِ الْعُمُرِ وَلَوْ قَالَ لَأَصُومَن فِي عُمُرِي فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ سَاعَةً مِنْ عُمُرِهِ حَتَّى لَوْ صَامَ سَاعَةً بَرَّ فِي يَمِينِهِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ فَنِيَّةُ جُزْءٍ مِنْ الزَّمَانِ مَعَ ذِكْرِهَا نِيَّةُ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِنْ أَفْرَادِ الْمُتَوَاطِئِ وَمَعَ حَذْفِهَا نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ أَوَّلُ أَجْزَائِهِ مَعَ عَدَمِهَا لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ وَجَعْلُهُمْ لَفْظَةَ غَدٍ عَامًّا مَعَ كَوْنِهِ نَكِرَةً فِي الْإِثْبَاتِ لِتَنْزِيلِ الْأَجْزَاءِ مَنْزِلَةَ الْأَفْرَادِ وَكَانَ يَكْفِيهِمْ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ الزَّمَانُ فِي حَقِّهِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحَذْفِ، وَالْإِثْبَاتِ كَصَمْتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ قَضَاءً لِأَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً فِيهِمَا اتِّفَاقًا، وَالْيَوْمُ، وَالشَّهْرُ وَوَقْتُ الْعَصْرِ كَالْغَدِ فِيهِمَا وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِي غَدٍ قَوْلُهُ: فِي شَعْبَانَ مَثَلًا فَإِذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي شَعْبَانَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ طَلُقَتْ حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ، وَإِنْ نَوَى آخِرَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَمِمَّا تَفَرَّعَ عَلَى حَذْفِ فِي

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: إذْ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ مَا لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْغَدِ. . . إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ كَوْنَ الطَّلْقَةِ لَا تَقَعُ إلَّا غَدًا وَصْفٌ مُمْكِنٌ لَهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَهُ إذَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ أَوْ عُلِّقَتْ بِمَجِيئِهِ، وَالْقَصْرُ شَائِعٌ سَائِغٌ فَلْيُحْمَلْ عَلَيْهِ صَوْنًا لَهُ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ اهـ.

وَيَتَلَخَّصُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ دِيَانَةً إذَا أَرَادَ التَّخْصِيصَ وَإِلَّا فَظَاهِرُ الْكَلَامِ لَغْوٌ كَمَا قَالُوا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ أَعَمِّ الْأَوْقَاتِ أَيْ لَا تَقَعُ عَلَيْك فِي الْأَوْقَاتِ الْحَالَّةِ، وَالْمُسْتَقْبِلَةِ إلَّا فِي الْغَدِ فَيَلْغُو الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مُشْكِلٌ. . . إلَخْ) أَقُولُ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا سَيَأْتِي بَعْدَ وَرَقَةٍ وَنِصْفٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ لَا تَطْلُقُ إلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَتَوَقَّفَ الْمُنَجَّزُ لِاتِّصَالِ مُغَيِّرِ الْأَوَّلِ بِالْآخِرِ

ص: 288

وَإِثْبَاتِهَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ يَقَعُ وَاحِدَةً عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ: تَقَعُ ثَلَاثٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدَةً إجْمَاعًا كَمَا لَوْ قَالَ عِنْدَ كُلِّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّمَا مَضَى يَوْمٌ، وَالْفَرْقُ لَنَا أَنَّ فِي لِلظَّرْفِ، وَالزَّمَانُ إنَّمَا هُوَ ظَرْفٌ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعُ فَيَلْزَمُ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ فِيهِ وُقُوعُ تَعَدُّدِ الْوَاقِعِ بِخِلَافِ كَوْنِ كُلِّ يَوْمٍ فِيهِ الِاتِّصَافُ بِالْوَاقِعِ فَلَوْ نَوَى أَنْ تَطْلُقَ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً أُخْرَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنْت طَالِقٌ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً فَإِنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا سَاعَةَ حَلَفَ، وَفِي التَّتِمَّةِ أَنْت طَالِقٌ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ فِي الْوُقُوعِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الثَّانِي وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كُلَّ جُمُعَةٍ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ عَلَى كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ حَتَّى تَبِينَ بِثَلَاثٍ، وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ عَلَى كُلِّ جُمُعَةٍ تَمُرُّ بِأَيَّامِهَا عَلَى الدَّهْرِ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ: أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كُلَّ يَوْمٍ كَانَ ظِهَارًا وَاحِدًا فَلَا يَقْرَبُهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا حَتَّى يُكَفِّرَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ قَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ كَانَ مُظَاهِرًا فِي كُلِّ يَوْمٍ لِأَنَّهُ أَفْرَدَ كُلَّ يَوْمٍ بِالظِّهَارِ فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ بَطَلَ الظِّهَارُ وَعَادَ مِنْ الْغَدِ لِأَنَّ الظِّهَارَ يَتَوَقَّتُ فَإِذَا مَضَى الْوَقْتُ بَطَلَ الظِّهَارُ، وَإِنْ كَفَّرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَلَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ الظِّهَارَ قَدْ ارْتَفَعَ بِالتَّكْفِيرِ وَعَادَ مِنْ الْغَدِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي الْيَوْمَ وَكُلَّمَا جَاءَ يَوْمٌ كَانَ مُظَاهِرًا الْيَوْمَ فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ بَطَلَ وَلَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا لَيْلًا لِأَنَّهُ وَقَّتَهُ بِالْيَوْمِ فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ صَارَ مُظَاهِرًا وَلَا يَقْرَبُهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا حَتَّى يُكَفِّرَ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ هُوَ مُظَاهِرٌ ظِهَارًا مُسْتَقْبَلًا عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا يُبْطِلُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا فَيَنْعَقِدُ كُلَّ يَوْمٍ ظِهَارٌ عَلَى حِدَةٍ وَهُوَ مُرْسَلٌ فَيَقَعُ مُؤَبَّدًا اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ كُلَّ يَوْمٍ اللَّيْلَةَ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي اللَّيْلِ فَهُوَ كَالْكَلَامِ بِالنَّهَارِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَيَّامَ هَذِهِ الْجُمُعَةِ، وَفِي قَوْلِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِي اللَّيْلِ لَا يَحْنَثُ لَا يُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ فَهَذَا عَلَى كَلَامٍ وَاحِدٍ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا وَلَوْ قَالَ فِي الْيَوْمِ، وَفِي غَدٍ، وَفِي بَعْدَ غَدٍ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَمَّاهُ وَلَوْ كَلَّمَهُ لَيْلًا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ اهـ.

وَمِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْأَصْلِ مَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيُنْجِزَ لَهُ كَذَا مِنْ الدَّقِيقِ الْيَوْمَ فَسَدَتْ لِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ الْعَمَلَ أَوْ الْمَنْفَعَةَ وَلَوْ قَالَ فِي الْيَوْمِ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لِلظَّرْفِ لَا لِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ فَقَطْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْإِجَارَاتِ، وَفِي التَّلْوِيحِ وَمِمَّا خَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مَا رَوَى إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك رَمَضَانَ أَوْ فِي رَمَضَانَ فَهُمَا سَوَاءٌ وَكَذَا غَدًا أَوْ فِي غَدٍ وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي الْغَدِ كُلِّهِ اهـ.

يَعْنِي: فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ هُنَا وَهَذِهِ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ فَهُوَ عَلَى الْيَوْمِ كُلِّهِ وَلَوْ قَالَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَهُوَ عَلَى مَجْلِسِهَا وَهُوَ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْغَدِ اهـ.

مَا فِي الْمُحِيطِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ وَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ قَالَ لَهَا إنْ طَلَّقْتُك غَدًا فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فِي هَذَا الْيَوْمِ يَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ ثَلَاثًا لِلْحَالِ لِأَنَّ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ كُلِّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةٌ) أَقُولُ: لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ لَفْظَةُ يَوْمٍ بَلْ عِبَارَتُهَا أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ وَسَيَنْقُلُهَا الْمُؤَلِّفُ هَكَذَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ قُبَيْلَ فَصْلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ: وَفِي التَّتِمَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ. إلَخْ) الَّذِي رَأَيْته فِي الذَّخِيرَةِ وَكَذَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ طَلُقَتْ وَاحِدَةً. إلَخْ وَهَكَذَا رَأَيْته فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي عِبَارَتِهِ مِنْ التَّحْرِيفِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ. إلَخْ.

وَجْهُهُ أَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ أَوَّلُهُ فَبَيْنَ رَأْسِ الشَّهْرِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ فَاصِلٌ فَاقْتَضَى إيقَاعَ طَلْقَةٍ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَإِنَّ الْوَقْتَ الْمُضَافَ إلَيْهِ الطَّلَاقُ مُتَّصِلٌ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ وَقْتٍ وَاحِدٍ كَذَا ظَهَرَ لِي وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ جُمُعَةٍ فَإِذَا نَوَى بِهَا الْيَوْمَ الْمَخْصُوصَ الْمُسَمَّى بِالْجُمُعَةِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ، وَإِنْ نَوَى بِهَا الْأُسْبُوعَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ) دَفَعَ الْمُخَالَفَةَ مِنْ أَصْلِهَا السَّيِّدُ الشَّرِيفُ فِي حَوَاشِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّ مَا مَرَّ فِي الْفَرْقِ فِي إثْبَاتِ الظَّرْفِ وَحَذْفِهِ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ قَالَ وَعَلَى هَذَا لَا مُخَالَفَةَ فِيمَا رَوَى إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ لِذَهَابِهِ عَلَى مَذْهَبِهِ اهـ.

وَعَلَى هَذَا؛ فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَةً وَافَقَ فِيهَا الْإِمَامَ وَأَنَّ مَذْهَبَهُ عَدَمُ الْفَرْقِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُحِيطِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ مِنْ الْعَكْسِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الثَّلَاثَ فِي الْيَوْمِ

ص: 289

لَا تَصْلُحُ جُزْءًا لِلطَّلَاقِ فِي الْغَدِ اهـ.

وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ غَدًا أَوْ وَسَطَ غَدٍ وَقَعَا فِيهِ لِإِضَافَتِهِمَا إلَيْهِ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَعَبْدُهُ حُرٌّ غَدًا كَانَ كَمَا قَالَ وَلَوْ ذَكَرَ غَدًا مُتَقَدِّمًا يَتَأَخَّرُ الْعِتْقُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ اسْتَثْنَى فِي آخِرِهِ انْصَرَفَ إلَى الْكُلِّ اهـ.

ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْحِنْثِ يَقَعُ بِأَمْرَيْنِ أَوْ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْخَانِيَّةِ طَلِّقْ امْرَأَتِي غَدًا فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ أَنْت طَالِقٌ غَدًا كَانَ بَاطِلًا.

قَوْلُهُ: (وَفِي الْيَوْمِ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ) أَيْ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتَيْنِ تَفَوَّهَ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ نَجَّزَهُ فَلَا يَقَعُ مُتَأَخِّرًا إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا يُعْتَبَرُ لِإِضَافَةٍ أُخْرَى لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ الْيَوْمَ كَانَتْ غَدًا كَذَلِكَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ وَقَعَ مُضَافًا بَعْدَهُ فَلَا يَكُونُ مُنَجَّزًا بَعْدَهُ بَلْ لَوْ اُعْتُبِرَ كَانَ تَطْلِيقًا آخَرَ وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِوَاحِدَةٍ فَلَزِمَ إلْغَاءُ الثَّانِي ضَرُورَةً وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ نَسْخًا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَكُونُ بِكَلَامٍ مُسْتَجَدٍّ مُتَرَاخٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ الْيَوْمَ غَدًا لِأَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ لَا تَطْلُقُ إلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَتَوَقَّفَ الْمُنَجَّزُ لِاتِّصَالِهِ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ بِالْآخَرِ، وَقَدْ جَعَلُوا الشَّرْطَ مُغَيِّرًا لِلْأَوَّلِ دُونَ الْإِضَافَةِ، وَقَدْ طُولِبُوا بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَمَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّ الْيَوْمَ فِي الشَّرْطِ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّعْلِيقِ لَا لِبَيَانِ وَقْتِ الْوُقُوعِ، وَفِي الْإِضَافَةِ لِبَيَانِ وَقْتِ الْوُقُوعِ لَا يُفِيدُ فَرْقًا وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَإِذَا جَاءَ غَدٌ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ وَأُخْرَى فِي الْغَدِ لِأَنَّ الْمَجِيءَ شَرْطٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِيقَاعِ، وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَالْمُوَقَّعُ لِلْحَالِ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِشَرْطٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الْمُتَعَلِّقُ تَطْلِيقَةً أُخْرَى كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ، وَالْأُخْرَى غَدًا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ ثُمَّ جَاءَ الْغَدُ تَقَعُ أُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى اهـ.

وَذِكْرُ الْوَاوِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَعَدَمُ ذِكْرِهَا سَوَاءٌ حَتَّى لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ إلَّا وَاحِدَةً إلَّا إذَا نَوَى أُخْرَى فَيَتَعَدَّدُ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ غَدًا، وَالْيَوْمَ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ لِلْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ وَهُوَ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى وَكَذَا لَوْ قَالَ أَمْسِ، وَالْيَوْمَ فَهِيَ ثِنْتَانِ لِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْيَوْمِ لَا يَكُونُ وَاقِعًا فِي الْأَمْسِ فَاقْتَضَى أُخْرَى وَلَوْ قَالَ الْيَوْمَ وَأَمْسِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ مِثْلُ قَوْلِهِ الْيَوْمَ وَغَدًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ فِيهِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ غَدًا، وَالْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ، وَالْمَرْأَةُ مَدْخُولٌ بِهَا يَقَعُ ثَلَاثًا خِلَافًا زُفَرَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى فِي الْأُولَى أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَغَدًا وَاحِدَةً صَحَّ وَوَقَعَتْ ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ تَقَعُ وَاحِدَةً بِلَا نِيَّةٍ فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَعْنَ كَذَلِكَ وَاسْتُفِيدَ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِالنَّهَارِ أَنْت طَالِقٌ بِاللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ يَقَعُ عَلَيْهِ تَطْلِيقَتَانِ وَلَوْ قَالَ بِالنَّهَارِ، وَاللَّيْلِ تَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ كَانَ بِاللَّيْلِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ كَذَا فِي التَّنْقِيحِ لِلْمَحْبُوبِيِّ وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ آخِرَ النَّهَارِ وَأَوَّلُهُ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ تَطْلُقُ وَاحِدَةً مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَلَوْ كَانَتْ فِي آخِرِ النَّهَارِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ، وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصْلُ أَنَّ الطَّلَاقَ مَتَى أُضِيفَ إلَى وَقْتَيْنِ مُسْتَقْبَلَيْنِ نَزَلَ فِي أَوَّلِهِمَا لِيَصِيرَ

ــ

[منحة الخالق]

لَا تَصْلُحُ جُزْءًا لِلطَّلَاقِ فِي الْغَدِ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ قُلْت فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْغُوَ الْيَوْمُ فَيَتَعَلَّقُ بِالْغَدِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ ذَكَرَ تَأَخُّرَ الْعِتْقِ عَلَى الْأَصَحِّ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا بَيَاضٌ بَعْدَ قَوْلِهِ ذَكَرُوا فِي بَعْضِهَا وَلَوْ ذَكَرَ الِاسْتِثْنَاءَ تَأَخَّرَ الْعِتْقُ، وَفِي بَعْضِهَا وَلَوْ ذَكَرَ غَدًا مُتَقَدِّمًا تَأَخَّرَ الْعِتْقَ وَهِيَ أَنْسَبُ أَيْ بِأَنْ قَالَ: غَدًا أَنْت طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ فَلْيُرَاجَعْ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْيَوْمَ وَأَمْسِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْأَمْسِ، وَالْيَوْمِ تَأْتِي فِي الْيَوْمِ، وَالْأَمْسِ فَتَدَبَّرْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ دَقِيقٌ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى الضَّابِطِ أَيْ الْآتِي قَرِيبًا وُقُوعُ وَاحِدَةٍ فِي الْأَمْسِ، وَالْيَوْمِ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالْكَائِنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ.

قُلْت قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: وَفِي الذَّخِيرَةِ طَالِقٌ أَمْسِ، وَالْيَوْمَ تَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ الْيَوْمَ وَأَمْسِ تَقَعُ ثِنْتَانِ وَنُقِلَ عَنْ الْمُحِيطِ خِلَافُهُ، وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ إيقَاعَهُ فِي أَمْسِ إيقَاعٌ فِي الْيَوْمِ فَكَأَنَّهُ كَرَّرَ الْيَوْمَ اهـ.

قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَهُوَ الْحَقُّ (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَتْ فِي آخِرِهِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: يَعْنِي فَيَقَعُ فِي قَوْلِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ إذَا قَالَهُ فِي آخِرِ النَّهَارِ ثِنْتَانِ، وَفِي آخِرِ النَّهَارِ وَأَوَّلِهِ وَاحِدَةٌ وَأَقُولُ: قَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ وَسَطَ النَّهَارِ أَنْت طَالِقٌ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالْوَقْتِ الْكَائِنِ فَجَعَلَ الْمَاضِي بِقَيْدِ كَوْنِهِ فِيهِ كَائِنًا وَهَذَا يُفِيدُ لَوْ كَانَ فِي آخِرِ النَّهَارِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً أَيْضًا لِأَنَّهُ بَدَأَ

ص: 290

وَاقِعًا فِيهِمَا.

وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْوَقْتَيْنِ كَائِنًا، وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلًا وَبَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ فَإِنْ بَدَأَ بِالْكَائِنِ وَقَعَ طَلَاقٌ وَاحِدٌ فِي أَوَّلِهِمَا، وَإِنْ بَدَأَ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَقَعَ طَلَاقَانِ اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ مَا خَلَا الْيَوْمَ طَلُقَتْ لِلْحَالِ اهـ.

وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ طَلَاقًا لَا يَقَعُ إلَّا غَدًا أَوْ طَلَاقًا لَا يَقَعُ إلَّا فِي دُخُولِك الدَّارَ وَقَعَ لِلْحَالِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالدُّخُولِ وَلَا بِالْغَدِ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِمَا لَا يَصْلُحُ وَصْفًا لَهُ إذْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا فِي غَدٍ فَقَطْ أَوْ فِي دُخُولِهَا فَقَطْ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً لَا تَقَعُ عَلَيْك إلَّا بَائِنًا حَيْثُ تَقَعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَلْحَقُ الْوَصْفُ، وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصْلُ أَنَّ الطَّلَاقَ مَتَى أُضِيفَ إلَى أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ وَقَعَ عِنْدَ آخِرِهِمَا كَقَوْلِهِ أَنْت طَالِق غَدًا أَوْ رَأْسَ الشَّهْرِ يَقَعُ عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ وَكَذَا الْيَوْمَ أَوْ غَدًا يَقَعُ عِنْدَ الْغَدِ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِفِعْلَيْنِ يَقَعُ عِنْدَ آخِرِهِمَا نَحْوُ إذَا جَاءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَلَا يَقَعُ إلَّا عِنْدَ مَجِيئِهِمَا، وَإِنْ عَلَّقَ بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ يَقَعُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا نَحْوُ: إذَا جَاءَ فُلَانٌ أَوْ جَاءَ فُلَانٌ فَأَيُّهُمَا جَاءَ طَلُقَتْ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِالْفِعْلِ، وَالْوَقْتِ يَقَعُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةٌ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِفِعْلٍ أَوْ وَقْتٍ فَإِنْ سَبَقَ الْفِعْلُ وَقَعَ وَلَمْ يُنْتَظَرْ الْوَقْتُ، وَإِنْ سَبَقَ الْوَقْتُ لَمْ يَقَعْ حَتَّى يُوجَدَ الْفِعْلُ وَتَمَامُهُ فِيهِ.

وَفِي التَّلْخِيصِ: لَوْ قَالَ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَرَأْسَ الشَّهْرِ اتَّحَدَ الْوَاقِعُ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ انْتَهَى بِالْغُرُوبِ كَالظِّهَارِ إذْ الْوَقْتُ كَالْمَجْلِسِ فَقَدْرُ الصَّدْرِ مُعَادٌ إحْذَارَ اللَّغْوِ كَذَا يَوْمًا وَيَوْمًا لَا لِأَنَّ لَا لَغْوَ إلَّا أَنْ يَزِيدَ أَبَدًا تَرْجِيحًا لِلتَّعْدِيدِ عَلَى النَّفْيِ بِالْعُرْفِ عَكْسَ الْأَوَّلِ فَيَقَعُ ثَلَاثًا آخِرُهُنَّ فِي الْخَامِسِ، وَفِي نُسْخَةٍ السَّادِسُ بَدَأَ مِنْ الثَّانِي إذَا أَضَافَ إلَى أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ الْبُدَاءَةُ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ لَمْ يَزِدْ وَلَهُ النِّيَّةُ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ فَتُرَدُّ قَضَاءً اهـ.

وَتَوْضِيحُهُ فِي شَرْحِهِ، وَفِي الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ آخِرِهِمَا وَبِأَحَدِهِمَا عِنْدَ الْأَوَّلِ، وَالْمُضَافُ بِالْعَكْسِ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ غَدًا وَبَعْدَهُ يَقَعُ غَدًا وَبَعْدَهُ فِي أَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إذَا جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو يَقَعُ عِنْدَ آخِرِهِمَا وَبِأَوْ عِنْدَ الْأَوَّلِ قَالَ: إنْ دَخَلَ هَذِهِ فَعَبْدُهُ حُرٌّ أَوْ إنْ كَلَّمَهُنَّ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَيُّهُمَا وُجِدَ شَرْطُهَا نَزَلَ جَزَاؤُهَا وَتَبْطُلُ الْأُخْرَى، وَإِنْ وُجِدَا مَعًا يَتَخَيَّرُ وَلَا يَتَخَيَّرُ قَبْلَهُ قَالَ أَنْت طَالِقٌ غَدًا أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ بَعْدَهُ يَنْزِلُ أَحَدُهُمَا بَعْدَهُ وَيَتَخَيَّرُ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ، وَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ أَوْ أَوْسَطُ الْجَزَاءِ يَتَعَلَّقُ بِأَحَدِهِمَا وَلَا يَتَعَدَّدُ، وَإِنْ أَخَّرَهُ فِيهِمَا وَكَذَا إنْ لَمْ يُعِدْ حَرْفَ الشَّرْطِ قَدَّمَ أَوْ وَسَطَ أَوْ أَخَّرَ ذِكْرَهُ فِي الْأَيْمَانِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنْت طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت كَانَتْ الْمَشِيئَةُ إلَيْهَا فِي الْغَدِ وَلَوْ قَالَ لَهَا

ــ

[منحة الخالق]

بِالْوَقْتِ الْكَائِنِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا فِي التَّنْقِيحِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي النَّهَارِ أَنْتِ كَذَا فِي لَيْلِك وَنَهَارِك أَوْ قَبْلَهُ وَهُوَ فِي اللَّيْلِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ بَدَأَ بِالْكَائِنِ بَعْدَ مُضِيِّهِ فَوَقَعَتَا.

(قَوْلُهُ: وَتَوْضِيحُهُ فِي شَرْحِهِ) أَيْ لِابْنِ بَلْبَانَ الْفَارِسِيِّ الْمُسَمَّى بِتُحْفَةِ الْحَرِيصِ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَرَأْسَ الشَّهْرِ يَتَّحِدُ الْوَاقِعُ وَلَا يَتَعَدَّدُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّالِقِيَّةِ فِي الْيَوْمِ وَرَأْسِ الشَّهْرِ، وَالْوَصْفُ مِمَّا يَمْتَدُّ فَإِذَا صَارَتْ طَالِقًا فِي الْيَوْمِ كَانَتْ طَالِقًا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ، وَفِي رَأْسِ الشَّهْرِ بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ بِقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَرَأْسَ الشَّهْرِ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ انْتَهَى بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لِتَوَقُّتِهِ كَمَا فِي الظِّهَارِ إذْ الْوَقْتُ وَهُوَ الْيَوْمُ فِي تَوَقُّتِ الْأَمْرِ بِهِ كَالْمَجْلِسِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ يَنْتَهِي بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَبَ تَقْدِيرُ صَدْرِ الْكَلَامِ وَهُوَ أَمْرُك بِيَدِك مُعَادًا مَعَ قَوْلِهِ: وَرَأْسَ الشَّهْرِ لِيَصِيرَ التَّقْدِيرُ وَأَمْرُك بِيَدِك رَأْسَ الشَّهْرِ ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ قَوْلِهِ: وَرَأْسَ الشَّهْرِ وَإِلَّا لَغَا وَكَذَا يَتَّحِدُ الطَّلَاقُ فِيمَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً لِأَنَّ كَلِمَةَ لَا فِي لَفْظِهِ لَغْوٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا وَيَوْمًا لَا تَقَعُ عَلَيْك تِلْكَ التَّطْلِيقَةُ أَوْ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ بَعْدَ وُقُوعِهَا لَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُهَا وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ فَيَبْقَى قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ بِهِ فِي الْحَالِ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا يَوْمًا وَيَوْمًا لَا فَيَتَعَدَّدُ.

لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ عُرْفًا إذْ يُقَالُ فِي الْعُرْفِ أَصُومُ أَبَدًا يَوْمًا وَيَوْمًا لَا فَبِذِكْرِ الْأَبَدِ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَا قَصَدَ نَفْيَ الْوَاقِعِ وَإِبْطَالَهُ بَلْ أَنَّهُ يَقَعُ طَلَاقُهَا فِي يَوْمٍ ثُمَّ لَا يَقَعُ فِي يَوْمٍ فَيَكُونُ كُلَّ يَوْمَيْنِ دَوْرٌ لِطَلَاقٍ مُسْتَأْنَفٍ لِاسْتِحَالَةِ رَفْعِ الْوَاقِعِ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ وَاسْتِحَالَةِ تَجَدُّدِهِ فِي الدَّوْرِ الثَّانِي وَقَوْلُهُ: عَكْسُ الْأَوَّلِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ الْأَبَدِ هُنَا مُخَالِفَةٌ لِزِيَادَتِهِ فِي مَسْأَلَةٍ أَوَّلَ الْبَابِ هِيَ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا حَيْثُ أَوْجَبَ الِاتِّحَادَ هُنَاكَ دُونَ التَّعَدُّدِ بِخِلَافِهِ هُنَا فَيَقَعُ ثَلَاثٌ آخِرُهُنَّ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ، وَفِي نُسْخَةٍ السَّادِسِ الْأُولَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ، وَالثَّانِيَةُ فِي الرَّابِعِ، وَالثَّالِثَةُ فِي السَّادِسِ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى أَحَدِ وَقْتَيْنِ فَيَنْزِلُ عِنْدَ آخِرِهِمَا وَهَذَا رِوَايَةُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ آخِرُهُنَّ الْخَامِسُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي الْأُولَى، وَالثَّانِي فِي الثَّالِثِ، وَالثَّالِثُ فِي الْخَامِسِ وَيُصَدَّقُ فِي نِيَّةِ خِلَافِ الظَّاهِرِ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ كَنِيَّةِ التَّعَدُّدِ فِيمَا ظَاهِرُهُ الِاتِّحَادُ صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَفِيمَا فِيهِ تَخْفِيفٌ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فَيَرُدُّهُ الْقَاضِي اهـ. مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: يَقَعُ غَدًا وَبَعْدَهُ فِي أَوْ) .

ص: 291

إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ غَدًا كَانَتْ الْمَشِيئَةُ لِلْحَالِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمَشِيئَةُ إلَيْهَا فِي الْغَدِ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَقَالَ زُفَرُ: الْمَشِيئَةُ إلَيْهَا لِلْحَالِ فِي الْفَصْلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ أَمْسِ وَنَكَحَهَا الْيَوْمَ لَغْوٌ) بَيَانٌ لِلْمُضَافِ إلَى زَمَنٍ مَاضٍ بَعْدَ بَيَانِ الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ فَصَارَ كَقَوْلِهِ طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ أَوْ مَجْنُونٌ وَكَانَ جُنُونُهُ مَعْهُودًا وَإِلَّا طَلُقَتْ لِلْحَالِ قَيَّدَ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ قَبْلَ أَنْ أَشْتَرِيَك أَوْ أَنْت حُرٌّ أَمْسِ، وَقَدْ اشْتَرَاهُ الْيَوْمَ عَتَقَ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعِتْقِ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَيْنَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك بِشَهْرٍ أَوَّلًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِالتَّزَوُّجِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِالتَّزَوُّجِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُقَدِّمَ الْجَزَاءَ أَوْ يُؤَخِّرَهُ فَإِنْ قَدَّمَهُ فَلَهُ صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَجْعَلَ الْقَبْلِيَّةَ مُتَوَسِّطَةً كَقَوْلِهِ: أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك إذَا تَزَوَّجْت بِك.

وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا كَقَوْلِهِ: أَنْت طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك، وَفِيهِمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ وُجُودِ التَّزَوُّجِ اتِّفَاقًا وَتَلْغُو الْقَبْلِيَّةَ لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ تَمَّ الشَّرْطُ، وَالْجَزَاءُ فَصَحَّ التَّعْلِيقُ وَبِقَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك قَصَدَ إبْطَالَهُ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ وَصْفًا لِلْجَزَاءِ لَا يَلِيقُ بِهِ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَيُلْغَى وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَالتَّعْلِيقُ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْإِضَافَةِ قَبْلَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ إنْ دَخَلْتِيهَا تَعَلَّقَ بِدُخُولِهَا وَلَغَا قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ تَدْخُلِي، وَإِنْ أَخَّرَ الْجَزَاءَ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك لَمْ يَقَعْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ ذِكْرَ الْفَاءِ رَجَّحَ جِهَةَ الشَّرْطِيَّةِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ التَّزَوُّجِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ تَقْدِيمِ الشَّرْطِ وَتَأْخِيرِهِ وَهُمَا فَرَّقَا، وَفِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَا يُقَالُ بِأَنَّ قَوْلَهُ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك كَلَامُ لَغْوِ، وَقَدْ فَصَلَ بَيْنَ الشَّرْطِ، وَالْمَشْرُوطِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالتَّزَوُّجِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَغْوٌ بَلْ تَصْرِيحٌ بِمَا انْتَظَمَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي كَوْنُهُ إيقَاعًا فِي الْحَالِ إدْخَالَ وُجُودِ الْقَوْلِ مِنْهُ بِوَصْفٍ بِكَوْنِهِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْكُوحَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ أَوْ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لِأَنَّ قَوْلَهُ السَّاعَةَ وَقَبْلَ أَنْ تَدْخُلِي تَصْرِيحٌ بِمَا اقْتَضَاهُ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ هُنَاكَ فَاصِلًا يَتَنَجَّزُ وَهُنَا لَوْ جَعَلَ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَاصِلًا يَلْغُو فَكَانَ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ غَيْرَ فَاصِلٍ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ بَعْدَ فُلَانَةَ فَهُمَا طَالِقَتَانِ فَتَزَوَّجَهُمَا كَمَا قَالَ: طَلُقَتَا لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى تَزَوُّجِهِمَا لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ فُلَانَةَ أَيْ بَعْدَ تَزَوُّجِ فُلَانَةَ فَصَارَ تَزَوُّجُ فُلَانَةَ مَذْكُورًا ضَرُورَةً وَقَدْ تَزَوَّجَهُمَا كَمَا شَرَطَ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَنَزَلَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ قَبْلَ فُلَانَةَ فَهُمَا طَالِقَتَانِ فَتَزَوَّجَ الْأُولَى طَلُقَتْ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي حَقِّهَا قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الْقَبْلِيَّةَ لِأَنَّ وَصْفَ الشَّيْءِ بِالْقَبْلِيَّةِ لَا يَقْتَضِي وُجُودَ مَا بَعْدَهُ، وَإِنْ تَزَوَّجَ الثَّانِيَةَ طَلُقَتْ أَيْضًا وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُقَ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت زَيْنَبَ قَبْلَ عَمْرَةَ بِشَهْرٍ فَهُمَا طَالِقَتَانِ فَتَزَوَّجَ زَيْنَبَ ثُمَّ عَمْرَةَ بَعْدَهَا بِشَهْرٍ طَلُقَتْ زَيْنَبُ لِلْحَالِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا يَسْتَنِدُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانَةَ بِشَهْرٍ وَلَا تَطْلُقُ عَمْرَةُ لِأَنَّهُ أَضَافَ طَلَاقَ عَمْرَةَ إلَى شَهْرٍ قَبْلَ تَزَوُّجِهَا، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت زَيْنَبَ قُبَيْلَ عَمْرَةَ فَتَزَوَّجَ زَيْنَبَ وَحْدَهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ قُبَيْلَ عِبَارَةٌ عَنْ سَاعَةٍ لَطِيفَةٍ يَتَّصِلُ بِهِ مَا ذُكِرَ عَقِيبَهُ وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّزْوِيجِ بِعَمْرَةَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قُبَيْلَ اللَّيْلِ لَا تَطْلُقُ إلَّا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَوْ قَالَ قَبْلَ اللَّيْلِ تَطْلُقُ لِلْحَالِ فَإِنْ تَزَوَّجَ عَمْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ طَلُقَتْ زَيْنَبُ لَا عَمْرَةُ، وَإِنْ طَالَ مَا بَيْنَ التَّزَوُّجَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ إحْدَاهُمَا اهـ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسِ وَقَعَ الْآنَ) لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا

ــ

[منحة الخالق]

يَعْنِي: يَقَعُ غَدًا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَبَعْدَهُ بِالْوَاوِ، وَفِي أَوْ بَعْدَهُ بِأَوْ يَقَعُ بَعْدَ غَدٍ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت زَيْنَبَ قُبَيْلَ عَمْرَةَ. إلَخْ) اُنْظُرْ لِمَا يَأْتِي عَنْ التَّتِمَّةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ لَغْوٌ

ص: 292

أَيْضًا فَكَانَ إنْشَاءً، وَالْإِنْشَاءُ فِي الْمَاضِي إنْشَاءٌ فِي الْحَالِ فَيَقَعُ السَّاعَةَ وَعَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ حَكَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا فِي مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ بِالْوُقُوعِ وَهِيَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَحَكَمَ أَكْثَرُهُمْ بِأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ بِتَنْجِيزِ طَلَاقِهَا لِأَنَّهُ لَوْ تَنَجَّزَ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَوُقُوعُ الثَّلَاثِ سَابِقًا عَلَى التَّنْجِيزِ يَمْنَعُ الْمُنَجَّزَ بِوُقُوعِ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ وَنَقُولُ أَيْضًا إنَّ هَذَا تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ اللُّغَةِ لِأَنَّ الْأَجْزِئَةَ تَنْزِلُ بَعْدَ الشَّرْطِ أَوْ مَعَهُ لَا قَبْلَهُ وَلِحُكْمِ الْعَقْلِ أَيْضًا.

لِأَنَّ مَدْخُولَ أَدَاةِ الشَّرْطِ سَبَبٌ، وَالْجَزَاءُ مُسَبَّبٌ عَنْهُ وَلَا يُعْقَلُ تَقَدُّمُ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ فَكَانَ قَوْلُهُ: قَبْلَهُ لَغْوًا أَلْبَتَّةَ فَيَبْقَى الطَّلَاقُ جَزَاءً لِلشَّرْطِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْقَبْلِيَّةِ وَلِحُكْمِ الشَّرْعِ لِأَنَّ النُّصُوصَ نَاطِقَةٌ بِشَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ وَهَذَا يُؤَدِّي إلَى رَفْعِهَا فَيَتَفَرَّعُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ: وُقُوعُ ثَلَاثِ الْوَاحِدَةُ الْمُنَجَّزَةِ وَثِنْتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقَةِ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ وَقَعَتَا وَوَاحِدَةً مِنْ الْمُعَلَّقَةِ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا يَقَعْنَ فَيَنْزِلُ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ لَا يُصَادِفُ أَهْلِيَّةً فَيَلْغُو وَلَوْ كَانَ قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَتْ ثِنْتَانِ الْمُنَجَّزَةُ، وَالْمُعَلَّقَةُ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] فَإِنَّ الْأَوَّلَ اسْتِقْرَارُ النِّعْمَةِ بِالْمُخَاطَبِينَ، وَالثَّانِيَ كَوْنُهَا مِنْ اللَّهِ عز وجل وَلَيْسَ الْأَوَّلُ سَبَبًا لِلثَّانِي بَلْ الْأَوَّلُ فَرْعٌ لِلثَّانِي وَقَالَ الرَّضِيُّ لَا يَلْزَمُ مَعَ الْفَاءِ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ سَبَبًا لِلثَّانِي بَلْ اللَّازِمُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ الْفَاءِ لَازِمًا لِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهَا كَمَا فِي جَمِيعِ صُوَرِ الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءُ فَفِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] كَوْنُ النِّعْمَةِ مِنْهُ لَازِمُ حُصُولِهَا مَعْنًى وَلَا يَغُرَّنك قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ الشَّرْطَ سَبَبٌ فِي الْجَزَاءِ اهـ.

وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي لِلدَّمَامِينِيِّ مِنْ بَحْثٍ مَا مِنْ الْمَبْحَثِ الْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْغُو قَوْلُهُ: قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ وَلَا يَضُرُّ رَفْعُ شَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدٍ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ ذَلِكَ فَأَلْزَمَ نَفْسَهُ بِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ سَدُّ بَابِ النِّكَاحِ الْمَشْرُوعِ، وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ قَالَ لَهَا كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي وَأَنْتِ قَبْلَهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثًا يَقَعْنَ وَهَذَا طَلَاقُ الدَّوْرُ وَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي وَجِيزِهِ إذَا قَالَ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا يُحْسَمُ بَابُ الطَّلَاقِ عَلَى أَظْهَرْ الْوَجْهَيْنِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: بِالْوُقُوعِ) أَيْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّفْرِيعِ وَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ أَيْضًا فِي كَلَامِهِ وَسَنَذْكُرُ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الْخِلَافَ فِي وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ وَحْدَهُ وَوُقُوعِ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِالْوُقُوعِ وَقَوْلُهُ: وَنَقُولُ أَيْضًا إلَخْ تَأْيِيدٌ لَهُ فَأَخَّرَ تَعْلِيلَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إلَى مَا بَعْدَ الْقَوْلَيْنِ لِيَرْتَبِطَ الْكَلَامُ.

(قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ. . . إلَخْ) مُنِعَ لِقَوْلِهِ وَلِحُكْمِ الْعَقْلِ، وَقَوْلُهُ: بَعْدَهُ وَلَا يَضُرُّ رَفْعُ شَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ. . . إلَخْ مُنِعَ لِقَوْلِهِ وَلِحُكْمِ الشَّرْعِ قَالَ فِي النَّهْرِ: بَعْدَ ذِكْرِهِ لِحَاصِلِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ مَا قَالَهُ الرَّضِيُّ إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ النُّحَاةِ يُفْصِحُ عَنْ ذَلِكَ مَا فِي الْمُطَوَّلِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّرْطَ النَّحْوِيَّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ بَلْ هُوَ الْمَذْكُورُ بَعْدَ إنَّ وَأَخَوَاتِهِ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ حُصُولُ مَضْمُونِ الْجَزَاءِ أَيْ حُكِمَ بِأَنَّهُ يَحْصُلُ مَضْمُونُ تِلْكَ الْجُمْلَةِ عِنْدَ حُصُولِهِ فَهُوَ فِي الْغَالِبِ مَلْزُومٌ، وَالْجَزَاءُ لَازِمٌ وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ ثُمَّ قَالَ: الشَّرْطُ عِنْدَهُمْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا نَحْوُ لَوْ كَانَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً فَالْعَالَمُ مُضِيءٌ أَوْ شَرْطًا نَحْوُ لَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَحَجَجْت أَوْ غَيْرَهُمَا نَحْوُ لَوْ كَانَ النَّهَارُ مَوْجُودًا لَكَانَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً الثَّانِي سَلَّمْنَا أَنَّ أَدَاةَ الشَّرْطِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ سَبَبًا لَكِنَّ بُطْلَانَ تَقَدُّمِ الشَّيْءِ عَلَى شَرْطِهِ ضَرُورِيٌّ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فَلَا يَحْصُلُ قَبْلَهُ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ، وَفِيهِ الْحَقُّ أَنَّ بُطْلَانَ تَقَدُّمِ الشَّيْءِ عَلَى شَرْطِهِ أَظْهَرُ مِنْ بُطْلَانِ تَقَدُّمِهِ عَلَى السَّبَبِ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ بِأَسْبَابٍ شَتَّى اهـ.

وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُهُ: فَلَا يَلْغُو قَوْلُهُ: قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ اهـ. قُلْت لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ أَوَّلَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مُؤَيِّدٌ لِكَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فِي دَعْوَاهُ عَدَمَ لُزُومِ كَوْنِ مَدْخُولِ أَدَاةِ الشَّرْطِ سَبَبًا، وَالْجَزَاءِ مُسَبَّبًا عَنْهُ إذْ لَا خَفَاءَ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالشَّرْطِ الْوَاقِعِ بَعْدَ الْأَدَاةِ الشَّرْطُ النَّحْوِيُّ لَا الشَّرْعِيُّ (قَوْلُهُ: قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي وَجِيزِهِ. . . إلَخْ) أَقُولُ: رَأَيْت مُؤَلَّفًا مُسْتَقِلًّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَ أَنَّ الْغَزَالِيَّ رَجَعَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ عَمَّا ذَكَرَهُ فِي وَسِيطِهِ وَوَجِيزِهِ وَأَنَّهُ قَالَ الرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ أَوْلَى مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ التَّاجِ السُّبْكِيّ أَنَّ وَالِدَهُ التَّقِيَّ السُّبْكِيَّ رَجَعَ عَنْ الْقَوْلِ بِالْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةُ وَأَلَّفَ فِيهَا مُؤَلَّفًا سَمَّاهُ النَّوْرَ فِي الدَّوْرِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُمْ أَلَّفُوا تَأْلِيفَاتٍ فِي ذَلِكَ رَدُّوا فِيهَا عَلَى الْقَائِلِينَ مِنْهُمْ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَقَالَ أَيْضًا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ غَيْرِ مَذْهَبِنَا عَلَى فَسَادِ الدَّوْرِ قَالَ وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ كَيْفَ وَشَنَّعَ عَلَى الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ

ص: 293

وَقِيلَ إذَا نَجَزَ وَاحِدَةً تَقَعُ تِلْكَ الْوَاحِدَةُ وَقِيلَ تَقَعُ الثَّلَاثُ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ قَالَ الْغَزَالِيُّ إنْ وَطِئْت وَطْئًا مُبَاحًا فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ فَوَطِئَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ اهـ.

وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ وُقُوعِ الْمُنَجَّزَةِ دُونَ الْمُعَلَّقَةِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: مَتَى دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ زَوْجَتِي فَعَبْدِي حُرٌّ قَبْلَهُ وَمَتَى دَخَلَهَا وَهُوَ عَبْدِي فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَدَخَلَا مَعًا لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ وَلَمْ تَطْلُقْ الزَّوْجَةُ لِلُّزُومِ الدَّوْرِ.

لِأَنَّهُمَا لَوْ حَصَلَا لَحَصَلَا مَعًا قَبْلَ دُخُولِهِمَا وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ عَبْدَهُ وَقْتَ الدُّخُولِ وَلَا الْمَرْأَةُ زَوْجَتَهُ وَقْتَئِذٍ فَلَا تَكُونُ الصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا حَاصِلَةً وَلَا يَتَأَتَّى فِي هَذَا الْقَوْلِ بُطْلَانُ الدَّوْرِ إذْ لَيْسَ فِيهَا سَدُّ بَابِ التَّصَرُّفِ وَلَوْ دَخَلَا مُرَتَّبًا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمَسْبُوقِ دُونَ السَّابِقِ فَلَوْ دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا ثُمَّ الْعَبْدُ عَتَقَ وَلَمْ تَطْلُقْ هِيَ لِأَنَّهُ حِينَ دَخَلَ لَمْ يَكُنْ عَبْدًا لَهُ فَلَمْ تَحْصُلْ صِفَةُ طَلَاقِهَا، وَإِنْ دَخَلَ الْعَبْدُ أَوَّلًا ثُمَّ الْمَرْأَةُ طَلُقَتْ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي تَعْلِيقِهِ الْمَذْكُورِ لَفْظَةَ قَبْلُ فِي الظَّرْفَيْنِ وَدَخَلَا مَعًا عَتَقَ وَطَلَّقَتْ، وَإِنْ دَخَلَا مُرَتَّبًا فَكَمَا سَبَقَ اهـ.

وَفِيهِ وَلَوْ قَالَ إنْ ظَاهَرْت مِنْك أَوْ آلَيْت أَوْ لَاعَنْت أَوْ فَسَخْت النِّكَاحَ بِعَيْبٍ فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِهِ صَحَّ وَلَغَا تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ) بَيَانٌ لِمَا إذَا أَضَافَ إلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَذِكْرُهُمْ إنْ وَإِذَا هُنَا بِالتَّبَعِيَّةِ وَإِلَّا فَالْمُنَاسِبُ لَهُمَا التَّعْلِيقُ لَا الْإِضَافَةُ وَإِنَّمَا طَلُقَتْ بِالسُّكُوتِ لِأَنَّ " مَتَى " ظَرْفُ زَمَانٍ وَكَذَا مَا تَكُونُ مَصْدَرِيَّةً نَائِبَةً عَنْ ظَرْفِ الزَّمَانِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] أَيْ مُدَّةَ دَوَامِ حَيَاتِي أَوْ مُدَّةَ دَوَامِي حَيًّا وَهِيَ، وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ لِلشَّرْطِ لَكِنْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا هُنَا لِلْوَقْتِ وَلِذَا نُقِلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اتِّفَاقُ

ــ

[منحة الخالق]

عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ الِاتِّفَاقَ عَلَى فَسَادِ الدَّوْرِ وَإِنَّمَا وَقَعَ عَنْهُمْ فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ أَوْ الْمُنَجَّزِ وَحْدَهُ، وَفِي مُغْنِي الْحَنَابِلَةِ لَا نَصَّ لِأَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ الْقَاضِي: تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ تَطْلُقُ بِالْمُنَجَّزِ لَا غَيْرُ اهـ.

ثُمَّ نُقِلَ عَنْ عِشْرِينَ إمَامًا مِنْ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ اتَّفَقُوا عَلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الْوَاقِعِ بِهِ وَقَالَ أَيْضًا وَبَالَغَ فِي تَخْطِئَةِ الْقَائِلِينَ بِصِحَّتِهِ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَاهِيك بِهِ جَلَالَةً وَمِنْ ثَمَّ لُقِّبَ بِسُلْطَانِ الْعُلَمَاءِ، وَعِبَارَتُهُ كَمَا حَكَاهُ تِلْمِيذُهُ الْإِمَامُ الْقَرَافِيُّ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَا يَصِحُّ فِيهَا التَّقْلِيدُ، وَالتَّقْلِيدُ فِيهَا فُسُوقٌ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُنْقَضُ إذَا خَالَفَ أَحَدَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْإِجْمَاعَ أَوْ النَّصَّ أَوْ الْقَوَاعِدَ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَمَا لَا يُقَرُّ شَرْعًا إذَا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي يُنْقَضُ فَأَوْلَى إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ وَإِذَا لَمْ يُقَرَّ شَرْعًا حَرُمَ التَّقْلِيدُ فِيهِ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ فِي غَيْرِ شَرْعٍ هَلَاكٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَالِفَةٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ فِيهَا قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهَذَا بَيَانٌ حَسَنٌ ظَاهِرٌ وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الصَّلَاحِ: ابْنُ سُرَيْجٍ بَرِيءٌ مَا نُسِبَ إلَيْهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الطَّوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ، وَجَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَنْسَدُّ بَابُ الطَّلَاقِ بَلْ يَقَعُ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي كَمِّيَّةِ الْوَاقِعِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ: وَبَالَغَ السُّرُوجِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: الْقَوْلُ بِانْسِدَادِ بَابِ الطَّلَاقِ يُشْبِهُ مَذَاهِبَ النَّصَارَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِلزَّوْجِ إيقَاعُ طَلَاقٍ عَلَى زَوْجَتِهِ مُدَّةَ عُمُرِهِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ الْكَمَالُ بْنُ الرَّدَّادِ شَارِحُ الْإِرْشَادِ الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَتْوَى وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَالشَّامِيَّةِ وَهُوَ الْقَوِيُّ فِي الدَّلِيلِ وَعَزَاهُ الرَّافِعِيُّ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا حَاصِلُ مَا أَرَدْت تَلْخِيصَهُ مِنْ مُؤَلَّفِ ابْنِ حَجَرٍ وَتَقَدَّمَ عَنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ تَقْوِيَةُ الْقَوْلِ بِالْوُقُوعِ وَنَقَلَ الْغَزِّيِّ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ أَوَّلَ كِتَابِ الطَّلَاقِ رَدَّ الْقَوْلِ بِخِلَافِهِ بِأَبْلَغِ وَجْهٍ حَيْثُ قَالَ: وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: إنْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا لَا يَقَعُ أَبَدًا وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا مِثْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ.

وَهَذَا قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ مُخَالِفٌ لِأَهْلِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ السَّلَفِ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الْمُكَلَّفِ وَاقِعٌ.

وَقَدْ «قَالَ صلى الله عليه وسلم مَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ» ، وَعَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ فَسَأَلَهُ عَنْ طَلَاقِ الدَّوْرِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَالَ بِطَلَاقِ الدَّوْرِ فَقَدْ أَضَلَّ أُمَّتِي فَقَالَ لَا يُقْبَلُ مِنِّي فَقَالَ صلى الله عليه وسلم مَا عَلَيْك إلَّا الْبَلَاغَ ثُمَّ بَحَثَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى بُطْلَانِهِ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَبَقَاءِ النِّكَاحِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا يُنَفَّذُ حُكْمُهُ وَيَجِبُ عَلَى حَاكِمٍ آخَرَ تَفْرِيقُهُمَا لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُعَدُّ خِلَافًا لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَجْهُولٌ بَاطِلٌ فَاسِدٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ اهـ. إلَى هُنَا كَلَامُ الْمِنَحِ.

