الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْ جَعَلْته طَلَاقًا وَقَعَ، وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي طَلَاقِ الصَّبِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَالسَّيِّدُ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِهِ) أَيْ لَا يَقَعُ لِمَا رَوَيْنَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ: مِنْ فَصْلِ النِّكَاحِ عَلَى الشَّرْطِ الْمَوْلَى إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ إنْ بَدَأَ الْعَبْدُ فَقَالَ زَوِّجْنِي أَمَتُك هَذِهِ عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِك تُطَلِّقُهَا كُلَّمَا شِئْت فَزَوَّجَهَا مِنْهُ يَجُوزُ النِّكَاحُ وَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِ الْمَوْلَى وَلَوْ ابْتَدَأَ الْمَوْلَى فَقَالَ زَوَّجْتُك أَمَتِي عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِي أُطَلِّقُهَا كُلَّمَا أُرِيدُ فَقَالَ الْعَبْدُ قَبِلْت جَازَ النِّكَاحُ وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِ الْمَوْلَى اهـ.
فَإِنْ قُلْت مَا الْحِيلَةُ فِي صَيْرُورَةِ الْأَمْرِ بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَدْ تَمَّ النِّكَاحُ بِقَوْلِ الْمَوْلَى زَوَّجْتُك أَمَتِي فَيُمْكِنُ الْعَبْدُ أَنْ لَا يَقْبَلَ فَلَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِ الْمَوْلَى قُلْت يَمْتَنِعُ الْمَوْلَى مِنْ تَزْوِيجِهِ حَتَّى يَقُولَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّزْوِيجِ إذَا تَزَوَّجْتهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِك أَبَدًا ثُمَّ يُزَوِّجُهَا الْمَوْلَى لَهُ فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِ الْمَوْلَى وَلَا يُمْكِنُهُ إخْرَاجُهُ أَبَدًا، وَالْفَرْعُ مَذْكُورٌ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْفَصْلِ.
قَوْلُهُ: (وَاعْتِبَارُهُ بِالنِّسَاءِ) أَيْ اعْتِبَارُ عَدَدِهِ بِالْمَرْأَةِ فَطَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ ثَلَاثَةٌ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَرْفَعُهُ «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» جُعِلَ طَلَاقُ جِنْسِ الْإِمَاءِ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ لَامَ الْجِنْسِ عَلَى الْإِمَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ: طَلَاقُ كُلِّ أَمَةٍ ثِنْتَانِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مِثْلُ قَوْلِنَا وَعَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنهما مِثْلُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مِنْ أَنَّ اعْتِبَارَ عَدَدِهِ بِالزَّوْجِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْعِدَّةَ تُعْتَبَرُ بِحَالِ الْمَرْأَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ لَهُ أَيُّهَا الْفَقِيهُ إذَا مَلَكَ الْحُرُّ عَلَى امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ ثَلَاثًا كَيْفَ يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ قَالَ يُوقِعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ أَوْقَعَ عَلَيْهَا أُخْرَى فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَالَ لَهُ: حَسْبُك قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَمَّا تَحَيَّرَ رَجَعَ فَقَالَ لَيْسَ فِي الْجَمْعِ بِدْعَةٌ وَلَا فِي التَّفْرِيقِ سُنَّةٌ اهـ. وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[بَابُ أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ]
(بَابُ الطَّلَاقِ) .
أَيْ أَلْفَاظُهُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا تَقَدَّمَ كَانَ ذِكْرَ الطَّلَاقِ نَفْسِهِ وَأَقْسَامِهِ الْأَوَّلِيَّةِ السُّنِّيِّ، وَالْبِدْعِيِّ وَإِعْطَاءً لِبَعْضِ الْأَحْكَامِ تِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ وَهَذَا الْبَابُ لِبَيَانِ أَحْكَامِ جُزْئِيَّاتِ تِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ فَإِنَّ الْمَوْرِدَ فِيهِ خُصُوصُ أَلْفَاظٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَاقٌ لِإِعْطَاءِ أَحْكَامِهَا هَكَذَا أَوْ مُضَافَةٌ إلَى بَعْضِ الْمَرْأَةِ وَإِعْطَاءِ حُكْمِ الْكُلِّيِّ وَتَصْوِيرِهِ قَبْلَ الْجُزْئِيِّ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ تَفْصِيلٍ يَعْقُبُ إجْمَالًا فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَيَانُ أَحْكَامِ مَا بِهِ الْإِيقَاعُ، وَالْوُقُوعُ لَا أَنَّهُ أَرَادَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ الَّذِي لَا تَحَقُّقَ لَهُ خَارِجًا اهـ.
قَوْلُهُ: (الصَّرِيحُ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَّقْتُك) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنْ مُطْلَقَةٍ أَمَّا بِتَخْفِيفِهَا فَمُلْحَقٌ بِالْكِنَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ صَرَائِحَ لِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنَّ الصَّرِيحَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنًى بِحَيْثُ يَتَبَادَرُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ فَأَوْلَى بِالصَّرَاحَةِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ أَمَّا مَنْ صَرَّحَ خَلَصَ مِنْ تَعَلُّقَاتِ الْغَيْرِ وَزْنًا وَمَعْنًى فَهُوَ صَرِيحٌ وَكُلُّ خَالِصٍ صَرِيحٌ وَمِنْهُ قَوْلٌ صَرِيحٌ وَهُوَ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ وَتَأْوِيلٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ أَوْ مَنْ صَرَّحَهُ أَظْهَرَهُ، وَفِي الْفِقْهِ هُنَا مَا اُسْتُعْمِلَ فِي الطَّلَاقِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْوِقَايَةِ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ تَدَافُعٌ فَإِنَّهُ عَلَّلَ كَوْنَهَا صَرَائِحَ
ــ
[منحة الخالق]
عَادَ الضَّمِيرُ إلَى غَيْرِ مُعْتَبَرٍ فَلْيُحَرَّرْ الْفَرْقُ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا قَدَّمْنَاهُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْفَرْقِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ النِّكَاحِ عَلَى شَرْطِ الْمَوْلَى. . . إلَخْ) ذَكَرَ قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرْعًا أَبْدَى فِيهِ الْفَرْقَ وَنَظَرَ هَذِهِ بِهِ وَهُوَ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا طَالِقٌ جَازَ النِّكَاحُ وَبَطَلَ الطَّلَاقُ فَقَالَ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ رحمه الله هَذَا إذَا بَدَأَ الزَّوْجُ وَقَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنَّك طَالِقٌ، وَإِنْ ابْتَدَأَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك عَلَى أَنِّي طَالِقٌ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِيَدِي أُطَلِّقُ نَفْسِي كُلَّمَا شِئْت فَقَالَ الزَّوْجُ قَبِلْت جَازَ النِّكَاحُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ كَانَ الطَّلَاقُ، وَالتَّفْوِيضُ قَبْلَ النِّكَاحِ فَلَا يَصِحُّ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْبِدَايَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ يَصِيرُ التَّفْوِيضُ بَعْدَ النِّكَاحِ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا قَالَ بَعْدَ كَلَامِ الْمَرْأَةِ قَبِلْت.
وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ قَبِلْت عَلَى أَنَّك طَالِقٌ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِيَدِك فَيَصِيرُ مُفَوِّضًا بَعْدَ النِّكَاحِ.
بِالِاسْتِعْمَالِ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ دُونَ غَيْرِهِ وَكَوْنُهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ بِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّ الْمَوْصُوفَ بِالْغَلَبَةِ هُنَا هُوَ مَا وَصَفَهُ بِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الطَّلَاقِ لَا فِي غَيْرِهِ، وَالْغَلَبَةُ فِي مَفْهُومِهَا الِاسْتِعْمَالُ فِي الْغَيْرِ قَلِيلًا لِلتَّقَابُلِ بَيْنَ الْغَلَبَةِ، وَالِاخْتِصَاصِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ حَمَلَ الْعِبَارَةَ الْأُولَى عَلَى الْغَالِبِ لَانْدَفَعَ، وَفِي التَّتِمَّةِ إذَا قَالَ: طَلَّقْتُك آخِرَ الثَّلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَوَاحِدَةً، وَالْفَرْقُ دَقِيقٌ حَسَنٌ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ تَمَامَ ثَلَاثٍ أَوْ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ اهـ.
وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً تَكُونُ ثَلَاثًا أَوْ تَصِيرُ ثَلَاثًا أَوْ تَعُودُ ثَلَاثًا أَوْ تَتِمُّ ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ اهـ.
وَأَفَادَ بِالْكَافِ عَدَمَ حَصْرِ الصَّرِيحِ فِي الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ سَيَذْكُرُ أَنَّ مِنْهُ الْمَصْدَرَ كَأَنْتِ الطَّلَاقُ وَمِنْهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ شِئْت طَلَاقَك وَرَضِيت طَلَاقَك وَأَوْقَعْت عَلَيْك طَلَاقَك وَخُذِي طَلَاقَك وَوَهَبْت لَك طَلَاقَك وَلَوْ قَالَ أَرَدْت طَلَاقَك لَا يَقَعُ اهـ.
وَمِنْهُ أَوْدَعْتُك طَلَاقَك رَهَنْتُك طَلَاقَك عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ، وَالرَّهْنَ لَا يَكُونَانِ إلَّا لِلْمَوْجُودِ وَأَعَرْتُك طَلَاقَك صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا كَذَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ وَمِنْهُ أَنْتِ أَطْلَقُ مِنْ فُلَانَةَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا قَدْ طَلَّقَ فُلَانٌ زَوْجَتَهُ فَطَلِّقْنِي فَقَالَ الزَّوْجُ فَأَنْت أَطْلَقُ مِنْهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت أَطْلَقُ مِنْ فُلَانَةَ اهـ.
وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَجَعَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْكِنَايَاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِسُؤَالِهَا الطَّلَاقَ كَمَا إذَا قَالَتْ فُلَانٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَطَلِّقْنِي فَقَالَ أَنْت أَطْلَقُ مِنْهَا أَوْ أَبْيَنُ مِنْهَا طَلُقَتْ وَلَا يُدَيَّنُ اهـ.
وَهُوَ الظَّاهِرُ وَمِنْهُ يَا طَالِقُ أَوْ يَا مُطَلَّقَةُ بِالتَّشْدِيدِ وَلَوْ قَالَ أَرَدْت الشَّتْمَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَيُدَيَّنُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ طَلَّقَهَا قَبْلُ فَقَالَ أَرَدْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ صُدِّقَ دِيَانَةً بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَقَضَاءً فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ حَسَنٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ لَا يُصَدَّقُ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ قَدْ مَاتَ وَلَوْ قَالَ قُولِي أَنَا طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَقُولَهَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ قَالَ لَهَا خُذِي طَلَاقَك فَقَالَتْ أَخَذْت اُخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَصُحِّحَ الْوُقُوعُ بِلَا اشْتِرَاطِهَا اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى تَقُولَ الْمَرْأَةُ أَخَذْت وَيَكُونُ تَفْوِيضًا وَظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ خِلَافُهُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهَا أَخَذْت وَيَقَعُ بِالتَّهَجِّي كَانَتْ ط ل ق وَكَذَا لَوْ قِيلَ لَهُ: طَلَّقْتهَا فَقَالَ ن عِ م أَوْ بَلَى بِالْهِجَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ أَطْلَقَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ النِّيَّةَ وَشَرَطَهَا فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْهُ طَلَّقَك اللَّهُ كَأَعْتَقَكِ اللَّهُ فَلَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى نِيَّةٍ كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَأَوْقَفَهَا عَلَيْهَا فِي الْعُيُونِ
ــ
[منحة الخالق]
بَابُ الطَّلَاقِ) .
(قَوْلُهُ: وَلَوْ حَمَلَ الْعِبَارَةَ الْأُولَى عَلَى الْغَالِبِ لَانْدَفَعَ) بِأَنْ يُقَالَ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ دُونَ غَيْرِهِ أَيْ غَالِبًا فَيُوَافِقُ قَوْلُهُ: لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهَا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ تُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ غَلَبَ الِاسْتِعْمَالُ فِيهَا عَلَى الْأَصْلِ الْوَضْعِيِّ فَتَخَصَّصَتْ بِالطَّلَاقِ فَقَطْ أَيْ بِسَبَبِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ اخْتَصَّتْ بِالطَّلَاقِ عُرْفًا فَمَعْنَى غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْعُرْفِيُّ الَّذِي غَلَبَ عَلَى الْأَصْلِ الْوَضْعِيِّ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الطَّلَاقِ غَالِبًا، وَفِي غَيْرِهِ نَادِرًا حَتَّى يُنَافِيَ قَوْلُهُ: دُونَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ دَقِيقٌ حَسَنٌ) وَجْهُهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ أَضَافَ الْآخَرَ إلَى ثَلَاثٍ مَعْهُودَةٍ وَمَعْهُودِيَّتُهَا بِوُقُوعِهَا بِخِلَافِ الْمُنَكَّرِ اهـ.
لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى تَعْرِيفِ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ طَلَّقْتُك آخِرَ الثَّلَاثِ وَاَلَّذِي فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي نَوْعٍ فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الثَّلَاثُ أَوْ الْوَاحِدَةُ بِتَنْكِيرِ الثَّلَاثِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَعَلَّلَ الْأُولَى بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ الثَّالِثُ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِتَقَدُّمِ مِثْلَيْهِ عَلَيْهِ وَعَلَّلَ الثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَخْبَرَ عَنْ إيقَاعِ الثَّلَاثِ فَيَقَعُ، وَفِي الثَّانِي وَصْفُ الْمَرْأَةِ بِكَوْنِهَا آخِرَ الثَّلَاثِ بَعْدَ الْإِيقَاعِ وَهِيَ لَا تُوصَفُ بِذَلِكَ فَبَقِيَ أَنْتِ طَالِقٌ وَبِهِ يَقَعُ الْوَاحِدُ اهـ.
وَكَذَا رَأَيْته مُنَكَّرًا فِي الصُّورَتَيْنِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَالذَّخِيرَةِ، وَالْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَأَفَادَ بِالْكَافِ عَدَمَ حَصْرِ الصَّرِيحِ) تَعْرِيضٌ بِمَا فِي كَلَامِ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ: فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ. . . إلَخْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرُ الْحَمْلِ أَنْ لَا صَرِيحَ سِوَى ذَلِكَ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ فَسَيَذْكُرُ مِنْهُ التَّطْلِيقَ بِالْمَصْدَرِ، وَلَفْظُ الْكَنْزِ أَحْسَنُ لِإِشْعَارِ الْكَافِ بِعَدَمِ الْحَصْرِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَقُولُ: عِبَارَةَ الْقُدُورِيِّ فَالصَّرِيحُ قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ. . . إلَخْ وَقَوْلُهُ: أَنْتِ الطَّلَاقُ. . . إلَخْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ وَقَوْلُهُ: فِي الْبَحْرِ أَنَّ مِنْهُ شِئْت وَرَضِيت طَلَاقَك وَوَهَبْته لَك وَكَذَا أَوْدَعْتُك وَرَهَنْتُك وَخُذِي فِي الْأَصَحِّ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى قَوْلِهَا أَخَذْت كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الصَّرِيحَ يَكُونُ بِغَيْرِ الثَّلَاثِ، وَالْمَصْدَرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْوُقُوعُ فِيمَا ادَّعَاهُ إنَّمَا هُوَ بِالْمَصْدَرِ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِعَدِّهِ إيَّاهُ مِنْ الصَّرِيحِ مَعَ إنْ شِئْت طَلَاقَك وَرَضِيت طَلَاقَك لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْهَا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَتْ شِئْت إنْ شِئْت وَذَكَرَهُ هَذَا الشَّارِحُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَكِنْ سَاقَ فِي قَوْلِهِ شِئْت طَلَاقَك قَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فَرَاجِعْهُ
وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَيْسَ مِنْهُ أُطَلِّقُك بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ إلَّا إذَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَالِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ سُئِلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ عَمَّنْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ: كُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ مُطَلَّقَةٌ فَلْيُصَفِّقْ بِيَدَيْهِ فَصَفَّقُوا طُلِّقْنَ وَقِيلَ لَا، وَفِيهَا قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي فَقَالَ أُطَلِّقُك وَقَعَ عِنْدَ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَمِنْهُ الْأَلْفَاظُ الْمُصَحَّفَةُ وَهِيَ خَمْسَةٌ: تَلَاقٌ وَتَلَاغٌ وَطَلَاغٌ وَطَلَاك وَتَلَاك فَيَقَعُ قَضَاءً وَلَا يُصَدَّقُ إلَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ التَّكَلُّمِ بِأَنْ قَالَ امْرَأَتِي تَطْلُبُ مِنِّي الطَّلَاقَ وَأَنَا لَا أُطَلِّقُ فَأَقُولُ: هَذَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ، وَالْجَاهِلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمِنْهُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ عَلَيْك طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: الْعَتَاقُ عَلَيْك يَعْتِقُ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ عَلَيْك هَذَا الْعَبْدُ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْت يَكُونُ بَيْعًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ قَالَ عَلَيْك الطَّلَاقُ أَوْ لَك اُعْتُبِرَتْ النِّيَّةُ وَلَيْسَ مِنْهُ لِلَّهِ عَلَيَّ طَلَاقُ امْرَأَتِي فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ قَالَ طَلَاقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ أَوْ ثَابِتٌ أَوْ فَرْضٌ قِيلَ يَقَعُ فِي الْكُلِّ بِلَا نِيَّةٍ وَقِيلَ لَا، وَإِنْ نَوَى وَقِيلَ نَعَمْ بِالنِّيَّةِ وَصَحَّحَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَدَمَهُ فِي الْكُلِّ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَحَّحَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْوُقُوعَ فِي الْكُلِّ وَفَرَّقَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ فَأَوْقَعَ فِي وَاجِبٍ وَنَفَى فِي غَيْرِهِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي فَتَاوَى الْخَاصِّيِّ الْمُخْتَارُ الْوُقُوعُ فِي الطَّلَاقِ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ وَاجِبًا أَوْ ثَابِتًا بَلْ حُكْمُهُ وَحُكْمُهُ لَا يَجِبُ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَتَاقِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ ثُبُوتَهُ اقْتِضَاءٌ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّتِهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ عُرْفٌ فَاشٍ فَيَصِيرُ صَرِيحًا فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي صَرْفِهِ عَنْهُ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ قَصَدَهُ وَقَعَ وَإِلَّا لَا فَإِنَّهُ يُقَالُ هَذَا الْأَمْرُ عَلَيَّ وَاجِبٌ بِمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَهُ لَا إنِّي فَعَلْته فَكَأَنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ أُطَلِّقَك اهـ.
، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْوُقُوعِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ تُعُورِفَ فِي عُرْفِنَا فِي الْحَلِفِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا يُرِيدُ إنْ فَعَلْته لَزِمَ الطَّلَاقُ وَوَقَعَ فَوَجَبَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَذَا تَعَارَفَ أَهْلُ الْأَرْيَافِ الْحَلِفَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَالِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْوُقُوعُ بِقَوْلِهِ تَكُونِي طَالِقًا أَوْ تَكُونُ طَالِقًا إذْ هُوَ الْغَالِبُ فِي كَلَامِ أَهْلِ بِلَادِنَا تَأَمَّلْ اهـ.
وَقَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ: لَوْ كَانَ جَوَابًا لِسُؤَالِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ عِنْدَ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ كَأَنَّهُ لِأَنَّ سُؤَالَهَا إيَّاهُ قَرِينَةٌ مُعَيِّنَةٌ لِلْحَالِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ فِيمَا إذَا قَرَنَهُ بِحَرْفِ التَّنْفِيسِ إلَّا إذَا نَوَاهُ فَتَكُونُ السِّينُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ نَحْوُ {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5] .
(قَوْلُهُ: يُرِيدُ إنْ فَعَلْته لَزِمَ الطَّلَاقُ) أَيْ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْإِفْتَاءَ بِالْوُقُوعِ بِشَرْطِ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا مُطْلَقًا وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ فِيهِ غَيْرَ صَرِيحٍ لَكِنَّهُ فِي الْعُرْفِ مُلَاحَظٌ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَصْلِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة فِي نَوْعٍ فِي ذِكْرِ مَسَائِلِ الشَّرْطِ، وَفِي الْحَاوِي عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ فِيمَنْ اُتُّهِمَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْغَدَاةَ، فَقَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنَّهُ قَدْ صَلَّاهَا، وَقَدْ صَلَّاهَا، وَقَدْ تَعَارَفُوا شَرْطًا فِي لِسَانِهِمْ هَذَا قَالَ أَجْرَى أَمْرَهُمْ عَلَى الشَّرْطِ عَلَى تَعَارُفِهِمْ كَقَوْلِهِ: عَبْدِي حُرٌّ إنْ لَمْ أَكُنْ صَلَّيْت الْغَدَاةَ وَصَلَّاهَا لَمْ يَعْتِقْ كَذَا هُنَا اهـ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَجْرَوْهُ مَجْرَى الْقَسَمِ مِثْلُ وَاَللَّهِ فَعَلْت كَذَا وَعَلَيْهِ جَرَى الْحَنَابِلَةُ (قَوْلُهُ: فَوَجَبَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ حَيْثُ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ: وَقَعَ بَائِنًا بِلَا نِيَّةٍ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْعُرْفِ، وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي أَوْ الْحَرَامُ وَلَمْ يَقُلْ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَمْ أَجِدْهُ فِي كَلَامِهِمْ، وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ قَالَ طَلَاقُك عَلَيَّ لَا يَقَعُ، وَفِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي مِصْرِنَا وَرِيفِنَا: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي، وَالْحَرَامُ يَلْزَمُنِي، وَعَلَيَّ الطَّلَاقُ، وَعَلَيَّ الْحَرَامُ قَالَ فِي الْمُخْتَارَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ يَكُونُ يَمِينًا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الشَّهِيدُ فِي وَاقِعَاتِهِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْإِمَامُ الْأُوزْجَنْدِيُّ وَكَانَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ يَقُولُ إنَّ الْكَلَامَ يَبْطُلُ وَلَا يُجْعَلُ هَذَا يَمِينًا اهـ.
وَفِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ، وَقَدْ ظَفِرَ بِهِ شَيْخُنَا مُصَرَّحًا بِهِ فِي كَلَامِ الْغَايَةِ لِلسُّرُوجِيِّ مَعْزِيًّا إلَى الْمُغْنِي وَنَصُّهُ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي أَوْ لَازِمٌ لِي صَرِيحٌ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ طَلَاقُهُ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَكَذَا قَوْلُهُ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ اهـ.
وَنَقَلَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَوَاهِرِ الطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ يَقَعُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ اهـ.
قُلْت وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي جَرَيَانُ الْخِلَافِ الْمَارِّ فِي طَلَاقِك عَلَيَّ وَاجِبٌ وَنَحْوُهُ هُنَا إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ بَيْنَ طَلَاقِك عَلَيَّ وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ وَبَيْنَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي فَتَأَمَّلْ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْوُقُوعَ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ بِسَبَبِ كَوْنِهِ فِي مَعْنَى إنْ فَعَلْت كَذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْكَمَالِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ فَقَطْ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَقُلْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلْيُتَأَمَّلْ وَيَنْبَغِي أَنْ يُدَيَّنَ إنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ لَا التَّنْجِيزَ (قَوْلُهُ: وَكَذَا تَعَارَفَ أَهْلُ الْأَرْيَافِ) أَيْ الْفَلَّاحُونَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الرِّيفُ بِالْكَسْرِ: أَرْضٌ فِيهَا زَرْعٌ وَخِصْبٌ وَمَا قَارَبَ الْمَاءَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ، وَفِي حَوَاشِي الْمِنَحِ لِلرَّمْلِيِّ
لَا أَفْعَلُ فَإِنْ قُلْت الْكِتَابَةُ مِنْ الصَّرِيحِ أَوْ مِنْ الْكِنَايَةِ قُلْت إنْ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الرَّسْمِ مُعَنْوَنَةً فَهِيَ صَرِيحٌ وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ، وَإِنْ كَتَبَ عَلَى الْهَوَاءِ أَوْ الْمَاءِ فَلَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً وَكَذَا لَا يَقَعُ بِالنِّيَّةِ وَقَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: مِنْ فَصْلِ الِاخْتِيَارِ قَالَ لِلْكَاتِبِ اُكْتُبْ إنِّي إذَا خَرَجْت مِنْ الْمِصْرِ بِلَا إذْنِهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَلَمْ تَتَّفِقْ الْكِتَابَةُ وَتَحَقُّقَ الشَّرْطِ وَقَعَ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِكِتَابَةِ الْإِقْرَارِ إقْرَارٌ كُتِبَ أَمْ لَا اهـ.
وَمِنْهُ كُونِي طَالِقًا أَوْ أَطْلِقِي كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: لِأَمَتِهِ كَوْنِي حُرَّةً تَعْتِقُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِنْهُ أَخْبَرَهَا بِطَلَاقِهَا بَشِّرْهَا بِطَلَاقِهَا احْمِلْ إلَيْهَا طَلَاقَهَا أَخْبِرْهَا أَنَّهَا طَالِقٌ قُلْ لَهَا إنَّهَا طَالِقٌ فَتَطْلُقُ لِلْحَالِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُصُولِ الْخَبَرِ إلَيْهَا وَلَا عَلَى قَوْلِ الْمَأْمُورِ ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ قُلْ لَهَا أَنْت طَالِقٌ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَقُلْ لَهَا الْمَأْمُورُ ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ اُكْتُبْ لَهَا طَلَاقَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ كَمَا لَوْ قَالَ احْمِلْ إلَيْهَا طَلَاقَهَا أَوْ اُكْتُبْ إلَى امْرَأَتِي أَنَّهَا طَالِقٌ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَيْسَ مِنْهُ نِسَاءُ الْعَالَمِ أَوْ الدُّنْيَا طَوَالِقُ فَلَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ بِخِلَافِ نِسَاءِ هَذِهِ الْبَلْدَةِ أَوْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ طَوَالِقُ، وَفِيهَا امْرَأَتُهُ طَلُقَتْ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ نِسَاءُ بَغْدَادَ طَوَالِقُ، وَفِيهَا امْرَأَتُهُ لَا تَطْلُقُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَطْلُقُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَجَزَمَ بِالْوُقُوعِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي نِسَاءِ الْمَحَلَّةِ، وَالدَّارِ، وَالْبَيْتِ وَجَعَلَ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي نِسَاءِ الْقَرْيَةِ وَمِنْهُ أَنْت طَالِقٌ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَوْ الْقُضَاةِ أَوْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ قَوْلِ فُلَانٍ الْقَاضِي أَوْ الْمُفْتِي فَتَطْلُقُ قَضَاءً وَلَا تَطْلُقُ دِيَانَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَمِنْهُ أَنْتِ مِنَى ثَلَاثًا.
وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَيْسَ مِنْهُ أَحْسِبُهَا مُطَلَّقَةً كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَيَّدَ بِخِطَابِهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ حَلَفْت بِالطَّلَاقِ وَلَمْ يُضِفْ إلَيْهَا لَا يَقَعُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
ــ
[منحة الخالق]
سَأَلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ مُفْتِي الرُّومِ عَمَّا صُورَتُهُ مَا قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي رَجُلٍ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا وَسَأَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَيْضًا عَمَّا صُورَتُهُ مَا قَوْلُكُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْكُمْ - فِي زَيْدٍ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا لَا أُشَغِّلُ عَمْرًا وَبَكْرًا عِنْدِي فَإِذَا أَشْغَلَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَهُ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ لَا فَأَجَابَ بِمَا صُورَتُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ طَلَاقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ أَوْ فَرْضٌ أَوْ ثَابِتٌ قِيلَ يَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً نَوَى أَوْ لَا، وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْوُقُوعِ وَلَوْ قَالَ طَلَاقٌ عَلَيَّ لَا وَلَوْ قَالَ عَلَيْك الطَّلَاقُ يَقَعُ إذَا نَوَى اهـ.
كَلَامُ الرَّمْلِيِّ لَكِنْ قَالَ فِي الْمِنَحِ: فِي دِيَارِنَا صَارَ الْعُرْفُ فَاشِيًّا فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي الطَّلَاقِ لَا يَعْرِفُونَ مِنْ صِيَغِ الطَّلَاقِ غَيْرَهُ فَيَجِبُ الْإِفْتَاءُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْحَرَامِ يَلْزَمُنِي وَعَلَيَّ الْحَرَامُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ لِلتَّعَارُفِ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ وَإِفْتَاءُ أَبِي السُّعُودِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ فِي دِيَارِهِمْ فِي الطَّلَاقِ أَصْلًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي قَوْلِ الْفُقَهَاءِ. . . إلَخْ) تَأَمَّلْ هَذَا مَعَ مَا مَرَّ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى قَوْلِ الْقُضَاةِ أَوْ الْفُقَهَاءِ إنْ نَوَى السُّنَّةَ يُدَيَّنُ وَيَقَعُ فِي الْحَالِ فِي الْقَضَاءِ أَيْ يَقَعُ ثَلَاثًا فِي الْحَالِ قَضَاءً، وَإِنْ نَوَى السُّنَّةَ فَفِي أَوْقَاتِهَا (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ أَنْتِ مِنِّي ثَلَاثًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ إذَا قَالَ لَهَا أَنْت مِنِّي ثَلَاثًا إنْ نَوَى الطَّلَاقَ طَلُقَتْ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ إذَا كَانَ الْحَالُ مُذَاكَرَةَ الطَّلَاقِ، وَإِذَا قَالَ لَهَا تُوسِهِ وَنَوَى الطَّلَاقَ قَالَ يَقَعُ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِخِطَابِهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ. . . إلَخْ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ لَا تُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ لِعَدَمِ الْخِطَابِ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْخِطَابِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ خُصُوصَ الْخِطَابِ لَيْسَ مُرَادًا بَلْ مَا هُوَ الْأَعَمُّ مِنْهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْإِضَافَةِ وَذَكَرَ الِاسْمَ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي اهـ.
وَهَذَا الْجَوَابُ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ لَكِنْ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا لِلْمُؤَلِّفِ مَا يَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ الطَّلَاقُ مِنْ قَوْلِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَمُحْتَاجٌ إلَيْهَا لَكِنَّ وُقُوعَهُ فِي الْقَضَاءِ بِلَا نِيَّةٍ إنَّمَا هُوَ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَهَا بِالْخِطَابِ. . . إلَخْ هَذَا، وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ رَجُلٌ دَعَتْهُ جَمَاعَةٌ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ فَقَالَ إنِّي حَلَفْت بِالطَّلَاقِ أَنِّي لَا أَشْرَبُ وَكَانَ كَاذِبًا فِيهِ ثُمَّ شَرِبَ طَلُقَتْ، وَقَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ لَا تَطْلُقُ دِيَانَةً اهـ.
أَيْ فَقَوْلُهُ: طَلُقَتْ أَيْ قَضَاءً وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ كَاذِبًا وَقَعَ قَضَاءً لَا دِيَانَةً وَظَاهِرٌ أَنَّ قَوْلَ الْبَزَّازِيَّةِ هُنَا لَا يَقَعُ أَيْ قَضَاءً فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِهَذَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ أَعْقَبَهَا بِعِبَارَةِ الْقُنْيَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُمَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى إنْشَاءِ الْحَلِفِ لَا عَلَى الْإِخْبَارِ وَمَا فِي الْقُنْيَةِ عَلَى الْإِخْبَارِ لِقَوْلِهِ وَكَانَ كَاذِبًا فِيهِ لَكِنْ بَعْدَ هَذَا يَرُدُّ عَلَى مَا فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ إنِّي حَلَفْت بِالطَّلَاقِ يَحْتَمِلُ الْحَلِفَ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ أُخْرَى إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرَهَا فَيَكُونُ إخْبَارًا عَنْ طَلَاقٍ مُضَافٍ إلَيْهَا وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ لَهُ غَيْرَهَا وَإِلَّا لَا يُصَدَّقُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَمْ يُسَمِّ وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ طَلُقَتْ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ قَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى وَإِيَّاهَا عَنَيْت لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ
مِنْ الْأَيْمَانِ وَعِبَارَتُهَا قَالَ لَهَا: لَا تَخْرُجِي مِنْ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي فَإِنِّي حَلَفْت بِالطَّلَاقِ فَخَرَجَتْ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ ذِكْرِ حَلِفِهِ بِطَلَاقِهَا وَيُحْتَمَلُ الْحَلِفُ بِطَلَاقِ غَيْرِهَا فَالْقَوْلُ لَهُ اهـ.
وَذِكْرُ اسْمِهَا أَوْ إضَافَتِهَا إلَيْهِ كَخِطَابِهِ كَمَا بَيَّنَّا فَلَوْ قَالَ طَالِقٌ فَقِيلَ لَهُ مَنْ عَنَيْت فَقَالَ امْرَأَتِي طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ وَلَوْ قَالَ امْرَأَةٌ طَالِقٌ أَوْ قَالَ طَلَّقْت امْرَأَةً ثَلَاثًا وَقَالَ لَمْ أَعْنِ بِهِ امْرَأَتِي يُصَدَّقُ، وَلَوْ قَالَ عَمْرَةُ طَالِقٌ، وَامْرَأَتُهُ عَمْرَةُ، وَقَالَ لَمْ أَعْنِ بِهِ امْرَأَتِي طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَكَذَا لَوْ قَالَ بِنْتُ فُلَانٍ طَالِقٌ ذَكَرَ اسْمَ الْأَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ الْمَرْأَةِ وَامْرَأَتُهُ بِنْتُ فُلَانٍ وَقَالَ لَمْ أَعْنِ امْرَأَتِي لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَتَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَنْسُبْهَا إلَى أَبِيهَا وَإِنَّمَا نَسَبَهَا إلَى أُمِّهَا أَوْ وَلَدِهَا تَطْلُقُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوْ نَسَبَهَا إلَى أُخْتِهَا.
