المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب مجاوزة الميقات بغير إحرام) - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٣

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌[فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى]

- ‌[فَصْلٌ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ]

- ‌(بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ)

- ‌(بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ)

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ فِي الْحَجّ أَوْ الْعُمْرَة]

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ فِي الْحَجُّ]

- ‌(بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ)

- ‌(بَابُ الْهَدْيِ)

- ‌[مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌(كِتَابُ النِّكَاحِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاح]

- ‌[بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاح]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ مَسَائِلِ الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاح]

- ‌(بَابُ الْمَهْرِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ)

- ‌[بَابُ نِكَاحِ الْكَافِر]

- ‌(بَابُ الْقَسْمِ)

- ‌(كِتَابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[الْمُحْرِمَات بِسَبَبِ الرَّضَاعِ]

- ‌[وَلَبَنُ الرَّجُلِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ]

- ‌ أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌[بَابُ أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ)

- ‌(بَابُ الْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ)

- ‌(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)

الفصل: ‌(باب مجاوزة الميقات بغير إحرام)

هُوَ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَا لَمْ يَعْجِزْ، وَلَمْ يُوَجَّهْ فَإِذَا عَجَزَ تَوَحَّدَ خِطَابُ الْجَزَاءِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأَخْذَ لَيْسَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ بَلْ الْقَتْلُ بِالنَّصِّ فَالتَّفْكِيرُ قَبْلَهُ وَاقِعٌ قَبْلَ السَّبَبِ فَلَا يَقَعُ إلَّا نَفْلًا فَإِذَا مَاتَتْ بَعْدَ أَدَاءِ هَذَا الْجَزَاءِ لَزِمَ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ تَعَلَّقَ خِطَابُ الْجَزَاءِ هَذَا الَّذِي أَدِينُ اللَّهَ بِهِ، وَأَقُولُ: يُكْرَهُ اصْطِيَادُهَا إذَا أَدَّى الْجَزَاءَ بَعْدَ الْهَرَبِ ثُمَّ ظَفِرَ بِهَا بِشُبْهَةِ كَوْنِ دَوَامِ الْعَجْزِ شَرْطَ إجْزَاءِ الْكَفَّارَةِ إلَّا إذَا اصْطَادَهَا لِيَرُدَّهَا إلَى الْحَرَمِ. اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُخْرِجُ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا فَلَا شَكَّ أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ قَدْ وُجِدَ، وَهُوَ التَّعَرُّضُ لِلصَّيْدِ فَإِنَّ الْآيَةَ، وَإِنْ أَفَادَتْ حُرْمَةَ الْقَتْلِ أَفَادَتْ السُّنَّةُ حُرْمَةَ التَّعَرُّضِ قَتْلًا أَوْ غَيْرَهُ وَلِهَذَا وَجَبَ الضَّمَانُ بِالدَّلَالَةِ، وَلَيْسَتْ قَتْلًا، وَقَدْ صَرَّحُوا كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِأَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا جَرَحَ صَيْدًا فَكَفَّرَ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ السَّبَبِ، وَلَيْسَ قَتْلًا، وَإِنْ كَانَ الْمُخْرِجُ حَلَالًا فَالنَّصُّ الْحَدِيثِيُّ أَفَادَ حُرْمَةَ التَّنْفِيرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِقَوْلِهِ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَمْ يَخُصَّ الْقَتْلَ وَالْمُرَادُ مِنْ التَّنْفِيرِ التَّعَرُّضُ لَهُ فَإِنَّهُ حَرَامٌ كَالْقَتْلِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالدَّلَالَةِ شَيْءٌ فَإِذَا أَخْرَجَهَا فَقَدْ اتَّصَلَ فِعْلُهُ بِهَا فَوُجِدَ سَبَبُ الضَّمَانِ فَجَازَ التَّكْفِيرُ فَإِذَا أَدَّى الْجَزَاءَ مَلَكَهَا مِلْكًا خَبِيثًا وَلِهَذَا قَالُوا يُكْرَهُ أَكْلُهَا، وَهِيَ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ مُنْصَرِفَةٌ إلَى الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ فَدَلَّ أَنَّهُ يَجِبُ رَدُّهَا إلَى الْحَرَمِ بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَيْنًا سَبَبًا لِلْجَزَاءِ لَمْ يَجِبْ الْجَزَاءُ بِإِخْرَاجِهَا، وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى رَدِّهَا إلَى الْحَرَمِ بِهَرَبِهَا فَالظَّاهِرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَئِمَّتُنَا.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِحُكْمِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ إلَى الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ كَالسَّمْنِ وَالشَّعْرِ.

