الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذْنٍ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا، وَلَا يَتَأَخَّرُ تَحْلِيلُهُ إيَّاهَا إلَى ذَبْحِ الْهَدْيِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ، وَلَوْ أَذِنَ لِامْرَأَتِهِ فِي حَجِّ النَّفْلِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ لِمِلْكِهَا مَنَافِعَهَا، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَته الْمُحْرِمَةَ، وَلَا يَعْلَمُ بِإِحْرَامِهَا لَمْ يَكُنْ تَحْلِيلًا، وَفَسَدَ حَجُّهَا، وَإِنْ عَلِمَهُ كَانَ تَحْلِيلًا، وَلَوْ حَلَّلَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فَأَذِنَ لَهَا فَأَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ، وَلَوْ بَعْدَمَا جَامَعَهَا مِنْ عَامِهَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا عُمْرَةٌ، وَلَا نِيَّةُ الْقَضَاءِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ كَانَ عَلَيْهَا عُمْرَةٌ مَعَ الْحَجِّ، وَلَوْ حَلَّلَهَا فَأَحْرَمَتْ فَحَلَّلَهَا فَأَحْرَمَتْ هَكَذَا مِرَارًا ثُمَّ حَجَّتْ مِنْ عَامِهَا أَجْزَأَهَا عَنْ كُلِّ التَّحَلُّلَاتِ بِتِلْكَ الْحَجَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَوْ لَمْ تَحُجَّ إلَّا مِنْ قَابِلٍ كَانَ عَلَيْهَا لِكُلِّ تَحْلِيلٍ عُمْرَةٌ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(كِتَابُ النِّكَاحِ)
.
ذَكَرَهُ بَعْدَ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهَا حَتَّى كَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ، وَقُدِّمَ عَلَى الْجِهَادِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَأَمْرُ الْمُنَاسَبَةِ سَهْلٌ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ فَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الصِّحَاحِ فَإِنَّهُ قَالَ: النِّكَاحُ الْوَطْءُ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَقْدَ تَقُولُ نَكَحْتهَا وَنَكَحَتْ هِيَ أَيْ تَزَوَّجْت، وَهِيَ نَاكِحٌ فِي بَنِي فُلَانٍ أَيْ ذَاتُ زَوْجٍ وَالْمُرَادُ بِالْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ، وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَنَسَبَهُ الْأُصُولِيُّونَ إلَى الشَّافِعِيِّ فِي بَحْثِ مَتَى أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ سَقَطَ الْمَجَازُ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا صَرَّحُوا بِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْرِبِ وَذَكَرَ الْأُصُولِيُّونَ أَنَّ ثَمَرَةَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ تَظْهَرُ فِي حُرْمَةِ مَوْطُوءَةِ الْأَبِ مِنْ الزِّنَا أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَلَمَّا كَانَ حَقِيقَةً فِي الْعَقْدِ عِنْدَهُ لَمْ تَحْرُمْ مَوْطُوءَتُهُ مِنْ الزِّنَا، وَلَمَّا كَانَ حَقِيقَةً فِي الْوَطْءِ عِنْدَنَا الشَّامِلِ لِلْوَطْءِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ حَرُمَتْ عِنْدَنَا وَحَرُمَتْ مَعْقُودَةُ الْأَبِ بِغَيْرِ وَطْءٍ بِالْإِجْمَاعِ.
وَتَفَرَّعَ عَلَى أَصْلِنَا مَا لَوْ قَالَ: لِامْرَأَتِهِ إنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ لِلْوَطْءِ فَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا مَا لَوْ قَالَ: لِأَجْنَبِيَّةٍ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لِلْعَقْدِ لِتَعَذُّرِ الْوَطْءِ شَرْعًا فَكَانَتْ حَقِيقَةً مَهْجُورَةً كَمَا فِي الْكَشْفِ وَلِذَا لَوْ قَالَ: ذَلِكَ لِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا بِأَنْ قَالَ: إنْ نَكَحْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ انْصَرَفَ إلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الضَّمِّ صَرَّحَ بِهِ مَشَايِخُنَا أَيْضًا لَكِنْ قَالَ: فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ أَفْرَادِ الضَّمِّ وَالْمَوْضُوعُ لِلْأَعَمِّ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْ أَفْرَادِهِ كَإِنْسَانٍ فِي زَيْدٍ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الْوَطْءَ مُغَايِرٌ لِلضَّمِّ وَلِذَا قَالَ: فِي الْمُغْرِبِ، وَقَوْلُهُمْ النِّكَاحُ الضَّمُّ مَجَازٌ كَإِطْلَاقِهِ عَلَى الْعَقْدِ إلَّا أَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى الضَّمِّ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمُسَبَّبِ بِاسْمِ السَّبَبِ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْعَقْدِ بِالْعَكْسِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مُغَايَرَةِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ ذَكَرَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الضَّمِّ الشَّامِلِ لِلْوَطْءِ وَالْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ ضَمِّ الْإِيجَابِ إلَى الْقَبُولِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ أَيْضًا، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ مَجَازٌ فِيهِ وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى مَا فِي الْمُغْرِبِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَرَجَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ وَالْمُشْتَرَكُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمَوْضُوعِ الْأَصْلِيِّ دُونَ الْمَجَازِ. اهـ.