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا رَجُلٌ قَالَ امْرَأَتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ صُبَيْحٍ طَالِقٌ وَامْرَأَتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ حَفْصٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ كَانَ صُبَيْحٌ زَوْجَ أُمِّ امْرَأَتِهِ وَكَانَتْ تُنْسَبُ إلَيْهِ وَهِيَ فِي حِجْرِهِ فَقَالَ ذَلِكَ وَهُوَ يَعْلَمُ نَسَبَ امْرَأَتِهِ أَوْ لَا يَعْلَمُ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَقَعُ إنْ كَانَ يَعْرِفُ نَسَبَهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ يَقَعُ دِيَانَةً، وَإِنْ نَوَى امْرَأَتَهُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ طَلُقَتْ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَلَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ الْحَبَشِيَّةُ طَالِقٌ وَامْرَأَتُهُ لَيْسَتْ بِحَبَشِيَّةٍ لَا يَقَعُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَةُ بَصِيرَةٌ فَقَالَ امْرَأَتُهُ هَذِهِ الْعَمْيَاءُ طَالِقٌ وَأَشَارَ إلَى الْبَصِيرَةِ تَطْلُقُ الْبَصِيرَةُ وَلَا تُعْتَبَرُ التَّسْمِيَةُ وَلَا الصِّفَةُ مَعَ الْإِشَارَةِ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَتْ النِّسْبَةُ وَغَيَّرَ اسْمَهَا بِغَيْرِهِ لَا يَقَعُ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّسْمِيَةِ مَتَى بَدَّلَ اسْمَهَا لِأَنَّ بِذَلِكَ الِاسْمِ تَكُونُ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً وَلَوْ بَدَّلَ اسْمَهَا وَأَشَارَ إلَيْهَا يَقَعُ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ قَالَ امْرَأَتِي بِنْتُ صُبَيْحٍ أَوْ بِنْتُ فُلَانٍ الَّتِي فِي وَجْهِهَا خَالٌ طَالِقٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا خَالٌ وَكَذَا الَّتِي هِيَ عَمْيَاءُ أَوْ زَمْنَى وَهِيَ بَصِيرَةٌ صَحِيحَةٌ طَالِقٌ طَلُقَتْ وَذِكْرُ الْعَمَى، وَالزَّمَنِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَرَفَ امْرَأَتَهُ بِالنِّسْبَةِ وَوَصَفَهَا بِصِفَةٍ فَصَحَّ التَّعْرِيفُ وَلَغَتْ الصِّفَةُ وَلَوْ قَالَ امْرَأَتِي عَمْرَةُ أُمُّ وَلَدِي هَذِهِ الْجَالِسَةُ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ، وَالْجَالِسَةُ غَيْرُهَا وَلَيْسَتْ بِامْرَأَتِهِ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ سَمَّاهَا وَأَشَارَ، وَالْعِبْرَةُ لِلْإِشَارَةِ لَا لِلتَّسْمِيَةِ اهـ.
وَمِنْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ أَنْت ثُمَّ أَنْت ثُمَّ أَنْت ثُمَّ أَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ الرَّابِعَةُ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ مَا أَوْصَلَ الْإِيقَاعَ إلَّا بِالرَّابِعَةِ لِأَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ تَقْطَعُ الْوَصْلَ اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالْوَاوِ وَقَعَ عَلَى الْكُلِّ لِأَنَّهَا لِلْوَصْلِ وَالْجَمْعِ، وَصَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّ الْوَاوَ كَذَلِكَ وَعِبَارَتُهَا وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً تَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَأَنْتِ يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَفِي الْفَتَاوَى وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ: وَأَنْتِ لِامْرَأَةٍ أُخْرَى يَقَعُ عَلَيْهَا وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَأَنْتُمَا لِلْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ يَقَعُ عَلَى الْأُولَى ثِنْتَانِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَوْ لَا بَلْ أَنْت يَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ ثَانِيًا أَنْتِ لِلْأُخْرَى لَا يَقَعُ بِدُونِ النِّيَّةِ فَأَمَّا وَأَنْتِ تَقَعُ وَاحِدَةً كَقَوْلِهِ هَذِهِ طَالِقٌ وَهَذِهِ يَقَعُ عَلَيْهَا وَلَوْ قَالَ هَذِهِ وَهَذِهِ طَالِقٌ طَلُقَتَا، وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ هَذِهِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ الْأُولَى إلَّا أَنْ يَقُولَ طَالِقَانِ، وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ طَالِقٌ هَذِهِ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْأُخْرَى بِدُونِ النِّيَّةِ وَلَوْ قَالَ لَهُنَّ أَنْت ثُمَّ أَنْت ثُمَّ أَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ وَكَذَا بِحَرْفِ الْوَاوِ وَلَوْ قَالَ طَوَالِقُ طُلِّقْنَ وَلَوْ قَدَّمَ الطَّلَاقَ طَلِّقْنَ وَلَوْ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ مَعَك لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ اهـ.
وَسَيَأْتِي مَا إذَا نَادَى امْرَأَتَهُ فَأَجَابَهُ غَيْرُهَا، وَفِي وَضْعٍ آخَرَ مِنْهَا لَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَمْ يُسَمِّ وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ طَلُقَتْ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى وَإِيَّاهَا عَنَيْت لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ وَلَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ كِلْتَاهُمَا مَعْرُوفَةٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الطَّلَاقَ إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْأَيْمَانِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ طَلُقَتْ وَاحِدَةٌ، وَالْبَيَانُ إلَيْهِ.
وَإِنْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا وَمَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى لِلطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ فَالْبَيَانُ إلَيْهِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِي: عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ امْرَأَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَقَالَ لِي امْرَأَةٌ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّسْمِيَةِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا بِالنِّسْبَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ
أُخْرَى، وَالدَّيْنُ لَهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَوْ قَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهَا عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَالطَّلَاقُ، وَالدَّيْنُ لِلْمَعْرُوفَةِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الصَّرْفِ إلَى غَيْرِهَا وَكَذَا لَوْ بَدَأَ بِالْمَالِ فَقَالَ لِامْرَأَتِي عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَهِيَ طَالِقٌ وَلَوْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِي عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى وَإِيَّاهَا عَنَيْت صُدِّقَ فِي الْمَالِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا فَقَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ امْرَأَتِي طَالِقٌ ثَانِيًا فَإِنْ قَالَ أَرَدْت وَاحِدَةً مِنْهُمَا لَا يُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ ثَانِيًا وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِهِمَا فَقَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ امْرَأَتِي طَالِقٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَيْنِ عَلَى إحْدَاهُمَا اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ فُلَانَةُ طَالِقٌ وَلَمْ يُسَمِّ بِاسْمِهَا إنْ نَوَى امْرَأَتَهُ يَقَعُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ فُلَانَةَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يَتَنَاوَلُ امْرَأَتَهُ، وَالْأَجْنَبِيَّةَ وَأَطْلَقَ اللَّامَ فِي طَالِقٍ فَشَمِلَ مَا إذَا فَتَحَهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ لِأَنَّهُ مِمَّا يَجْرِي عَلَى لِسَانِ النَّاسِ خُصُوصًا فِي الْغَضَبِ، وَالْخُصُومَةِ فَلَوْ كَانَ تُرْكِيًّا وَقَالَ أَرَدْت بِهِ الطِّحَالَ، وَفِي التُّرْكِيَّةِ: يُقَالُ لِلطِّحَالِ طَالِقٌ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ.
وَلَوْ حَذَفَ الْقَافَ مِنْ طَالِقٍ فَقَالَ أَنْت طَالَ فَإِنْ كَسَرَ اللَّامَ وَقَعَ بِلَا نِيَّةٍ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ، وَالْغَضَبِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالَ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِالنِّيَّةِ إلَّا فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْغَضَبِ وَلَوْ قَالَ يَا طَالِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ اهـ.
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ حَذَفَ اللَّامَ فَقَطْ فَقَالَ أَنْتِ طَاقَ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى وَلَوْ حَذَفَ اللَّامَ، وَالْقَافَ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَا وَسَكَتَ أَوْ أَخَذَ إنْسَانٌ فَمَه لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى لِأَنَّ الْعَادَةَ مَا جَرَتْ بِحَذْفِ حَرْفَيْنِ مِنْ آخِرِ الْكَلَامِ وَأَطْلَقَ فِي طَالِقٍ وَمُطَلَّقَةٌ فَشَمِلَ مَا إذَا سَمَّاهَا بِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِخِلَافِ مَا إذَا سَمَّاهُ حُرٌّ أَوْ نَادَاهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحُرَّ اسْمٌ صَالِحٌ فَصَحَّتْ التَّسْمِيَةُ بِهِ وَهُوَ اسْمٌ لِبَعْضِ النَّاسِ وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ، وَالطَّالِقُ فَلَيْسَ اسْمًا صَالِحًا فَلَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ كَذَا ذَكَرَ الْمَحْبُوبِيُّ فِي التَّلْقِيحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ وَاعْتَمَدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَرُوِيَ فِيهِ أَثَرًا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ أَنَا طَالِقٌ فَقَالَ الزَّوْجُ نَعَمْ كَانَتْ طَالِقًا إنْ نَوَى بِهِ طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا، وَإِنْ نَوَى بِهِ الْخَبَرَ عَمَّا مَضَى وَقَعَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَتْ لَهُ أَنَا طَالِقٌ فَقَالَ نَعَمْ طَلُقَتْ وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي فَقَالَ نَعَمْ لَا، وَإِنْ نَوَى اهـ.
وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ هَلْ: امْرَأَتُك إلَّا طَالِقٌ فَقَالَ الزَّوْجُ لَا: تَطْلُقُ وَلَوْ قَالَ نَعَمْ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ صَارَ قَائِلًا لَيْسَ امْرَأَتِي إلَّا طَالِقٌ، وَفِي الثَّانِي صَارَ قَائِلًا نَعَمْ امْرَأَتِي غَيْرُ طَالِقٍ اهـ.
وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قِيلَ لَهُ أَلَسْت طَلَّقْتهَا فَقَالَ بَلَى طَلَّقْت وَلَوْ قَالَ نَعَمْ لَا تَطْلُقُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ فَإِنَّ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُسَمِّ بِاسْمِهَا) أَيْ بِأَنْ ذَكَرَ لَفْظَ فُلَانَةَ الْمُكَنِّي بِهِ عَنْ الْعَلَمِ لَا الِاسْمِ الْعَلَمِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَذَفَ الْقَافَ مِنْ طَالِقٍ. . . إلَخْ) وَجْهُ الْوُقُوعِ بِأَنَّهُ تَرْخِيمٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ اخْتِيَارًا فِي النِّدَاءِ، وَفِي غَيْرِهِ اضْطِرَارًا فِي الشِّعْرِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: التَّرْخِيمُ لُغَةً يُقَالُ عَلَى مُطْلَقِ الْحَذْفِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْجَوْهَرِيِّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا اهـ.
فَتَأَمَّلْهُ قُلْت، وَفِي كِنَايَاتِ الْفَتْحِ، وَالْوَجْهُ إطْلَاقُ التَّوَقُّفِ عَلَى النِّيَّةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ بِلَا قَافٍ لَيْسَ صَرِيحًا بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَا التَّرْخِيمُ لُغَةً جَائِزٌ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ فَانْتَفَى لُغَةً وَعُرْفًا فَيُصَدَّقُ قَضَاءً مَعَ الْيَمِينِ هَذَا فِي حَالَةِ الرِّضَا وَعَدَمِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ أَمَّا فِي أَحَدِهِمَا فَيَقَعُ قَضَاءً أَسْكَنَهَا أَوْ لَا، وَفِيهِ أَيْضًا النَّظَرُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ بِلَا لَفْظٍ لَهُ وَلَا لِأَعَمَّ مِنْهُ لِيَكُونَ كِنَايَةً لَيْسَ بِمَجَازٍ فِيهِ وَهَذَا الْبَحْثُ يُوجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ أَصْلًا، وَإِنْ نَوَى وَمِثْلُ هَذَا الْبَحْثِ يَجْرِي فِي التَّطْلِيقِ بِالتَّهَجِّي كَأَنْتِ ط ل ق لِأَنَّهُ لَيْسَ طَلَاقًا وَلَا كِنَايَةً لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا يَحْتَمِلُ أَشْيَاءَ وَأَوْضَاعُ هَذِهِ الْمُسَمَّيَاتِ هِيَ حُرُوفٌ وَلِذَا لَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ تَهَجِّيًا لَا يَجِبُ السُّجُودُ لِأَنَّهُ لَيْسَ قُرْآنًا وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الصَّرِيحِ، وَالِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِكَوْنِ اللَّفْظِ دَالًّا عَلَيْهِ وَضْعًا أَوْ عُرْفًا وَحِينَئِذٍ يَقَعُ بِالتَّهَجِّي فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ ادَّعَى عَدَمَ النِّيَّةِ وَكَذَا بِطَالٍ بِلَا قَافٍ اهـ.
(قَوْلُهُ:، وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ سَمَّى امْرَأَتَهُ مُطَلَّقَةً قَالَ سَمَّيْتُك مُطَلَّقَةً لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا فِي الْقَضَاءِ، وَفِيهَا مِنْ الْعَتَاقِ رَجُلٌ أَشْهَدَ أَنَّ اسْمَ عَبْدِهِ حُرٌّ دَعَاهُ بِالْحُرِّ لَا يَعْتِقُ اهـ.
وَنَقَلَهُ عَنْهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَقَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَى آخِرِ عِبَارَتِهِ وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا فِي الْعِتْقِ لَوْ سَمَّاهَا طَالِقًا ثُمَّ نَادَاهَا بِهِ لَا تَطْلُقُ.
وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِزَوْجِهَا سَمِّنِي فَسَمَّاهَا الطَّيِّبَةَ، فَقَالَتْ مَا قُلْت شَيْئًا، فَقَالَ هَاتِ مَا أُسَمِّيك بِهِ فَقَالَتْ سَمِّنِي خَلِيَّةً طَالِقًا قَالَ فَأَنْتِ خَلِيَّةٌ طَالِقٌ فَجَاءَتْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَتْ إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَصَّ الْقِصَّةَ فَأَوْجَعَ عُمَرُ رَأْسَهَا، وَقَالَ خُذْ بِيَدِهَا وَأَوْجِعْ رَأْسَهَا اهـ.
وَذَكَرَ هَذَا الشَّارِحُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ هُنَا فِي كِتَابِ الْإِعْتَاقِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَهَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت.
أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يُفَرِّقُونَ بَلْ يَفْهَمُونَ مِنْهُمَا إيجَابَ الْمَنْفِيِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَتَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، وَإِنْ نَوَى الْأَكْثَرَ أَوْ الْإِبَانَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) بَيَانٌ لِأَحْكَامِ الصَّرِيحِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ وُقُوعُ الرَّجْعِيِّ بِهِ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْإِبَانَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] بَعْدَ صَرِيحِ طَلَاقِهِ الْمُفَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228] فَعُلِمَ أَنَّ الصَّرِيحَ يَسْتَعْقِبُهَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُعُولَةِ فِي الْآيَةِ الْمُطَلِّقُونَ صَرِيحًا حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى إثْبَاتِ كَوْنِ الْمُطَلِّقِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا بَعْلًا حَقِيقَةً وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] فَإِنَّهُ أَعْقَبَهُ الرَّجْعَةَ الَّتِي هِيَ الْمُرَادُ بِالْإِمْسَاكِ، وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ: لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ وَلَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَرَجْعِيَّةٌ وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَبَائِنٌ اهـ.
أَطْلَقَ وُقُوعَ الرَّجْعِيِّ بِهِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ عِنْدَ تَسْمِيَةِ مَالٍ أَوْ فِي مُقَابَلَةِ إبْرَاءٍ أَوْ عِنْدَ وَصْفِهِ بِمَا يُنْبِئُ عَنْ الشِّدَّةِ أَوْ عِنْدَ تَقَدُّمِ طَلَاقٍ بَائِنٍ لَيْسَ مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاحْتِرَازِ عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الصَّرِيحِ فَالْمُرَادُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَارِضِ، وَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْبَيْنُونَةُ لِلْعَارِضِ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاخْتَارَ الثَّانِي فِي الْبَدَائِعِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ فَقَالَ: الصَّرِيحُ نَوْعَانِ صَرِيحٌ رَجْعِيٌّ وَصَرِيحٌ بَائِنٌ فَالصَّرِيحُ الرَّجْعِيُّ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ حَقِيقَةً لَيْسَ مَقْرُونًا بِعِوَضٍ وَلَا بِعَدَدِ الثَّلَاثِ لَا نَصًّا وَلَا إشَارَةً وَلَا مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ تُنْبِئُ عَنْ الْبَيْنُونَةِ أَوْ تَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَلَا مُشَبَّهٍ بِعَدَدٍ أَوْ صِفَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا وَأَمَّا الصَّرِيحُ الْبَائِنُ فَبِخِلَافِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِحُرُوفِ الْإِبَانَةِ أَوْ بِحُرُوفِ الطَّلَاقِ لَكِنْ قَبْلَ الدُّخُولِ حَقِيقَةً أَوْ بَعْدَهُ لَكِنْ مَقْرُونًا بِعَدَدِ الثَّلَاثِ نَصًّا أَوْ إشَارَةً أَوْ مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ تُنْبِئُ عَنْ الْبَيْنُونَةِ أَوْ تَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ أَوْ مُشَبَّهًا بِعَدَدٍ أَوْ صِفَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا اهـ.
وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ حَدَّ الصَّرِيحِ يَشْمَلُ الْكُلَّ وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ نِيَّةِ الْإِبَانَةِ فَلِأَنَّهُ نَوَى تَغْيِيرَ الشَّرْعِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ الْبَيْنُونَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ مُؤَجَّلًا إلَى مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِذَا نَوَى إثْبَاتَهَا لِلْحَالِ مُعَجَّلًا فَقَدْ نَوَى تَغْيِيرَ الشَّرْعِ وَلَيْسَ لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فَبَطَلَتْ نِيَّتُهُ الثَّانِي وُقُوعُ الْوَاحِدَةِ بِهِ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْأَكْثَرِ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: يَقَعُ مَا نَوَى وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ لَفْظِهِ لِأَنَّ ذِكْرَ الطَّلَاقِ ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ الْمَصْدَرِ لِأَنَّ الْوَصْفَ كَالْفِعْلِ جُزْءٌ مَفْهُومُهُ الْمَصْدَرُ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ اتِّفَاقًا وَلِذَا صَحَّ قِرَانُ الْعَدَدِ بِهِ تَفْسِيرًا حَتَّى يُنْصَبَ عَلَى التَّمْيِيزِ وَحَاصِلُ التَّمْيِيزِ لَيْسَ إلَّا تَعْيِينُ أَحَدِ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ وَلِذَا صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ وَهُوَ كِنَايَةٌ فَفِي الصَّرِيحِ الْأَقْوَى أَوْلَى وَلَنَا أَنَّ الشَّارِعَ نَقَلَهُ مِنْ الْإِخْبَارِ إلَى إنْشَاءِ الْوَاحِدَةِ إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ أَنْتِ طَالِقٌ قَطُّ لَازِمُ الْإِخْبَارِ وَهُوَ احْتِمَالُ الصِّدْقِ، وَالْكَذِبِ فَجَعَلَهُ مُوقَعًا بِهِ مَا شَاءَ اسْتِعْمَالًا فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ وَمُلَاحَظَةَ مَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْمَصْدَرِ إنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَنْ إرَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ وَنَقْلُهُ إلَى الْإِنْشَاءِ يُبَايِنُهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ اللَّفْظَ عِلَّةً لِدُخُولِ الْمَعْنَى الْخَاصِّ فِي الْوُجُودِ الْمُخَالِفِ لِمُقْتَضَاهُ لُغَةً عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ هُوَ الِانْطِلَاقُ الَّذِي هُوَ وَصْفُهَا وَذَلِكَ لَا يَتَعَدَّدُ أَصْلًا وَبِهَذَا يَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ إرَادَةِ الثَّلَاثِ فِي مُطَلَّقَةٍ وَطَلَّقْتُك لِأَنَّهُ صَارَ إنْشَاءً فِي الْوَاحِدَةِ غَيْرَ مُلَاحَظٍ فِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ وَعَلَى هَذَا فَالْعَدَدُ نَحْوُ ثَلَاثًا لَا يَكُونُ صِفَةً لِمَصْدَرِ الْوَصْفِ بَلْ لِمَصْدَرِ غَيْرِهِ أَيْ طَلَاقًا أَيْ تَطْلِيقًا ثَلَاثًا كَمَا يُنْصَبُ فِي الْفِعْلِ مَصْدَرُ غَيْرِهِ مِثْلُ:{أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح: 17] أَوْ يُضْمَرُ لَهُ فِعْلٌ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ بِخِلَافِ طَلَّقْتهَا وَطَلِّقِي نَفْسَك.
لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمُحْتَمِلَ لِلْكُلِّ مَذْكُورٌ لُغَةً فَصَحَّ إرَادَتُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهِ إلَى إيقَاعِ وَاحِدَةٍ، وَفِيهِ أَبْحَاثٌ مَذْكُورَةٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنَّمَا صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي الْكِنَايَاتِ لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ بِحَقَائِقِهَا وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ يَثْبُتُ الْأَخَفُّ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ قَيَّدَ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ جَعَلْت تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ بَائِنَةً أَوْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فَبَائِنٌ) سَيَأْتِي لِلْمُؤَلِّفِ تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ قُبَيْلَ فَصْلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنْهُ) خَبَرُ إنَّ، وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الصَّرِيحِ (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَارِضِ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ مَا ذَكَرَ مِنْ الصَّرِيحِ فَالْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ الْوَاقِعِ بِهِ الرَّجْعِيَّةُ مَا لَمْ يَعْرِضْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ تَسْمِيَةِ مَالٍ وَنَحْوِهِ
جَعَلْتهَا ثَلَاثًا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَصِيرُ بَائِنًا وَثَلَاثًا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا تَصِيرُ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ جَعْلُهَا بَائِنًا وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهَا ثَلَاثًا وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ بَعْدَ الْعِدَّةِ أَلْزَمْت امْرَأَتِي ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ أَوْ قَالَ أَلْزَمْتهَا تَطْلِيقَتَيْنِ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ فَهُوَ عَلَى مَا قَالَ إنْ أَلْزَمَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ قَالَ أَلْزَمَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ فَهِيَ ثِنْتَانِ وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ قَالَ جَعَلْت تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ بَائِنَةً لَا تَصِيرُ بَائِنَةً لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ الرَّجْعَةِ وَلَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ إذَا طَلَّقْتُك وَاحِدَةً فَهِيَ بَائِنٌ أَوْ هِيَ ثَلَاثٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَلَا يَكُونُ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا لِأَنَّهُ قَدَّمَ الْقَوْلَ قَبْلَ نُزُولِ الطَّلَاقِ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ جَعَلْت هَذِهِ التَّطْلِيقَةَ بَائِنًا أَوْ قَالَ جَعَلْتهَا ثَلَاثًا قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ لَا تَلْزَمُهُ هَذِهِ الْمَقَالَةُ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي التَّتِمَّةِ: لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ جَعَلْتهَا بَائِنَةً رَأْسَ الشَّهْرِ قَالَ إنْ لَمْ يُرَاجِعْهَا فَهِيَ بَائِنٌ، وَإِنْ رَاجَعَهَا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بَائِنًا وَلَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيَّةً ثُمَّ قَالَ جَعَلْتهَا ثَلَاثًا رَأْسَ الشَّهْرِ ثُمَّ رَاجَعَهَا قَالَ تَكُونُ رَأْسَ الشَّهْرِ ثَلَاثًا قَالَ وَلَيْسَ يُشْبِهُ قَوْلُهُ: جَعَلْتهَا بَائِنًا قَوْلَهُ جَعَلْتهَا ثَلَاثًا اهـ.
أَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ الرَّجْعِيَّةَ تَصِيرُ بَائِنَةً بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَمَّا الْوَاحِدَةُ فَلَا تَصِيرُ ثَلَاثًا وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ فَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ إيقَاعَهَا بَائِنَةً مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَمْلِكُ إلْحَاقَهَا بِالْبَائِنَةِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْإِبَانَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا كَانَ يَمْلِكُهَا فِي الِابْتِدَاءِ وَمَعْنَى جَعْلِ الْوَاحِدَةِ ثَلَاثًا أَنَّهُ أَلْحَقَ بِهَا تَطْلِيقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ لَا أَنَّهُ جَعَلَ الْوَاحِدَةَ ثَلَاثًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَقَعَتْ بَائِنَةً إلَّا إذَا نَوَى تَطْلِيقَةً أُخْرَى سِوَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَهُمَا بَائِنَتَانِ اهـ.
الثَّالِثُ عَدَمُ تَوَقُّفِهِ عَلَى النِّيَّةِ وَنَقَلَ فِيهِ إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ وَلِأَنَّ احْتِمَالَ إرَادَةِ الطَّلَاقِ عَنْ غَيْرِ قَيْدِ النِّكَاحِ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ عِنْدَ خِطَابِ الْمَرْأَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فَصَارَ اللَّفْظُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْنَى، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما حَيْثُ أَمَرَهُ بِالْمُرَاجَعَةِ وَلَمْ يَسْأَلْهُ أَنَوَى أَمْ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ كَالْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى غَيْرَهُ صُدِّقَ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ قَوْلُنَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَصْلًا يَقَعُ لَا أَنَّهُ يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى شَيْئًا آخَرَ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وِثَاقٍ صُدِّقَ إلَى آخِرِهِ اهـ.
وَحَاصِلُ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ الْوِثَاقُ، وَالْقَيْدُ، وَالْعَمَلُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يُذْكَرَ أَوْ يُنْوَى فَإِنْ ذُكِرَ فَإِمَّا أَنْ يُقْرَنَ بِالْعَدَدِ أَوْ لَا فَإِنْ قُرِنَ بِالْعَدَدِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَا نِيَّةٍ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا مِنْ هَذَا الْقَيْدِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ لَمْ يَقْرِنْ بِالْعَدَدِ وَقَعَ فِي ذِكْرِ الْعَمَلِ قَضَاءً لَا دِيَانَةً نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ ذِرَاعِي لَا أَفْعَلُ كَذَا كَمَا يَحْلِفُ بِهِ بَعْضُ الْعَوَامّ أَنَّهُ يَقَعُ قَضَاءً بِالْأُولَى، وَفِي لَفْظَيْ الْوِثَاقِ، وَالْقَيْدِ لَا يَقَعُ أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا نَوَاهَا لَا يُدَيَّنُ فِي لَفْظِ الْعَمَلِ أَصْلًا وَيُدَيَّنُ فِي الْوِثَاقِ، وَالْقَيْدِ وَيَقَعُ قَضَاءً إلَّا أَنْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: أَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا بَيَانٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَصِيرُ بَائِنًا وَثَلَاثًا (قَوْلُهُ: وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ. . . إلَخْ) يَعْنِي إنَّمَا قَالَ: وَإِنْ نَوَى الْأَكْثَرَ أَوْ الْإِبَانَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَعَدَلَ عَنْ أَنْ يَقُولَ بَدَلَهُ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ مَعَ أَنَّهُ أَخْصَرُ لِاقْتِضَائِهِ وُقُوعَ الرَّجْعِيَّةِ فِيمَا لَوْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وِثَاقٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ ذِرَاعِي. . . إلَخْ) .
قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَدُلُّ لَا بِالْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا بِالْمُسَاوَاةِ لِأَنَّ فَرْعَ الْبَزَّازِيِّ مَصْدَرٌ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ مُعَيِّنٌ لَهَا بِخِلَافِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ وَلِذَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ كَمَا أَفْتَى بِهِ أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيُّ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ كَمَا يَأْتِي، وَالْقَائِلُ بِوُقُوعِهِ اعْتَمَدَ عَلَى تَعَارُفِ أَهْلِ دِيَارِهِ بِهِ عَلَى أَنَّ فِيهِ نَظَرًا ظَاهِرًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَالْحَالِفُ بِهِ أَيْ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ ذِرَاعِي لَا يُرِيدُ الزَّوْجَةَ قَطْعًا إذْ عَادَةُ الْعَوَامّ الْإِعْرَاضُ بِهِ عَنْهَا خَشْيَةِ الْوُقُوعِ فَيَقُولُونَ تَارَةً عَلَيَّ الطَّلَاقُ مِنْ ذِرَاعِي وَتَارَةً مِنْ كشتواني وَتَارَةً مِنْ مُرُوءَتِي وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِأَنَّ النِّسَاءَ لَا خَيْرَ فِيهِنَّ.
وَالْوُقُوعُ بِهِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ فَهُوَ لَغْوٌ، وَإِنْ نَوَى مُعَلِّلِينَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ بِالنِّكَاحِ، وَالْقَيْدِ فَمَحَلُّ الطَّلَاقِ بِمَحَلِّهِمَا وَهِيَ مَحَلُّهُمَا دُونَ الرَّجُلِ فَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ وَإِلَى مَا نَصُّوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَضَافَهُ إلَى مَضْمُونِهَا مِمَّا لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوعِ فَكَيْفَ يَقَعُ بِالْإِضَافَةِ إلَى ذِرَاعِهِ أَوْ خَاتَمِهِ أَوْ مُرُوءَتِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ اسْتَنَدَ إلَى مَا كَتَبْنَاهُ عَنْهُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ يَلْزَمُنِي وَعَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَزِيدَ وَيَقُولَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا مِنْ ذِرَاعِي
يَكُونَ مُكْرَهًا، وَالْمَرْأَةُ كَالْقَاضِي إذَا سَمِعَتْهُ أَوْ أَخْبَرَهَا عَدْلٌ لَا يَحِلُّ لَهَا تَمْكِينُهُ هَكَذَا اقْتَصَرَ الشَّارِحُونَ وَذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ الْأُوزْجَنْدِيُّ أَنَّهَا تَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ يُحَلِّفُهُ فَإِنْ حَلَفَ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ اهـ. وَلَا فَرْقَ فِي الْبَائِنِ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ، وَالثَّلَاثِ اهـ.
وَهَلْ لَهَا أَنْ تَقْتُلَهُ إذَا أَرَادَ جِمَاعَهَا بَعْدَ عِلْمِهَا بِالْبَيْنُونَةِ فِيهِ قَوْلَانِ، وَالْفَتْوَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَقْتُلَهُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِقَتْلِهِ تَقْتُلُهُ بِالدَّوَاءِ فَإِنْ قَتَلَتْهُ بِالسِّلَاحِ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهَا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَقْتُلَ نَفْسَهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَفْدِيَ نَفْسَهَا بِمَالٍ أَوْ تَهْرُبَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهَا إذَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهَا بِسَبَبِ أَنَّهُ كُلَّمَا هَرَبَ رَدَّتْهُ بِالسِّحْرِ الْكُلُّ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ مَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ أَنَّهُ هَلْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ فِي غَيْبَتِهِ إذَا عَلِمَتْ بِالْبَيْنُونَةِ وَهُوَ يُنْكِرُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالْوَثَاقُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا الْقَيْدُ وَجَمْعُهُ وُثُقٌ كَرِبَاطٍ وَرُبُطٌ وَأَفَادَ بِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى النِّيَّةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَعْنَاهُ فَلَوْ لَقَّنَتْهُ لَفْظَ الطَّلَاقِ فَتَلَفَّظَ بِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَعْنَاهُ وَقَعَ قَضَاءً لَا دِيَانَةً وَقَالَ مَشَايِخُ أُوزْجَنْدَ لَا يَقَعُ أَصْلًا صِيَانَةً لِأَمْلَاكِ النَّاسِ عَنْ الضَّيَاعِ بِالتَّلْبِيسِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالْعَتَاقُ، وَالتَّدْبِيرُ.
وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الْمَهْرِ كَالطَّلَاقِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَالطَّلَاقُ وَمَا مَعَهُ يُقَاسُ عَلَى النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَالْإِبْرَاءِ لَا يَصِحَّانِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَعْنَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَفَادَ أَنَّ طَلَاقَ الْهَازِلِ، وَاللَّاعِبِ، وَالْمُخْطِئِ وَاقِعٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَقَعُ عَلَى الْمُخْطِئِ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ طَلَاقَ الْمُخْطِئِ وَاقِعٌ أَيْ فِي الْقَضَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يُدَيَّنُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَتَاقِ، وَالطَّلَاقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمَنْذُورَ يَلْزَمُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْكُفْرُ
ــ
[منحة الخالق]
فَلِلْقَوْلِ بِوُقُوعِهِ وَجْهٌ لِأَنَّ ذِكْرَ الثَّلَاثِ يُعَيِّنُهُ فَتَأَمَّلْ وَارْجِعْ إلَى مَا عَلَّلُوا بِهِ يَظْهَرْ لَك ذَلِكَ، وَالْعِلَّةُ الَّتِي فِي عَلَيَّ الطَّلَاقُ تَقْتَضِي عَدَمَ الْوُقُوعِ تَأَمَّلْ وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ نَحْوَ هَذَا عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ إضَافَتَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ وَمَا نَظِيرُهُ إلَّا إذَا قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ أَنْتِ كَذَا قَالَ وَهُوَ وَجِيهٌ قُلْت إنْ كَانَ الْعُرْفُ كَمَا قَالَ الرَّمْلِيُّ مِنْ عَدَمِ قَصْدِ الزَّوْجَةِ فَيُحْتَمَلُ مَا قَالَهُ لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّرِيحِ وَمَعْنَى عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَيَّ وَاقِعٌ أَوْ لَازِمٌ أَوْ ثَابِتٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُنَاسِبُ وَلَيْسَ فِيهِ خِطَابُ امْرَأَتِهِ وَلَا إضَافَتُهُ إلَيْهَا فَهُوَ مِثْلُ مَا مَرَّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي فَإِنِّي حَلَفْت بِالطَّلَاقِ فَخَرَجَتْ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ ذِكْرِ حَلِفِهِ بِطَلَاقِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ ذَلِكَ فَالْأَظْهَرُ الْوُقُوعُ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ إنْ فَعَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ كَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ فَقَوْلُهُ: بَعْدَهُ مِنْ ذِرَاعِي مِثْلُ قَوْلِهِ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لَا يُدَيَّنُ فِي لَفْظِ الْعَمَلِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَهِيَ لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً بِالْعَمَلِ فَلَا يَكُونُ مُحْتَمَلَ اللَّفْظِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُدَيَّنُ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّخَلُّصِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ مُتَخَلِّصَةٌ عَنْ الْعَمَلِ وَعَلَّلَ وُقُوعَهُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ ذَكَرَ الْعَدَدَ بِأَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّهُ طَلَّقَ ثُمَّ وَصَلَ لَفْظَ الْعَمَلِ اسْتِدْرَاكًا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَلَ لَفْظَ الْوِثَاقِ حَيْثُ يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ قَلِيلًا (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَشَايِخُ أُوزْجَنْدَ لَا يَقَعُ أَصْلًا) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ مَحْمُودٍ الْأُوزْجَنْدِيِّ عَمَّنْ لَقَّنَتْهُ امْرَأَتُهُ طَلَاقًا فَطَلَّقَهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ قَالَ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِأُوزَجَنْدَ فَشَاوَرْت أَصْحَابِي فِي ذَلِكَ وَاتَّفَقَتْ آرَاؤُنَا أَنَّهُ لَا يُفْتِي بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ صِيَانَةً لِأَمْلَاكِ النَّاسِ عَنْ الْإِبْطَالِ بِنَوْعِ تَلْبِيسٍ وَلَوْ لَقَّنَهَا أَنْ تَخْلَعَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَهْرِهَا وَنَفَقَةِ عِدَّتِهَا وَاخْتَلَعَتْ وَخَالَعَهَا مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ صَحَّ لَكِنْ مَا لَمْ يَقْبَلْ الزَّوْجُ لَا يَصِحُّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَصِحُّ وَبِهِ يُفْتَى اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَقَّنَتْهُ الطَّلَاقَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ الْعَتَاقَ أَوْ التَّدْبِيرَ أَوْ لَقَّنَهَا الزَّوْجُ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ بِالْعَرَبِيِّ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لَا يَقَعُ دِيَانَةً.