فَإِنْ أَخْرَجَ حَلَالٌ ظَبْيَةَ الْحَرَمِ فَازْدَادَتْ قِيمَتُهَا مِنْ بَدَنٍ أَوْ شَعْرٍ ثُمَّ مَاتَتْ فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ جَزَاءَهَا قَبْلَ مَوْتِهَا فَالزِّيَادَةُ مَضْمُونَةٌ، وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا قَبْلَ مَوْتِهَا فَهِيَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ؛ لِأَنَّهُ انْعَدَمَ أَثَرُ الْفِعْلِ بِالتَّكْفِيرِ حَتَّى لَوْ أَنْشَأَ الْفِعْلَ فِيهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْحَرَمِ فَبَاعَهَا أَوْ ذَبَحَهَا أَوْ أَكَلَهَا جَازَ الْبَيْعُ وَالْأَكْلُ وَيُكْرَهُ، وَحُكْمُ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَبَعْدَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ يُفِيدُ أَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ الْحَرَمِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ كَانَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ، وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ الْجَزَاءَ، وَالظَّبْيَةُ الْأُنْثَى مِنْ الظِّبَاءِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

(بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ)

وَصَلَهُ بِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ أَيْضًا لَكِنَّ مَا سَبَقَ جِنَايَةٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا قَبْلَهُ وَالْمِيقَاتُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِخِلَافِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالزَّمَانِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ بِدَلِيلِ الْمُجَاوَزَةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُجَاوَزَةُ آخِرِ الْمَوَاقِيتِ إلَّا مُحْرِمًا فَإِذَا جَاوَزَهُ بِلَا إحْرَامٍ لَزِمَهُ دَمٌ، وَأَحَدُ النُّسُكَيْنِ إمَّا حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ؛ لِأَنَّ مُجَاوَزَةَ الْمِيقَاتِ بِنِيَّةِ دُخُولِ الْحَرَمِ بِمَنْزِلَةِ إيجَابِ الْإِحْرَامِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُحْرِمَ لَزِمَهُ إمَّا حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ فَكَذَلِكَ إذَا وَجَبَ بِالْفِعْلِ كَمَا إذَا افْتَتَحَ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ كَمَا لَوْ أَوْجَبَهَا بِالْقَوْلِ (قَوْلُهُ: مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا أَوْ جَاوَزَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَفْسَدَ، وَقَضَى بَطَلَ الدَّمُ) أَيْ مَنْ جَاوَزَ آخِرَ الْمَوَاقِيتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَلَبَّى فِيهِ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ الَّذِي لَزِمَهُ بِالْمُجَاوَزَةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَدَارَكَ مَا فَاتَهُ أَطْلَقَ الْإِحْرَامَ فَشَمِلَ إحْرَامَ الْحَجِّ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا، وَإِحْرَامَ الْعُمْرَةِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَادَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الدَّمُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ التَّلْبِيَةَ الْوَاجِبَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ، وَلِهَذَا كَانَ السُّقُوطُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُلَبِّيًا فِي الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ مُحْرِمًا، وَلَمْ يُلَبِّ فِي الْمِيقَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ الدَّمُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَدَارِكًا لِمَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ الْحَرَمِ فَبَاعَهَا أَوْ ذَبَحَهَا إلَخْ) تَقَدَّمَ عَنْ النَّهْرِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ تَأَمَّلْ.

[بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ]

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ) قَالَ: فِي النَّهْرِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لَزِمَهُ دَمٌ إلَّا أَنَّهُ اكْتَفَى بِمَا فُهِمَ اقْتِضَاءً مِنْ قَوْلِهِ بَطَلَ الدَّمُ

ص: 51

فَاتَهُ إلَّا بِهَا، وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ الدَّمُ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَمَرَّ بِالْمَوَاقِيتِ سَاكِتًا فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ هُوَ الْعَزِيمَةُ، وَقَدْ أَتَى بِهِ فَإِذَا تَرَخَّصَ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْمِيقَاتِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ حَقِّهِ بِإِنْشَاءِ التَّلْبِيَةِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَادَ مُحْرِمًا، وَلَمْ يُلَبِّ فِيهِ لَكِنْ لَبَّى بَعْدَمَا جَاوَزَهُ ثُمَّ رَجَعَ، وَمَرَّ بِهِ سَاكِتًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي تَعْظِيمِ الْبَيْتِ، وَأَطْلَقَ فِي الْعَوْدِ فَشَمِلَ مَا إذَا عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ أَوْ إلَى غَيْرِهِ أَقْرَبَ أَوْ أَبْعَدَ؛ لِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي حَقِّ الْإِحْرَامِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْرِمَ مِنْ وَقْتِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ جَاوَزَ آخِرَ الْمَوَاقِيتِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ آخِرِهَا وَيَجُوزُ مُجَاوَزَةُ مِيقَاتِهِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ إذَا كَانَ بَعْدَهُ مِيقَاتٌ آخَرُ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَوْدُ إلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَعْمَالِ فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَمَا طَافَ شَوْطًا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ طَوَافٍ؛ لِأَنَّ مَا شَرَعَ فِيهِ وَقَعَ مُعْتَدًّا بِهِ فَلَا يَعُودُ إلَى حُكْمِ الِابْتِدَاءِ بِالْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ.

وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ مَعَ الطَّوَافِ فَلَيْسَ احْتِرَازِيًّا بَلْ الطَّوَافُ يُؤَكِّدُ الدَّمَ مِنْ غَيْرِ اسْتِلَامٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْعَوْدَ أَفْضَلُ أَوْ تَرْكَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ إنْ خَافَ فَوْتَ الْحَجّ إذَا عَادَ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ وَيَمْضِي فِي إحْرَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَهُ عَادَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فَرْضٌ وَالْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَاجِبٌ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ أَهْوَنُ مِنْ تَرْكِ الْفَرْضِ. اهـ.

فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِي الْعُمْرَةِ، وَأَنَّهُ يَعُودُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ أَصْلًا وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ أَوْ جَاوَزَ ثُمَّ أَحْرَمَ إلَى آخِرِهِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا عَلِمْت بَيْنَ إحْرَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً، وَإِنْ كَانَ أَفْرَدَهَا لِأَجْلِ أَنَّ زُفَرَ يُخَالِفُ فِيهَا فَهُوَ مُخَالِفٌ أَيْضًا فِيمَا قَبْلَهَا خُصُوصًا أَنَّهُ مُوهِمٌ غَيْرَ الْمُرَادِ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ فِي الْقَضَاءِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِلسُّقُوطِ، وَقَيَّدَ بِالْعُمْرَةِ، وَلَيْسَ احْتِرَازِيًّا بَلْ إذَا فَسَدَ الْحَجُّ ثُمَّ قَضَاهُ بِأَنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ مِنْ سُقُوطِ الدَّمِ.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ دَخَلَ كُوفِيٌّ الْبُسْتَانَ لِحَاجَةٍ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ أَوَّلًا دُخُولَ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْبُسْتَانَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِهِ حِينَ دَخَلَهُ وَلِلْبُسْتَانِيِّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِلْحَاجَةِ فَكَذَلِكَ لَهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ جَمِيعُ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ قَالُوا: وَهَذِهِ حِيلَةُ الْآفَاقِيِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَيَنْوِي أَنْ يَدْخُلَ خُلَيْصًا مِثْلًا فَلَهُ مُجَاوَزَةُ رَابِغٍ الَّذِي هُوَ مِيقَاتُ الشَّامِيِّ وَالْمِصْرِيِّ الْمُحَاذِي لِلْجُحْفَةِ، وَلَمْ أَرَ أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ لَا بُدَّ مِنْهُ حِينَ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ أَوَّلًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ) أَيْ حَيْثُ قَالَ: لَوْ عَادَ بَعْدَمَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ، وَكَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الدُّرَرِ، وَفِي بَعْضِهَا أَوْ اسْتَلَمَ بِأَوْ، قَالَ: فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَعْد نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْمُؤَلِّفِ فَلْيُحَرَّرْ هَلْ مُجَرَّدُ الِاسْتِلَامِ مَانِعٌ لِلسُّقُوطِ أَوْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الطَّوَافِ. اهـ.