وَهُوَ غَفْلَةٌ عَمَّا فِي الْأُصُولِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ إذَا دَارَ لَفْظٌ بَيْنَ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ فَالْمَجَازُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ، وَأَغْلَبُ وَالِاشْتِرَاكُ يُخِلُّ بِالتَّفَاهُمِ وَيَحْتَاجُ إلَى قَرِينَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ، وَقَالَ: فِي الْبَدَائِعِ إنَّهُ الْحَقُّ وَالْمُتَحَقِّقُ الِاسْتِعْمَالُ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي تَعْيِينِ
ــ
[منحة الخالق]
[كِتَابُ النِّكَاحِ]
(قَوْلُهُ: حَتَّى كَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلَ إلَخْ) أَيْ الِاشْتِغَالُ بِالنِّكَاحِ، وَمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَامِ بِالْمَصَالِحِ، وَإِعْفَافِ الْحَرَامِ عَنْ نَفْسِهِ وَتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَهُ فِي النَّهْرِ وَسَيَأْتِي الِاسْتِدْلَال عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ بِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ وَحَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَرْدُودٌ) قَالَ: فِي النَّهْرِ قَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْوَطْءَ نَفْسَهُ ضَمٌّ، وَقَدْ جَعَلَ فِي الْمُحِيطِ الضَّمَّ أَعَمَّ مِنْ ضَمِّ الْجِسْمِ إلَى الْجِسْمِ وَالْقَوْلِ إلَى الْقَوْلِ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا أَيْضًا غَيْرَ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ لَفْظِ الضَّمِّ تَعَلُّقُهُ بِالْأَجْسَامِ لَا الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ يَتَلَاشَى الْأَوَّلُ مِنْهَا قَبْلَ وُجُودِ الثَّانِي فَلَا يُصَادِفُ الثَّانِي مِنْهَا مَا يَنْضَمُّ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُمْ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ يُرَجِّحُ مَا فِي الْمُغْرِبِ، وَأَنَّ إطْلَاقَهُ يَعُمُّ الْمَعْنَوِيَّ أَيْضًا. اهـ.
أَيْ إطْلَاقُ قَوْلِهِمْ الْمَجَازُ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ يَعُمُّ الْمُشْتَرَكَ الْمَعْنَوِيَّ.
(قَوْلُهُ: مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمُسَبَّبِ بِاسْمِ السَّبَبِ) أَيْ إطْلَاقُ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ عَلَى الضَّمِّ مَجَازٌ عِلَاقَتُهُ السَّبَبِيَّةُ والمسببية فَإِنَّ الْوَطْءَ سَبَبٌ لِلضَّمِّ فَصَحَّ إطْلَاقُ النِّكَاحِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُسَبَّبًا عَنْهُ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلْوَطْءِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ) أَيْ الْقَوْلِ بِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ يَكُونُ مَجَازًا فِي الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْأَوَّلَ) أَيْ إنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَيَيْهِ، وَهِيَ الْأَصْلُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا
الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَهُ.
وَأَمَّا مَعْنَاهُ شَرْعًا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ أُطْلِقَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ فَهُوَ لِلْوَطْءِ فَقَدْ تَسَاوَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَلِذَا قَالَ قَاضِي خَانْ إنَّهُ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْعَقْدِ الْخَاصِّ فَهُوَ مَعْنَاهُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَلِذَا قَالَ: فِي الْمُجْتَبَى إنَّهُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ الْعَقْدُ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ فِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِلْعَقْدِ الْخَاصِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ، وَهُمْ أَهْلُ الشَّرْعِ فَلَا مُخَالَفَةَ وَسَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ الْحَظْرُ، وَإِبَاحَتُهُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْكَشْفِ تَعَلُّقُ بَقَاءِ الْعَالَمِ بِهِ الْمُقَدَّرُ فِي الْعِلْمِ الْأَزَلِيِّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَإِلَّا فَيُمْكِنُ بَقَاءُ النَّوْعِ بِالْوَطْءِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ لَكِنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلتَّظَالُمِ وَالسَّفْكِ وَضَيَاعِ الْأَنْسَابِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ وَشَرْطُهُ نَوْعَانِ عَامٌّ فِي تَنْفِيذِ كُلِّ تَصَرُّفٍ دَائِرٍ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ وَخَاصٌّ فَالْأَوَّلُ الْأَهْلِيَّةُ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ قَالَ: فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الْوَلِيِّ لَا فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَلَا فِي مُتَوَلِّي الْعَقْدِ فَإِنَّ تَزْوِيجَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ جَائِزٌ وَتَوْكِيلُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِدُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ جَائِزٌ فِي الْبَيْعِ عِنْدَنَا فَصِحَّتُهُ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ سَفِيرٍ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَشَرْطُ النَّفَاذِ بِلَا إذْنِ أَحَدٍ. اهـ.
