المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الإحصار في الحج أو العمرة] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٣

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌[فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى]

- ‌[فَصْلٌ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ]

- ‌(بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ)

- ‌(بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ)

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ فِي الْحَجّ أَوْ الْعُمْرَة]

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ فِي الْحَجُّ]

- ‌(بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ)

- ‌(بَابُ الْهَدْيِ)

- ‌[مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌(كِتَابُ النِّكَاحِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاح]

- ‌[بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاح]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ مَسَائِلِ الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاح]

- ‌(بَابُ الْمَهْرِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ)

- ‌[بَابُ نِكَاحِ الْكَافِر]

- ‌(بَابُ الْقَسْمِ)

- ‌(كِتَابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[الْمُحْرِمَات بِسَبَبِ الرَّضَاعِ]

- ‌[وَلَبَنُ الرَّجُلِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ]

- ‌ أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌[بَابُ أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ)

- ‌(بَابُ الْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ)

- ‌(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)

الفصل: ‌[باب الإحصار في الحج أو العمرة]

وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَالْإِتْيَانُ بِالْأَقَلِّ كَالْعَدَمِ.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ طَافَ لِلْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَمَضَى عَلَيْهِمَا يَجِبُ دَمٌ) يَعْنِي لِجَمْعِهِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ فَصَحَّ الْإِحْرَامُ بِهِمَا، وَأَرَادَ بِهَذَا الطَّوَافِ طَوَافَ الْقُدُومِ، وَهُوَ سُنَّةٌ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمَا هُوَ رُكْنٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ فَلِهَذَا لَوْ مَضَى عَلَيْهِمَا جَازَ، وَلَزِمَهُ دَمٌ لِلْجَمْعِ، وَهُوَ دَمُ كَفَّارَةٍ وَجَبْرٍ حَتَّى لَا يَأْكُلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ فِي هَذَا الْجَمْعِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَنُدِبَ رَفْضُهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ دَمُ شُكْرٍ، وَهُوَ دَمُ الْقِرَانِ كَمَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَأَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يَرْفُضَ الْعُمْرَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ دَمُ شُكْرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْنِ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ إنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ فَيُمْكِنُهُ بِنَاءُ أَفْعَالِ الْحَجِّ عَلَى أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَلَا مُوجِبَ لِلْجَبْرِ. وَاخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَوَّاهُ بِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ لَيْسَ مِنْ سُنَنِ نَفْسِ الْحَجِّ بَلْ هُوَ سُنَّةُ قُدُومِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَرَكْعَتَيْ التَّحِيَّةِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَلِذَا سَقَطَ بِطَوَافٍ آخَرَ مِنْ مَشْرُوعَاتِ الْوَقْتِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ قَيَّدَ بِالطَّوَافِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَطُفْ لَمْ يُسْتَحَبَّ رَفْضُهَا فَإِذَا رَفَضَهَا يَقْضِيهَا لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِهَا.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ لَزِمَتْهُ، وَلَزِمَهُ الرَّفْضُ وَالدَّمُ وَالْقَضَاءُ) لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ فَلَزِمَتْ لِلْأَوَّلِ، وَلَزِمَ التَّرْكُ تَخَلُّصًا مِنْ الْإِثْمِ، وَإِنْ رَفَضَهَا لَزِمَهُ دَمٌ لِلتَّحَلُّلِ مِنْهَا بِغَيْرِ أَفْعَالِهَا وَوَجَبَ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ ثَمَرَةُ اللُّزُومِ، وَأَرَادَ بِيَوْمِ النَّحْرِ الْيَوْمَ الَّذِي تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِيهِ، وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْ بَعْدَهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ كَالرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدْرِ وَسُنَّةِ الْمَبِيتِ، وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيْضًا فَيَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ بِلَا رَيْبٍ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا صَحَّ وَيَجِبُ دَمٌ) ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا، وَهُوَ كَوْنُهُ مَشْغُولًا بِأَدَاءِ بَقِيَّةِ أَفْعَالِ الْحَجِّ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيَجِبُ تَخْلِيصُ الْوَقْتِ لَهُ تَعْظِيمًا، وَهُوَ لَا يَعْدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ لَكِنْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ كَفَّارَةً لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ أَوْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَفْعَالِ الْبَاقِيَةِ فَهُوَ دَمُ جَبْرٍ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ كَالْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ: وَمَنْ رَفَضَهَا) ؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ فَيَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْأَفْعَالُ فَلَزِمَهُ الرَّفْضُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا أَوْ جَامِعًا بَيْنَ حَجَّتَيْنِ إحْرَامًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَ الثَّانِيَةَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ، وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ وَدَمٌ لِلرَّفْضِ بِالتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَقَدْ شَبَّهُوا فَائِتَ الْحَجِّ بِالْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ مُقْتَدٍ تَحْرِيمَةً حَتَّى لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْغَيْرِ بِهِ، وَمُنْفَرِدٌ أَدَاءً حَتَّى تَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(بَابُ الْإِحْصَارِ)