قُلْتُ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْعِنَايَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الِاسْتِلَامِ مَانِعًا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ وَظَهَرَ لَك بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الشَّوْطُ. اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِلَامِ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الشَّوْطُ الْكَامِلُ، وَلَيْسَ احْتِرَازِيًّا، وَكَيْفَ يَكُونُ الِاسْتِلَامُ بِمُجَرَّدِهِ مَانِعًا مَعَ أَنَّهُ يَكُونُ أَيْضًا قَبْلَ الِابْتِدَاءِ بِالطَّوَافِ تَأَمَّلْ، وَقَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ اللُّبَابِ، وَإِنْ عَادَ بَعْدَ شُرُوعِهِ كَأَنْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الْأَوْلَى كَأَنْ نَوَى الطَّوَافَ سَوَاءٌ اسْتَلَمَهُ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ ابْتَدَأَ مِنْهُ أَوْ لَا بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: بِأَنْ نَوَى. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ إلَخْ) قَرَّرَ فِي النَّهْرِ كَلَامَ الْمَتْنِ بِأَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ يُعْلَمُ مِنْهُ مَا إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ بِالْأَوْلَى، وَقَوْلُهُ ثُمَّ أَفْسَدَ أَيْ تِلْكَ الْعُمْرَةَ أَوْ الْحَجَّةَ، وَقَضَى مَا أَفْسَدَهُ مِنْ الْمِيقَاتِ بِأَنْ أَحْرَمَ فِي الْقَضَاءِ مِنْهُ، وَعَزَاهُ إلَى الزَّيْلَعِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْأُولَى مَا إذَا عَادَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ إلَى الْمِيقَاتِ، وَفِيهَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَدَاءً، وَقَضَاءً وَالثَّانِيَةُ مَا إذَا أَنْشَأَ إحْرَامَ الْقَضَاءِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ ثُمَّ عَادَ قَاضِيًا. اهـ.

وَلَا يَخْفَى عَلَيْك إنْ أَنْصَفْت مَا فِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ عَادَ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا عَمَّا إذَا أَنْشَأَ الْإِحْرَامَ مِنْهُ بَلْ لِيُدْخِلَ فِيهِ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى كَمَا مَرَّ؛ وَلِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْقَضَاءِ لَا تَخْتَصُّ بِمَا إذَا أَنْشَأَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ بَلْ كَذَلِكَ مَا إذَا عَادَ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا بِالْقَضَاءِ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ وَالْمُتُونُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الِاخْتِصَارِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُولَى لَشَمِلَ أَدَاءَ الْحَجِّ فَرْضِهِ وَنَفْلِهِ وَالْعُمْرَةَ وَقَضَاءَهُمَا. (قَوْلُهُ: بَلْ إذَا فَسَدَ الْحَجُّ ثُمَّ قَضَاهُ بِأَنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي غَيْرِهَا بَلْ إذَا فَسَدَ الْحَجُّ ثُمَّ عَادَ بِأَنْ قَضَاهُ فَالْحُكْمُ إلَخْ وَالْأُولَى أَظْهَرُ.

(قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ وُجُودَ ذَلِكَ الْقَصْدِ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ كَافٍ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَمَا ذَكَرَ حُكْمَ الْمُجَاوَزَةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ قَالَ: هَذَا إذَا جَاوَزَ أَحَدٌ هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ الْخَمْسَةَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ أَوْ دُخُولَ

ص: 52

الْآفَاقِيَّ يُرِيدُ دُخُولَ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَالْحَرَمِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَافِيًا فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ قَصْدِ مَكَان مَخْصُوصٍ مِنْ الْحِلِّ الدَّاخِلِ الْمِيقَاتِ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا نَوَى إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي الْبُسْتَانِ فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَإِلَّا فَلَا لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ الْإِطْلَاقُ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ ثُمَّ حَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ ذَلِكَ صَحَّ عَنْ دُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَإِنْ تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ لَا) ؛ لِأَنَّهُ تَلَافَى الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَعْظِيمُ هَذِهِ الْبُقْعَةِ بِالْإِحْرَامِ كَمَا إذَا أَتَاهَا بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فِي الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَتَأَدَّى إلَّا بِإِحْرَامٍ مَقْصُودٍ كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى بِصَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ دُونَ الْعَامِ الثَّانِي. فَإِنْ قُلْتُ: سَلَّمْنَا أَنَّ الْحَجَّةَ بِتَحَوُّلِ السَّنَةِ تَصِيرُ دَيْنًا، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعُمْرَةَ تَصِيرُ دَيْنًا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ قُلْتُ: لَا شَكَّ أَنَّ الْعُمْرَةَ يُكْرَهُ تَرْكُهَا إلَى آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ فَإِذَا أَخَّرَهَا إلَى وَقْتٍ يُكْرَهُ صَارَ كَالْمُفَوِّتِ لَهَا فَصَارَتْ دَيْنًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا فَرْقَ بَيْنَ سَنَةِ الْمُجَاوَزَةِ وَسَنَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ إذَا دَخَلَهَا بِلَا إحْرَامٍ لَيْسَ إلَّا وُجُوبُ الْإِحْرَامِ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ فَقَطْ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ فَعَلَ ذَلِكَ يَقَعُ أَدَاءً إذْ الدَّلِيلُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِيَصِيرَ بِفَوَاتِهَا دَيْنًا يُقْضَى فَمَهْمَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِنُسُكٍ عَلَيْهِ تَأَدِّي هَذَا الْوَاجِبُ فِي ضِمْنِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا تَكَرَّرَ الدُّخُولُ بِلَا إحْرَامٍ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى التَّعْيِينِ، وَإِنْ كَانَتْ أَسْبَابًا مُتَعَدِّدَةَ الْأَشْخَاصِ دُونَ النَّوْعِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ عَلَيْهِ يَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَ يَنْوِي مُجَرَّدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ، وَلَا غَيْرَهُ جَازَ، وَكَذَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا نَقُولُ إذَا رَجَعَ مِرَارًا فَأَحْرَمَ كُلَّ مَرَّةٍ بِنُسُكٍ حَتَّى أَتَى عَلَى عَدَدٍ دَخَلَاتِهِ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ. اهـ.

يُشِيرُ إلَى رَدِّ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ قَاصِدًا مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ مِرَارًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ إمَّا حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْ عَامَّةِ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا وَجَبَ عَنْهُ لِأَجْلِ الْمُجَاوَزَةِ الْأَخِيرَةِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَا وَجَبَ لِأَجْلِ مُجَاوَزَتِهِ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَبْلَ الْأَخِيرَةِ صَارَ دَيْنًا فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ. اهـ.

وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْحَجَّ فَشَمِلَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَالْحَجَّةَ الْمَنْذُورَةَ وَيَلْحَقُ بِهِ الْعُمْرَةُ الْمَنْذُورَةُ فَلَوْ قَالَ: ثُمَّ أَحْرَمَ عَمَّا عَلَيْهِ فِي عَامِهِ ذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ كُلَّ إحْرَامٍ وَاجِبٍ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَدَاءً، وَقَضَاءً أَوْ فِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا جَاوَزَ الْعَبْدُ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ أَنْ يُحْرِمَ

ــ

[منحة الخالق]

مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بُسْتَانَ بَنِي عَامِرٍ أَوْ غَيْرَهُ لِحَاجَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ.

