المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قَالَ: وَيَجِبُ إحْجَاجِ الْحُرِّ إلَى آخِرِهِ وَالْحَقُّ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٣

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌[فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى]

- ‌[فَصْلٌ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ]

- ‌(بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ)

- ‌(بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ)

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ فِي الْحَجّ أَوْ الْعُمْرَة]

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ فِي الْحَجُّ]

- ‌(بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ)

- ‌(بَابُ الْهَدْيِ)

- ‌[مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌(كِتَابُ النِّكَاحِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاح]

- ‌[بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاح]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ مَسَائِلِ الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاح]

- ‌(بَابُ الْمَهْرِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ)

- ‌[بَابُ نِكَاحِ الْكَافِر]

- ‌(بَابُ الْقَسْمِ)

- ‌(كِتَابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[الْمُحْرِمَات بِسَبَبِ الرَّضَاعِ]

- ‌[وَلَبَنُ الرَّجُلِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ]

- ‌ أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌[بَابُ أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ)

- ‌(بَابُ الْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ)

- ‌(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)

الفصل: قَالَ: وَيَجِبُ إحْجَاجِ الْحُرِّ إلَى آخِرِهِ وَالْحَقُّ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى

قَالَ: وَيَجِبُ إحْجَاجِ الْحُرِّ إلَى آخِرِهِ وَالْحَقُّ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى الْآمِرِ تَحْرِيمِيَّةٌ عَلَى الصَّرُورَةِ الْمَأْمُورِ الَّذِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحَجِّ، وَلَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ آثِمٌ بِالتَّأْخِيرِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

(بَابُ الْهَدْيِ)

.

هُوَ فِي اللُّغَةِ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ مِنْ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ بَعِيرٍ الْوَاحِدُ هَدْيَةٌ كَمَا يُقَالُ جَدْيٌ فِي جَدْيَةِ السَّرْجِ وَيُقَالُ هَدْيٌ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى فَعِيلٍ الْوَاحِدَة هَدِيَّةٌ كَمَطِيَّةٍ، وَمَطِيٍّ، وَمَطَايَا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ: أَدْنَاهُ شَاةٌ، وَهُوَ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ) يُفِيدُ أَنَّ لَهُ أَعْلَى، وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ الْإِبِلُ وَالْأَدْنَى الشَّاةُ وَالْبَقَرُ وَسَطٌ، وَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] بِالشَّاةِ، وَأَرَادَ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بَيَانَ أَنْوَاعِ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ فَالْهَدْيُ لُغَةً وَشَرْعًا وَاحِدٌ لَا أَنَّ تِلْكَ الْأَنْوَاعَ تُسَمَّى هَدْيًا مِنْ غَيْرِ إهْدَاءٍ إلَى الْحَرَمِ وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الْهَدْيِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مَجَازٌ ثُمَّ الْوَاحِدُ مِنْ النَّعَمِ يَكُونُ هَدْيًا بِجَعْلِهِ صَرِيحًا هَدْيًا أَوْ دَلَالَةً، وَهِيَ إمَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِسَوْقِ بَدَنَةٍ إلَى مَكَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْهَدْيِ ثَابِتَةٌ عُرْفًا؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْبَدَنَةِ إلَى مَكَّةَ فِي الْعُرْفِ يَكُونُ لِلْهَدْيِ لَا لِلرُّكُوبِ وَالتِّجَارَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَرَادَ بِهِ السَّوْقَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ لَا مُجَرَّدَ السَّوْقِ، وَأَفَادَ بِبَيَانِ الْأَدْنَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ شَاةٌ؛ لِأَنَّهَا الْأَقَلُّ، وَإِنْ عَيَّنَ شَيْئًا لَزِمَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُرَاقُ دَمُهُ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ يَتَأَدَّى بِالْقِيمَةِ فَكَذَا مَا أَوْجَبَهُ الْعَبْدُ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَجْزَأَهُ أَنْ يُهْدِيَ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ شَيْئَيْنِ الْإِرَاقَةَ وَالتَّصَدُّقَ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّصَدُّقِ كَمَا فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ بِخِلَافِ جَزَاءِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا أَوْجَبَ الْهَدْيَ أَوْجَبَ غَيْرَهُ، وَهُوَ الْإِطْعَامُ، وَهُنَا النَّاذِرُ مَا أَوْجَبَ إلَّا الْهَدْيَ فَتَعَيَّنَ، وَلَوْ بَعَثَ بِقِيمَتِهِ فَاشْتَرَى بِمَكَّةَ مِثْلَهُ وَذَبَحَهُ جَازَ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَأْوِيلَ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَمَنْ نَذَرَ شَاةً فَأَهْدَى جَزُورًا فَقَدْ أَحْسَنَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْقِيمَةِ لِثُبُوتِ الْإِرَاقَةِ فِي الْبَدَلِ الْأَعْلَى كَالْأَصْلِ.

