المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الكنايات في الطلاق) - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٣

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌[فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى]

- ‌[فَصْلٌ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ]

- ‌(بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ)

- ‌(بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ)

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ فِي الْحَجّ أَوْ الْعُمْرَة]

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ فِي الْحَجُّ]

- ‌(بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ)

- ‌(بَابُ الْهَدْيِ)

- ‌[مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌(كِتَابُ النِّكَاحِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاح]

- ‌[بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاح]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ مَسَائِلِ الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاح]

- ‌(بَابُ الْمَهْرِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ)

- ‌[بَابُ نِكَاحِ الْكَافِر]

- ‌(بَابُ الْقَسْمِ)

- ‌(كِتَابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[الْمُحْرِمَات بِسَبَبِ الرَّضَاعِ]

- ‌[وَلَبَنُ الرَّجُلِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ]

- ‌ أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌[بَابُ أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ)

- ‌(بَابُ الْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ)

- ‌(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)

الفصل: ‌(باب الكنايات في الطلاق)

كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ فَعَلْت الثَّانِيَةَ وَعِنْدَنَا بِالْجَزَاءِ فَانْعَقَدَتْ إذْ الْجُمْلَةُ وَاحِدَةٌ وَإِلَّا نَزَلَ اثْنَانِ عَلَى الْمَدْخُولَةِ بِتَكْرِيرِ كُلَّمَا كَلَّمَك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَانْحَلَّتْ بِالثَّانِيَةِ لَا إلَى جَزَاءٍ وَلَغَتْ هِيَ بِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَفِي إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ إلَّا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ إذْ الشَّرْطُ إدْخَالُهَا فِي الْجَزَاءِ كَذَا فِي تَعْلِيق طَلَاقهَا وَمَدْخُولَة بِالْحَلِفِ بِطَلَاقِهِمَا إنَّمَا تَنْحَلُّ الثَّانِيَةُ بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ إذْ الثَّالِثَةُ أَنْعَقَدَتْ عَلَى الْمَدْخُولَةِ حَسْبُ فَكَانَتْ الثَّالِثَةُ شَطْرَ الشَّرْطِ وَذَا فِي حَقِّ الثَّالِثَةِ شَطْرٌ أَيْضًا فَلَا تَنْحَلُّ مَا لَمْ يَحْلِفْ بِطَلَاقِ الْمَدْخُولَةِ وَهِيَ الْبَرْدَعِيَّةُ اهـ.

يَعْنِي: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تُلَقَّبُ بِالْبَرْدَعِيَّةِ لِأَنَّ أَبَا سَعِيدٍ البرادعي بَعْدَمَا تَفَقَّهَ وَدَرَسَ سُئِلَ عَنْهَا فَلَمْ يَهْتَدِ إلَى جَوَابِهَا فَارْتَحَلَ إلَى بَغْدَادَ وَتَعَلَّمَ سَبْعَ سِنِينَ حَتَّى صَارَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا وَقُيِّدَ بِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ لِأَنَّ فِيهَا يَتَعَلَّقُ الْكُلُّ بِالشَّرْطِ قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ وَثَلَاثًا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لِلتَّنْجِيزِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا بَلْ ثَلَاثًا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ تَعْلِيقُ الثَّلَاثِ، وَالرُّجُوعِ عَنْ إيقَاعِ الْوَاحِدَةِ فَلَا يَصِلُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ آخِرًا بِإِيقَاعِ الْوَاحِدَةِ فَصَحَّ تَعْلِيقُهُ وَلَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ عَنْ الْوَاحِدَةِ، وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ فَقَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثَلَاثًا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا بَلْ ثَلَاثًا غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ تَامٌّ بِنَفْسِهِ فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ تَنْجِيزًا فَصَارَ تَعْلِيقًا اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ، وَالْمَآبُ.

(بَابُ الْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ)

قَدَّمَ الصَّرِيحَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ إذْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْأَفْهَامِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ كَنَى يَكْنُو إذَا سَتَرَ وَذَكَرَ الرَّضِيُّ أَنَّهَا فِي اللُّغَةِ، وَالِاصْطِلَاحِ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَفْظًا كَانَ أَوْ مَعْنًى بِلَفْظٍ غَيْرِ صَرِيحٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ إمَّا لِلْإِبْهَامِ عَلَى بَعْضِ السَّامِعِينَ كَقَوْلِك جَاءَنِي فُلَانٌ وَأَنْتَ تُرِيدُ زَيْدًا وَقَالَ فُلَانٌ كَيْتَ وَكَيْتَ إبْهَامًا عَلَى بَعْضِ مَنْ يَسْمَعُ أَوْ لِشَنَاعَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ كَهُنَّ فِي الْفَرْجِ أَوْ لِلِاخْتِصَارِ كَالضَّمَائِرِ أَوْ لِنَوْعٍ مِنْ الْفَصَاحَةِ كَقَوْلِك فُلَانٌ كَثِيرُ الرَّمَادِ وَكَثِيرُ الْقِرَى أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ اهـ.

وَفِي عِلْمِ

ــ

[منحة الخالق]

لَا يَحْنَثُ لَوْ اقْتَصَرَ وَبِهِ يَنْدَفِعُ اسْتِشْهَادُ زُفَرَ وَلِأَنَّ الْجُمْلَةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةً لَنَزَلَ طَلْقَتَانِ عَلَى الْمَدْخُولَةِ بِتَكْرِيرِ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَانِيًا كُلَّمَا طَلَّقْتُك مُخَاطَبَةٌ لَهَا وَكَذَلِكَ فَأَنْتِ طَالِقٌ خِطَابٌ ثَانٍ.

فَإِذَا ثَبَتَ انْعِقَادُ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ انْحَلَّتْ بِوُجُودِ الثَّالِثَةِ لَا إلَى جَزَاءٍ لِأَنَّ الْجَزَاءَ يُصَادِفُهَا وَهِيَ مُبَانَةٌ فَتَلْغُوا الثَّالِثَةُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ، وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخَ: لَا يَنْحَلُّ مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا بِكَلَامٍ مُبْتَدَأٍ وَإِلَيْهِ سَبَقَ وَهْمُ أَبِي حَنِيفَةَ حِينَ سَأَلَهُ مُحَمَّدٌ فِي صِغَرِهِ عَمَّنْ قَالَ ثَلَاثًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك وَقَالَ يَا شَيْخُ اُنْظُرْ حَسَنًا فَقَالَ حَنِثَ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحْسَنْت وَقَوْلُهُ: وَفِي إنْ حَلَفْت. . . إلَخْ أَيْ، وَفِيمَا لَوْ قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ إلَّا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِالْمِلْكِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ يَتَعَلَّقُ بَعْدَ مِلْكِ النِّكَاحِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ لِأَنَّ شَرْطَ الِانْحِلَالِ هُنَا هُوَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهَا وَذَلِكَ بِإِدْخَالِهَا فِي جَزَاءِ الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهَا فِيهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِهَا بِخِلَافِ الْأُولَى لِأَنَّ الشَّرْطَ وَهُوَ الْكَلَامُ يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي تَعْلِيقِ الرَّجُلِ طَلَاقَ امْرَأَتَيْهِ الْمَدْخُولِ بِهَا غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا بِالْحَلِفِ بِطَلَاقَيْهِمَا بِأَنْ قَالَ لَهُمَا ثَلَاثًا: إنْ حَلَفْت بِطَلَاقَيْكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ إنَّمَا تَنْحَلُّ الثَّانِيَةُ فِي حَقِّهِمَا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ بِشَرْطٍ آخَرَ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الْيَمِينَ الثَّالِثَةَ الَّتِي هِيَ شَرْطُ انْحِلَالِ الثَّانِيَةِ إنَّمَا انْعَقَدَ عَلَى الْمَدْخُولَةِ خَاصَّةً لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي انْحِلَالِ الثَّانِيَةِ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهِمَا وَذَلِكَ بِإِدْخَالِهِمَا فِي جَزَاءِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يُمْكِنْ إدْخَالُ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ فِيهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ كَمَا مَرَّ فَكَانَتْ الثَّالِثَةُ فِي حَقِّ انْحِلَالِ الثَّانِيَةِ شَطْرَ الشَّرْطِ لَا كُلَّهُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي انْحِلَالِ شَيْءٍ فَإِذَا عَلَّقَ بَعْدَهُ طَلَاقَ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدُ بِشَرْطٍ آخَرَ كَمُلَ الشَّرْطُ فَتَطْلُقُ كُلَّ طَلْقَةٍ أُخْرَى مَعَ الَّتِي وَقَعَتْ بِانْحِلَالِ الْيَمِينِ الْأُولَى.

وَقَوْلُهُ: وَذَا إشَارَةٌ إلَى تَعْلِيقِ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ بِالْمِلْكِ أَوْ بَعْدَهُ فِي حَقِّ الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ شَطْرٌ أَيْضًا مِنْ شُرُوطِ الِانْحِلَالِ فِي حَقِّ الْمَدْخُولَةِ لِأَنَّ الثَّالِثَةَ مُنْعَقِدَةٌ فِي حَقِّهَا خَاصَّةً إلَّا أَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا الْحَلِفُ بِطَلَاقَيْهِمَا وَقَدْ وُجِدَ الْحَلِفُ بِطَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ بَقِيَ لِتَمَامِ شَرْطِ انْحِلَالِ الثَّالِثَةِ فِي حَقِّ الْمَدْخُولَةِ الْحَلِفُ بِطَلَاقِهَا فَلَا تَنْحَلُّ مَا لَمْ يَحْلِفْ بِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحِينَئِذٍ تَطْلُقُ ثَالِثَةً وَبِهَذَا أَعْنِي الْحَلِفَ بِطَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ وُجِدَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ انْعِقَادُ الْيَمِينِ عَلَيْهِمَا وَتَمَامُ شَرْطِ انْحِلَالِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَشَطْرُ شَرْطِ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ مُلَخَّصًا.

[بَابُ الْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ]

ص: 321

الْبَيَانِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمُطَوَّلِ أَنْ لَا يُصَرِّحَ بِذِكْرِ الْمُسْتَعَارِ بَلْ بِذَكَرِ رَدِيفِهِ وَلَازِمِهِ الدَّالِّ عَلَيْهِ فَالْمَقْصُودُ بِقَوْلِنَا أَظْفَارُ الْمَنِيَّةِ اسْتِعَارَةُ السَّبُعِ لِلْمَنِيَّةِ كَاسْتِعَارَةِ الْأَسَدِ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ فِي قَوْلِنَا رَأَيْت أَسَدًا لَكِنَّا لَمْ نُصَرِّحْ بِذِكْرِ الْمُسْتَعَارِ أَعْنِي السَّبُعَ بَلْ اقْتَصَرْنَا عَلَى ذِكْرِ لَازِمِهِ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى الْمَقْصُودِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْكِنَايَةِ فَالْمُسْتَعَارُ هُوَ لَفْظُ السَّبُعِ الْغَيْرِ الْمُصَرَّحِ بِهِ، وَالْمُسْتَعَارُ مِنْهُ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُفْتَرِسُ، وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ هُوَ الْمَنِيَّةُ إلَى آخِرِهِ، وَفِي أُصُولِ الْفِقْهِ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ إذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَتِرُ الْمُرَادُ فَصَرِيحٌ وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ.

فَالْحَقِيقَةُ الَّتِي لَمْ تُهْجَرْ صَرِيحٌ وَاَلَّتِي هُجِرَتْ وَغَلَبَ مَعْنَاهَا الْمَجَازِيُّ كِنَايَةٌ، وَالْمَجَازُ الْغَالِبُ الِاسْتِعْمَالِ صَرِيحٌ وَغَيْرُ الْغَالِبِ كِنَايَةٌ، وَعِنْدَ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ الْكِنَايَةُ لَفْظٌ يُقْصَدُ بِمَعْنَاهُ مَعْنًى ثَانٍ مَلْزُومٍ لَهُ وَهِيَ لَا تُنَافِي إرَادَةَ الْمَوْضُوعِ لَهُ فَإِنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ لَكِنْ قَصَدَ بِمَعْنَاهُ مَعْنَى ثَانٍ كَمَا فِي طَوِيلِ النِّجَادِ بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فَيُنَافِي إرَادَةَ الْمَوْضُوعِ لَهُ اهـ.

وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِي نَفْسِهِ عَنْ انْكِشَافِ الْمُرَادِ فِيهَا بِوَاسِطَةِ التَّفْسِيرِ، وَالْبَيَانِ وَدَخَلَ فِيهَا الْمُشْكِلُ، وَالْمُجْمَلُ، وَفِي الْفِقْهِ هُنَا مَا احْتَمَلَ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ (قَوْلُهُ: لَا تَطْلُقُ بِهَا إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ) أَيْ لَا تَطْلُقُ بِالْكِنَايَاتِ قَضَاءً إلَّا بِإِحْدَى هَذَيْنِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلطَّلَاقِ بَلْ مَوْضُوعَةٌ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ حُكْمِهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنْ مَا عَدَا الثَّلَاثَ مِنْهَا لَمْ يَرِدْ بِهَا الطَّلَاقُ أَصْلًا بَلْ مَا هُوَ حُكْمُهُ مِنْ الْبَيْنُونَةِ مِنْ النِّكَاحِ، وَالْمُرَادُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ الْمُفِيدَةُ لِمَقْصُودِهِ وَمِنْهَا تَقَدُّمُ ذِكْرِ الطَّلَاقِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت وَاخْتَارِي فَقَالَتْ شِئْت وَاخْتَرْت يَقَعُ طَلَاقَانِ أَحَدُهُمَا بِالْمَشِيئَةِ، وَالْآخَرُ بِالِاخْتِيَارِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِتَقَدُّمِ الصَّرِيحِ عَلَيْهَا، وَالْحَالُ فِي اللُّغَةِ صِفَةُ الشَّيْءِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ يُقَالُ حَالٌ حَسَنٌ وَحَسَنَةٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ قَيَّدْنَا بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ دِيَانَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَا عِبْرَةَ بِدَلَالَةِ الْحَالِ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَنَوَاهُ عَنْ الْوَثَاقِ لَا يَقَعُ دِيَانَةً، وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ صَدْرِ الْقُضَاةِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا قَالَ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ، وَإِنْ لَمْ تَدَعْ يَحْلِفُ أَيْضًا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ن قَالَ أَبُو نَصْرٍ قُلْت لِمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ يُحَلِّفُهُ الْحَاكِمُ أَمْ هِيَ تُحَلِّفُهُ قَالَ يُكْتَفَى بِتَحْلِيفِهَا إيَّاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَإِذَا حَلَّفَتْهُ فَحَلَفَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِلَّا رَافَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عِنْدَهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ يَنْظُرُ الْمُفْتِي إلَى سُؤَالِ السَّائِلِ إنْ قَالَ: قُلْت كَذَا هَلْ يَقَعُ يَقُولُ نَعَمْ إنْ نَوَيْت، وَإِنْ قَالَ: كَمْ يَقَعُ يَقُولُ وَاحِدَةً وَلَا يَتَعَرَّضُ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ.