وَضَمَّ الزَّيْلَعِيُّ الْحُرِّيَّةَ إلَى الْعَقْلِ وَبِالْبُلُوغِ فِي الشَّرْطِ الْعَامِّ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّمْيِيزَ شَرْطٌ فِي مُتَوَلِّي الْعَقْدِ لِلِانْعِقَادِ أَصِيلًا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَلَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ بِمُبَاشَرَةِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَأَمَّا الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ فَشَرْطُ النَّفَاذِ فِي مُتَوَلِّي الْعَقْدِ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ فَتَوَقُّفُ عَقْدِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَالْعَبْدِ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى، وَأَمَّا الْمَحَلِّيَّةُ فَقَالَ: فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّهَا مِنْ الشُّرُوطِ الْعَامَّةِ وَتَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَشْيَاءِ وَالْأَحْكَامِ كَمَحَلِّيَّةِ الْمَبِيعِ لِلْبَيْعِ وَالْأُنْثَى لِلنِّكَاحِ. اهـ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَحَلِّيَّةَ الْأُنْثَى الْمُحَقَّقَةِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ لَيْسَتْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَفِي الْعِنَايَةِ مَحَلُّهُ امْرَأَةٌ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ نِكَاحِهَا مَانِعٌ شَرْعِيٌّ فَخَرَجَ الذَّكَرُ لِلذَّكَرِ وَالْخُنْثَى مُطْلَقًا وَالْجِنِّيَّةُ لِلْإِنْسِيِّ، وَمَا كَانَ مِنْ النِّسَاءِ مُحَرَّمًا عَلَى التَّأْيِيدِ كَالْمَحَارِمِ وَلِذَا قَالَ: فِي التَّبْيِينِ مِنْ كِتَابِ الْخُنْثَى لَوْ زَوَّجَهُ أَبُوهُ أَوْ مَوْلَاهُ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا زُوِّجَ بِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ كَانَ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَبَاطِلٌ لِعَدَمِ مُصَادَفَةِ الْمَحَلِّ، وَكَذَا إذَا زُوِّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى آخَرَ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا ذَكَرٌ وَالْآخَرَ أُنْثَى. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَجُوزُ التَّزْوِيجُ بِجِنِّيَّةٍ، وَأَجَازَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ بِشُهُودٍ وَذَكَرَ أَهْلُ الْأُصُولِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ مَجَازٌ عَنْ النَّفْيِ فَكَانَ نَسْخًا لِعَدَمِ مَحَلِّهِ وَصَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِعَدَمِ مَحَلِّيَّةِ الْمَحَارِمِ لِلنِّكَاحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ إسْقَاطُ أَبِي حَنِيفَةَ الْحَدَّ عَمَّنْ وَطِئَ مُحَرَّمَةٍ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَحَلًّا لَمْ تَبْقَ شُبْهَةً بِالْعَقْدِ وَالْجَوَابُ أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ لِلنِّكَاحِ أَصْلًا بِدَلِيلِ حِلِّ تَزَوُّجِهَا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا لَهَا فَأَبُو حَنِيفَةَ نَظَرَ إلَى هَذَا، وَهُمَا نَظَرَا إلَى خُرُوجِهَا عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَاطِئِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلِذَا قَالَ: فِي الْخُلَاصَةِ إنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالثَّانِي أَعْنِي الشَّرْطَ الْخَاصَّ لِلِانْعِقَادِ سَمَاعِ اثْنَيْنِ بِوَصْفٍ خَاصٍّ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ زَادَ فِي الْمُحِيطِ، وَكَوْنُ الْمَرْأَةِ مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَاللَّفْظِ الْقَائِمِ مَقَامَهُمَا مِنْ مُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ شَرْعًا وَحِكْمَةُ حِلُّ اسْتِمْتَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا وَحُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ، وَمِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضَ الْأَشْيَاءِ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا سَيَرِدُ عَلَيْك كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَقَدْ ذَكَرَ أَحْكَامَهُ فِي الْبَدَائِعِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ فَقَالَ: مِنْهَا حِلُّ الْوَطْءِ لَا فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِحْرَامِ، وَفِي الظِّهَارِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَوُجُوبُهُ قَضَاءً مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَدِيَانَةً فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا، وَقِيلَ يَجِبُ قَضَاءً أَيْضًا، وَمِنْهَا حِلُّ النَّظَرِ وَالْمَسِّ مِنْ رَأْسِهَا إلَى قَدِمَهَا إلَّا لِمَانِعٍ
ــ
[منحة الخالق]
