الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذَا أُطْلِقَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ بَعْدَ الْوُقُوفِ قِيلَ لَا يَتَحَلَّلُ فِي مَكَانِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ حَرَامٌ كَمَا هُوَ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِ الْحَلْقِ عَلَى أَنْ يَفْعَلَهُ فِي الْحَرَمِ، وَقِيلَ يَتَحَلَّلُ فِي مَكَانِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى النِّسَاءِ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ قَالَ الْعَتَّابِيُّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ مُنِعَ بِمَكَّةَ عَنْ الرُّكْنَيْنِ فَهُوَ مُحْصَرٌ، وَإِلَّا لَا) أَيْ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا مُنِعَ عَنْهُمَا فِي الْحَرَمِ فَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ فَصَارَ كَمَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ، وَإِذَا قَدَرَ عَلَى الطَّوَافِ فَلِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِهِ وَالدَّمُ بَدَلٌ عَنْهُ فِي التَّحَلُّلِ، وَأَمَّا إنْ قَدَرَ عَلَى الْوُقُوفِ فَلِمَا بَيَّنَّا، وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالصَّحِيحُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا فِي الْمُحِيطِ حَيْثُ جَعَلَ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ التَّفْصِيلِ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ، وَأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِحْصَارَ بِمَكَّةَ عَنْهُمَا لَيْسَ بِإِحْصَارٍ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِهِ.
(بَابُ الْفَوَاتِ)
(مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَلْيَحْلِلْ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِلَا دَمٍ) بَيَانٌ لِأَحْكَامِ أَرْبَعَةٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّ فَوَاتَ الْحَجِّ لَا يَكُونُ إلَّا بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بِمُضِيِّ وَقْتِهِ. الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا فَاتَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ. الثَّالِثُ: لُزُومُ الْقَضَاءِ سَوَاءٌ كَانَ مَا شَرَعَ فِيهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ نَذْرًا أَوْ تَطَوُّعًا، وَلَا خِلَافَ بَيْنِ الْأُمَّةِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَدَلِيلُهَا الْإِجْمَاعُ. وَالرَّابِعُ: عَدَمُ لُزُومِ الدَّمِ لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمُفِيدِ لِذَلِكَ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لَكِنْ تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ فَصَارَ حَسَنًا، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَلْيَحْلِلْ بِعُمْرَةٍ إلَى وُجُوبِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَإِلَى أَنَّهُ يَطُوفُ وَيَسْعَى ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ، وَإِلَى أَنَّ إحْرَامَهُ لَا يَنْقَلِبُ إحْرَامَ عُمْرَةٍ بَلْ يَخْرُجُ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَيَشْهَدُ لَهُمَا أَنَّ الْقَارِنَ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَدَّى عُمْرَتَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ ثُمَّ أَتَى بِعُمْرَةٍ أُخْرَى لِفَوَاتِ الْحَجِّ ثُمَّ يَحْلِقُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَلَوْ انْقَلَبَ إحْرَامُهُ عُمْرَةً لَصَارَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامِ عُمْرَتَيْنِ، وَأَدَائِهِمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَيَشْهَدُ لَهُمَا أَنَّهُ لَوْ مَكَثَ حَرَامًا حَتَّى دَخَلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ مِنْ قَابِلٍ فَتَحَلَّلَ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فَلَوْ انْقَلَبَ إحْرَامُهُ عُمْرَةً كَانَ مُتَمَتِّعًا كَمَنْ أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ فَطَافَ لَهَا فِي شَوَّالٍ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَيَشْهَدُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ لَوْ أَقَامَ حَرَامًا حَتَّى يَحُجَّ مَعَ النَّاسِ مِنْ قَابِلٍ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ لَا يُجْزِئُهُ مِنْ حَجَّتِهِ فَلَوْ بَقِيَ أَصْلُ إحْرَامِهِ لَأَجْزَأَهُ.
وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ، وَإِنْ بَقِيَ الْأَصْلُ لَكِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ فَلَا يَبْطُلُ هَذَا التَّعْيِينُ بِتَحَوُّلِ السَّنَةِ مَعَ أَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ لِأَدَاءِ الْحَجِّ فِي السَّنَةِ الْأُولَى فَلَوْ صَحَّ أَدَاءُ الْحَجِّ بِهِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ تَغَيَّرَ مُوجِبُ ذَلِكَ الْعَقْدِ بِفِعْلِهِ، وَلَيْسَ إلَيْهِ تَغْيِيرُ مُوجَبِ عَقْدِ الْإِحْرَامِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ فَائِدَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَهَلَّ بِحَجَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْأُولَى صَحَّتْ وَبِرَفْضِ الْأُخْرَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَصِحُّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَمْضِي فِي الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ إحْرَامَ الْأُولَى انْقَلَبَ لِلْعُمْرَةِ، وَهَذَا مُحْرِمٌ بِالْعُمْرَةِ، وَقَدْ أَضَافَ إلَيْهَا حَجَّةً، وَعِنْدَهُ لَمَّا بَقِيَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ بَعْدَ الْوُقُوفِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْمُرَادُ بِالْمُحْصَرِ الْمَمْنُوعُ؛ لِأَنَّهُ لَا إحْصَارَ بَعْدَ الْوُقُوفِ (قَوْلُهُ: قِيلَ لَا يَتَحَلَّلُ فِي مَكَانِهِ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْلِقَ فِي الْحِلِّ فِي الْحَالِ بَلْ يُؤَخِّرُ الْحَلْقَ إلَى مَا بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْعَتَّابِيُّ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَأَنَّهُ لِإِمْكَانِ حَمْلِ الْإِطْلَاقِ فِي الْأَصْلِ عَلَى هَذَا الْقَيْدِ. اهـ.
وَاعْتُرِضَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ فَيَكُونُ مَعْنَى مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ حَرَامٌ أَيْ عَلَى النِّسَاءِ فَقَطْ وَيَأْبَاهُ تَرْجِيحُ الْعَتَّابِيِّ بِأَنَّ مَا فِي الْجَامِعِ أَظْهَرُ إذْ عَلَى فَرْضِ صِحَّةِ هَذَا الْحَمْلِ لَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ لِلتَّرْجِيحِ وَثَانِيًا بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ حَرَامٌ ظَاهِرٌ فِي بَقَاءِ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ فَالْحَقُّ أَنَّهُ قَوْلٌ مُقَابِلٌ. اهـ. قُلْتُ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ عِبَارَةَ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي بَقَاءِ الْإِحْرَامِ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّقْيِيدِ، وَلَمَّا كَانَتْ عِبَارَةُ الْجَامِعِ صَرِيحَةً فِي ذَلِكَ كَانَتْ أَظْهَرَ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الصَّرِيحَ أَظْهَرُ مِنْ الْمُحْتَمَلِ. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ مُنِعَ بِمَكَّةَ عَنْ الرُّكْنَيْنِ) قَالَ: الرَّمْلِيُّ فِي الْفَيْضِ لِلْكَرْكِيِّ، وَلَوْ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَلَمْ تَطْهُرْ، وَأَرَادَ الرُّفْقَةُ الْعَوْدَ تَهْجُمُ وَتَطُوفُ حَائِضًا وَتَذْبَحُ بَدَنَةً، وَلَكِنْ لَا نُفْتِي بِالتَّهَجُّمِ فَإِنْ لَمْ تَطُفْ تَبْقَى مُحْرِمَةً أَبَدًا إلَى أَنْ تَطُوفَ، وَكَذَا الرَّجُلُ لَوْ لَمْ يَطُفْهُ.
[بَابُ الْفَوَاتِ فِي الْحَجُّ]
(بَابُ الْفَوَاتِ) .