(قَوْلُهُ: فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةً) لِأَنَّ الْأُولَى تَحْتَمِلُ الِاعْتِدَادَ مِنْ النِّكَاحِ وَمِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ بِالنِّيَّةِ وَيَقْتَضِي طَلَاقًا سَابِقًا وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا مِنْ إطْلَاقِ الْحُكْمِ وَإِرَادَةِ الْعِلَّةِ وَلَا يُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ طَلِّقِي لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَا عَنْ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك لِأَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ التَّوَافُقَ فِي الصِّيغَةِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَمَا فِي الشَّرْحِ مِنْ أَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ وَإِرَادَةِ السَّبَبِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَهُ اخْتِصَاصُ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ، وَالْعِدَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِالطَّلَاقِ لِثُبُوتِهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ ثُبُوتَهَا فِيمَا ذُكِرَ لِوُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِهَا فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا بِالْأَصَالَةِ فَغَيْرُ دَافِعٍ سُؤَالَ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي التَّلْوِيحِ، وَالِاعْتِدَادِ شَرْعًا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ مُخْتَصٌّ بِالطَّلَاقِ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ إلَّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ، وَالشَّبَهِ كَالْمَوْتِ وَحُدُوثِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَارْتِدَادِ الزَّوْجِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ اعْتَدِّي مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ أَيْ طَلَّقْتُك فَاعْتَدِّي أَوْ اعْتَدِّي لِأَنِّي طَلَّقْتُك فَفِي الْمَدْخُولِ يَثْبُتُ الطَّلَاقُ وَتَجِبُ الْعِدَّةُ، وَفِي غَيْرِهَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ اهـ.

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: أَنْ لَا يُصَرِّحَ بِذِكْرِ الْمُسْتَعَارِ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا هُوَ الْكِنَايَةُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْبَيَانِيِّينَ بَلْ هِيَ مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ التَّنْقِيحِ أَمَّا هَذِهِ فَهِيَ الِاسْتِعَارَةُ الْمَكِنِيَّةُ الْمُقَابِلَةُ لِلْمُصَرَّحَةِ ثُمَّ رَأَيْته تَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ مَعْنَى الْكِنَايَةِ عِنْدَهُمْ بِنَحْوِ مَا يَأْتِي قَالَ إنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ هُوَ الِاسْتِعَارَةُ بِالْكِنَايَةِ الَّتِي مِنْ الْمَجَازِ بِعَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ وَلَا يَصِحُّ إرَادَتُهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إرَادَتُهَا فِي نَحْوِ اعْتَدِّي كَمَا سَيَأْتِي.

ص: 322

وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ أَمْرُهَا فِيهَا بِالْعِدَّةِ لَيْسَ بِمُوجِبٍ شَيْئًا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَكَلُّفِ الْمَجَازِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُسَبَّبِ هُنَا وُجُوبُ عَدِّ الْإِقْرَاءِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْأَمْرِ وَمَا فِي النَّوَادِرِ مِنْ أَنَّ وُقُوعَ الرَّجْعِيِّ بِهَا اسْتِحْسَانٌ «لِحَدِيثِ سَوْدَةَ يَعْنِي أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لَهَا اعْتَدِّي ثُمَّ رَاجَعَهَا» ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ الْبَائِنُ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ بَعِيدٌ بَلْ ثُبُوتُ الرَّجْعِيِّ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ لِأَنَّ عِلَّةَ الْبَيْنُونَةِ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ مُنْتَفِيَةٌ فِيهَا فَلَا يَتَّجِهُ الْقِيَاسُ أَصْلًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ سَلَكَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِهِمْ فِي تَقْرِيرِ أَنَّ اعْتَدِّي مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ فَقَالَ إنَّ اعْتَدِّي يَقْتَضِي فُرْقَةً بَعْدَ الدُّخُولِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ رَجْعِيٍّ وَبَائِنٍ لَكِنْ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ تَعْيِينَ الْبَائِنِ بَلْ تَعْيِينَ الْأَخَفِّ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى الزَّائِدِ اهـ.

وَهُوَ مَسْلَكٌ حَسَنٌ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْبَائِنَ فِي قَوْلِهِ اعْتَدِّي صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَعَلَى مَا قَرَّرَهُ الْمَشَايِخُ مِنْ الطَّلَاقِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ وَأَمَّا اسْتَبْرِي رَحِمَك فَلِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِدَّةِ وَهُوَ تَعَرُّفُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَيَحْتَمِلُ اسْتَبْرِيهِ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لَأُطَلِّقكِ إذَا عَلِمْت خُلُوَّهُ عَنْ الْوَلَدِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَقَعُ وَعَلَى الثَّانِي لَا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَيَجِبُ كَوْنُهُ مَجَازًا عَنْ كُونِي طَالِقًا فِي الْمَدْخُولَةِ إذَا كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً، وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ مُطْلَقًا وَأَمَّا أَنْتِ وَاحِدَةً فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَعْنَاهُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَإِذَا نَوَاهُ مَعَ هَذَا الْوَصْفِ فَكَأَنَّهُ قَالَهُ.

وَالطَّلَاقُ يَعْقُبُهُ الرَّجْعَةُ وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ نَحْوَ أَنْتِ وَاحِدَةً عِنْدِي أَوْ فِي قَوْمِك مَدْحًا وَذَمًّا فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ مُقْتَضًى، وَلَوْ كَانَ مُظْهِرًا لَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةً فَإِذَا كَانَ مُضْمَرًا وَإِنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُ أَوْلَى وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً إلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْبَيْنُونَةَ الْكُبْرَى أَوْ الصُّغْرَى لَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأُولَيَيْنِ وَأَمَّا فِي أَنْتِ وَاحِدَةً فَالْمَصْدَرُ، وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا بِذِكْرِ صِفَتِهِ لَكِنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْوَاحِدَةِ يَمْنَعُ إرَادَةَ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا صِفَةٌ لِلْمَصْدَرِ الْمَحْدُودِ بِالْهَاءِ فَلَا يَتَجَاوَزُ الْوَاحِدَةَ وَأَطْلَقَ فِي وَاحِدَةٍ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِإِعْرَابِهَا وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْعَوَامَّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ، وَالْخَوَاصُّ لَا تَلْتَزِمُهُ فِي كَلَامِهِمْ عُرْفًا بَلْ تِلْكَ صِنَاعَتُهُمْ، وَالْعُرْفُ لُغَتُهُمْ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي شَرْحِنَا عَلَى الْمَنَارِ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوهُ هُنَا وَاعْتُبِرُوهُ فِي الْإِقْرَارِ فِيمَا لَوْ قَالَ لَهُ دِرْهَمٌ غَيْرُ دَانِقٍ رَفْعًا وَنَصْبًا فَيَحْتَاجُونَ إلَى الْفَرْقِ وَلَمَّا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي وُقُوعِ الرَّجْعِيِّ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ وُجُودَ الطَّلَاقِ مُقْتَضًى أَوْ مُضْمِرًا عُلِمَ أَنْ لَا حَصْرَ فِي كَلَامِهِ بَلْ كُلُّ كِنَايَةٍ كَانَ فِيهَا ذِكْرُ الطَّلَاقِ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي كَلَامِهِ وَيَقَعُ بِهَا الرَّجْعِيُّ بِالْأَوْلَى كَقَوْلِهِ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ طَلَاقِك الطَّلَاقُ عَلَيْك عَلَيْك الطَّلَاقُ لَك الطَّلَاقُ وَهَبْتُك طَلَاقَك إذَا قَالَتْ اشْتَرَيْت مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ قَدْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك قَضَى اللَّهُ طَلَاقَك شِئْت طَلَاقَك تَرَكْت طَلَاقَك خَلَّيْت سَبِيلَ طَلَاقِك أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِتَسْكِينِ الطَّاءِ أَنْتِ أَطْلَقُ مِنْ امْرَأَةِ فُلَانٍ وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ أَنْتِ طَالِ بِحَذْفِ الْآخِرِ خُذِي طَلَاقَك أَقْرَضْتُك طَلَاقَك أَعَرْتُك طَلَاقَك وَيَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ وَمَا أَنَا لَك بِزَوْجٍ لَسْت لَك بِزَوْجٍ وَمَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ نِكَاحِك فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ قَالَهُ ابْنُ سَلَّامٍ، وَفِي الْخُلَاصَةِ اُخْتُلِفَ فِي بَرِئْت مِنْ طَلَاقِك إذَا نَوَى.

، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ، وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي أَنْ يَقَعَ بَائِنًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَالْأَصْلُ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى فِي الطَّلَاقِ بِالْفَارِسِيَّةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ لَفْظٌ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الطَّلَاقِ فَذَلِكَ اللَّفْظُ صَرِيحٌ يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ إذَا أُضِيفَ إلَى الْمَرْأَةِ مِثْلُ زن رها كردم فِي عُرْفِ أَهْلِ خُرَاسَانَ، وَالْعِرَاقِ بهيم لِأَنَّ الصَّرِيحَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ وَمَا كَانَ بِالْفَارِسِيَّةِ يُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ مِنْ كِنَايَاتِ الْفَارِسِيَّةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ كِنَايَاتِ الْعَرَبِيَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِهَا بَائِنَةٌ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ كَيْفَ، وَقَدْ جَعَلَهُ مُقَابِلًا لَهُ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَتَجَاوَزُ الْوَاحِدَةَ) أَيْ فَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْبَيْنُونَةِ الْكُبْرَى وَلَمْ يُصَرِّحْ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الصُّغْرَى مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ لِبَيَانِهِ أَيْضًا لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ كَوْنِ الْوُقُوعِ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ تَطْلِيقَةٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ رَفَعَ الْوَاحِدَةَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى، وَإِنْ نَصَبَهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ نَعْتٌ لِلْمَصْدَرِ أَيْ أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَقَدْ أَوْقَعَ بِالصَّرِيحِ، وَإِنْ سَكَّنَ اُحْتِيجَ إلَى النِّيَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فَيَحْتَاجُونَ إلَى الْفَرْقِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَأَنَّهُ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْبَابَيْنِ (قَوْلُهُ: بَلْ كُلُّ كِنَايَةٍ كَانَ فِيهَا ذِكْرُ الطَّلَاقِ. . . إلَخْ) فِيهِ قُصُورٌ عَمَّا يَذْكُرُهُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ. . . إلَخْ فَإِنَّهُ لَا ذِكْرَ لِلطَّلَاقِ فِيهِ تَأَمَّلْ.

ص: 323

وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ وَتَصِحُّ نِيَّتُهُ الثَّلَاثَ) أَيْ فِي غَيْرِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثٌ بِالنِّيَّةِ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِي الْحُرِّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ بِخِلَافِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ كُلُّ الْجِنْسِ وَلِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ شَرْعًا لِإِنْشَاءِ الْوَاحِدَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ تَغْيِيرَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ طَلَّقَ مَنْكُوحَتَهُ الْحُرَّةَ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْت بَائِنٌ وَنَوَى ثِنْتَيْنِ كَانَتْ وَاحِدَةً لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ لَا تَحْصُلُ بِمَا نَوَى فَلَا تَصِحُّ النِّيَّةُ حَتَّى لَوْ نَوَى الثَّلَاثَ تَقَعُ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ فِي حَقِّهَا تَحْصُلُ بِالثِّنْتَيْنِ وَبِالْوَاحِدَةِ السَّابِقَةِ اهـ.

وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ فَلَا تُرَدُّ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ اخْتَارِي، وَأَمْرُك بِيَدِك فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِمَا بَلْ إذَا نَوَى التَّفْوِيضَ كَانَ لَهَا التَّطْلِيقُ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِقَوْلِهَا بَعْدَهُ اخْتَرْت نَفْسِي وَنَحْوَهُ وَكَمَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ اخْتَارِي فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ التَّفْوِيضِ وَبِهِ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الشَّارِحِ عَلَيْهِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكِنَايَاتِ كُلَّهَا تَصِحُّ فِيهَا نِيَّةُ الثَّلَاثِ إلَّا أَرْبَعَةً الثَّلَاثُ الرَّوَاجِعُ وَاخْتَارِي كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ بَائِنٌ) مِنْ بَابِ بَانَ الشَّيْءُ إذَا انْفَصَلَ فَهُوَ بَائِنٌ وَأَبَنْته بِالْأَلِفِ فَصَلْته، وَبَانَتْ الْمَرْأَةُ بِالطَّلَاقِ فَهِيَ بَائِنٌ بِغَيْرِهَا، وَأَبَانَهَا زَوْجُهَا بِالْأَلِفِ فَهِيَ مُبَانَةٌ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي كِتَابِ التَّوْسِعَةِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ، وَالْمَعْنَى مُبَانَةٌ قَالَ الصَّاغَانِيُّ رحمه الله فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِالشَّرْطِ إبَانَةً بِلَا نِيَّةِ طَلَاقٍ لَمْ يَقَعْ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ اهـ.