هُوَ وَالْفَوَاتُ مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ فَأَخَّرَهُمَا، وَقَدَّمَ الْإِحْصَارَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ لَهُ عليه السلام دُونَ الْفَوَاتِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ فَقِيلَ الْإِحْصَارُ لِلْمَرَضِ وَالْحَصْرُ لِلْعَدُوِّ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] لِبَيَانِ حُكْمِ الْمَرَضِ، وَأُلْحِقَ بِهِ الْحَصْرُ بِالْعَدُوِّ دَلَالَةً بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنْعَ الْعَدُوِّ حِسِّيٌّ لَا يُتَمَكَّنُ مَعَهُ مِنْ الْمُضِيِّ بِخِلَافِهِ مَعَ الْمَرَضِ إذْ يُمْكِنُ بِالْمَحْمَلِ وَالْمَرْكَبِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْإِحْصَارَ هُوَ الْمَنْعُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَوْفٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ عَجْزٍ أَوْ عَدُوٍّ وَاخْتَارَهُ فِي الْكَشَّافِ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْحَصْرُ الْمَنْعُ مِنْ بَابِ طَلَبَ يُقَال أُحْصِرَ الْحَاجُّ إذَا مَنَعَهُ خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ مِنْ الْوُصُولِ لِإِتْمَامِ حَجَّتِهِ أَوْ عُمْرَتِهِ، وَإِذَا مَنَعَهُ سُلْطَانٌ أَوْ مَانِعٌ قَاهِرٌ فِي حَبْسٍ أَوْ مَدِينَةٍ قِيلَ حُصِرَ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَفِي الشَّرِيعَةِ هُوَ مَنْعُ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ (قَوْلُهُ: لِمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ أَنْ يَبْعَثَ شَاةً تُذْبَحُ عَنْهُ فَيَتَحَلَّلُ) لِمَا تَلَوْنَا مِنْ الْآيَةِ، وَأَفَادَ بِذِكْرِ اللَّامِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: كَمَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَكَذَا قَاضِي خَانْ وَالْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ كَمَا فِي الشرنبلالية.

(قَوْلُهُ: فَيَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ، وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ جَامِعًا بَيْنَ حَجَّتَيْنِ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ حَجَّةٍ.

[بَابُ الْإِحْصَارِ فِي الْحَجّ أَوْ الْعُمْرَة]

(بَابُ الْإِحْصَارِ) .

(قَوْلُهُ: وَفِي الشَّرِيعَةِ هُوَ مَنْعُ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَشْمَلُ الْإِحْصَارَ مِنْ الْعُمْرَةِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فَيُزَادُ فِيهِ أَوْ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ. اهـ.

أَيْ يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمَتْنِ، وَعَلَى الْمُعْتَمِرِ أَيْ إذَا أُحْصِرَ عُمْرَةٌ لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ السَّعْيَ وَاجِبٌ فِي الْعُمْرَةِ لَا رُكْنٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا رُكْنٌ إلَّا الطَّوَافُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ

ص: 57

دُونَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَبَرَ وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بِغَيْرِ تَحَلُّلٍ إلَى أَنْ يَزُولَ الْخَوْفُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ فَإِنْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَإِلَّا تَحَلَّلَ بِالْعُمْرَةِ فَالتَّحَلُّلُ بِذَبْحِ الْهَدْيِ إنَّمَا هُوَ لِلضَّرُورَةِ حَتَّى لَا يَمْتَدَّ إحْرَامُهُ فَيَشُقَّ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَمَا وَقَعَ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِعَلَى فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ.