وَقَالُوا إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ شَاتَيْنِ فَأَهْدَى شَاةً تُسَاوِي شَاتَيْنِ قِيمَةً لَمْ يُجْزِهِ، وَهِيَ مُرَجِّحَةٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ، وَإِنْ كَانَ الْمَنْذُورُ شَيْئًا لَا يُرَاقُ دَمُهُ فَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا تَصَدَّقَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ التَّصَدُّقُ بِهِ فِي الْحَرَمِ، وَلَا عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ فِيهِ مَجَازٌ عَنْ التَّصَدُّقِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَلْحَقَ بِلَفْظِ الْهَدْيِ مَا يُبْطِلُهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الشَّاةُ هَدْيٌ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ إنَّمَا يُوجَبُ بِاعْتِبَارِ إضْمَارِ مَكَّةَ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ فَإِذَا صَرَّحَ بِالْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ تَعَذَّرَ هَذَا الْإِضْمَارُ إذْ قَدْ صَرَّحَ بِمُرَادِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا جَازَ فِي الضَّحَايَا جَازَ فِي الْهَدَايَا) يَعْنِي فَيَجُوزُ الثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَلَا يَجُوزُ الْجَذَعُ إلَّا مِنْ الضَّأْنِ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ تَعَلَّقَتْ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ كَالْأُضْحِيَّةِ فَيَتَخَصَّصَانِ بِمَحِلٍّ وَاحِدٍ وَالثَّنِيُّ مِنْ الْغَنَمِ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ، وَمِنْ الْبَقَرِ مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ، وَمِنْ الْإِبِلِ مَا تَمَّ لَهُ خَمْسٌ وَاخْتُلِفَ فِي الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ فَجَزَمَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ ابْنُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَسِتَّةٍ فِي اللُّغَةِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ مَا تَمَّ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ عَظِيمَ الْجُثَّةِ أَمَّا إنْ كَانَ صَغِيرًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ السَّنَةِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلِاشْتِرَاكِ فِي بَدَنَةٍ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ بِشَرْطِ إرَادَةِ الْكُلِّ الْقُرْبَةَ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ مِنْ دَمِ مُتْعَةٍ، وَإِحْصَارٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَلَوْ

ــ

[منحة الخالق]

عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجًّا ثَانِيًا اهـ.

[بَابُ الْهَدْيِ]

(قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ قِيمَتَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ مِثْلَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ النَّهْرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُهْدِيَ مِثْلَهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي خِلَافِ مَا قَدَّمَهُ فِي الْقِرَانِ وَالْجِنَايَاتِ مِنْ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَا يَكْفِي فِي الْجِنَايَاتِ بِخِلَافِ دَمِ الشُّكْرِ وَنَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ فَلَا تَغْفُلْ، وَمَا هُنَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَيْضًا

ص: 75

كَانَ الْكُلُّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَانَ أَحَبَّ بِأَنْ اشْتَرَى بَدَنَةً لِمُتْعَةٍ مَثَلًا نَاوِيًا أَنْ يَشْتَرِكَ فِيهَا سِتَّةٌ أَوْ يَشْتَرِيَهَا بِغَيْرِ نِيَّةِ الْهَدْيِ ثُمَّ يَشْتَرِكَ فِيهِ سِتَّةٌ وَيَنْوُوا الْهَدْيَ أَوْ يَشْتَرُوهَا مَعًا فِي الِابْتِدَاءِ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا لِلْهَدْيِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الشَّرِكَةِ لَيْسَ لَهُ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعًا؛ لِأَنَّهَا كُلُّهَا صَارَتْ وَاجِبَةً بَعْضُهَا بِإِيجَابِ الشَّرْعِ، وَمَا زَادَ بِإِيجَابِهِ، وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ كَافِرًا أَوْ مُرِيدًا اللَّحْمَ دُونَ الْهَدْيِ لَمْ يُجْزِهِمْ، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فَرَضِيَ وَارِثُهُ أَنْ يَنْحَرَهَا عَنْ الْمَيِّتِ مَعَهُمْ أَجْزَأَهُمْ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّصَدُّقُ، وَأَيُّ الشُّرَكَاءِ نَحْرَهَا يَوْمَ النَّحْرِ أَجْزَأَ الْكُلَّ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السَّلَامَةِ عَنْ الْعُيُوبِ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ فَهُوَ مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ أَيْ فَمَا لَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا لَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا فَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ أَوْلَى، وَهِيَ: وَلَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا إلَّا مَا جَازَ فِي الضَّحَايَا. فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِطْرَادِ الِانْعِكَاسُ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ: وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً فِي الْإِجَارَةِ لَمْ يَلْزَمْ انْعِكَاسُهُ لِفَسَادِهِ لِجَوَازِ جَعْلِ الْمَنَافِعِ الْمُخْتَلِفَةِ أُجْرَةً لَا ثَمَنًا.

(قَوْلُهُ: وَالشَّاةُ تَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي طَوَافِ الرُّكْنِ جُنُبًا وَوَطْءٍ بَعْدَ الْوُقُوفِ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ الدَّمُ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ تُجْزِئُ فِيهِ الشَّاةُ إلَّا فِيمَا ذَكَرَهُ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ التَّعْمِيمَ فَإِنَّ مَنْ نَذَرَ بَدَنَةً أَوْ جَزُورًا لَا تُجْزِئُهُ الشَّاةُ، وَإِنَّمَا لَزِمَتْ الْبَدَنَةُ فِيمَا إذَا طَافَ جُنُبًا؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ فَيَجِبُ جَبْرُ نُقْصَانِهَا بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا إذَا طَافَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، وَلَيْسَ مَوْضِعًا ثَالِثًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِلتَّغْلِيظِ وَاحِدٌ وَوَجَبَتْ فِي الْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى أَنْوَاعِ الِارْتِفَاقَاتِ فَيَتَغَلَّظُ مُوجَبَهُ، وَأَطْلَقَ فَشَمِلَ مَا بَعْدَ الْحَلْقِ، وَقَدْ أَسْلَفْنَا فِيهِ اخْتِلَافًا وَالرَّاجِحُ وُجُوبُ الشَّاةِ بَعْدَهُ فَالْمُرَادُ هُنَا الْوَطْءُ بَعْدَ الْوُقُوفِ قَبْلَ الْحَلْقِ وَالطَّوَافِ.