مَجَازًا فِي الْآخَرِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْعَقْدِ الْخَاصِّ) أَيْ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هُوَ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى مِلْكِ الْمُتْعَةِ (قَوْلُهُ: فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ، وَهُمْ أَهْلُ الشَّرْعِ) الَّذِي فِي غَيْرِ هَذِهِ النُّسْخَةِ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ، وَهُمْ الْفُقَهَاءُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ تَزْوِيجَ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَقَوْلُهُ وَتَوْكِيلُ الصَّبِيِّ إلَخْ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَا فِي مُتَوَلِّي الْعَقْدِ وَكُلٌّ مِنْ تَزْوِيجٍ وَتَوْكِيلٍ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَحَلِّيَّةَ الْأُنْثَى) كَذَا فِيمَا رَأَيْته مِنْ النُّسَخِ بِالْإِضَافَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُحَرَّفَةٌ وَالْأَصْلُ مَحَلِّيَّتُهُ أَوْ مَحَلُّهُ بِالضَّمِيرِ مَعَ التَّاءِ أَوْ بِدُونِهَا فَالْأُنْثَى خَبَرُ إنَّ
وَمِنْهَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ اخْتِصَاصُ الزَّوْجِ بِمَنَافِعِ بُضْعِهَا وَسَائِرِ أَعْضَائِهَا اسْتِمْتَاعًا، وَمِنْهَا مِلْكُ الْحَبْسِ وَالْقَيْدِ، وَهُوَ صَيْرُورَتُهَا مَمْنُوعَةً عَنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ، وَمِنْهَا وُجُوبُ الْمَهْرِ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا وُجُوبُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، وَمِنْهَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ، وَمِنْهَا الْإِرْثُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَمِنْهَا وُجُوبُ الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ فِي حُقُوقِهِنَّ، وَمِنْهَا وُجُوبُ طَاعَتِهِ عَلَيْهَا إذَا دَعَاهَا إلَى الْفِرَاشِ، وَمِنْهَا وِلَايَةُ تَأْدِيبِهَا إذَا لَمْ تُطِعْهُ بِأَنْ نَشَزَتْ، وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ مُعَاشَرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْأَمْرُ فِي قَوْله تَعَالَى، {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لَهَا أَيْضًا وَالْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ الْإِحْسَانُ قَوْلًا، وَفِعْلًا وَخُلُقًا إلَى آخِرِ مَا فِي الْبَدَائِعِ، وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَنْ لَا يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَكِنْ قَالَ: فِي التَّتِمَّةِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إنْ شَاءَتْ أَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَأَبْطَلَ صَاحِبُ الْمَشِيئَةِ مَشِيئَتَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ إذَا بَطَلَتْ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ نِكَاحًا بِغَيْرِ مَشِيئَةِ كَمَا قَالُوا فِي السَّلَمِ إذَا أَبْطَلَ الْخِيَارَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ السَّلَمُ.
وَلَوْ بَدَأَ الزَّوْجُ فَقَالَ: تَزَوَّجْتُك إنْ شِئْت ثُمَّ قَبِلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ شُرُوطٍ تَمَّ النِّكَاحُ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إبْطَالِ الْمَشِيئَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: تَزَوَّجْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ رَضِيَ فُلَانٌ الْيَوْمَ فَإِنْ كَانَ فُلَانٌ حَاضِرًا فَقَالَ: قَدْ رَضِيت جَازَ النِّكَاحُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَاضِرٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَيْسَ هَذَا كَقَوْلِهِ قَدْ تَزَوَّجْتُك وَلِفُلَانٍ الرِّضَا؛ لِأَنَّ هَذَا قَوْلٌ قَدْ وَجَبَ وَشَرْطُ خِيَارٍ وَالْأَوَّلُ لَمْ يُوجَبْ وَجَعَلَ الْإِيجَابَ مُخَاطَرَةً، وَلَوْ قَالَ: تَزَوَّجْتُك الْيَوْمَ عَلَى أَنَّ لَك الْمَشِيئَةَ الْيَوْمَ إلَى اللَّيْلِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ كَشَرْطِ الْخِيَارِ اهـ
هَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَكِنْ قَالَ: قَبْلَهُ لَوْ قَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك إنْ رَضِيَ أَبِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْخَطَرِ. اهـ.
وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَبَ إنْ كَانَ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ وَرَضِيَ الْجَوَازَ ثُمَّ رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ خَطَبَ بِنْتَ رَجُلٍ لِابْنِهِ فَقَالَ: أَبُوهَا زَوَّجْتهَا قَبْلَك مِنْ فُلَانٍ فَكَذَّبَهُ أَبُو الِابْنِ فَقَالَ: إنْ لَمْ أَكُنْ زَوَّجْتهَا مِنْ فُلَانٍ فَقَدْ زَوَّجْتهَا مِنْ ابْنِك، وَقَبِلَ أَبُو الِابْنِ ثُمَّ عَلِمَ كَذِبَهُ انْعَقَدَ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْوُجُودِ تَحْقِيقٌ. اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِي فَقَبِلَ لَا يَصِحُّ كَالتَّعْلِيقِ، وَإِضَافَتُهُ إلَى وَقْتٍ لَا يَصِحُّ وَصِفَتُهُ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ وَحَرَامٌ، وَمَكْرُوهٌ، وَمُبَاحٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ يَخَافَ الْوُقُوعَ فِي الزِّنَا لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى تَرْكِ الْحَرَامِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا.