ص: 294

الْعُلَمَاءِ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالسُّكُوتِ فَصَارَ حَاصِلُ الْمَعْنَى إضَافَةَ طَلَاقِهَا إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ طَلَاقِهَا وَهُوَ حَاصِلٌ بِسُكُوتِهِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَسَكَتَ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ مُوصَلًا أَنْتِ طَالِقٌ بَرَّ كَمَا سَيَأْتِي وَمِثْلُ مَتَى حِينَ وَزَمَانَ وَحَيْثُ وَيَوْمَ فَلَوْ قَالَ حِينَ لَمْ أُطَلِّقْك وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ حِينَ سَكَتَ وَكَذَا زَمَانَ لَمْ أُطَلِّقْك وَحَيْثُ لَمْ أُطَلِّقْك وَيَوْمَ لَمْ أُطَلِّقْك إذَا كَانَ بِلَمْ الْجَازِمَةِ فَلَوْ كَانَ بِلَا النَّافِيَةِ نَحْوُ زَمَانَ لَا أُطَلِّقُك أَوْ حِينَ لَا أُطَلِّقُك بِحَرْفِ لَا النَّافِيَةِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَمْضِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ إنْ لَمْ تَقْلِبْ الْمُضَارِعَ مَاضِيًا مَعَ النَّفْيِ، وَقَدْ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ فَوَقَعَ وَكَلِمَةُ لَا لِلِاسْتِقْبَالِ غَالِبًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِحِينٍ سِتَّةَ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُ أَوْسَطُ اسْتِعْمَالَاتِهِ مِنْ السَّاعَةِ، وَالْأَرْبَعِينَ سَنَةً وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ فِي قَوْله تَعَالَى:{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17]{هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1]{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: 25] ، وَالزَّمَانُ كَالْحِينِ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَلَوْ قَالَ يَوْمَ لَا أُطَلِّقُك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمْضِيَ يَوْمُ الْكُلِّ مِنْ الْمُحِيطِ وَأَمَّا حَيْثُ فَهِيَ لِلْمَكَانِ وَكَمْ مَكَان لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي مَكَان لَمْ أُطَلِّقْك فِيهِ.

وَذُكِرَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ الْأَخْفَشَ جَعَلَهَا لِلزَّمَانِ أَيْضًا فَلَا إشْكَالَ وَقَيَّدَ بِمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْت طَالِقٌ وَسَكَتَ يَقَعُ الثَّلَاثُ مُتَتَابِعًا لَا جُمْلَةً لِأَنَّهَا تَقْتَضِي عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ فَقَطْ وَقَيَّدَ بِمُطَلِّقِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَوْ قَيَّدَهُ مَعَ الْعَدَمِ كَأَنْ قَالَ إنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ سَنَةً فَأَنْت طَالِقٌ فَمَضَتْ السَّنَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ طَلُقَتْ كَمَا فِي الْإِيلَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

(قَوْلُهُ: وَفِي إنْ لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ إذَا مَا لَمْ أُطَلِّقْك لَا حَتَّى بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ التَّطْلِيقِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَدَلَالَةِ الْفَوْرِ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْيَأْسِ عَنْ الْحَيَاةِ وَهُوَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَاةِ أَمَّا فِي مَوْتِهِ فَظَاهِرٌ وَلَمْ يُقَدِّرْهُ الْمُتَقَدِّمُونَ بَلْ قَالُوا تَطْلُقُ قُبَيْلَ مَوْتِهِ فَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَرِثَتْهُ بِحُكْمِ الْفِرَارِ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا وَإِلَّا لَا تَرِثُهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَنَّ مَوْتَهَا كَمَوْتِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ حَيْثُ يَقَعُ بِمَوْتِهِ لَا بِمَوْتِهَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الدُّخُولُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ بِمَوْتِهَا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمَّا الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ عَنْهُ بِمَوْتِهَا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَإِذَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ قُبَيْلَ مَوْتِهَا لَا يَرِثُ مِنْهَا الزَّوْجُ لِأَنَّهَا بَانَتْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ حَالَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالْبَيْنُونَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ صَرِيحًا لِانْتِفَاءِ الْعِدَّةِ كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْوُقُوعَ فِي آخِرِ جُزْءٍ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَمْ يَلِهِ إلَّا الْمَوْتُ وَبِهِ تَبَيَّنَ وَلِذَا جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْوُقُوعَ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ قُبَيْلَهُ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ عَدَمَ إرْثِهِ مِنْهَا مُطْلَقٌ سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ لَا ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ تَقْيِيدَ الشَّارِحِ عَدَمَهُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ أَوْ الثَّلَاثِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَتَسْوِيَةُ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ إنْ وَإِذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فَهِيَ عِنْدَهُ إذَا جُوزِيَ بِهَا حَرْفٌ لِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ لِأَنَّ مُجَرَّدَهُ رَبْطٌ خَاصٌّ وَهُوَ مِنْ مَعَانِي الْحُرُوفِ.

وَقَدْ تَكُونُ الْكَلِمَةُ حَرْفًا أَوْ اسْمًا فَلَمَّا كَانَتْ لِلشَّرْطِ، وَالْوَقْتِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ بِالشَّكِّ وَعِنْدَهُمَا كَمَتَى لِلْوَقْتِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِمَامَ بَنَى مَذْهَبَهُ عَلَى أَنَّ إذَا تَخْرُجُ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ وَتَكُونُ لِمَحْضِ الشَّرْطِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ النُّحَاةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي لَكِنْ ذَكَرَ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّهَا لِلظَّرْفِيَّةِ مُتَضَمِّنَةً مَعْنَى الشَّرْطِيَّةِ وَأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ وَهُوَ مُرَجِّحٌ لِقَوْلِهِمَا هُنَا، وَقَدْ رَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت حَيْثُ وَافَقَهُمَا أَنَّهَا كَمَتَى فَلَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَلَوْ كَانَتْ كَإِنْ لَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِشَكِّ الْخُرُوجِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الدُّخُولِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ وُقُوعَ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِيَّةِ، وَالظَّرْفِيَّةِ يُوجِبُ وُقُوعَهُ فِي الْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ فِي الْحَالِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَحْرُمَ تَقْدِيمًا لِلْمُحَرَّمِ كَمَا قَالَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّكَّ لَا يُوجِبُ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 295

شَيْئًا إنَّمَا ذَلِكَ مَعَ تَعَارُضِ دَلِيلِ الْحُرْمَةِ مَعَ دَلِيلِ الْحِلِّ فَالِاحْتِيَاطُ الْعَمَلُ بِدَلِيلِ الْحُرْمَةِ أَمَّا هُنَا لَوْ اعْتَبَرْنَا الْحُرْمَةَ لَمْ نَعْمَلْ بِدَلِيلٍ بَلْ بِالشَّكِّ وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِإِذَا مَعْنَى مَتَى صُدِّقَ اتِّفَاقًا قَضَاءً وَدِيَانَةً لِتَشْدِيدِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَا إذَا نَوَى بِإِذَا مَعْنَى " إنْ " عَلَى قَوْلِهِمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ عِنْدَهُمَا دِيَانَةً فَقَطْ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرَةٌ فِي الظَّرْفِيَّةِ، وَالشَّرْطِيَّةُ احْتِمَالٌ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ دَلَالَةِ الْفَوْرِ لِأَنَّهُ لَوْ قَامَتْ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ عُمِلَ بِهَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي فَقَالَ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك يَقَعُ عَلَى الْفَوْرِ، وَقَدْ زَادَ هَذَا الْقَيْدَ فِي الْمُبْتَغِي بِالْمُعْجَمَةِ فَقَالَ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِكَذَا فَأَنْت طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ اهـ.

وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ: إنَّهُ قَيْدٌ حَسَنٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: لَوْ أَرَادَ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ فَلَمْ تُطَاوِعْهُ فَقَالَ إنْ لَمْ تَدْخُلِي الْبَيْتَ مَعِي فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ بَعْدَمَا سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ طَلُقَتْ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الدُّخُولِ كَانَ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ، وَقَدْ فَاتَ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْبَوْلُ لَا يَقْطَعُ الْفَوْرَ، وَالصَّلَاةُ إذَا خَافَ خُرُوجَ وَقْتِهَا كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَبِهِ يُفْتَى وَقَالَ نُصَيْرٌ: الصَّلَاةُ تَقْطَعُ الْفَوْرَ وَسَتَأْتِي مَسَائِلُ الْفَوْرِ فِي آخِرِ بَابِ الْيَمِينِ عَلَى الْخُرُوجِ، وَالدُّخُولِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّا يُنَاسِبُ مَسْأَلَةَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَقْطَعُ الْفَوْرَ مَا فِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيُصَلِّيَن الظُّهْرَ فِي مَسْجِدِهِ فَذَهَبَ إلَى مَوْضِعٍ لَوْ يَجِيءُ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ وَإِلَّا لَا قَالَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهِ وَتَطْلُقُ ثُمَّ رَقَّمَ بِعَلَامَةِ ب د إنَّ هَذَا فِي الْوَاحِدَةِ أَمَّا فِي الثَّلَاثِ فَيُصَلِّي فِي مَسْجِدِهِ اهـ.

وَقَيَّدَ بِاقْتِصَارِهِ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى عَدَمِ التَّطْلِيقِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: إذَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ وَإِذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْت طَالِقٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ قَبْلَ التَّطْلِيقِ حَنِثَ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ فَيَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ وَهَذَا الطَّلَاقُ يَصْلُحُ شَرْطًا فِي الْيَمِينِ الْأُولَى فَحَنِثَ فِي الْيَمِينَيْنِ وَلَوْ قَلَبَ فَقَالَ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْت طَالِقٌ وَإِذَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ وَقَعَتْ وَاحِدَةً بِسَبَبِ الْيَمِينِ الْأُولَى وَلَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِلثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِكَلَامٍ وُجِدَ قَبْلَ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ، وَالشُّرُوطُ تُرَاعَى فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا الْمَاضِي كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْتَظَرَ الْمَوْتُ بَلْ كَمَا سَكَتَ حَنِثَ اهـ.

وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الشَّرْطِ عَدَمَ التَّطْلِيقِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَوْ كَانَ التَّطْلِيقُ بِأَنْ قَالَ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَآلَى مِنْهَا فَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقَانِ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ تَطْلِيقٌ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَلَوْ عِنِّينًا فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَقَعْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْفَرْق أَنَّ فِي الْإِيلَاءِ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ حَقِيقَةً، وَفِي الْعِنِّينِ لَا وَإِنَّمَا جُعِلَ مُطَلِّقًا شَرْعًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي اللِّعَانِ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ، وَفِي الْخُلْعِ يَحْنَثُ، وَفِي خُلْعِ الْفُضُولِيِّ إنْ أَجَازَ بِالْقَوْلِ يَحْنَثُ، وَبِالْفِعْلِ لَا يَحْنَثُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لَا يَحْنَثُ فِي الْإِيلَاءِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى وَلَوْ عَلَّقَ وَوُجِدَ الشَّرْطُ فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ قَبْلَ الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ وَإِلَّا حَنِثَ وَلَوْ طَلَّقَ الْوَكِيلُ أَوْ أَعْتَقَ حَنِثَ سَوَاءٌ كَانَ التَّوْكِيلُ قَبْلَ الْيَمِينِ أَوْ بَعْدَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ نَفْسَك وَطَلِّقِي نَفْسَك كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ لَهَا كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْت طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ الثَّلَاثَ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، وَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ بَعْدَ الْيَمِينِ مَرَّةً بِالتَّطْلِيقِ وَمَرَّةً بِالْحِنْثِ فَوَقَعَتْ الثَّالِثَةُ بِوُقُوعِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ كُلَّمَا تُوجِبُ تَكْرَارَ الْجَزَاءِ بِتَكْرَارِ الشَّرْطِ وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ تَطْلِيقَهَا وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَوَقَعَتْ وَاحِدَةً بِالْإِيقَاعِ وَأُخْرَى بِالْحِنْثِ وَبَقِيَتْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً لِأَنَّهَا عُقِدَتْ بِحَرْفِ التَّكْرَارِ اهـ.

وَفِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ يَحْنَثُ أَمْ بِغَيْرِ حِنْثٍ لَوْ قَالَ إنْ طَلَّقْت زَيْنَبَ فَعَمْرَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ طَلَّقْت عَمْرَةَ فَحَمَادَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ طَلَّقْت حَمَادَةَ فَزَيْنَبُ طَالِقٌ فَطَلُقَتْ الْأُولَى لَمْ تَطْلُقْ الْأُخْرَى إذْ الْوُسْطَى طَلُقَتْ بِلَفْظٍ سَبَقَ يَمِينَ الْأُخْرَى، وَالشَّرْطُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَهَذَا الطَّلَاقُ يَصْلُحُ شَرْطًا فِي الْيَمِينِ) تَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَّقَ وَوُجِدَ الشَّرْطُ. . . إلَخْ) صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت فَأَنْت كَذَا ثُمَّ قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ (قَوْلُهُ: مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْبَابَ فِي الْجُزْءِ الَّذِي عِنْدِي

ص: 296

آتٍ لَا مَاضٍ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَ الْوُسْطَى لَمْ تَطْلُقْ الْأُولَى إذْ الْأُخْرَى طَلُقَتْ بِلَفْظٍ سَبَقَ يَمِينَ الْأُولَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ إنْ وَقَعَ طَلَاقِي إذْ الشَّرْطُ الْوُقُوعُ، وَقَدْ تَأَخَّرَ وِزَانُهُ إنْ أَوْقَفَتْ أَوْ لَفَظَتْ، وَإِنْ طَلَّقَ الْأُخْرَى تَطْلُقُ الْوُسْطَى لِتَأَخُّرِ طَلَاقِ الْأُولَى عَنْ يَمِينِ الْوُسْطَى وَلَوْ كَانَ قَالَ إنْ طَلَّقْت حَمَادَةَ فَبَشِيرَةُ، وَإِنْ طَلَّقْت بَشِيرَةَ فَزَيْنَبُ وَطَلَّقَ حَمَادَةَ تَطْلُقُ بَشِيرَةُ، وَإِنْ طَلَّقَ بَشِيرَةَ طُلِّقْنَ إلَّا حَمَادَةَ، وَالْحَرْفُ مَا مَرَّ وَلِهَذَا لَوْ جَعَلَ زَيْنَبَ جَزَاءً لِعَمْرَةَ ثُمَّ عَكَسَ تَطْلُقُ زَيْنَبُ مَثْنَى إنْ طَلَّقَهَا وَفَرْدًا إنْ طَلَّقَ عَمْرَةَ، وَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ وَمَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْبَيَانِ فَفِي الثَّلَاثِ لِعَمْرَةَ نِصْفُ مَهْرٍ بِلَا إرْثٍ فِي الطَّلَاقِ قَطْعًا وَلَهُمَا مَهْرٌ وَرُبُعٌ إذْ تَطْلُقُ فَرْدًا فِي حَالٍ وَفَرْدًا جَزْمًا، وَفِي الْأَرْبَعِ لِعَمْرَةَ خَمْسَةُ أَثْمَانِ مَهْرِهَا لِأَنَّهَا تَطْلُقُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ وَلِلْبَاقِيَاتِ مَهْرَانِ وَرُبُعٌ اعْتِبَارًا لِلْحَالِ فِي فَرْدٍ بَعْدَ إفْرَادِ فَرْدٍ لِلطَّلَاقِ وَأُخْرَى لِلنِّكَاحِ لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ كَزَعْمِ عِيسَى وَأَنْ يُرَادَ بِهِ رُبُعًا إذْ لَا حَاجَةَ مَعَ الْجَزْمِ وَلِعَمْرَةَ ثُمُنُ إرْثٍ إنْ طَلُقَتْ فِي أَحْوَالٍ وَزَاحَمَتْ فِي حَالٍ وَلِحَمَادَةَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ اعْتِبَارًا لِلْحَالِ فِي نِصْفٍ لَمْ تُنَازِعْهَا الْأُولَى، وَفِي نِصْفٍ نَازَعَتْ وَلِأَنَّ لَهَا الْكُلَّ فِي حَالٍ دُونَ أَحْوَالٍ، وَالنِّصْفَ فِي حَالٍ دُونَ أَحْوَالٍ فَأَخَذَتْ رُبُعَهَا، وَالْبَاقِي لِلْأَخِيرَتَيْنِ اهـ.

وَتَوْضِيحُهُ فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ وَحَاصِلُهُ فِي النِّسَاءِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ إنْ طَلَّقَ زَيْنَبَ طَلُقَتْ عَمْرَةُ فَقَطْ، وَإِنْ طَلَّقَ عَمْرَةَ طَلُقَتْ حَمَادَةُ فَقَطْ، وَإِنْ طَلَّقَ حَمَادَةَ طَلُقَتْ زَيْنَبُ وَعَمْرَةُ، وَفِي التَّلْخِيصِ أَيْضًا مِنْ الْأَيْمَانِ بَابُ الْحِنْثِ بِالْحَلِفِ لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ حَنِثَ بِالتَّعْلِيقِ لِوُجُودِ الرُّكْنِ دُونَ الْإِضَافَةِ لِعَدَمِهِ إلَّا أَنْ يُعَلِّقَ بِأَعْمَالِ الْقَلْبِ أَوْ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّمْلِيكِ أَوْ بَيَانِ وَقْتِ السُّنَّةِ فَلَا يَتَمَحَّضُ لِلتَّعْلِيقِ، وَلِهَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالتَّطْلِيقِ لِاحْتِمَالِ حِكَايَةِ الْوَاقِعِ وَلَا بِإِنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْكِتَابَةِ وَلَا بِإِنْ حِضْت حَيْضَةً أَوْ عِشْرِينَ حَيْضَةً لِاحْتِمَالِ تَفْسِيرِ السُّنَّةِ وَلَا يَلْزَمُ إنْ حِضْت لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْبِدْعِيِّ لِتَنَوُّعِهِ وَتَعَذُّرِ التَّعْيِينِ فَتَمَحَّضَ تَعْلِيقًا وَلَا إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ لِأَنَّ الْحَمْلَ، وَالْمَنْعَ ثَمَرَةٌ فَتَمَّ الرُّكْنُ دُونَهَا اهـ. فَالْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ حَنِثَ بِالتَّعْلِيقِ سِتُّ مَسَائِلَ فَلْتُحْفَظْ.

قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ هَذِهِ الطَّلْقَةَ) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَسَكَتَ وَمُرَادُهُ أَنَّهَا تَطْلُقُ الْمُنَجَّزَةَ لَا الْمُعَلَّقَةَ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُعْتَبَرُ زَمَانُ الِاشْتِغَالِ بِالْمُنَجَّزَةِ سُكُوتًا لِأَنَّ زَمَنَ الْبِرِّ مُسْتَثْنًى بِدَلَالَةِ حَالِ الْحَلِفِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَنْعَقِدُ لِلْبِرِّ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِجَعْلِ هَذَا الْقَدْرِ مُسْتَثْنًى فَهُوَ نَظِيرُ مَنْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِوُجُودِ الرُّكْنِ) أَيْ رُكْنِ الْيَمِينِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَقَوْلُهُ: دُونَ الْإِضَافَةِ أَيْ إلَى الْوَقْتِ كَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَلَا يَحْنَثُ بِهَا لِعَدَمِ الرُّكْنِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْحِنْثِ وَهُوَ الْحَلِفُ لِأَنَّهَا سَبَبٌ فِي الْحَالِ فَكَانَ إيقَاعًا مُؤَجَّلًا فَيُعْتَبَرُ بِالْمُعَجَّلِ كَأَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ.

أَمَّا التَّعْلِيقُ لَيْسَ سَبَبًا فِي الْحَالِ سَوَاءٌ كَانَ فِعْلَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَجِيءَ الْوَقْتِ، وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ تَحِيضُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَزَاءُ طَلَاقًا أَمْ عَتَاقًا أَمْ حَجًّا أَوْ نَذْرًا إلَّا أَنْ يُعَلِّقَ الْجَزَاءَ بِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ أَحْبَبْت أَوْ رَضِيت أَوْ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ كَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، وَالْمَرْأَةُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ دُونَ الْحَيْضِ فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّمْلِيكِ دُونَ التَّعْلِيقِ وَلِذَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَالثَّانِيَ: مُسْتَعْمَلٌ فِي بَيَانِ وَقْتِ السُّنَّةِ لِأَنَّهُ وَقْتُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ فِي حَقِّهَا فَلَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ وَلِهَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالتَّطْلِيقِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ طَلَّقْتُك لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ حِكَايَةِ الْوَاقِعِ مِنْ كَوْنِهِ مَالِكًا لِتَطْلِيقِهَا وَلَا بِإِنْ أَدَّيْت. . . إلَخْ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْكِتَابَةِ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ وَلَا بِأَنْتِ طَالِقٌ إنْ حِضْت حَيْضَةً لِأَنَّهَا اسْمٌ لِلْكَامِلِ مِنْهَا وَلَا وُجُودَ لَهُ إلَّا بِجُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ تَفْسِيرًا لِطَلَاقِ السُّنَّةِ وَكَذَا عِشْرِينَ حَيْضَةً لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا وَقْتٌ لِطَلَاقِ السُّنَّةِ فِي الْجُمْلَةِ إذْ لَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ فَإِنْ رَاجَعَهَا وَتَرَكَهَا حَتَّى حَاضَتْ عِشْرِينَ حَيْضَةً ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ حَائِضٌ وَقَعَتْ سُنِّيَّةً بَعْدَ هَذَا الْحَيْضِ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ لِلتَّعْلِيقِ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْنَثْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ مَحْظُورٌ وَحَمْلُ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى مَا فِيهِ إعْدَامُ الْمَحْظُورِ أَوْ تَقْلِيلُهُ أَوْلَى، وَقَدْ أَمْكَنَ حَمْلُهُ هُنَا عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ التَّمْلِيكِ أَوْ التَّفْسِيرِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَقَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ إنِّي حِضْت أَيْ حَيْثُ يَحْنَثُ مَعَ إمْكَانِ جَعْلِهِ تَفْسِيرًا لِلْبِدْعِيِّ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لَهُ لِتَعَدُّدِ أَنْوَاعِهِ كَالْإِيقَاعِ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ أَوْ فِي طُهْرٍ قَبْلَهُ وَنَحْوُهُ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَفْسِيرًا لِلْكُلِّ لِلتَّنَافِي وَلَا لِوَاحِدٍ لِلْجَهَالَةِ فَتَعَذَّرَ التَّعْيِينُ بِخِلَافِ السُّنِّيِّ فَإِنَّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْحَمْلُ، وَالْمَنْعُ مَفْقُودًا لِأَنَّهُمَا ثَمَرَةُ الْيَمِينِ لَا رُكْنُهُ، وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فِي الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالصُّورَةِ لَا بِالثَّمَرَةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ فَبَاعَ فَاسِدًا أَوْ بِخِيَارٍ لَهُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الرُّكْنِ، وَإِنْ كَانَ انْتِقَالُ الْمِلْكِ غَيْرَ ثَابِتٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ مُلَخَّصًا.

ص: 297

حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ سَاكِنُهَا فَاشْتَغَلَ بِالنُّقْلَةِ مِنْ سَاعَتِهِ بَرَّ وَفَائِدَةُ وُقُوعِ الْمُنَجَّزَةِ دُونَ الْمُعَلَّقَةِ إنَّ الْمُعَلَّقَ لَوْ كَانَ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً بِالْمُنَجَّزِ فَقَطْ إذَا كَانَ مَوْصُولًا فَلَوْ كَانَ مَفْصُولًا وَقَعَ الْمُنَجَّزُ، وَالْمُعَلَّقُ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك الْيَوْمَ ثَلَاثًا فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَحِيلَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلْ الْمَرْأَةُ فَإِنْ مَضَى الْيَوْمُ تَقَعُ الثَّلَاثُ فِي قِيَاسِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ شَرْطُ الْحِنْثِ وَهُوَ عَدَمُ التَّطْلِيقِ لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّعْلِيقِ، وَالتَّعْلِيقُ غَيْرُ التَّطْلِيقِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّطْلِيقِ لِأَنَّ هَذَا تَطْلِيقٌ مُقَيَّدٌ لِأَنَّهُ تَطْلِيقٌ بِعِوَضٍ، وَالْمُعَاوَضَةُ لَيْسَتْ بِتَعْلِيقٍ حَقِيقَةً، وَالْمُقَيَّدُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُطْلَقِ فَيَنْعَدِمُ شَرْطُ الْحِنْثِ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَنْت كَذَا يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَنَكَحَهَا لَيْلًا حَنِثَ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ) يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ فَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ لَيْلًا لَا خِيَارَ لَهَا أَوْ نَهَارًا دَخَلَ الْأَمْرُ فِي يَدِهَا إلَى الْغُرُوبِ، وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ هِيَ أَنَّ مَظْرُوفَ الْيَوْمِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُمْتَدٍّ يُصْرَفُ الْيَوْمُ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَهُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ إلَى مَجَازِهِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْوَقْتِ لِأَنَّ ضَرْبَ الْمُدَّةِ لَهُ لَغْوٌ إذْ لَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ كَانَ مُمْتَدًّا يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِمَا يَمْتَدُّ مَا يَصِحُّ ضَرْبُ الْمُدَّةِ لَهُ كَالسَّيْرِ، وَالرُّكُوبِ، وَالصَّوْمِ وَتَخْيِيرِ الْمَرْأَةِ وَتَفْوِيضِ الطَّلَاقِ وَبِمَا لَا يَمْتَدُّ عَكْسُهُ كَالطَّلَاقِ، وَالتَّزَوُّجِ، وَالْكَلَامِ، وَالْعَتَاقِ، وَالدُّخُولِ، وَالْخُرُوجِ، وَالْمُرَادُ بِالِامْتِدَادِ امْتِدَادٌ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّهَارَ لَا مُطْلَقُ الِامْتِدَادِ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّكَلُّمَ مِنْ قَبِيلِ غَيْرِ الْمُمْتَدِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّكَلُّمَ يَمْتَدُّ زَمَانًا طَوِيلًا لَكِنْ لَا يَمْتَدُّ بِحَيْثُ يَسْتَوْعِبُ النَّهَارَ كَذَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي التَّكَلُّمِ هَلْ هُوَ مِمَّا يَمْتَدُّ أَوَّلًا فَجَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ بِالثَّانِي، وَجَزَمَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي بِالْأَوَّلِ وَجَعَلَ الثَّانِي ظَنًّا ظَنَّهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْحَقُّ مَا فِي الْهِدَايَةِ لِمَا فِي التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّ امْتِدَادَ الْإِعْرَاضِ إنَّمَا هُوَ بِتَجَدُّدِ الْأَمْثَالِ كَالضَّرْبِ، وَالْجُلُوسِ، وَالرُّكُوبِ فَمَا يَكُونُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مِثْلُهَا فِي الْأُولَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ جُعِلَ كَالْعَيْنِ الْمُمْتَدِّ بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّ الْمُتَحَقِّقَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لَا يَكُونُ مِثْلَهُ فِي الْأُولَى فَلَا يَتَحَقَّقُ تَجَدُّدُ الْأَمْثَالِ اهـ.

