المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل نظر المحرم إلى فرج امرأة بشهوة فأمنى] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٣

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌[فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى]

- ‌[فَصْلٌ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ]

- ‌(بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ)

- ‌(بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ)

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ فِي الْحَجّ أَوْ الْعُمْرَة]

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ فِي الْحَجُّ]

- ‌(بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ)

- ‌(بَابُ الْهَدْيِ)

- ‌[مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌(كِتَابُ النِّكَاحِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاح]

- ‌[بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاح]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ مَسَائِلِ الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاح]

- ‌(بَابُ الْمَهْرِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ)

- ‌[بَابُ نِكَاحِ الْكَافِر]

- ‌(بَابُ الْقَسْمِ)

- ‌(كِتَابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[الْمُحْرِمَات بِسَبَبِ الرَّضَاعِ]

- ‌[وَلَبَنُ الرَّجُلِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ]

- ‌ أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌[بَابُ أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ)

- ‌(بَابُ الْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ)

- ‌(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)

الفصل: ‌[فصل نظر المحرم إلى فرج امرأة بشهوة فأمنى]

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. وَقَيَّدَ بِالْعُذْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا لِغَيْرِهِ لَزِمَهُ دَمٌ أَوْ صَدَقَةٌ مُعَيَّنَةٌ، وَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الدَّمِ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ ذَبْحَ الشَّاةِ بِالْحَرَمِ مَعَ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِهِ اتِّفَاقًا لِمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي بَابِ الْهَدْيِ أَنَّ الْكُلَّ مُخْتَصٌّ بِالْحَرَمِ فَإِنْ ذَبَحَ فِي غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الذَّبْحِ إلَّا إذَا تَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْرُ قِيمَةِ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَدَلًا عَنْ الْإِطْعَامِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَلَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ اتِّفَاقًا.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ ذَبَحَ إلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالذَّبْحِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَذْبُوحُ بَعْدَهُ أَوْ سُرِقَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا سُرِقَ، وَهُوَ حَيٌّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ غَيْرُهُ.

وَمُقْتَضَاهُ جَوَازُ الْأَكْلِ مِنْهُ كَهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَالْأُضْحِيَّةِ لَكِنَّ الْوَاقِعَ لُزُومُ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ لَحْمِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ كَفَّارَةٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهُ جِهَتَيْنِ جِهَةَ الْإِرَاقَةِ وَجِهَةَ التَّصَدُّقِ فَلِلْأُولَى لَا يَجِبُ غَيْرُهُ إذَا سَرَقَ مَذْبُوحًا وَلِلثَّانِيَةِ يَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهِ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَطْلَقَ فِي التَّصَدُّقِ وَالصَّوْمِ فَأَفَادَ أَنَّ لَهُ التَّصَدُّقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، وَفِيهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ. قَالَ: فِي الْمُحِيطِ وَالتَّصَدُّقُ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ أَفْضَلُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْحَرَمِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ بِخِلَافِ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّ النُّسُكَ فِي اللُّغَةِ الدَّمُ الْمِهْرَاقُ بِمَكَّةَ وَيُقَالُ لِلْمَذْبُوحِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُقَالُ لِكُلِّ عِبَادَةٍ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى:{إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام: 162] كَمَا فِي الْمُغْرِبِ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ التَّصَدُّقِ الْمُوَافِقِ لِلَفْظِ الصَّدَقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ إلَى أَنَّ طَعَامَ الْإِبَاحَةِ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وَحَكَى خِلَافًا فِي الْمَجْمَعِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَكْفِي الْإِبَاحَةُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ التَّمْلِيكِ وَرَجَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَّرَ الصَّدَقَةَ بِالْإِطْعَامِ هُنَا فَكَانَ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ مُفَسِّرًا لِمُجْمَلٍ بَلْ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ بِالْإِطْعَامِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ عَمِلَتْ بِهِ الْأُمَّةُ فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ بِهِ ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الصَّدَقَةُ، وَتَحَقُّقُ حَقِيقَتِهَا بِالتَّمْلِيكِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ فِي الْحَدِيثِ الْإِطْعَامُ عَلَى الْإِطْعَامِ الَّذِي هُوَ الصَّدَقَةُ، وَإِلَّا كَانَ مُعَارِضًا، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالِاسْمِ الْأَعَمِّ. انْتَهَى. فَالْحَاصِلُ تَرْجِيحُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله وَلِهَذَا قِيلَ إنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله كَقَوْلِهِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّ الصَّوْمَ يَجُوزُ مُتَفَرِّقًا، وَمُتَتَابِعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ.

وَالْأَصْوُعُ عَلَى وَزْنِ أَرْجُلٍ جَمْعُ صَاعٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ بِالثَّلَاثَةِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ أَوْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ وَيَنْبَغِي عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ أَنَّهُ لَوْ غَدَّى مِسْكِينًا وَاحِدًا، وَعَشَّاهُ سِتَّةَ أَيَّامٍ يَجُوزُ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْكَفَّارَاتِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) قَدَّمَ النَّوْعَ السَّابِقَ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُقَدِّمَةِ لَهُ إذْ الطِّيبُ، وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ وَالظُّفُرِ مُهَيِّجَاتٌ لِلشَّهْوَةِ لِمَا يُعْطِيهِ مِنْ الرَّائِحَةِ وَالزِّينَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى) ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْجِمَاعُ، وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَفَكَّرَ فَأَمْنَى، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ احْتَلَمَ فَأَمْنَى لَا شَيْءَ عَلَيْهِ

ــ

[منحة الخالق]

تَفْصِيلٌ حَسَنٌ يَجْمَعُ بِهِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالرِّوَايَاتِ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ قُبَيْلَ قَوْلِهِ أَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ، وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ وَنَقَلَ الْمُنْلَا رحمه الله فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ نَحْوَهُ وَنُقِلَ عَنْ الْفَارِسِيِّ وَالْبَحْرِ الْعَمِيقِ نَحْوُ مَا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمَا قَالَ شَيْخُنَا مَوْلَانَا السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَمِينٌ مِيرْغَنِيٌّ بَعْدَ نَقْلِ عِبَارَتِهِمَا فِي رِسَالَةٍ لَهُ قُلْت بَلْ الْمُقَرَّرُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمُعْتَبَرَةِ إجْزَاءُ الصَّوْمِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الدَّمِ كَمَا نُمْلِيهِ عَلَيْك وَسَرْدُ الْأَقْوَالِ الْمُؤَيِّدَةِ لِكَلَامِهِ فَرَاجِعْهَا إنْ شِئْت. اهـ.

(قَوْلُهُ: بَلْ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ بِالْإِطْعَامِ) كَذَا فِي أَغْلِبْ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا لِلْمُرَادِ بِالْإِطْلَاقِ، وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِمَا فِي الْفَتْحِ، وَعَلَى الْأُولَى فَقَوْلُهُ بِالْإِطْعَامِ مُتَعَلِّقٌ بِمُبَيِّنٍ لَا بِالْمُرَادِ أَيْ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الصَّدَقَةِ فِي الْآيَةِ بِالْإِطْعَامِ (قَوْلُهُ: فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ بِهِ) أَيْ جَازَ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْكِتَابِ الْمُسَمَّى عِنْدَنَا بِالزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ كَالْمُتَوَاتِرِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَبَيَانُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الصَّدَقَةَ فِي الْآيَةِ مُطْلَقَةٌ تَصْدُقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَقَوْلُهُ عليه السلام «أَوْ أَطْعَمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ» مَشْهُورٌ فَصَحَّ بَيَانًا لِلْمُرَادِ مِنْ الْمُطْلَقِ فِي الْآيَةِ ثُمَّ إنَّ الصَّدَقَةَ تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ فَتَعَارَضَا ظَاهِرًا فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ الْإِطْعَامُ عَلَى مَا فِيهِ تَمْلِيكٌ لِيَكُونَ بِمَعْنَى الصَّدَقَةِ فِي الْآيَةِ وَيَنْدَفِعُ التَّعَارُضُ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ فَتَدَبَّرْهُ.

[فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى]

(فَصْلٌ)

ص: 15

بِالْأَوْلَى وَبِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ زَوْجَتِهِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا.

(قَوْلُهُ: وَتَجِبُ شَاةٌ إنْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا لَمْ يُنْزِلْ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ صَرَّحَ بِوُجُوبِ الدَّمِ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ لِيَكُونَ جِمَاعًا مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْجِمَاعُ صُورَةً وَمَعْنًى أَوْ مَعْنًى فَقَطْ، وَهُوَ بِالْإِنْزَالِ، وَعَلَّلَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا لِوُجُوبِ الدَّمِ بِأَنَّ الْجِمَاعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ مِنْ جُمْلَةِ الرَّفَثِ فَكَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ وَبِالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ يَصِيرُ مُرْتَكِبًا مَحْظُورَ إحْرَامِهِ وَتَعَقَّبَهُمْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْإِلْزَامَ إنْ كَانَ لِلنَّهْيِ فَلَيْسَ كُلُّ نَهْيٍ يُوجِبُ كَالرَّفَثِ، وَإِنْ كَانَ لِلرَّفَثِ فَكَذَلِكَ إذْ أَصْلُهُ الْكَلَامُ بِحَضْرَتِهِنَّ، وَلَيْسَ مُوجِبًا شَيْئًا. انْتَهَى. وَقَدْ يُقَالُ إنَّ إيجَابَ الدَّمِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ ارْتَكَبَ مَا هُوَ حَرَامٌ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ، وَلَيْسَ ذِكْرُ الْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ بَلْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ فِي الْإِحْرَامِ أَشَدَّ وَبِهَذَا يَظْهَرُ تَرْجِيحُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الدَّوَاعِيَ مُحَرَّمَةٌ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا فَيَجِبُ الدَّمُ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَفْسُدْ الْحَجُّ بِالدَّوَاعِي مَعَ الْإِنْزَالِ كَمَا فَسَدَ بِهَا الصَّوْمُ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ تَعَلَّقَ بِالْجِمَاعِ حَقِيقَةً بِالنَّصِّ، وَالْجِمَاعُ مَعْنًى دُونَهُ فَلَمْ يُلْحَقْ بِهِ، وَأَمَّا فَسَادُ الصَّوْمِ فَمُعَلَّقٌ بِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَقَدْ وُجِدَ، وَفِي الْمُحِيطِ مُحْرِمٌ عَبَثَ بِذَكَرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ بِالْمَسِّ كَمَا لَوْ مَسَّ امْرَأَةً فَأَنْزَلَ، وَلَوْ أَتَى بَهِيمَةً فَأَنْزَلَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ كَمَا لَوْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَبْلَ أَيْ تَجِبُ شَاةٌ لِمَا وَرَدَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ الْفَسَادِ بِهِ وَوُجُوبِ الْهَدْيِ، وَأَدْنَاهُ شَاةٌ وَيَقُومُ الشِّرْكُ فِي الْبَدَنَةِ مَقَامَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْفَسَادِ بِالْجِمَاعِ فِي الدُّبُرِ هُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِهِمَا لِكَمَالِ الْجِنَايَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمُرَادُهُ مِنْ آدَمِيَّةٍ. أَمَّا وَطْءُ الْبَهِيمَةِ فَلَا يُفْسِدُ مُطْلَقًا لِقُصُورِهِ وَأُطْلِقَ فِي الْجِمَاعِ فَشَمَلَ مَا إذَا أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ كُلَّهُ أَوْ بِقَدْرِ الْحَشَفَةِ، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ الْحِمَارِ أَوْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا يَفْسُدُ حَجُّهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ لَفَّ ذَكَرَهُ بِخِرْقَةٍ، وَأَدْخَلَهُ إنْ وَجَدَ حَرَارَةَ الْفَرْجِ وَاللَّذَّةَ يَفْسُدُ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. وَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا مُخْتَارًا أَوْ مُكْرَهًا رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَحَكَى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ خِلَافًا بَيْنَ ابْنِ شُجَاعٍ وَالْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ فِي رُجُوعِ الْمَرْأَةِ بِالدَّمِ إذَا أَكْرَهَهَا الزَّوْجُ عَلَى الْجِمَاعِ فَقَالَ الْأَوَّلُ لَا، وَقَالَ الثَّانِي نَعَمْ، وَلَمْ أَرَ قَوْلًا فِي رُجُوعِهَا بِمُؤْنَةِ حَجِّهَا وَشَمَلَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ لَكِنْ فِي الْعَبْدِ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ، وَقَضَاءُ الْحَجِّ بَعْدَ الْعِتْقِ سِوَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَكُلُّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْمَالُ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ بِخِلَافِ مَا فِيهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ لِلْحَالِ، وَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَوْلَى عَنْهُ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبْعَثُ عَنْهُ لِيَحِلَّ هُوَ فَإِذَا عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، وَشَمَلَ الْوَطْءَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ وَوَطْءَ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَصَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ بِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَعْتُوهَ يَفْسُدُ حَجُّهُمَا بِالْجِمَاعِ لَكِنْ لَا دَمَ عَلَيْهِمَا، وَفِي مَنَاسِكِ ابْنِ الضِّيَاءِ: وَإِذَا جَامَعَ الصَّبِيُّ حَتَّى فَسَدَ حَجُّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. انْتَهَى.

وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ كَانَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ) كَذَا فِي الْكَافِي وَالْبَدَائِعِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: بَلْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مُطْلَقًا) هَذَا مُسَلَّمٌ فِيمَا لَوْ كَانَ فِي حَضْرَةِ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ مُجَامَعَتُهُ أَمَّا فِي غَيْرِهِ فَلَا (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ بِالدَّوَاعِي) أَيْ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ وُجِدَتْ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ سَائِرُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَوَقَعَ فِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ، وَلَوْ لَمَسَ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى يَفْسُدُ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُمْنِ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَمِنْهَاجِ الْمُصَلِّينَ، وَمُنْيَةِ الْمُفْتِي، وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ السُّرُوجِيُّ، وَفِي الْمَنَافِعِ يَعْنِي بِالْفَسَادِ النُّقْصَانَ الْفَاحِشَ. اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ مُنَافٍ لِمَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ.

(قَوْلُهُ: وَيَقُومُ الشِّرْكُ فِي الْبَدَنَةِ مَقَامَهَا) مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ أَوَائِلَ بَابِ الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَفْسُدُ مُطْلَقًا) قَالَ: الرَّمْلِيُّ أَيْ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، وَقَدْ أَلْحَقُوا الَّتِي لَا تُشْتَهَى بِالْبَهِيمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّوْمِ، وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَسَادِ بِوَطْءِ الْمَيِّتَةِ وَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ الْحِمَارِ إلَخْ) لِيَنْظُرَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بَهِيمَةً فَأَنْزَلَ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَوْلَى) أَيْ أَوْ غَيْرُهُ، وَقِيلَ يَجُوزُ لُبَابٌ وَنَقَلَ شَارِحُهُ الْأَوَّلُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ وَالثَّانِي أَيْ الْجَوَازُ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ بَقِيَ مَا إذَا اسْتَدَانَ، وَهُوَ مَأْذُونٌ أَوْ مُكَاتَبٌ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ التَّبَرُّعِ عَنْهُ.

(قَوْلُهُ: وَشَمَلَ الْوَطْءَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ) أَيْ الْوَطْءَ لِحَلِيلَتِهِ أَوْ لِأَجْنَبِيَّةٍ، وَإِلَّا فَالْوَطْءُ هُنَا كُلُّهُ حَرَامٌ يُعَارِضُ الْإِحْرَامَ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ أَفْسَدَ الصَّبِيُّ حَجَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ. اهـ.

قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة وَفِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ

ص: 16

الزَّوْجُ صَبِيًّا يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَسَدَ حَجُّهَا دُونَهُ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً انْعَكَسَ الْحُكْمُ. انْتَهَى. فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْجِمَاعِ وَبِالْعُذْرِ لَا يَنْعَدِمُ الْجِمَاعُ فَلَا يَنْعَدِمُ الْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا حُكْمُ الْفَسَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُفْسِدَ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَشَمَلَ مَا إذَا تَعَدَّدَ الْجِمَاعُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ إنْ كَانَ الْمَجْلِسُ مُتَّحِدًا سَوَاءٌ كَانَ لِامْرَأَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ أَمَّا إذَا تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ رَفْضَ الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْفَاسِدَةِ لَا يَلْزَمُهُ بِالثَّانِي شَيْءٌ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَعَ أَنَّ نِيَّةَ الرَّفْضِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالْأَعْمَالِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْمَحْظُورَاتُ مُسْتَنِدَةً إلَى قَصْدٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ كَانَتْ مُتَّحِدَةً فَكَفَاهُ دَمٌ وَاحِدٌ وَلِهَذَا نَصَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا جَامَعَ النِّسَاءَ وَرَفَضَ إحْرَامَهُ، وَأَقَامَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُهُ الْحَلَالُ مِنْ الْجِمَاعِ وَالطِّيبِ، وَقَتْلِ الصَّيْدِ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ كَمَا كَانَ حَرَامًا وَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ.

(قَوْلُهُ: وَيَمْضِي وَيَقْضِي، وَلَمْ يَفْتَرِقَا فِيهِ) أَيْ وَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ بَعْدَ إفْسَادِهِ كَمَا يَمْضِي فِيهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ مِنْ قَابِلٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى الْأَفْعَالَ مَعَ وَصْفِ الْفَسَادِ، وَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا بِوَصْفِ الصِّحَّةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَيَجْتَنِبُ فِي الْفَاسِدَةِ مَا يَجْتَنِبُ فِي الْجَائِزَةِ، وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ أَهْلِ عَصْرِنَا أَنَّ الْحَجَّ إذَا فَسَدَ لَا يُفْسِدُ الْإِحْرَامَ وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ الْإِحْرَامَ

ــ

[منحة الخالق]

الْفَسَادَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْجِمَاعِ إذْ يَكُونُ بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِالْأَعْمَالِ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة يُنْظَرُ فِيهِ مَعَ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ تَحْلِيلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ بِنَحْوِ قَصِّ ظُفُرٍ وَبِالْجِمَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبَغِي لَهُ فِعْلُهُ ابْتِدَاءً. اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ هُنَا خُصُوصُ هَذَا الْمُجَامِعِ، وَهُوَ، وَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْأَعْمَالِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْمَحْظُورَاتُ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي تَأْوِيلِهِ يَرْتَفِعُ عَنْهُ الضَّمَانُ لِمَا ذُكِرَ فَإِنَّ التَّأْوِيلَ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ فِي رَفْعِ الضَّمَانِ كَالْبَاغِي إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْعَادِلِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَنْ تَأْوِيلٍ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا نَصَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَخْ) قَالَ فِي اللُّبَابِ اعْلَمْ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا نَوَى رَفْضَ الْإِحْرَامِ فَجَعَلَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُهُ الْحَلَالُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْحَلْقِ وَالْجِمَاعِ، وَقَتْلِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الْإِحْرَامِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ كَمَا كَانَ مُحْرِمًا وَيَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ مَا ارْتَكَبَ، وَلَوْ كُلَّ الْمَحْظُورَاتِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَاتِ إذَا لَمْ يَنْوِ الرَّفْضَ ثُمَّ نِيَّةُ الرَّفْضِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ بِهَذَا الْقَصْدِ لِجَهْلِهِ مَسْأَلَةَ عَدَمِ الْخُرُوجِ، وَأَمَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِهَذَا الْقَصْدِ فَإِنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ مِنْهُ. اهـ. قَالَ شَارِحُهُ، وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرَ مِنْهُ إذَا كَانَ شَاكًّا فِي الْمَسْأَلَةِ أَوْ نَاسِيًا لَهَا.

(قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ مِنْ قَابِلٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدْ سَأَلَنِي بَعْضُ الطَّلَبَةِ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ عَمَّا إذَا فَسَدَ الْقَضَاءُ أَيْضًا أَيَجِبُ أَنْ يَقْضِيَهُ أَيْضًا فَقُلْت لَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ، وَقِيَاسُ كَوْنِهِ إنَّمَا شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْزِمًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، وَالْمُرَادُ الْإِعَادَةُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ. اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ الَّتِي أَفْسَدَهَا أَوَّلًا، وَلَا يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ ثَانِيَةٌ عَنْ الَّتِي أَفْسَدَهَا ثَانِيًا، وَكَلَامُهُ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ ظَاهِرٌ، وَقَدْ نَقَلَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْمُبْتَغَى فَقَالَ: وَلَفْظُ الْمُبْتَغَى لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ قَابِلٍ يُرِيدُ قَضَاءَ تِلْكَ الْحَجَّةِ فَأَفْسَدَ حَجَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ أَفْسَدَ قَضَاءَ صَوْمِ رَمَضَانَ. اهـ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ إلَخْ فَفِيهِ غُمُوضٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْإِحْكَامُ وَالْإِتْقَانُ فَغَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْأَدَاءَ كَمَا يُقَالُ قَضَيْت الدَّيْنَ أَيْ أَدَّيْته فَقَوْلُهُ وَالْمُرَادُ الْإِعَادَةُ يُخَالِفُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْإِعَادَةَ فِعْلُ مِثْلِ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ لِخَلَلِ غَيْرِ الْفَسَادِ، وَعَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ، وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا نَعَمْ يَتَأَتَّى عَلَى التَّعْرِيفِ الْمَشْهُورِ لَهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا فِعْلُ الشَّيْءِ ثَانِيًا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ لِخَلَلٍ فِي فِعْلِهِ أَوَّلًا فَالصَّوَابُ حَذْفُ قَوْلِهِ وَالْمُرَادُ الْإِعَادَةُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى بَيَانِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْأَدَاءُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْكَمَالِ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ تَسْمِيَةَ الْحَجِّ الصَّحِيحِ بَعْدَ الْحَجِّ الْفَاسِدِ قَضَاءً مَجَازٌ قَالَ: الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ، وَهُوَ الْعُمْرُ فَهُوَ أَدَاءٌ عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا. اهـ.

وَحَيْثُ كَانَ أَدَاءً عِنْدَنَا سَقَطَ السُّؤَالُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْحَجَّ الْأَوَّلَ لَغْوٌ فَإِنْ أَدَّاهُ صَحِيحًا خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَإِلَّا فَلَا فَيَجِبُ أَدَاؤُهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَهَكَذَا إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ صَحِيحًا فَمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ الْفَاسِدِ لَيْسَ حَجًّا غَيْرَ الْفَرْضِ بَلْ هُوَ الْفَرْضُ إنْ كَانَ صَحِيحًا، وَمَا قَبْلَهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ أَصْلًا إذْ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا فِي وَقْتِهَا، وَأَفْسَدَهَا ثُمَّ أَدَّاهَا ثَانِيًا خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ لُزُومَ صَلَاةٍ أُخْرَى قَضَاءً عَنْ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا، وَأَفْسَدَهَا، وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُبْتَغَى مِنْ جَعْلِهِ نَظِيرَ مَا لَوْ أَفْسَدَ قَضَاءَ صَوْمِ رَمَضَانَ أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا قَضَاءُ يَوْمٍ وَاحِدٍ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ ظَنَّ إلَخْ) ذَكَرَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ مَا يُقَوِّي هَذَا الظَّنَّ حَيْثُ قَالَ: وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلشَّمْسِ السَّمَرْقَنْدِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَيْ نَقَصَهُ نُقْصَانًا فَاحِشًا، وَلَمْ يُبْطِلْهُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ اللُّبَابِ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْفَسَادِ النَّقْصُ الْفَاحِشُ لَا الْبُطْلَانُ، وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ يُزِيلُ بَعْضَ الْإِشْكَالَاتِ قُلْت مِنْ جُمْلَتِهَا الْمُضِيُّ فِي الْأَفْعَالِ لَكِنْ فِي عَدَمِ الْإِبْطَالِ أَيْضًا نَوْعٌ مِنْ الْإِشْكَالِ، وَهُوَ الْقَضَاءُ إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّهُ

ص: 17

بَاقٍ فَيَقْضِي فِيهِ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَلْ فَسَدَ الْإِحْرَامُ كَالْحَجِّ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِفَسَادِهِ فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ فِي هَذَا الْفَصْلِ، وَمَعْنَى بَقَائِهِ عَدَمُ الْخُرُوجِ عَنْهُ بِغَيْرِ الْأَفْعَالِ، وَمَعْنَى الِافْتِرَاقِ الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِ صَاحِبِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ النِّكَاحُ قَائِمٌ فَلَا مَعْنَى لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لِإِبَاحَةِ الْوُقُوعِ، وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَذَاكَرَانِ مَا لَحِقَهُمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ بِسَبَبِ لَذَّةٍ صَغِيرَةٍ فَيَزْدَادَانِ نَدَمًا وَتَحَرُّزًا لَكِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ إذَا خَافَ الْوَقَاعَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: وَبَدَنَةٌ لَوْ بَعْدَهُ، وَلَا فَسَادَ) أَيْ يَجِبُ بَدَنَةٌ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الْحَلْقِ، وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ لِلْحَدِيثِ «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» أَيْ أَمِنَ مِنْ فَسَادِهِ لِبَقَاءِ الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ الطَّوَافُ، وَوُجُوبُ الْبَدَنَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْأَثَرُ فِيهِ كَالْخَبَرِ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا جَامَعَ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ فَبَدَنَةُ لِلْأَوَّلِ وَشَاةٌ لِلثَّانِي فِي قَوْلِهِمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ ذَبَحَ لِلْأَوَّلِ فَيَجِبُ لِلثَّانِي شَاةٌ، وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ دَخَلَ إحْرَامَهُ نُقْصَانٌ بِالْجِمَاعِ الْأَوَّلِ وَبِالْجِمَاعِ الثَّانِي صَادَفَ إحْرَامًا نَاقِصًا فَيَكْفِيهِ شَاةٌ.

(قَوْلُهُ: أَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلَ الْفَصْلِ قَبْلَ أَيْ يَجِبُ شَاةٌ إنْ جَامَعَ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ لِوُجُودِ الْحِلِّ الْأَوَّلِ بِالْحَلْقِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَ الْمُتُونِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِيمَا إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحَلْقِ فَالْوَاجِبُ بَدَنَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَالْوَاجِبُ شَاةٌ، وَمَشَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ كَصَاحِبِ الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ والإسبيجابي عَلَى وُجُوبِ الْبَدَنَةِ مُطْلَقًا، وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: إنَّهُ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّ إيجَابَهَا لَيْسَ إلَّا بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ ظَاهِرُهُ فِيمَا بَعْدَ الْحَلْقِ ثُمَّ الْمَعْنَى يُسَاعِدُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا قَبْلَ الْحَلْقِ لَيْسَ إلَّا لِلْجِنَايَةِ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَطْءَ لَيْسَ جِنَايَةً عَلَيْهِ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ لَهُ لَا لِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ لِغَيْرِهِ فَلَيْسَ الطِّيبُ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامِ بِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ الْجِمَاعَ أَوْ الْحَلْقَ بَلْ بِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ لِلطِّيبِ، وَكَذَا كُلُّ جِنَايَةٍ عَلَى الْإِحْرَامِ لَيْسَتْ جِنَايَةً عَلَيْهِ إلَّا بِاعْتِبَارِ تَحْرِيمِهِ لَهَا لَا لِغَيْرِهَا فَيَجِبُ أَنْ يَسْتَوِيَ مَا قَبْلَ الْحَلْقِ، وَمَا بَعْدَهُ فِي حَقِّ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الَّذِي بِهِ كَانَ جِنَايَةً قَبْلَهُ بِعَيْنِهِ ثَابِتٌ بَعْدَهُ، وَالزَّائِلُ لَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ جِنَايَةً بِاعْتِبَارِهِ لَا جَرَمَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إطْلَاقُ لُزُومِ الْبَدَنَةِ بَعْدَ الْوُقُوفِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ بَعْدَهُ. انْتَهَى.

وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ الْوُقُوفِ قَبْلَ الْحَلْقِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بَدَنَةٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ شَاةٌ مَعَ أَنَّ وُجُوبَهَا لِلْجِمَاعِ الْأَوَّلِ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ حُرْمَتِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ جِمَاعٍ أَتَى بِهِ قَبْلَ الطَّوَافِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَنَّ الْبَدَنَةَ لَا تَجِبُ إلَّا إذَا كَمُلَتْ الْجِنَايَةُ، وَكَمَالُهَا بِمُصَادَفَتِهَا إحْرَامًا كَامِلًا فَالْجِمَاعُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ صَادَفَ إحْرَامًا نَاقِصًا فَلَمْ تَجِبْ الْبَدَنَةُ، وَكَذَا الْجِمَاعُ بَعْدَ الْحَلْقِ صَادَفَ إحْرَامًا نَاقِصًا لِخُرُوجِهِ عَنْهُ فِي حَقِّ غَيْرِ النِّسَاءِ، وَهَذَا الْبَابُ أَعْنِي بَابَ الْجِنَايَاتِ عَلَى الْإِحْرَامِ يُنْظَرُ فِيهِ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ، وَقُصُورِهَا لِيَجِبَ الْجَزَاءُ بِقَدْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَطْيِيبِ الْعُضْوِ، وَمَا دُونَهُ، وَمِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَا إلَى تَحْرِيمِ الْفِعْلِ فَقَطْ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَسَائِلَهُمْ شَاهِدَةٌ بِأَنَّ الْجِنَايَةَ إنْ كَمُلَتْ تُغْلِظُ الْجَزَاءَ كَمَا فِي لُبْسِ الْمَخِيطِ يَوْمًا أَوْ أَقَلَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَا إلَى تَحْرِيمِ الْفِعْلِ فَقَطْ، وَإِنْ قَصُرَتْ خَفَّ الْجَزَاءُ فَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْمُتُونِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْقَارِنِ إذَا جَامَعَ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَطَوَافِ الْعُمْرَةِ فَسَدَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ، وَلَزِمَهُ دَمَانِ وَقَضَاؤُهُمَا وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَوْ أَكْثَرَهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَسَدَ الْحَجُّ فَقَطْ، وَلَزِمَهُ دَمَانِ أَيْضًا، وَقَضَاءُ الْحَجِّ فَقَطْ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْقِرَانِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَمْ يَفْسُدَا، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْحَلْقِ اتِّفَاقًا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْحَلْقِ فِي مَوْضِعَيْنِ. الْأَوَّلُ: فِي وُجُوبِ

ــ

[منحة الخالق]

يُؤَدَّى عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ إلَخْ) ، وَكَذَا شَمَلَ مَا لَوْ جَامَعَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَتَلْزَمُهُ فِيهِمَا بَدَنَةٌ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَذَكَرَ الْحَدَّادِيُّ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ نَاقِلًا عَنْ الْوَجِيزِ أَنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ إذَا جَامَعَ عَامِدًا أَمَّا إذَا جَامَعَ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ. اهـ.

وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ الرِّوَايَاتِ حَيْثُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي فِي سَائِرِ الْجِنَايَاتِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ، وَعَلَيْهِ جَزُورٌ جَامَعَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا. اهـ.

كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ جِمَاعَ النَّاسِي كَالْعَامِدِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْحَلْقِ، وَقَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ

ص: 18

الْبَدَنَةِ لِلْحَجِّ أَوْ الشَّاةِ، وَقَدَّمْنَاهُ وَالثَّانِي فِي وُجُوبِ شَاةٍ لِلْعُمْرَةِ فَاَلَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ والإسبيجابي أَنَّهُ يَجِبُ شَاةٌ لِلْعُمْرَةِ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الْوَبَرِيُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَجْلِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ إحْرَامِهَا بِالْحَلْقِ وَبَقِيَ إحْرَامُ الْحَجِّ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَاسْتَشْكَلَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ فَكَذَا فِي الْعُمْرَةِ وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ لَمْ يُعْهَدْ بِحَيْثُ يَتَحَلَّلُ مِنْهُ بِالْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ النِّسَاءِ وَيَبْقَى فِي حَقِّهِنَّ بَلْ إذَا حَلَقَ بَعْدَ أَفْعَالِهَا حَلَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا عُهَد ذَلِكَ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ فَإِذَا ضُمَّ إحْرَامُ الْحَجِّ إلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ اسْتَمَرَّ كُلٌّ عَلَى مَا عُهِدَ لَهُ فِي الشَّرْعِ فَيَنْطَوِي بِالْحَلْقِ إحْرَامُ الْعُمْرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ فَالصَّوَابُ مَا عَنْ الْوَبَرِيِّ. اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا الْأَكْثَرَ وَتَفْسُدَ وَيَمْضِيَ وَيَقْضِيَ) أَيْ لَوْ جَامَعَ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَزِمَهُ شَاةٌ، وَفَسَدَتْ عُمْرَتُهُ كَمَا لَوْ جَامَعَ فِي الْحَجِّ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِجَامِعِ حُصُولِهِ قَبْلَ إدْرَاكِ الرُّكْنِ فِيهِمَا وَيَمْضِي فِي فَاسِدِهَا كَمَا يَمْضِي فِي صَحِيحِهَا، وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ، وَلَا فَسَادَ) أَيْ لَوْ جَامَعَ بَعْدَ مَا طَافَ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ لَزِمَهُ شَاةٌ، وَلَا تَفْسُدُ عُمْرَتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالرُّكْنِ فَصَارَ كَالْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ بَدَنَةٌ كَمَا فِي الْحَجِّ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يُتِمُّ فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَمَّا فِي غَيْرِهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَفْلٌ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَاجِبٌ بَعْدَهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: نَفْلُ الْحَجِّ أَقْوَى مِنْ نَفْلِ الْعُمْرَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْجِمَاعَ فِي الْحَجِّ بَعْدَ الْوُقُوفِ يَكُونُ قَبْلَ أَدَاءِ بَقِيَّةِ أَرْكَانِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ الطَّوَافُ، وَهُوَ رُكْنٌ فَتَغَلَّظَتْ الْجِنَايَةُ فَتَغَلَّظَ الْجَزَاءُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ فِي الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا الْوَاجِبَاتُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْبَدَنَةِ لَوْ جَامَعَ قَبْلَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَشَمَلَ قَوْلُهُ: بَعْدَ طَوَافِ الْأَكْثَرِ مَا إذَا طَافَ الْبَاقِيَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَوَّلًا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحَلْقِ وَتَرَكَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ؛ لِأَنَّ بِالْحَلْقِ يَخْرُجُ عَنْ إحْرَامِهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ إحْرَامِ الْحَجِّ، وَلَمَّا بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الْمُفْرِدِ بِالْحَجِّ وَالْمُفْرِدِ بِالْعُمْرَةِ عُلِمَ مِنْهُ حُكْمُ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ.

(قَوْلُهُ: وَجِمَاعُ النَّاسِي كَالْعَامِدِ) يَعْنِي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ الْجِنَايَاتِ فَيَفْسُدُ حَجُّهُ لَوْ جَامَعَ نَاسِيًا قَبْلَ الْوُقُوفِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ أَنَّ النِّسْيَانَ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ لِكَمَالِ الْعَقْلِ، وَلَيْسَ عُذْرًا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عُذْرٌ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ أَمَّا الْحُكْمُ فَإِنْ كَانَ مَعَ مُذَكَّرٍ، وَلَا دَاعِيَ إلَيْهِ كَأَكْلِ الْمُصَلِّي وَجِنَايَةِ الْمُحْرِم لَمْ يَسْقُطْ بِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ سَلَامِهِ فِي الْقَعْدَةِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مَعَ مُذَكَّرٍ مَعَ دَاعٍ إلَيْهِ سَقَطَ كَأَكْلِ الصَّائِمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا فَكَذَلِكَ بِالْأَوْلَى كَتَرْكِ الذَّابِحِ التَّسْمِيَةَ. انْتَهَى. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْجَاهِلَ وَالْعَالِمَ وَالْمُخْتَارَ وَالْمُكْرَهَ وَالنَّائِمَ وَالْمُسْتَيْقِظَ سَوَاءٌ لِحُصُولِ الِارْتِفَاقِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ مُحْدِثًا) أَيْ يَلْزَمُهُ شَاةٌ لِتَرْكِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا فِي الرُّكْنِ فَصَارَ كَتَرْكِ شَوْطٍ مِنْهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الدَّمَ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا فَلِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ سُنَّةً، وَيَجِبُ بِتَرْكِهَا الْكَفَّارَةُ، وَلِهَذَا قَالَ: مُحَمَّدٌ فِيمَنْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْإِمَامِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ سُنَّةَ الدَّفْعِ. اهـ.

وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ لَا ثَمَرَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الطَّهَارَةُ وَاجِبَةً لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا حَاضَتْ فَقَالَ لَهَا عليه السلام: اقْضِ مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» .

رَتَّبَ مَنْعَ الطَّوَافِ عَلَى انْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ، وَهَذَا حُكْمٌ وَسَبَبٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالسَّبَبِ فَيَكُونُ الْمَنْعُ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ لَا لِعَدَمِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْقَطْعِيِّ، وَهُوَ {وَلْيَطَّوَّفُوا} [الحج: 29] بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ نُسِخَ عِنْدَنَا فَلَا يَجُوزُ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام:«الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» فَالْمُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الثَّوَابِ، قَيَّدَ بِالْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ، وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ) أَيْ فِي صُوَرِ هَذِهِ الْقَوْلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَالْوَاجِبُ شَاةٌ إلَخْ فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ ذَاكَ فِي الْمُفْرِدِ يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ الْقَارِنِ كَمَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي لَا يَصِحُّ.

(قَوْلُهُ: بِوُجُوبِهَا) أَيْ الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ) قَالَ: فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ ثَمَّ تَرْكُ الْوَاجِبِ أَشَدُّ. اهـ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ الثَّمَرَةُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ، وَعَدَمِهِ.

ص: 19

لِإِدْخَالِ النَّجَاسَةِ الْمَسْجِدَ، وَلَمْ يَنُصَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا عَلَى الثَّوْبِ، وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ نَجَاسَةَ الثَّوْبِ كُلِّهِ فِيهِ الدَّمُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ.

وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ طَافَ مُنْكَشِفَ الْعَوْرَةِ قَدْرَ مَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ سِتْرُ الْعَوْرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ: عليه السلام «أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» بِنَاءً عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الْوُجُوبَ عِنْدَنَا، وَقَيَّدَ بِالرُّكْنِ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ أَقَلَّهُ مُحْدِثًا، وَلَمْ يُعِدْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ إلَّا إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ دَمًا فَإِنَّهُ يُنْقِصُ مِنْهُ مَا شَاءَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

(قَوْلُهُ: وَبَدَنَةٌ لَوْ جُنُبًا وَيُعِيدُ) أَيْ يَجِبُ بَدَنَةٌ لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ فَيَجِبُ جَبْرُ نُقْصَانِهَا فِي الْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ كَالْجَنَابَةِ قَيَّدَ بِالرُّكْنِ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ الْأَقَلَّ جُنُبًا، وَلَمْ يُعِدْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فَإِنْ أَعَادَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لِتَأْخِيرِ الْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ، وَقَوْلُهُ: وَيُعِيدُ رَاجِعٌ إلَى الطَّوَافِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا، وَلَمْ يَذْكُرْ صِفَةَ الْإِعَادَةِ لِلِاخْتِلَافِ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الطَّوَافِ جُنُبًا مُسْتَحَبَّةٌ فِي الطَّوَافِ مُحْدِثًا لِلْفُحْشِ فِي الْأَوَّلِ وَالْقُصُورِ فِي الثَّانِي فَإِنْ أَعَادَهُ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِيهِمَا مُطْلَقًا لِجَبْرِ النُّقْصَانِ الْحَاصِلِ بِالْإِعَادَةِ إلَّا أَنَّهُ إنْ أَعَادَهُ، وَقَدْ طَافَ جُنُبًا بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ دَمٌ لِلتَّأْخِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَيُعِيدُ بِمَعْنَى أَوْ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِمَعْنَى شَيْئَيْنِ إمَّا لُزُومُ الشَّاةِ أَوْ الْإِعَادَةُ، وَالْإِعَادَةُ هِيَ الْأَصْلُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ لِيَكُونَ الْجَابِرُ مِنْ جِنْسِ الْمَجْبُورِ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الدَّمِ، وَأَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَفِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ اتَّفَقُوا أَنَّ بَعْثَ الشَّاةِ أَفْضَلُ مِنْ الرُّجُوعِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى الْإِعَادَةِ أَفْضَلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَاخْتَارَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ بَعْثَ الدَّمِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ وَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْفُقَرَاءِ، وَإِذَا عَادَ لِلْأَوَّلِ يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَلَّ فِي حَقِّ النِّسَاءِ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ جُنُبًا، وَهُوَ آفَاقِيٌّ يُرِيدُ مَكَّةَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إحْرَامٍ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَإِذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يَبْدَأُ بِهَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا يَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ، وَفَهِمَ الرَّازِيّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الطَّوَافَ الثَّانِيَ مُعْتَدٌّ بِهِ، وَأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ انْفَسَخَ وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ إلَى أَنَّ الْأَوَّلَ مُعْتَبَرٌ فِي فَصْلِ الْجِنَايَةِ كَمَا فِي فَصْلِ الْحَدَثِ اتِّفَاقًا وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ صِفَةَ الْإِعَادَةِ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ وَالْأَصَحُّ نَدْبُهَا مَعَ الْحَدَثِ وَوُجُوبُهَا مَعَ الْجِنَايَةِ فَإِنْ أَعَادَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا ذَبْحَ، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِلتَّأْخِيرِ قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ (قَوْلُهُ: فَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الطَّوَافِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا، وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهَا لَكِنَّهُ خَاصٌّ فِي الطَّوَافِ مُحْدِثًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ ثُمَّ إذَا أَعَادَهُ، وَقَدْ طَافَ مُحْدِثًا لَا ذَبْحَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْإِعَادَةِ لَا تَبْقَى إلَّا شُبْهَةُ النُّقْصَانِ، وَإِنْ أَعَادَهُ، وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَعَادَهُ فِي وَقْتِهِ، وَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بِالتَّأْخِيرِ. اهـ.

هَذَا وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا أَنَّ عَلَيْهِ دَمَيْنِ أَيْ وَتَسْقُطُ الْبَدَنَةُ لِوُقُوعِ طَوَافِ الصَّدْرِ عَنْ طَوَافِ الرُّكْنِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَأْخِيرِهِ وَدَمٌ لِتَرْكِ الصَّدْرِ إنْ لَمْ يُعِدْهُ كَمَا سَيَشْرَحُهُ الْمُؤَلِّفُ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ طَافَ جُنُبًا) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الظَّرْفِ، وَمُتَعَلِّقِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ مُتَعَلِّقٌ بِأَعَادَهُ، وَقَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ طَافَ مُحْدِثًا، وَأَعَادَهُ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ سَوَاءٌ أَعَادَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلتَّأْخِيرِ كَمَا فِي اللُّبَابِ، وَعَزَاهُ شَارِحُهُ إلَى الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا قَالَ: وَفِي الْبَحْرِ الزَّاخِرِ هُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ قَالَ: فِي اللُّبَابِ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ لِلتَّأْخِيرِ دَمٌ. قَالَ: شَارِحُهُ قَالَ: قِوَامُ الدِّينِ مَا فِي الْهِدَايَةِ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ النُّسُكِ عَنْ وَقْتِهِ يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ مُصَرِّحَةٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا أَعَادَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ سَوَاءٌ كَانَتْ إعَادَتُهُ بِسَبَبِ الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَدَائِعِ وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ مَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ إنَّهُ الْأَظْهَرُ. اهـ.

وَوَجْهُهُ أَنَّ طَوَافَهُ الْأَوَّلَ مُعْتَدٌّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَالْإِعَادَةُ لِتَكْمِيلِ الْعِبَادَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فِي اللُّبَابِ، وَقِيلَ صَدَقَةٌ لِكُلِّ شَوْطٍ، وَعَزَاهُ شَارِحُهُ إلَى الْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ ذَلِكَ بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى شَيْئَيْنِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ (قَوْلُهُ: وَفَهِمَ الرَّازِيّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ، وَكَانَ الْأَظْهَرُ تَقْدِيمَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ، وَأَمَّا إذَا رَجَعَ كَمَا فَعَلَ فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ بَحْثِ الْإِعَادَةِ قَبْلَ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي فَصْلِ الْحَدَثِ اتِّفَاقًا) حَاصِلُهُ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِعَادَةِ فِي فَصْلِ الْجَنَابَةِ فَعِنْدَ الرَّازِيّ الطَّوَافُ الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَدُّ بِهِ، وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ الْأَوَّلُ، وَاتَّفَقُوا فِي الْمُحْدِثِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِيَ جَابِرٌ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ

ص: 20

الْإِيضَاحِ إذْ لَا شَكَّ فِي وُقُوعِ الْأَوَّلِ مُعْتَدًّا بِهِ حَتَّى حَلَّ بِهِ النِّسَاءُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا فِي الْأَصْلِ لَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا إنْ أَعَادَهُ فِي شَوَّالٍ أَوْ لَمْ يُعِدْهُ، وَقَوَّاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَإِنَّمَا وَجَبَ الدَّمُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِعَادَةُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَإِذَا مَضَتْ تَرَكَ وَاجِبًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ لَا ثَمَرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الدَّمَ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا، وَإِنْ اخْتَلَفَ التَّخْرِيجُ.

(قَوْلُهُ: وَصَدَقَةٌ لَوْ مُحْدِثًا لِلْقُدُومِ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ لَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ مُحْدِثًا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَهُ نَقْصٌ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فَيَنْجَبِرُ بِالصَّدَقَةِ إظْهَارًا لِدُنُوِّ رُتْبَتِهِ عَنْ الْوَاجِبِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ.

وَأَشَارَ إلَى أَنَّ كُلَّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ فَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَيَّدَ بِالْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ جُنُبًا لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ وَدَمٌ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ فِيهِ مُتَغَلِّظٌ فَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ احْتِيَاطًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ طَوَافَ التَّحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ، وَإِنْ أَعَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَبِهَذَا ظَهَرَ بُطْلَانُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِسْبِيجَابِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ طَافَ لِلِقَاءٍ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ؛ وَلِأَنَّ طَوَافَ التَّطَوُّعِ إذَا شَرَعَ فِيهِ صَارَ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ ثُمَّ يَدْخُلُهُ النَّقْصُ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِيهِ.

غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ وُجُوبَهُ لَيْسَ بِإِيجَابِهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً فَأَظْهَرْنَا التَّفَاوُتَ فِي الْحَطِّ مِنْ الدَّمِ إلَى الصَّدَقَةِ فِيمَا إذَا طَافَهُ مُحْدِثًا، وَمِنْ الْبَدَنَةِ إلَى الشَّاةِ فِيمَا إذَا طَافَهُ جُنُبًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي وُجُوبَ الشَّاةِ فِيمَا إذَا طَافَ لِلتَّطَوُّعِ جُنُبًا. وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ إنْ طَافَ لِلْقُدُومِ مُحْدِثًا وَسَعَى وَرَمَلَ عَقِبَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَهُمَا عَقِيبَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَإِنْ طَافَ لَهُ جُنُبًا وَسَعَى وَرَمَلَ عَقِبَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ عَقِبَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَرْمُلُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَالصَّدْرِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْقُدُومِ فَتَجِبُ صَدَقَةٌ لَوْ طَافَ مُحْدِثًا وَدَمٌ لَوْ جُنُبًا فَقَدْ سَوَّوْا بَيْنَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَبَيْنَ طَوَافِ الصَّدْرِ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ سُنَّةٌ وَالثَّانِيَ وَاجِبٌ، وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ يَصِيرُ وَاجِبًا أَيْضًا بِالشُّرُوعِ، وَأَقَرَّهُ الشَّارِحُونَ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مَا وَجَبَ ابْتِدَاءً قَبْلَ الشُّرُوعِ أَقْوَى مِمَّا وَجَبَ بِالشُّرُوعِ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ قَيَّدَ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا لَا يُوجِبُ شَيْئًا سَوَاءٌ كَانَ سَعْيَ عُمْرَةٍ أَوْ حَجٍّ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تُؤَدَّى لَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ تُؤَدَّى لَا فِي الْمَسْجِدِ فِي أَحْكَامِ الْمَنَاسِكِ فَالطَّهَارَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لَهَا كَالسَّعْيِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ تُؤَدَّى فِي الْمَسْجِدِ فَكَانَتْ الطَّهَارَةُ وَاجِبَةً فِيهِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ.