(قَوْلُهُ: وَيَأْكُلُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ فَقَطْ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ وَيُسْتَحَبُّ لِلِاتِّبَاعِ الْفِعْلِيِّ الثَّابِتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَنَّهُ عليه السلام «نَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ وَنَحَرَ عَلِيٌّ مَا بَقِيَ مِنْ الْمِائَةِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا» ؛ وَلِأَنَّهُ دَمُ النُّسُكِ فَيَجُوزُ مِنْهُ الْأَكْلُ كَالْأُضْحِيَّةِ، وَأَشَارَ بِكَلِمَةِ مِنْ إلَى أَنَّهُ يَأْكُلُ الْبَعْضَ مِنْهُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ وَيُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ الثُّلُثَ وَيَأْكُلَ وَيَدَّخِرَ الثُّلُثَ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ هَدْيِ التَّطَوُّعِ أَنَّهُ بَلَغَ الْحَرَمَ أَمَّا إذَا ذَبَحَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَلَيْسَ بِهَدْيٍ فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ عِبَارَتِهِ لِيَحْتَاجَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ فَلِهَذَا لَا يَأْكُلُ مِنْهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ فَالْقُرْبَةُ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ، وَقَدْ حَصَلَتْ وَالْأَكْلُ بَعْدَ حُصُولِهَا، وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ فَهِيَ بِالتَّصَدُّقِ وَالْأَكْلُ يُنَافِيهِ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ فَقَطْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا كَدِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ كُلِّهَا وَالنُّذُورِ، وَهَدْيِ الْإِحْصَارِ، وَكَذَا مَا لَيْسَ بِهَدْيٍ كَالتَّطَوُّعِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْحَرَمَ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلْأَغْنِيَاءِ؛ لِأَنَّ دَمَ النَّذْرِ دَمُ صَدَقَةٍ، وَكَذَا دَمُ الْكَفَّارَاتِ؛ لِأَنَّهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا لِلْهَدْيِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الشَّرِكَةِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي أُضْحِيَّةِ الدُّرَرِ وَصَحَّ لَوْ أَحَدٌ أَشْرَكَ سِتَّةً فِي بَدَنَةٍ مَشْرِيَّةٍ لِأُضْحِيَّةٍ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا تَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِلْقُرْبَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ قَدْ يَجِدُ بَقَرَةً سَمِينَةً، وَلَا يَجِدُ الشَّرِيكَ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى هَذَا وَنُدِبَ كَوْنُ الِاشْتِرَاكِ قَبْلَ الشِّرَاءِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الْخِلَافِ، وَعَنْ صُورَةِ الرُّجُوعِ فِي الْقُرْبَةِ. اهـ.

فَعَلَى مَا هُنَا تَقْيِيدُ مَا فِي الدُّرَرِ بِمَا إذَا نَوَى الشَّرِكَةَ عِنْدَ الشِّرَاءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا) قَالَ: فِي الْفَتْحِ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ مُطَّرِدٌ مُنْعَكِسٌ) أُورِدَ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ إهْدَاءِ الْقِيمَةِ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ مَعَ أَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَهُوَ وَارِدٌ عَلَى عَكْسِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَعَلَى طَرْدِ كَلَامِ الْهِدَايَةِ، وَفِيهِ أَنَّ مَا وَاقِعَةٌ عَلَى مَا فُسِّرَ بِهِ الْهَدْيُ، وَهُوَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَلِذَا قَالَ: فِي النَّهْرِ، وَمَا أَيْ كُلُّ حَيَوَانٍ عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَأَيْضًا قَدْ تُجْزِئُ الْقِيمَةُ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا لَوْ مَضَتْ أَيَّامُهَا، وَلَمْ يُضَحِّ الْغَنِيُّ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَةِ شَاةٍ تُجْزِئُ فِيهَا.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا فِي طَوَافِ الرُّكْنِ جُنُبًا إلَخْ)، وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا فِي الْحَجِّ لُبَابٌ قَالَ شَارِحُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا مَاتَ بَعْدَ الْوُقُوفِ، وَأَوْصَى بِإِتْمَامِ الْحَجِّ تَجِبُ الْبَدَنَةُ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَجَازَ حَجُّهُ، وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجِبُ فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَجِّ احْتِرَازٌ عَنْ الْعُمْرَةِ حَيْثُ لَا تَجِبُ الْبَدَنَةُ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ أَدَاءِ رُكْنِهَا مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ، وَلَا أَدَاءِ طَوَافِهَا جُنُبًا.