ثُمَّ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الِامْتِدَادِ وَعَدَمِهِ الْمَظْرُوفُ وَهُوَ الْجَوَابُ وَمِنْ مَشَايِخِ مَنْ تَسَامَحَ فَاعْتَبَرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ الْيَوْمَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمُضَافَ إلَيْهِ وَمَظْرُوفُ الْيَوْمِ مِمَّا يَمْتَدُّ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَرْكَبُ فُلَانٌ أَوْ يَكُونَا مِنْ غَيْرِ الْمُمْتَدِّ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ، وَفِي هَذَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ إنْ اُعْتُبِرَ الْمُضَافُ إلَيْهِ أَوْ الْمَظْرُوفُ.

وَإِنْ كَانَ الْمَظْرُوفُ مُمْتَدًّا، وَالْمُضَافُ إلَيْهِ غَيْرَ مُمْتَدٍّ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ أَوْ يَكُونُ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُمْتَدًّا وَالْمَظْرُوفُ غَيْرَ مُمْتَدٍّ نَحْوُ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ يَرْكَبُ فُلَانٌ فَحِينَئِذٍ يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَفَائِدَةُ وُقُوعِ الْمُنَجَّزَةِ دُونَ الْمُعَلَّقَةِ. . . إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْفَائِدَةَ تَظْهَرُ، وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ وَاحِدَةً حَيْثُ لَمْ يَقَعْ الْمُعَلَّقُ كَمَا وَقَعَ الْمُنَجَّزُ نَعَمْ هَذِهِ فَائِدَةُ التَّنْجِيزِ مَوْصُولًا فَإِنَّهُ لَوْلَاهُ لَوَقَعَ الثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا تَطْلِيقٌ مُقَيَّدٌ. . . إلَخْ) مُقْتَضَاهُ تَسْلِيمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَعْلِيقًا يَحْنَثُ فَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي حِيَلِ الْأَشْبَاهِ مِنْ أَنَّ الْحِيلَةَ أَنْ يَقُولَ أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَلَا تَقْبَلُ.

(قَوْلُهُ: كَالسَّيْرِ، وَالرُّكُوبِ. . . إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُمْ: الرُّكُوبُ مِنْ الْمُمْتَدِّ مَمْنُوعٌ بَلْ حَقِيقَتُهُ حَرَكَتُهُ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا فَوْقَ الدَّابَّةِ، وَاللُّبْسُ هُوَ جَعْلُ الثَّوْبِ عَلَى بَدَنِهِ، وَالْمُمْتَدُّ بَقَاؤُهُ وَلَكِنَّهُ يُتَسَامَحُ فَيُقَالُ لَبِسَ يَوْمًا وَرَكِبَ يَوْمًا إذَا دَامَ عَلَيْهِ فَالْمَرْجِعُ الْعُرْفُ اهـ.

وَالْأَنْسَبُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فِي حَوَاشِي التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الْبَقَاءِ، وَالْقَرِينَةُ التَّقْيِيدُ بِنَحْوِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي التَّكَلُّمِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ أَظْهَرَ لِلْخِلَافِ ثَمَرَةً وَيَنْبَغِي أَنْ تَظْهَرَ فِي اشْتِرَاطِ اسْتِيعَابِ النَّهَارِ فِيمَا يَمْتَدُّ وَعَدَمِهِ فَمَنْ اشْتَرَطَهُ جَعَلَ الْكَلَامَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ جَعَلَهُ مِنْ الْمُمْتَدِّ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا فِي الْبَحْرِ الْمُرَادُ بِالِامْتِدَادِ امْتِدَادٌ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّهَارَ لَا مُطْلَقَ الِامْتِدَادِ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّكَلُّمَ. . . إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ نَعَمْ اخْتَارَ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ الْمُمْتَدِّ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى أَيْضًا مِنْ حَيْثُ النُّطْقُ بِالْحُرُوفِ، وَالِاخْتِلَافُ بِالْوَصْفِ لَا يُبَالَى بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجُلُوسَ لَوْ اخْتَلَفَتْ كَيْفِيَّتُهُ عُدَّ مُمْتَدًّا فَكَذَا هَذَا اهـ.

وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ أَقُولُ: مَا قَالَهُ الْهِنْدِيُّ أَصْوَبُ عِنْدِي لِأَنَّهُ يُقَالُ تَكَلَّمَ فُلَانٌ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ عِشْرِينَ دَرَجَةً وَأَكْثَرَ فَيُضْرَبُ لَهُ الْمُدَّةُ وَقَوْلُ التَّلْوِيحِ إنَّهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لَيْسَ كَالْأُولَى مَمْنُوعٌ إذْ لَيْسَ إلَّا بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ، وَالتَّصْوِيتِ وَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ تَقْيِيدِ الِامْتِدَادِ بِمَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّهَارَ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّكَلُّمَ مِنْ غَيْرِ الْمُمْتَدِّ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ اهـ. مُلَخَّصًا. وَهُوَ عَيْنُ مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ عَلَى أَحَدِ

ص: 298

اعْتِبَارِ الْمَظْرُوفِ فِيمَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فِيهِ عَلَى الِاعْتِبَارَيْنِ فَفِي أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ فَقَدِمَ لَيْلًا لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا اتِّفَاقًا، وَفِي أَنْت حُرٌّ يَوْمَ يَرْكَبُ زَيْدٌ فَرَكِبَ لَيْلًا عَتَقَ اتِّفَاقًا، وَمَنْ اعْتَبَرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ دُونَ الْمَظْرُوفِ إنَّمَا اعْتَبَرَهُ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فَعَلَى هَذَا فَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْكَشْفِ، وَالتَّلْوِيحِ وَغَيْرِهِمَا وَلِذَا اعْتَبَرَ فِي الْهِدَايَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْمَظْرُوفَ حَيْثُ قَالَ، وَالطَّلَاقُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَاعْتَبَرَ فِي الْأَيْمَانِ الْمُضَافَ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ فِي قَوْلِهِ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا، وَالْكَلَامُ فِيمَا لَا يَمْتَدُّ بِهِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا حَكَاهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ مِنْ الْخِلَافِ وَهْمٌ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَوْجَهَ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُمْتَدُّ مِنْهَا وَعَلَيْهِ مَسَائِلُهُمْ لَيْسَ بِالْأَوْجَهِ وَأَنَّ مَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُمْتَدُّ مِنْهُمَا لَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ اعْتِبَارُ الْجَوَابِ فَقَطْ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْجَوَابُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذِكْرِ الظَّرْفِ إفَادَةُ وُقُوعِ الْجَوَابِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مَظْرُوفًا أَيْضًا لَكِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِذِكْرِ الظَّرْفِ ذَلِكَ بَلْ إنَّمَا ذَكَرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ لِيَتَعَيَّنَ الظَّرْفُ فَيَتِمُّ الْمَقْصُودُ مِنْ تَعْيِينِ زَمَنِ وُقُوعِ مَضْمُونِ الْجَوَابِ وَلَا شَكَّ أَنَّ اعْتِبَارَ مَا قُصِدَ الظَّرْفُ لَهُ لِاسْتِعْلَامِ الْمُرَادِ مِنْ الظَّرْفِ أَهُوَ الْحَقِيقِيُّ أَوْ الْمَجَازِيُّ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا لَمْ يُقْصَدْ لَهُ فِي اسْتِعْلَامِ حَالِهِ، وَفِي التَّلْوِيحِ إنَّمَا اُعْتُبِرَ الْجَوَابُ لِأَنَّهُ الْمَظْرُوفُ الْمَقْصُودُ وَمَظْرُوفٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَالْمُضَافُ إلَيْهِ ضِمْنِيٌّ مَعْنًى لَا لَفْظًا ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْت كَثِيرًا مَا يَمْتَدُّ الْفِعْلُ مَعَ كَوْنِ الْيَوْمِ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ مِثْلُ ارْكَبُوا يَوْمَ يَأْتِيكُمْ الْعَدُوُّ وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاَللَّهِ يَوْمَ يَأْتِيكُمْ الْمَوْتُ وَبِالْعَكْسِ فِي مِثْلِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَصُومُ زَيْدٌ وَأَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ تُكْسَفُ الشَّمْسُ.

قُلْت الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَالْخُلُوِّ عَنْ الْمَوَانِعِ وَلَا يَمْتَنِعُ مُخَالَفَتُهُ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ كَمَا فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِي حَمْلِ الْيَوْمِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ وَيُعْلَمُ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ، وَفِي الثَّانِي عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَيُجْعَلُ التَّقْيِيدُ بِالْيَوْمِ مِنْ الْإِضَافَةِ مَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ حِينَ يَصُومُ أَوْ حِينَ تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ اهـ.

ثُمَّ لَفْظُ الْيَوْمِ يُطْلَقُ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ اتِّفَاقًا وَعَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْبَعْضِ فَيَصِيرُ مُشْتَرَكًا وَبِطَرِيقِ الْمَجَازِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ حَمْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْمَجَازِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالنَّهَارَ مِنْ طُلُوعِهَا إلَى غُرُوبِهَا، وَاللَّيْلَ لِلسَّوَادِ خَاصَّةً وَهُوَ ضِدُّ النَّهَارِ فَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت لَيْلًا لَمْ تَطْلُقْ إنْ دَخَلَتْ نَهَارًا لِأَنَّ اللَّيْلَ لَا يُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ عُرْفًا فَبَقِيَ اسْمًا لِسَوَادِ اللَّيْلِ وَضْعًا وَعُرْفًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: عَنَيْت بِهِ بَيَاضَ النَّهَارِ صُدِّقَ قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَدِيَانَةً لِأَنَّ مَا صُدِّقَ فِيهِ قَضَاءً صُدِّقَ فِيهِ دِيَانَةً وَلَا يَنْعَكِسُ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْيَوْمَ إنَّمَا يَكُونُ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ فِيمَا لَا يَمْتَدُّ إذَا كَانَ الْيَوْمُ مُنَكَّرًا أَمَّا إذَا كَانَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ الَّتِي لِلْعَهْدِ الْحُضُورِيِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِبَيَاضِ النَّهَارِ وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ وَلَا غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي اللَّيَالِي وَإِذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ فَهُوَ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تَدْخُلُ فِيهَا اللَّيَالِي اهـ.

وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَيْمَانٌ ثَلَاثَةٌ لِتَكْرَارِ حَرْفِ لَا، وَفِي الثَّانِي يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي التَّلْوِيحِ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا دَخَلَتْ اللَّيْلَةُ قُلْت وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ بَلْ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَيْنِ، وَفِي مِثْلِهِ يَسْتَتْبِعُ اسْمُ الْيَوْمِ اللَّيْلَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ فَإِنَّ الْيَوْمَ الْمُنْفَرِدَ لَا يَسْتَتْبِعُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ اللَّيْلِ اهـ.

وَمِنْ فُرُوعِ الْإِضَافَةِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ وَنَحْوُهُ قَالَ

ــ

[منحة الخالق]

الْقَوْلَيْنِ جَزَمَهُ بِأَنَّ الْكَلَامَ مَا يَمْتَدُّ زَمَانًا طَوِيلًا (قَوْلُهُ: وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. . . إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ لَمَّا كَانَتْ (الـ) فِيهِ لِلْعَهْدِ الْحُضُورِيِّ اقْتَصَرَ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ الْحَاضِرِ فَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَهُ لَيْلًا لَمْ يَحْنَثْ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ بِمَعْنَى لَا أُكَلِّمُك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَخَلَ فِيهِ اللَّيْلُ، وَفِي النَّهْرِ: لَوْ خَرَجَ الْفَرْعُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مِمَّا يَمْتَدُّ لَاسْتَغْنَى عَنْ هَذَا التَّقْيِيدِ اهـ.

وَمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ أَظْهَرُ لِاقْتِضَائِهِ التَّقْيِيدَ بِبَيَاضِ النَّهَارِ، وَإِنْ قِيلَ إنَّ الْكَلَامَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ بِخِلَافِهِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّقْيِيدِ عَلَى

ص: 299

فِي التَّلْخِيصِ: بَابُ مَا يَقَعُ بِالْوَقْتِ وَمَا لَا يَقَعُ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك بِشَهْرٍ لَغْوٌ لِسَبْقِهِ الْعَقْدَ كَطَالِقٍ أَمْسِ أَوْ قِرَانِهِ فَإِنَّهُ تَوَقَّفَ لِلتَّعَرُّفِ وَلَا شَرْطَ لَفْظًا لِيَتَأَخَّرَ وَقَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ أَوْ مَوْتِهِ وَاقِعٌ إنْ كَانَا بَعْدَ شَهْرٍ لِلْإِضَافَةِ، وَالْوَصْفُ فِي الْمِلْكِ مُقْتَصِرًا عِنْدَهُمَا لِلتَّوَقُّفِ مُسْنَدًا عِنْدَ زُفَرَ لِلْإِضَافَةِ كَذَا فِي الْعِتْقِ وَالْإِمَامُ مَعَهُمَا فِي الْقُدُومِ إذْ الْمُعَرَّفُ الْحَظْرُ شَرْطٌ مَعْنًى بِدَلِيلِ إنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ قُدُومُهُ مَعَهُ فِي الْمَوْتِ لِأَنَّهُ كَائِنٌ فَلَوْ عَرَّفَ الشَّهْرَ وَقَعَ بِأَوَّلِهِ كَقَبْلِ الْفِطْرِ فَيَنْزِلُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ تَوْسِيطًا بَيْنَ الظُّهُورِ، وَالْإِنْشَاءِ حَتَّى لَغَا الْخُلْعُ وَالْكِتَابَةُ عِنْدَهُ بِسَبَقِ الزَّوَالِ فَيَرُدُّ الْبَدَلَ إلَّا أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ الْعِدَّةِ

ــ

[منحة الخالق]

الْقَوْلِ الْآخَرِ مَعَ أَنَّ الْيَوْمَ مُعَرَّفٌ بِالْعَهْدِ الْحُضُورِيِّ فَكَيْفَ يَشْمَلُ غَيْرَهُ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: لَغْوٌ لِسَبْقِهِ الْعَقْدَ. . . إلَخْ) .

يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ لَغْوٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَطْلُقُ أَبَدًا إمَّا لِسَبْقِهِ الْعَقْدَ إنْ كَانَ الْعَقْدُ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ كَمَا فِي أَنْت طَالِقٌ أَمْسِ لِمَنْ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ إمَّا لِقِرَانِهِ الْعَقْدَ إنْ كَانَ لِتَمَامِ شَهْرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَهَذَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَوَقَّفَ عَلَى وُجُودِ التَّزَوُّجِ لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ بَلْ لِكَوْنِهِ مَصْرِفًا لِلشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الشَّهْرُ الْمُتَّصِلُ بِالتَّزَوُّجِ لَا أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ قَبْلَ شَهْرٍ فِي آخِرِهِ تَزَوَّجَ فَكَانَ الشَّهْرُ شَرْطًا يُعَرَّفُ بِأَوَّلِ زَمَانِ التَّزَوُّجِ فَيَكُونُ وُجُودُهُ قُبَيْلَ التَّزَوُّجِ فَيَنْزِلُ الْمَشْرُوطُ وَهُوَ الطَّلَاقُ عُقَيْبَ الشَّهْرِ مُقَارِنًا لِلتَّزَوُّجِ، وَالطَّلَاقُ شُرِعَ رَافِعًا لِلنِّكَاحِ فَلَا يَصْلُحُ مُقَارِنًا لَهُ وَلَا شَرْطَ لَفْظًا دَاخِلٌ عَلَى التَّزَوُّجِ فِي كَلَامِهِ لِيَتَأَخَّرَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَنْ التَّزَوُّجِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ شَهْرٍ وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ أَوْ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ فَيَقَعُ إنْ وُجِدَا بَعْدَ شَهْرٍ لِمَا ذَكَرَ مِنْ الْإِضَافَةِ، وَالْوَصْفِ فِي الْمِلْكِ حَيْثُ أَضَافَ طَلَاقَ مَنْكُوحَتِهِ إلَى شَهْرٍ مَوْصُوفٍ بِوَصْفٍ وَهُوَ الْقُدُومُ أَوْ الْمَوْتُ، وَقَدْ وُجِدَ، وَالْمَرْأَةُ فِي مِلْكِهِ، وَقَوْلُهُ: مُقْتَصِرًا حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي وَاقِعٌ أَيْ وَاقِعُ مُقْتَصِرًا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ عَلَى حَالِ الْقُدُومِ أَوْ الْمَوْتِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطٌ لِتَوَقُّفِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ مُسْتَنِدًا عِنْدَ زُفَرَ لِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الْوَقْتِ الْمَوْصُوفِ وَهُوَ شَهْرٌ يَتَّصِلُ بِآخِرِهِ قُدُومُ زَيْدٍ أَوْ مَوْتُهُ فَإِذَا وُجِدَ تَبَيَّنَ اتِّصَافُهُ مِنْ أَوَّلِهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَتُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَالْعِتْقُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَالْإِمَامُ مَعَهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الْقُدُومِ فَأَوْقَعَ الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقَ مُقْتَصِرًا لِأَنَّ الْقُدُومَ مُعَرِّفٌ لِلشَّرْطِ، وَالْمُعَرِّفُ إذَا كَانَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ شُرِطَ مَعْنًى، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ حَرْفُهُ بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ قُدُومُ زَيْدٍ إلَى شَهْرٍ فَأَنْت طَالِقٌ وَقَدِمَ لِتَمَامِهِ

فَإِنَّهَا تَطْلُقُ بَعْدَ قُدُومِهِ مُقْتَصِرًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْقُدُومُ مَعْلُومًا لَنَا تَوَقَّفَ الْحُكْمُ عَلَى ظُهُورِهِ لَنَا وَصَارَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ وَمَعَ زُفَرَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ فَأَوْقَعَهُمَا مُسْتَنِدًا لِأَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ مُعَرِّفًا لِلْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الطَّلَاقُ وَهُوَ الشَّهْرُ فَإِذَا عُرِفَ الشَّهْرُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِأَوَّلِهِ كَمَا فِي الشَّهْرِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَصْلِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ الْفِطْرِ بِشَهْرٍ وَمَعْرِفَةُ الشَّهْرِ فِي مَسْأَلَتِنَا تَتَحَقَّقُ بِظُهُورِ آثَارِ الْمَوْتِ فَصَارَ الْمُعَرِّفُ لِكَوْنِهِ شَهْرًا قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ تِلْكَ الْآثَارُ لَا الْمَوْتُ نَفْسُهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمُ الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِخِلَافِ الْقُدُومِ فَصَارَ الْمَوْتُ فِي الِابْتِدَاءِ مُظْهِرًا لِلشَّهْرِ، وَفِي الِانْتِهَاءِ شَرْطًا لِتَوَقُّفِ وُجُودِهِ عَلَيْهِ فَدَارَ بَيْنَ الظُّهُورِ، وَالْإِنْشَاءِ فَأَثْبَتْنَا حُكْمًا بَيْنَهُمَا وَهُوَ نُزُولُ الطَّلَاقِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ عِنْدَ وُجُودِ الْآثَارِ مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ تَوْسِيطًا بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِهِمَا كَذَا فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ: حَتَّى لَغَا. . . إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي الِاسْتِنَادِ، وَالِاقْتِصَارِ فَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ ثُمَّ خَلَعَهَا بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى أَلْفٍ أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْت حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ ثُمَّ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَمَامِ شَهْرٍ بَطَلَ الْخُلْعُ، وَالْكِتَابَةُ عِنْدَهُ لِسَبْقِ زَوَالِ الْمَحِلِّ فَيَرُدُّ الزَّوْجُ بَدَلَ الْخُلْعِ، وَالْمَوْلَى بَدَلَ الْكِتَابَةِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ زَيْدٌ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَدَاءِ الْمُكَاتَبِ وَلَغَا الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِشَهْرٍ قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ عِنْدَهُمَا لِقِرَانِهِ لِزَوَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقُ الْمُضَافُ إلَى حَالِ زَوَالِ النِّكَاحِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَعِنْدَهُ يَقَعُ حِينَ ظُهُورِ آثَارِ الْمَوْتِ لِقِيَامِ الْمَحَلِّ ثُمَّ يَسْتَنِدُ وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعِتْقِ يَعْنِي فِي أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ حَيْثُ يَقَعُ الْعَتَاقُ اتِّفَاقًا أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ.

وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِبَقَاءِ الْمِلْكِ بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ وَلِهَذَا إذَا قَالَ: أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ صَحَّ فَلَمْ يَكُنْ إضَافَةً إلَى حَالِ زَوَالِ الْمِلْكِ لَكِنْ يَعْتِقُ عِنْدَهُمَا مِنْ الثُّلُثِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْمَوْتِ فَكَانَ كَالْمُدَبَّرِ وَعِنْدَهُ مِنْ الْكُلِّ لِاسْتِنَادِهِ إلَى وَقْتٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْوَارِثِ بِهِ لَكِنَّ هَذَا لَوْ الْإِيجَابُ فِي الصِّحَّةِ وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ إجْمَاعًا وَلِلْمَوْلَى بَيْعُ الْعَبْدِ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ وَكَذَا بَعْدَهُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا لِاشْتِرَاطِ الْقَبْلِيَّةَ وَهِيَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ فَصَارَ كَقَوْلِهِ إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا وَلَوْ جُنِيَ عَلَى الْعَبْدِ بِأَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ فِي الشَّهْرِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى لِتَمَامِ الشَّهْرِ فَالْأَرْشُ لِلْعَبْدِ لَا الْمَوْلَى لَكِنْ عَلَى الْقَاطِعِ أَرْشُ الْقِنِّ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ لَا الْحُرِّ وَهُوَ نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُ ثَبَتَ مُسْتَنِدًا وَلَا اسْتِنَادَ فِي الْجُزْءِ الْفَائِتِ وَهُوَ الْيَدُ، وَالْأَرْشُ

ص: 300

لِفَوْتِ مَحَلِّ الْإِنْشَاءِ وَلَغَا طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ عِنْدَهُمَا لِقِرَانِ الْمَوْتِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ لَكِنْ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَهُمَا، وَالْكُلُّ عِنْدَهُ وَلَهُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ صِفَةٍ فِي الْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ مَعَهُ كَإِنْ مِتَّ وَدُفِنْت أَوْ مِنْ مَرَضِي وَلَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ فِي الشَّهْرِ فَالْأَرْشُ لَهُ لَكِنَّ أَرْشَ الْقِنِّ إذْ لَا اسْتِنَادَ فِي الْفَائِتِ، وَالْخَلَفُ كَالْأَصْلِ فِيمَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ الْمِلْكُ لَا الْعِتْقُ نَظِيرُهُ الْجِنَايَةُ عَلَى السَّاعِي فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ وَضَمَانُ التَّسْبِيبِ يَلْحَقُ الْمَيِّتَ بَعْدَ إعْتَاقِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ يَسْتَنِدُ فِي حَقِّ الدَّيْنِ دُونَ رَدِّ الْعِتْقِ بِسَبَبِهِ.

وَلَوْ بِيعَ النِّصْفُ عَتَقَ الْبَاقِي وَلَمْ يَفْسُدْ الْبَيْعُ إذْ الِاسْتِنَادُ عُدِمَ فِي حَقِّ الزَّائِلِ وَلَمْ يَضْمَنْ لِعَدَمِ الصُّنْعِ كَالْمِيرَاثِ وَلَوْ قَالَ قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو بِشَهْرٍ فَمَاتَ زَيْدٌ قَبْلَ شَهْرٍ لَمْ يَقَعْ أَبَدًا لِفَوَاتِ الْوَصْفِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ وَقَعَ لِتَعْيِينِ الشَّهْرِ وَهُوَ الْمُتَّصِلُ بِأَوَّلِ الْكَائِنَيْنِ كَقَبْلَ الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى بِخِلَافِ الْقُدُومِ، وَالْقِرَانُ مَبْنَى طَعْنِ الرَّازِيّ وَهُوَ مُحَالٌ فَلَا يُرَادُ كَذَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضِي حَيْضَةً بِشَهْرٍ وَرَأَتْ الدَّمَ ثَلَاثًا وَقَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ وَمَوْتِ عَمْرٍو وَقُدِّمَ لِأَنَّ الْبَاقِيَ كَائِنٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ عَمْرٌو اهـ.