وَأَمَّا الثَّانِي فَبِأَنْ يَخَافَهُ لَا بِالْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ إذْ لَيْسَ الْخَوْفُ مُطْلَقًا مُسْتَلْزِمًا بُلُوغَهُ إلَى عَدَمِ التَّمَكُّنِ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ قَوْلِ مَنْ عَبَّرَ بِالِافْتِرَاضِ وَبَيْنَ مَنْ عَبَّرَ بِالْوُجُوبِ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مَشْرُوطٌ بِشَرْطَيْنِ. الْأَوَّلُ: مِلْكُ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فَلَيْسَ مَنْ خَافَهُ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْهُمَا آثِمًا بِتَرْكِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. الثَّانِي: عَدَمُ خَوْفِ الْجَوْرِ فَإِنْ تَعَارَضَ خَوْفُ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَخَوْفُ الْجَوْرِ لَوْ تَزَوَّجَ قَدَّمَ الثَّانِيَ فَلَا افْتِرَاضَ بَلْ مَكْرُوهٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّ الْجَوْرَ مَعْصِيَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعِبَادِ وَالْمَنْعُ مِنْ الزِّنَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ عِنْدَ التَّعَارُضِ لِاحْتِيَاجِهِ وَغِنَى الْمَوْلَى تَعَالَى، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَعِنْدَ الِاعْتِدَالِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَأَمَّا الرَّابِعُ فَبِأَنْ يَخَافَ الْجَوْرَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِمَصْلَحَةٍ مِنْ تَحْصِينِ النَّفْسِ وَتَحْصِيلِ الثَّوَابِ وَبِالْجَوْرِ يَأْثَمُ وَيَرْتَكِبُ الْمُحَرَّمَاتِ فَتَنْعَدِمُ الْمَصَالِحُ لِرُجْحَانِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ، وَأَمَّا الْخَامِسُ فَبِأَنْ يَخَافَهُ لَا بِالْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَمَنْ أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ عِنْدَ خَوْفِ الْجَوْرِ فَمُرَادُهُ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْقِسْمَيْنِ.
وَأَمَّا السَّادِسُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا قَوْلٌ قَدْ وَجَبَ وَشَرْطُ خِيَارٍ وَالْأَوَّلُ لَمْ يُوجِبْ إلَخْ) الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ هَكَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا قَوْلٌ قَدْ وَجَبَ وَشَرْطُ الْخِيَارِ لِغَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ مُخَاطَرَةٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: كَشَرْطِ الْخِيَارِ) أَيْ فِيمَا لَوْ قَالَ: تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ يَجُوزُ النِّكَاحُ، وَلَا يَصِحُّ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ مَا عَلَّقَ النِّكَاحَ بِالشَّرْطِ بَلْ بَاشَرَ النِّكَاحَ وَشَرَطَ الْخِيَارَ فَيَبْطُلُ شَرْطُ الْخِيَارِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ قَالَ: تَزَوَّجْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إنْ رَضِيَ فُلَانٌ الْيَوْمَ إلَخْ، وَقِيَاسُ مُبْتَدَأٌ وَالْجَوَازُ خَبَرُهُ، وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ ثُمَّ رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ، وَعِبَارَةُ الظَّهِيرِيَّةِ هَكَذَا امْرَأَةٌ قَالَتْ لِرَجُلٍ بِمَحْضَرٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ تَزَوَّجْتُك عَلَى كَذَا إنْ أَجَازَ أَبِي أَوْ رَضِيَ فَقَالَ: قَبِلْت لَا يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ فِي الْمَجْلِسِ فَقَالَ: رَضِيت أَوْ أَجَزْت جَازَ. اهـ.
وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَنَقَلَهُ فِي النَّهْرِ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّرْفِ، وَقَالَ: إنَّهُ الْحَقُّ، وَإِنَّ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُشْكِلٌ أَيْ لِمَا مَرَّ مِنْ حُكْمِهِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَسْأَلَةَ التَّتِمَّةِ تُؤَيِّدُ تَفْصِيلَ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى تَرْكِ الْحَرَامِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا) قَالَ: فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ التَّرْكُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ النِّكَاحِ، وَهُوَ التَّسَرِّي وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ وُجُوبُهُ إلَّا لَوْ فَرَضْنَا الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّهُ لَيْسَ قَادِرًا عَلَيْهِ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى عَدَمُ وُرُودِ النَّظَرِ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إلَّا بِهِ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسَرِّي (قَوْلُهُ: فَمُرَادُهُ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْقِسْمَيْنِ) أَيْ قِسْمَيْ الْجَوْرِ، وَهُوَ الْقِسْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْخَامِسِ
فَبِأَنْ يَخَافَ الْعَجْزَ عَنْ الْإِيفَاءِ بِمَوَاجِبِهِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى يَعْنِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَمَّا مَحَاسِنُهُ فَكَثِيرَةٌ وَدَلَائِلُهُ شَهِيرَةٌ (قَوْلُهُ: هُوَ عَقْدٌ يَرِدُ عَلَى مِلْكِ الْمُتْعَةِ قَصْدًا) أَيْ النِّكَاحِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا نِكَاحًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ مَجْمُوعُ إيجَابِ أَحَدِ الْمُتَكَلِّمَيْنِ مَعَ قَبُولِ الْآخَرِ سَوَاءٌ كَانَ بِاللَّفْظَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ مِنْ زَوَّجْت وَتَزَوَّجْت أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا سَيُذْكَرُ أَوْ كَلَامُ الْوَاحِدِ الْقَائِمِ مَقَامَهُمَا أَعْنِي مُتَوَلِّيَ الطَّرَفَيْنِ، وَقَوْلُ الْوَرْشَكِيِّ إنَّهُ مَعْنًى يُحِلُّ الْمَحَلَّ فَيَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُ الْمَحَلِّ وَزَوَّجْت وَتَزَوَّجْت آلَةُ انْعِقَادِهِ إطْلَاقٌ لَهُ عَلَى حُكْمِهِ فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُ الْمَحَلِّ مِنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِإِخْرَاجِ اللَّفْظَيْنِ عَنْ مُسَمَّاهُ، وَهُوَ اصْطِلَاحٌ آخَرَ غَيْرُ مَشْهُورٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ مِلْكِ الِانْتِفَاعِ وَالْوَطْءِ كَمَا فِي الْكَشْفِ، وَمَعْنَى وُرُودِهِ عَلَيْهِ إفَادَتُهُ لَهُ شَرْعًا فَلَوْ قَالَ: يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ أَوْ يَثْبُتُ بِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ قَصْدًا لَكَانَ أَظْهَرَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ عَقْدٌ يُفِيدُ حُكْمَهُ بِحَسَبِ وَضْعِ الشَّرْعِ.