(قَوْلُهُ: الثَّالِثُ لُزُومُ الْقَضَاءِ) قَالَ: الرَّمْلِيُّ إنْ قِيلَ كَيْفَ تُوصَفُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ بِالْقَضَاءِ، وَلَا وَقْتَ لَهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ الْقَضَاءُ اللُّغَوِيُّ لَا الْقَضَاءُ الْحَقِيقِيُّ، وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْرَمَ بِهَا تَضَيَّقَ وَقْتُهَا كَمَا قَالُوا فِي الصَّلَاةِ يُفْسِدُهَا ثُمَّ يَفْعَلُهَا فِي الْوَقْتِ فَالْحَجُّ
إحْرَامُهُ فَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى يَرْفُضُهَا لِئَلَّا يَكُونَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ حَجٍّ، وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَعُمْرَةٌ وَحَجَّتَانِ مِنْ قَابِلٍ فَإِنْ كَانَ نَوَى بِالثَّانِيَةِ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ فَهِيَ هِيَ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ فَإِذَا نَوَى بِهِ الْقَضَاءَ يَصِيرُ نَاوِيًا لِلْإِحْرَامِ الْقَائِمِ فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ، وَلَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِإِحْرَامٍ آخَرَ، وَأَطْلَقَ فِي فَوْتِ الْحَجِّ فَشَمَلَ الْحَجَّ الْفَاسِدَ وَالصَّحِيحَ فَلَوْ أَهَلَّ بِحَجٍّ ثُمَّ أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ الْوُقُوفِ ثُمَّ فَاتَهُ الْحَجُّ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْجِمَاعِ وَيَحِلُّ بِالْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ، وَكَذَا لَوْ انْعَقَدَ فَاسِدًا كَمَا إذَا أَحْرَمَ مُجَامِعًا فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بَعْدَمَا انْعَقَدَ صَحِيحًا لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى اللَّازِمِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِ اللَّازِمِ لِيَخْرُجَ بِهِ الْعَبْدُ وَالزَّوْجَةُ إذَا أَحْرَمَا بِغَيْرِ إذْنٍ لَا مَا قَابَلَ الصَّحِيحَ، وَهُوَ الْفَاسِدُ وَلِيَخْرُجَ بِهِ مَا إذَا أَدْخَلَ حَجَّةً عَلَى عُمْرَةٍ أَوْ عَلَى حَجَّةٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلِذَا وَجَبَ الرَّفْضُ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُحْصَرُ فَإِنَّ إحْرَامَهُ لَازِمٌ مَعَ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ بِغَيْرِ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهُ عَارِضٌ لَا بِطَرِيقِ الْوَضْعِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا فَوْتَ لِعُمْرَةٍ) لِعَدَمِ تَوْقِيتِهَا بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ طَوَافٌ وَسَعْيٌ) أَيْ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ طَوَافٌ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَسَعْيٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ بَيَانَ مَاهِيَّتِهَا؛ لِأَنَّ رُكْنَهَا الطَّوَافُ فَقَطْ، وَأَمَّا السَّعْيُ فَوَاجِبٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يُصَرِّحْ بِوُجُوبِهِ فِيهَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ فِيهِ وَاجِبٌ فَفِي الْعُمْرَةِ أَوْلَى، وَلَمْ يَذْكُرُ الْإِحْرَامَ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي النُّسُكَيْنِ حَجًّا كَانَ أَوْ عُمْرَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَلْقَ؛ لِأَنَّهُ مُحَلِّلٌ مُخْرِجٌ مِنْهَا، وَهُوَ مِنْ وَاجِبَاتِهَا كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى الزِّيَارَةِ يُقَالُ اعْتَمَرَ فُلَانٌ فُلَانًا إذَا زَارَهُ، وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّ أَصْلَهَا الْقَصْدُ إلَى مَكَان عَامِرٍ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الْقَصْدِ إلَى مَكَان مَخْصُوصٍ.
(قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ فِي السَّنَةِ، وَتُكْرَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهَا لَا تَتَوَقَّفُ، وَقَدْ «اعْتَمَرَ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ عُمَرَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ إلَّا الَّتِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ» كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْأَرْبَعَةِ إحْرَامُهُ بِهِنَّ فَأَمَّا مَا تَمَّ لَهُ مِنْهَا فَثَلَاثٌ الْأُولَى عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ فَأُحْصِرَ بِهَا فَنَحَرَ الْهَدْيَ بِهَا وَحَلَقَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ. الثَّانِيَةُ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَهِيَ قَضَاءٌ عَنْ الْحُدَيْبِيَةِ هَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهَا مُسْتَأْنَفَةٌ لَا قَضَاءٌ عَنْهَا وَتَسْمِيَةُ الصَّحَابَةِ وَجَمِيعِ السَّلَفِ إيَّاهَا بِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِهِ، وَعَدَمُ نَقْلِ أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ بِالْقَضَاءِ لَا يُفِيدُ بَلْ الْمُفِيدُ لَهُ نَقْلُ الْعَدَمِ لَا عَدَمُ النَّقْلِ نَعَمْ هُوَ مِمَّا يُؤْنَسُ بِهِ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَنُقِلَ لَكِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الثَّابِتِ مَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِعِلْمِهِمْ بِهِ، وَقَضَائِهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ طَرِيقٍ عِلْمِيٍّ الثَّالِثَةُ: عُمْرَتُهُ الَّتِي قَرَنَ مَعَ حَجَّتَهُ عَلَى قَوْلِنَا أَوْ الَّتِي تَمَتَّعَ بِهَا إلَى الْحَجِّ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ أَنَّهُ حَجَّ مُتَمَتِّعًا أَوْ الَّتِي اعْتَمَرَهَا فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ أَفْرَدَ وَاعْتَمَرَ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْقَوْلِ الرَّابِعِ.
الرَّابِعَةُ عُمْرَتُهُ مِنْ الْجِعْرَانَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَرَاهَةَ فَانْصَرَفَتْ الْكَرَاهَةُ إلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهَا الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ حَلَّتْ الْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إلَّا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا خَمْسَةٌ وَذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَأَطْلَقَ فِي كَرَاهَتِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فَشَمَلَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ، وَمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَأَفَادَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْخَمْسَةِ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَالْآفَاقِيِّ وَاخْتَلَفُوا فِي أَفْضَلِ أَوْقَاتِهَا فَبِالنَّظَرِ إلَى فِعْلِهِ عليه السلام فَأَشْهُرُ الْحَجِّ أَفْضَلُ وَبِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ فَرَمَضَانُ أَفْضَلُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً» ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْيَنَابِيعِ هُنَا غَلَطٌ فَاجْتَنِبْهُ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: تُكْرَهُ الْعُمْرَةُ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَذَكَرَ مِنْهَا يَوْمَ الْفِطْرِ بَدَلَ يَوْمِ عَرَفَةَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
ــ
[منحة الخالق]
أَوْلَى بِذَلِكَ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: نَعَمْ هُوَ) أَيْ عَدَمُ نَقْلِ الْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ مِمَّا يُؤْنَسُ بِهِ فِي عَدَمِ وُقُوعِ الْأَمْرِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، وَإِلَّا لَنُقِلَ لَا أَنَّهُ يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِهِ، وَقَوْلُهُ لَكِنَّ ذَلِكَ إلَخْ جَوَابٌ عَنْ الِاسْتِئْنَاسِ الْمَذْكُورِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ دَلِيلَ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا ثَابِتٌ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِعِلْمِهِمْ بِهِ، وَقَضَائِهَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مِنْ أَيْنَ عَلِمُوا بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ طَرِيقٍ عِلْمِيٍّ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ طَرِيقِ عِلْمِهِمْ بِإِضَافَتِهِ إلَى ضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ بِالْقَوْلِ الرَّابِعِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ عليه السلام حَجَّ، وَلَمْ يَعْتَمِرْ (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَكِّيِّ وَالْآفَاقِيِّ) ، وَأَمَّا مَا فِي اللُّبَابِ مِنْ قَوْلِهِ وَيُكْرَهُ فِعْلُهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَمَنْ بِمَعْنَاهُمْ. اهـ.
أَيْ مِنْ الْمُقِيمِينَ، وَمَنْ فِي دَاخِلِ الْمِيقَاتِ فَقَالَ شَارِحُهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحُجُّوا فِي سَنَتِهِمْ فَيَكُونُوا مُتَمَتِّعِينَ، وَهُمْ عَنْ التَّمَتُّعِ مَمْنُوعُونَ، وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ لِلْمَكِّيِّ عَنْ الْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