وَتَوْضِيحُهُ فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ قَالَ: أَطْوَلُكُمَا حَيَاةً طَالِقٌ السَّاعَةَ لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَمُوتَ إحْدَاهُمَا فَإِذَا مَاتَتْ طَلُقَتْ الْأُخْرَى مُسْتَنِدًا اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ

ــ

[منحة الخالق]

الْخَلَفُ يُعْطَى حُكْمَ الْأَصْلِ فِي حَقٍّ يَقْبَلُهُ وَهُوَ اخْتِصَاصُ الْعَبْدِ بِهِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ دُونَ مَا لَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ الْعِتْقُ وَنَظِيرُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْوَلَدِ السَّاعِي فِي كِتَابَةِ أَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ فَإِنَّهُ إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ أَدَّى وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ وَعِتْقِ أَبِيهِ فِي آخِرِ حَيَاةِ الْأَبِ يَجِبُ أَرْشُهُ لَهُ قِنًّا لَا حُرًّا لِكَوْنِ الْخَلَفِ وَهُوَ الْأَرْشُ كَالْأَصْلِ وَهُوَ الْيَدُ فِيمَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلِابْنِ لَا فِيمَا لَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ وَكَذَا ضَمَانُ التَّسَبُّبِ فَإِنَّ الْمُوَرِّثَ إذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ مَاتَ عَنْ عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ ثُمَّ تَلِفَ بِالْبِئْرِ دَابَّةٌ تُسَاوِي الْعَبْدَ فَالضَّمَانُ يَسْتَنِدُ إلَى الْحَفْرِ فِيمَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ ثُبُوتُ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ حَتَّى يَضْمَنَ الْوَارِثُ قِيمَةَ الْعَبْدِ لَا فِيمَا لَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ رَدُّ الْعِتْقِ وَهَذَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الْقَطْعَ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ لِلِاقْتِصَارِ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ بِيعَ. . . إلَخْ أَيْ لَوْ بَاعَ الْمَوْلَى النِّصْفَ ثُمَّ مَاتَ زَيْدٌ لِتَمَامِ الشَّهْرِ عَتَقَ النِّصْفُ الْبَاقِي إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَفْسُدْ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا عَتَقَ الْبَاقِي مُسْتَنِدًا ظَهَرَ مِنْ وَجْهٍ أَنَّهُ مُعْتَقُ الْبَعْضِ فَهُوَ مُكَاتَبٌ كُلُّهُ وَبَيْعُهُ لَا يَجُوزُ.

وَالْجَوَابُ لَمْ يُكَاتِبْهُ الْمَوْلَى نَصًّا فَلَوْ ظَهَرَتْ الْكِتَابَةُ تَظْهَرُ ضَرُورَةُ عِتْقِ النِّصْفِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَالضَّرُورَةُ فِي ثُبُوتِ الْعِتْقِ فِي نَصِيبِهِ لَا فِي صَيْرُورَةِ الْآخَرِ مُكَاتَبًا وَلَمْ يَضْمَنْ لِمُشْتَرِي النِّصْفِ شَيْئًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ لِكَوْنِهِ ثَبَتَ حُكْمًا لِلْكَلَامِ السَّابِقِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَصَارَ كَمَا لَوْ وَرِثَ نِصْفَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ.

وَقَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَيْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو بِشَهْرٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ شَهْرٍ مِنْ وَقْتِ الْكَلَامِ فَاتَ الْوَصْفُ وَهُوَ الْقَبْلِيَّةَ عَلَى مَوْتِهِمَا بِشَهْرٍ فَفَاتَ الْمَوْصُوفُ وَهُوَ الْوَقْتُ الْمُضَافُ إلَيْهِ الطَّلَاقُ فَتَعَذَّرَ الْوُقُوعُ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ شَهْرٍ وَقَعَ مُسْتَنِدًا عِنْدَهُ إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ مُقْتَصِرًا عِنْدَهُمَا لَا يُنْتَظَرُ مَوْتُ الْآخَرِ لِتَعَيُّنِ الشَّهْرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الطَّلَاقُ وَهُوَ الْمُتَّصِلُ بِأَوَّلِ الْكَائِنَيْنِ وَهُمَا مَوْتُ زَيْدٍ وَعَمْرٍو لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلثَّانِي تَأْثِيرٌ فِي إيجَادِ الشَّرْطِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى بِشَهْرٍ يَقَعُ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ وَلَا يُنْتَظَرُ مَا بَعْدَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْقُدُومِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو بِشَهْرٍ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَقْدَمْ الْآخَرُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الشَّهْرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ اتِّصَالِهِ بِأَوَّلِهِمَا لِجَوَازِ أَنْ لَا يَقْدَمَ الْآخَرُ أَصْلًا فَكَانَ لِلثَّانِي تَأْثِيرٌ فِي إيجَادِ الشَّرْطِ فَإِذَا قَدِمَ طَلُقَتْ بِطَرِيقِ الِاقْتِصَارِ خِلَافًا لِزُفَرَ أَمَّا فِي الْمَوْتِ فَيَتَعَيَّنُ الشَّهْرُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا لِكَوْنِ مَوْتِ الْآخَرِ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ (قَوْلُهُ: وَالْقِرَانُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: مَبْنِيٌّ طَعَنَ الرَّازِيّ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقِيَاسَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ مَوْتُهُمَا أَوْ قُدُومُهُمَا وَهُوَ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ الرَّازِيّ طَعْنَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا بِشَهْرٍ وَمَوْتِ الْآخَرِ بِأَكْثَرَ كَانَ خِلَافَ الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الطَّلَاقُ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ اشْتِرَاطُ قِرَانِ مَوْتِهِمَا أَوْ قُدُومِهِمَا مُحَالٌ عَادَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُرِيدُ بِكَلَامِهِ الْمُمْتَنِعَ عَادَةً بَلْ الْمُعْتَادُ وَذَلِكَ شَهْرٌ قَبْلَ مَوْتِهِمَا عَلَى التَّعَاقُبِ لَا الْقِرَانِ كَمَا فِي قَبْلَ الْفِطْرِ، وَالْأَضْحَى بِشَهْرٍ.

(قَوْلُهُ: كَذَا قَبْلَ أَنْ تَحِيضِي. إلَخْ) لِتَعْلِيقِهِ الطَّلَاقَ بِشَهْرٍ قَبْلَ الْحَيْضَةِ وَصِفَةُ الْقَبْلِيَّةَ تَثْبُتُ بِالِاتِّصَالِ بِالْحَيْضَةِ فَصَارَ الِاتِّصَالُ شَرْطًا، وَالْحَيْضَةُ مُوجِدَةً لَهُ، وَالْمُوجِدُ لِلشَّرْطِ يُقَارِنُهُ الطَّلَاقُ لَكِنَّ التَّوَقُّفَ عَلَيْهِ ضَرُورَةُ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ لِمَا وَرَاءَ الثَّلَاثِ أَثَرٌ فِي إيجَادِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ إذَا حِضْت حَيْضَةً حَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِالطُّهْرِ إذْ لَا حَيْضَةَ إلَّا بَعْدَ الطُّهْرِ وَهُنَا عَلَّقَهُ بِشَهْرٍ قَبْلَهَا، وَالْحَيْضَةُ مُعَرِّفَةٌ لَهُ، وَقَدْ وُجِدَتْ وَهِيَ تَنْقَطِعُ لَا مَحَالَةَ وَكَذَا إذَا قَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ شَهْرٍ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ قَبْلَ قُدُومِهِ وَقَبْلَ مَوْتِ عَمْرو وَلِأَنَّ الْمَوْتَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ فَلَا يُنْتَظَرُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ عَمْرٌو أَوْ لَا حَيْثُ يُنْتَظَرُ قُدُومُ زَيْدٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ كَذَا فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: طَلُقَتْ الْأُخْرَى مُسْتَنِدًا) أَيْ عِنْدَهُ وَمُقْتَصِرًا عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ قَالَ

ص: 301

أَنْت طَالِقٌ إلَى قَرِيبٍ فَهُوَ إلَى مَا نَوَى لِأَنَّ مُدَّةَ الدُّنْيَا كُلَّهَا قَرِيبَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَإِلَى أَنْ يَمْضِيَ شَهْرٌ إلَّا يَوْمًا، وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ بِنِصْفِ الْأَلْفِ، وَالْأُخْرَى غَدًا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ ثُمَّ جَاءَ وَقَعَتْ أُخْرَى بِخَمْسِمِائَةٍ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ وَقَعَتْ أُخْرَى بِأَلْفٍ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ تَطْلِيقَةً بَائِنَةٌ وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ يَقَعُ لِلْحَالِ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً بِغَيْرِ شَيْءٍ فَإِذَا جَاءَ الْغَدُ وَقَعَتْ أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَاحِدَةً بِغَيْرِ شَيْءٍ وَغَدًا أُخْرَى بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الْيَوْمَ وَاحِدَةً بِغَيْرِ شَيْءٍ وَغَدًا أُخْرَى بِالْأَلْفِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَغَدًا أُخْرَى أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ انْصَرَفَ الْبَدَلُ إلَيْهِمَا فَتَقَعُ الْيَوْمَ وَاحِدَةً بِخَمْسِمِائَةٍ وَغَدًا أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا إذَا لَمْ يُضِفْ أَصْلًا.

وَكَذَا إذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ ثَلَاثًا وَغَدًا أُخْرَى بَائِنَةٌ أَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ وَاحِدَةً بِغَيْرِ شَيْءٍ وَغَدًا أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْبَدَلُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا فَيَقَعُ الْيَوْمَ وَاحِدَةً بِخَمْسِمِائَةٍ وَغَدًا أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ وَلَوْ وَصَفَ الثَّانِيَةَ فَقَطْ بِأَنْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَاحِدَةً وَغَدًا أُخْرَى أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بِأَلْفٍ أَوْ بِغَيْرِ شَيْءٍ بِأَلْفٍ أَوْ بَائِنَةٌ بِأَلْفٍ لَغَا ذَلِكَ الْوَصْفُ فَتَقَعُ وَاحِدَةً الْيَوْمَ بِخَمْسِمِائَةٍ وَأُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْوُجُوهَ عَشَرَةٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ لَا يَصِفَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا أَوْ يَصِفَ الْأُولَى فَقَطْ إمَّا بِالرَّجْعَةِ أَوْ بِالْبَيْنُونَةِ أَوْ بِكَوْنِهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ أَوْ يَصِفَ الثَّانِيَةَ فَقَطْ كَذَلِكَ أَوْ يَصِفَهُمَا جَمِيعًا كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى أَنْت طَالِقٌ قُبَيْلَ غَدٍ وَقُبَيْلَ قُدُومِ فُلَانٍ فَهُوَ قَبْلَ ذَلِكَ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ لِأَنَّ قُبَيْلَ وَقْتٍ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ هَذَا هُوَ الْجَوَابُ فِي قَوْلِهِ قُبَيْلَ قُدُومِ فُلَانٍ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَلَوْ قَالَ إذَا كَانَ ذُو الْقِعْدَةِ فَأَنْت طَالِقٌ، وَقَدْ مَضَى بَعْضُهُ فَهِيَ طَالِقٌ سَاعَةَ مَا تَكَلَّمَ اهـ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسَائِلَ تَتْمِيمًا لِلطَّلَاقِ الْمُضَافِ تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ وَهُوَ الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ.

قَوْلُهُ: (أَنَا مِنْك طَالِقٌ لَغْوٌ، وَإِنْ نَوَى وَتَبِينُ فِي الْبَائِنِ، وَالْحَرَامِ) يَعْنِي إذَا قَالَ أَنَا مِنْك بَائِنٌ أَوْ عَلَيْك حَرَامٌ فَإِنَّهَا تَبِينُ بِالنِّيَّةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ أَوْ الْقَيْدِ فَمَحَلُّ الطَّلَاقِ مَحَلُّهُمَا وَهِيَ مَحَلُّهُمَا دُونَهُ فَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ فَيَلْغُو وَأَمَّا حَجْرُهُ عَنْ أُخْتِهَا أَوْ خَامِسَةٍ فَلَيْسَ مُوجِبٌ نِكَاحَهَا بَلْ حَجْرٌ شَرْعِيٌّ ثَابِتٌ ابْتِدَاءً عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَخَمْسٍ لَا حُكْمًا لِلنِّكَاحِ وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا مَعَ أُخْتِهَا مَعًا أَوْ ضَمَّ خَمْسًا مَعًا لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ لِأَنَّ لَفْظَهَا مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَوَصْلَةُ النِّكَاحِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا فَصَحَّتْ إضَافَتُهَا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَالِمًا بِحَقِيقَتِهَا وَبِخِلَافِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ لِإِزَالَةِ الْحِلِّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا مِنْك وَعَلَيْك لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا بَائِنٌ أَوْ أَبَنْت نَفْسِي وَلَمْ يَقُلْ مِنْك أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ نَوَى لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ مُتَعَدِّدَةٌ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَنْت بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ حَيْثُ تَطْلُقُ إذَا نَوَى لِتَعْيِينِ إزَالَةِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْوَصْلَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فَطَلَّقَتْهُ لَا يَقَعُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ.

وَفِي الْقُنْيَةِ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى كَلِمَةِ " عَلَيَّ " مت وَكَذَا فِي سن فَقَالَ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنَا بَائِنٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنْك أَوْ أَنَا حَرَامٌ وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْك فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ قَالَ رضي الله عنه، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ ع لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ وَلَمْ يَقُلْ مِنِّي فَهُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا سَهْوٌ مِنْهُ حَيْثُ نَقَلَهُ مِنْ الْعُيُونِ، وَفِي الْعُيُونِ ذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ لَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا فَقَالَتْ لِلزَّوْجِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَنْت مِنِّي بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ وَقَعَ وَلَوْ قَالَتْ أَنْت بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ وَلَمْ تَقُلْ مِنِّي فَهُوَ بَاطِلٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ

ــ

[منحة الخالق]

الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ قُلْت فَيَلْزَمُهُ الْعُقْرُ لَوْ وَطِئَهَا بَيْنَهُمَا لَوْ كَانَ بَائِنًا وَيُرَاجِعُ لَوْ رَجْعِيًّا وَلَوْ قَالَ نَظِيرَهُ لِإِحْدَى أَمَتَيْهِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ ع) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَيْ مَعْزِيًّا إلَى الْعُيُونِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّهْرِ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ خِزَانَةَ الْأَكْمَلِ اسْمُ كِتَابٍ فِي سِتِّ مُجَلَّدَاتٍ تَصْنِيفُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ يُوسُفَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُرْجَانِيِّ وَنُسِبَ لِأَبِي اللَّيْثِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لِهَذَا كَذَا فِي تَاجِ التَّرَاجِمِ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ

ص: 302

نُسَخِ الْعُيُونِ وَلَوْ قَالَ بِغَيْرِ تَاءِ التَّأْنِيثِ وَظَنَّ صَاحِبُ الْأَكْمَلِ أَنَّهَا مَسْأَلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ وَظَنَّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعِنْدَ هَذَا ازْدَادَ سَهْوًا شَيْخُنَا نَجْمُ الْأَئِمَّةِ الْبُخَارِيُّ فَزَادَ فِيهَا لَفْظَةَ لَهَا فَقَالَ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ بَائِنٌ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْمَسْأَلَةُ مَعَ تَاءِ التَّأْنِيثِ مَذْكُورَةٌ فِي الْوَاقِعَاتِ الْكُبْرَى الْمَدَنِيَّةِ وَغَيْرِ الْمَدَنِيَّةِ فِي مَسَائِلِ الْعُيُونِ فَعُرِفَ بِهِ سَهْوُهُمَا اهـ.

وَالْحَاصِلُ مِنْ جِهَةِ الْأَحْكَامِ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْحُرْمَةَ أَوْ الْبَيْنُونَةَ إلَيْهَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ إلَيْهِ، وَإِنْ أَضَافَ إلَى نَفْسِهِ لَا يَقَعُ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ إلَيْهَا، وَإِنْ خَيَّرَهَا فَأَجَابَتْ بِالْحُرْمَةِ أَوْ الْبَيْنُونَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِضَافَتَيْنِ أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ أَنَا حَرَامٌ عَلَيْك أَنْتِ بَائِنٌ مِنِّي أَنَا بَائِنٌ مِنْك وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى الْمُوَفِّقُ وَقَدْ حُكِيَ فِي الْمِعْرَاجِ فِي مَسْأَلَةِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِزَوْجِهَا لَوْ كَانَ إلَيَّ مَا إلَيْك لَرَأَيْت مَاذَا أَصْنَعُ فَقَالَ جَعَلْت مَا إلَيَّ إلَيْك فَقَالَتْ طَلَّقْتُك فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَقَالَ خَطَّأَ اللَّهُ نَوْءَهَا هَلَّا قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي مِنْك وَرَوَى خَطَّ اللَّهُ وَصَوَّبَهُ النَّسَفِيُّ وَقَالَ لَا يَجُوزُ خَطَّأَ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ عَكْسَهُ، وَالنَّوْءُ كَوْكَبٌ تَسْتَمْطِرُ بِهِ الْعَرَبُ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا أَوْ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك لَغْوٌ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَقَعُ رَجْعِيَّةً لِصَرْفِ الشَّكِّ إلَى الْوَاحِدَةِ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْعَدَدِ بِدَلِيلِ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِطَالِقٍ لَبَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ فَيَلْغُو الْعَدَدُ وَمِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِطَالِقٍ لَكَانَ الْعَدَدُ فَاصِلًا فَوَقَعَ وَمِنْ أَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْعَدَدِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوُقُوعَ أَيْضًا بِالْمَصْدَرِ عِنْدَ ذِكْرِهِ وَكَذَا الْوُقُوعُ بِالصِّفَةِ عِنْدَ ذِكْرِهَا كَمَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ كَانَ الْوُقُوعُ بِأَلْبَتَّةَ حَتَّى لَوْ قَالَ بَعْدَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا لَا يَقَعُ وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ لَوَقَعَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ لِلسُّنَّةِ أَوْ بَائِنٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْإِيقَاعِ لَا لِلتَّطْلِيقَةِ فَيَتَوَقَّفُ الْإِيقَاعُ عَلَى ذِكْرِ الصِّفَةِ وَأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ الْمَوْتِ اهـ.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ بِالْأُولَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْعِتْقِ رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ أَلْبَتَّةَ فَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ أَلْبَتَّةَ فَإِنَّهُ يَمُوتُ عَبْدًا اهـ.

وَمُرَادُهُ مِنْ الْوَاحِدَةِ مُطْلَقُ الْعَدَدِ فَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوَّلًا عَلَى الْخِلَافِ وَقَيَّدَ بِالْعَدَدِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا لَا يَقَعُ فِي قَوْلِهِمْ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ غَيْرُ طَالِقٍ أَوْ أَنْت طَالِقٌ أَوْ لَا شَيْءَ أَوْ أَنْت طَالِقٌ أَوَّلًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّكَّ فِي الْإِيقَاعِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا لِأَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ، وَالْإِيقَاعُ إذَا لَحِقَهُ اسْتِثْنَاءٌ لَا يَبْقَى إيقَاعًا وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ كَانَ أَوْ أَنْت طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ لَوْلَا لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ، وَالْإِيقَاعُ إذَا لَحِقَهُ شَرْطٌ لَمْ يَبْقَ إيقَاعًا اهـ ثُمَّ قَالَ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ تَقَعُ وَاحِدَةً بِلَا خِيَارٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَفُلَانَةُ أَوْ فُلَانَةُ يَقَعُ عَلَيْهَا وَعَلَى إحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّ كَلِمَةَ التَّشْكِيكِ دَخَلَتْ بَيْنَ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ، وَالْأُولَى سَلِمَتْ عَنْ التَّشْكِيكِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ فُلَانَةُ وَفُلَانَةُ يَقَعُ عَلَى الْأَخِيرَةِ وَعَلَى إحْدَى الْأَوَّلِيَّيْنِ، وَالْبَيَانُ إلَيْهِ لِأَنَّ كَلِمَةَ التَّشْكِيكِ دَخَلَتْ عَلَى الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ لَا عَلَى الْأَخِيرَةِ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ أَوْ هَذِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي إحْدَى الْأَوَّلِيَّيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ وَهَذِهِ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الْأُولَى، وَالْأَخِيرَةُ وَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ.

وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الثَّالِثَةُ، وَالرَّابِعَةُ وَيَتَخَيَّرُ فِي الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لَا بَلْ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ لَا بَلْ هَذِهِ طَلُقَتْ الْأُولَى، وَالْأَخِيرَةُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ وَلَوْ قَالَ عَمْرَةُ طَالِقٌ أَوْ زَيْنَبُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَهَا خُيِّرَ فِي إيقَاعِهِ عَلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ لِأَنَّهُ عَلَّقَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَرُوِيَ خَطَّ اللَّهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: الْخَطُّ مِنْ الْخَطِيطَةِ وَهِيَ أَرْضٌ لَمْ تُمْطَرْ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ.

ص: 303

بِالدُّخُولِ طَلَاقًا مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُمَا وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ فُلَانَةُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَعَنَى بِهِ الْيَمِينَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْبَيَانِ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ وَلَمْ يَقْرَبْهَا يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُوقِعَ طَلَاقَ الْإِيلَاءِ أَوْ طَلَاقَ الصَّرِيحِ لِأَنَّهُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الطَّلَاقِ، وَالْتِزَامِ الْكَفَّارَةِ وَأَحَدُهُمَا لَا يَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ فَلَمْ يُلْزِمْهُ الْقَاضِي وَبَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْوَاقِعُ أَحَدُ الطَّلَاقَيْنِ وَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ فَيُلْزِمُهُ وَلَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ فَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقَعُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِي التَّلْخِيصِ مِنْ بَابِ الْحِنْثِ يَقَعُ بِالْوَاحِدَةِ، وَالِاثْنَيْنِ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ ذَا أَوْ ذَا وَذَا فَحِنْثُهُ بِالْأَوَّلِ أَوْ الْأَخِيرِينَ، وَفِي عَكْسِهِ بِالْآخِرِ أَوْ الْأَوَّلَيْنِ إذْ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ وَأَوْ بِمَعْنَى وَلَا لِتَنَاوُلِهَا نَكِرَةً فِي النَّفْيِ بِخِلَافِ ذَا حُرٌّ أَوْ ذَا وَذَا لِأَنَّهَا تَخُصُّ فِي الْإِثْبَاتِ فَأَشْبَهَ أَحَدُكُمَا حُرٌّ وَذَا أَوْ الْخَبَرُ مَعَادٌ ثَمَّةَ لَا هُنَا فَأَفْرَدَ الْمَعْطُوفَ بِعِتْقٍ كَمَا أَفْرَدَ بِالنِّصْفِ فِي نَظِيرَتِهِ فِي الْإِقْرَارِ اهـ.

وَذَكَرَ الشَّارِحُ الْفَارِسِيُّ أَنَّ الطَّلَاقَ كَالْعِتْقِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقَ، وَالْإِقْرَارَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا عُطِفَ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَوْ ثُمَّ عُطِفَ بِالْوَاوِ أَنَّ الثَّالِثَ الْمَعْطُوفَ بِالْوَاوِ يَثْبُتُ لَهُ الْحُكْمُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ فَيَعْتِقُ الثَّالِثُ وَتَطْلُقُ الثَّالِثَةُ وَيَكُونُ نِصْفُ الْمَالِ الْمُقِرُّ بِهِ لِلثَّالِثِ فِي قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَالتَّخْيِيرُ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ وَأَمَّا فِي الْأَيْمَانِ فَإِنَّمَا هُوَ جَمَعَ بَيْنَ الثَّالِثِ، وَالثَّانِي بِالْوَاوِ، وَالْأَوَّلُ ثَبَتَ لَهُ الْحُكْمُ وَحْدَهُ فَإِنْ كَلَّمَ الْأَوَّلَ وَحْدَهُ حَنِثَ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِكَلَامِ الْأَخِيرَيْنِ وَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِهِمَا، وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَحَاصِلُ أَوْ فِي الطَّلَاقِ إمَّا فِي أَصْلِهِ كَأَنْتِ طَالِقٌ أَوَّلًا لَا وُقُوعَ اتِّفَاقًا أَوْ بَعْدَ الْعَدَدِ فَكَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا أَوْ بَيْنَ عَدَدَيْنِ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ فِي الْمَدْخُولَةِ وَوَاحِدَةً فِي غَيْرِهَا أَوْ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فَطَلَاقٌ مُبْهَمٌ كَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ أَوْ بَيْنَ ثَلَاثِ نِسْوَةٍ وَاوٌ فِي الْأَخِيرَةِ فَقَطْ طَلُقَتْ الْأُولَى، وَالْبَيَانُ لَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَوْ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَاوٌ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ وَقَعَ عَلَى الْأَخِيرَةِ، وَالْبَيَانُ لَهُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَلَوْ بَيْنَ أَرْبَعٍ مُكَرَّرَةٍ بِأَنْ ذَكَرُوا فِي الثَّانِيَةِ، وَالْوَاوُ فِي الثَّالِثَةِ وَأَوْ فِي الرَّابِعَةِ طَلُقَتْ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ وَإِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ وَلَوْ ذَكَرَ الثَّانِيَةَ بِالْوَاوِ، وَالثَّالِثَةَ بِأَوْ وَكَذَا الرَّابِعَةَ بِالْوَاوِ طَلُقَتْ الْأُولَى، وَالْأَخِيرَةُ، وَالْبَيَانُ إلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ وَلَوْ أَدْخَلَ أَوْ عَلَى الثَّانِيَةِ فَقَطْ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ فِي الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ وَوَقَعَ عَلَى الثَّالِثَةِ، وَالرَّابِعَةِ.