وَالْمُرَادُ بِالْمِلْكِ الْحِلُّ لَا الْمِلْكُ الشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَمَهْرُهَا لَهَا، وَلَوْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِبُضْعِهَا حَقِيقَةً لَكَانَ بَدَلُهُ لَهُ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مِنْ أَحْكَامِهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ، وَهُوَ اخْتِصَاصُ الزَّوْجِ بِمَنَافِعِ بُضْعِهَا وَسَائِرِ أَعْضَائِهَا اسْتِمْتَاعًا أَوْ مِلْكُ الذَّاتِ وَالنَّفْسِ فِي حَقِّ التَّمَتُّعِ عَلَى اخْتِلَافِ مَشَايِخِنَا فِي ذَلِكَ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ قَصْدًا عَمَّا يُفِيدُ الْحِلَّ ضِمْنًا كَمَا إذَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ كَشِرَاءِ الْجَارِيَةِ لِلتَّسَرِّي فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ شَرْعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ ثَابِتٌ ضِمْنًا، وَإِنْ قَصَدَهُ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مِلْكُ الْمُتْعَةِ مَقْصُودًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي الشِّرَاءِ أَوْ نَحْوِهِ لِتَخَلُّفِهِ عَنْهُ فِي شِرَاءِ مَحْرَمِهِ نَسَبًا وَرَضَاعًا وَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ سُنَّةٌ، وَعِنْدَ التَّوَقَانِ وَاجِبٌ) بَيَانٌ لِصِفَتِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمُرَادُ بِهِ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ مَحْمَلُ مَنْ أَطْلَقَ
ــ
[منحة الخالق]
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُوَ عَقْدٌ) قَالَ: فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة الْمُرَادُ بِالْعَقْدِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْمُتَكَلِّمِ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الدُّرَرِ فِي مَنَاهِيهِ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْوَرْشَكِيِّ) بِالْوَاوِ وَالرَّاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْعَلَّامَةُ بَدْرُ الدِّينِ الْبُخَارِيُّ تَفَقَّهَ عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدَرِيُّ بِبِجَاتَ مَاتَ بِبَلْخٍ سَنَةَ 594 تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيِّ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ الْمُضِيئَةِ شَيْخِ إسْمَاعِيلَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الزَّرْكَشِيّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
(قَوْلُهُ: وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ مِلْكِ الِانْتِفَاعِ وَالْوَطْءِ) قَالَ: فِي الدُّرَرِ الْمُتْعَةُ حِلُّ اسْتِمْتَاعِ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي التَّمَتُّعِ لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْأَبْيَارِيُّ شَارِحُ الْكَنْزِ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ عليه السلام «احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك، وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُك» مِنْ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِ زَوْجَتِهِ وَحَلَقَةِ دُبُرِهَا بِخِلَافِهَا حَيْثُ لَا تَنْظُرُ إلَيْهِ إذَا مَنَعَهَا مِنْ النَّظَرِ كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ، وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ الْآتِيَةُ أَظْهَرُ فِي إفَادَةِ ذَلِكَ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ قَالَ: يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ الْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ يَرِدُ بِمَعْنَى يَأْتِي قَالَ: الْجَوْهَرِيُّ الْوُرُودُ خِلَافُ الصُّدُورِ. اهـ.
أَيْ الرُّجُوعِ، وَعَلَى تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْ يَأْتِي وَضْعًا لِكَذَا. اهـ.