(قَوْلُهُ:

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: حَتَّى حَلَّ بِهِ النِّسَاءُ) كَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي اللُّبَابِ حَيْثُ قَالَ: وَيَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ لَكِنْ ذَكَرَ قَبْلَهُ فَرْعًا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: لَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ أَعَادَهُ طَاهِرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَقَالَ: شَارِحُهُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى انْفِسَاخِ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا وَجَبَ الدَّمُ) أَيْ فِيمَا لَوْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَقَدْ طَافَهُ جُنُبًا (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ) أَيْ الْخُلْفُ بَيْنَ الرَّازِيّ وَالْكَرْخِيِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالَ فِي السِّرَاجِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي إعَادَةِ السَّعْيِ فَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لَا تَجِبُ إعَادَتُهُ، وَعَلَى قَوْلِ الرَّازِيّ تَجِبُ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ قَدْ انْفَسَخَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ. اهـ.

وَأَمَّا مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ اعْتِبَارُ الثَّانِي، وَعَلَيْهِ فَالْخِلَافُ مَعْنَوِيٌّ فَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي إيجَابِ الدَّمِ، وَعَدَمُهُ فِي فَصْلِ الْحَدَثِ. اهـ.

فَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ فِي فَصْلِ الْجِنَايَةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِمَا عَلِمْت مِنْ تَأْيِيدِ نَقْلِهِ الِاتِّفَاقَ فِي الْحَدَثِ بِمَا نَقَلْنَاهُ أَوَّلًا عَنْ السِّرَاجِ، وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ اعْتِبَارَ الثَّانِي إنْ كَانَ مُرَادُهُ مِنْ قَوْلِ الْإِسْبِيجَابِيِّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ النَّهْرِ غَيْرُهُ فَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ، وَإِلَّا أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَى فَصْلِ الْجِنَايَةِ.

(قَوْلُهُ: وَبِهَذَا ظَهَرَ بُطْلَانُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا قَالَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ مُوَافِقٌ لِمَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الدِّرَايَةِ وَجَزَمَهُ فِي الْمُحِيطِ بِحُكْمٍ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ طَافَ مَعَ النَّجَاسَةِ كَمَا مَرَّ مَعَ وُجُوبِ التَّحَامِي عَنْهَا عَلَى الطَّائِفِينَ نَعَمْ الْقَوْلُ بِضَعْفِهِ لَهُ وَجْهٌ. (قَوْلُهُ: وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْهِدَايَةِ إلَخْ) لَيْسَ ذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنَّمَا أَجَابَ فِيهَا عَمَّا قَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي وُجُوبُ الدَّمِ فِي الصَّدْرِ لِوُجُوبِهِ بِأَنَّهُ دُونَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا قَالَ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ يَجِبُ شَاةٌ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ طَافَ جُنُبًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ كَثِيرٌ ثُمَّ هُوَ دُونَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَيُكْتَفَى بِالشَّاةِ. اهـ.

نَعَمْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِشْكَالِ وَالْجَوَابِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ كَمَا فِي النَّهْرِ بِأَنَّ أَحَدَ الْمَحْظُورَيْنِ لَازِمٌ أَعْنِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَالْقُدُومِ فَالْتَزَمَ أَهْوَنَهُمَا، وَهُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً وَالْوَاجِبِ بَعْدَ الشُّرُوعِ، قَالَ: وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ وَاجِبٌ بِفِعْلِ الْعَبْدِ أَيْضًا، وَهُوَ الصَّدْرُ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّهُ وَهْمٌ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ قَبْلَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِخِلَافِ الْقُدُومِ.

ص: 21

أَوْ تَرَكَ أَقَلَّ طَوَافِ الرُّكْنِ، وَلَوْ تَرَكَ أَكْثَرَهُ بَقِيَ مُحْرِمًا) أَيْ يَجِبُ دَمٌ بِتَرْكِ شَوْطٍ أَوْ شَوْطَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَلَوْ تَرَكَ أَرْبَعَةً مِنْهُ فَإِنَّهُ مُحْرِمٌ فِي حَقِّ النِّسَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرُّكْنَ عِنْدَنَا أَكْثَرُ السَّبْعَةِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنَّمَا أُقِيمَ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ الْأَكْثَرَ فِي الْحَجِّ مَقَامَ الْكُلِّ فِي وُقُوعِ الْأَمْنِ عَنْ الْفَوَاتِ احْتِيَاطًا بِقَوْلِهِ: مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَقَدْ قُلْنَا مَنْ جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ لَا يَفْسُدُ وَبَعْدَ الرَّمْيِ لَا يَفْسُدُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ حَلَقَ أَكْثَرَ الرَّأْسِ صَارَ مُتَحَلِّلًا فَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِلتَّيْسِيرِ جَرَيْنَا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَأَقَمْنَا الْأَكْثَرَ مَقَامَ الْكُلِّ فِي بَابِ التَّحَلُّلِ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ صِيَانَةً لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ عَنْ الْفَوَاتِ وَتَحْقِيقًا لِلْأَمْرِ يَعْنِي أَنَّ الطَّوَافَ أَحَدُ سَبَبَيْ التَّحَلُّلِ فَلَمَّا أُقِيمَ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي أَحَدِ السَّبَبَيْنِ، وَهُوَ الْحَلْقُ بِالْإِجْمَاعِ أُقِيمَ فِي السَّبَبِ الْآخَرِ، وَهُوَ الطَّوَافُ أَيْضًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ إقَامَةَ الْأَكْثَرِ فِي تَمَامِ الْعِبَادَةِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ حُكْمٍ خَاصٍّ، وَهُوَ أَمْنُ الْفَسَادِ وَالْفَوَاتِ لَيْسَ غَيْرُ وَلِذَا لَمْ يَحْكُمْ بِأَنَّ تَرْكَ مَا بَقِيَ أَعْنِي الطَّوَافَ يَتِمُّ مَعَهُ الْحَجُّ، وَهُوَ مَوْرِدُ ذَلِكَ النَّصِّ فَلَا يَلْزَمُ جَوَازُ إقَامَةِ أَكْثَرِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ مَقَامَ تَمَامِ ذَلِكَ الْجُزْءِ وَتَرْكِ بَاقِيهِ كَمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي نَفْسِ مَوْرِدِ النَّصِّ أَعْنِي الْحَجَّ فَلَا يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بَلْ الَّذِي نَدِينُ بِهِ أَنْ لَا يُجْزِئَ أَقَلُّ مِنْ السَّبْعَةِ، وَلَا يُجْبَرُ بَعْضُهُ بِشَيْءٍ غَيْرَ أَنَّا نَسْتَمِرُّ مَعَهُمْ فِي التَّقْرِيرِ عَلَى أَصْلِهِمْ. اهـ.

وَهَذَا مِنْ أَبْحَاثِهِ الْمُخَالِفَةِ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ قَاطِبَةً لَكِنْ لَمْ يَجِبْ عَنْ تَمَسُّكِهِمْ بِحَلْقِ أَكْثَرِ الرَّأْسِ فِي أَنَّهُ يُفِيدُ التَّحَلُّلَ بِالْإِجْمَاعِ فَإِقَامَتُنَا الْأَكْثَرَ فِي الطَّوَافِ لِأَجْلِ التَّحَلُّلِ مُسْتَفَادٌ مِنْ دَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الدَّمُ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ نَقْصًا فِي طَوَافِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ طَافَهُ مُحْدِثًا.

وَأَشَارَ بِالتَّرْكِ إلَى أَنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَجِبُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِمَا تَرَكَهُ أَمَّا إذَا أَتَمَّ الْبَاقِيَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إنْ كَانَ الْإِتْمَامُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَمَّا بَعْدَهَا فَيَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ خِلَافًا لَهُمَا فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَعَثَ شَاةً لِمَا بَقِيَ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَشَاةً أُخْرَى لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بَعْثَ الشَّاةِ لِتَرْكِ الْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ طَافَ لِلصَّدْرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَافَ لِلصَّدْرِ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ مَا يُكْمِلُهُ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى الْبَاقِي مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ إنْ كَانَ أَقَلَّهُ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ، وَإِلَّا فَدَمٌ، وَلَوْ كَانَ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَقَدْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَكْثَرَهُ كَمَّلَهُ مِنْ الصَّدْرِ، وَلَزِمَهُ دَمَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ دَمٌ لِتَأْخِيرِهِ ذَلِكَ وَدَمٌ آخَرُ لِتَرْكِ أَكْثَرِ الصَّدْرِ، وَإِنْ تَرَكَ أَقَلَّهُ لَزِمَهُ لِلتَّأْخِيرِ دَمٌ وَصَدَقَةٌ لِلْمَتْرُوكِ مِنْ الصَّدْرِ مَعَ ذَلِكَ الدَّمِ وَجُمْلَتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي أَنَّ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ دَمًا، وَفِي تَأْخِيرِ الْأَقَلِّ صَدَقَةً، وَفِي تَرْكِ الْأَكْثَرِ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ دَمٌ، وَفِي تَرْكِ أَقَلِّهِ صَدَقَةٌ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمَبْنَى هَذَا النَّقْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ رُكْنُ عِبَادَةٍ، وَالنِّيَّةُ لَيْسَتْ شَرْطًا لِكُلِّ رُكْنٍ إلَّا مَا يَسْتَقِلُّ عِبَادَةً بِنَفْسِهِ فَشَرْطُ نِيَّةِ أَصْلِ الطَّوَافِ دُونَ التَّعْيِينِ فَلَوْ طَافَ فِي وَقْتِهِ يَنْوِي النَّذْرَ أَوْ النَّفَلَ وَقَعَ عَنْهُ كَمَا لَوْ نَوَى بِالسَّجْدَةِ مِنْ الظُّهْرِ النَّفَلَ لَغَتْ وَوَقَعَتْ عَنْ الرُّكْنِ، وَإِنَّ تَوَالِيَ الْأَشْوَاطِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ كَمَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّوَافِ لِتَجْدِيدِ وُضُوءٍ ثُمَّ رَجَعَ بَنَى.

(قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ أَكْثَرَ الصَّدْرِ أَوْ طَافَهُ جُنُبًا وَصَدَقَةٌ بِتَرْكِ أَقَلِّهِ) أَيْ يَجِبُ الدَّمُ، وَلَمَّا كَانَ طَوَافُ الصَّدْرِ وَاجِبًا وَجَبَ بِتَرْكِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ دَمٌ وَبِتَرْكِ أَقَلِّهِ صَدَقَةٌ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ تَفْرِقَةً

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَهَذَا مِنْ أَبْحَاثِهِ الْمُخَالِفَةِ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ) أَيْ فَلَا يُعْتَبَرُ أَصْلًا كَمَا قَالَهُ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الْبَاقِي مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ) أَيْ الْبَاقِي عَلَيْهِ مِنْهُ، وَهُوَ قَدْرُ مَا انْتَقَلَ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ (قَوْلُهُ: وَجُمْلَتُهُ إلَخْ) أَيْ جُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ ثُمَّ مَا أَفَادَهُ فِي هَذَا الْحَاصِلِ مِنْ لُزُومِ الصَّدَقَةِ فِي تَأْخِيرِ الْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ قَوْلِهِ أَمَّا بَعْدَهَا فَيَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ، وَمُخَالِفٌ لِمَا بَعْدَهُ مِنْ التَّصْرِيحِ بِلُزُومِ الدَّمِ فِي تَأْخِيرِ أَكْثَرِهِ أَوْ أَقَلِّهِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ طَافَ ثَلَاثَةً لِلزِّيَارَةِ وَطَافَ طَوَافَ الصَّدْرِ أَكْمَلَ مِنْهُ الزِّيَارَةَ، وَلَزِمَهُ تَرْكُ طَوَافِ الصَّدْرِ اتِّفَاقًا وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ الْأَشْوَاطِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ وَقْتِهِ إنْ كَانَ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ الْأَكْثَرَ فَصَارَ كَتَأْخِيرِ الْكُلِّ. اهـ.

وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُؤَخَّرُ الْأَقَلَّ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ وَسَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة صَرِيحًا، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَوْ أَخَّرَ طَوَافَ الْفَرْضِ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ أَقَلَّ طَوَافِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ دَمٌ بَلْ صَدَقَةٌ عِنْدَهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِي تَأْخِيرِ الْأَقَلِّ صَدَقَةٌ) زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي تَرْكِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ، وَفِي تَأْخِيرِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ دَمٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ

ص: 22

بَيْنَ الْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ بِخِلَافِ الْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَالْعُمْرَةِ حَيْثُ يَجِبُ دَمٌ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ طَوَافُ رُكْنٍ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الْوَاجِبِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَ مَا إذَا طَافَ لِلصَّدْرِ جُنُبًا لَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ قُصُورٌ حَيْثُ لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ طَوَافِ الْقُدُومِ جُنُبًا. وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ أَوْلَى، وَهِيَ وَإِنْ طَافَ لِلْقُدُومِ أَوْ لِلصَّدْرِ مُحْدِثًا وَجَبَتْ صَدَقَةٌ وَجُنُبًا دَمٌ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَدَثَيْنِ.

وَأَشَارَ بِالتَّرْكِ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِمَا تَرَكَهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَقَّتٍ، وَفِي الْهِدَايَةِ وَيُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ مَا دَامَ بِمَكَّةَ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ مُحْدِثًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَدَمَانِ لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ فِي الْأُولَى وَشَاتَانِ فِي الثَّانِيَةِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَهِيَ بِسَبَبِ الْحَدَثِ، وَلَمْ يَنْقُلْ طَوَافَ الصَّدْرِ إلَى الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي النَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نُقِلَ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ إجْمَاعًا إنْ كَانَ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ سَوَاءٌ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ لَا، قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ يَنْقُلُ طَوَافَ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّ فِي النَّقْلِ فَائِدَةً، وَهُوَ سُقُوطُ الدَّمِ لِأَجْلِ الْحَدَثِ ثُمَّ يَطُوفُ لِلصَّدْرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَافَ لِلصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى أَهْلِهِ حَيْثُ لَا يَنْقُلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي النَّقْلِ لِوُجُوبِ دَمٍ بِالتَّأْخِيرِ عَلَى تَقْدِيرِهِ خِلَافًا لَهُمَا. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ فِي النَّقْلِ فَائِدَةً، وَهِيَ سُقُوطُ الْبَدَنَةِ فَيَجِبُ دَمٌ لِتَأْخِيرِهِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ عِنْدَهُ وَدَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ إنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، وَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ يَطُوفُ لِلصَّدْرِ، وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ لِلتَّأْخِيرِ فَإِنْ كَانَ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يُنْقَلُ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ ثُمَّ يَطُوفُ لِلصَّدْرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَصْلًا، قَيَّدَ بِكَوْنِ الطَّوَافِ الثَّانِي لِلصَّدْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ فَإِنْ كَانَ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْإِعَادَةِ لَا يَبْقَى إلَّا شُبْهَةُ النُّقْصَانِ، وَفِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ يَلْزَمُهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلتَّأْخِيرِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَسْطُورَةٌ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ إذَا أَعَادَهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ لِلتَّأْخِيرِ سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبِ الْحَدَثِ أَوْ الْجِنَايَةِ. اهـ.

وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ سَوَّى بَيْنَ الْحَدَثَيْنِ، وَهَذَا قُصُورُ نَظَرٍ مِنْ صَاحِبِ الْغَايَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ فَمَا فِي الْهِدَايَةِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَصَدَّرَ بِهَا وَاعْتَمَدَهَا، وَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْمُحِيطِ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَيْضًا رِوَايَةً ثَالِثَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ الصَّدَقَةَ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَوَجَّهَهَا بِأَنَّهُ أَخَّرَ الْجَبْرَ عَنْ وَقْتِ الطَّوَافِ فَيَبْقَى نَوْعُ نَقْصٍ لَكِنَّ نُقْصَانَ التَّأْخِيرِ دُونَ نُقْصَانِ تَرْكِ الْقَضَاءِ، وَالْوَاجِبُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ هُوَ الدَّمُ فَكَانَ الْوَاجِبُ بِتَأْخِيرِ الْقَضَاءِ هُوَ الصَّدَقَةَ اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى مُحْدِثًا، وَلَمْ يُعِدْ) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ، وَلَمْ يُعِدْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَ الطَّوَافَ طَاهِرًا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ قُصُورٌ إلَخْ) قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ تَرَكَهُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ فَفِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ، وَلَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ جُنُبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَاخْتَارَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَقِيلَ صَدَقَةٌ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ الظَّاهِرُ وُجُوبُ الصَّدَقَةِ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَيْسَ لِطَوَافِ التَّحِيَّةِ صَدَقَةٌ، وَلَوْ طَافَهُ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ عَلَى مَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَصَرَّحَ بِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ مُخْتَارُ الْقُدُورِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا. اهـ.

أَقُولُ: لَكِنْ مَا فِي الْمَبْسُوطِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا حَكَاهُ شَارِحُ اللُّبَابِ مِنْ الْقَوْلِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الصَّدَقَةِ صَادِقٌ بِوُجُوبِ الدَّمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُؤَيِّدًا لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ نَصًّا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الْأُولَى) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ مَا لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ مُحْدِثًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَقَوْلُهُ فَهِيَ أَيْ الْجِنَايَةُ أَوْ الشَّاةُ أَيْ وُجُوبُهَا بِسَبَبِ الْحَدَثِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْتَقِلْ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ، وَإِعَادَةُ الزِّيَارَةِ بِسَبَبِ الْحَدَثِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يُنْقَلُ طَوَافُ الصَّدْرِ إلَيْهِ فَيَجِبُ الدَّمُ بِسَبَبِ الْحَدَثِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ وَاعْتَرَضَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي النَّقْلِ إلَخْ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ نَفْيَ الْفَائِدَةِ مَمْنُوعٌ إذْ لَوْ نَقَلَ لَسَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ. اهـ.

أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي النَّقْلِ لِوُجُوبِ الدَّمِ بِالتَّأْخِيرِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك انْدِفَاعُ هَذَا الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِكَوْنِهِ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَرْجِعْ فَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ يُنْقَلُ إنْ كَانَ طَافَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ، وَأَمَّا وُجُوبُ الدَّمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ مَا لَوْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا وَلِلصَّدْرِ طَاهِرًا فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَهُ) أَيْ أَعَادَ الرُّكْنَ.

(قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِقَوْلِهِ، وَلَمْ يُعِدْ) مُقْتَضَى جَعْلِهِ ذَلِكَ قَيْدًا أَنَّ الْوَاوَ فِيهِ لِلْحَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَبِهِ صَرَّحَ مِسْكِينٌ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ أَعَادَهُمَا لَا شَيْءَ، وَإِنْ أَعَادَ الطَّوَافَ

ص: 23

فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِارْتِفَاعِ النُّقْصَانِ بِالْإِعَادَةِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ لِوُقُوعِ التَّحَلُّلِ بِأَدَاءِ الرُّكْنِ مَعَ الْحَلْقِ، وَالنُّقْصَانُ يَسِيرٌ، وَمَا دَامَ بِمَكَّةَ يُعِيدُ الطَّوَافَ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُعِيدَ السَّعْيَ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلطَّوَافِ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي السَّعْيِ، وَقَدْ وَقَعَ عَقِبَ طَوَافٍ مُعْتَدٍ بِهِ، وَإِعَادَتُهُ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ كَوُجُوبِ الدَّمِ لَا لِانْفِسَاخِ الْأَوَّلِ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَدَثَيْنِ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِالشَّاةِ فِيمَا إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ جُنُبًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ كَمَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَكِنْ اكْتَفَى بِهَا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَوْقَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَإِيجَابُ أَغْلَظِ الدِّمَاءِ، وَهُوَ الْبَدَنَةُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ كَانَ لِمَعْنَيَيْنِ وَكَادَةُ الطَّوَافِ وَغِلَظُ أَمْرِ الْجَنَابَةِ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ دُونَ الثَّانِي تَعَذَّرَ إيجَابُ أَغْلَظِ الدِّمَاءِ فَاقْتَصَرْنَا عَلَى الشَّاةِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

وَفِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ طَافَ الْقَارِنُ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ مُحْدِثًا أَعَادَ طَوَافَ الْعُمْرَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْجَبْرِ بِجِنْسِهِ فِي وَقْتِهِ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ حَتَّى طَلَعَ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ لَزِمَهُ دَمٌ لِطَوَافِ الْعُمْرَةِ مُحْدِثًا، وَقَدْ فَاتَ وَقْتُ الْقَضَاءِ وَيَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ اسْتِحْبَابًا لِيَحْصُلَ الرَّمْلُ وَالسَّعْيُ عَقِبَ طَوَافٍ كَامِلٍ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَعَى عَقِبَ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ إذْ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ لَا يَمْنَعُ الِاعْتِدَادَ، وَفِي الْجَنَابَةِ إنْ لَمْ يُعِدْ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِلسَّعْيِ، وَكَذَا الْحَائِضُ. اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْمُعْتَمِرَ يُعِيدُ الطَّوَافَ مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَارِنًا أَمَّا فِي الْقَارِنِ إذَا دَخَلَ يَوْمُ النَّحْرِ فَلَا إعَادَةَ، وَعَلَّلَ لَهُ مُحَمَّدٌ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ بَدَّارٍ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَهُ لَانْتَقَضَتْ عُمْرَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ رَافِضًا لَهَا بِالْوُقُوفِ، وَقَدْ تَأَكَّدَتْ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ النَّقْصِ بِجِنْسِهِ فَيُجْبَرُ بِالدَّمِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ فَقُلْتُ لِمُحَمَّدٍ: إنَّكَ قُلْتَ فِي الْأَصْلِ إنَّ الْقَارِنَ لَوْ طَافَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ وَسَعَى، وَلَمْ يَطُفْ لِحَجَّتِهِ حَتَّى وَقَفَ إنَّهُ يُتِمُّ طَوَافَ الْعُمْرَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَقَدْ أَوْجَبْت الْإِتْمَامَ، وَمَا أَوْجَبْت الدَّمَ قَالَ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ قَدَّمَ شَيْئًا عَلَى شَيْءٍ، وَهُنَا الْفَسَادُ وُجِدَ فِي جَمِيعِ الطَّوَافِ فَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ، وَأَبْطَلْنَا طَوَافَهُ لَرَفَضْنَا عُمْرَتَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَطُفْ. اهـ.

وَقَيَّدَ بِكَوْنِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ كُلِّهِ مُحْدِثًا، وَالْأَكْثَرُ كَالْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ أَقَلَّهُ مُحْدِثًا وَجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ إلَّا إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ دَمًا فَيُنْقِصُ مِنْهُ مَا شَاءَ، وَلَوْ طَافَ أَقَلَّهُ جُنُبًا وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ فِي الْحَدَثَيْنِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى الضَّعِيفِ أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْإِعَادَةَ فِيمَا إذَا طَافَ لِلرُّكْنِ مُحْدِثًا إنَّمَا هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ فَفِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَوْلَى، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا تَرَكَ الْأَقَلَّ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَصَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلُزُومِ الدَّمِ وَلِهَذَا لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ، وَلَمْ يُعِدْ حَتَّى رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مِنْ الطَّوَافِ رُبْعَهُ؛ لِأَنَّ الْحِجْرَ رُبْعُ الْبَيْتِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَفِي طَوَافِ الْفَرْضِ أَوْلَى، وَأَمَّا فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ إذَا دَخَلَ فِي جَوْفِ الْحِجْرِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ فِيهِ الصَّدَقَةُ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ، وَلَا يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِيَنْبَغِي؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي الْمُخْتَصَرِ قَدْ صَرَّحَ بِلُزُومِ الصَّدَقَةِ بِتَرْكِ الْأَقَلِّ مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ وَالتَّطَوُّعِ فِي

ــ

[منحة الخالق]

وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ قِيلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ، وَقِيلَ عَلَيْهِ دَمٌ. اهـ.

وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِتَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ لَكِنْ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالُوا إذَا أَعَادَ الطَّوَافَ، وَلَمْ يُعِدْ السَّعْيَ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ تَجْعَلُ الْمُؤَدَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَجْهٍ فَيَبْقَى السَّعْيُ قَبْلَ الطَّوَافِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي السَّعْيِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الطَّوَافِ. اهـ.

قَالَ فِي النَّهْرِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ وُجُوبِهِ، وَلَا نُسَلِّمُ انْتِقَاضَ الْمُؤَدَّى بَلْ مُعْتَدٌّ بِهِ وَالثَّانِي يُعْتَدُّ بِهِ جَابِرًا لِلدَّمِ، وَلَمَّا كَانَ جَعْلُ الْوَاوِ لِلْحَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الشَّرْحِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْمَشْيُ عَلَى مَرْجُوحٍ عَدَلَ الْعَيْنِيُّ عَنْهُ فَقَالَ: أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُمَا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ فَقَطْ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا الْحَلَّ أَجَلُّ. اهـ.

وَحَيْثُ مَشَى الْمُؤَلِّفُ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعِدْ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ (قَوْلُهُ: وَيَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ إلَخْ) هَذَا الْكَلَامُ مَعَ تَعْلِيلِهِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْقَارِنَ يُرْمِلُ فِي طَوَافِ التَّحِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مُصَرَّحًا بِهِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ طَافَ أَقَلَّهُ مُحْدِثًا إلَخْ) ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي السِّرَاجِ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُحِيطِ وَنَصُّهُ لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَلَوْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ شَوْطًا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلصَّدَقَةِ فِي الْعُمْرَةِ. اهـ.

وَفِي اللُّبَابِ، وَلَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ لَوْ شَوْطًا جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَالْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ فِي طَوَافِ الْعُمْرَةِ لِلْبَدَنَةِ، وَلَا لِلصَّدَقَةِ بِخِلَافِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَ مِنْهُ أَيْ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَقَلَّهُ، وَلَوْ شَوْطًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ أَعَادَهُ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ اهـ.

ص: 24

لُزُومِ الصَّدَقَةِ لِمَا أَنَّ الطَّوَافَ وَرَاءَ الْحَطِيمِ وَاجِبٌ فِي كُلِّ طَوَافٍ.

(قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ السَّعْيَ أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ تَرَكَ الْوُقُوفَ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ رَمْيِ الْجِمَارِ كُلِّهَا أَوْ رَمْيِ يَوْمٍ) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ بِتَرْكِ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا كُلَّهَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَرَادَ بِالتَّرْكِ التَّرْكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا إذَا تَرَكَ وَاجِبًا لِعُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ فِي تَرْكِ السَّعْيِ أَنَّهُ إنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ تَرْكِ الْوُجُوبِ فِي هَذَا الْبَابِ أَصْلُهُ طَوَافُ الصَّدْرِ حَيْثُ سَقَطَ عَنْ الْحَائِضِ بِالْحَدِيثِ وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ فِي تَرْكِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ بِغَيْرِ عُذْرٍ دَمًا لَا لِعُذْرٍ وَصَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ لَوْ سَعَى رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ إنْ لَمْ يُعِدْهُ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ وَاجِبٌ وَتَرْكَ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يُوجِبُ الدَّمَ، وَلَوْ أَعَادَهُ بَعْدَ مَا حَلَّ وَجَامَعَ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ فِي نَفْسِهِ إنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بَعْدَ الطَّوَافِ، وَقَدْ وُجِدَ. اهـ.

وَكَذَا لَوْ أَتَى بِهِ بَعْدَ مَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، وَعَادَ إلَى مَكَّةَ لَكِنَّهُ يَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَقَيَّدَ بِتَرْكِهِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ أَطْعَمَ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفَ صَاعٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيَنْقُصُ مِنْهُ مَا شَاءَ وَتَرْكُ أَكْثَرِهِ كَتَرْكِ كُلِّهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فِي السَّعْيِ الِابْتِدَاءَ بِالصَّفَا فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَزِمَهُ دَمٌ، وَأَرَادَ بِالْإِفَاضَةِ قَبْلَ الْإِمَامِ الدَّفْعَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ وَحْدَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ لِمَا أَنَّ اسْتِدَامَةَ الْوُقُوفِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاجِبَةٌ حَتَّى لَوْ أَبْطَأَ الْإِمَامُ بِالدَّفْعِ يَجُوزُ لِلنَّاسِ الدَّفْعُ قَبْلَهُ، وَهَذَا الْوَاجِبُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ وَقَفَ نَهَارًا أَمَّا إنْ وَقَفَ لَيْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مِنْ وُقُوفِهِ اُعْتُبِرَ رُكْنًا وَالْجُزْءَ الثَّانِيَ اُعْتُبِرَ وَاجِبًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنْ دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ عَادَ إنْ عَادَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَدَمُ السُّقُوطِ وَالصَّحِيحُ السُّقُوطُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ الْمَتْرُوكَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ.

وَالْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ أَظْهَرُ خُصُوصًا عَلَى التَّصْحِيحِ السَّابِقِ بَلْ أَوْلَى. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَآخِرَهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ فَالْوُقُوفُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ كَتَرْكِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ دَمٌ وَاحِدٌ بِتَرْكِ الْجِمَارِ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ كَمَا فِي الْحَلْقِ، وَالتَّرْكُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ، وَهُوَ الرَّابِعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِيهَا، وَمَا دَامَتْ الْأَيَّامُ بَاقِيَةً فَالْإِعَادَةُ مُمْكِنَةٌ فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّأْلِيفِ ثُمَّ بِتَأْخِيرِهَا يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَلَوْ يَوْمَ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ. قَيَّدَ بِرَمْيِ يَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ إحْدَى الْجِمَارِ الثَّلَاثِ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ نُسُكٌ وَاحِدٌ فِي يَوْمٍ فَكَانَ الْمَتْرُوكُ أَقَلَّ فَيَلْزَمُهُ لِكُلِّ حَصَاةٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقِصَ مَا شَاءَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَتْرُوكُ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ بِأَنْ يَتْرُكَ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ إنْ أَخَّرَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي لَزِمَهُ دَمٌ، وَإِنْ أَخَّرَ رَمْيَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي إلَى الثَّالِثِ أَوْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إلَى الرَّابِعِ وَرَمْيِ الْجَمْرَتَيْنِ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ كُلُّ الرَّمْيِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَفِي غَيْرِهِ ثُلُثُ الرَّمْيِ فَيَكُونُ مُؤَخِّرًا لِلْأَقَلِّ، وَلَوْ لَمْ يَرْمِ الْجَمْرَتَيْنِ لَزِمَهُ دَمٌ لِتَأْخِيرِ الْأَكْثَرِ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلتَّأْخِيرِ أَصْلًا.

(قَوْلُهُ: أَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ أَوْ طَوَافَ الرُّكْنِ) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ بِتَأْخِيرِ النُّسُكِ عَنْ زَمَانِهِ فَإِنَّ الْحَلْقَ وَطَوَافَ الزِّيَارَةِ مُؤَقَّتَانِ بِأَيَّامِ النَّحْرِ فَإِذَا أَخَّرَهُمَا عَنْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا تَرَكَ وَاجِبًا لِعُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَكَبَ مَحْذُورَ الْعُذْرِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْجَزَاءُ كَمَا فِي اللُّبَابِ وَسَيَأْتِي. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُذْرِ هُنَا مَا لَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ كَمَا حَقَّقَهُ الْمُؤَلِّفُ آخِرَ بَابِ الْإِحْصَارِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عِنْدَ قَوْلِ اللُّبَابِ: وَلَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ أَيْ بِمُزْدَلِفَةَ بِإِحْصَارٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ فَقَالَ: هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْإِحْصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْذَارِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا مَانِعٌ مِنْ جَانِبِ الْمَخْلُوقِ فَلَا تَأْثِيرَ فِي إسْقَاطِ دَمِ الْوُجُوبِ الْإِلَهِيِّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ فِيمَنْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ ثُمَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا لِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَدَمًا لِتَرْكِ الرَّمْيِ وَدَمًا لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ أَيَّ عُذْرٍ أَعْظَمُ مِنْ الْإِحْصَارِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِحْصَارَ بِعَدُوٍّ لَا بِمَرَضٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ثُمَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ وَالْإِحْصَارُ بِعَدُوٍّ لَيْسَ بِعُذْرٍ لِسُقُوطِ الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ، وَهُوَ لَيْسَ بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ أَلَا تَرَى مَا قَالُوا مِنْ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَالطِّيبِ وَاللُّبْسِ فَإِنَّهُ لَا يَتَخَيَّرُ فِي الْجَزَاءِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالدَّمِ وَالصَّدَقَةِ بَلْ عَلَيْهِ عَيْنُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ. اهـ.

وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِمَا حَقَّقَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْإِحْصَارِ (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ أَظْهَرُ إلَخْ) قُلْتُ: وَقَدْ نَصَّ فِي الْجَوْهَرَةِ عَلَى التَّصْحِيحِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. فَالصَّحِيحُ السُّقُوطُ بِالْعَوْدِ مُطْلَقًا أَيْ قَبْلَ

ص: 25

أَيَّامِ النَّحْرِ تَرَكَ وَاجِبًا فَيَلْزَمُهُ دَمٌ، وَكَذَا بِتَأْخِيرِ الرَّمْيِ عَنْ وَقْتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَمْ أَشْعُرْ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ، وَقَالَ آخَرُ نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ إلَّا قَالَ افْعَلْ وَلَا حَرَجَ» .

وَلَهُ أَنَّ التَّأْخِيرَ عَنْ الْمَكَانِ يُوجِبُ الدَّمَ فِيمَا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَكَذَا التَّأْخِيرُ عَنْ الزَّمَانِ قِيَاسًا وَالْجَامِعُ كَوْنُ التَّأْخِيرِ نُقْصَانًا وَالْمُرَادُ بِالْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ الْإِثْمُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَعُذْرُهُمْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمَنَاسِكِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ عليه السلام «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» يُفِيدُ الْوُجُوبَ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ إذَا قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ.

قَالَ: فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ اعْلَمْ أَنَّ مَا يُفْعَلُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ الرَّمْيُ وَالنَّحْرُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. اهـ.

لِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الطَّوَافَ عَلَى الْحَلْقِ يَلْزَمُهُ دَمٌ عِنْدَهُ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْمِعْرَاجِ فِي مَسْأَلَةِ حَلْقِ الْقَارِنِ قَبْلَ الذَّبْحِ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الطَّوَافَ عَلَى الْحَلْقِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ لَزِمَهُ دَمٌ مُطْلَقًا، وَإِنْ ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ لَزِمَهُ دَمٌ إنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا لَا إنْ كَانَ مُفْرِدًا؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهُ ثَلَاثَةٌ الرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ، وَأَمَّا ذَبْحُهُ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَا يَضُرُّهُ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِتَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ قَيَّدَ بِحَلْقِ الْحَجِّ وَطَوَافِهِ؛ لِأَنَّ حَلْقَ الْعُمْرَةِ وَطَوَافَهَا لَيْسَا بِمُؤَقَّتَيْنِ بِالزَّمَانِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِتَأْخِيرِهِمَا شَيْءٌ، وَكَذَا طَوَافُ الصَّدْرِ، وَقَيَّدَ بِالطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِتَأْخِيرِ السَّعْيِ شَيْءٌ لِعَدَمِ تَوْقِيتِهِ بِزَمَانٍ.