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَعْنِي مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك فَلِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ وَمَوْتَهَا يُنَافِي الْمَحَلِّيَّةَ وَلَا بُدَّ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْمُوقِعِ، وَالْمَحَلِّيَّةِ فِي الْمُوقَعِ عَلَيْهَا إذْ الْمَعْنَى عَلَى تَعْلِيقِهِ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقِرَانِ بِدَلِيلِ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ دُخُولِك الدَّارَ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَاسْتَدْعَى وُقُوعَهُ تَقَدُّمَ الشَّرْطِ وَهُوَ الْمَوْتُ فَيَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ بَاطِلٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَلَكَهَا أَوْ شِقْصَهَا أَوْ مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ) أَيْ انْفَسَخَ لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ أَعْنِي مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَمِلْكَ النِّكَاحِ فِي الْأَوَّلِ وَلِاجْتِمَاعِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْمَمْلُوكِيَّةِ فِي الثَّانِي فَإِنْ قُلْت هَلْ ارْتَفَعَ أَثَرُ النِّكَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا ارْتَفَعَ أَصْلُهُ قُلْت لَا لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ مَلَكَهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ لَاعَنَهَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ ارْتَدَّتْ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَسُبِيَتْ لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِأَنَّ حُكْمَ اللِّعَانِ، وَالظِّهَارِ بَاقٍ فَحَرُمَ الِاسْتِمْتَاعُ، وَالِاجْتِمَاعُ مَعَهَا اهـ.

أَطْلَقَهُ فَانْصَرَفَ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ الْمِلْكُ الْمُسْتَقِرُّ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ مِلْكًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ كَمِلْكِ الْوَكِيلِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُضَعَّفِ وَكَمَا قَالُوا فِيمَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ تَزَوَّجَ حُرَّةً عَلَى رَقَبَةِ الْأَمَةِ ثُمَّ أَجَازَ ذَلِكَ مَوْلَاهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ مِلْكًا لِلْحُرَّةِ وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ يَنْتَقِلُ إلَى الزَّوْجِ أَوَّلًا فِي الْأَمَةِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهُ إلَى الْحُرَّةِ لِمَا أَنَّ مِلْكَهُ فِيهَا غَيْرُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَحِنْثُهُ بِالْأَوَّلِ أَوْ الْأَخِيرَيْنِ) لِأَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَلَوْ كَلَّمَ أَحَدَ الْأَخِيرَيْنِ فَقَطْ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُكَلِّمْ الْآخَرَ فَارِسِيٌّ (قَوْلُهُ: وَفِي عَكْسِهِ) أَيْ لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ ذَا وَذَا أَوْ ذَا فَحِنْثُهُ بِكَلَامِ الْأَخِيرِ أَوْ بِكَلَامِ الْأَوَّلَيْنِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ وَكَلِمَةَ أَوْ بِمَعْنَى وَلَا لِتَنَاوُلِهَا نَكِرَةً فِي النَّفْيِ فَتَعُمُّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ جَمَعَ بَيْنَ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ بِحَرْفِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا أُكَلِّمُ هَذَا وَلَا هَذَيْنِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي جَمَعَ بَيْنَ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي بِحَرْفِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَيْنِ وَلَا هَذَا فَارِسِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ الْخَبَرُ مُعَادٌ ثَمَّةَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لِلْمَعْطُوفِ، وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِإِفْرَادِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا حُرٌّ وَهَذَا حُرٌّ فَأَفْرَدَ الْمَعْطُوفَ بِعِتْقٍ عَلَى حِدَةٍ كَمَا أَفْرَدَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمَعْطُوفُ بِنِصْفِ الْمَالِ الْمُقَرِّ بِهِ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْإِقْرَارِ بِقَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ لِفُلَانٍ

ص: 304

مُسْتَقِرٍّ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمِلْكَ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَرَادَ مِنْ الْمِلْكِ حَقِيقَتَهُ فَخَرَجَ حَقُّ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ لَا يَنْفَسِخُ لِعَدَمِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ لَهُ لِقِيَامِ الرِّقِّ وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ، وَإِنْ مَنَعَ ابْتِدَاءَهُ فَإِنَّ الْمَوْلَى لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةُ مِلْكٍ لِوُجُودِ حَقِّ الْمِلْكِ بِخِلَافِ جَارِيَةِ الِابْنِ فَإِنَّ لِلْأَبِ نِكَاحَهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةُ مِلْكٍ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهَا وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ فَالثَّابِتُ لَهُ حَقُّ أَنْ يَتَمَلَّكَ وَهُوَ لَيْسَ بِمَانِعٍ، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالنِّكَاحِ.

وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ تَزَوَّجْ عَلَى رَقَبَتِك جَازَ إلَّا فِي الْحُرَّةِ لِقِرَانِ الْمُنَافِي، وَالْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ يَمْنَعُ إنْ لَمْ يُرْفَعْ كَالْعِدَّةِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا يُبَاعُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُدَبَّرًا صَحَّ بِقِيمَتِهِ فِي رَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ وَلَا يَتَضَمَّنُ الْفَسْخَ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَى رَقَبَتِك صَحَّ فِي الْجَمِيعِ وَتَسْمِيَتُهُ الرَّقَبَةَ لِلتَّقْدِيرِ كَمَا فِي عَبْدِ الْغَيْرِ وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ فِيهِ غَبَنٌ فَاحِشٌ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ وَهِيَ فُرَيْعَةُ التَّوْكِيلِ بِالتَّزْوِيجِ وَلَوْ خَالَعَ عَلَى رَقَبَتِهَا

ــ

[منحة الخالق]

وَفُلَانٍ، وَالنِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَ الْأَوَّلِينَ إذَا اصْطَلَحَا أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ فَالْخَبَرُ لَيْسَ بِمُعَادٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ فَارِسِيٌّ مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ. . . إلَخْ) أَيْ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ الْقِنِّ ذَلِكَ فَتَزَوَّجَ عَلَى رَقَبَتِهِ أَمَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ جَازَ لِوُجُودِ الرُّكْنِ بِالْإِذْنِ وَفَقْدِ الْمَانِعِ وَهُوَ مِلْكُ الزَّوْجَةِ رَقَبَتَهُ إذْ هُوَ لِمَوْلَاهَا وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَثْبُتُ لِلْأَمَةِ أَوَّلًا بِدَلِيلِ قَضَاءِ دُيُونِهَا مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ كَالْوَكِيلِ بِشِرَاءِ زَوْجَتِهِ أَوْ قَرِيبَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ حُرَّةً لِقِرَانِ الْمُنَافِي وَهُوَ مِلْكُهَا لَهُ لِلْعَقْدِ، وَالْمُنَافِي إذَا طَرَأَ عَلَى مِلْكِ النِّكَاحِ أَبْطَلَهُ فَإِذَا قَارَنَهُ أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ وُجُودَهُ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَ مُكَاتَبَةً إذْ لَوْ جَازَ لَثَبَتَ لَهَا حَقُّ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ جَوَازَ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ كَانَ لَا يَرْفَعُهُ إذَا طَرَأَ كَالْعِدَّةِ لَا تَرْفَعُ النِّكَاحَ كَمَا لَوْ وُطِئَتْ الْمَنْكُوحَةُ بِشُبْهَةٍ وَتَمْنَعُ انْعِقَادَهُ ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ: فَإِنْ دَخَلَ بِهَا) أَيْ الْعَبْدُ بِالْحُرَّةِ أَوْ بِالْمُكَاتَبَةِ وَجَبَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ دُخُولٌ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَيُبَاعُ عِنْدَهُ وَقَالَا يُتْبَعُ بَعْدَ عِتْقِهِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْإِذْنِ الْفَاسِدِ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَأْذُونُ بِالنِّكَاحِ عَلَى رَقَبَتِهِ مُدَبَّرًا صَحَّ النِّكَاحُ بِقِيمَتِهِ، وَالْمُسَمَّى فِي رَقَبَتِهِ يَسْعَى فِيهِ كَالْمُدَبَّرِ الْمَأْذُونِ أَمَّا صِحَّةُ النِّكَاحِ فَلِوُجُودِ الْإِذْنِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَمْلِكُ وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِيمَةِ فَلِأَنَّ الْمُسَمَّى وَهُوَ رَقَبَتُهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَقَدْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ لِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ لَا لِفَسَادِ الْعَقْدِ فَكَانَ كَالتَّزَوُّجِ عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ إذَا لَمْ يَجُزْ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا وَقَوْلُهُ: وَلَا يَتَضَمَّنُ الْفَسْخَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْمُكَاتَبُ يَقْبَلُ النَّفَلَ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى بِرِضَاهُ وَلِذَا لَوْ بَاعَهُ بِرِضَاهُ جَازَ وَيَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْكِتَابَةِ فَكَذَا إقْدَامُهُ عَلَى أَمْهَارِ رَقَبَتِهِ إذْ لَا تَصِيرُ مَهْرًا إلَّا بَعْدَ فَسْخِهَا فَيَصِيرُ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ فَيُوجَدُ الْمَانِعُ.

وَالْجَوَابُ أَنَّا لَوْ قُلْنَا بِتَضَمُّنِ إقْدَامِهِ فَسْخَهَا كَمَا فِي الْبَيْعِ لَزِمَ إبْطَالُ الْمُتَضَمَّنِ لَهُ وَهُوَ النِّكَاحُ وَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْمُقْتَضَى عَلَى وَجْهٍ يُبْطِلُ الْمُقْتَضَى بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذْ تَضَمُّنُهُ فَسْخَهَا لَا يُبْطِلُهُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ بَيْعَهُ بِرِضَاهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا فَسَخَاهَا.

(قَوْلُهُ: صَحَّ فِي الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ الصُّوَرِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالنِّكَاحِ لَا بِإِمْهَارِ رَقَبَتِهِ فَكَانَ فُضُولِيًّا فَلَمْ تَصِرْ مِلْكًا لِلْحُرَّةِ وَلَا لِمَوْلَى الْأَمَةِ وَتَسْمِيَةُ الرَّقَبَةِ مَهْرًا مِنْ الْعَبْدِ لِتَقْدِيرِ الْمَهْرِ بِهَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدِ الْغَيْرِ وَهَذَا لِأَنَّ أَمْرَ الْمَوْلَى لَهُ بِالنِّكَاحِ أَمْرٌ بِالْإِمْهَارِ فَيَنْعَقِدُ عَلَى قِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ لِأَنَّهَا أَقَلُّ جَهَالَةً وَقَالَا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ لَا يَصِحُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فُرَيْعَةُ التَّوْكِيلِ بِالتَّزْوِيجِ فَإِنَّهُ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَزَوَّجَهُ إيَّاهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ جَازَ وَلَزِمَهُ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ إلَّا لِدَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَالَعَ. . . إلَخْ) رَجُلٌ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ رَجُلٍ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَخَالَعَ السَّيِّدُ الْأَمَةَ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى رَقَبَتِهَا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ فِي حَقِّ الْبَدَلِ وَإِلَّا لَمَلَكَ الزَّوْجُ رَقَبَتَهَا مُقَارِنًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ مُنَافٍ لَهُ لِأَنَّهُ مَتَى صَحَّ الْخُلْعُ مَلَكَ الزَّوْجُ رَقَبَتَهَا فَيَبْطُلُ النِّكَاحَ فَيَبْطُلُ الْخُلْعُ لَكِنَّهَا تَبِينُ بِطَلْقَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ خُلْعًا بَقِيَ لَفْظُ الْخُلْعِ وَهُوَ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِدَلَالَةِ الْبَدَلِ عَلَى الطَّلَاقِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَصِحُّ الطَّلَاقُ أَيْضًا اعْتِبَارًا بِمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى رَقَبَتِهِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى حُرَّةً حَيْثُ بَطَلَ النِّكَاحُ أَصْلًا لِبُطْلَانِ التَّسْمِيَةِ.

لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمُنَافِيَ لِلنِّكَاحِ مُنَافٍ لِلطَّلَاقِ ضَرُورَةً إذْ لَا يُتَصَوَّرُ رَفْعُ النِّكَاحِ حَالَ عَدَمِهِ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ إسْقَاطَ الْمُنَافَاةِ وَاجِبٌ وَذَلِكَ بِإِسْقَاطِ أَدْنَى الْمُتَنَافِيَيْنِ وَهُوَ هُنَا الْمُسَمَّى لِأَنَّ الْمَالَ زَائِدٌ فِي الطَّلَاقِ لِصِحَّتِهِ بِدُونِهِ فَكَانَ أَوْلَى بِالرَّدِّ مِنْ الطَّلَاقِ كَمَا لَوْ خَلَعَ مُبَانَتَهُ عَلَى أَلْفٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ بِخِلَافِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ بِغَيْرِ مَالٍ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُ الْمَالِ أَصْلًا لِأَنَّ تَسْمِيَةَ السَّيِّدِ رَقَبَةَ الْأَمَةِ بَدَلًا فِي الْخُلْعِ صَحِيحَةٌ لِكَوْنِ الرَّقَبَةِ مَالًا مُتَقَوِّمًا وَصِحَّةُ التَّسْمِيَةِ تَنْفِي وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَالْمُنَافَاةُ تَنْفِي وُجُوبَ قِيمَةِ الْمُسَمَّى لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَيْهَا مِنْ قَضَايَا فَسَادِ تَسْمِيَةٍ لَا تَقْتَضِي بُطْلَانَ النِّكَاحِ لَوْ تَحَقَّقَتْ كَمَا فِي مَهْرِ الْمِثْلِ أَمَّا فَسَادُ تَسْمِيَةٍ يَكُونُ مُقْتَضَاهَا بُطْلَانَ النِّكَاحِ لَوْ تَحَقَّقَتْ فَلَا لِأَنَّ الْمُتَنَافِيَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ

ص: 305

فَإِنْ كَانَ حُرًّا لَا يَصِحُّ لِقِرَانِ الْمُنَافِي وَتَبِينُ لِأَنَّ الْمَالَ زَائِدٌ فَكَانَ أَوْلَى بِالرَّدِّ مِنْ الطَّلَاقِ كَمَا فِي خُلْعِ الْمُبَانَةِ أَمَّا النِّكَاحُ لَمْ يُشْرَعْ بِغَيْرِ مَالٍ، وَالتَّسْمِيَةُ تَنْفِي مَهْرَ الْمِثْلِ وَلِمُنَافَاةِ الْقِيمَةِ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا عَلَى رَقَبَتِهَا فَإِنْ كَانَ حُرًّا لَا يَصِحُّ وَتَقَعُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهُ صَرِيحٌ وَلَوْ كَانَ رَقِيقًا صَحَّ لِلْمُسَمَّى لِمَا مَرَّ وَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى رَقَبَةِ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا صَحَّ فِي غَيْرِ الْبَدَلِ بِحِصَّتِهَا مِنْ رَقَبَةِ الْبَدَلِ إذَا قُسِّمَتْ عَلَى مَهْرَيْهِمَا الْمُسَمَّى وَلَا يَقَعُ عَلَى الْأُخْرَى طَلَاقٌ لِلْمِلْكِ وَلَوْ خَالَعَ كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَى رَقَبَةِ الْأُخْرَى طَلُقَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِقِرَانِ الْمُنَافِي اهـ.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ اشْتَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَدْعِي قِيَامَ النِّكَاحِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ مَعَ الْمُنَافِي لَا مِنْ وَجْهٍ كَمَا فِي مِلْكِ الْبَعْضِ وَلَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا فِي مِلْكِ الْكُلِّ، وَالْعِدَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ الْوَطْءِ حَلَالًا مَعَ قِيَامِ الْعِدَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَوْرَدَ فِي الْكَافِي عَلَى قَوْلِهِمْ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لَوْ اشْتَرَاهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّزْوِيجُ بِهَا مِنْ آخَرَ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ قُلْنَا قَدْ قَالُوا إنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهَا مِنْ آخَرَ جَازَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا مِنْ آخَرَ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا فِي حَقِّ مَنْ اشْتَرَاهَا وَهَلْ تَجِبُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ اهـ.

وَهَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ قَيَّدَ بِشِرَائِهِ لِأَنَّهَا لَوْ مَلَكَتْهُ أَوْ شِقْصًا مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَعَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكُلِّ لِأَنَّ الْعِدَّةَ، وَإِنْ وَجَبَتْ لَكِنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ مَانِعٌ مِنْ مَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ وَأَطْلَقَ الشِّرَاءَ وَأَرَادَ الْمِلْكَ مَجَازًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الطَّلَاقِ وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهَا بَعْدَ الْمِلْكِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ ظُهُورِ الْعِدَّةِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَتْهُ بَعْدَمَا مَلَكَتْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِزَوَالِ الْمُنَافِي لِمَالِكِيَّةِ الطَّلَاقِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَالسُّكْنَى وَلَمْ يَقَعْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِيهِمَا لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطٍ أَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ آلَى مِنْهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ أَوْ جَاءَ وَقْتُ السُّنَّةِ أَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَالْعِتْقِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ، وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ قَبْلَ الْعِتْقِ لَمْ يَقَعْ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَالْبَيْعُ بَعْدَ الشِّرَاءِ كَالْعِتْقِ فِيمَا ذَكَرْنَا لِزَوَالِ الْمَانِعِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ.

وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: عَبْدٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَاشْتَرَتْهُ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ إذَا طَهُرَتْ فِي قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْحُرُّ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ ذَلِكَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الْمِلْكُ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمَهْرِ لَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ: رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ امْرَأَتَهُ مِنْ سَيِّدِهَا فَاشْتَرَاهَا، وَالزَّوْجُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَقَدْ انْتَقَضَ النِّكَاحُ وَلَا مَهْرَ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّ انْفِسَاخَ النِّكَاحِ حَصَلَ بِفِعْلِ الْمَوْلَى بِسُوءِ جَهْلٍ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلزَّوْجِ وَلَوْ بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا الزَّوْجُ مِنْ الرَّجُلِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ لِلْمَوْلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ انْتِقَاضَ النِّكَاحِ مُضَافٌ إلَى الْبَيْعِ الثَّانِي لَا إلَى بَيْعِ الْمَوْلَى فَحَصَلَتْ الْفُرْقَةُ بِفِعْلِ الزَّوْجِ لَا بِفِعْلِ الْمَوْلَى فَاسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمَهْرِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ مِنْ الْمَوْلَى الْأَوَّلِ لِلزَّوْجِ وَلَمْ يَعْرِفْ مِنْ الزَّوْجِ الْوَكَالَةَ بِهِ إلَّا بِقَوْلِ الْوَكِيلِ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَعَلَى الْآخَرِ الْيَمِينُ عَلَى عِلْمِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ وَعَاقِدٍ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ وَيَعْقِدُ لِغَيْرِهِ بِعَارِضِ تَوْكِيلٍ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا مَاتَ، وَالِدِي فَأَنْت حُرَّةٌ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ، وَالِدِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا إذَا مَاتَ، وَالِدِي فَأَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَمَاتَ الْوَالِدُ كَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ أَوَّلًا تَعْتِقُ وَلَا تَطْلُقُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى اسْتِقْصَاءٍ فِي الْمَبْسُوطِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا. . . إلَخْ) أَيْ وَكَذَا لَا يَصِحُّ إيجَابُ الْبَدَلِ لَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ عَلَى رَقَبَتِهَا إلَّا أَنَّهُ هُنَا يَقَعُ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ) أَيْ الزَّوْجُ رَقِيقًا قِنًّا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا صَحَّ الْخُلْعُ بِالْمُسَمَّى لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ وَهُوَ مِلْكُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ رَقَبَةَ الْآخَرِ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمَوْلَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَلَعَهُمَا. . . إلَخْ) حُرٌّ تَحْتَهُ أَمَتَانِ زَيْنَبُ وَعَمْرَةُ فَخَلَعَهُمَا سَيِّدُهُمَا عَلَى رَقَبَةِ عَمْرَةَ مَثَلًا صَحَّ فِي حَقِّ الَّتِي لَمْ يُعَيِّنْهَا لِلْبَدَلِ وَهِيَ زَيْنَبُ فَتَطْلُقُ بِحِصَّتِهَا مِنْ رَقَبَةِ عَمْرَةَ إذَا قُسِّمَتْ رَقَبَتُهَا عَلَى قَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهِمَا الْمُسَمَّى فَمَا أَصَابَ مَهْرَ زَيْنَبَ فَلِلزَّوْجِ وَمَا أَصَابَ مَهْرَ عَمْرَةَ بَقِيَ لِلْمَوْلَى وَإِنَّمَا صَحَّ الْخُلْعُ فِي حَقِّ زَيْنَبَ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ لِأَنَّ طَلَاقَهَا لَا يُقَارِنُ مِلْكَ الزَّوْجِ فِيهَا وَلَا يَقَعُ عَلَى عَمْرَةَ طَلَاقٌ لِمِلْكِ الزَّوْجِ بَعْضَ رَقَبَتِهَا مُقَارِنًا لِلطَّلَاقِ لِثُبُوتِ الْعِوَضِ، وَالْمُعَوَّضِ مَعًا وَلَوْ خَالَعَ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى رَقَبَةِ صَاحِبَتِهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ رَقَبَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا يُقَارِنُ الْمُنَافِي وَهُوَ الْوُقُوعُ فَصَحَّ الْخُلْعُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ دُونَ الْبَدَلِ لِمَا مَرَّ هَذَا مَا لَخَّصْته مِنْ شَرْحِ الْفَارِسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

ص: 306

اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ مَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةَ مُوَرِّثِهِ ثُمَّ قَالَ لَهَا إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى، وَالزَّوْجُ وَارِثُهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُضَافٌ إلَى حَالِ زَوَالِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُ الْأَمَةَ مُقَارِنًا لِزَوَالِهَا عَنْ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَزَوَالُ النِّكَاحِ يَثْبُتُ مُقَارِنًا بِدُخُولِهَا فِي مِلْكِ الزَّوْجِ لِأَنَّ هَذِهِ أَشْيَاءُ مُتَضَادَّةٌ مُتَنَافِيَةٌ وَمِلْكُ الْيَمِينِ يُضَادُّ مِلْكَ النِّكَاحِ فِي حَقِّ أَحْكَامِهِ وَثَمَرَاتُهَا وَثُبُوتُ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ يَكُونُ مُقَارِنًا لِذَهَابِ الضِّدِّ الْآخَرِ لَا مُرَتَّبًا عَلَيْهِ كَثُبُوتِ السَّوَادِ يَكُونُ مُقَارِنًا لِذَهَابِ الْبَيَاضِ وَكَقَدَحٍ مَمْلُوءٍ مِنْ الْمَاءِ إذَا أُلْقِيَ فِيهِ حَجَرٌ وَخَرَجَ الْمَاءُ يَكُونُ خُرُوجُ الْمَاءِ مُقَارِنًا لِدُخُولِ الْحَجَرِ لَا مُرَتَّبًا عَلَيْهِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْقَدَحُ وَاسِعًا لِلْحَجَرِ ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَاءُ بَعْدَهُ وَإِضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى حَالِ زَوَالِ النِّكَاحِ لَا يَصِحُّ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الطَّلَاقَ مُضَافٌ إلَى حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ لِأَنَّ زَوَالَ النِّكَاحِ يَتَرَتَّبُ عَلَى مِلْكُ الْوَارِثِ وَمُلْكُ الْوَارِثِ يَتَرَتَّبُ عَلَى انْقِطَاعِ مِلْكِ الْمَيِّتِ وَهَذِهِ أَحْوَالٌ مُتَعَاقِبَةٌ مُتَرَادِفَةٌ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْمُقَارَنَةِ يُؤَدِّي إلَى اسْتِحَالَةٍ وَهُوَ سَبْقُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ عَلَى الْعِلَّةِ، وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعِلَّةِ فَالشِّرَاءُ مَا لَمْ يَتِمَّ لَا يَزُولُ مِلْكُ الْبَائِعِ وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي.

وَهَكَذَا نَقُولُ فِي قَدَحِ الْمَاءِ يَتَرَتَّبُ خُرُوجُ الْمَاءِ عَلَى دُخُولِ الْحَجَرِ وَلَا يَقْتَرِنَانِ لِاسْتِحَالَةِ إثْبَاتِ الْخُرُوجِ قَبْلَ دُخُولِ الْحَجَرِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْخُرُوجِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِأَمَةِ مُوَرِّثِهِ إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْت حُرَّةٌ فَمَاتَ الْمَوْلَى لَا تَعْتِقُ وَقَالَ زُفَرُ: وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ تَعْتِقُ لِأَنَّ مَوْتَ الْمُوَرِّثِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْوَارِثِ فَقَدْ أَضَافَهُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ فَصَحَّ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ وَرِثْتُك وَلَنَا أَنَّ شَرْطَ الْعِتْقِ وَهُوَ الْمَوْتُ وُجِدَ حَالَةَ انْقِطَاعِ مِلْكِ الْمَيِّتِ لَا حَالَ قِيَامِ مِلْكِ الْوَارِثِ فَيَكُونُ مِلْكُ الْحَالِفِ بَعْدَ الْعِتْقِ بِسَاعَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ الْعِتْقُ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ وَلَا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَمْ يُوضَعْ سَبَبًا لِإِفَادَةِ مِلْكِ الْوَارِثِ بَلْ سَبَبُ مِلْكِهِ هُوَ الْقَرَابَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَمَّا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ بِأَنْ قَالَ إنْ مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَقَعَانِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بِالطَّلَاقِ فَقَطْ، وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ: رَجُلٌ تَحْتَهُ أَمَتَانِ فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثُمَّ اشْتَرَى إحْدَاهُمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ خَرَجَ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الطَّلَاقِ لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ فَتَعَيَّنَتْ الثَّانِيَةُ كَمَا لَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا فَإِنْ اشْتَرَاهُمَا بَطَلَ خِيَارُ التَّعْيِينِ لِبُطْلَانِ النِّكَاحِ فَإِنْ جَامَعَ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَ الطَّلَاقُ فِي الْأُخْرَى.

(قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ فَأَعْتَقَ لَهُ الرَّجْعَةُ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّطْلِيقَ إذْ هُوَ السَّبَبُ حَقِيقَةً بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْعِتْقِ فَإِنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ ذَكَرَ الْإِعْتَاقَ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ الْعِتْقَ فَالْمُرَادُ بِهِ الْإِعْتَاقُ لِأَنَّ الْعِتْقَ حُكْمُهُ فَاسْتُعِيرَ الْحُكْمُ لِلْعِلَّةِ فَكَانَ مَجَازًا فِيهِ وَعَلَى هَذَا فَإِعْمَالُهُ فِي لَفْظِ إيَّاكَ إمَّا عَلَى اعْتِبَارِ إرَادَةِ الْفِعْلِ بِهِ إعْمَالُ الْمُسْتَعَارِ لِلْمَصْدَرِ أَوْ عَلَى اعْتِبَارِ إعْمَالِ اسْمِ الْمَصْدَرِ كَأَعْجَبَنِي كَلَامُك زَيْدًا وَإِلَّا فَالْعِتْقُ قَاصِرٌ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ فِي الْمَفْعُولِ الْمُتَعَدِّي وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مُعَلَّقٌ بِهِ مَعَ كَوْنِ حَقِيقَةِ مَعَ لِلْقِرَانِ لِأَنَّهَا قَدْ تُذْكَرُ لِلْمُتَأَخِّرِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُقَارِنِ بِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ بَعْدَهُ وَنَفْيِ الرَّيْبِ عَنْهُ كَمَا فِي الْآيَةِ {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6] فَصَارَ هَذَا الْمَعْنَى مُحْتَمِلًا لَهَا وَصُيِّرَ إلَيْهِ بِمُوجِبٍ وَهُوَ وُجُودُ مَعْنَى الشَّرْطِ لَهَا وَهُوَ تَوَقُّفُ حُكْمٍ عَلَى ثُبُوتِ مَعْنَى مَا بَعْدَهَا الْمَعْدُومِ حَالَ التَّكَلُّمِ وَهُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَإِنْ كَانَ الْإِعْتَاقُ شَرْطًا لِلتَّطْلِيقِ فَيُوجَدُ تَطْلِيقُ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَهُ مُقَارِنًا لِلْعِتْقِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْإِعْتَاقِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ الْمُتَأَخِّرُ عَنْ التَّطْلِيقِ بَعْدَهُ فَيُصَادِفُهَا حُرَّةً فَيَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ، وَإِنْ كَانَ الْعِتْقُ فَأَظْهَرُ لِكَوْنِهِ مُقَارِنًا لِلتَّطْلِيقِ، وَالطَّلَاقُ يَعْقُبُهُمَا فَيَقَعُ وَهِيَ حُرَّةٌ، وَفِي الْكَافِي لِأَنَّهُ جَعَلَ التَّطْلِيقَ مُتَّصِلًا بِالْعِتْقِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِأَنْ يَتَعَلَّقَ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ تَعَلُّقَ الشَّرْطِ بِالْمَشْرُوطِ أَوْ يَتَعَلَّقَ أَحَدُهُمَا بِالْآخِرِ تَعَلُّقَ الْعِلَّةِ بِالْمَعْلُولِ أَوْ يَتَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ أَوْ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَيَنْزِلَا عِنْدَهُ، وَالثَّالِثُ مُنْتَفٍ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَعَلَّقَا بِشَرْطٍ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: بِأَنْ قَالَ إنْ مَاتَ مَوْلَاك) لَعَلَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا، وَالْأَصْلُ إنْ مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَإِنْ مَاتَ. . . إلَخْ أَوْ الْأَصْلُ بِأَنْ قَالَ: وَإِنْ مَاتَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ سَابِقًا إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَلْيُرَاجَعْ.

ص: 307

وَاحِدٍ أَوْ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا الثَّانِي لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَوْلَى لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِتَطْلِيقِ الزَّوْجِ وَكَذَا تَطْلِيقُهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِإِعْتَاقِهِ فَتَعَيَّنَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَاسْتَحَالَ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْعِتْقُ بِالتَّطْلِيقِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَزُولُ مِلْكُ الْمَالِكِ بِلَا رِضَاهُ فَيَتَعَيَّنُ تَعَلُّقُ الطَّلَاقِ بِالْإِعْتَاقِ، وَالْمُعَلَّقُ بِهِ التَّطْلِيقُ لَا الطَّلَاقُ عِنْدَنَا لِمَا قَرَرْت فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْأُصُولِ أَنَّ أَثَرَ التَّعَلُّقِ فِي مَنْعِ السَّبَبِ لَا فِي مَنْعِ الْحُكْمِ عِنْدَنَا.

وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْحُكْمُ ضَرُورَةَ امْتِنَاعِ السَّبَبِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَيَصِيرُ التَّصَرُّفُ تَطْلِيقًا عِنْدَ الشَّرْطِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ صَارَ تَطْلِيقًا زَمَنَ التَّكَلُّمِ إلَى آخِرِهِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْت طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك حَيْثُ يَتَأَتَّى فِيهِ التَّقْرِيرُ الْمَذْكُورُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إذَا تَزَوَّجَهَا وَحَاصِلُ مَا أَجَابُوا بِهِ أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّعْلِيقَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ وَبِمَعْنَاهُ بَعْدَ النِّكَاحِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالصَّرِيحِ كَإِنْ وَنَحْوِهِ الْمَوْضُوعَةِ لِلتَّعْلِيقِ وَلِذَا صَحَّ التَّعْلِيقُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ وَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ: لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَبَعًا لِمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِأَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا قَامَ عَلَى مِلْكِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ فَتَعَلَّقَ بِمَا يُوجِبُ مَعْنَاهُ كَيْفَمَا كَانَ اللَّفْظُ، وَالتَّقْيِيدُ بِلَفْظٍ خَاصٍّ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمَعْنَى تَحَكُّمٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مَعَ النِّكَاحِ يَتَنَافَيَانِ فَلَمْ تَصِحَّ الْحَقِيقَةُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ، وَالْعِتْقَ لَا يَتَنَافَيَانِ، وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ تَحْتَهُ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ دَخَلَ بِهِمَا فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَأُعْتِقَتْ الْأَمَةُ فَعَيَّنَ الطَّلَاقَ فِي الْأَمَةِ فِي مَرَضِهِ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ وَلَا تَحِلُّ إلَّا بِزَوْجٍ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُبْهَمَ فِي حَقِّ الْمُوقِعِ نَازِلٌ رَجُلٌ تَحْتَهُ أَمَتَانِ فَقَالَ الْمَوْلَى إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ فَقَالَ الزَّوْجُ الْمُعْتَقَةُ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ الزَّوْجَ جَعَلَ إيقَاعَهُ بِنَاءً عَلَى إيقَاعِ الْمَوْلَى الْعِتْقَ وَخِيَارُ الْبَيَانِ لِمَنْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْإِبْهَامِ وَهُوَ الْمَوْلَى وَمَلَكَ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّهُ طَلَّقَ فِي حَالِ الْحُرِّيَّةِ، وَالْحُرِّيَّةُ لَا تَحْرُمُ بِالثِّنْتَيْنِ وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَقَالَ الْمَوْلَى: الْمُطَلَّقَةُ مُعْتَقَةٌ فَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُجْمِلُ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ صَادَفَهَا، وَهِيَ أَمَةٌ فَتَحْرُمُ بِالثِّنْتَيْنِ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى فِي الصُّورَةِ الْأُولَى قَبْلَ الْبَيَانِ عَتَقَ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَخُيِّرَ الزَّوْجُ فِي بَيَانِ الْمُطَلَّقَةِ لِوُقُوعِ الْيَأْسِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَجُعِلَ الْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا لَوْ غَابَ الْمَوْلَى لَا يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى الْبَيَانِ لِعَدَمِ الْيَأْسِ اهـ. .

قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَعَلَّقَ عِتْقُهَا وَطَلْقَتَاهَا بِمَجِيءِ الْغَدِ فَجَاءَ لَا) يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْت حُرَّةٌ وَقَالَ زَوْجُهَا: إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَجَاءَ الْغَدُ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْعِلَّةَ وَالْمَعْلُولَ يَقْتَرِنَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فِي الْخَارِجِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ الْمَعْلُولَ يَعْقُبُهَا بِلَا فَصْلٍ وَمِنْهُمْ خَصُّوا الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ فَجَعَلُوهَا تَسْتَعْقِبُ الْمَعْلُولَ بِخِلَافِ الْعَقْلِيَّةِ كَالِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ وَاخْتَارَ الْقَوْلَ الثَّانِي فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَقْلِيَّةً أَوْ شَرْعِيَّةً حَتَّى إنَّ الِانْكِسَارَ يَعْقُبُ الْكَسْرَ فِي الْخَارِجِ غَيْرَ أَنَّهُ لِسُرْعَةِ إعْقَابِهِ مَعَ قِلَّةِ الزَّمَنِ إلَى الْغَايَةِ إذَا كَانَ آنِيًّا لَمْ يَقَعْ تَمْيِيزُ التَّقَدُّمِ، وَالتَّأَخُّرِ فِيهِمَا وَهَذَا لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ لَا يَقُومُ بِهِ التَّأْثِيرُ قَبْلَ وُجُودِهِ وَحَالَةَ خُرُوجِهِ مِنْ الْعَدَمِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكْمُلَ هُوِيَّتُه لِيَقُومَ بِهِ عَارِضٌ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرًا، وَفِي التَّلْوِيحِ لَا نِزَاعَ فِي تَقَدُّمِ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ بِمَعْنَى احْتِيَاجِهِ إلَيْهَا وَيُسَمَّى التَّقْدِيمُ بِالْعَلِيَّةِ وَبِالذَّاتِ وَلَا فِي مُقَارَنَةِ الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ لِمَعْلُولِهَا بِالزَّمَانِ كَيْ لَا يَلْزَمَ التَّخَلُّفُ، وَالْخِلَافُ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ.

وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمِنْ الْأَوْجَهِ لِمُحَمَّدٍ أَنَّهُمَا لَمَّا تَعَلَّقَا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ زَمَنَ نُزُولِ الْحُرِّيَّةِ فَيُصَادِفُهَا وَهِيَ حُرَّةٌ لِاقْتِرَانِهِمَا وُجُودًا فَلَا تَحْرُمُ بِهَا حُرْمَةً غَلِيظَةً قُلْنَا الْمُتَعَلِّقَانِ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ يَقْتَضِي أَنْ يُصَادِفَهَا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي صَادَفَهَا عَلَيْهَا الْعِتْقُ وَهِيَ الرِّقُّ فَتَغْلُظُ الْحُرْمَةُ بِلَا شَكٍّ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ هُنَاكَ شَرْطٌ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ) يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ لِأَنَّهَا حُكْمُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا مَأْخُوذٌ مِمَّا فِي الشَّرْحِ حَيْثُ قَالَ فِي جَوَابِ أَصْلِ الْإِشْكَالِ قُلْنَا إنَّمَا تَرَكْنَا الْحَقِيقَةَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الزَّوْجَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ تَنْجِيزًا وَتَصَرُّفُهُ نَافِذٌ فَلَزِمَ مِنْ صِحَّتِهِ تَعَلُّقُهُ بِهِ وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَمْلِكُ الْيَمِينَ فَإِنْ صَحَّ التَّرْكِيبُ بِذِكْرِ حُرُوفِهِ كَإِنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ صَحَّ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْيَمِينِ مَعَ الْمُنَافِي فِيمَا لَمْ يَلْزَمْ الْعُدُولُ فِيهِ عَنْ الْحَقِيقَةِ، وَفِيمَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى التَّنَافِي، وَالطَّلَاقُ، وَالْعِتْقُ لَا يَتَنَافَيَانِ اهـ. مُلَخَّصًا.

وَأَنْتَ إذَا تَحَقَّقْته عَلِمْت أَنَّ مَا أَجَابَ بِهِ فِي الْبَحْرِ لَا يَمَسُّ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي نَفْسِهِ إذْ صِحَّةُ الْحَقِيقَةِ لَيْسَ هُوَ الْمُدَّعِي لِيَتَرَتَّبَ نَفْيُهَا عَلَى التَّنَافِي اهـ. فَتَأَمَّلْهُ

ص: 308

الطَّلَاقِ فَتَعَقَّبَهُ أَوْ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهَا وَكَذَا يُحْتَاطُ فِي الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَرِيضًا لَا تَرِثُ مِنْهُ لِأَنَّهُ حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَقْصِدْ الْفِرَارَ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِهِ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَقَعَانِ مَعًا ثُمَّ الطَّلَاقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ رَقِيقَةٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ

(قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَهِيَ ثَلَاثٌ) لِأَنَّ هَذَا تَشْبِيهٌ بِعَدَدِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَهُوَ الْعَدَدُ الْمُفَادُ كَمِّيَّتُهُ بِالْأَصَابِعِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِذَا لِأَنَّ الْهَاءَ لِلتَّنْبِيهِ، وَالْكَافَ لِلتَّشْبِيهِ وَذَا لِلْإِشَارَةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِثَلَاثٍ لِأَنَّهُ لَوْ أَشَارَ بِوَاحِدَةٍ فَوَاحِدَةٌ أَوْ ثِنْتَيْنِ فَثِنْتَانِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ مِنْهَا دُونَ الْمَضْمُومَةِ لِلْعُرْفِ وَلِلسُّنَّةِ وَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ، وَالْإِشَارَةُ بِالْكَفِّ أَنْ تَقَعَ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ ذَكَرَهَا فِي الْمِعْرَاجِ الْأَوَّلُ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَوْ جَعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَيْهَا، وَالْأَصَابِعَ الْمَنْشُورَةَ إلَى نَفْسِهِ دُيِّنَ قَضَاءً وَلَوْ جَعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَى نَفْسِهِ وَبُطُونَ الْأَصَابِعِ إلَيْهَا لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ الثَّانِي لَوْ كَانَ بَاطِنُ الْكَفِّ إلَى السَّمَاءِ فَالْعِبْرَةُ إلَى النَّشْرِ، وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ فَالْعِبْرَةُ إلَى الضَّمِّ، وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ نَشْرًا عَنْ ضَمٍّ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ، وَإِنْ كَانَ ضَمًّا عَنْ نَشْرٍ فَالْعِبْرَةُ لِلضَّمِّ اعْتِبَارًا لِلْعَادَةِ اهـ.

وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ هَكَذَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ لِفَقْدِ التَّشْبِيهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي فَأَشَارَ إلَيْهَا بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَأَرَادَ بِهِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَقُلْ هَكَذَا لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ وَقَعَ بِالضَّمِيرِ، وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالضَّمِيرِ اهـ.

وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ مِثْلُ هَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ يَقَعُ ثَلَاثٌ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِثَلَاثٍ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ هَكَذَا فَهُوَ لَغْوٌ وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُشْعِرُ بِهِ، وَالنِّيَّةُ لَا تُؤَثِّرُ بِغَيْرِ لَفْظٍ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَعْلِيلِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ عُرْفًا وَشَرْعًا إذَا اقْتَرَنَتْ بِالِاسْمِ الْمُبْهَمِ اهـ.

وَلَا طَلَاقَ هُنَا يُشَارُ إلَيْهِ بِهِ فَتَأَمَّلْ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ إلَى الْآنَ ثُمَّ رَاجَعْت أَحْكَامَ الْإِشَارَةِ مِنْ الْأَشْبَاهِ، وَالنَّظَائِرِ فَوَجَدْته قَالَ وَلَمْ أَرَ الْآنَ أَنْتِ هَكَذَا مُشِيرًا بِأَصَابِعِهِ وَلَمْ يَقُلْ طَالِقٌ اهـ.

أَقُولُ: وَقَدْ رَأَيْت الْحُكْمَ كَمَا ذَكَرْته بِالْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ كَشَرْحِ الرَّوْضِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا وَغَيْرِهِ وَلَا شَيْءَ مِنْ قَوَاعِدِنَا يُنَافِيهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْإِشَارَةُ بِالْكَفِّ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورِ وَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ فِي الدِّرَايَةِ الْإِشَارَةُ بِالْكَفِّ أَنْ تَقَعَ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً فَاَلَّذِي يَثْبُتُ بِالنِّيَّةِ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ الْأَصَابِعُ الثَّلَاثُ مَنْشُورَةً فَقَطْ حَتَّى يَقَعَ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ دِيَانَةً، وَفِي الثَّانِيَةِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ اهـ.

قُلْت وَحَاصِلُ كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الثَّلَاثُ مَنْشُورَةً تَقَعُ ثَلَاثٌ وَتَصِحُّ فِيهَا نِيَّتُهُ دِيَانَةً فِي الْأُولَى أَيْ فِيمَا إذَا نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ فَتَقَعُ ثِنْتَانِ.

وَكَذَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ دِيَانَةً فِي الثَّانِيَةِ أَيْ فِيمَا إذَا نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ فَتَقَعُ وَاحِدَةً وَلَمَّا كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ الْمَنْشُورَةَ دُونَ الْمَضْمُومَةِ وَدُونَ الْكَفِّ لَمْ يُصَدَّقُ قَضَاءً وَمُقْتَضَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً وَنَوَى الْكَفَّ أَنَّهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ خَصَّ صِحَّةَ نِيَّةِ الْكَفِّ دِيَانَةً بِمَا إذَا كَانَتْ الثَّلَاثُ مَنْشُورَةً وَهَذَا خِلَافُ مَا فَهِمَهُ الْمُؤَلِّفُ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً فِي نِيَّةِ الْإِشَارَةِ بِالْكَفِّ إذَا كَانَتْ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ صُدِّقَ قَضَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْمَعْقُودَتَيْنِ اهـ.

فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ كُلُّهَا مَنْشُورَةً وَكَلَامُ غَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً فَقَطْ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَعْضُهَا مَنْشُورًا وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ نَشْرَ الْكُلِّ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ بَلْ أَرَادَ الْكَفَّ وَيَظْهَرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ كَانَتْ كُلُّ الْأَصَابِعِ مَضْمُومَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعْضُهَا مَنْشُورًا فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِشَارَةَ بِالْمَنْشُورَةِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً أَنَّهُ أَرَادَ الْمَضْمُومَ مِنْهَا أَوْ الْكَفَّ وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً فَقَطْ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي هُنَا فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَنْشُورَةِ دُونَ الْمَضْمُومَةِ بِلَا تَفْصِيلٍ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حِكَايَةُ الْأَقْوَالِ بَعْدَهُ وَكَذَا قَوْلُ الْفَتْحِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ اهـ.

فَلَيْسَ قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ: وَالْإِشَارَةُ. . . إلَخْ كَمَا فَهِمَهُ الْعَلَائِيُّ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَإِنْ نَوَى بِهِ الثَّلَاثَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْخَانِيَّةِ وَبِهِ يُعْلَمُ جَوَابُ مَا يَقَعُ مِنْ الْأَتْرَاكِ مَنْ رَمْي ثَلَاثَ حَصَوَاتٍ قَائِلًا أَنْتِ هَكَذَا وَلَا يَنْطِقُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ تَأَمَّلْ اهـ.

وَفِي عِلْمِهِ مِنْ هَذَا تَأَمَّلْ بَلْ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ هَكَذَا مُشِيرًا بِأَصَابِعِهِ فَحَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَ فِي الْقَوْلَةِ السَّابِقَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِفَقْدِ التَّشْبِيهِ) لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ بِدُونِ اللَّفْظِ لَا يَتَحَقَّقُ عَدَدُهُ بِدُونِهِ كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ وَقَعَ بِالضَّمِيرِ)

ص: 309

إنْ نَوَى ثَلَاثًا وَإِلَّا فَوَاحِدَةً، هَكَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ فَقَدْ فَرَّقُوا هُنَا بَيْنَ الْكَافِ وَمِثْلٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَافَ لِلتَّشْبِيهِ فِي الذَّاتِ وَمِثْلًا لِلتَّشْبِيهِ فِي الصِّفَاتِ وَلِذَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ إيمَانِي كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ عليه السلام وَلَا أَقُولُ: إيمَانِي مِثْلُ إيمَانِ جِبْرِيلَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ - وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَيَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ فِي الصِّفَةِ وَهُوَ الشَّبَهُ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يُحْمَلُ عَلَى التَّشْبِيهِ مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ لِأَنَّهُ أَدْنَى اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ: إذَا لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ كَأَلْفٍ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ مِثْلُ سَنْجَةِ دَانِقٍ تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ لَهُ سَنْجَةً وَاحِدَةً فَقَدْ شَبَّهَ الْوَاقِعَ بِالْوَاحِدَةِ وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ دَانِقٍ وَنِصْفٍ أَوْ دَانِقَيْنِ تَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ لَهُ سَنْجَتَيْنِ فَقَدْ شَبَّهَ الْوَاقِعَ بِالْعَدَدَيْنِ وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ دَانِقَيْنِ وَنِصْفٍ تَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ يُوزَنُ بِثَلَاثِ سَنَجَاتٍ وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ نِصْفِ دِرْهَمٍ تَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ: مِثْلُ سَنْجَةِ ثُلُثَيْ دِرْهَمٍ فَتَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ لَهُ سَنْجَتَيْنِ وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دِرْهَمٍ تَقَعُ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ لَهُ ثَلَاثُ سَنَجَاتٍ وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ تَقَعُ وَاحِدَةً اهـ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ الْأُصْبُعُ مُؤَنَّثَةٌ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَسْمَائِهَا مِثْلُ الْخِنْصَرِ، وَالْبِنْصِرِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ فَارِسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى تَذْكِيرِ الْإِصْبَعِ وَقَالَ الصَّغَانِيُّ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَالْغَالِبُ التَّأْنِيثُ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَفِي الْإِصْبَعِ عَشْرُ لُغَاتٍ تَثْلِيثُ الْهَمْزَةِ مَعَ تَثْلِيثِ الْبَاءِ، وَالْعَاشِرُ أُصْبُوعٌ وِزَانُ عُصْفُورٍ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ لُغَاتِهَا كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُ الْبَاءِ وَهِيَ الَّتِي ارْتَضَاهَا الْفُصَحَاءُ.

قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْ الْبِدْعَةِ أَوْ كَالْجَبَلِ أَوْ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ أَوْ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا) بَيَانٌ لِلطَّلَاقِ الْبَائِنِ بَعْدَ بَيَانِ الرَّجْعِيِّ وَإِنَّمَا كَانَ بَائِنًا فِي هَذِهِ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ لِلْحَالِ وَكَذَا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَالِ وَبَعْدَهُ إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ احْتَمَلَ الْبَيْنُونَةَ لَصَحَّتْ إرَادَتُهَا بِطَالِقٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَدَمَ صِحَّتِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَمَلَ النِّيَّةِ فِي الْمَلْفُوظِ لَا فِي غَيْرِهِ وَلَفْظُ بَائِنٍ لَمْ يَصِرْ مَلْفُوظًا بِهِ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ طَالِقٍ بَائِنٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدَ بِكَوْنِ بَائِنٍ صِفَةً بِلَا عَطْفٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَبَائِنٌ أَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ بَائِنٌ وَقَالَ لَمْ أَنْوِ بِقَوْلِي بَائِنٌ شَيْئًا فَهِيَ رَجْعِيَّةٌ وَلَوْ ذَكَرَ بِحَرْفِ الْفَاءِ، وَالْبَاقِي بِحَالِهِ فَهِيَ بَائِنَةٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا أَنَّهُ لَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ عَدَدًا مَحْضًا إلَّا إذَا عَنَى بِأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِهِ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ نَحْوَهُمَا أُخْرَى يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْكِيبَ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ وَهُمَا بَائِنَتَانِ لِأَنَّ بَيْنُونَةَ الْأُولَى ضَرُورَةُ بَيْنُونَةِ الثَّانِيَةِ إذْ مَعْنَى الرَّجْعِيِّ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَذَلِكَ مُنْتَفٍ بِاتِّصَالِ الْبَائِنَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي وَصْفِهَا بِالرَّجْعِيَّةِ وَكُلُّ كِنَايَةٍ قُرِنَتْ بِطَالِقٍ يَجْرِي فِيهَا ذَلِكَ فَيَقَعُ ثِنْتَانِ بَائِنَتَانِ وَأَشَارَ بِأَفْحَشِ الطَّلَاقِ إلَى كُلِّ وَصْفٍ عَلَى أَفْعَلَ لِأَنَّهُ لِلتَّفَاوُتِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْبَيْنُونَةِ وَهُوَ أَفْحَشُ مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَدَخَلَ أَخْبَثُ الطَّلَاقِ وَأَسْوَأُهُ وَأَشَرُّهُ وَأَخْشَنُهُ وَأَكْبَرُهُ وَأَغْلَظُهُ وَأَطْوَلُهُ وَأَعْرَضُهُ وَأَعْظَمُهُ إلَّا قَوْلُهُ: أَكْثَرُهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ وَلَا يُدَيَّنُ

ــ

[منحة الخالق]

الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الضَّمِيرُ الْقَلْبِيُّ لَا النَّحْوِيُّ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَوَاحِدَةً) قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْ بَائِنَةً كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَأَلْفٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ. وَسَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى عَمَلِ النِّيَّةِ فِي الْمَلْفُوظِ إلَّا تَوْجِيهُهُ إلَى بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ فَإِذَا فُرِضَ لِلَّفْظِ ذَلِكَ صَحَّ عَمَلُ النِّيَّةِ فِيهِ، وَقَدْ فُرِضَ بِطَالِقٍ ذَلِكَ فَتَعْمَلُ فِيهِ النِّيَّةُ وَلَا يَكُونُ عَامِلُهُ بِلَا لَفْظٍ عَلَى أَنَّ هَذَا قَدْ يُعْطِي بِظَاهِرِهِ افْتِقَارَ وُقُوعِ الْبَائِنِ فِي طَالِقٍ بَائِنٍ إلَى النِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قُلْت، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَدْ يَكُونُ رَجْعِيًّا وَقَدْ يَكُونُ بَائِنًا فَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الصَّرِيحِ مِنْهُ كَانَ رَجْعِيًّا وَإِذَا وَصَفَهُ بِمَا يُنْبِئُ عَنْ الْبَيْنُونَةِ كَانَ بَائِنًا، وَالْبَيْنُونَةُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ تَكُونُ خَفِيفَةً وَغَلِيظَةً فَإِذَا نَوَى الثَّانِيَةَ صَحَّتْ نِيَّتُهَا وَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ فِي مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا هُوَ بَائِنٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَائِنٌ وَصْفًا لِلطَّلَاقِ لَا لِلْمَرْأَةِ فَيَكُونُ وَصْفًا فِي الْمَعْنَى لِطَلَاقِ مَصْدَرٍ فَتَصِحُّ بِهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ وَلَيْسَ الْوُقُوعُ بِلَفْظِ بَائِنٍ فَقَطْ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ بَلْ هُوَ قَرِينَةُ إرَادَةِ الْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ بِتَقْدِيرِ الْمَصْدَرِ كَمَا فِي أَلْبَتَّةَ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى طَلَاقًا أَلْبَتَّةَ وَكَذَا فِي أَفْحَشِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى طَلَاقًا أَفْحَشَ الطَّلَاقِ وَهَكَذَا فِي الْبَوَاقِي (قَوْلُهُ: بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ) وَأَمَّا مَا فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ مِنْ ضَبْطِهِ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ فَصَوَابُهُ الْمُثَلَّثَةُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ وَقَالَ: إنَّ الْحُكْمَ صَحِيحٌ

ص: 310

إذَا قَالَ نَوَيْت وَاحِدَةً.