وَأَشَارَ بِذِكْرِ الْعَدُوِّ وَالْمَرَضِ إلَى كُلِّ مَنْعٍ فَيَكُونُ مُحْصَرًا بِهَلَاكِ النَّفَقَةِ، وَمَوْتِ مَحْرَمِ الْمَرْأَةِ أَوْ زَوْجِهَا فِي الطَّرِيقِ وَشَرَطَ فِي التَّجْنِيسِ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ فِيمَا إذَا سُرِقَتْ النَّفَقَةُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ، وَعَلَّلَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْمَشْيُ فِي الِابْتِدَاءِ وَيَلْزَمَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ كَمَا لَا تَلْزَمُهُ حَجَّةُ التَّطَوُّعِ ابْتِدَاءً وَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إذَا شَرَعَ فِيهَا، وَجَعَلَ فِي الْمُحِيطِ مَا فِي التَّجْنِيسِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ إنْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ فِي الْحَالِ وَخَافَ أَنْ يَعْجِزَ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ، وَمِنْ الْإِحْصَارِ مَا إذَا أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ فَلَا تَحِلُّ إلَّا بِالدَّمِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ الشَّرْعِيَّ آكُدُ مِنْ الْمَنْعِ الْحِسِّيِّ، وَمِنْهُ مَا إذَا أَحْرَمَتْ لِلتَّطَوُّعِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ لَكِنْ لِلزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّلَهَا بِغَيْرِ الْهَدْيِ بِأَنْ يَصْنَعَ بِهَا أَدْنَى مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ كَقَصِّ ظُفُرٍ وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ تَحْلِيلِهَا بِالْجِمَاعِ، وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُحِيطِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْكَرَاهَةِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْكَرَاهَةِ فِي إجَازَةِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ بِالْجِمَاعِ وَدَوَاعِيهِ، وَعَلَيْهَا هَدْيُ الْإِحْصَارِ، وَقَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ إنْ لَمْ تَحُجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَإِلَّا فَالْحَجُّ كَافٍ، وَلَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهَا حَجَّةُ هَذِهِ السَّنَةِ، وَأَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ الْمُتَعَيِّنَةِ، وَمِنْهُ مَا إذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُحَلِّلَهُ بِغَيْرِ هَدْيٍ، وَعَلَى الْعَبْدِ هَدْيٌ، وَقَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهُ وَصَحَّ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ، وَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مَمْلُوكَةٌ لِلسَّيِّدِ وَبِالْإِذْنِ صَارَ مُعِيرًا مَنَافِعَهُ وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَعَارَ بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ إذَا أَحْرَمَتْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهَا حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا لِلزَّوْجِ فِيهَا حَقٌّ، وَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِالْإِذْنِ، وَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ثُمَّ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ اخْتَلَفُوا فَاخْتَارَ فِي الْمُحِيطِ، وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ دَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْمَوْلَى، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ وَاخْتَارَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وُجُوبَهُ عَلَى الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ لِمَا أَنَّهُ عَارِضٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ الْمَوْلَى بِخِلَافِ النَّفَقَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْوَاجِبُ الشَّاةَ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُوَ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ، وَأَدْنَاهُ شَاةٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ بَعْثَ الشَّاةِ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَعَذَّرُ بَلْ لَهُ أَنْ يَبْعَثَ بِقِيمَتِهَا حَتَّى يُشْتَرَى بِهَا شَاةٌ فَتُذْبَحَ فِي الْحَرَمِ.