(قَوْلُهُ: أَوْ حَلَقَ فِي الْحِلِّ) أَيْ تَجِبُ شَاةٌ بِتَأْخِيرِ النُّسُكِ عَنْ مَكَانِهِ كَمَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَحَلَقَ رَأْسَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْحَلْقُ لِلْحَجِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ عليه السلام، وَأَصْحَابَهُ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلَقُوا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ» ، وَلَهُمَا الْقِيَاسُ عَلَى الذَّبْحِ وَبَعْضُ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الْحَرَمِ فَلَعَلَّهُمْ حَلَقُوا فِيهِ مَعَ أَنَّ الْمُحْصَرَ لَا حَلْقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ عليه السلام «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَلْقَ يَتَوَقَّتُ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَوَقَّتُ بِهِمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَوَقَّتُ بِالْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ، وَعِنْدَ زُفَرَ عَلَى عَكْسِهِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي التَّوْقِيتِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ بِالدَّمِ أَمَّا لَا يَتَوَقَّتُ فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ بِالِاتِّفَاقِ.

(قَوْلُهُ: وَدَمَانِ لَوْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ الذَّبْحِ) أَيْ يَجِبُ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِتَقْدِيمِ الْقَارِنِ أَوْ الْمُتَمَتِّعِ الْحَلْقَ عَلَى الذَّبْحِ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ نَصَّ ضَابِطُ الْمَذْهَبِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الدَّمَيْنِ دَمُ الْقِرَانِ وَالْآخَرَ لِتَأْخِيرِ النُّسُكِ عَنْ وَقْتِهِ، وَأَنَّ عِنْدَهُمَا يَلْزَمُ دَمُ الْقِرَانِ فَقَطْ لَكِنْ وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ اشْتِبَاهٌ بِسَبَبِ ذِكْرِ الدَّمَيْنِ فِي بَابِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْعِبَارَاتِ أَنَّ الدَّمَيْنِ لِأَجْلِ الْجِنَايَةِ، وَإِلَّا كَانَ ذِكْرُ الدَّمِ الْوَاحِدِ كَافِيًا لِلْعِلْمِ بِدَمِ الْقِرَانِ مِنْ بَابِهِ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ؛ لِأَنَّ أَوَانَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ

ــ

[منحة الخالق]

الْغُرُوبِ وَبَعْدَهُ كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.

(قَوْلُهُ: أَوْ ابْنِ عَبَّاسٍ) أَتَى بِأَوْ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَهُوَ الْأَعْرَفُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَالطَّحَاوِيُّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ نَصَّ فِي الْمِعْرَاجِ إلَخْ) قَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ ثُمَّ إلَى مَكَّةَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ صِحَّةِ الطَّوَافِ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَوْ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ فَهُوَ فِعْلُهُ فِي يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله. اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ، وَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عِنْدَ عَدِّ الْوَاجِبَاتِ، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَبَيْنَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ فَسُنَّةٌ فَلَوْ طَافَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ لُبَابٌ. اهـ.

وَبِالْأَوْلَى لَوْ طَافَ الْقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ قَبْلَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ يَجِبُ بَعْدَ الرَّمْيِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الطَّوَافَ قَبْلَ الرَّمْيِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ فَبِالْأَوْلَى قَبْلَ الذَّبْحِ.

(قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ عليه السلام) بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْخِلَافُ إلَخْ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي التَّضْمِينِ بِالدَّمِ لَا فِي التَّحَلُّلِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ فِي أَيِّ مَكَان أَوْ زَمَانٍ أَتَى بِهِ يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ بَلْ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ إذَا حَلَقَ فِي غَيْرِ مَا تَوَقَّتَ بِهِ يَلْزَمُ الدَّمُ عِنْدَ مَنْ وَقَّتَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَنْ لَمْ يُوَقِّتْهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَكِنْ وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ اشْتِبَاهٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا مَعْنَى لِلِاشْتِبَاهِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا دَمُ الْقِرَانِ. اهـ.

وَنَقَلَ قَبْلَهُ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَارِنٌ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِجِنَايَتِهِ عَلَى إحْرَامِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ لِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَلَى الْحَلْقِ. اهـ.

يَعْنِي فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا اشْتِبَاهَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ

ص: 26

الْحَلْقِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْأَوَّلُ، وَلَا يَجِبُ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ شَيْءٌ. اهـ.

فَجُعِلَ الدَّمَيْنِ لِلْجِنَايَةِ فَنَسَبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى التَّخْبِيطِ، وَإِلَى التَّنَاقُضِ فَإِنَّهُ جَعَلَ فِي بَابِ الْقِرَانِ أَحَدَهُمَا لِلشُّكْرِ وَالْآخَرَ لِلْجِنَايَةِ وَنَسَبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى أَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ الْقَلَمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ ذَلِكَ لَزِمَ فِي كُلِّ تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ دَمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْأَمْرَيْنِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ.

وَلَوَجَبَ فِي حَلْقِ الْقَارِنِ قَبْلَ الذَّبْحِ ثَلَاثَةَ دِمَاءٍ فِي تَفْرِيعِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ إحْرَامَ عُمْرَتِهِ انْتَهَى بِالْوُقُوفِ، وَفِي تَفْرِيعِ مَنْ لَا يَرَاهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ خَمْسَةَ دِمَاءٍ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامَيْنِ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ جِنَايَتَانِ فَفِيهِمَا أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ وَدَمُ الْقِرَانِ. اهـ.

وَهَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ، وَلَمْ أَرَ جَوَابًا عَنْهُ وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا تَخْبِيطَ، وَلَا سَهْوَ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِمَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ إجْمَاعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا وَيَجِبُ دَمُ الْقِرَانِ إجْمَاعًا وَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الدَّمِ الثَّالِثِ فَهَاهُنَا مَشَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ قَرِيبًا: وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَذَكَرَ مِنْهُ مَا إذَا حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ الْمَنْقُولَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْهُمَا أَوْ مَعْنَاهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ، وَأَمَّا بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فَيَقُولَانِ بِوُجُوبِ الدَّمِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي الْعِنَايَةِ، وَأَمَّا التَّنَاقُضُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْقِرَانِ مِنْ لُزُومِ دَمٍ وَاحِدٍ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ عَجَزَ عَنْ الْهَدْيِ كَمَا هُوَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ يَكُنْ جَانِيًا بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَبَاحَ لَهُ التَّحَلُّلَ بِالْحَلْقِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ فَقَطْ فَلَزِمَهُ دَمٌ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ لُزُومِ دَمَيْنِ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ فَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ جِنَايَةً؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ لَا يَحِلُّ لَهُ قَبْلَ الذَّبْحِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَكَانَ جَانِيًا مُؤَخِّرًا فَلَزِمَهُ دَمَانِ، وَأَمَّا إلْزَامُ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ دَمَيْنِ فِيمَا إذَا قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْأَمْرَيْنِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ فَمَمْنُوعٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ قَبْلَ الذَّبْحِ لَا يَحِلُّ فَكَانَ جِنَايَةً عَلَى الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الذَّبْحِ قَبْلَ الرَّمْيِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِجِنَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مَشْرُوعٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ نُسُكًا كَامِلًا إذَا قَدَّمَهُ فَكَيْفَ يُوجِبُ دَمًا، وَلَيْسَ بِجِنَايَةٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ بِاعْتِبَارِ التَّقْدِيمِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَقَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَظَهَرَ لِي إلَخْ) شُرُوعٌ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَحَاصِلُ مَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَنَّ فِي كَلَامِهِ خَلَلًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ مُخَالَفَتُهُ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الثَّانِي مُخَالَفَتُهُ لِمَا ذَكَرَ فِي بَابِ الْقِرَانِ الثَّالِثُ لُزُومُ خَمْسَةِ دِمَاءٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، الرَّابِعُ مُخَالَفَتُهُ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ عِنْدَهُمَا فِيمَا إذَا حَلَقَ قَبْلَ الذَّبْحِ وَسَيُشِيرُ إلَى هَذَا، وَقَدْ اسْتَوْفَى رحمه الله الْأَجْوِبَةَ عَنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ، وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت مَا هُنَا لَمْ تَرَ فِي النَّهْرِ زِيَادَةً عَلَيْهِ بَلْ جَزَمْت بِالْعَكْسِ فَقَوْلُهُ فِي النَّهْرِ، وَهَذَا الْجَمْعُ لَا تَرَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ تَمَدُّحٌ بِنِعْمَةِ غَيْرِهِ نَعَمْ صَرَّحَ بِأَنَّ عَدَمَ مُطَابَقَةِ مَا فِي الْهِدَايَةِ لِمَا فِي الْجَامِعِ إنَّمَا هُوَ عَلَى نَقْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ لَا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الشَّهِيدِ، وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمِعْرَاجِ هُوَ هَذَا، وَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ هُوَ الصَّدْرُ.

(قَوْلُهُ: فَمَا فِي الْهِدَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ) أَيْ لَا عَلَى الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَهِيَ رِوَايَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُ بَلْ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الصَّدْرِ وَفِي شَرْحِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْكَافِي بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ هَذَا الْبَعْضِ، وَمَنْ خَطَّأَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فَلِغَفْلَتِهِ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا فِي الْعِنَايَةِ) أَيْ مِنْ أَنَّ مَا هُنَا مُنَاقِضٌ لِمَا ذَكَرَهُ قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا فِي الْوَجْهَيْنِ إلَى أَنْ قَالَ: وَالْحَلْقُ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَمِنْ أَنَّ ذَلِكَ يَأْبَى حَمْلَ كَلَامِهِ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ صَرِيحٌ بِأَنَّهُمَا لَا يَقُولَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِوُجُوبِ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِالْكَفَّارَةِ أَصْلًا وَبَيَانُ الِانْدِفَاعِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّهُ مَشَى فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَفِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَمَا قَدَّمَهُ قَبْلَهَا قَرِيبًا عَلَى أَصْلِ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَوْ أَنَّ مَا قَدَّمَهُ قَرِيبًا مَعْنَاهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ لَا الْجِنَايَةِ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ وَالْمُثْبَتُ هُنَا دَمُ الْجِنَايَةِ فِي الْإِحْرَامِ، وَهَذَا الْجَوَابُ عَنْ الْعِنَايَةِ.

وَالْجَوَابُ الْآتِي عَمَّا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَذْكُورَانِ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ جِنَايَةً) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ أَرَادَ بِهِ الْجِنَايَةَ عَلَى الْإِحْرَامِ لَا تَقْدِيمَ الْحَلْقِ عَلَى الذَّبْحِ يُفْصِحُ عَنْهُ مَا مَرَّ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ الْإِلْزَامِ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْإِلْزَامُ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ دَمَيْنِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ دَمٌ بِتَقْدِيمِ الْحَلْقِ وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ لَزِمَ أَنْ يَجِبَ الدَّمَانِ فِي كُلِّ تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى آخَرَ لِوُجُودِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ. وَالْجَوَابُ أَنَّك عَلِمْت أَنَّ مُرَادَ الْهِدَايَةِ بِوُجُوبِ الدَّمِ بِتَقْدِيمِ الْحَلْقِ وُجُوبُهُ بِالْجِنَايَةِ لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ تَقْدِيمٌ وَالذَّبْحُ قَبْلَ الرَّمْيِ مَشْرُوعٌ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ جِنَايَةً فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ كُلَّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْحَلْقِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَصْلًا نَعَمْ الذَّبْحُ الَّذِي هُوَ نُسُكٌ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الرَّمْيِ فَإِذَا قَدَّمَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا كَامِلًا فَيَجِبُ الدَّمُ بِاعْتِبَارِ تَقْدِيمِهِ مُرَادًا بِهِ النُّسُكَ لَا بِكَوْنِهِ نَفْسِهِ جِنَايَةً (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ نُسُكًا كَامِلًا إذَا قَدَّمَهُ) كَذَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ، وَفِي غَيْرِهَا مِنْ النُّسَخِ

ص: 27