(قَوْلُهُ: وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ هَدْيِ التَّطَوُّعِ أَنَّهُ بَلَغَ الْحَرَمَ) نَظَرَ فِي هَذِهِ الْإِفَادَةِ فِي النَّهْرِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ النَّظَرِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَنْعُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى هَدْيًا قَبْلَ بُلُوغِهِ الْحَرَمَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فَإِنَّ بَالِغَ سَوَاءً قُدِّرَ صِفَةً أَوْ حَالًا مُقَدَّرَةٌ عَلَى مَا مَرَّ يُفِيدُ تَسْمِيَتُهُ هَدْيًا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَطِبَ أَوْ تَعَيَّبَ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ نَحَرَهُ وَصَبَغَ نَعْلَهُ بِدَمِهِ وَضَرَبَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلَهُ الْفَقِيرُ دُونَ الْغَنِيِّ إلَخْ

ص: 76

وَجَبَ تَكْفِيرًا لِلذَّنْبِ، وَكَذَا دَمُ الْإِحْصَارِ لِوُجُودِ التَّحَلُّلِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَ أَوَانِهِ.

قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَكُلُّ دَمٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهِ بَعْدَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ لَمَا جَازَ لَهُ أَكْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَكُلُّ دَمٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بَعْدَ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجُزْ أَكْلُهُ، وَلَمْ يُتَصَدَّقُ بِهِ يُؤَدِّي إلَى إضَاعَةِ الْمَالِ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَذْبُوحُ بَعْدَ الذَّبْحِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي النَّوْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي الْهَلَاكِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْفُقَرَاءِ فَبِالِاسْتِهْلَاكِ تَعَدَّى عَلَى حَقِّهِمْ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا، وَلَوْ بَاعَ اللَّحْمَ جَازَ بَيْعُهُ فِي النَّوْعَيْنِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَائِمٌ إلَّا أَنَّ فِيمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ مَبِيعِ وَاجِبِ التَّصَدُّقِ. اهـ.

وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِاخْتِصَارٍ مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ لُحُومِ الْهَدَايَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا أَوْ أَعْطَى الْجَزَّارَ أَجْرَهُ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا إنَّهُ إنْ بَاعَ مِمَّا لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِالثَّمَنِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْقِيمَةِ، وَإِنْ بَاعَ مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِالْقِيمَةِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى الثَّمَنِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَوَازِ فِي كَلَامِ الْبَدَائِعِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ أَكَلَ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ ضَمِنَ مَا أَكَلَ وَبِهِ قَالَ: الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ: مَالِكٌ لَوْ أَكَلَ لُقْمَةً ضَمِنَ كُلَّهُ.