أَيْ مِثْلُهَا فِي {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] أَيْ لِهِدَايَتِهِ إيَّاكُمْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْمِلْكِ الْحِلُّ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ، وَفِي سِرَاجِ الدَّبُوسِيِّ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذَا الْمِلْكَ فِي حُكْمِ مِلْكِ الْعَيْنِ أَوْ الْمُتْعَةِ قَالَ: أَصْحَابُنَا بِالْأَوَّلِ وَالشَّافِعِيُّ بِالثَّانِي، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ جَمِيعَ أَجْزَائِهَا، وَمَنَافِعِهَا لَهُ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِجَوَازِ نِكَاحِ الْمُرْضَعَةِ أَيْ الصَّغِيرَةِ، وَلَا مُتْعَةَ وَطْءٍ فِيهَا، وَلَا يَرُدُّ مَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّ الْبَدَلَ لَهَا، وَلَوْ مَلَكَ الْعَيْنَ لَكَانَ لَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمِلْكَ لَيْسَ حَقِيقِيًّا بَلْ فِي حُكْمِهِ فِي حَقِّ تَحْلِيلِ الْوَطْءِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تَتَّصِلُ بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلْكِ الْحِلُّ لَا الْمِلْكُ الشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ حَقِيقَةً، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِمَا مَرَّ. اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَدَارَ كَلَامِ الدَّبُوسِيِّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمِلْكَ لَيْسَ حَقِيقِيًّا، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ حُكْمُهُ، وَهُوَ حِلُّ الْوَطْءِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْبَحْرِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الدَّبُوسِيِّ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ يَرِدُ عَلَى مِلْكِ الْمُتْعَةِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ نَعَمْ كَلَامُ الْبَدَائِعِ الْآتِي صَرِيحٌ فِي الْخِلَافِ عِنْدَنَا لَكِنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ هُنَا، وَلَوْ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِبَعْضِهَا حَقِيقَةً لَكَانَ بَدَلُهُ لَهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لِلْبَدَلِ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مِلْكِهِ لِذَاتِ الْبُضْعِ لَا عَلَى مِلْكِهِ لِمَنْفَعَتِهِ فَيَمْلِكُ عُقْرَ أَمَتِهِ لِمِلْكِهِ لِذَاتِ بُضْعِهَا، وَلَا يَمْلِكُ عُقْرَ زَوْجَتِهِ لِعَدَمِ مِلْكِ الذَّاتِ بَلْ هُوَ مَالِكٌ لِمَنْفَعَتِهِ، وَمِلْكُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَلِذَا فَسَّرَ فِي الْبَدَائِعِ الْمِلْكَ هُنَا بِالِاخْتِصَاصِ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمُرَادُ بِهِ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ عَلَى الْأَصَحِّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ بَلْ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَقِيلَ عَلَى التَّعْيِينِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ لِثُبُوتِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ رَغِبَ عَنْهُ. اهـ.
وَهُوَ وَجِيهٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسُّنِّيَّةِ لِمَا مَرَّ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ تَصْرِيحِ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْجَمَاعَةِ وَسُنِّيَّتِهَا بِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ وَالْوَاجِبَ سَوَاءٌ. اهـ. تَأَمَّلْ.
وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنَ الْوُجُوبِ عِنْدَ التَّوَقَانِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَخْتَلِفُ فَإِذَا خَافَ الْوُقُوعَ فِي الْحَرَامِ وَتَرَكَهُ
الِاسْتِحْبَابَ، وَكَثِيرًا مَا يُتَسَاهَلُ فِي إطْلَاقِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى السُّنَّةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا بِأَنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ، وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ تَرْكَ الْمُؤَكَّدَةِ مُؤَثِّمٌ كَمَا عُلِمَ فِي الصَّلَاةِ.
وَأَفَادَ بِذِكْرِ وُجُوبِهِ حَالَةَ التَّوَقَانِ أَنَّ مَحَلَّ الْأَوَّلِ حَالَةُ الِاعْتِدَالِ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَالْمُرَادُ بِهَا حَالَةُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَطْءِ وَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ مِنْ الزِّنَا وَالْجَوْرِ وَتَرْكِ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَوْ خَافَ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ فَلَيْسَ مُعْتَدِلًا فَلَا يَكُونُ سُنَّةً فِي حَقِّهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَدَلِيلُ السُّنِّيَّةِ حَالَةَ الِاعْتِدَالِ الِاقْتِدَاءُ بِحَالِهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفْسِهِ وَرَدُّهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ مِنْ أُمَّتِهِ التَّخَلِّيَ لِلْعِبَادَةِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ رَدًّا بَلِيغًا بِقَوْلِهِ «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» كَمَا أَوْضَحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّوَقَانُ مَصْدَرُ تَاقَتْ نَفْسُهُ إلَى كَذَا إذَا اشْتَاقَتْ مِنْ بَابِ طَلَبَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَخَافُ مِنْهُ الْوُقُوعَ فِي الزِّنَا لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاشْتِيَاقِ إلَى الْجِمَاعِ الْخَوْفُ الْمَذْكُورُ، وَأَرَادَ بِالْوَاجِبِ اللَّازِمَ فَيَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ الِاصْطِلَاحِيَّ فَإِنَّا قَدَّمْنَا أَنَّهُ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ؛ لِأَنَّ الْجَوْرَ حَرَامٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ شَخْصٍ، وَلَيْسَ هُوَ مُخْتَصًّا بِالنِّكَاحِ حَتَّى يُجْعَلَ مِنْ أَحْكَامِهِ وَصِفَتِهِ وَالْجَوْرُ الظُّلْمُ يُقَالُ جَارَ أَيْ ظَلَمَ، وَأَفَادَ بِالسُّنِّيَّةِ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ وَلِذَا قَالَ: فِي الْمَجْمَعِ وَنُفَضِّلُهُ عَلَى التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ السُّنَنَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى النَّوَافِلِ بِالْإِجْمَاعِ.