وَأَفَادَ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى بَعْثِ الشَّاةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَذْبَحُ لَا يَقُومُ الصَّوْمُ أَوْ الْإِطْعَامُ مَقَامَهُ بَلْ يَبْقَى مُحْرِمًا إلَى أَنْ يَجِدَ أَوْ يَطُوفُ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَحْلِقُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَأَفَادَ بِالْفَاءِ الَّتِي لِلتَّعْقِيبِ فِي قَوْلِهِ فَيَتَحَلَّلُ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِالذَّبْحِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهُ يُوَاعِدُ مَنْ يَبْعَثَهُ بِأَنْ يَذْبَحَهَا فِي يَوْمٍ مُعَيِّنٍ فَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ ذَبَحَ هَدْيَهُ فَفَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْحَلَالُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْبَحْ كَانَ عَلَيْهِ مَا عَلَى الَّذِي ارْتَكَبَ مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ لِبَقَاءِ إحْرَامِهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَأَفَادَ بِذِكْرِ التَّحَلُّلِ بَعْدَ الذَّبْحِ إلَى أَنَّهُ لَا حَلْقَ عَلَيْهِ، وَلَا تَقْصِيرَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنْ حَلَقَ فَحَسَنٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ، وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي بِمَا إذَا أُحْصِرَ

ــ

[منحة الخالق]

يُقَالَ: ذِكْرُ الطَّوَافِ فِي كَلَامِ الْمُغْرِبِ شَامِلٌ لِطَوَافِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَجَعَلَ فِي الْمُحِيطِ مَا فِي التَّجْنِيسِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ إلَخْ) قِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ فَإِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَخَفْ الْعَجْزَ وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَمَا سَبَقَ لَهُ نَظَائِرُ فَهَذَا الْقَيْدُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْإِحْصَارِ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ الْعَدُوِّ وَالْمَرَضِ بَلْ كُلُّ مَنْعٍ فَغَيْرُهُمَا دَاخِلٌ فِيهِ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ الْمُسَاوَاةِ أَوْ الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا هُنَا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَرِيبًا، وَفِي النَّهْرِ يُمْكِنُ إدْخَالُهُ فِي قَوْلِهِ بِعَدُوٍّ بِأَنْ يُرَادَ الْقَاهِرُ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ كَلَامَهُ فِي مُحْصَرٍ يَتَوَقَّفُ تَحَلُّلُهُ عَلَى الْهَدْيِ كَمَا سَيَأْتِي وَتَحَلُّلُ هَؤُلَاءِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ. اهـ.

وَهَذَا لَا يَجْرِي فِي مَسْأَلَتِنَا بَلْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَعْدَهَا قَالَ فِي اللُّبَابِ الْمَرْأَةُ إذَا أَحْرَمَتْ بِحَجِّ نَفْلٍ، وَلَوْ بِإِذْنِ زَوْجٍ أَوْ الْمَمْلُوكُ، وَلَوْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَحَلَّلَاهُمَا فَعَلَيْهِمَا الْهَدْيُ، وَلَكِنْ لَا يَتَوَقَّفُ تَحَلُّلُهُمَا عَلَى ذَبْحِ الْهَدْيِ بَلْ يَحِلَّانِ فِي الْحَالِ إذَا فُعِلَ أَدْنَى شَيْءٍ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ كَقَصِّ ظُفُرٍ بِأَمْرِ الزَّوْجِ أَوْ الْمَوْلَى أَمَّا إذَا أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَا مَحْرَمَ لَهَا، وَمَنَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَاتَ زَوْجُهَا أَوْ مَحْرَمُهَا فِي الطَّرِيقِ، وَهِيَ مُحْرِمَةٌ، وَلَوْ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ إلَّا بِذَبْحِ الْهَدْيِ فِي الْحَرَمِ، وَإِنْ حَلَّلَهَا زَوْجُهَا لَا تَتَحَلَّلُ إلَّا بِالْهَدْيِ فِي حَجِّ الْفَرْضِ. اهـ.

وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ: وَأَدْنَاهُ شَاةٌ) قَالَ: فِي اللُّبَابِ وَتَجُوزُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي) أَيْ قَيَّدَ الْخِلَافَ السَّابِقَ قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ أَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَالْحَلْقُ وَاجِبٌ. اهـ.