وَقَالَ مَشَايِخُ أُوزْجَنْدَ لَا يَقَعُ أَصْلًا صِيَانَةً لِأَمْلَاكِ النَّاسِ عَنْ الْإِبْطَالِ بِالتَّلْبِيسِ وَكَمَا إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِالْعَرَبِيِّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ وَبَعْضٌ فَرَّقُوا بَيْنَ الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْخُلْعِ، وَالْهِبَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لِلرِّضَا أَثَرًا فِي وُجُودِ الْبَيْعِ لَا الطَّلَاقِ، وَالْهِبَةِ تَمَامُهَا بِالْقَبْضِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَكَذَا لَوْ لُقِّنَتْ الْخُلْعَ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ قِيلَ يَصِحُّ الْخُلْعُ بِقَبُولِهَا، وَالْمُخْتَارُ مَا ذَكَرْنَا وَكَذَا لَوْ لَقَّنَ الْمَدْيُونُ الدَّائِنَ الْإِبْرَاءَ عَنْ الدَّيْنِ بِلِسَانٍ لَا يَعْرِفُهُ الدَّائِنُ لَا يُبَرَّأُ فِيمَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى نَصَّ عَلَيْهِ فِي هِبَةِ النَّوَازِلِ اهـ.
(قَوْلُهُ: يُقَاسُ عَلَى النِّكَاحِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الَّذِي ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي قِيَاسَ النِّكَاحِ عَلَى الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ لَا قِيَاسَهُمَا عَلَيْهِ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا وَإِذَا عُرِفَ الْجَوَابُ فِي الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي النِّكَاحِ كَذَلِكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: فَلَا يَقَعُ عَلَى الْمُخْطِئِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ طَلَاقَ الْهَازِلِ، وَاللَّاعِبِ وَاقِعٌ دِيَانَةً أَيْضًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَتَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ مُكْرَهًا وَمَرَّ مَا فِيهَا مِنْ الْمُخَالَفَةِ أَيْضًا بَيْنَ الْخَانِيَّةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ
مُخْطِئًا لَا يَكْفُرُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا وَكَذَا إذَا تَلَفَّظَ بِهِ غَيْرُ عَالِمٍ بِمَعْنَاهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ قَضَاءً فَقَطْ بِدَلِيلِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اقْرَأْ عَلَيَّ اعْتَدِّي أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَفَعَلَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي الْقَضَاءِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ وَلَمْ يَنْوِ بِخِلَافِ الْهَازِلِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ مُكَابِرٌ بِاللَّفْظِ فَيَسْتَحِقُّ التَّغْلِيظَ وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ لَهُ امْرَأَتَانِ زَيْنَبُ وَعَمْرَةُ فَقَالَ يَا زَيْنَبُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ فَقَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلُقَتْ الْمُجِيبَةُ فَلَوْ قَالَ نَوَيْت زَيْنَبَ طَلُقَتْ هَذِهِ بِالْإِشَارَةِ وَتِلْكَ بِالِاعْتِرَافِ اهـ.
مَحْمُولٌ عَلَى الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَلَا يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِمَا فِي الْحَاوِي مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ أَسَدًا سُئِلَ عَمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ زَيْنَبُ طَالِقٌ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَمْرَةُ عَلَى أَيِّهِمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فَقَالَ فِي الْقَضَاءِ تَطْلُقُ الَّتِي سَمَّى، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَمَّا الَّتِي سَمَّى فُلَانَةُ لَمْ يُرِدْهَا وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّهَا لَوْ طَلُقَتْ طَلُقَتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا مَا رَوَى عَنْهُمَا نُصَيْرٌ مِنْ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الطَّلَاقُ يَقَعُ دِيَانَةً وَقَضَاءً فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَمُحْتَاجٌ إلَيْهَا لَكِنَّ وُقُوعَهُ فِي الْقَضَاءِ بِلَا نِيَّةٍ إنَّمَا هُوَ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَهَا بِالْخِطَابِ بِدَلِيلِ مَا قَالُوا لَوْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَةِ زَوْجَتِهِ وَيَقُولُ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا يَنْوِي لَا تَطْلُقُ، وَفِي مُتَعَلِّمٍ يَكْتُبُ نَاقِلًا مِنْ كِتَابِ رَجُلٍ قَالَ ثُمَّ يَقِفُ وَيَكْتُبُ: امْرَأَتِي طَالِقٌ وَكُلَّمَا كَتَبَ قَرَنَ الْكِتَابَةَ بِاللَّفْظِ بِقَصْدِ الْحِكَايَةِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَمَا فِي الْقُنْيَةِ: امْرَأَةٌ كَتَبَتْ أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: اقْرَأْ عَلَيَّ فَقَرَأَ لَا تَطْلُقُ اهـ.
وَأَمَّا مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ بِالْخِطَابِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَالِمًا بِمَعْنَاهُ أَوْ النِّسْبَةِ إلَى الْغَائِبَةِ كَمَا يُفِيدُهُ فُرُوعٌ وَذِكْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ شَرْطًا لِلْوُقُوعِ قَضَاءً وَدِيَانَةً فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْوُقُوعِ قَضَاءً فِيمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِلْوُقُوعِ دِيَانَةً لَا قَضَاءً فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْوُقُوعَ قَضَاءً فِيمَا لَوْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ بِحَضْرَتِهَا، وَفِي الْمُتَعَلِّمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْحَقُّ مَا اقْتَصَرْنَا عَلَيْهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ ظَنَّ أَنَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى امْرَأَتِهِ بِإِفْتَاءِ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْفَتْوَى وَكَلَّفَ الْحَاكِمُ كَتْبَهَا فِي الصَّكِّ فَكُتِبَتْ ثُمَّ اسْتَفْتَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْفَتْوَى فَأَفْتَى بِأَنَّهَا لَا تَقَعُ، وَالتَّطْلِيقَاتُ مَكْتُوبَةٌ فِي الصَّكِّ بِالظَّنِّ فَلَهُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي الْحُكْمِ اهـ.
وَهَذَا مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ كَاذِبًا وَقَدَّمْنَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَلَا يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. . . إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ وُقُوعُهُ عَلَى الْمُجِيبَةِ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ وَعَلَى زَيْنَبَ قَضَاءً فَقَطْ كَمَا هُوَ مُفَادُ تَعْلِيلِ الْأَصْلِ وَأَمَّا مَا فِي الْحَاوِي فَلَيْسَ فِيهِ إشَارَةٌ وَمُخَاطَبَةٌ بَلْ مُجَرَّدُ التَّسْمِيَةِ بِلَا قَصْدٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ) هَذَا خَاصٌّ بِالْمُخْطِئِ أَمَّا الْهَازِلُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا مُطْلَقًا وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا تَبِعَ فِيهِ مَا حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مَا حَقَّقَهُ أَيْضًا فِي التَّحْرِيرِ فَقَالَ ثُمَّ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الصَّرِيحِ بِلَا نِيَّةِ جَرَيَانُهُ عَلَى لِسَانِهِ غَلَطًا فِي نَحْوِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَاسْقِنِي أَمَّا قَصْدُ الصَّرِيحِ مَعَ صَرْفِهِ بِالنِّيَّةِ إلَى مُحْتَمَلِهِ فَلَهُ ذَلِكَ دِيَانَةً كَقَصْدِ الطَّلَاقِ مِنْ وِثَاقٍ فَهِيَ زَوْجَتُهُ دِيَانَةً وَمُقْتَضَى النَّظَرِ ثُبُوتُ حُكْمِهِ بِلَا نِيَّةٍ فِي الْكُلِّ أَيْ الْغَلَطِ وَمَا قَصَدَ صَرْفَهُ بِالنِّيَّةِ إلَى مُحْتَمَلِهِ قَضَاءً فَقَطْ وَإِلَّا أَشْكَلَ بِعْت وَاشْتَرَيْت إذْ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُمَا فِي الْوَاقِعِ مَعَ الْهَزْلِ مَعَ أَنَّهُمَا صَرِيحٌ وَإِنَّمَا ثَبَتَ حُكْمُهُ مُطْلَقًا فِي الْهَزْلِ فِي نَحْوِ الطَّلَاقِ، وَالنِّكَاحِ لِخُصُوصِيَّةِ دَلِيلٍ وَهُوَ حَدِيثُ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ» وَهَذَا الدَّلِيلُ لَا يَنْفِي مَا قُلْنَا لِأَنَّ الْهَازِلَ رَاضٍ بِالسَّبَبِ لَا بِالْحُكْمِ، وَالْغَالِطُ غَيْرُ رَاضٍ بِهِمَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّ الثَّانِي اهـ.
مُوَضَّحًا مِنْ شَرْحِهِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ مَا قَالُوا. . . إلَخْ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُسْتَدِلًّا بِهِ عَدِمَ الْفَسَادُ بِهِ فِي الدِّيَانَةِ دُونَ الْقَضَاءِ وَكَذَا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْقُنْيَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ سَابِقًا عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ قَوْلِهِ قَالَتْ لِزَوْجِهَا اقْرَأْ عَلَيَّ. . . إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ شَرْطًا. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: هَذَا وَهْمٌ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلْوُقُوعِ قَضَاءً وَدِيَانَةً فَخَرَجَ مَا لَا يَقَعُ بِهِ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً كَمَنْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ وَمَا يَقَعُ بِهِ قَضَاءً فَقَطْ كَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِيهِ دِيَانَةً كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ يُشِيرُ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْوُقُوعِ قَضَاءً فَقَطْ قَوْلُهُ: فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا لَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يُدَيَّنُ اهـ.
يَعْنِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَبِهَذَا يَبْطُلُ قَوْلُهُ: فِي الْبَحْرِ إنَّ الْوُقُوعَ فِي الْقَضَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَ خِطَابَهَا لِظُهُورِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِنِي فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَقْصِدْ خِطَابَهَا نَعَمْ الْهَازِلُ يَقَعُ عَلَيْهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ مُكَابِرٌ فَاسْتَحَقَّ التَّغْلِيظَ اهـ.
قُلْت وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا لَوْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ بَلْ كَثِيرٌ مِنْ أَمْثَالِهِ مِمَّا مَرَّ مَعَ أَنَّهُ لَا خِطَابَ فِيهَا أَصْلًا لَا بِأَصْلِ اللَّفْظِ وَلَا بِالطَّلَاقِ.
أَنَّهُ يَقَعُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لَهَا مَا بَقِيَ لَك سِوَى طَلَاقٍ وَاحِدٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدًا لَا يُمْكِنُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ لَهَا بَقِيَ لَك طَلَاقٌ وَاحِدٌ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْوَاحِدِ لَا يَدُلُّ لَهُ عَلَى نَفْيِ بَقَاءِ الْآخَرِ لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى الْعَدَدِ لَا يَنْفِي الزَّائِدَ كَمَا فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَلَا يَقَعُ إلَّا مَا كَانَ أَوْقَعَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ أَنْت الطَّلَاقُ أَوْ أَنْت طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ أَنْت طَالِقٌ طَلَاقًا يَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً بِلَا نِيَّةٍ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ) بَيَانٌ لِمَا إذَا كَانَ الْخَبَرُ عَنْهَا الْمَصْدَرَ مُعَرَّفًا كَانَ أَوْ مُنَكَّرًا أَوْ اسْمَ الْفَاعِلِ وَذَكَرَ بَعْدَهُ الْمَصْدَرَ مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا أَمَّا الْوُقُوعُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ أَعْنِي الْمَصْدَرَ فَلِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ اسْمُ الْفَاعِلِ يُقَالُ رَجُلٌ عَدْلٌ أَيْ عَادِلٌ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ اسْمُ الْفَاعِلِ يَلْزَمُهُ عَدَمُ صِحَّةِ نِيَّةِ الثَّلَاثِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ حَيْثُ اُسْتُعْمِلَ كَانَ إرَادَةُ طَالِقٍ بِهِ هُوَ الْغَالِبُ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِي طَالِقٍ الصَّرِيحِ فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ طَالِقٍ وَلِذَا كَانَ عِنْدَنَا مِنْ الصَّرِيحِ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ.
لِكَوْنِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ذَاتُ طَلَاقٍ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَصِحُّ إرَادَةُ الثَّلَاثِ قَلَّمَا كَانَ مُحْتَمَلًا تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ بِخِلَافِ نِيَّةِ الثِّنْتَيْنِ بِالْمَصْدَرِ لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ لَمْ تَصِحَّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَثَّرَهُ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا فَرْدٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَأَمَّا الثِّنْتَانِ فِي الْحُرَّةِ فَعَدَدٌ مَحْضٌ وَأَلْفَاظُ الْوُحْدَانِ لَا تَحْتَمِلُ الْعَدَدَ الْمَحْضَ بَلْ يُرَاعَى فِيهَا التَّوْحِيدُ وَهُوَ بِالْفَرْدِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَالْجِنْسِيَّةُ الَّتِي هِيَ فَرْدٌ اعْتِبَارِيٌّ، وَالْمُثَنَّى بِمَعْزِلٍ عَنْهُمَا فَلَوْ كَانَ طَلَّقَ الْحُرَّةَ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْت الطَّلَاقُ نَاوِيًا اثْنَتَيْنِ فَهَلْ تَقَعُ الثِّنْتَانِ لِأَنَّهُ كُلُّ مَا بَقِيَ قُلْت لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لِحُرَّةٍ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَنْت بَائِنٌ وَنَوَى ثِنْتَيْنِ تَقَعُ وَاحِدَةً اهـ.
وَعَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ الْبَاقِيَ لَيْسَ كُلَّ جِنْسِ طَلَاقِهَا وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ إذَا نَوَى ثِنْتَيْنِ بِالْمَصْدَرِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَأَمَّا مَا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْحُرَّةِ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ إذَا نَوَاهُمَا يَعْنِي مَعَ الْأُولَى فَسَهْوٌ ظَاهِرٌ وَفَرَّقَ الطَّحَاوِيُّ بَيْنَ الْمَصْدَرِ الْمُنَكَّرِ حَيْثُ لَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ وَبَيْنَ الْمُعَرَّفِ حَيْثُ يَصِحُّ لَا أَصْلَ لَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَأَمَّا وُقُوعُهُ بِأَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ طَلَاقًا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا صِحَّةُ نِيَّةِ الثَّلَاثِ فَبِالْمَصْدَرِ مَعَ أَنَّ الْمُنْتَصِبَ هُوَ مَصْدَرُ طَالِقٍ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ بِمَعْنَى التَّطْلِيقِ كَالسَّلَامِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ فَهُوَ مَصْدَرٌ لِمَحْذُوفٍ كَذَا قَالُوا وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِإِلْغَاءِ طَالِقٍ مَعَ الْمَصْدَرِ كَإِلْغَائِهِ مَعَ الْعَدَدِ وَإِلَّا لَوَقَعَ بِطَالِقٍ وَاحِدَةً وَبِالطَّلَاقِ ثِنْتَانِ حِينَ إرَادَتِهِ الثَّلَاثَ فَيَلْزَمُ الثِّنْتَانِ بِالْمَصْدَرِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ نَوَى ثِنْتَيْنِ بِالْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ بِالتَّوْزِيعِ كَأَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِالطَّلَاقِ أُخْرَى تَقَعُ ثِنْتَانِ خِلَافًا لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ طَالِقًا نَعْتٌ وَطَلَاقًا مَصْدَرُهُ فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صَالِحٌ لِلْإِيقَاعِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ طَالِقٌ وَطَالِقٌ إذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَاوِ وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ طَلَاقًا مَنْصُوبٌ وَلَا يُرْفَعُ بَعْدَ صَلَاحِيَةِ اللَّفْظِ لِتَعَدُّدِهِ وَصِحَّةِ الْإِرَادَةِ بِهِ إلَّا بِإِهْدَارِ لُزُومِ صِحَّةِ الْإِعْرَابِ فِي الْإِيقَاعِ مِنْ الْعَالِمِ، وَالْجَاهِلِ، وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ هِشَامٍ مِنْ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ بَحْثِ اللَّامِ
(تَنْبِيهٌ) كَتَبَ الرَّشِيدُ لَيْلَةً إلَى الْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ
فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ
…
وَإِنْ تَخْرُقِي يَا هِنْدُ فَالْخُرْقُ أَشْأَمُ
فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ
…
ثَلَاثٌ وَمَنْ يَخْرُقْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ
فَقَالَ مَاذَا يَلْزَمُهُ إذَا رَفَعَ الثَّلَاثَ وَإِذَا نَصَبَهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَقُلْت هَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ وَلَا آمَنُ الْخَطَأَ إنْ قُلْت فِيهَا بِرَأْيِي فَأَتَيْت الْكِسَائِيَّ وَهُوَ فِي فِرَاشِهِ فَسَأَلْته فَقَالَ إنْ رَفَعَ ثَلَاثًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَسَهْوٌ ظَاهِرٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى الثِّنْتَيْنِ مَعَ الْأُولَى فَقَدْ نَوَى الثَّلَاثَ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِهِ إلَّا ثِنْتَانِ وَقَعَتَا اهـ.
أَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ فِي الْكِنَايَاتِ فِي قَوْلِهِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ أَوْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ أَيْضًا وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ وَلَوْ طَلَّقَ الْحُرَّةَ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ يَنْوِي ثِنْتَيْنِ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَلَوْ نَوَى الثَّلَاثَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَتَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ أُخْرَيَانِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَصَوَابُهُ الثَّانِي لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لِكَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ الْمُرَجَّحُ فِي الْمَذْهَبِ
لِأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ التَّامَّ ثَلَاثٌ، وَإِنْ نَصَبَهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَمَا بَيْنَهُمَا جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ فَكَتَبْتُ بِذَلِكَ إلَى الرَّشِيدِ فَأَرْسَلَ إلَيَّ بِجَوَائِزَ فَوَجَّهْت بِهَا إلَى الْكِسَائِيّ اهـ. مُلَخَّصًا.
وَأَقُولُ: إنَّ الصَّوَابَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّفْعِ، وَالنَّصْبِ مُحْتَمَلٌ لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ وَلِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ أَمَّا الرَّفْعُ فَلِأَنَّ أَلْ فِي الطَّلَاقِ إمَّا لِمَجَازِ الْجِنْسِ كَمَا تَقُولُ: زَيْدٌ الرَّجُلُ أَيْ هُوَ الرَّجُلُ الْمُعْتَدُّ بِهِ، وَإِمَّا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ مِثْلُهَا فِي {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] أَيْ وَهَذَا الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ عَزِيمَةً ثَلَاثٌ وَلَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْبَارُ عَنْ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ كَمَا يُقَالُ الْحَيَوَانُ إنْسَانٌ وَذَلِكَ بَاطِلٌ إذْ لَيْسَ كُلُّ حَيَوَانٍ إنْسَانًا وَلَا كُلُّ طَلَاقٍ عَزِيمَةً وَثَلَاثًا فَعَلَى الْعَهْدِيَّةِ تَقَعُ الثَّلَاثُ وَعَلَى الْجِنْسِيَّةِ تَقَعُ وَاحِدَةً كَمَا قَالَ الْكِسَائَيُّ: وَأَمَّا النَّصْبُ فَلِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ وَحِينَئِذٍ يَقْتَضِي وُقُوعَ الثَّلَاثِ إذْ الْمَعْنَى فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ اعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ، وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ وَلِأَنَّ يَكُونَ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي عَزِيمَةٍ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْمَعْنَى، وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ إذَا كَانَ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقَعُ مَا نَوَاهُ هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَهُ هَذَا الشَّاعِرُ الْمُعَيَّنُ فَهُوَ الثَّلَاثُ لِقَوْلِهِ بَعْدُ
فَبِينِي بِهَا إنْ كُنْت غَيْرَ رَفِيقَةٍ
…
وَمَا لِامْرِئ بَعْدَ الثَّلَاثِ مُقَدَّمُ
اهـ.
وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ بَعْدَ كَوْنِهِ غَلَطًا بَعِيدٌ عَنْ مَعْرِفَةِ مَقَامِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ مَعْرِفَةَ الْعَرَبِيَّةِ وَأَسَالِيبِهَا لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَقَعُ فِي الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ أَهْلُ الثَّبْتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَّنْ قَرَأَ الْفَتْوَى حِينَ وَصَلَتْ خِلَافَهُ وَأَنَّ الْمُرْسِلَ بِهَا الْكِسَائَيُّ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَلَا دَخْلَ لِأَبِي يُوسُفَ أَصْلًا وَلَا لِلرَّشِيدِ وَلَمَقَامُ أَبِي يُوسُفَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ مَعَ إمَامَتِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَبَرَاعَتِهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْأَلْفَاظِ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ تَخْرُقِي بِضَمِّ الرَّاءِ مُضَارِعُ خَرِقَ بِكَسْرِهَا، وَالْخُرْقُ بِالضَّمِّ الِاسْمُ، وَهُوَ ضِدُّ الرِّفْقِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الظَّاهِرَ فِي النَّصْبِ كَوْنُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ نِيَابَةً عَنْ الْمَصْدَرِ لِقِلَّةِ الْفَائِدَةِ عَلَى إرَادَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ عَزِيمَةٌ إذَا كَانَ ثَلَاثًا وَأَمَّا الرَّفْعُ فَلِامْتِنَاعِ الْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ بَقِيَ أَنْ يُرَادَ مَجَازُ الْجِنْسِ فَتَقَعُ وَاحِدَةً أَوْ الْعَهْدُ الذِّكْرِيُّ وَهُوَ أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ وَلِذَا ظَهَرَ مِنْ الشَّاعِرِ أَنَّهُ إرَادَةٌ كَمَا أَفَادَهُ الْبَيْتُ الْأَخِيرُ فَجَوَابُ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يَجِبُ فِي مِثْلِهِ مِنْ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى الظَّاهِرِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَى الِاحْتِمَالِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعَهْدَ الذِّكْرِيَّ حَيْثُ كَانَ أَظْهَرَ الِاحْتِمَالَيْنِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُجِيبَ مُحَمَّدٌ بِمَا يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الثَّلَاثُ فَكَلَامُ ابْنِ الْهُمَامِ آخِرُهُ مُخَالِفٌ لِأَوَّلِهِ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الصَّائِغِ تَعَقَّبَ ابْنَ هِشَامٍ فِي مَنْعِ كَوْنِهَا لِلْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُهَا بِمَعْنَى كُلّ الْمَجْمُوعِيِّ لَا كُلّ الْأَفْرَادِيِّ وَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّ مَجْمُوعَ أَفْرَادِ الطَّلَاقِ ثَلَاثٌ لَا أَنَّ الْوَاقِعَ مِنْهُ ثَلَاثٌ وَرَدَّهُ الشُّمُنِّيُّ بِأَنَّ اللَّامَ لَيْسَ مِنْ مَعَانِيهَا الْكُلُّ الْمَجْمُوعِيُّ، وَإِنْ كَانَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي كُلٍّ وَتَعَقَّبَ ابْنُ هِشَامٍ أَيْضًا الدَّمَامِينِيُّ فِي كَوْنِ الثَّلَاثِ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ فِي عَزِيمَتِهِ بِأَنَّ الْكَلَامَ مُحْتَمِلٌ لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَهْدِ أَيْضًا بِأَنْ تُجْعَلَ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ وَرَدَّهُ الشُّمُنِّيُّ بِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى لُزُومَ الثَّلَاثِ وَهُوَ صَادِقٌ بِاحْتِمَالِ الثَّلَاثِ وَتَعَقَّبَ الشُّمُنِّيُّ ابْنَ هِشَامٍ أَيْضًا فِي كَوْنِ النَّصْبِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ فَيَقْتَضِي الثَّلَاثَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِيهِ لَوْ كَانَ مَفْعُولًا مُطْلَقًا لِلطَّلَاقِ الْأَوَّلِ أَوْ لِلطَّلَاقِ الثَّانِي، وَاللَّازِمُ لِلْعَهْدِ أَمَّا إذَا كَانَ مَفْعُولًا مُطْلَقًا لِلطَّلَاقِ الثَّانِي، وَاللَّامُ لِلْجِنْسِ فَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ.
لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت الثَّلَاثَ وَنَوَى لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّلَاثَ صِفَةً لِلْمَرْأَةِ لَا صِفَةً لِلطَّلَاقِ الْمُضْمَرِ فَقَدْ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَلَمْ يَصِحَّ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت مِنِّي بِثَلَاثٍ وَنَوَى الطَّلَاقَ طَلُقَتْ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَمْ يُصَدَّقْ إنْ كَانَ فِي حَالَةِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَأَقُولُ: إنَّ الصَّوَابَ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَائِلُهُ ابْنُ هِشَامٍ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِهِ الْمُغْنِي (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الرَّفْعُ فَلِامْتِنَاعِ الْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ) الْجَارُّ، وَالْمَجْرُورُ فِي قَوْلِهِ فَلِامْتِنَاعِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: بَقِيَ فَهُوَ عِلَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَعْلُولِهَا (قَوْلُهُ: آخِرُهُ مُخَالِفٌ لِأَوَّلِهِ) أَيْ قَوْلُهُ: إنَّ جَوَابَ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ إنَّ الْعَهْدَ الذِّكْرِيَّ أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ فَيَقَعُ ثَلَاثٌ.
لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ وَلَوْ قَالَ أَنْت بِثَلَاثٍ وَأَضْمَرَ الطَّلَاقَ يَقَعُ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِقٌ بِثَلَاثٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ أَنْتِ مِنِّي بِثَلَاثٍ وَأَنْتِ بِثَلَاثٍ بِحَذْفِ مِنِّي سَوَاءٌ فِي كَوْنِهِ كِنَايَةً وَأَمَّا أَنْتِ الثَّلَاثُ فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى جُمْلَتِهَا أَوْ إلَى مَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْهَا كَالرَّقَبَةِ، وَالْعُنُقِ، وَالرُّوحِ، وَالْبَدَنِ، وَالْجَسَدِ، وَالْفَرْجِ، وَالْوَجْهِ أَوْ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهَا كَنِصْفِهَا وَثُلُثِهَا تَطْلُقُ) أَرَادَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجُمْلَةِ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَبِمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ بِطَرِيقِ التَّجَوُّزِ كَرَقَبَتِك وَإِلَّا فَالْكُلُّ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ مَا يُضَافُ إلَى الْجُمْلَةِ أَنْتِ، وَالرُّوحُ، وَالْبَدَنُ، وَالْجَسَدُ وَأَمَّا مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا مَا عَدَاهَا، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَشَارَ بِالتَّعْبِيرِ بِهِ عَنْهَا إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا رَقَبَتُك طَالِقٌ أَمَّا لَوْ قَالَ الرَّقَبَةُ مِنْك طَالِقٌ أَوْ الْوَجْهُ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الرَّأْسِ أَوْ الْعُنُقِ وَقَالَ هَذَا الْعُضْوُ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ عِبَارَةً عَنْ الْكُلِّ بَلْ عَنْ الْبَعْضِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضَعْ يَدَهُ بَلْ قَالَ هَذَا الرَّأْسُ طَالِقٌ وَأَشَارَ إلَى رَأْسِ امْرَأَتِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ كَمَا لَوْ قَالَ رَأْسُك هَذَا طَالِقٌ.
وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْت مِنْك هَذَا الرَّأْسَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَشَارَ إلَى رَأْسِ عَبْدِهِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَبِلْت جَازَ الْبَيْعُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالرَّقَبَةِ وَمَا بَعْدَهَا لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بِالْبَطْنِ، وَالظَّهْرِ، وَالْبُضْعِ، وَالدَّمِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ دَمُك حُرٌّ لَا يَعْتِقُ، وَقَدْ صَحَّحُوا صِحَّةَ التَّكَفُّلِ بِالدَّمِ لِمَا يُقَالُ دَمُهُ هَدَرٌ أَيْ نَفْسُهُ فَكَانَ الْعُرْفُ جَرَى بِهِ فِي الْكَفَالَةِ دُونَ الْعِتْقِ، وَالطَّلَاقِ، وَصُحِّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ يُقَالُ ذَهَبَ دَمُهُ هَدَرًا فَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْكَفَالَةِ وَتَقْيِيدُهُمْ الْجُزْءَ بِالشَّائِعِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُعَيَّنِ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ نِصْفُك الْأَعْلَى طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفُك الْأَسْفَلُ ثِنْتَيْنِ فَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِبُخَارَى فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الرَّأْسَ فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْإِضَافَتَيْنِ لِأَنَّ الْفَرْجَ فِي الْأَسْفَلِ اهـ.
وَقَدْ عُلِمَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَقَعَتْ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا، وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِمَا ذُكِرَ فَأَفَادَ أَنَّهُ صَرِيحٌ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ فَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الْعُضْوَ حَقِيقَةً لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً لَكِنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ صَرِيحًا مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَقَدْ أَبْعَدَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي بَحْثِ قَوْلِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ لَغْوٌ وَكَوْنُهُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ إيقَاعُهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ عُشْرُك طَالِقٌ أَوْ فَرْجُك أَوْ طَلَّقْتُك نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ اهـ. لِأَنَّ الصَّرَاحَةَ إنَّمَا هِيَ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْوُقُوعَ قَضَاءً إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ عُرْفًا مُشْتَهِرًا وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّعْبِيرِ عَنْ الْجُمْلَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْجُمْلَةِ عُلِمَتْ مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ كَأَنْتِ طَالِقٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَى الْيَدِ، وَالرِّجْلِ، وَالدُّبُرِ لَا) أَيْ لَا تَطْلُقُ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا ذُكِرَ أَيْ إلَى مَا لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ فَدَخَلَ فِيهِ الشَّعْرُ، وَالْأَنْفُ، وَالسَّاقُ، وَالْفَخِذُ، وَالظَّهْرُ، وَالْبَطْنُ، وَاللِّسَانُ، وَالْأُذُنُ، وَالْفَمُ، وَالصَّدْرُ، وَالذَّقَنُ، وَالسِّنُّ، وَالرِّيقُ، وَالْعِرْقُ، وَالْكَبِدُ، وَالْقَلْبُ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا نَوَى بِهِ كُلَّ الْبَدَنِ لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَتَقْيِيدُهُمْ الْجُزْءَ بِالشَّائِعِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُعَيَّنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: بَلْ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُعَيَّنِ الَّذِي لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْوُقُوعُ بِالنِّصْفِ الْأَعْلَى أَوْ بِهِمَا لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ التَّعْلِيلُ اهـ.
أَقُولُ: وَفِيهِ أَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمُعَيَّنِ الَّذِي لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ خَرَجَ بِقَوْلِهِ أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ يُقَابِلُهُ الْجُزْءُ الْمُعَيَّنُ سَوَاءٌ كَانَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَقَدْ عُلِمَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَقَعَتْ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ فِي الثَّانِي كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ اهـ.
وَهُوَ كَمَا قَالَ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْعِبَارَةِ وَلَكِنْ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَيْ وَقَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةً لِأَنَّ مُرَادَهُ إثْبَاتُ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى النِّصْفِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلَ لَكِنَّ الْوُقُوعَ اتِّفَاقًا فِي النِّصْفِ الْأَسْفَلِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مَنْ أَفْتَى بِوُقُوعِ وَاحِدَةٍ بِالنِّصْفِ الْأَعْلَى لَا يُوقِعُ شَيْئًا بِالنِّصْفِ الْأَسْفَلِ (قَوْلُهُ: وَلَقَدْ أَبْعَدَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ. . . إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَا إبْعَادَ فِي كَلَامِهِ إذْ الصَّرِيحُ مَا فِيهِ مَادَّةُ ط ل ق كَطَالِقٍ وَطَلَاقٍ وَتَطْلِيقٍ وَنَحْوِهِ فَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ صَرِيحٌ وَلَا مَدْخَلَ لِقَوْلِهِ أَنْتِ فِي صَرَاحَتِهِ وَكَذَا لَا مَدْخَلَ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي صَرَاحَتِهِ وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ لِلْوُقُوعِ بِلَا نِيَّةٍ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ تَعْلِيلِ كَوْنِهَا صَرَائِحَ بِالِاسْتِعْمَالِ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ دُونَ غَيْرِهِ وَمِنْ كَوْنِهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَظَهَرَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لَا تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا إلَّا فِي الطَّلَاقِ فَهِيَ صَرَائِحُ لَكِنَّ وُقُوعَهَا بِلَا نِيَّةٍ مُتَوَقِّفٌ عَلَى كَوْنِهِ مُتَعَارَفًا
إنْ ذَكَرَ عُضْوًا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَنَوَى اقْتِصَارَ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُصَدَّقَ وَلَوْ ذَكَرَ الْيَدَ، وَالرِّجْلَ وَأَرَادَ بِهِ كُلَّ الْبَدَنِ فَلَنَا أَنْ نَقُولَ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَ جُزْءًا لَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ كَالسِّنِّ، وَالرِّيقِ لَا يَقَعُ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ أَضَافَهُ إلَى قَلْبِهَا لَا رِوَايَةَ لِهَذَا فِي الْكِتَابِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ مَا إذَا كَفَلَ بِعَيْنِهِ قَالَ الْبَلْخِيّ: لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْبَدَنَ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ فِي الْكَفَالَةِ، وَالطَّلَاقِ إذْ الْعَيْنُ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ يُقَالُ عَيْنُ الْقَوْمِ وَهُوَ عَيْنٌ فِي النَّاسِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي زَمَانِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ اهـ.