(قَوْلُهُ: وَخُصَّ ذَبْحُ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ بِيَوْمِ النَّحْرِ فَقَطْ وَالْكُلُّ بِالْحَرَمِ لَا بِفَقِيرِهِ) بَيَانٌ لِكَوْنِ الْهَدْيِ مُوَقَّتًا بِالْمَكَانِ سَوَاءٌ كَانَ دَمَ شُكْرٍ أَوْ جِنَايَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى مِنْ النَّعَمِ إلَى الْحَرَمِ، وَأَمَّا تَوْقِيتُهُ بِالزَّمَانِ فَمَخْصُوصٌ بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْهَدَايَا فَلَا تَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ، وَأَفَادَ أَنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ كَانَ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ خِلَافًا لِلْقُدُورِيِّ، وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِيَوْمِ النَّحْرِ وَقْتَهُ، وَهُوَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ، وَأَرَادَ بِالِاخْتِصَاصِ الِاخْتِصَاصَ مِنْ حَيْثُ الْوُجُوبُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِلَّا لَوْ ذَبَحَ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ أَجْزَأَ إلَّا أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَاجِبِ، وَقَبْلَهَا لَا يُجْزِئُ بِالْإِجْمَاعِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا كَذَلِكَ فِي الْقَبْلِيَّةَ، وَكَوْنُهُ فِيهَا هُوَ السُّنَّةُ عِنْدَهُمَا حَتَّى لَوْ ذَبَحَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِالْحَلْقِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ عَلَيْهِ دَمٌ وَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ وَالْكُلُّ بِالْحَرَمِ الْهَدْيُ الْمَنْذُورُ بِخِلَافِ الْبَدَنَةِ الْمَنْذُورَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ: أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ قِيَاسًا عَلَى الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ نَحْرَ جَزُورٍ أَوْ بَقَرَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ، وَلَوْ نَذَرَ بَدَنَةً مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ أَوْ نَوَى أَنْ تُنْحَرَ بِمَكَّةَ تُقَيَّدْ بِالْحَرَمِ اتِّفَاقًا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ قَدَّمَ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ فِيمَا لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ أَيْضًا الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى الثَّمَنِ فِيمَا لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ فِي الثَّانِي بِأَنْ يُنْظَرَ إلَى الثَّمَنِ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ، وَإِلَى الْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ أَكْثَرَ قَالَهُ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ مُقْتَضَى كَوْنِهِ بَاعَ مِلْكَهُ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَى الْقِيمَةِ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ التَّصَدُّقَ بِالثَّمَنِ فِيمَا لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَبِالْقِيمَةِ فِيمَا يَجُوزُ وَالْجَوَازُ فِي الْأَوَّلِ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ لَا الْحِلِّ فِيهِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْهُ. اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّظَرِ مَا قَدَّمَهُ هَذَا، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِذِكْرِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّصَدُّقِ بِقِيمَةِ مَا يُؤْكَلُ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّصَدُّقِ بِهِ نَفْسِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ لَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهَا، وَلَوْ بَاعَ جِلْدَهَا أَوْ شَيْئًا مِنْ لَحْمِهَا بِمُسْتَهْلَكٍ أَوْ دَرَاهِمَ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِالثَّمَنِ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ الْبَدَائِعِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهِ، وَبِمَا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ سُقُوطَ النَّظَرِ فَإِنَّ الْأُضْحِيَّةَ مِلْكُهُ وَنُظِرَ فِيهَا إلَى الثَّمَنِ فَيُنْظَرُ إلَى الْقِيمَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُخَالَفَةُ ظَاهِرَةٌ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَهُوَ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ فِيمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ بِالثَّمَنِ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ وَبِالْقِيمَةِ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ وَبَقِيَ مُخَالَفَةٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ ظَاهِرَ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَدَمُ وُجُوبِ التَّصَدُّقِ بِشَيْءٍ فِيمَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ لِتَخْصِيصِهِ وُجُوبَ التَّصَدُّقِ فِيمَا لَا يَجُوزُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفَتْحِ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ فِيهِمَا وَبَيَانُ التَّوْفِيقِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُ الْفَتْحِ فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا إلَخْ بِمَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ فَقَوْلُ الْبَدَائِعِ يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ خَاصٌّ بِمَا لَا يَجُوزُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ، وَقَوْلُ الْفَتْحِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ خَاصٌّ بِمَا يَجُوزُ فَانْتَفَتْ الْمُخَالَفَةُ بِوَجْهَيْهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحِلِّ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي اللُّبَابِ وَشَرْحِهِ قَالَ: فَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ بِنَفْسِهِ بِأَنْ بَاعَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ بِأَنْ وَهَبَهُ لِغَنِيٍّ أَوْ أَتْلَفَهُ وَضَيَّعَهُ لَمْ يَجُزْ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَيْ ضَمَانُ قِيمَتِهِ لِلْفُقَرَاءِ إنْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا. اهـ.