فَأَنْتِ بَائِنٌ كِنَايَةٌ مُعَلَّقًا كَانَ أَوْ مُنْجَزًا (قَوْلُهُ: بَتَّةٌ) مِنْ بَتَّهُ بَتًّا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَقَتَلَ قَطَعَهُ، وَفِي الْمُطَاوِعِ فَانْبَتَّ كَمَا يُقَالُ فَانْقَطَعَ وَانْكَسَرَ وَبَتَّ الرَّجُلُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فَهِيَ مَبْتُوتَةٌ، وَالْأَصْلُ مَبْتُوتٌ طَلَاقُهَا وَطَلَّقَهَا طَلْقَةً بَتَّةً وَثَلَاثًا بَتَّةً إذَا قَطَعَهَا مِنْ الرَّجْعَةِ وَأَبَتَّ طَلَاقَهَا بِالْأَلْفِ لُغَةً قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَيُسْتَعْمَلُ الثُّلَاثِيُّ، وَالرُّبَاعِيُّ لَازِمَيْنِ وَمُتَعَدِّيَيْنِ فَيُقَالُ بَتَّ طَلَاقُهَا، وَأَبَتَّهُ وَطَلَاقٌ بَاتٌّ وَبَتٌّ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ بَتْلَةٌ) مِنْ بَتَلَهُ بَتْلًا مِنْ بَابِ قَتَلَ قَطَعَهُ وَأَبَانَهُ وَطَلَّقَهَا طَلْقَةً بَتَّةً بَتْلَةً كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ.

(قَوْلُهُ: حَرَامٌ) مِنْ حَرُمَ الشَّيْءُ بِالضَّمِّ حِرْمًا وَحُرْمًا وَحَرَامًا امْتَنَعَ فِعْلُهُ، وَالْمَمْنُوعُ يُسَمَّى حَرَامًا تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ الْإِيلَاءِ عَنْ الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ، وَالْحَرَامُ عِنْدَهُ طَلَاقٌ وَقَعَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ لَا نَقُولُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ وَلَكِنْ نَجْعَلُهُ نَاوِيًا عُرْفًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ أَوْ حَرَّمْتُك عَلَيَّ أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ بِدُونِ عَلَيَّ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ مُحَرَّمٌ أَوْ حَرُمَتْ نَفْسِي عَلَيْك وَيُشْتَرَطُ قَوْلُهُ: عَلَيْك فِي تَحْرِيمِ نَفْسِهِ لِأَنْفُسِهَا وَكَذَا قَوْلُهُ: حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيَّ حَرَامٌ وَكُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ وَأَنْتِ مَعِي فِي الْحَرَامِ فَإِنْ قُلْت إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِلَا نِيَّةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالصَّرِيحِ فَيَكُونُ الْوَاقِعُ رَجْعِيًّا قُلْت الْمُتَعَارَفُ بِهِ إيقَاعُ الْبَائِنِ لَا الرَّجْعِيِّ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي مَوْضِعٍ صَارَ مُتَعَارَفًا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْإِيلَاءِ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ: أَنْت امْرَأَةٌ حَرَامٌ وَلَمْ يُرِدْ الطَّلَاقُ يَقَعُ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَلَوْ قَالَ هِيَ حَرَامٌ كَالْمَاءِ تَحْرُمُ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالسُّرْعَةِ (قَوْلُهُ: خَلِيَّةٌ) مِنْ خَلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَانِعِ النِّكَاحِ خُلُوًّا فَهِيَ خَلِيَّةٌ وَنِسَاءٌ خَلِيَّاتٌ وَنَاقَةٌ خَلِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ مِنْ عِقَالِهَا فَهِيَ تَرْعَى حَيْثُ شَاءَتْ وَمِنْهُ يُقَالُ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ هِيَ خَلِيَّةٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ: بَرِيئَةٌ) يَحْتَمِلُ النِّسْبَةَ إلَى الشَّرِّ أَيْ بَرِيئَةٌ مِنْ حُسْنِ الْخَلْقِ وَأَفْعَالِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَمَا فِي مَعْنَاهَا) أَيْ مِمَّا مَرَّ قَرِيبًا وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا أُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ كَوْنَ مَا عَدَا الثَّلَاثِ يَقَعُ بِهِ بَائِنًا مَمْنُوعٌ بَلْ يَقَعُ الرَّجْعِيُّ بِبَعْضِ الْكِنَايَاتِ سِوَى الثَّلَاثِ، وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ أَنَّ مَبْنَى الْإِيرَادِ عَلَى أَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِنْهُ قِسْمُ الْكِنَايَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ خِلَافًا وَأَنَّهَا مِنْ الصَّرِيحِ، وَقَدْ كُنْت تَوَقَّفْت فِي ذَلِكَ بُرْهَةً حَتَّى رَأَيْت بِخَطِّ الْحَمَوِيِّ الْمُوَافَقَةَ عَلَيْهِ اهـ.

وَفِيهِ نَظِيرٌ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ الصَّرِيحِ لَمَا احْتَاجَتْ إلَى نِيَّةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الصَّرِيحِ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ مِنْ كَوْنِ مَا سَبَقَ دَاخِلًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَوَقُّفُهَا عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَكَمَا لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ اخْتَارِي) أَيْ بِدُونِ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَقَوْلُهُ: لِمَا سَنَذْكُرُهُ أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ الْخُلُوصَ، وَالصَّفَا فَهُوَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ، وَالْبَيْنُونَةُ تَثْبُتُ فِيهِ مُقْتَضًى فَلَا تَعُمُّ بِخِلَافِ أَنْتِ بَائِنٌ وَنَحْوُهُ لِتَنَوُّعِ الْبَيْنُونَةِ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ اهـ.

وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ وَكَلَامُ النَّهْرِ يَقْتَضِي أَنَّ النُّسْخَةَ لِمَا سَيُذْكَرُ بِالْيَاءِ أَيْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَطْلَقَ هُنَا، وَالْمُرَادُ مَا عَدَا اخْتَارِي اعْتِمَادًا عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَرَى أَنَّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ أَيْ غَيْرِ الثَّلَاثِ مِنْ الْكِنَايَاتِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الْبَائِنُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْمَحْصُورَةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَفِي غَيْرِهَا الَّتِي هِيَ كَذَا لَا غَيْرِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ دَفْعًا لِلْإِيرَادِ اهـ.

وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ، وَفِي غَيْرِهَا. . . إلَخْ بِقَوْلِهِ وَهِيَ بَائِنٌ. . إلَخْ لَمْ يُدْخِلْ فِيهِ اخْتَارِي.

ص: 324

الْمُسْلِمِينَ وَإِلَى الْخَيْرِ أَيْ عَنْ الدُّنْيَا أَوْ عَنْ الْبُهْتَانِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَنْتِ بَرِيئَةٌ عَنْ النِّكَاحِ، وَفِي الْكَافِي بَرِيئَةٌ مِنْ الْبَرَاءَةِ وَلِهَذَا وَجَبَ هَمْزُهَا.

(قَوْلُهُ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك) تَمْثِيلٌ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالصُّورَةِ الْمُنْتَزِعَةِ مِنْ أَشْيَاءَ وَهِيَ هَيْئَةُ النَّاقَةِ إذَا أُرِيدَ إطْلَاقُهَا تَرْعَى وَهِيَ ذَاتُ رَسَنٍ وَأُلْقِيَ الْحَبْلُ عَلَى غَارِبِهَا وَهُوَ مَا بَيْنَ السَّنَامِ، وَالْعُنُقِ كَيْ لَا تَتَعَقَّلَ بِهِ إذَا كَانَ مَطْرُوحًا فَشَبَّهَ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ الْإِطْلَاقِيَّةِ انْطِلَاقَ الْمَرْأَةِ مِنْ قَيْدِ النِّكَاحِ أَوْ الْعَمَلِ، وَالتَّصَرُّفِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّهُ اُسْتُعِيرَ لِلْمَرْأَةِ وَجُعِلَ كِنَايَةً عَنْ طَلَاقِهَا أَيْ اذْهَبِي حَيْثُ شِئْت كَمَا يَذْهَبُ الْبَعِيرُ، وَفِي النَّوَادِرِ الْغَارِبُ أَعْلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَالْجَمْعُ الْغَوَارِبُ (قَوْلُهُ: الْحَقِي بِأَهْلِك) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يَعْنِي فَتُكْسَرُ الْهَمْزَةُ وَتُفْتَحُ الْحَاءُ مِنْ لَحِقَتْهُ وَلَحِقَتْ بِهِ مِنْ بَابِ تَعِبَ لَحَاقًا بِالْفَتْحِ أَدْرَكْته، وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَأَلْحَقْته بِالْأَلِفِ مِثْلُهُ فَعَلَى هَذَا لَا تَتَعَيَّنُ الْهَمْزَةُ لِلْوَصْلِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْقَطْعِ مَعَ كَسْرِ الْحَاءِ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَالْحَقِي مِنْ اللُّحُوقِ لَا مِنْ الْإِلْحَاقِ وَانْتَقِلِي وَانْطَلِقِي كَالْحَقِي.

وَفِي الْقُنْيَةِ: قَالَتْ لِزَوْجِهَا تَغَيَّرَ لَوْنِي، فَقَالَ الزَّوْجُ: رَدَدْتُك بِهَذَا الْعَيْبِ وَنَوَى الطَّلَاقَ يَقَعُ قَالَ الْكَمَالُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ فِي الْهِبَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ تَطْلُقُ فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ قَالَ: نَوَيْت أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهَا لَا يُصَدَّقُ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَمَا نَوَى فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ وَإِلَّا فَهِيَ زَوْجَتُهُ هَذَا إذَا ابْتَدَأَ الزَّوْجُ فَلَوْ ابْتَدَأْت فَقَالَتْ هَبْ طَلَاقِي تُرِيدُ أَعْرِضْ عَنْهُ فَقَالَ: وَهَبْت لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى لِأَنَّهُ جَوَابُهَا فِيمَا طَلَبَتْ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَقَعَ إذَا نَوَى لِأَنَّهُ لَوْ ابْتَدَأَ بِهِ وَنَوَى يَقَعُ فَإِذَا نَوَى الطَّلَاقَ فَقَدْ قَصَدَ عَدَمَ الْجَوَابِ وَأَخْرَجَ الْكَلَامَ ابْتِدَاءً وَلَهُ ذَلِكَ وَهُوَ أَدْرَى بِنَفْسِهِ وَنِيَّتِهِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْحَقِي بِرُفْقَتِك يَقَعُ إذَا نَوَى.

(قَوْلُهُ: وَهَبْتُك لِأَهْلِك) يَحْتَمِلُ الْبَيْنُونَةَ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَقْتَضِي زَوَالَ الْمِلْكِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَقْبَلُوهَا لِأَنَّ الْقَبُولَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ رَدَدْتُك إلَيْهِمْ فَتَصِيرُ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْبَيْنُونَةُ الْحَقِي بِأَهْلِك وَمِثْلُهُ وَهَبْتُك لِأَبِيك أَوْ لِابْنِك أَوْ لِلْأَزْوَاجِ لِأَنَّهَا تُرَدُّ إلَى هَؤُلَاءِ بِالطَّلَاقِ عَادَةً وَخَرَجَ عَنْهُ مَا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك لِلْأَجَانِبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ، وَالْأَخُ، وَالْأُخْتُ، وَالْعَمَّةُ، وَالْخَالَةُ مِنْ الْأَجَانِبِ هُنَا فَلَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ لِأَنَّهَا لَا تُرَدُّ إلَيْهِمْ بِالطَّلَاقِ عَادَةً وَخَرَجَ عَنْهُ مَا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُك بَعْضَ طَلَاقِك فَإِنَّهُ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَهَبْت لَك طَلَاقَك فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي الْقَضَاءِ بِلَا نِيَّةٍ وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ أَرَادَ كَوْنَهُ فِي يَدِهَا إلَّا إذَا وَقَعَ جَوَابًا لِقَوْلِهَا هَبْ لِي طَلَاقِي فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى، وَفِي الْمِعْرَاجِ لَوْ قَالَ: أَبَحْتك طَلَاقَك لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى، وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَهَبْت نَفْسَك مِنْك يَقَعُ إذَا نَوَى.

(قَوْلُهُ: سَرَّحْتُك فَارَقْتُك) وَجَعَلَهُمَا الشَّافِعِيُّ مِنْ الصَّرِيحِ لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ لِلطَّلَاقِ كَثِيرًا قُلْنَا الْمُعْتَبَرُ تَعَارُفُهُمَا فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ فِي الطَّلَاقِ لِاسْتِعْمَالِهِمَا شَرْعًا مُرَادًا هُوَ بِهِمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْكَافِي وَلَنَا الصَّرِيحُ مَا لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ النِّسَاءِ وَهُمْ يَقُولُونَ سَرَحَتْ إبِلِي وَفَارَقَتْ غَرِيمِي وَمَشَايِخُ خُوَارِزْمَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَانُوا يُفْتُونَ بِأَنَّ لَفْظَ التَّسْرِيحِ بِمَنْزِلَةِ الصَّرِيحِ يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ بِدُونِ النِّيَّةِ كَذَا فِي الْمُجْتَنَى، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ: أَنْت السَّرَاحُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ اُعْزُبِي، وَفِي الْقُنْيَةِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْفُرْقَةِ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِالطَّلَاقِ لِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا.

قَوْلُهُ: أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي) كِنَايَتَانِ لِلتَّفْوِيضِ فَإِذَا نَوَى تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ إلَيْهَا كَانَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: أَنْت حُرَّةٌ) عَنْ حَقِيقَةِ الرِّقِّ أَوْ عَنْ رِقِّ النِّكَاحِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَعْتَقْتُك مِثْلُ أَنْتِ حُرَّةٌ، وَفِي الْبَدَائِعِ كُونِي حُرَّةً أَوْ اعْتِقِي مِثْلُ أَنْتِ حُرَّةٌ كَكُونِي طَالِقًا مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ.