وَمِثْلُ الطَّلَاقِ الظِّهَارُ، وَالْإِيلَاءُ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ، وَالْعَتَاقُ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ أُصْبُعَهُ لَا يَقَعُ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الْيَدَ وَمَا مَعَهَا لَوْ كَانَ عِنْدَ قَوْمٍ يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَهُوَ مَحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْهَا مُرَادًا بِهِ الْجُمْلَةَ كَالْحَدِيثِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ صَرِيحٌ يَقَعُ قَضَاءً بِلَا نِيَّةٍ كَالرَّقَبَةِ وَكِنَايَةٌ لَا يَقَعُ بِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ كَالْيَدِ وَمَا لَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً لَا يَقَعُ بِهِ، وَإِنْ نَوَى كَالرِّيقِ، وَالسِّنِّ، وَالشَّعْرِ، وَالظُّفُرِ، وَالْعَرَقِ، وَالْكَبِدِ، وَالْقَلْبِ وَقَيَّدَ بِالدُّبُرِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ اسْتُك طَالِقٌ وَقَعَ كَفَرْجِك كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَالِاسْتُ، وَإِنْ كَانَ مُرَادِفًا لِلدُّبُرِ لَا يَلْزَمُ مُسَاوَاتُهُمَا فِي الْحُكْمِ.
لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ هُنَا لِكَوْنِ اللَّفْظِ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبُضْعَ مُرَادِفٌ لِلْفَرْجِ وَلَيْسَ حُكْمُهُ هُنَا كَحُكْمِهِ فِي التَّعْبِيرِ وَقَيَّدَ بِالطَّلَاقِ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعَتَاقِ وَتَوَابِعِهِ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا يَتَجَزَّأُ فَلَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ نِصْفَهَا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ احْتِيَاطًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهِ ضُعِّفَ قَوْلُ الشَّارِحِ أَنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ مَحَلٌّ لِلنِّكَاحِ، وَالْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ كَالطَّلَاقِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ.
قَوْلُهُ: (وَنِصْفُ التَّطْلِيقَةِ أَوْ ثُلُثُهَا طَلْقَةٌ) وَمُرَادُهُ أَنَّ جُزْءَ الطَّلْقَةِ تَطْلِيقَةٌ وَلَوْ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَاظِرٌ إلَى صَوْنِ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَتَصَرُّفِهِ مَا أَمْكَنَ وَلِذَا اعْتَبَرَ الْعَفْوَ عَنْ بَعْضِ الْقِصَاصِ عَفْوًا عَنْهُ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلطَّلَاقِ جُزْءٌ كَانَ كَذِكْرِ كُلِّهِ تَصْحِيحًا كَالْعَفْوِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ قِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ التَّطْلِيقَةَ كَمَا لَا تَتَجَزَّأُ فِي الْإِيقَاعِ لَا تَتَجَزَّأُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا وَاحِدَةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقَعُ الثَّلَاثَ لِأَنَّ النِّصْفَ فِي الطَّلَاقِ لَا يَتَجَزَّأُ فِي الْإِيقَاعِ وَلَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً إلَّا نِصْفَهَا تَقَعُ وَاحِدَةً وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَ مُحَمَّدٌ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا يُشِيرُ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِالتَّكْمِيلِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ هُنَا لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ وَلَوْ قَالَ وَجُزْءُ الطَّلْقَةِ تَطْلِيقَةٌ لَكَانَ أَوْجَزَ وَأَشْمَلَ وَأَحْسَنَ.
قَوْلُهُ: (وَثَلَاثَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَتَيْنِ ثَلَاثٌ) لِأَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْصَافٍ تَكُونُ ثَلَاثًا ضَرُورَةً إلَّا إذَا نَوَى تَنْصِيفَ كُلٍّ مِنْ التَّطْلِيقَتَيْنِ فَتَكُونُ أَنْصَافُهَا أَرْبَعًا فَثَلَاثَةٌ مِنْهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَقَعُ طَلِيقَتَانِ دِيَانَةً وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ احْتِمَالُ خِلَافِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَتَيْنِ تَطْلِيقَةٌ لَا نِصْفَا تَطْلِيقَتَيْنِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ تَطْلِيقَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَتْ تَطْلِيقَتَانِ لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ وَنِصْفٌ فَتَتَكَامَلُ وَهُوَ الْمَنْقُولُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاخْتَارَهُ النَّاطِفِيُّ وَصَحَّحَهُ الْعَتَّابِيُّ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَرْبَعَةُ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ أَيْضًا وَعُرِفَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ نِصْفَيْ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَتْ وَاحِدَةً.
وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَتَيْنِ فَوَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ نِصْفَيْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَثِنْتَانِ وَكَذَا نِصْفُ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَلَوْ قَالَ نِصْفَيْ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَثَلَاثٌ وَحَاصِلُهَا أَنَّهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً لِأَنَّ الْمُضَافَ أَعْنِي النِّصْفَ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَكُلٌّ
ــ
[منحة الخالق]
فَعَدَمُ تَعَارُفِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ صَرَاحَتِهِ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ أَضَافَهُ إلَى قَلْبِهَا لَا رِوَايَةً. . . إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ لِأَنَّهُ كَالرُّوحِ وَقَالَ تَعَالَى {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] .
مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُضَافُ إلَيْهِ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَإِنْ كَانَ النِّصْفُ مُضَافًا إلَى الطَّلْقَةِ فَقَطْ فَوَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ مُضَافًا إلَى الطَّلْقَتَيْنِ فَوَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ مُضَافًا إلَى الثَّلَاثِ فَثِنْتَانِ، وَإِنْ كَانَ النِّصْفَانِ مُضَافًا إلَى الْوَاحِدَةِ فَوَاحِدَةً وَإِلَى الثِّنْتَيْنِ فَثِنْتَانِ وَإِلَى الثَّلَاثِ فَثَلَاثٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّلَاثَةُ أَنْصَافٍ مُضَافًا إلَى الْوَاحِدَةِ فَثِنْتَانِ وَإِلَى الثِّنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ وَإِلَى الثَّلَاثِ فَكَذَلِكَ اسْتِنْبَاطًا مِمَّا قَبْلَهَا لَا نَقْلًا، وَإِنْ كَانَ الْمُضَافُ أَرْبَعَةَ الْأَنْصَافِ فَثِنْتَانِ فَإِنْ إلَى الْوَاحِدَةِ، وَإِنْ إلَى الثِّنْتَيْنِ أَوْ إلَى الثَّلَاثِ فَثَلَاثٌ اسْتِنْبَاطًا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا أَنْت طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ وَسُدُسَ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَ ثَلَاثٌ لِأَنَّ الْمُنَكَّرَ إذَا أُعِيدَ مُنَكَّرًا كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ فَيَتَكَامَلُ كُلُّ جُزْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ الثَّانِي، وَالثَّالِثَ عَيْنُ الْأَوَّلِ فَالْكُلُّ أَجْزَاءُ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى لَوْ زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَقَعَتْ ثَانِيَةً وَكَذَا فِي الثَّالِثَةِ وَهُوَ مُخْتَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ.
وَفِي الْمُحِيطِ، والولوالجية وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى أَجْزَاءِ تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مِنْ تَطْلِيقَةٍ أُخْرَى فَتَتَكَامَلُ الزِّيَادَةُ، وَالْأَصَحُّ فِي اتِّحَادِ الْمَرْجِعِ، وَإِنْ زَادَتْ أَجْزَاءُ وَاحِدَةٍ أَنْ تَقَعَ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَجْزَاءَ إلَى وَاحِدَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفَهَا تَقَعُ وَاحِدَةً كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ بِخِلَافِ وَاحِدَةٍ وَنِصْفًا وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا إلَّا وَاحِدَةً فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةٌ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً لِأَنَّ الرُّبُعَ يَتَكَامَلُ وَكَذَا بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ إلَّا إذَا نَوَى أَنَّ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ بَيْنَهُنَّ جَمِيعًا فَيَقَعُ فِي التَّطْلِيقَتَيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا تَطْلِيقَتَانِ، وَفِي الثَّلَاثِ ثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ ثِنْتَانِ إلَى ثَمَانٍ وَلَوْ قَالَ بَيْنَكُنَّ تِسْعٌ وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثٌ وَلَفْظُ أَشْرَكْتُكُنَّ كَلَفْظِ بَيْنَ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ كُلَّ وَاحِدَةٍ ثُمَّ قَالَ لِثَالِثَةٍ: شَرِكْتُك فِيمَا أَوْقَعْت عَلَيْهِمَا يَقَعُ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ لِأَنَّهُ شَرِكَهَا فِي كُلِّ تَطْلِيقَةٍ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى: أَشْرَكْتُك مَعَهَا فِي الطَّلَاقِ وَقَعَ عَلَى الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَسْبِقْ وُقُوعُ شَيْءٍ فَلَمْ يُقَسِّمْ بَيْنَهُنَّ وَهُنَا قَدْ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ عَلَى الْأُولَى فَلَا يُمْكِنُهُ رَفْعُ شَيْءٍ مِنْهُ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى أَشْرَكْتُك فِيمَا أَوْقَعْت عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ لِثَالِثَةٍ أَشْرَكْتُك فِيمَا أَوْقَعْت عَلَيْهِمَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَقَدْ وَرَدَ اسْتِفْتَاءٌ فِيهَا فَبَعْدَ أَنْ كَتَبْنَا تَطْلُقُ الثَّلَاثَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا قُلْنَا إنَّ وُقُوعَهُنَّ عَلَى الثَّالِثَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَشْرَكَهَا فِي سِتَّةٍ اهـ.
يَعْنِي: أَنَّهُ عَلَّلَ وُقُوعَ الثَّلَاثِ عَلَى الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْإِفْتَاءِ بِأَنَّهُ أَشْرَكَهَا فِي سِتٍّ أَوْقَعَهَا فَيَقَعُ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ وَيَلْغُو ثَلَاثٌ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا أَفْتَى بِهِ كَمَا قَدْ تُوُهِّمَ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ ثَلَاثًا يَنْوِي أَنَّ الثَّلَاثَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مُدَيَّنٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَتَطْلُقُ كُلٌّ مِنْهُمَا ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ فَتَطْلُقُ كُلٌّ ثَلَاثًا وَكَذَا لَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: أَنْتُنَّ طَوَالِقُ ثَلَاثًا يَنْوِي أَنَّ الثَّلَاثَ بَيْنَهُنَّ فَهُوَ مُدَيَّنٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً، وَفِي الْقَضَاءِ تَطْلُقُ كُلٌّ ثَلَاثًا اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ: فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَفُلَانَةُ مَعَهَا أَوْ قَالَ أَشْرَكْت فُلَانَةَ مَعَهَا طَلُقَتَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى قَدْ أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهَا طَلُقَتْ وَاحِدَةً.
وَلَوْ قَالَ لِثَالِثَةٍ قَدْ أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهِمَا طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ وَلَوْ قَالَ لِلرَّابِعَةِ قَدْ أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهِنَّ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى الْأُولَى بِمَالٍ مُسَمًّى ثُمَّ قَالَ لِلثَّانِيَةِ قَدْ أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهَا طَلُقَتْ وَلَمْ يَلْزَمْهَا الْمَالُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ فِي اتِّحَادِ الْمَرْجِعِ. إلَخْ) أَقُولُ: يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا مَرَّ قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ تَطْلِيقَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ. . . إلَخْ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ تَطْلِيقَهُ الْمُضَافَ إلَيْهِ نَكِرَةٌ، وَالْإِضَافَةُ تَأْتِي لِمَا تَأْتِي لَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فَتَكُونُ لِلْجِنْسِ بِخِلَافِ الطَّلْقَةِ الَّتِي عَادَ عَلَيْهَا ضَمِيرُ نِصْفِهَا وَثُلُثِهَا وَرُبُعِهَا فَإِنَّهَا وَاحِدَةٌ مُعَيَّنَةٌ فَيَلْغُو الْجُزْءُ الزَّائِدُ عَلَيْهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ كُلَّ وَاحِدَةٍ) وَقَعَ فِي الْفَتْحِ لَفْظُ وَاحِدَةٍ مُكَرَّرًا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ وَكَانَ مَا هُنَا سَاقِطٌ مِنْ قَلَمِ الْكَاتِبِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةٌ أَوْ تَطْلِيقَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ أَوْ خَمْسٌ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَسْبِقْ وُقُوعُ شَيْءٍ فَيَنْقَسِمُ الثَّلَاثُ بَيْنَهُنَّ نِصْفَيْنِ قِسْمَةً وَاحِدَةً وَهُنَا قَدْ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ عَلَى الْأُولَى فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْفَعَ شَيْئًا مِمَّا أَوْقَعَ عَلَيْهَا بِإِشْرَاكِ الثَّانِيَةِ وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُسَوِّيَ الثَّانِيَةَ بِهَا بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا وَلِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ الثَّلَاثُ عَلَى الْأُولَى فَكَلَامُهُ فِي حَقِّ الثَّانِيَةِ إشْرَاكٌ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ فَلَا يُقَسَّمُ بَيْنَهُنَّ صَوَابُهُ فَيُقَسَّمُ بِإِسْقَاطِ لَا.
لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ وُجِدَ فِي الطَّلَاقِ لَا فِي الْمَالِ، وَلَوْ قَالَ أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهَا عَلَى كَذَا مِنْ الْمَالِ فَإِنْ قَبِلَتْ لَزِمَهَا الطَّلَاقُ، وَالْمَالُ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى كَوْنِهِ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا حَيْثُ لَمْ يَقُلْ عَلَى كَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى رَجْعِيًّا لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ لِأَجْلِ الْمَالِ وَلَمْ يُوجَدْ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ بَائِنٌ نَاوِيًا ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى أَشْرَكْتُك فِي طَلَاقِهَا أَنْ يَقَعَ عَلَى الثَّانِيَةِ بَائِنًا أَيْضًا ثُمَّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا: وَلَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ زَوْجُهَا لِامْرَأَةٍ أُخْرَى لَهُ: قَدْ أَشْرَكْتُك فِي فُرْقَةِ هَذِهِ طَلُقَتْ بَائِنًا، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَحَكَى أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَلَوْ قَالَ فِي فُرْقَةِ الْعِنِّينِ، وَاللِّعَانِ، وَالْإِيلَاءِ، وَالْخُلْعِ قَدْ أَشْرَكْتُك فِي فُرْقَةِ هَذِهِ طَلُقَتْ لِأَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ فِرْقَةُ طَلَاقٍ بِخِلَافِ الْأُولَى وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ خَمْسَ تَطْلِيقَاتٍ فَقَالَتْ ثَلَاثٌ تَكْفِنِي فَقَالَ ثَلَاثٌ لَك، وَالْبَاقِي عَلَى صَوَاحِبِك وَقَعَ الثَّلَاثُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عَلَى غَيْرِهَا لِأَنَّ الْبَاقِي بَعْدَ الثَّلَاثِ صَارَ لَغْوًا فَقَدْ صُرِفَ اللَّغْوُ إلَى صَوَاحِبِهَا فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ اهـ. وَقَدَّمْنَا خِلَافًا فِي الْأَخِيرَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَإِلَى ثَلَاثٍ ثِنْتَانِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَدْخُلُ الْغَايَةُ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَقَالَا بِدُخُولِهِمَا فَيَقَعُ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ، وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ اسْتِحْسَانًا بِالتَّعَارُفِ إلَّا أَنَّهُمَا أَطْلَقَا فِيهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّمَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ عُرْفًا فِيمَا مَرْجِعُهُ الْإِبَاحَةُ كَخُذْ مِنْ مَالِي مِنْ عَشَرَةٍ إلَى مِائَةٍ وَبِعْ عَبْدِي بِمَالٍ مِنْ مِائَةٍ إلَى أَلْفٍ وَكُلْ مِنْ الْمِلْحِ إلَى الْحُلْوِ فَلَهُ أَخْذُ الْمِائَةِ، وَالْبَيْعُ بِأَلْفٍ وَأَكْلُ الْحَلْوَاءِ، وَأَمَّا مَا أَصْلُهُ الْحَظْرُ حَتَّى لَا يُبَاحَ إلَّا لِدَفْعِ الْحَاجَةِ فَلَا، وَالطَّلَاقُ مِنْهُ فَكَانَ قَرِينَةً عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْكُلِّ غَيْرَ أَنَّ الْغَايَةَ الْأُولَى لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا الطَّلْقَةَ الثَّانِيَةَ فِي صُورَةِ إيقَاعِهَا وَهِيَ صُورَةٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ إذْ لَا ثَانِيَةَ بِلَا أَوْلَى وَوُجُودُ الطَّلَاقِ عَيْنُ وُقُوعِهِ بِخِلَافِ الْغَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ ثَلَاثٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وُقُوعُ الثَّانِيَةِ بِلَا ثَالِثَةٍ أَمَّا صُورَةٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا دَخَلَتْ ضَرُورَةَ إيقَاعِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَإِيقَاعُ الْوَاحِدَةِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ إدْخَالِهَا غَايَةً بَلْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ انْتِفَاءِ الْعُرْفِ فِيهِ فَلَا تَدْخُلُ فَيَلْغُو قَوْلُهُ: مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ وَيَقَعُ بِطَالِقٍ وَاحِدَةً وَلَا يَرِدُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَانِيَةً حَيْثُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّ ثَانِيَةً لَغْوٌ فَيَقَعُ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ اعْتِبَارِ إثْبَاتِ الْعُرْفِ وَعَدَمِهِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فَلَا يَرِدُ دُخُولُ الْمُرَافِقِ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَمَّا أَدْخَلَ مَا بَعْدَ إلَى تَارَةً وَأَخْرَجَهُ أُخْرَى كَانَ الِاحْتِيَاطُ الدُّخُولَ فَإِنْ قِيلَ مَا بَيْنَ هَذَا وَهَذَا يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْأَمْرَيْنِ وَوُجُودَهُمَا وُقُوعَهُمَا فَيَقَعُ الثَّلَاثُ الْجَوَابُ إنَّ ذَلِكَ فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ فَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْأَوَّلَ وَاحْتِمَالَ وُجُودِ الثَّانِي عُرْفًا فَفِيمَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ يُصَدَّقُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ السَّبْعِينَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ بَاعَ بِالْخِيَارِ إلَى غَدٍ دَخَلَ الْغَدُ فِي الْخِيَارِ وَلَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَن دَيْنَهُ إلَى خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الْخَامِسِ وَكَذَا لَا يُكَلِّمُهُ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ دَخَلَ الْعَاشِرُ وَكَذَا فِي إنْ تَزَوَّجْت إلَى عَشْرِ سِنِينَ دَخَلَتْ الْعَاشِرَةُ وَأَمَّا فِي الْإِجَارَةِ فَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ لَوْ أَجَّرَ إلَى خَمْسِ سِنِينَ دَخَلَتْ الْخَامِسَةُ، وَفِي عَامَّةِ الْكُتُبِ لَا تَدْخُلُ اهـ.