وَهُوَ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَاعَ مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ) كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ بِلَا النَّافِيَةِ هُنَا، وَفِيمَا قَبْلَهُ وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا هُنَا كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِهَا.

ص: 77

كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَقَوْلُهُ لَا بِفَقِيرِهِ بَيَانٌ لِجَوَازِ التَّصَدُّقِ عَلَى فُقَرَاءِ غَيْرِ الْحَرَمِ بِلَحْمِ الْهَدْيِ لِإِطْلَاقِ الدَّلَائِلِ لَكِنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ التَّعْرِيفُ بِالْهَدْيِ) ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ يُنْبِئُ عَنْ النَّقْلِ إلَى مَكَانِ التَّقَرُّبِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ فِيهِ لَا عَنْ التَّعْرِيفِ فَلَا يَجِبُ، وَهُوَ الذَّهَابُ بِهِ إلَى عَرَفَاتٍ أَوْ التَّشْهِيرُ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْتِحْبَابَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا فَمَا كَانَ دَمَ شُكْرٍ اُسْتُحِبَّ تَعْرِيفُهُ، وَمَا كَانَ دَمَ كَفَّارَةٍ اُسْتُحِبَّ إخْفَاؤُهُ وَسَتْرُهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ يُسْتَحَبُّ إخْفَاؤُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ سُنَنَ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ هُنَا لِمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي بَابِ الذَّبَائِحِ وَالْأُضْحِيَّةِ.

(قَوْلُهُ:)(وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِهِ وَخِطَامِهِ، وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهُ) أَيْ الْهَدْيِ وَالْجِلَالُ جَمْعُ الْجَلِّ، وَهُوَ مَا يُلْبَسُ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْخِطَامُ هُوَ الزِّمَامُ، وَهُوَ مَا يُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا «أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه أَمَرَهُ عليه السلام أَنْ يَقُومَ عَلَى بَدَنَةٍ، وَأَنْ يُقَسِّمَ بَدَنَةً كُلَّهَا لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا وَجِلَالَهَا، وَلَا يُعْطِيَ فِي جُزَارَتِهَا شَيْئًا» ، وَهِيَ بِضَمِّ الْجِيمِ كِرَاءُ عَمَلِ الْجَزَّارِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ إنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا أُجْرَتَهُ ضَمِنَهُ لِإِتْلَافِ اللَّحْمِ أَوْ مُعَاوَضَتِهِ، وَقَيَّدَ بِالْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا عَلَيْهِ سِوَى أُجْرَتِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلصَّدَقَةِ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَرْكَبُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ رُكُوبَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ حَرَامٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَيْسَ قَطْعِيًّا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَإِلَى أَنْ لَوْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا فَنَقَصَتْ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِلْأَغْنِيَاءِ مُعَلَّقٌ بِبُلُوغِ الْمَحِلِّ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ، وَمَا لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ حَالَةَ الضَّرُورَةِ لِمَا رَوَاهُ صَاحِبُ السُّنَنِ مَرْفُوعًا «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا» .