وَإِنَّمَا وَقَعَ الْبَائِنُ بِطَلَاقِ الشَّيْطَانِ، وَالْبِدْعَةِ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ هُوَ السُّنِّيُّ غَالِبًا فَلَا يَرِدُ أَنَّ الرَّجْعِيَّ قَدْ لَا يَكُونُ سُنِّيًّا كَالطَّلَاقِ الصَّرِيحِ فِي الْحَيْضِ فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ كَانَ فِي طُهْرٍ فِيهِ جِمَاعٌ أَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً مِنْ سَاعَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ قُلْت لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا هُوَ وُقُوعُ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ بِلَا نِيَّةٍ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا تَقَعُ السَّاعَةَ أَوْ بَعْدَ وُجُودِ شَيْءٍ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَالْجَبَلِ إلَى التَّشْبِيهِ بِمَا يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْعِظَمِ وَهُوَ بِزِيَادَةِ وَصْفِ الْبَيْنُونَةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مِثْلُ الْجَبَلِ وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ بِأَشَدِّ الطَّلَاقِ فَلِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالشِّدَّةِ لِأَنَّ أَفْعَلَ يُرَادُ بِهِ الْوَصْفُ فَلِذَا لَمْ يَكُنْ لِلثَّلَاثِ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ فَكَانَ أَشَدُّ مُعَبَّرًا بِهِ عَنْ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ بِقَوْلِهِ كَأَلْفٍ فَلِأَنَّ التَّشْبِيهَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْقُوَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَدَدِ فَإِنْ نَوَى الثَّانِي وَقَعَ الثَّلَاثُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ثَبَتَ الْأَقَلُّ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ وَدَخَلَ فِيهِ مِثْلُ أَلْفٍ وَمِثْلُ ثَلَاثٍ وَوَاحِدَةً كَالْأَلْفِ إلَّا أَنَّهُ فِي هَذِهِ إذَا نَوَى الثَّلَاثَ لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَخَرَجَ عَنْهُ كَعَدَدِ الْأَلْفِ وَكَعَدَدِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ بِلَا نِيَّةٍ وَدَخَلَ فِيهِ أَيْضًا مَا لَوْ شَبَّهَ بِالْعَدَدِ فِيمَا لَا عَدَدَ فِيهِ كَعَدَدِ الشَّمْسِ أَوْ التُّرَابِ أَوْ قَالَ مِثْلَهُ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ يَقْتَضِي ضَرْبًا مِنْ الزِّيَادَةِ وَهُوَ بِالْبَيْنُونَةِ مَوْجُودٌ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَالنُّجُومِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَعْنِي كَالنُّجُومِ ضِيَاءً لَا عَدَدًا إلَّا أَنْ يَقُولَ كَعَدَدِ النُّجُومِ وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى عَدَدٍ مَعْلُومِ النَّفْيِ كَعَدَدِ شَعْرِ بَطْنِ كَفِّي أَوْ مَجْهُولِ النَّفْيِ، وَالْإِثْبَاتِ كَعَدَدِ شَعْرِ إبْلِيسَ أَوْ نَحْوِهِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً أَوْ مِنْ شَأْنِهِ الثُّبُوتُ لَكِنَّهُ كَانَ زَائِلًا وَقْتَ الْحَلِفِ بِعَارِضٍ كَعَدَدِ شَعْرِ سَاقِي أَوْ سَاقَك، وَقَدْ تَنَوَّرَ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَلْفَ مَرَّةٍ تَقَعُ وَاحِدَةً اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: أَنْت طَالِقٌ عَدَدَ مَا فِي هَذَا الْحَوْضِ مِنْ السَّمَكِ وَلَيْسَ فِي الْحَوْضِ سَمَكٌ تَقَعُ وَاحِدَةً وَحَكَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَسُئِلَ عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ عَدَدَ الشَّعْرِ الَّذِي عَلَى فَرْجِك، وَقَدْ كَانَتْ أَطْلَتْ فَبَقِيَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَتَفَكَّرُ فِيهِ وَشَبَّهَهُ بِظَهْرِ الْكَفِّ ثُمَّ أَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ الشَّعْرِ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ كَفِّي وَقَدْ أُطْلِيَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَإِنْ قَالَ بِعَدَدِ الشَّعْرِ الَّذِي فِي بَطْنِ كَفِّي أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَقَعُ عَلَى عَدَدِ الشُّعُورِ النَّابِتَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَعْرٌ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَقَعُ عَلَى عَدَدِ الشَّعْرِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي عَدَدِ شَعْرِ رَأْسِي أَوْ عَدَدِ شَعْرِ ظَهْرِ كَفِّي، وَقَدْ أَطْلَى لِأَنَّهُ ذُو عَدَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَدَدَ مَا فِي هَذِهِ الْقَصْعَةِ مِنْ الثَّرِيدِ إنْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ صَبِّ الْمَرَقَةِ عَلَيْهِ فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ صَبِّ الْمَرَقَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ اهـ.

وَفَرَّقَ فِي الْجَوْهَرَةِ بَيْنَ التُّرَابِ، وَالرَّمْلِ فَقَالَ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَدَدَ التُّرَابِ فَهِيَ

ــ

[منحة الخالق]

فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَذَكَرَ فِي فَتَاوَاهُ نَحْوَهُ وَأَفْتَى بِالثَّلَاثِ فِيهِ أَيْضًا قُلْت وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ قَصَدَ التَّنْبِيهَ عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْمُثَلَّثَةِ بِالْأُولَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُقُوعُ بَائِنَةٍ لِلْحَالِ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِفْ بِهَذَا الْوَصْفِ وَهَذَا لِأَنَّ الْبِدْعِيَّ لَمْ يَنْحَصِرْ فِيمَا ذَكَرَهُ إذْ الْبَائِنُ بِدْعِيٌّ كَمَا مَرَّ اهـ.

قُلْت: وَفِي الْبَدَائِعِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الْبَائِنِ، وَقَدْ تَكُونُ فِي الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَنَوَى وَاحِدَةً بَائِنَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ اهـ. تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَلْفَ مَرَّةٍ تَقَعُ وَاحِدَةً) يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثَلَاثًا تَقَعُ الثَّلَاثُ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ مِرَارًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا لَوْ مَدْخُولًا بِهَا كَمَا يَأْتِي قُلْت وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ قَوْلَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ بِمَنْزِلَةِ تَكْرَارِ هَذَا اللَّفْظِ مِرَارًا وَإِذَا بَانَتْ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى لَا تَبِينُ بِالثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ وَهَكَذَا لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ أَوْقَعَهَا جُمْلَةً بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا فَتَطْلُقُ بِهِ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ، وَالصَّرِيحُ إذَا كُرِّرَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى يَقَعُ وَلِهَذَا شَرَطَ كَوْنَهَا مَدْخُولًا بِهَا إذْ لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا تَبِينُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ فَلَا يَلْحَقُهَا مَا بَعْدَهَا مِنْ الْمَرَّاتِ.

لِأَنَّهَا بَانَتْ بِلَا عِدَّةٍ مَعَ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً وَقَعَ الثَّلَاثُ فَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ قَوْلَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ بِمَنْزِلَةِ تَكْرَارِهِ مِرَارًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ فِي أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْكِنَايَاتِ عَنْ الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ: اذْهَبِي أَلْفَ مَرَّةٍ يَنْوِي بِهِ طَلَاقًا فَثَلَاثٌ اهـ.

مَعَ أَنَّ لَفْظَ اذْهَبِي كِنَايَةٌ مِثْلُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَلْيُتَأَمَّلْ

ص: 311

وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَثَلَاثٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ قَالَ عَدَدَ الرَّمْلِ فَهِيَ ثَلَاثٌ إجْمَاعًا وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ بِمِلْءِ الْبَيْتِ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَمْلَأُ الْبَيْتَ لِعِظَمِهِ فِي نَفْسِهِ، وَقَدْ يَمْلَؤُهُ لِكَثْرَتِهِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَعِنْدَ عَدَمِهَا يَثْبُتُ الْأَقَلُّ وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ بِتَطْلِيقَةٍ شَدِيدَةٍ وَمَا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَائِنُ وَمَا يَصْعُبُ تَدَارُكُهُ يُقَالُ فِيهِ لِهَذَا الْأَمْرِ طُولٌ وَعَرْضٌ فَهُوَ الْبَائِنُ أَيْضًا قَيَّدَ بِكَوْنِ الشِّدَّةِ وَأَخَوَاتِهَا صِفَةً لِلتَّطْلِيقَةِ.

لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَوِيَّةً أَوْ شَدِيدَةً أَوْ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً وَلَمْ يَذْكُرْ التَّطْلِيقَةَ كَانَ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلطَّلَاقِ وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْمَرْأَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ طُولَ كَذَا وَعَرْضَ كَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا تَكُونُ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَاهَا لِأَنَّ الطُّولَ، وَالْعَرْضَ يَدُلَّانِ عَلَى الْقُوَّةِ لَكِنَّهُمَا يَكُونَانِ لِلشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَكَأَنَّهُ قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ طُولُهَا كَذَا وَعَرْضُهَا كَذَا فَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلِذَا صَرَّحَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا لَا تَقَعُ الثَّلَاثُ فِي طَوِيلَةٍ أَوْ عَرِيضَةٍ، وَإِنْ نَوَاهَا وَنَسَبَهُ إلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَرُجِّحَ بِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمُحْتَمَلِ وَتَطْلِيقَةُ بِتَاءِ الْوَاحِدَةِ لَا يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ وَقَيَّدَ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْأَوْصَافِ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَفَهُ بِمَا لَا يُوصَفُ بِهِ يَلْغُو الْوَصْفُ وَيَقَعُ رَجْعِيًّا نَحْوُ طَلَاقًا لَا يَقَعُ عَلَيْك أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ، وَإِنْ كَانَ يُوصَفُ بِهِ وَلَا يُنْبِئُ عَلَى زِيَادَةٍ فِي أَثَرِهِ كَقَوْلِهِ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَسَنَّهُ أَجْمَلَهُ أَعْدَلَهُ أَخْيَرَهُ أَكْمَلَهُ أَفْضَلَهُ أَتَمَّهُ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا وَتَكُونُ طَالِقًا لِلسُّنَّةِ فِي وَقْتِهَا، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ لِلسُّنَّةِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهَا تَكُونُ رَجْعِيَّةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَالَةُ حَالَةَ حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وَذَكَرَ مَا جَزَمَ بِهِ الْحَاكِمُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْوَصْفَ بِمَا يُنْبِئُ عَنْ الزِّيَادَةِ يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ وَأَمَّا التَّشْبِيهُ فَكَذَلِكَ أَيُّ شَيْءِ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ كَرَأْسِ إبْرَةٍ وَكَحَبَّةِ خَرْدَلٍ وَكَسَمْسَمَةٍ لِاقْتِضَاءِ التَّشْبِيهِ الزِّيَادَةَ.

وَاشْتَرَطَ أَبُو يُوسُفَ ذِكْرَ الْعِظَمِ مُطْلَقًا وَزُفَرُ أَنْ يَكُونَ عَظِيمًا عِنْدَ النَّاسِ فَرَأْسُ الْإِبْرَةِ بَائِنٌ عِنْدَ الْإِمَامِ فَقَطْ وَكَالْجَبَلِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ زُفَرَ فَقَطْ وَكَعَظِيمَةٍ بَائِنٌ عِنْدَ الْكُلِّ وَكَعِظَمِ الْإِبْرَةِ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ وَمُحَمَّدٍ قِيلَ مَعَ الْأَوَّلِ وَقِيلَ مَعَ الثَّانِي، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْت طَالِقٌ كَالثَّلْجِ إنْ أَرَادَ فِي الْبُرُودَةِ فَبَائِنٌ، وَإِنْ أَرَادَ فِي الْبَيَاضِ فَرَجْعِيٌّ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَدَدًا تَقَعُ ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَهِيَ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَذَا كَذَا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ تَقَعُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ أَحَدَ عَشَرَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَبَائِنٌ أَوْ فَبَائِنُ فَوَاحِدَةً بَائِنَةً، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَشَيْءٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ نَوَى بِشَيْءٍ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَثِيرًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثَ لِأَنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الثَّلَاثُ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْفَتَاوَى يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَكْثَرَ الطَّلَاقِ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَبِيرَ الطَّلَاقِ فَهِيَ ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ وَقَعَ ثَلَاثٌ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَهِيَ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ رَجْعِيَّةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْعَدَدِ فِيمَا لَا عَدَدَ لَهُ لَغْوٌ وَلَا عَدَدَ لِلتُّرَابِ.

(قَوْلُهُ: وَثَلَاثٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِالْعَدَدِ إذَا ذَكَرَ الْكَثْرَةَ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحِدَةً بَائِنَةً لِأَنَّ التَّشْبِيهَ يَقْتَضِي ضَرْبًا مِنْ الزِّيَادَةِ كَمَا مَرَّ وَلَوْ قَالَ مِثْلَ التُّرَابِ يَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ اهـ.

وَفِي النَّهْرِ إنَّمَا كَانَ التُّرَابُ غَيْرَ مَعْدُودٍ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ إفْرَادِيٍّ بِخِلَافِ الرَّمْلِ فَإِنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ لَا يَصْدُقُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الرَّمْلُ وَاحِدُ الرِّمَالِ، وَالرَّمْلَةُ أَخَصُّ مِنْهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلِذَا صَرَّحَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ الْعَتَّابِيُّ لِقَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ الصَّحِيحُ. . . إلَخْ وَذَكَرَ أَيْضًا شَدِيدَةً قَبْلَ قَوْلِهِ طَوِيلَةً وَهَكَذَا فِي النَّهْرِ وَكَأَنَّهَا سَقَطَتْ هُنَا مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ بِأَنَّ النِّيَّةَ. . . إلَخْ) الْمُرَجِّحُ هُوَ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا صِحَّةَ نِيَّةِ الثَّلَاثِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا بِأَنَّهُ وَصْفُ الطَّلَاقِ بِالْبَيْنُونَةِ وَهِيَ خَفِيفَةٌ وَغَلِيظَةٌ، وَالْغَلِيظَةُ هِيَ الثَّلَاثُ وَتَاءُ الْوَحْدَةِ لَا تُنَافِي صِحَّةَ إرَادَةِ الْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا الْعَدَدَ الْمَحْضَ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ لَفْظٌ مُفْرَدٌ تَصِحُّ إرَادَتُهُ بِمَا وُضِعَ لِلْمُفْرَدِ وَهَذَا الْمُفْرَدُ يُطْلَقُ عَلَى نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَمْلِكُ بَعْدَهُ الرَّجْعَةَ، وَالْآخَرُ مَا لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِزَوْجٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ أَيْضًا فَرْدٌ اعْتِبَارِيٌّ فَلَا يُنَافِي تَاءَ الْوَحْدَةِ وَلِذَا لَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّهُمَا عَدَدٌ مَحْضٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ يَقَعُ ثَلَاثٌ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْقَلِيلَ وَاحِدَةٌ، وَالْكَثِيرَ ثَلَاثٌ، وَإِذَا قَالَ أَوَّلًا لَا قَلِيلَ قَصَدَ الثَّلَاثَ ثُمَّ لَا يَعْمَلُ قَوْلُهُ: وَلَا كَثِيرَ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ.

وَهُوَ اخْتِيَارٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْكَثِيرَ ثَلَاثٌ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ يَقَع الثَّلَاثَ فِي الْمُخْتَارِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ ثِنْتَانِ فِي الْأَشْبَهِ اهـ.

ص: 312

وَلَوْ قَالَ لَا كَثِيرَ وَلَا قَلِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةً وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَالَهُ أَبُو اللَّيْثِ إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَثِيرًا يَقَعُ ثِنْتَانِ يَنْبَغِي إذَا قَالَ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ يَقَعُ ثِنْتَانِ اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: مِنْ فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى إذَا وُصِفَ بِمَا يَلِيقُ بِالْمُسْتَثْنَى بِجَعْلِ صِفَةٍ لِلْمُسْتَثْنَى وَيَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْمُسْتَثْنَى، وَإِنْ كَانَتْ تَلِيقُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا غَيْرُ قِيلَ يُجْعَلُ وَصْفًا لَهُ حَتَّى يَثْبُتَ بِثُبُوتِهِ تَصْحِيحًا لَهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَقِيلَ يُجْعَلُ وَصْفًا لِلْكُلِّ تَحْقِيقًا لِلْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى، وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ظَاهِرًا.

وَإِنْ ذَكَرَ وَصْفًا يَلِيقُ بِهِمَا قِيلَ يُجْعَلُ وَصْفًا لِلْكُلِّ تَحْقِيقًا لِلْمُجَانَسَةِ وَقِيلَ يُجْعَلُ وَصْفًا لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَهُ وَصْفًا لِلْمُسْتَثْنَى بَطَلَ هَذَا إذَا ذَكَرَ وَصْفًا زَائِدًا، وَإِنْ ذَكَرَ وَصْفًا أَصْلِيًّا لَا يُعْتَبَرُ أَصْلًا وَيُجْعَلُ ذِكْرُهُ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ سَوَاءً، بَيَانُهُ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ إلَّا وَاحِدًا بَائِنًا تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ صِفَةً لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا يُقَالُ طَلْقَتَانِ بَائِنٌ وَصَلَحَ صِفَةً لِلْمُسْتَثْنَى فَبَطَلَ بِبُطْلَانِهِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ أَلْبَتَّةَ إلَّا وَاحِدَةً تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً لِصَلَاحِيَةِ الْوَصْفِ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يُقَالُ تَطْلِيقَتَيْنِ أَلْبَتَّةَ فَجُعِلَ صِفَةً لَهُ وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً مِنْهُمَا فَتَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَكَذَا أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً أَلْبَتَّةَ تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً لِأَنَّ أَلْبَتَّةَ لَا تَصْلُحُ صِفَةً لِلْمُسْتَثْنَى لِعَدَمِ وُقُوعِهِ وَتَصْلُحُ صِفَةً لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَتُجْعَلُ صِفَةً لِلْكُلِّ أَوْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَأَنَّهُ قَالَ ثِنْتَيْنِ أَلْبَتَّةَ إلَّا وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا أَلْبَتَّةَ إلَّا وَاحِدَةً أَوْ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا بَائِنَةً إلَّا وَاحِدَةَ تَقَعُ رَجْعِيَّتَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَصْفٌ أَصْلِيٌّ لِلثَّلَاثِ لَا يُوجَدُ بِدُونِهِمَا فَلَا يُفِيدُ إلَّا مَا أَفَادَ الثَّلَاثَ فَلَا يُعْتَبَرُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً اهـ.

وَفِيهَا أَيْضًا أَنْتِ طَالِقٌ تَمَامَ الثَّلَاثِ أَوْ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ فَثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ غَيْرَ ثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ غَيْرَ وَاحِدَةٍ فَثِنْتَيْنِ، وَفِيهَا أَيْضًا أَنْتِ طَالِقٌ وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ ثَلَاثًا إنْ لِانْقِطَاعِ النَّفَسِ فَثَلَاثٌ وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَمَا سَكَتَ كَمْ قَالَ ثَلَاثٌ وَقَعَ قَالَ الصَّدْرُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَإِنَّ مَوْقِعَ الْوَاحِدَةِ لَوْ ثَلَّثَهُ بَعْدَ زَمَانٍ صَحَّ أَنْتِ طَالِقٌ عَشْرًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ تَقَعُ ثَلَاثٌ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إذَا دَخَلْت الدَّارَ عَشْرًا لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ عَشْرًا أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ فَثَلَاثٌ فِي سَاعَةِ الْحَلِفِ اهـ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنْت طَالِقٌ لَوْنَيْنِ مِنْ الطَّلَاقِ فَهُمَا تَطْلِيقَتَانِ رَجْعِيَّتَانِ وَلَوْ قَالَ ثَلَاثَةَ أَلْوَانٍ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَكَذَا إذَا قَالَ أَلْوَانًا مِنْ الطَّلَاقِ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنْ قَالَ نَوَيْت أَلْوَانَ الْحُمْرَةِ، وَالصُّفْرَةِ فَلَهُ نِيَّتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْتِ طَالِقٌ عَامَّةَ الطَّلَاقِ أَوْ جُلَّهُ فَهُمَا ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَكْثَرَهُ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ كُلَّ الطَّلَاقِ فَوَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ أَكْثَرَ الثَّلَاثِ فَثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الطَّلَاقَ كُلَّهُ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَكَذَا إذَا قَالَ كُلَّ طَلْقَةٍ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَأُخْرَى فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَأُخْرَى فَهِيَ ثِنْتَانِ.

وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ مِرَارًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك يَلْغُو وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَقِيلَ تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً، وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ اهـ.

وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الثَّانِي فَإِنَّهُ قَالَ وَإِذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ بِضَرْبٍ مِنْ الشِّدَّةِ، وَالزِّيَادَةِ كَانَ بَائِنًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقَعُ رَجْعِيًّا إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ لِأَنَّ وَصْفَهُ بِالْبَيْنُونَةِ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ فَيَلْغُو كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك وَلَنَا أَنَّهُ وَصَفَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ إلَى أَنْ قَالَ وَمَسْأَلَةُ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ اهـ.

فَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ: وَمَسْأَلَةُ الرَّجْعَةِ مَمْنُوعَةٌ أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ

ــ

[منحة الخالق]

وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ وَأَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يُوصَفُ بِالْقِلَّةِ فَلَغَا ذِكْرُ الْقِلَّةِ، وَالْكَثْرَةِ، وَالثَّانِي مَا اخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ وَعَلَّلَهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ ثُمَّ قَالَ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَا قَلِيلَ فَقَدْ قَصَدَ إيقَاعَ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّ الثِّنْتَيْنِ كَثِيرٌ فَلَا يَعْمَلُ قَوْلُهُ: وَلَا كَثِيرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ اهـ.

وَهَذَا كَمَا تَرَى مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو اللَّيْثِ مِنْ أَنَّ الْكَثِيرَ ثِنْتَانِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَا كَثِيرَ وَلَا قَلِيلَ تَقَعُ وَاحِدَةً) أَيْ بِقَوْلِهِ طَالِقٌ وَيَلْغُو قَوْلُهُ: لَا كَثِيرَ وَلَا قَلِيلَ وَإِلَّا فَلَوْ قِيلَ كَمَا مَرَّ إنَّهُ قَصَدَ بِقَوْلِهِ لَا كَثِيرَ الْقَلِيلَ لَمْ يَخْتَصَّ بِالْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَثِيرَ ثَلَاثٌ فَغَيْرُهُ يَصْدُقُ بِالْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ تَأَمَّلْ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَمَّا قَالَ لَا كَثِيرَ أَثْبَتَ الْقَلِيلَ وَهُوَ الْوَاحِدَةُ بِنَاءً عَلَى إلْغَاءِ الْوَسَطِ فَلَمَّا قَالَ وَلَا قَلِيلَ أَرَادَ نَفْيَ مَا أَوْقَعَهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ كُلَّ الطَّلَاقِ فَوَاحِدَةً) كَذَا رَأَيْته فِي الذَّخِيرَةِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثٌ قُلْت وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَصْدَرٌ يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كُلِّ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ كُلِّهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك. . إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَتَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً مَا نَصُّهُ: " وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ وَلَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَرَجْعِيَّةٌ وَلَوْ قَالَ عَلَى

ص: 313