فَاعْتَبَرَ الْإِرَادَةَ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ كَمَا تَرَى. اهـ.

أَقُولُ: وَظَاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ النُّسُكَ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ، وَإِنْ قَصَدَ دُخُولَ الْبُسْتَانِ لِقَوْلِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ إلَخْ، وَكَذَا مَنْ يُرِدْ الْحَرَمَ فَلَا تَنْفَعُهُ إرَادَةُ دُخُولِ الْبُسْتَانِ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ، وَمَنْ جَاوَزَ وَقْتَهُ يَقْصِدُ مَكَانًا فِي الْحِلِّ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَقَوْلُهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَيْ ظَهَرَ وَحَدَثَ لَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ، وَإِنْ أَرَادَ دُخُولَ الْبُسْتَانِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ لَمْ يَبْدُ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَقْصُودُهُ الْأَصْلِيُّ وَحِينَئِذٍ يُشْكِلُ قَوْلُهُمْ، وَهَذِهِ حِيلَةُ الْآفَاقِيِّ إلَخْ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا الْإِشْكَالِ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ ثُمَّ قَالَ: وَالْوَجْهُ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ يَقْصِدَ الْبُسْتَانَ قَصْدًا أَوَّلِيًّا، وَلَا يَضُرُّهُ دُخُولُ الْحَرَمِ بَعْدَهُ قَصْدًا ضِمْنِيًّا أَوْ عَارِضِيًّا كَمَا إذَا قَصَدَ مَدَنِيٌّ جُدَّةَ لِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ أَوَّلًا وَيَكُونُ فِي خَاطِرِهِ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ ثَانِيًا بِخِلَافِ مَنْ جَاءَ مِنْ الْهِنْدِ بِقَصْدِ الْحَجِّ أَوَّلًا وَيَقْصِدُ دُخُولَ جُدَّةَ تَبَعًا، وَلَوْ قَصَدَ بَيْعًا وَشِرَاءً. اهـ.

وَلَا تَنْسَ مَا مَرَّ قُبَيْلَ بَابِ الْإِحْرَامِ أَنَّ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ فَمِيقَاتُهُ الْحِلُّ فَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ عِنْدَ قَصْدِ النُّسُكِ إلَّا مُحْرِمًا، وَعَلَيْهِ فَمَنْ قَصَدَ الْبُسْتَانَ قَصْدًا أَوَّلِيًّا ثُمَّ أَرَادَ النُّسُكَ لَا يَحِلُّ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ هُنَاكَ عَنْ الشَّيْخِ قُطْبِ الدِّينِ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ حَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي عَامِهِ) ذَلِكَ عِبَارَةُ الدُّرَرِ وَصَحَّ مِنْهُ لَوْ خَرَجَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ، وَأَحْرَمَ وَحَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة كَذَا قَيَّدَ الْخُرُوجَ إلَى الْمِيقَاتِ مِنْ عَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَقْيِيدِهِ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ ثُمَّ أَحْرَمَ يُرِيدُ قَضَاءَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ أَجْزَأَهُ فِي ذَلِكَ الْمِيقَاتِ أَهْلُ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ بِالْحَرَمِ وَبِالْعُمْرَةِ بِالْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ بِمَكَّةَ صَارَ فِي حُكْمِ أَهْلِهَا فَيُجْزِئُهُ إحْرَامُهُ مِنْ مِيقَاتِهِمْ. اهـ.

وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ بِتَحْوِيلِ السَّنَةِ. اهـ.

وَلَوْ خَرَجَ وَأَهَّلَ مِنْ مِيقَاتٍ أَقْرَبَ مِمَّا جَاوَزَهُ أَجْزَأَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِخُرُوجِهِ إلَى الْمِيقَاتِ يُسْقِطُ الدَّمَ الَّذِي لَزِمَهُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَرِّرَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ وَلُزُومُ نُسُكٍ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَقَدْ عَلِمْت حُكْمَ كُلٍّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: يُشِيرُ إلَى رَدِّ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ إلَخْ) ظَاهِرُهُ اخْتِيَارُ مَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ الْمَنْقُولِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ أَنْ يُحْرِمَ

ص: 53