(قَوْلُهُ: تَقَنَّعِي تَخَمَّرِي اسْتَتِرِي) لِأَنَّك بِنْتِ وَحَرُمْت عَلَيَّ بِالطَّلَاقِ أَوْ لِئَلَّا يَنْظُرَ إلَيْك أَجْنَبِيٌّ، وَفِي الْمِصْبَاحِ قِنَاعُ الْمَرْأَةِ جَمْعُهُ قُنُعٌ مِثْلُ كِتَابٍ وَكُتُبٍ وَتَقَنَّعَتْ لَبِسَتْ الْقِنَاعَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: قَالَ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ ثُمَّ فِي الْهِبَةِ. . . إلَخْ) سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الْأَنْسَبُ فَإِنَّ مَحَلَّ ذِكْرِهِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَهُ.

ص: 325

، وَالْخِمَارُ ثَوْبٌ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا، وَالْجَمْعُ خُمُرٌ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ وَاخْتَمَرَتْ الْمَرْأَةُ وَتَخَمَّرَتْ لَبِسَتْ الْخِمَارَ اهـ.

وَفِي الْمِعْرَاجِ تَقَنَّعِي مِنْ الْقَنَاعَةِ وَقِيلَ مِنْ الْقِنَاعِ وَهُوَ الْخِمَارُ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ اسْتَتِرِي فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ اسْتَتِرِي مِنِّي خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ كِنَايَةً كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ (قَوْلِهِ اُعْزُبِي) مِنْ الْعُزْبَةِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَوْ مِنْ الْغُرُوبِ بِالْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْبُعْدُ أَيْ اُبْعُدِي لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِزِيَارَةِ أَهْلِك (قَوْلُهُ: اُخْرُجِي اذْهَبِي قُومِي) لِحَاجَةٍ أَوْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك قَيَّدَ بِاقْتِصَارِهِ عَلَى اذْهَبِي لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: اذْهَبِي فَبِيعِي ثَوْبَك لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى، وَلَوْ قَالَ: اذْهَبِي إلَى جَهَنَّمَ يَقَعُ إنْ نَوَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ قَالَ: اذْهَبِي فَتَزَوَّجِي وَقَالَ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ تَزَوَّجِي إنْ أَمْكَنَك وَحَلَّ لَك كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، وَفِي الْقُنْيَةِ اذْهَبِي وَتَحَلَّلِي إقْرَارُ الثَّلَاثِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ تَنَحِّي عَنِّي يَقَعُ إذَا نَوَى، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اذْهَبِي وَتَزَوَّجِي تَقَعُ وَاحِدَةً وَلَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّ تَزَوَّجِي قَرِينَةٌ فَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ اهـ.

وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْوَاوِ، وَالْفَاءِ وَهُوَ بَعِيدٌ هُنَا، وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ اذْهَبِي أَلْفَ مَرَّةٍ يَنْوِي بِهِ طَلَاقًا فَثَلَاثًا، وَفِي الْبَدَائِعِ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ لَهَا: افْلَحِي يُرِيدُ الطَّلَاقَ يَقَعُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى اذْهَبِي تَقُولُ الْعَرَبُ أَفْلَحَ بِخَيْرٍ أَيْ ذَهَبَ بِخَيْرٍ وَيَحْتَمِلُ اظْفَرِي بِمُرَادِك يُقَالُ أَفْلَحَ الرَّجُلُ إذَا ظَفِرَ بِمُرَادِهِ.

(قَوْلُهُ: ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ) إنْ أَمْكَنَك وَحَلَّ لَك أَوْ اُطْلُبِي النِّسَاءَ إذْ الزَّوَاجُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ أَوْ ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَتَزَوَّجِي مِثْلِي، وَفِي الْقُنْيَةِ زَوَّجَ امْرَأَتَهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا ثُمَّ رَقَمَ لِآخَرَ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ طَلُقَتْ، وَفِيهَا قَبْلَهُ أَنْتِ أَجْنَبِيَّةٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ رُدَّ، وَفِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ إقْرَارٌ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِإِطْلَاقٍ إلَى أَنَّ الْكِنَايَاتِ كُلَّهَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَقَدْ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْقُدُورِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ وَخَالَفَهُمَا فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ فَقَالُوا بَعْضُهَا لَا يَقَعُ بِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَالضَّابِطُ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيرِ أَنَّ فِي حَالَةِ الرِّضَا الْمُجَرَّدِ عَنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ يَصْدُقُ فِي الْكُلِّ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ، وَفِي حَالَةِ الرِّضَا الْمَسْئُولُ فِيهَا الطَّلَاقُ يَصْدُقُ فِيمَا يَصْلُحُ رَدٌّ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مِثْلُ اُخْرُجِي اذْهَبِي اُعْزُبِي قُومِي تَقَنَّعِي اسْتَتِرِي تَخَمَّرِي، وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ الْمُجَرَّدِ عَنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ يَصْدُقُ فِيمَا يَصْلُحُ سَبًّا أَوْ رَدًّا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ إلَّا السَّبَّ أَوْ الرَّدَّ كَخَلِيَّةٍ بَرِيئَةٍ بَتَّةٍ بَتْلَةٍ بَائِنٍ حَرَامٍ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا يَصْلُحُ جَوَابًا فَقَطْ كَاعْتَدِّي وَاسْتَبْرِي رَحِمَكِ وَأَنْتِ وَاحِدَةً وَاخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك فَمَا يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ فَقَطْ خَمْسَةٌ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي حَالَةِ الْغَضَبِ الْمَسْئُولُ فِيهَا الطَّلَاقُ يَجْتَمِعُ فِي عَدَمِ تَصْدِيقِهِ فِي الْمُتَمَحِّضِ جَوَابًا سَبَبَانِ الْمُذَاكَرَةُ، وَالْغَضَبُ وَكَذَا فِي قَبُولِ قَوْلِهِ فِيمَا يَصْلُحُ رَدًّا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُذَاكَرَةِ، وَالْغَضَبِ يَسْتَقِلُّ بِإِثْبَاتِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي دَعْوَى عَدَمِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ، وَفِيمَا يَصْلُحُ لِلسَّبَبِ يَنْفَرِدُ الْغَضَبُ بِإِثْبَاتِهِ فَلَا تَتَغَيَّرُ الْأَحْكَامُ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةٌ حَالَةٌ مُطْلَقَةٌ، وَحَالَةُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَحَالَةُ الْغَضَبِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُطْلَقَةِ الْمُطْلَقَةُ عَنْ قَيْدَيْ الْغَضَبِ، وَالْمُذَاكَرَةِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَهِيَ حَالَةُ الرِّضَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي وَأَنَّ الْكِنَايَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا وَلَا شَتْمًا وَقِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَرَدًّا وَلَا يَصْلُحُ شَتْمًا وَقِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا وَشَتْمًا وَلَا يَصْلُحُ رَدًّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَخَلَّيْت سَبِيلَك وَفَارَقْتُك أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ لِمَا فِيهَا مِنْ احْتِمَالِ مَعْنَى السَّبَبِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَجَعَلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُلْحَقَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِمَا يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ فَقَطْ وَهِيَ اعْتَدِّي وَاخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ التَّفَاصِيلَ لِأَنَّ الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ فِي الْكَافِي الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ لَمْ يَذْكُرْهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ شَارِحُهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ.

وَحَاصِلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ مِنْ الْكِنَايَاتِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَهُوَ بَعِيدٌ هُنَا) أَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُ الذَّخِيرَةِ بِخِلَافِهِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ قَالَ لَهَا اذْهَبِي وَتَزَوَّجِي لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَإِنْ نَوَى فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَهِيَ ثَلَاثٌ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْمُنْتَقَى. . . إلَخْ) يُخَالِفُهُ مَا مَرَّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ أَفْحَشُ الطَّلَاقِ. . . إلَخْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَلْفَ مَرَّةٍ تَقَعُ وَاحِدَةً وَنَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ.

(قَوْلُهُ: كَخَلِيَّةٍ بَرِيَّةٍ. . . إلَخْ) تَمْثِيلٌ لِقَوْلِهِ سَبًّا لَا لَهُ وَلِقَوْلِهِ أَوْ رَدًّا لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لَهُ وَارْجِعْ إلَى النَّهْرِ تَزْدَدْ بَصِيرَةً (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعِنْدِي أَنَّ الْأُولَى هُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى حَالَةِ الْغَضَبِ، وَالْمُذَاكَرَةِ إذْ الْكَلَامُ فِي الْأَحْوَالِ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِيهَا الدَّلَالَةُ لَا مُطْلَقًا ثُمَّ رَأَيْته فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَ أَنْ قَسَّمَ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةً كَالشَّارِحِ قَالَ فَفِي حَالَةِ الرِّضَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِي حَالَةِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْغَضَبِ فَقَدْ قَالُوا إنَّ الْكِنَايَاتِ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ وَذَكَرَ مَا مَرَّ وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ (قَوْلُهُ: قِسْمٌ يَصْلُحُ جَوَابًا) أَيْ جَوَابًا لِطَلَبِهَا الطَّلَاقَ أَيْ التَّطْلِيقَ

ص: 326

ثَلَاثَةَ عَشَرَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا دَلَالَةُ الْحَالِ وَلَا تَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك، تَقَنَّعِي، تَخَمَّرِي، اسْتَتِرِي، قُومِي، اُخْرُجِي، اذْهَبِي، انْتَقِلِي، انْطَلِقِي، تَزَوَّجِي، اُعْزُبِي، لَا نِكَاحَ لِي عَلَيْك، وَهَبْتُك لِأَهْلِك، وَفِيمَا عَدَاهَا تُعْتَبَرُ ` الدَّلَالَةُ.

لَكِنْ ثَمَانِيَةٌ تَقَعُ بِهَا حَالُ الْمُذَاكَرَةِ، أَنْتِ خَلِيَّةٌ، بَرِيَّةٌ، بَتَّةٌ، بَائِنٌ، حَرَامٌ، اعْتَدِّي، أَمْرُك بِيَدِك، اخْتَارِي.

وَثَلَاثَةٌ مِنْ هَذِهِ الثَّمَانِيَةِ يَقَعُ بِهَا حَالَ الْغَضَبِ، اعْتَدِّي، أَمْرُك بِيَدِك، اخْتَارِي، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذِهِ لَوْ قَالَ فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَارَقْتُك أَوْ بَايَنْتُك أَوْ بِنْتُ مِنْك أَوْ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك أَوْ سَرَّحْتُك أَوْ وَهَبْتُك لِنَفْسِك أَوْ تَرَكْت طَلَاقَك أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَ طَلَاقِك أَوْ سَبِيلَك أَوْ أَنْتِ بَائِنَةٌ أَوْ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ أَنْتِ أَعْلَمُ بِشَأْنِك، فَقَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي يَقَعُ الطَّلَاقُ.

وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ اهـ. فَصَارَتْ الْأَلْفَاظُ الْوَاقِعُ بِهَا حَالَ الْمُذَاكَرَةِ عِشْرِينَ لَفْظًا وَإِنَّمَا وَقَعَ الْبَائِنُ بِمَا عَدَا الثَّلَاثِ وَمَا كَانَ بِمَعْنَاهَا مَعَ أَنَّ الْمُكَنَّى عَنْهُ الطَّلَاقُ وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ الْمُكَنَّى عَنْهُ الطَّلَاقُ بَلْ إنَّمَا هُوَ الْبَيْنُونَةُ لِأَنَّهَا هِيَ مَعْنَى اللَّفْظِ الدَّائِرِ فِي الْأَفْرَادِ فَكَوْنُهَا كِنَايَةً لَا تَسْتَلْزِمُ كَوْنَهَا مَجَازًا عَنْ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكِّكِ فَالْقَطْعُ الْمُتَعَلِّقُ بِالنِّكَاحِ فَرْدٌ مِنْ نَوْعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِالْخَيْرِ، وَالشَّرِّ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَذْكُرْ مُتَعَلِّقَهُ كَمَا يَحْتَمِلُ رَجُلٌ كُلًّا مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا، وَالْبَيْنُونَةُ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَهِيَ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الثَّلَاثِ وَخَفِيفَةٍ كَالْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْخُلْعِ وَأَيُّهُمَا أَرَادَ صَحَّ وَثَبَتَ مَا يَثْبُتُ بِلَفْظِ طَالِقٌ عَلَى مَالٍ وَطَالِقٌ ثَلَاثًا وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا يَثْبُتُ عِنْدَ طَالِقٍ شَرْعًا لَازِمٌ أَعَمُّ يَثْبُتُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ هَذَا الْأَلْفَاظُ، وَالْخُلْعُ فَقَوْلُنَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ مَعْنَاهُ يَقَعُ لَازِمُ لَفْظِ الطَّلَاقِ شَرْعًا وَانْتِقَاصُ عَدَدِهِ هُوَ بِتَعَدُّدِ وُقُوعِ ذَلِكَ اللَّازِمِ وَاسْتِكْمَالُهُ بِذَلِكَ وَبِإِرْسَالِ لَفْظِ الثَّلَاثِ بَلْ مَعْنَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ وُقُوعُ اللَّازِمِ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّهُ هُوَ مَعْنَى لَفْظِ الطَّلَاقِ فَالْوَاقِعُ بِالْكِنَايَةِ هُوَ الطَّلَاقُ بِلَا تَأْوِيلٌ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْكِنَايَةِ حَقِيقَةٌ، فَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَيْسَتْ كِنَايَاتٍ عَلَى التَّحْقِيقِ لِأَنَّهَا عَوَامِلُ فِي حَقَائِقِهَا قَالَ فِي التَّحْرِيرِ إنَّهُ غَلَطٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ تُنَافِي الْكِنَايَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ قَدْ تَكُونُ حَقِيقَةً لِأَنَّهَا بِتَعَدُّدِ الْمَعْنَى، وَقَدْ لَا تَكُونُ حَقِيقَةً فِيهَا وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْكِنَايَةَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ الَّتِي تَكُونُ مُسْتَتِرَ الْمُرَادِ وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ، وَالتَّرَدُّدُ فِيمَا يُرَادُ بِهَا هِيَ أَبَائِنٌ مِنْ الْخَيْرِ أَوْ النِّكَاحِ قَالَ فِي التَّحْرِيرِ إنَّهُ مُنْتَفٍ بِأَنَّ الْكِنَايَةَ بِسَبَبِ التَّرَدُّدِ فِي الْمُرَادِ لَا بِسَبَبِ التَّرَدُّدِ فِي الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ كَالْمُشْتَرَكِ، وَالْخَاصِّ فِي فَرْدٍ مُعَيَّنٍ فَإِذَا كَانَتْ كِنَايَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ فِي إضَافَتِهَا إلَى الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْإِضَافَةِ أَنَّهَا كِنَايَةٌ عَنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِلَّا وَقَعَ رَجْعِيًّا، وَفِي الْهِدَايَةِ، وَالشَّرْطُ تَعْيِينُ أَحَدِ نَوْعَيْ الْبَيْنُونَةِ دُونَ الطَّلَاقِ اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ فِي الْكِنَايَاتِ الْبَوَائِنِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ بَيْنُونَةِ النِّكَاحِ، وَفِي التَّنْقِيحِ قَالُوا وَكِنَايَاتُ الطَّلَاقِ تَطْلُقُ مَجَازًا لِأَنَّ مَعَانِيهَا غَيْرُ مُسْتَتِرَةٍ لَكِنَّ الْإِبْهَامَ فِيمَا يَتَّصِلُ بِهَا كَالْبَائِنِ مَثَلًا فَإِنَّهُ مُبْهَمٌ فِي أَنَّهَا بَائِنَةٌ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ عَنْ النِّكَاحِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا نَوَى نَوْعًا مِنْهَا تَعَيَّنَ وَتَبَيَّنَ بِمُوجِبٍ الْكَلَامِ، وَلَوْ جُعِلَتْ كِنَايَةً حَقِيقَةً تَطْلُقُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهُمْ فَسَّرُوهَا بِمَا يَسْتَتِرُ الْمُرَادُ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ الْمُسْتَتِرُ هُنَا الطَّلَاقُ فَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَبِتَفْسِيرِ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ أَنْ يُذْكَرَ لَفْظٌ وَيُقْصَدَ بِمَعْنَاهُ مَعْنًى ثَانٍ مَلْزُومٌ لَهُ فَيُرَادُ بِالْبَائِنِ مَعْنَاهُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهُ بِنِيَّةٍ إلَى الطَّلَاقِ فَتَطْلُقُ عَلَى صِفَةِ الْبَيْنُونَةِ لَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقُ وَتَمَامُهُ فِي التَّلْوِيحِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ وَاحِدَةً لَيْسَ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ بِتَفْسِيرِ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ وَلَكِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ لَكِنَّهُ كِنَايَةٌ بِاعْتِبَارِ اسْتِتَارِ الْمُرَادِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيك أَوْ لَا أُرِيدُ أَوْ لَا أُحِبُّك أَوْ لَا أَشْتَهِيك أَوْ لَا رَغْبَةَ لِي فِيك فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَفِي التَّنْقِيحِ قَالُوا. . . إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ إطْلَاقَ الْكِنَايَةِ عَلَى كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَجَازٌ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ الْأُصُولِيِّينَ لَهَا بِمَا اسْتَتَرَ الْمُرَادُ مِنْهَا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُسْتَتِرَ الطَّلَاقُ وَهَذَا مُقَابِلٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا كِنَايَاتٌ حَقِيقَةً بِنَاءً عَلَى مَنْعِ كَوْنِ الْمَكْنِيِّ عَنْهُ الطَّلَاقُ وَإِنَّمَا هُوَ الْبَيْنُونَةُ

ص: 327

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقَعُ فِي قَوْلِهِ لَا حَاجَةَ لِي فِيك إذَا نَوَى، وَفِي التَّفَارِيقِ عَنْ ابْنِ سَلَّامٍ يَكُونُ ثَلَاثًا إذَا نَوَى، وَلَوْ قَالَ: فَسَخْت النِّكَاحَ وَنَوَى الطَّلَاقَ يَقَعُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ، وَالرِّوَايَةُ هَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بَائِنٌ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ، وَفِي جَمْعٍ بُرْهَانٌ قَالَ: لَمْ يَبْقَ بَيْنِي وَبَيْنَك عَمَلٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ، وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ خِلَافُهُ، وَفِي التَّفَارِيقِ قِيلَ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَبْقَ بَيْنِي وَبَيْنَك شَيْءٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ: أَرْبَعَةُ طُرُقٍ عَلَيْك مَفْتُوحَةٌ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى مَا لَمْ يَقُلْ خُذِي إلَى أَيِّ طَرِيقٍ شِئْت، وَفِي اللَّآلِي وَهَكَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَفِي النَّظْمِ قَالَ أَسَدٌ قَالَ مُحَمَّدٌ يَقَعُ ثَلَاثًا، وَقَالَ ابْنُ سَلَّامٍ أَخَافُ أَنْ يَقَعَ ثَلَاثًا لِمَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ لَهَا: أَنْت عَلَيَّ كَالْمَيِّتَةِ أَوْ كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ الْخَمْرِ وَنَوَى الطَّلَاقَ يَقَعُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ طَلَبَتْ مِنْهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ: لَمْ يَبْقَ بَيْنِي وَبَيْنَك عَمَلٌ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ النِّكَاحَ وَيَنْوِيَ بِهِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فَحِينَئِذٍ يَقَعُ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ الْكِنَايَاتِ خَالَعْتكِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ وَسَيَأْتِي، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْك لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى، وَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُك عَنْ الزَّوْجِيَّةِ يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ اهـ.

وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَشَرْحِهِ لَوْ قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي أَوْ حَرَّمْت نَفْسِي عَلَيْك فَقَالَ: أَجَزْت وَقَعَ بَائِنًا بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا الطَّلَاقَ وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي فَقَالَ: أَجَزْت نَاوِيًا الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ وَسَنَذْكُرُهُ بِتَمَامِهِ فِي فَصْلِ الِاخْتِيَارِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ طَلَاقِك لَا يَكُونُ طَلَاقًا، وَلَوْ قَالَ: بَرِئْت إلَيْك مِنْ طَلَاقِك يَقَعُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ.

وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ قَالَ بَعْضُهُمْ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى وَهُوَ الظَّاهِرُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَهَا اعْتَدِّي ثَلَاثًا وَنَوَى بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِمَا بَقِيَ حَيْضًا صُدِّقَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِمَا بَقِيَ شَيْئًا فَهِيَ ثَلَاثٌ) لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ الْحَيْضِ بِالْبَاقِي نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَبِنِيَّةِ الْأُولَى طَلَاقًا صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِيَتَانِ لِلطَّلَاقِ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ قَضَاءً وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مُذَاكَرَةَ الطَّلَاقِ لَا تَنْحَصِرُ فِي سُؤَالِ الطَّلَاقِ بَلْ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ تَقَدُّمِ الْإِيقَاعِ وَدَخَلَ تَحْتَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَا إذَا نَوَى بِكُلٍّ مِنْهُمَا حَيْضًا فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً وَهِيَ الْأُولَى وَمَا إذَا نَوَى بِالثَّالِثَةِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ، وَمَا إذَا نَوَى بِالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ وَمَا إذَا نَوَى بِالثَّانِيَةِ طَلَاقًا وَبِالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ وَمَا إذَا نَوَى بِالثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ حَيْضًا فَفِي هَذِهِ السِّتِّ لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً وَدَخَلَ تَحْتَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا إذَا نَوَى بِالْأُولَى حَيْضًا لَا غَيْرُ أَوْ الْأُولَيَيْنِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ أَوْ الْأُولَى، وَالثَّالِثَةِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ أَوْ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ طَلَاقًا وَبِالْأُولَى حَيْضًا أَوْ كُلٍّ مِنْ الْأَلْفَاظِ طَلَاقًا فَهَذِهِ سِتٌّ تَقَعُ بِهَا الثَّلَاثُ وَخَرَجَ عَنْ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعَ مَا أُلْحِقَ بِهِمَا اثْنَا عَشَرَ مَسْأَلَةً الْأُولَى أَنْ لَا يَنْوِيَ بِكُلٍّ مِنْهَا شَيْئًا فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَمَا بَقِيَ وَهُوَ إحْدَى عَشَرَ مَسْأَلَةً يَقَعُ بِهَا ثِنْتَانِ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ بِالثَّانِيَةِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالثَّانِيَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُخْرَيَيْنِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَيَيْنِ حَيْضًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَى، وَالثَّالِثَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ طَلَاقًا وَبِالثَّالِثَةِ حَيْضًا أَوْ بِالْأُولَى، وَالثَّالِثَةِ طَلَاقًا وَبِالثَّانِيَةِ حَيْضًا أَوْ بِالْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ حَيْضًا وَبِالثَّالِثَةِ طَلَاقًا أَوْ بِالْأُولَى، وَالثَّالِثَةِ حَيْضًا، وَالثَّانِيَةِ طَلَاقًا أَوْ بِالثَّانِيَةِ حَيْضًا لَا غَيْرُ فَصَارَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُحْتَمِلَةً لِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَجْهًا.

وَوَجْهُ ضَبْطِهَا أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْكُلِّ حَيْضًا أَوْ بِالْكُلِّ طَلَاقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ بِالْكُلِّ شَيْئًا أَوْ بِالْأُولَى حَيْضًا وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ طَلَاقًا أَوْ بِالْأُولَى حَيْضًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَى حَيْضًا وَبِالثَّانِي طَلَاقًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالْأُولَى حَيْضًا وَبِالثَّالِثِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ فَإِذَا نَوَى الْحَيْضَ بِالْأُولَى فَقَطْ فَلَهُ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَإِذَا نَوَى بِالثَّانِي الْحَيْضَ فَقَطْ فَلَهُ أَرْبَعٌ أُخْرَى وَإِذَا نَوَى بِالثَّالِثِ الْحَيْضَ فَقَطْ.

فَلَهُ أَرْبَعٌ أُخْرَى فَصَارَتْ اثْنَيْ عَشَرَ أَوْ يَنْوِي بِالْأَوَّلِ، وَالثَّانِي حَيْضًا وَبِالثَّالِثِ طَلَاقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ بِالثَّالِثِ شَيْئًا أَوْ يَنْوِي بِالثَّانِي، وَالثَّالِثِ حَيْضًا وَبِالْأَوَّلِ طَلَاقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ بِالْأَوَّلِ شَيْئًا صَارَتْ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ يَنْوِي بِالْأَوَّلِ، وَالثَّالِثِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِمَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ مُرَادَ النَّاسِ بِمِثْلِهِ اُسْلُكِي الطُّرُقَ الْأَرْبَعَةَ وَإِلَّا فَاللَّفْظُ إنَّمَا يُعْطِي الْأَمْرَ بِسُلُوكِ أَحَدِهَا، وَالْأَوْجَهُ أَنْ تَقَعَ وَاحِدَةً بَائِنَةً اهـ.

ص: 328

حَيْضًا وَبِالثَّانِي طَلَاقًا أَوْ لَمْ يَنْوِ بِالثَّانِي شَيْئًا صَارَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَوْ يَنْوِي بِالْأَوَّلِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالثَّانِي طَلَاقًا لَا غَيْرُ أَوْ بِالثَّالِثِ طَلَاقًا لَا غَيْرُ صَارَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ مَعَ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ بِوَاحِدَةٍ ثَبَتَ حَالُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي عَدَمِ شَيْءٍ بِمَا بَعْدَهَا وَيُصَدَّقُ فِي نِيَّةِ الْحَيْضِ لِظُهُورِ الْأَمْرِ بِاعْتِدَادِ الْحَيْضِ عَقِبَ الطَّلَاقِ.

وَإِذَا لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ بِشَيْءٍ صَحَّ وَكَذَا كُلُّ مَا قَبْلَ الْمَنْوِيِّ بِهَا وَنِيَّةُ الْحَيْضِ بِوَاحِدَةٍ غَيْرُ مَسْبُوقَةٍ بِوَاحِدَةٍ مَنْوِيٍّ بِهَا الطَّلَاقُ يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ وَيَثْبُتُ بِهَا حَالُ الْمُذَاكَرَةِ فَيَجْرِي فِيهَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مَسْبُوقَةً بِوَاحِدَةٍ أُرِيدَ بِهَا الطَّلَاقُ حَيْثُ لَا يَقَعُ بِهَا الثَّانِيَةُ لِصِحَّةِ الِاعْتِدَادِ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَا يَخْفَى تَخْرِيجُ الْمَسَائِلِ بَعْدَ هَذَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِمَا بَقِيَ حَيْضًا إلَى أَنَّ الْخِطَابَ مَعَ مَنْ هِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ فَلَوْ كَانَتْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً فَقَالَ أَرَدْت بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالْبَاقِي تَرَبُّصًا بِالْأَشْهُرِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَأَطْلَقَ فِي كَوْنِهِ يُصَدَّقُ فَأَفَادَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَفِيمَا لَا يُصَدَّقُ فِيهِ إنَّمَا لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَأَمَّا دِيَانَةً فَلَا يَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالْقَاضِي، وَفِي الْهِدَايَةِ: وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُصَدَّقُ الزَّوْجُ عَلَى نَفْيِ النِّيَّةِ إنَّمَا يُصَدَّقُ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ اهـ.

وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الِاسْتِحْلَافِ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ إلَّا فِي عَشْرِ مَسَائِلَ لَا يَمِينَ عَلَى الْأَمِينِ وَهِيَ فِي الْقُنْيَةِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: نَوَيْت بِالْكُلِّ وَاحِدَةً كَانَ نَاوِيًا بِكُلِّ لَفْظٍ ثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ وَهُوَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ فَيَتَكَامَلُ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ لَهَا: اعْتَدِّي ثَلَاثًا وَقَالَ: عَنَيْت تَطْلِيقَةً تَعْتَدُّ بِهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ، وَالظَّاهِرُ لَا يُكَذِّبُهُ، وَقَدْ مَنَعَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَوْنَ ابْتِدَاءِ الْإِيقَاعِ يُثْبِتُ دَلَالَةَ الْحَالِ بِأَنَّ الْإِيقَاعَ مَرَّةً لَا يُوجِبُ ظُهُورَ الْإِيقَاعِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَثَالِثَةً فَلَا يَكُونُ اللَّفْظُ الصَّالِحُ لَهُ ظَاهِرًا فِي الْإِيقَاعِ بِخِلَافِ سُؤَالِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْكِنَايَةَ الصَّالِحَةَ لِلْإِيقَاعِ دُونَ الرَّدِّ عَقِبَ سُؤَالِ الطَّلَاقِ ظَاهِرٌ فِي قَصْدِ الْإِيقَاعِ بِهِ وَهُوَ تَرْجِيحٌ لِقَوْلِ زُفَرَ الْمَنْقُولِ فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ كَرَّرَ اعْتَدَى مِنْ غَيْرِ لَفْظِ طَلَاقٍ مَعَهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاعْتَدِّي أَوْ أَنْت طَالِقٌ اعْتَدِّي أَوْ أَنْت طَالِقٌ فَاعْتَدِّي فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ فَثِنْتَانِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاعْتَدِّي تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ، وَإِنْ قَالَ: اعْتَدِّي أَوْ وَاعْتَدِّي تَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ مَوْصُولًا بِالْأَوَّلِ فَيَكُونُ أَمْرًا مُسْتَأْنَفًا وَكَلَامًا مُبْتَدَأً وَهُوَ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَيُحْمَلُ عَلَى الطَّلَاقِ وَعِنْدَ زُفَرَ تَقَعُ وَاحِدَةً لِمَا عُرِفَ اهـ.

كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ جَعَلَ هَذَا التَّفْصِيلَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَقَعَتْ ثِنْتَانِ فِي الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ، وَفِيهِ مِنْ بَابِ مَا يُحَرِّمُ امْرَأَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي الطَّلَاقَ فِي إحْدَاهُمَا، وَالْإِيلَاءَ فِي الْأُخْرَى فَهُمَا طَالِقَانِ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يَنْتَظِمُ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْأَغْلَظِ مِنْهُمَا وَهُوَ الطَّلَاقُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا نَوَى فِي إحْدَاهُمَا ثَلَاثًا، وَفِي الْأُخْرَى وَاحِدَةً فَهُمَا طَالِقَانِ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ نَوْعَانِ غَلِيظَةٌ وَخَفِيفَةٌ، وَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ لَا يَنْتَظِمُ النَّوْعَيْنِ فَحُمِلَ عَلَى الْأَغْلَظِ، وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ كَمَا نَوَى وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لِلثَّلَاثِ حَقِيقَةً وَلِلْوَاحِدَةِ كَالْمَجَازِ لِأَنَّ الثَّلَاثَ يُثْبِتُ الْحُرْمَةَ مُطْلَقًا فَصَارَ مِثْلَ لَفْظَةِ النَّذْرِ إذَا نَوَى النَّذْرَ، وَالْيَمِينُ يَصِحُّ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا هَذَا، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَلَوْ قَالَ: نَوَيْت الطَّلَاقَ لِإِحْدَاهُمَا، وَالْيَمِينَ لِلْأُخْرَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَلَيْهِمَا الطَّلَاقُ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا هُوَ كَمَا نَوَى، وَلَوْ قَالَ لِثَلَاثِ نِسْوَةٍ أَنْتُنَّ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى لِإِحْدَاهُنَّ طَلَاقًا وَلِلْأُخْرَى يَمِينًا وَلِلثَّالِثَةِ الْكَذِبَ طَلُقْنَ جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ كَمَا نَوَى، وَلَوْ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 329

قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ قَالَهُ مَرَّتَيْنِ وَنَوَى بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَبِالثَّانِيَةِ الْيَمِينَ فَهُوَ كَمَا نَوَى فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ اللَّفْظَ مُتَعَدِّدٌ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَتَطْلُقُ بِلَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ لَسْت لَك بِزَوْجٍ إنْ نَوَى طَلَاقًا) يَعْنِي وَكَانَ النِّكَاحُ ظَاهِرًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ كَمَا تَصْلُحُ لِإِنْكَارِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ بِالنِّيَّةِ وَقَالَا لَا تَطْلُقُ، وَإِنْ نَوَى لِكَذِبِهِ وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ وَمَا أَنَا لَك بِزَوْجٍ وَلَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَقَوْلُهُ: صُدِّقَتْ فِي جَوَابِ قَوْلِهَا لَسْت لِي بِزَوْجٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَخَرَجَ عَنْهُ لَمْ أَتَزَوَّجْك أَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا نِكَاحٌ وَوَاللَّهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ وَقَوْلُهُ: لَا عِنْدَ سُؤَالِهِ بِقَوْلِهِ أَلَك امْرَأَةٌ وَقَوْلُهُ: لَا حَاجَةَ لِي فِيك كَمَا فِي الْبَدَائِعِ فَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى عِنْدَ الْكُلِّ وَلَكِنْ فِي الْمُحِيطِ ذَكَرَ مِنْ الْوُقُوعِ قَوْلَهُ لَا عِنْدَ سُؤَالِهِ قَالَ: وَلَوْ قَالَ: لَا نِكَاحَ بَيْنَنَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ نَفْيَ النِّكَاحِ أَصْلًا لَا يَكُونُ طَلَاقًا بَلْ يَكُونُ جُحُودًا وَنَفْيُ النِّكَاحِ فِي الْحَالِ يَكُونُ طَلَاقًا إذَا نَوَى وَمَا عَدَاهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ قَيَّدَ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِدُونِ النِّيَّةِ اتِّفَاقًا لِكَوْنِهِ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ تَقُومُ مَقَامَهَا حَيْثُ لَمْ يَصْلُحْ لِلرَّدِّ، وَالشَّتْمِ وَيَصْلُحُ لِلْجَوَابِ فَقَطْ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الصَّالِحَ لِلْجَوَابِ فَقَطْ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا فَلِذَا شَرَطَ النِّيَّةَ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ هُنَا لَا تَكْفِي وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: تَطْلُقُ إلَى أَنَّ الْوَاقِعَ بِهَذِهِ الْكِنَايَةِ رَجْعِيٌّ وَقَيَّدْنَا بِظُهُورِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَا أَنْت لِي بِزَوْجَةٍ وَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ لِقِيَامِ الْقَرِينَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِالطَّلَاقِ حَقِيقَتَهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَوَّلَ كِتَابِ النِّكَاحِ فَالنَّفْيُ لَا يَقَعُ بِهِ بِالْأَوْلَى.

(قَوْلُهُ: وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ، وَالْبَائِنَ) فَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالِ وَقَعَ الثَّانِي وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت بَائِنٌ أَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ طَالِقٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ يَقَعُ عِنْدَنَا لِحَدِيثِ الْخُدْرِيِّ مُسْنَدًا «الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ» وَلِمَا ذُكِرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ بَحْثِ الْخَاصِّ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُنَجَّزَ، وَالْمُعَلَّقَ إذَا وُجِدَ شَرْطٌ فَكَمَا يَقَعُ فِي الْعِدَّةِ مُنْجَزًا يَقَعُ إذَا وُجِدَ شَرْطٌ فِيهَا.

وَأَمَّا إذَا عَلَّقَهُ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إلَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا عَلَّقَ الْبَائِنَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ اعْتِبَارًا بِتَنْجِيزِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ قَيَّدْنَا الصَّرِيحَ اللَّاحِقَ لِلْبَائِنِ بِكَوْنِهِ خَاطَبَهَا بِهِ أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لَهُ طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى الْمُخْتَلِعَةِ وَكَذَا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتُهُ كَذَا لَا يَقَعُ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ بَائِنٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ هُنَا مَا وَقَعَ بِهِ الرَّجْعِيُّ فَتَدْخُلُ الْكِنَايَاتُ الرَّوَاجِعُ مِنْ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِي رَحِمَكِ وَأَنْتِ وَاحِدَةً وَمَا أُلْحِقَ بِالثَّلَاثَةِ فَلَوْ أَبَانَهَا أَوْ خَالَعَهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ اعْتَدِّي نَاوِيًا وَقَعَ الثَّانِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا كِنَايَةُ وَجْهٍ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا رَجْعِيٌّ فَكَانَ فِي مَعْنَى الصَّرِيحِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت بَائِنٌ نَاوِيًا الطَّلَاقَ ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ اعْتَدَى أَوْ اسْتَبْرِئِي رَحِمِك أَوْ أَنْت وَاحِدَةً نَاوِيًا الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجْعِيُّ يَلْحَقُ الْبَائِنَ اهـ.

مَحْمُولٌ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الصَّرِيحِ اللَّاحِقِ لِصَرِيحٍ وَبَائِنٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهِيَ حَادِثَةُ حَلَبَ وَكَذَا يُرَدُّ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ بَعْدَ الْبَائِنِ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَالْأَوْلَى إبْقَاءُ الصَّرِيحِ فِي كَلَامِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيَدْخُلُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَالطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّرِيحَ شَامِلٌ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَقَيَّدْنَا بِظُهُورِ النِّكَاحِ) اعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَتَطْلُقُ مُسْتَغْنٍ عَنْ التَّقْيِيدِ بِهِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَتْ أَنَا امْرَأَتُك فَقَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ كَانَ إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ وَتَطْلُقُ لِاقْتِضَاءِ الطَّلَاقِ النِّكَاحَ وَضْعًا.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى الْمُخْتَلِعَةِ) أَيْ إلَّا أَنْ يَعْنِيهَا فَإِنْ عَنَاهَا طَلُقَتْ، كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مِنْ بَابِ الْخُلْعِ اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ امْرَأَةً لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ مِنْ بَعْضِ الْأَوْجُهِ وَلِذَا يَقَعُ عَلَيْهَا بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ لِكَوْنِهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ وَلِذَا قَالَ فِي حَاوِي الزَّاهْدِيِّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ إنْ كُنْت امْرَأَةً لِي فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ بَائِنًا لَا يَقَعُ، وَالثَّانِي، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا يَقَعُ الثَّانِي.

(قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ) أَقُولُ: صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ اعْتَدِّي يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةً أُخْرَى لِأَنَّ اعْتَدِّي لَا يَكُونُ بَائِنًا وَلَا يُرَادُ بِهِ الْفُرْقَةُ وَلَا فَسَادُ النِّكَاحِ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يَقَعُ بِاعْتَدِّي عَلَى الْبَائِنَةِ شَيْءٌ اهـ.

(قَوْلُهُ: لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ. . . إلَخْ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ هُنَا الْوَاقِعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّرِيحَ شَامِلٌ لِلْبَائِنِ، وَالرَّجْعِيِّ) وَلِذَا فَسَّرَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بَائِنًا كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ أَوْ رَجْعِيًّا وَيَرُدُّ عَلَيْهِ كَمَا فِي النَّهْرِ مَا مَرَّ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ قَالَ

ص: 330

لِلْبَائِنِ، وَالرَّجْعِيِّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَتَلْحَقُ الْكِنَايَاتُ الرَّوَاجِعُ بِهِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ الصَّرِيحُ مَوْصُوفًا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ كَأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ بَعْدَ أَنْتِ بَائِنٌ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَحِقَ بَائِنًا، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا بِإِلْغَاءِ الْوَصْفِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْقُنْيَةِ مَعْزِيًّا إلَى نَظْمِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِمُخْتَلِعَتِهِ أَوْ مُبَانَتِهِ أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَنْت طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، وَنَوَى الثَّلَاثَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ ثَلَاثٌ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ وَاحِدَةٌ عِنْدَهُ اهـ.

وَوَجْهُ إشْكَالِهِ أَنَّهُ إذَا لَغَا الْوَصْفُ بَقِيَ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ لَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ، وَقَدْ حَكَمَ بِضَعْفِ مَا فِي الْقُنْيَةِ شَارِحُ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ وَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ الْمُصَحِّحَةِ لِنِيَّةِ الثَّلَاثِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُمْ أَلْغَوْا الْوَصْفَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَأَلْغُوهُ لِيَقَعَ الثَّانِي وَلَمْ يُلْغُوهُ فِي نِيَّةِ الثَّلَاثِ احْتِيَاطًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَمْلِهِ عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِذَا لَحِقَ الصَّرِيحُ الْبَائِنُ كَانَ بَائِنًا لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ السَّابِقَةَ عَلَيْهِ تَمْنَعُ الرَّجْعَةَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ.

(قَوْلُهُ: وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ) كَمَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ أَنْت بَائِنٌ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا خَالَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَيَصِحُّ وَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْقُنْيَةِ رَقْمٌ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيِّ وَقَالَ طَلَّقَهَا عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ ثُمَّ قَالَ فِي عِدَّتِهَا أَنْت بَائِنٌ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا اهـ. فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْبَائِنِ اللَّاحِقِ لِلصَّرِيحِ، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ مِنْ قَبِيلِ الصَّرِيحِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَيَنْبَغِي الْوُقُوعُ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الشِّحْنَةِ

ــ

[منحة الخالق]

لَهَا فِي الْعِدَّةِ اعْتَدِّي يَنْوِي الطَّلَاقَ أَنَّهُ يَقَعُ إلَّا أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْقُنْيَةِ. . . إلَخْ) أَيْ يُشْكِلُ عَلَى إلْغَاءِ الْوَصْفِ أَقُولُ: وَذَكَرَ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ فِي كِتَابِهِ الْحَاوِي أَيْضًا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَعِبَارَتُهُ: قَالَ لِمُخْتَلِعَتِهِ أَوْ لِمُبَانَتِهِ أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَنَوَى الثَّلَاثَ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ ثَلَاثٌ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ وَاحِدَةٌ عِنْدَهُ اهـ.