، وَفِي الصَّحِيحِ ارْكَبْهَا وَيْلَك فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ حِينَ رَآهُ مُضْطَرًّا إلَى رُكُوبِهَا، وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَيْحَك أَوْ وَيْلَك، وَفِي الْبَدَائِعِ وَيْحَك كَلِمَةُ تَرَحُّمٍ وَوَيْلَك كَلِمَةُ تَهَدُّدٍ، وَعَلَّلَ الْإِمَامُ النَّاصِحِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ وَقْفَيْ هِلَالٍ وَالْخَصَّافِ بِأَنَّ الْبَدَنَةَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا فَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ كَانَتْ مِيرَاثًا. اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا إنْ نَقَصَتْ بِرُكُوبِهِ لِضَرُورَةٍ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ:)(وَلَا يَحْلِبُهُ) أَيْ الْهَدْيَ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ، وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ فَإِنْ حَلَبَهُ وَانْتَفَعَ بِهِ أَوْ دَفَعَ إلَى الْغَنِيِّ ضَمِنَهُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِوَبَرِهِ أَوْ صُوفِهِ، وَفِي الْمُحِيطِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ فَجَعَلَ اللَّبَنَ قِيَمِيًّا، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ ضَمِنَ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ بَعْدَ الْحَلْبِ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يَذْبَحُهُ مَعَهَا فَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ بَاعَهُ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ، وَإِنْ اشْتَرَى بِهَا هَدْيًا فَحَسَنٌ (قَوْلُهُ: وَيَنْضَحُ ضَرْعَهَا بِالنُّقَاخِ) أَيْ يُرَشُّ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ حَتَّى يَتَقَلَّصَ وَالنُّقَاخُ بِالنُّونِ الْمَضْمُونَةِ وَالْقَافِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَاءُ الْعَذْبُ الَّذِي يَنْقَخُ الْفُؤَادَ بِبَرْدِهِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ يَنْضَحُ مِنْ بَابَيْ ضَرَبَ وَنَفَعَ فَعَلَى هَذَا تُكْسَرُ ضَادُهُ وَتُفْتَحُ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَحْلِبُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِلَبَنِهَا كَيْ لَا يَضُرَّ بِهَا ذَلِكَ.

(وَإِنْ عَطِبَ وَاجِبٌ أَوْ تَعَيَّبَ أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ وَالْمَعِيبُ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ حَتَّى يُذْبَحَ فِي مَحِلِّهِ وَالْمُرَادُ بِالْعَطْبِ هُنَا الْهَلَاكُ، وَهُوَ مِنْ بَابِ عَلِمَ فَهُوَ كَمَا لَوْ عَزَلَ دَرَاهِمَ الزَّكَاةِ فَهَلَكَتْ قَبْلَ الصَّرْفِ إلَى الْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا ثَانِيًا وَالْمُرَادُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَأَفَادَ أَنَّهُ إنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا أُجْرَتَهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ لُحُومِ الْهَدَايَا فَإِنْ بَاعَ شَيْئًا أَوْ أَعْطَى الْجَزَّارَ أَجْرَهُ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ، وَقَالَ الطَّرَابُلُسِيُّ، وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا فَإِنْ أَعْطَى صَارَ الْكُلُّ لَحْمًا؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ أَعْطَاهُ مِنْهُ يَبْقَى شَرِيكًا لَهُ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ الْكُلُّ لِقَصْدِهِ اللَّحْمَ، وَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ قَبْلَ الذَّبْحِ ضَمِنَهُ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْأُجْرَةِ جَازَ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّصَدُّقِ عَلَيْهِ كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ.

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا إنْ نَقَصَتْ بِرُكُوبِهِ إلَخْ) تَابَعَهُ فِي النَّهْرِ وَتَعَقَّبَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة بِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ خِلَافُهُ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَمَنْ سَاقَ بَدَنَةً فَاضْطُرَّ إلَى رُكُوبِهَا فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ وَنَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَتَصَدَّقَ بِهِ، وَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا لَمْ يَرْكَبْهَا. اهـ.

وَكَذَا صَرَّحَ الْبُرْجَنْدِيُّ بِقَوْلِهِ، وَلَا يَرْكَبُ إلَّا لِضَرُورَةِ بِأَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْمَشْيِ، وَإِذَا رَكِبَهَا وَانْتَقَصَ بِرُكُوبِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ. اهـ.

وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَرْكَبْهَا إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رُكُوبِهَا، وَلَوْ رَكِبَهَا فَانْتَقَصَ بِرُكُوبِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ. اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي كَافِي النَّسَفِيِّ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ قَالَ: فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ مَتَاعَهُ عَلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ ضَمِنَ مَا نَقَصَهَا ذَلِكَ يَعْنِي إنْ نَقَصَهَا ذَلِكَ ضَمِنَهُ. اهـ.

ص: 78