وَتَمَامُ تَقْرِيرِهِ فِي شَرْحِنَا الْمُسَمَّى بِتَعْلِيقِ الْأَنْوَارِ عَلَى أُصُولِ الْمَنَارِ وَلَوْ نَوَى فِي الثَّانِيَةِ وَاحِدَةً دُيِّنَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إلَى ثِنْتَيْنِ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ تَقَعُ وَاحِدَةً بِالْأُولَى اتِّفَاقًا وَقِيلَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ زُفَرَ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِدُخُولِ الْغَايَتَيْنِ، وَالْأَصَحُّ الْوُقُوعُ عِنْدَهُ بِطَالِقِ وَيَلْغُو مَا بَعْدَهُ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إلَى ثَلَاثٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَثَلَاثٍ بِحَرْفِ الْعَطْفِ دُونَ الْغَايَةِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ إلَّا إنْ كَانَ فِيهِ الْعُرْفُ الْكَائِنَ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ قَالَ مِنْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَسْأَلَتَيْ الْمَتْنِ وَهِيَ الَّتِي غَايَتُهَا إلَى ثَلَاثٍ أَعْنِي مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ زُفَرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ
وَاحِدَةٍ إلَى عَشَرَةٍ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ ثَلَاثٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُعْتَبَرٌ فِي الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي سِتًّا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ بِخَمْسِمِائَةٍ وَرَجَّحَهُ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَفِيهَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ مِنْ ثَلَاثٍ إلَى وَاحِدَةٍ تَقَعُ ثَلَاثٌ قَالَ بَدِيعٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَهُ ثِنْتَانِ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثٌ اهـ. .
قَوْلُهُ: (وَوَاحِدَةٌ فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى الضَّرْبَ) أَيْ تَقَعُ وَاحِدَةً فِيمَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى الضَّرْبَ، وَالْحِسَابَ عَالِمًا بِعُرْفِ الْحِسَابِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي الثَّانِي لِأَنَّ عُرْفَهُمْ فِيهِ تَضْعِيفُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِعَدَدِ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ وَاحِدٌ مَرَّتَيْنِ وَلَنَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي ثِنْتَيْنِ ظَرْفٌ حَقِيقَةً وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لَهُ فَيَقَعُ الْمَظْرُوفُ دُونَ الظَّرْفِ وَلِهَذَا أَلْزَمَهُ عَشَرَةً فِي لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ إلَّا إنْ قَصَدَ الْمَعِيَّةَ أَوْ الْعَطْفَ فَعِشْرُونَ لِمُنَاسَبَةِ الظَّرْفِ كِلَيْهِمَا، وَأَمَّا الضَّرْبُ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَمْسُوحَاتِ أَعْنِي فِيمَا لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ فَأَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْمَضْرُوبِ وَإِذَا كَانَ فِيمَا لَيْسَ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ فَأَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ زَادَ بِالضَّرْبِ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا فَقِيرًا لِأَنَّهُ يَضْرِبُ مَا مَلَكَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي مِائَةٍ فَيَصِيرُ مِائَةً ثُمَّ يَضْرِبُ الْمِائَةَ فِي الْأَلْفِ فَيَصِيرُ مِائَةَ أَلْفٍ فَصَارَ مَعْنَى قَوْلِنَا وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةً ذَاتَ جُزْأَيْنِ وَكَذَا قَوْلُنَا وَاحِدَةٌ فِي ثَلَاثٍ وَاحِدَةٌ ذَاتُ أَجْزَاءٍ ثَلَاثَةٍ، وَالتَّطْلِيقَةُ الْوَاحِدَةُ، وَإِنْ كَثُرَتْ أَجْزَاؤُهَا لَا تَصِيرُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالتَّحْرِيرُ قَوْلُ زُفَرَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عُرْفِ الْحِسَابِ فِي التَّرْكِيبِ اللَّفْظِيِّ كَوْنُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ مُضَعَّفًا بِعَدَدِ الْآخَرِ، وَالْعُرْفُ لَا يَمْنَعُ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِعُرْفِهِمْ وَأَرَادَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْقَعَ بِلُغَةٍ أُخْرَى فَارِسِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَهُوَ يَدْرِيهَا اهـ.
وَهَكَذَا رَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَجَوَابُهُ أَنَّ اللَّفْظَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْعُرْفُ وَلَا النِّيَّةُ كَمَا لَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ: اسْقِنِي الْمَاءَ الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ) يَعْنِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَإِلَّا فَوَاحِدَةً لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ فَإِنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لِلْجَمْعِ، وَالظَّرْفُ يَجْمَعُ الْمَظْرُوفَ فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَى الْوَاوِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ نَوَى بَقِيَ الْوَاوُ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهَا مَعْنَى مَعَ وَقَعَ الثَّلَاثُ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ وَإِرَادَةُ مَعْنَى لَفْظَةِ مَعَ بِهَا ثَابِتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} [الأحقاف: 16] وَأَمَّا الِاسْتِشْهَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] أَيْ مَعَ عِبَادِي فَبَعِيدٌ يَنْبُو عَنْهُ {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 30] فَإِنَّ دُخُولَهَا مَعَهُمْ لَيْسَ إلَّا إلَى الْجَنَّةِ فَهِيَ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكَشَّافِ إنَّ الْمُرَادَ فِي جُمْلَةِ عِبَادِي وَقِيلَ فِي أَجْسَادِ عِبَادِي وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ فِي عَبْدِي فَالْأَوْجَهُ الِاسْتِشْهَادُ بِمَا ذَكَرْنَا وَحُكْمُ مَا إذَا نَوَى الظَّرْفِيَّةَ حُكْمُ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لِأَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فَالْوُجُوهُ خَمْسَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ) يَعْنِي إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى الظَّرْفَ أَوْ الضَّرْبَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ نَوَى مَعْنَى الْوَاوِ أَوْ مَعْنَى مَعَ وَقَعَتْ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي غَيْرِهَا ثِنْتَانِ فِي الْأَوَّلِ وَثَلَاثٌ فِي الثَّانِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَوْلُهُ:(وَمِنْ هُنَا إلَى الشَّامِ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً) لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالْقَصْرِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَتَى وَقَعَ وَقَعَ فِي جَمِيعِ الدُّنْيَا، وَفِي السَّمَوَاتِ فَلَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا اللَّفْظِ زِيَادَةُ شِدَّةٍ، وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا مَدَّ الْمَرْأَةَ لَا الطَّلَاقَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ حَالٌ وَلَا يَصْلُحُ صَاحِبُ الْحَالِ فِي التَّرْكِيبِ إلَّا الضَّمِيرُ فِي طَالِقٍ قَوْلُهُ: (وَبِمَكَّةَ، وَفِي مَكَّةَ، وَفِي الدَّارِ تَنْجِيزٌ) فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ وَلَا بِمَكَّةَ وَكَذَا فِي الظِّلِّ، وَفِي الشَّمْسِ، وَالثَّوْبُ كَالْمَكَانِ فَلَوْ قَالَ فِي ثَوْبِ كَذَا وَعَلَيْهَا غَيْرُهُ طَلُقَتْ لِلْحَالِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ مَرِيضَةً أَوْ مُصَلِّيَةً
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ ثَلَاثٌ بِالْإِجْمَاعِ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي فِي الْخُلْعِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي أَرْبَعًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ بِالْأَلْفِ وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَبِثُلُثِ الْأَلْفِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا وَلَعَلَّ مَا هُنَا رِوَايَةٌ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ حُصُولُ الْمَقْصُودِ لَا اللَّفْظِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْخُلْعِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عُرْفِ الْحِسَابِ. . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَذَا الْإِلْزَامُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ فِي الدُّنْيَا فَقِيرٌ لِأَنَّ ضَرْبَ دِرْهَمِهِ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مَثَلًا إنْ كَانَ عَلَى مَعْنَى الْإِخْبَارِ كَقَوْلِهِ عِنْدِي دِرْهَمٌ فِي مِائَةٍ فَهُوَ كَذِبٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ كَجَعَلْتُهُ فِي مِائَةٍ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ لَا يَنْجَعِلُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَمَا أَجَابَ بِهِ فِي الْبَحْرِ مَمْنُوعٌ بِالْفَرْقِ الْبَيِّنِ بَيْنَهُمَا اهـ.
وَكَذَا رَدَّهُ تِلْمِيذُهُ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ بِأَنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ بِعُرْفِهِمْ فَقَدْ تَكَلَّمَ بِلَفْظٍ مَوْضُوعٍ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ لِمَعْنًى مَعْلُومٍ فَهُوَ مُتَكَلِّمٌ بِحَقِيقَةٍ عُرْفِيَّةٍ وَبِهِ يُوجَدُ صَلَاحِيَةُ اللَّفْظِ لِذَلِكَ وَاعْتِبَارُهُ بِقَوْلِهِ اسْقِنِي الْمَاءَ. . . إلَخْ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. وَكَذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّفْظَ
أَوْ وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْت إذَا لَبِسْت أَوْ إذَا مَرِضْت صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا إذَا قَصَدَ بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الدُّخُولَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالزَّمَانِ دُونَ الْمَكَانِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْفِعْلِ وَبَيْنَ الْفِعْلِ، وَالزَّمَانِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا بَقَاءَ لَهُمَا فَكَمَا يُوجَدَانِ يَذْهَبَانِ وَلِلْمَكَانِ بَقَاءٌ لَا يَتَجَدَّدُ كُلَّ سَاعَةٍ أَمَّا الزَّمَانُ يَتَجَدَّدُ وَيَحْدُثُ كُلَّ سَاعَةٍ كَالْفِعْلِ فَكَانَ اخْتِصَاصُ الطَّلَاقِ بِالزَّمَانِ أَكْثَرَ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً.
وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي اللَّيْلِ، وَفِي النَّهَارِ تَقَعُ ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي لَيْلِك وَنَهَارِك طَلُقَتْ لِلْحَالِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ أَوْ إلَى الشِّتَاءِ تَعَلَّقَ قَوْلُهُ:(وَإِذَا دَخَلْت مَكَّةَ تَعْلِيقٌ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ التَّعْلِيقِ) وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي دُخُولِك الدَّارَ أَوْ فِي لُبْسِك ثَوْبَ كَذَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ فَلَا تَطْلُقُ حَتَّى تَفْعَلَ لِأَنَّ حَرْفَ فِي لِلظَّرْفِ، وَالْفِعْلُ لَا يَصْلُحُ شَاغِلًا لَهُ فَيُحْمَلُ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ فِيهَا دُخُولِك الدَّارَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْمِعْرَاجِ وَأَوْضَحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ فِي بِدُونِ حَرْفِ الْهَاءِ يَصِيرُ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا وَهُوَ الطَّلَاقُ، وَالدُّخُولُ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِأَنَّهُ فِعْلٌ فَجُعِلَ شَرْطًا فَصَارَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا بِدُخُولِ الدَّارِ وَإِذَا ذُكِرَ فِي مَعَ حَرْفِ الْهَاءِ صَارَ صِفَةً لِلْمَذْكُورِ آخِرًا وَهُوَ الدُّخُولُ، وَالطَّلَاقُ لَا يَصْلُح ظَرْفًا لِلدُّخُولِ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الطَّلَاقِ شَرْطًا أَيْضًا لِلدُّخُولِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِالظَّرْفِيَّةِ، وَالشَّرْطِيَّةِ فَيُلْغِي كَلِمَةٌ فِي فَوَقَعَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ اهـ.
فَإِنْ كَانَتْ الرِّوَايَةُ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى الطَّلْقَةِ، وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ مُذَكَّرًا فَهُوَ عَائِدٌ إلَى الطَّلَاقِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِهَا فِي قَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا لَا تَقَعُ لِأَنَّهَا كَالتَّعْلِيقِ تَوَقُّفًا لَا تَرَتُّبًا وَتَمَامُهُ فِي الْأُصُولِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ مَا يَقُومُ بِهَا فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا أَوْ غَيْرَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي مَرَضِك أَوْ وَجَعِك أَوْ صَلَاتِك لَمْ تَطْلُقُ حَتَّى تَمْرَضَ أَوْ تُصَلِّيَ إمَّا لِأَنَّ " فِي " حَرْفٌ بِمَعْنَى مَعَ أَوْ لِأَنَّ الْمَرَضَ وَنَحْوَهُ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ ظَرْفًا حُمِلَ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ مَجَازًا لِتَصْحِيحِ كَلَامِ الْعَاقِلِ.
وَأَشَارَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ إلَى قَاعِدَةٍ هِيَ أَنَّ الْإِضَافَةَ إنْ كَانَتْ إلَى الْمَوْجُودِ فَإِنَّهُ يَتَنَجَّزُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الدَّارِ، وَإِنْ كَانَتْ إلَى مَعْدُومٍ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ كَقَوْلِهِ فِي دُخُولِك وَقَيَّدَ بِفِي لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لِدُخُولِك الدَّارَ أَوْ قَالَ لِحَيْضِك تَطْلُقُ لِلْحَالِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ بِدُخُولِك الدَّارَ أَوْ بِحَيْضِك لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ وَتَحِيضَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي حَيْضِك وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ أُخْرَى لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ دُرُورِ الدَّمِ وَنُزُولِهِ لِوَقْتِهِ فَكَانَ فِعْلًا فَصَارَ شَرْطًا كَمَا فِي الدُّخُولِ، وَالشَّرْطُ يُعْتَبَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي حَيْضَةٍ أَوْ فِي حَيْضَتِك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ اسْمٌ لِلْحَيْضَةِ الْكَامِلَةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَلَا الْحَبَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» فَأَرَادَ بِهَا كَمَالَهَا اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ ذَكَرَ الْحَيْضَةَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ كَانَ تَعْلِيقًا لِطَلَاقِهَا عَلَى الطُّهْرِ مِنْ حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، وَإِنْ ذَكَرَهُ بِغَيْرِ تَاءٍ كَانَ تَعْلِيقًا عَلَى رُؤْيَةِ الدَّمِ بِشَرْطِ أَنْ يَمْتَدَّ ثَلَاثًا كَذَا فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَلُقَتْ لِلْحَالِ لِأَنَّ الْوَقْتَ يَصْلُحُ ظَرْفًا لِكَوْنِهَا طَالِقًا وَمَتَى طَلُقَتْ فِي وَقْتٍ طَلُقَتْ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ فِي مَجِيءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَجِيءَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ لِأَنَّ الْمَجِيءَ فِعْلٌ فَلَمْ يَصْلُحْ ظَرْفًا فَصَارَ شَرْطًا وَلَا يُحْتَسَبُ بِالْيَوْمِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ لِأَنَّ الشُّرُوطَ تُعْتَبَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي وَمَجِيءُ الْيَوْمِ يَكُونُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَقَدْ مَضَى جُزْءُ أَوَّلِهِ وَلَوْ قَالَ فِي مُضِيِّ يَوْمٍ تَطْلُقُ فِي الْغَدِ فِي مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ وَلَوْ قَالَ فِي مَجِيءِ يَوْمٍ تَطْلُقُ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ مِنْ الْغَدِ لِأَنَّ الْمَجِيءَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجِيءِ أَوَّلِ جُزْئِهِ يُقَالُ جَاءَ يَوْمُ
ــ
[منحة الخالق]
صَرِيحٌ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ مُذَكَّرًا. . . إلَخْ) بِأَنْ قَالَ فِيهِ دُخُولُك الدَّارَ، وَالْوُقُوعُ فِيهِ لِلْحَالِ أَظْهَرُ لِكَوْنِهِ عَائِدًا إلَى الطَّلَاقِ كَذَا فِي النَّهْرِ.