وَمَا عَزَاهُ لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ مُوَافِقٌ لِمَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا. . . إلَخْ مِنْ أَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ بِالْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْعَدَدِ وَكَذَا الْوُقُوعُ بِالْمَصْدَرِ عِنْدَ ذِكْرِهِ وَكَذَا الْوُقُوعُ بِالصِّفَةِ عِنْدَ ذِكْرِهَا كَمَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْبَتَّةِ حَتَّى لَوْ قَالَ بَعْدَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا لَا يَقَعُ، وَلَوْ كَانَ الْوُقُوعُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ لَوَقَعَ اهـ.

أَيْ لِأَنَّ الْوَصْفَ يَصِيرُ فَاصِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَعَلَى هَذَا فَإِذَا كَانَ الْوُقُوعُ بِالْوَصْفِ وَهُوَ هُنَا لَفْظُ بَائِنٍ كَانَ مِنْ الْبَائِنِ بَعْدَ الْبَائِنِ لَا مِنْ الصَّرِيحِ الْوَاقِعِ بِهِ الْبَائِنُ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الصَّرِيحِ إلَّا أَنَّهُ يُجَابُ بِأَنَّ عَدَمَ احْتِيَاجِهِ إلَى النِّيَّةِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهِيَ ذِكْرُ الطَّلَاقِ الْمَوْصُوفِ بِلَفْظِ بَائِنٍ، وَالدَّلَالَةُ قَائِمَةٌ مَقَامَ النِّيَّةِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي تَعْرِيفِ الصَّرِيحِ لِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الدَّلَالَةِ الْقَائِمَةِ مَقَامَ النِّيَّةِ فَكَأَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى إلْغَاءِ الْوَصْفِيَّةِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا خَالَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ: قَوْلُهُ: أَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ: سَهْوٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ هَذَا مِنْ الصَّرِيحِ لَا مِنْ الْبَائِنِ الَّذِي يَلْحَقُ الصَّرِيحَ (قَوْلُهُ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْقُنْيَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا الْفَرْعُ الْمَنْقُولُ فِي الْقُنْيَةِ وَكَذَا الْفَرْعُ الْآخَرُ الْمَنْقُولُ عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ الْجِنْسِ السَّادِسِ الَّذِي اسْتَشْكَلَهُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّرِيحِ هُنَا فِي قَوْلِهِمْ، وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ هُوَ الرَّجْعِيُّ فَقَطْ بِخِلَافِ الصَّرِيحِ فِي قَوْلِهِمْ الصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ فَإِنَّهُ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الصَّرِيحَ، وَالْبَائِنَ وَإِذَا حُمِلَ الصَّرِيحُ هُنَا عَلَى الرَّجْعِيِّ فَقَطْ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالَانِ تَأَمَّلْ وَرَاجِعْ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْبَائِنِ الثَّانِي مَا يَشْمَلُ الْبَائِنَ الصَّرِيحَ، وَالتَّعْلِيلُ بِصِدْقِ جَعْلِهِ خَبَرًا يَشْمَلُهُ وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ عِبَارَةُ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَإِذَا طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي عِدَّتِهَا أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ وَهُوَ يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ وَهِيَ مِنِّي بَائِنٌ اهـ.

فَقَوْلُهُ: وَلَوْ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِالصَّرِيحِ الْبَائِنِ وَلَفْظُ طَلَّقَهَا يُفِيدُ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَإِذَا أَبَانَهَا وَبِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ الْمُقَابَلَةُ أَيْضًا فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الصَّرِيحَ الْبَائِنَ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلَ الصَّرِيحِ هُنَا عَلَى الرَّجْعِيِّ كَمَا قُلْنَا، وَالْفَرْعَانِ الْمُشْكِلَانِ يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ وَبِمَا قُلْنَا يَنْدَفِعُ إشْكَالُهُمَا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ أَمَّا كَوْنُ الْبَائِنِ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْقَيْدَ الْحُكْمِيَّ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِبَقَاءِ الِاسْتِمْتَاعِ اهـ.

إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ بَقَاءَ الِاسْتِمْتَاعِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالرَّجْعِيِّ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الصَّرِيحَ الْبَائِنَ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة قُبَيْلَ الْفَصْلِ السَّادِسِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ أَوْ خَلَعَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ يَصِحُّ وَلَوْ طَلَّقَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَلَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِحُّ اهـ.

وَانْظُرْ كَيْفَ فَرَّقَ بَيْنَ الرَّجْعِيِّ، وَالْبَائِنِ الصَّرِيحِ حَيْثُ جَعَلَ الْخُلْعَ وَاقِعًا بَعْدَ الرَّجْعِيِّ غَيْرَ وَاقِعٍ بَعْدَ الْبَائِنِ الصَّرِيحِ وَهُوَ

ص: 331

مَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ، وَيَدُلُّ عَلَى الْإِشْكَالِ عَكْسُهُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ بَعْدَ الْبَائِنِ فَإِنَّهُ يَقَعُ.

(قَوْلُهُ: لَا الْبَائِنُ) أَيْ الْبَائِنُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ إذَا أَمْكَنَ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ لِصِدْقِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ إنْشَاءً وَلَا يُرَدُّ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهُ لَا احْتِمَالَ فِيهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْإِنْشَاءِ شَرْعًا حَتَّى لَوْ قَالَ: أَرَدْت بِهِ الْإِخْبَارَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَالْمُرَادُ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ الْكِنَايَةُ الْمُفِيدَةُ لِلْبَيْنُونَةِ بِكُلِّ لَفْظٍ كَانَ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ ظَاهِرًا فِي الْإِنْشَاءِ فِي الطَّلَاقِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ خَلَعْتُك، وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ، وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: إذَا طَلَّقَ الْمُبَانَةَ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَقَعَ وَلَا يَقَعُ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى اهـ.

وَمُرَادُهُ مَا عَدَا الرَّوَاجِعَ وَلَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْجِنْسِ السَّادِسِ مِنْ بَدَلِ الْخُلْعِ لَوْ طَلَّقَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَلَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ فَإِنَّ هَذَا بَائِنٌ لَحِقَ صَرِيحًا، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَمُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَاهُ صِحَّةُ الْخُلْعِ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِكَوْنِ الْمُرَادِ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ عَدَمُ لُزُومِ الْمَالِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ صَرَّحَ فِي عَكْسِهِ، وَهُوَ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ أَنَّهُ يَقَعُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَالَ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ فَلَا بُدَّ فِي الْوُقُوعِ مِنْ قَبُولِهَا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ: أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ لَا يَقَعُ إلَّا بِقَبُولِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ لَا يَلْزَمُهَا، وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ وَهِيَ رِوَايَةٌ فِي وَاقِعَةِ الْفَتَاوَى خَالَعَهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَتْ فِي عِدَّةِ الثَّانِي بَقِيَ لِي طَلَاقٌ وَاحِدٌ اشْتَرَيْته مِنْك بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ حَتَّى تَكْمُلَ الثَّلَاثُ فَقَالَ الزَّوْجُ بِعْت الطَّلَاقَ الثَّالِثَ مِنْك بِعَشَرَةٍ وَقَالَتْ اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ يَقَعُ الثَّالِثُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّهُ إعْطَاءُ الْمَالِ لِتَحْصِيلِ الْخَلَاصِ الْمُنَجَّزِ وَأَنَّهُ حَاصِلٌ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ قَبُولِهَا فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ تَعْلِيقُ طَلَاقِهَا بِالْقَبُولِ فَلَا يَقَعُ بِلَا وُجُودِ الشَّرْطِ اهـ.

وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَبَنْتُك بِتَطْلِيقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفَرَّقَ فِي الذَّخِيرَةِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّا إذَا أَلْغَيْنَا بَائِنًا يَبْقَى قَوْلُهُ: طَالِقٌ وَبِهِ يَقَعُ، وَلَوْ أَلْغَيْنَا أَبَنْتُكِ يَبْقَى قَوْلُهُ: بِتَطْلِيقَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مُفِيدٍ وَقَيَّدْنَا بِإِمْكَانِ كَوْنِهِ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ نَوَى بِالْبَائِنِ الثَّانِي الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ قِيلَ يُصَدَّقُ فِيمَا نَوَى وَيَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْبَيْنُونَةِ، وَالْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ صِفَةٌ لِلْبَيْنُونَةِ فَإِذَا لَغَتْ النِّيَّةُ فِي أَصْلِ الْبَيْنُونَةِ لِكَوْنِهَا حَاصِلَهُ لَغَتْ فِي إثْبَاتِ وَصْفِ التَّغْلِيظِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُونَ عَلَى الْوُقُوعِ لَكِنْ بِصِيغَةِ يَنْبَغِي فَكَانَ الْوُقُوعُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَبَنْتُكِ أُخْرَى يَقَعُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا اهـ.

أَيْ لَا يَصْلُحُ كَوْنُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ، وَفِي الْقُنْيَةِ: لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ فِي عِدَّتِهَا أَنْت بَائِنٌ بِتَطْلِيقَةٍ أُخْرَى يَقَعُ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْت بَائِنٌ نَاوِيًا طَلْقَةً ثَانِيَةً أَنْ تَقَعَ الثَّانِيَةُ بِنِيَّتِهِ لِأَنَّهُ بِنِيَّتِهِ لَا يَصْلُحُ خَيْرًا فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَبَنْتُكِ بِأُخْرَى

ــ

[منحة الخالق]

الطَّلَاقُ بِمَالٍ.

(قَوْلُهُ: وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِكَوْنِ الْمُرَادِ. . . إلَخْ) هَذَا بَعِيدٌ كَمَا فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: قَدْ عَلِمْت الْمُخَلِّصَ بِحَمْلِ الصَّرِيحِ فِي قَوْلِهِمْ، وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ لَا الْبَائِنَ عَلَى الصَّرِيحِ الرَّجْعِيِّ، وَالطَّلَاقُ بِمَالٍ صَرِيحٌ بَائِنٌ فَلَا يَلْحَقُهُ الْخُلْعُ وَقَوْلُهُ: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ. . . إلَخْ غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ الْفَرْقُ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يَخْفَى فَإِنَّ عَدَمَ لُزُومِ الْمَالِ فِي الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ سَيَذْكُرُ وَجْهَهُ قَرِيبًا وَهُوَ أَنَّ إعْطَاءَ الْمَالِ لِتَحْصِيلِ الْخَلَاصِ الْمُنَجَّزِ وَأَنَّهُ حَاصِلٌ أَيْ لِأَنَّ الْخَلَاصَ الْمُنَجَّزَ الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ عِدَّةٍ حَاصِلٌ بِالْخُلْعِ فَإِذَا طَلَّقَهَا بَعْدَهُ وَقَعَ بَائِنًا، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ قَبْلَهُ وَإِذَا كَانَ بِمَالٍ لَمْ يَلْزَمْ الْمَالُ أَيْضًا لِذَلِكَ أَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا إذَا طَلَّقَهَا أَوَّلًا بِمَالٍ يَلْزَمُ الْمَالُ بِلَا شُبْهَةٍ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ يَحْصُلْ الْخَلَاصُ الْمُنَجَّزُ فَيَلْزَمُ الْمَالُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ ثُمَّ إذَا خَلَعَهَا بَعْدَهُ لَمْ يَقَعْ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ الْخَلَاصُ الْمُنَجَّزُ فَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى عَدَمِ لُزُومِ الْمَالِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الْعِوَضُ الْمَقْصُودُ بِهِ بِشَيْءٍ طَارِئٍ عَلَيْهِ بَلْ يَلْغُو ذَلِكَ الطَّارِئُ إذْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِلْغَاءِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ قَبْلَهُ وَهَذَا الْوَجْهُ مُعَيِّنٌ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّرِيحِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الصَّرِيحَ الْبَائِنَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي وُقُوعِ الْبَائِنِ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّهُ مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ.

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى انْدِفَاعُهُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ إلْغَاءِ النِّيَّةِ فِي أَصْلِ الْبَيْنُونَةِ لِكَوْنِهَا حَاصِلَةً وَكَذَا مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْحَاوِي مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَقَعُ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى عَلَى أَنَّ تَعْبِيرَهُمْ بِإِمْكَانِ كَوْنِهِ خَبَرًا ظَاهِرًا فِي كَوْنِهِ احْتِرَازًا عَمَّا لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ خَبَرًا لَا عَمَّا لَوْ نَوَى بِهِ طَلْقَةً ثَانِيَةً لِأَنَّ كُلَّ بَائِنٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ فَإِذَا نَوَى بِالْبَائِنِ الثَّانِي الطَّلَاقَ وَأَمْكَنَ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ لَا يَقَعُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَنْوِيَ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ بِخُصُوصِهِ وَإِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُولُوا إذَا نَوَى بِهِ الْأَوَّلَ فَعُدُولُهُمْ عَنْ التَّعْبِيرِ بِهَذَا إلَى التَّعْبِيرِ بِالْإِمْكَانِ الْمَذْكُورِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ جَعْلُ الثَّانِي خَبَرًا لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى بِهِ طَلْقَةً أُخْرَى

ص: 332

إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْوُقُوعَ إنَّمَا هُوَ بِلَفْظٍ صَالِحٍ لَهُ وَهُوَ أُخْرَى بِخِلَافِ مُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِعَدَمِ كَوْنِ الْمُبَانَةِ مَحَلًّا لِلْبَائِنِ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلظِّهَارِ، وَاللِّعَانِ أَمَّا الظِّهَارُ فَمُوجِبُهُ الْحُرْمَةُ، وَالْحُرْمَةُ حَاصِلَةٌ بِالْبَيْنُونَةِ وَأَمَّا اللِّعَانُ فَهُوَ حُكْمٌ مَشْرُوعٌ فِي قَذْفِ الزَّوْجَاتِ، وَالزَّوْجِيَّةُ مُنْقَطِعَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ آلَى مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ إيلَاؤُهُ فِي حُكْمِ الْبِرِّ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْبِرِّ تَعْلِيقُ الْإِبَانَةِ شَرْعًا وَقِيَامُ الْمِلْكِ شَرْطُ صِحَّةِ الْإِبَانَةِ تَنْجِيزًا كَانَ أَوْ تَعْلِيقًا كَمَا فِي التَّعْلِيقِ الْحَقِيقِيِّ، وَلَوْ خَيَّرَهَا فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِحُّ بِأَنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ، وَالتَّمْلِيكُ بِلَا مِلْكٍ لَا يُتَصَوَّرُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُعَلَّقٌ بِاخْتِيَارِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ لِأَنَّ الْبَائِنَ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا يَلْحَقُ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بَلْ هِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَهُ فَإِيقَاعُهَا إيقَاعُ مُبْتَدَأٍ لَا أَثَرَ لِتَعْلِيقٍ سَابِقٍ.