وَفِي الشرنبلالية كَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْكَافِي وَحَكَاهُ الْبُرْجَنْدِيُّ عَنْ الْمُصَفَّى بِقِيلَ فَقَالَ: وَقِيلَ إنَّمَا لَا يَجِبُ الْحَلْقُ عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا كَانَ الْإِحْصَارُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْحَلْقُ

ص: 58

فِي الْحِلِّ أَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَيَحْلِقُ اتِّفَاقًا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا خِلَافَ فَإِنَّهُمَا قَالَا: بِأَنَّهُ حَسَنٌ، وَهُوَ قَالَ: بِاسْتِحْبَابِهِ، وَلَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ، وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَارِنًا بَعَثَ دَمَيْنِ) أَيْ لَوْ كَانَ الْمُحْصَرُ قَارِنًا فَإِنَّهُ يَبْعَثُ دَمًا لِعُمْرَتِهِ وَدَمًا لِحَجَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْرِمٌ بِهِمَا أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ الَّذِي لِلْعُمْرَةِ وَاَلَّذِي لِلْحَجِّ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ بِهَدْيٍ وَاحِدٍ لِيَتَحَلَّلَ عَنْ أَحَدِهِمَا وَيَبْقَى فِي الْآخَرِ لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهُمَا لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ تَحَلَّلَ عَنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ يَكُونُ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِلْمَشْرُوعِ، وَلَوْ بَعَثَ بِثَمَنِ هَدْيَيْنِ فَلَمْ يُوجَدْ بِذَلِكَ بِمَكَّةَ إلَّا هَدْيٌ وَاحِدٌ فَذُبِحَ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ لَا عَنْهُمَا، وَلَا عَنْ أَحَدِهِمَا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَتَيْنِ أَوْ بِحَجَّتَيْنِ ثُمَّ أُحْصِرَ قَبْلَ السَّيْرِ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِذَبْحِ هَدْيَيْنِ فِي الْحَرَمِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُحْصِرَ بَعْدَ السَّيْرِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ رَافِضًا لِأَحَدِهِمَا بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ، وَأَشَارَ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْبَعْثِ فِي الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ إلَى أَنَّهُ إذَا بَعَثَ الْهَدْيَ إنْ شَاءَ رَجَعَ، وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ: وَيَتَوَقَّفُ بِالْحَرَمِ لَا بِيَوْمِ النَّحْرِ) يَعْنِي فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالزَّمَانِ، وَأَمَّا تَقْيِيدُهُ بِالْمَكَانِ فَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] أَيْ مَكَانَهُ، وَهُوَ الْحَرَمُ فَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمَا فِي قِيَاسِ الزَّمَانِ عَلَى الْمَكَانِ فَلَوْ ذَبَحَ فِي الْحِلِّ فَحَلَّ عَلَى ظَنِّ الذَّبْحِ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ مُحْرِمٌ كَمَا كَانَ، وَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَذْبَحَ فِي الْحَرَمِ، وَعَلَيْهِ الدَّمُ لِتَنَاوُلِ مَحْظُورَاتِ إحْرَامِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ إحْرَامَ الْحَجِّ، وَإِحْرَامَ الْعُمْرَةِ لَكِنْ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِالْعُمْرَةِ لَا يَتَوَقَّفُ ذَبْحُهُ بِالْيَوْمِ، وَفِي الْمُحِيطِ جَعَلَ الْمُوَاعَدَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُ لَا يَتَوَقَّفُ بِالْيَوْمِ فَلَا يَصِيرُ وَقْتُ الْإِحْلَالِ مَعْلُومًا لِلْمُحْصَرِ مِنْ غَيْرِ مُوَاعَدَةٍ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ مُؤَقَّتٌ عِنْدَهُمَا بِيَوْمِ النَّحْرِ فَكَانَ وَقْتُ الْإِحْلَالِ مَعْلُومًا. اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مُوَقَّتٌ عِنْدَهُمَا بِأَيَّامِ النَّحْرِ لَا بِالْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْمُوَاعَدَةِ لِتَعْيِينِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ، وَقَدْ يُقَالُ يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ إلَى مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا.

(قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ إنْ تَحَلَّلَ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، وَعَلَى الْمُعْتَمِرِ عُمْرَةٌ، وَعَلَى الْقَارِنِ حَجَّةٌ، وَعُمْرَتَانِ) بَيَانٌ لِحُكْمِ الْمُحْصَرِ الْمَآلِيِّ فَإِنَّ لَهُ حُكْمَيْنِ حَالِيًّا، وَمَآلِيًّا فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ بَعْثِ الشَّاةِ حُكْمُ الْحَالِيِّ وَالْقَضَاءُ إذَا تَحَلَّلَ وَزَالَ الْإِحْصَارُ حُكْمُهُ الْمَآلِيُّ فَإِنْ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ فَإِنْ حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَإِلَّا لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا، وَعُمْرَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ فَائِتُ الْحَجِّ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا شَرَعَ فِيهِ وَشَمِلَ مَا إذَا قَرَنَ فِي الْقَضَاءِ أَوْ أَفْرَدَهُمَا فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْأَصْلَ لَا الْوَصْفَ، وَأَمَّا نِيَّةُ الْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ بِحَجِّ نَفْلٍ، وَتَحَوَّلَتْ السَّنَةُ فَهِيَ شَرْطٌ، وَإِنْ كَانَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَنْوِي الْقَضَاءَ بَلْ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ الْقَارِنَ عُمْرَةٌ ثَانِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ فَائِتُ الْحَجِّ فَلِذَا لَوْ حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ، وَأَتَى بِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عُمْرَةٌ أُخْرَى، وَأَطْلَقَهُ أَيْضًا فَأَفَادَ أَنَّ لَهُ فِي الْقَضَاءِ الْقِرَانَ، وَإِفْرَادَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ هَكَذَا صَرَّحُوا بِهِ هُنَا، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ والْوَلْوَالِجِيُّ وَالْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا قَالُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ: مِنْ أَنَّهُ إذَا زَالَ الْإِحْصَارُ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعُمْرَةِ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ فِي الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى أَدَائِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي الْتَزَمَهُ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُ الْحَجِّ مُرَتَّبَةً عَلَيْهَا وَبِفَوَاتِ الْحَجِّ يَفُوتُ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَيْسَ لَهُ الْإِفْرَادُ، وَأَنَّ الْقِرَانَ وَاجِبٌ فِي الْقَضَاءِ وَيُنَاقِضُهُ مَا قَالُوهُ فِي بَابِ الْفَوَاتِ مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَدَّى عُمْرَتَهُ مِنْ سَنَتِهِ، وَأَدَّى الْحَجَّ مِنْ سَنَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُحْصَرَ فَائِتٌ لِلْحَجِّ إذَا لَمْ يُدْرِكُهُ فِي سَنَتِهِ وَالْحَقُّ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ بِالشُّرُوعِ الْتَزَمَ أَصْلَ الْقُرْبَةِ لَا صِفَتَهَا، وَهُوَ الْقِرَانُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ قَائِمًا لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عِنْدَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا خِلَافَ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَإِلَّا فَفِي السِّرَاجِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْحَلْقَ وَاجِبٌ لَا يَسْعَهُ تَرْكُهُ.

(قَوْلُهُ: وَيُنَاقِضُهُ مَا قَالُوهُ إلَخْ) أَيْ يُنَاقِضُ مَا قَالُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا حَاصِلُهُ وُجُوبُ الْقِرَانِ فِي الْقَضَاءِ مَا قَالُوهُ فِي بَابِ الْفَوَاتِ مِمَّا حَاصِلُهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَقَوْلُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُحْصَرَ إلَخْ بَيَانُ وَجْهِ الْمُنَاقَضَةِ أَيْ إنَّ الْمُحْصَرَ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ الْحَجَّ فَائِتُ الْحَجِّ فَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَارِنَ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَدَّى عُمْرَتَهُ إلَخْ فَحَصَلَتْ الْمُنَاقَضَةُ، وَقَوْلُهُ وَالْحَقُّ هُوَ الْأَوَّلُ أَيْ مَا أَفَادَهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ

ص: 59

أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ بَعَثَ ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ، وَقَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ وَالْحَجِّ تَوَجَّهَ، وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمَا لَا يَلْزَمُهُ التَّوَجُّهُ، وَهِيَ رَبَاعِيَةٌ فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمَا لَزِمَهُ التَّوَجُّهُ إلَى الْحَجِّ، وَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ بِالْهَدْيِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ إدْرَاكِ الْحَجِّ، وَقَدْ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْبَدَلِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمَا لَا يَلْزَمُهُ التَّوَجُّهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ تَوَجَّهَ لِيَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي التَّحَلُّلِ، وَفِيهِ فَائِدَةٌ، وَهُوَ سُقُوطُ الْعُمْرَةِ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَلَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعُمْرَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِرَانِ وَالْإِفْرَادِ فِي الْقَضَاءِ وَالثَّالِثُ أَنْ يُدْرِكَ الْهَدْيَ دُونَ الْحَجِّ فَيَتَحَلَّلُ وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ فَيَتَحَلَّلُ أَيْضًا صِيَانَةً لِمَالِهِ عَنْ الضَّيَاعِ وَالْأَفْضَلُ التَّوَجُّهُ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّ دَمَ الْإِحْصَارِ عِنْدَهُمَا يَتَوَقَّفُ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَمَنْ يُدْرِكُ الْحَجَّ يُدْرِكُ الْهَدْيَ.

وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْمُحْصَرِ بِالْعُمْرَةِ يَسْتَقِيمُ بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ تَوَقُّتِ الدَّمِ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ يَسْتَقِيمُ عَلَى الْإِجْمَاعِ كَمَا إذَا أُحْصِرَ بِعَرَفَةَ، وَأَمَرَهُمْ بِالذَّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ فَزَالَ الْإِحْصَارُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْحَجَّ دُونَ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ بِمِنًى. اهـ.

وَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِحْصَارَ بِعَرَفَةَ لَيْسَ بِإِحْصَارٍ لِمَا سَيَأْتِي فَلَوْ أُحْصِرَ بِمَكَانٍ قَرِيبٍ مِنْ عَرَفَةَ لَاسْتَقَامَ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ بَعَثَ الْمُحْصَرُ هَدْيًا ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ وَحَدَثَ آخَرُ وَنَوَى أَنْ يَكُونَ عَنْ الثَّانِي جَازَ وَحَلَّ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَتَّى نَحَرَ لَمْ يَجُزْ كَمَنْ وَكَّلَ فِي كَفَّارَةِ يَمِينٍ فَكَفَّرَ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ حَنِثَ فِي يَمِينٍ آخَرَ فَنَوَى أَنْ يَكُونَ مَا فِي يَدِ الْوَكِيلِ كَفَّارَةَ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَتَّى تَصَدَّقَ الْمَأْمُورُ لَا، وَكَذَا لَوْ بَعَثَ هَدْيًا جَزَاءَ صَيْدٍ ثُمَّ أُحْصِرَ فَنَوَى أَنْ يَكُونَ لِلْإِحْصَارِ، وَلَوْ قَلَّدَ بَدَنَةً، وَأَوْجَبَهَا تَطَوُّعًا ثُمَّ أُحْصِرَ فَنَوَى أَنْ يَكُونَ لِإِحْصَارِهِ جَازَ، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ مَكَانَ مَا أَوْجَبَ.

وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عَنْ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْوَقْفِ وَخَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ عِنْدَهُ فَلَا يَمْلِكُ صَرْفَهَا إلَى غَيْرِ تِلْكَ الْجِهَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا إحْصَارَ بَعْدَمَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْفَوَاتُ بَعْدَهُ فَأُمِنَّ مِنْهُ، وَإِنَّمَا تَحَقَّقَ الْإِحْصَارُ فِي الْعُمْرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَفُوتُ لِلُزُومِ الضَّرَرِ بِامْتِدَادِ الْإِحْرَامِ فَوْقَ مَا الْتَزَمَهُ، وَأَمَّا الْمُحْصَرُ فِي الْحَجِّ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَيُمْكِنُهُ التَّحَلُّلُ بِالْحَلْقِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي غَيْرِ النِّسَاءِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّحَلُّلِ بِالدَّمِ ثُمَّ إنْ دَامَ الْإِحْصَارُ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَعَلَيْهِ لِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ دَمٌ وَلِتَرْكِ الْجِمَارِ دَمٌ وَلِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ دَمٌ وَلِتَأْخِيرِ الطَّوَافِ دَمٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ شَيْءٌ كَذَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّ وَاجِبَ الْحَجِّ إذَا تَرَكَهُ بِعُذْرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ خَوْفَ الزِّحَامِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَا شَيْءَ عَلَى الْحَائِضِ بِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِحْصَارَ عُذْرٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ لِلْعُذْرِ مَعَ أَنَّهُ مَنْقُولٌ فِي الْحَاكِمِ كَمَا رَأَيْتُ، وَهُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ السِّتَّةِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى الْإِحْصَارِ بِسَبَبِ الْعَدُوِّ لَا مُطْلَقًا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ بِالْمَرَضِ فَهُوَ سَمَاوِيٌّ يَكُونُ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا فِي إسْقَاطِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالُوهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الْعَدُوَّ إذَا أَسَرُوهُ حَتَّى صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا بِالْوُضُوءِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِحْصَارَ بِعَرَفَةَ لَيْسَ بِإِحْصَارٍ إلَخْ) دَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَنْشَأَ اعْتِرَاضِهِ التَّحْرِيفُ؛ لِأَنَّ النُّسْخَةَ لَوْ أُحْصِرَ بِعَرَفَةَ بِالنُّونِ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْحَجَّ (قَوْلُهُ: فَكَفَّرَ الْمُوَكِّلُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِصِحَّةِ كَوْنِ مَا فِي يَدِ الْوَكِيلِ كَفَّارَةً لِلْيَمِينِ الثَّانِيَةِ بِسَبَبِ عَدَمِ الْوُجُوبِ لِلْأُولَى، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ، وَكَذَا لَوْ بَعَثَ هَدْيًا عَدَمُ التَّقْيِيدِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَلَا إحْصَارَ بَعْدَمَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ) اعْتَرَضَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ تَكْرَارٌ مَحْضٌ مَعَ مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ، وَمَنْ مُنِعَ بِمَكَّةَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي إلَخْ) نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّهْرِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ لَمْ يَقِفْ عَلَى مَا هُنَا فَاسْتَشْكَلَ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا، وَفِي الرَّمْزِ لِلْمَقْدِسِيِّ، وَمَرَّ أَنَّ تَرْكَ وَاجِبِ الْحَجِّ لِعُذْرٍ لَا شَيْءَ فِيهِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَكُونُ بِعَدُوٍّ، وَأَمَّا الْمَرَضُ فَسَمَاوِيٌّ يُعْذَرُ بِهِ. اهـ.

وَقَدَّمْنَا مِثْلَهُ عَنْ شَرْحِ اللُّبَابِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْجِنَايَاتِ أَوْ تَرَكَ السَّعْيَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا إلَخْ) إنْ قُلْتُ: يُنَافِي هَذَا الْحَمْلَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ بِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ خَوْفَ الزِّحَامِ فَقَدْ جَعَلُوهُ عُذْرًا مَعَ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ كَالْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ فِي التَّيَمُّمِ قُلْتُ: قَدْ مَرَّ هُنَاكَ الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّ الْخَوْفَ مِنْ الْعَدُوِّ، وَمِنْ اللَّهِ أَوْ مِنْ الْعِبَادِ وَاَلَّذِي حَقَّقَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ بِسَبَبِ وَعِيدٍ مِنْ الْعَبْدِ فَهُوَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ، وَإِلَّا فَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الْخَوْفَ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ مِنْهُ تَعَالَى خَلْقًا، وَإِرَادَةً لَكِنْ لَمَّا اسْتَنَدَ إلَى مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ مِنْ الْعَبْدِ أُضِيفَ إلَيْهِ، وَمَا هُنَا لَمْ يَحْصُلْ عَنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ لَهُ فَكَانَ مُسْنَدًا إلَيْهِ تَعَالَى

ص: 60