(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا) يَعْنِي أَنَّ الْبَائِنَ يَلْحَقُ الْبَائِنَ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا قَبْلَ الْمُنَجَّزِ الْبَائِنِ (بِأَنْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت بَائِنٌ) نَاوِيًا الطَّلَاقَ ثُمَّ أَبَانَهَا مُنْجِزًا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ آخَرُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنْتِ بَائِنٌ ثَانِيًا لِيُجْعَلَ خَبَرًا بَلْ الَّذِي وَقَعَ أَثَرُ التَّعْلِيقِ السَّابِقِ وَهُوَ زَوَالُ الْقَيْدِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهِيَ مَحَلٌّ فَيَقَعُ وَعَلَى هَذَا قَالَ فِي الْحَقَائِقِ لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا الْأَمْرُ آخَرُ فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا وَقَعَ طَلَاقٌ بَائِنٌ، وَلَوْ فَعَلَ الْآخَرَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ آخَرُ وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ اهـ.

وَفَرَّقَ فِي الذَّخِيرَةِ بَيْنَ أَنْتِ بَائِنٌ لِلْمُبَانَةِ وَبَيْنَ وُقُوعِ أَنْتِ بَائِنٌ الْمُعَلَّقُ بَعْدَ الْإِبَانَةِ أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ التَّعْلِيقُ أَوْ لَا لِكَوْنِهَا مَحَلًّا لَهُ جَعَلْنَا الْمُعَلَّقَ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ وَصَارَ بَائِنًا صِفَةً لِلطَّلَاقِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي الْعِدَّة أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ وَلَوْ قَالَهُ وَقَعَ بِخِلَافِ أَنْتِ بَائِنٌ مُنْجَزًا فِي عِدَّةِ الْمُبَانَةِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ لَمْ تَكُنْ مَحَلَّهُ لِأَنَّ مَحَلَّهُ مَنْ قَامَ بِهِ الِاتِّصَالُ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْوَصْلَةُ بِالْإِبَانَةِ، وَالْمُضَافُ كَالْمُعَلَّقِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت بَائِنٌ غَدًا نَاوِيًا الطَّلَاقَ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ جَاءَ الْغَدُ وَقَعَتْ أُخْرَى وَلَوْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت بَائِنٌ نَاوِيًا ثُمَّ قَالَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْت بَائِنٌ نَاوِيًا ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ وَوَقَعَتْ الطَّلْقَةُ ثُمَّ كَلَّمَتْ زَيْدًا فَإِنَّهُ يَقَعُ أُخْرَى كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ بَيَانٌ لِمَا إذَا كَانَا مُعَلَّقَيْنِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ مُعَلَّقًا قَبْلَ الْمُنَجَّزِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ الْبَائِنَ الْمُنَجَّزَ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ كَالتَّنْجِيزِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْكِتَابِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ يَقْرَبَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ

فَإِنَّهُ يَقَعُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَوْرَدَ عَلَيْنَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا لَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ غَدٌ فَاخْتَارِي ثُمَّ أَبَانَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ إجْمَاعًا الثَّانِيَةُ لَوْ عَلَّقَ الظِّهَارَ بِشَرْطٍ فِي الْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا إجْمَاعًا وَهُمَا حُجَّةُ زُفَرَ عَلَيْنَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي الْأُولَى مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ غَدًا وَلَمَّا أَبَانَهَا أَزَالَ مِلْكَهُ لِلْحَالِ مِنْ وَجْهٍ وَبَقِيَ مِنْ وَجْهٍ، وَالْمِلْكُ مِنْ وَجْهٍ لَا يَكْفِي لِلتَّمْلِيكِ وَيَكْفِي لِلْإِزَالَةِ كَمَا فِي الِاسْتِيلَادِ، وَالتَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُمَا وَيَجُوزُ إعْتَاقُهُمَا كَذَا هَذَا وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي التَّخْيِيرِ اخْتِيَارُهَا لِأَجَانِبِ الزَّوْجِ، وَفِي التَّعْلِيقِ الْيَمِينُ لَا وُجُودُ الشَّرْطِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِالتَّخْيِيرِ وَآخَرَانِ بِالِاخْتِيَارِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ الِاخْتِيَارِ لَا التَّخْيِيرِ، وَلَوْ شَهِدَا بِالتَّعْلِيقِ وَآخَرَانِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شَاهِدَيْ التَّعْلِيقِ لَا الشَّرْطِ وَعَنْ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ الظِّهَارَ يُوجِبُ حُرْمَةً مُوَقَّتَةً بِالْكَفَّارَةِ، وَقَدْ ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ بِالْإِبَانَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا تَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ بِالظِّهَارِ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ الْمُنَجَّزَةِ لِأَنَّهَا تُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا تَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِ التَّعْلِيقِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَاوِيًا ثُمَّ أَبَانَهَا بَطَلَ التَّخْيِيرُ حَتَّى لَوْ قَالَتْ بَعْدَهَا اخْتَرْت

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ. . . إلَخْ) وَأَيْضًا قَدْ مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ تَعْلِيقَ الْبَائِنِ فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِحُّ كَالتَّنْجِيزِ وَسَيَأْتِي أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: بَعْدَ الْإِبَانَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِوُقُوعِ لَا بِالْمُعَلَّقِ كَمَا لَا يَخْفَى

ص: 333

نَفْسِي لَمْ يَقَعْ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَالظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْأَمَالِي قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك إذَا شِئْت ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الزَّوْجَ فَعَلَ بِنَفْسِهِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَيَكُونُ إخْرَاجًا لِلْأَمْرِ مِنْ يَدِهَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّفْوِيضَ قَدْ صَحَّ وَتَعَلَّقَ حَقُّهَا بِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُتَعَدِّدٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ مَا أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ لِمَا فَوَّضَ إلَيْهَا كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْ قَفِيزًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ ثُمَّ بَاعَ بِنَفْسِهِ قَفِيزًا لَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ اهـ.

وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَدَائِعِ لِأَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا فَلَا يَقَعُ فِي الْعِدَّةِ وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْيَدِ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فِي طَلَاقٍ إنْ فَعَلَ كَذَا مَتَى شَاءَتْ ثُمَّ خَلَعَهَا عَلَى مَالٍ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ، وَإِنْ مَضَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَوُجِدَ الشَّرْطُ ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُهُ وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَبْقَى الْأَمْرُ فِي يَدِهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْعِدَّةِ اللَّاحِقِ، وَالسَّابِقِ أَرْبَعُ صُوَرٍ، وَقَدْ نَظَمَهَا الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ الدَّبَرِيُّ رحمه الله فَقَالَ:

وَكُلُّ طَلَاقٍ بَعْدَ آخَرَ وَاقِعٌ

سِوَى بَائِنٌ مَعَ مِثْلِهِ لَمْ يُعَلَّقْ

وَتَعَقَّبَهُ وَالِدُ شَارِحِ الْمَنْظُومَةِ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يُعَلَّقْ مُطْلَقٌ يَشْمَلُ الْبَائِنَ الْأَوَّلَ، وَالثَّانِيَ، وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي فَهُوَ إطْلَاقٌ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ فَقُلْت بَيْتًا مُفْرَدًا مِنْ الرَّجَزِ

كُلًّا أَجِزْ لَا بَائِنًا مَعَ مِثْلِهِ

إلَّا إذَا عَلَّقَهُ مِنْ قَبْلِهِ

اهـ.

قَالَ شَارِحُ الْمَنْظُومَةِ عَبْدُ الْبَرِّ رحمه الله قُلْتُ: وَقَدْ فَاتَ الشَّيْخَيْنِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْلُومِ مِنْ خَارِجٍ لِأَنَّ تَمَامَ مَعْنَى الضَّابِطِ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ فَقُلْت مُنَبِّهًا عَلَى ذَلِكَ بَيْتًا مُفْرَدًا مِنْ الرَّجَزِ

بِعِدَّةِ كُلِّ طَلَاقٍ لَحِقَا

لَا بَائِنٍ لِمِثْلِهِ مَا عَلَقَا

ثُمَّ قَوْلِي لَحِقَا مُشْعِرٌ بِكَوْنِ اللَّاحِقِ هُوَ الْمُعَلَّقُ وَوَصَفْنَا الْبَائِنَ بِأَنَّهُ مِثْلُ الْبَائِنِ مُشْعِرٌ بِإِخْرَاجِ الْبَيْنُونَةِ الْكُبْرَى لِمَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ الَّذِي قَدَّمْته اهـ.

وَقَيَّدَ الْمُؤَلِّفُ بِكَوْنِ السَّابِقِ طَلَاقًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فُرْقَةً بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَالْفُرْقَةِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ أَوْ الْعَتَاقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّتِهِ وَكُلُّ فِرْقَةٍ تُوجِبُ الْحُرْمَةَ الْمُؤَبَّدَةَ لَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَا يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ طَلَاقُهُ كَذَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي) قَالَ فِي النَّهْرِ: لَا يَخْفَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي " يُعَلِّقُ " يَتَعَيَّنُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْبَائِنِ لَا إلَى الْمِثْلِ لِمَا اسْتَقَرَّ مِنْ أَنَّ مَا بَعْدَ مَعَ مَتْبُوعٌ لِمَا قَبْلَهَا نَحْوُ: جَاءَ زَيْدٌ مَعَ عَمْرٍو وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَائِنَ هُوَ التَّابِعُ لِلْمِثْلِ أَيْ اللَّاحِقُ لَهُ إنْ لَمْ يُعَلِّقْ لَمْ يَقَعْ وَإِلَّا، وَإِنْ سَبَقَ تَعْلِيقُهُ وَقَعَ اهـ.

قُلْت لَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ بَائِنٍ هُوَ التَّابِعُ لِلْمِثْلِ لَا يُعَيِّنُ رُجُوعًا لَمْ يُعَلَّقْ إلَيْهِ بَلْ الِاحْتِمَالُ بَاقٍ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ: نَعَمْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَمَا مَرَّ أَنْ يُعَلِّقَهُ قَبْلَ الْمُنَجَّزِ وَلَيْسَ فِي بَيْتِهِ مَا يُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى بَيْتِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا فَبَيْتُ، وَالِدِهِ مِنْ الْحُسْنِ بِمَكَانٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى مَا فِي قَوْلِهِ كُلًّا مِنْ الْإِيهَامِ وَيَرُدُّ عَلَى الْكُلِّ مَا قَدَّمْنَاهُ لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لَهُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمُخْتَلِفَةِ، وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتُهُ كَذَا لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ بَائِنٍ فَقُلْت مُفْرَدًا مِنْ الزَّجْرِ مُبَيِّنًا لَهَا عَنْ الْكُلِّيَّةِ قَدْ خَرَجَ إلَّا بِكُلِّ امْرَأَةٍ، وَقَدْ خَلَعَ وَأَلْحَقَ الصَّرِيحَ بَعْدُ لَمْ يَقَعْ اهـ.

وَالْوَاوُ فِي: وَقَدْ خَلَعَ لِلْحَالِ وَأَلْحَقَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ مَعْطُوفٌ عَلَى خَلَعَ أَيْ خَلَعَ وَأَلْحَقَ الصَّرِيحَ بَعْدَ الْخُلْعِ هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ لَفْظِ الْمَرْأَةِ مُعْتَدَّةَ الْبَائِنِ وَلِذَا لَوْ خَاطَبَهَا وَقَعَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ سَابِقًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ فِي الْبَيْتِ الْمَسْأَلَةَ الْأُخْرَى وَلِبَعْضِهِمْ فِي نَظْمِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا صَرِيحُ طَلَاقِ الْمَرْءِ يَلْحَقُ مِثْلُهُ وَيَلْحَقُ أَيْضًا بَائِنًا كَانَ قَبْلَهُ كَذَا عَكْسُهُ لَا بَائِنَ بَعْدَ بَائِنٍ سِوَى بَائِنٍ قَدْ كَانَ عَلَّقَ فِعْلَهُ.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا فِي طَلَاقِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَقَدْ أَتْبَعَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ هُنَا بِقَوْلِهِ فِي بَابِ طَلَاقِ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ أَصْلٍ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذِكْرِهِ هُنَا مُطْلَقًا مِنْ الْخَفَاءِ قَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ حَرْبِيَّةٌ خَرَجَتْ مُسْلِمَةً ثُمَّ خَرَجَ زَوْجُهَا بِأَمَانٍ فَطَلَّقَهَا لَا يَقَعُ فَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا ثُمَّ طَلَّقَ يَقَعُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ لَا يَقَعُ اهـ.

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة م، وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَى الْمُهَاجِرِ إذَا خَرَجَ الْحَرْبِيُّ مُسْلِمًا وَتَرَكَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ. فَاعْلَمْ ذَلِكَ اهـ.

قُلْتُ وَقَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّةٍ عَنْ فَسْخٍ إلَّا فِي تَفْرِيقِ الْقَاضِي بِإِبَاءِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَفِي ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا اهـ.

لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْآبِيَةُ فَإِنَّ هَذِهِ الْفَرْقَ فَسْخٌ أَمَّا لَوْ كَانَ الْآبِي هُوَ الزَّوْجُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الطَّلَاقِ فَهِيَ طَلَاقٌ.

ص: 334