الثَّانِي أَنَّهُ أَوْعَدَ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ، وَلَا وَعِيدَ عَلَى تَرْكِ النَّوَافِلِ. الثَّالِثُ أَنَّهُ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَاظَبَ عَلَيْهِ وَثَبَتَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَمْ يَخْلُ عَنْهُ بَلْ كَانَ يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ التَّخَلِّي لِلنَّوَافِلِ أَفْضَلَ لَفَعَلَهُ، وَإِذَا ثَبَتَ أَفْضَلِيَّتُهُ فِي حَقِّهِ ثَبَتَتْ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرَائِعِ هُوَ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ بِدَلِيلٍ. وَالرَّابِعُ أَنَّهُ سَبَبٌ مُوصِلٌ إلَى مَا هُوَ مُفَضَّلٌ عَلَى النَّوَافِلِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِصِيَانَةِ النَّفْسِ عَنْ الْفَاحِشَةِ وَلِصِيَانَةِ نَفْسِهَا عَنْ الْهَلَاكِ بِالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى وَاللِّبَاسِ وَلِحُصُولِ الْوَلَدِ الْمُوَحِّدِ، وَأَمَّا مَدْحُهُ تَعَالَى يَحْيَى عليه السلام بِكَوْنِهِ سَيِّدًا وَحَصُورًا، وَهُوَ مَنْ لَا يَأْتِي النِّسَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ فَهُوَ فِي شَرِيعَتِهِمْ لَا فِي شَرِيعَتِنَا. اهـ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِهِ سُنَّةً أَوْ وَاجِبًا إلَى اسْتِحْبَابِ مُبَاشَرَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ فِي الْمَسْجِدِ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً وَصَرَّحُوا بِاسْتِحْبَابِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهِيَةِ الزِّفَافِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَّا إذَا اشْتَمَلَ عَلَى مَفْسَدَةٍ دِينِيَّةٍ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ» كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ ضَرْبُ الدُّفِّ فِي الْعُرْسِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَمَحَلُّهُ مَا لَا جَلَاجِلَ لَهُ أَمَّا مَا لَهُ جَلَاجِلُ فَمَكْرُوهٌ، وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي الْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ وَالْوَلِيمَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بِعَدَمِ كَرَاهَتِهِ كَضَرْبِ الدُّفِّ. اهـ.
وَفِي فَتَاوَى الْعَلَّامِيِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ نُدِبَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ضَامِنٌ لَهُ الْأَدَاءَ فَلَا يَخَافُ الْفَقْرَ إذَا كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ التَّحْصِينُ وَالتَّعَفُّفُ وَيَتَزَوَّجُ امْرَأَةً صَالِحَةً مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ وَالْحَسَبِ وَالدِّيَانَةِ فَإِنَّ الْعِرْقَ نَزَّاعٌ وَيَجْتَنِبُ الْمَرْأَةَ الْحَسْنَاءَ فِي مَنْبَتِ السُّوءِ، وَلَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً لَحَسِبَهَا، وَعِزِّهَا، وَمَالِهَا وَجَمَالِهَا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا لِذَلِكَ لَا يُزَادُ بِهِ إلَّا ذُلًّا، وَفَقْرًا وَدَنَاءَةً وَيَتَزَوَّجُ مَنْ هِيَ فَوْقَهُ فِي الْخُلُقِ وَالْأَدَبِ وَالْوَرَعِ وَالْجَمَالِ وَدُونَهُ فِي الْعِزِّ وَالْحِرْفَةِ وَالْحَسَبِ وَالْمَالِ وَالسِّنِّ وَالْقَامَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ مِنْ الْحَقَارَةِ وَالْفِتْنَةِ، وَيَخْتَارُ أَيْسَرَ النِّسَاءِ خُطْبَةً، وَمُؤْنَةً وَنِكَاحُ الْبِكْرِ أَحْسَنُ لِلْحَدِيثِ «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أَفْوَاهًا، وَأَنْقَى أَرْحَامًا، وَأَرْضَى بِالْيَسِيرِ» ، وَلَا يَتَزَوَّجُ طَوِيلَةً مَهْزُولَةً، وَلَا قَصِيرَةً ذَمِيمَةً، وَلَا مُكْثِرَةً، وَلَا سَيِّئَةَ الْخُلُقِ، وَلَا ذَاتَ الْوَلَدِ، وَلَا مُسِنَّةً لِلْحَدِيثِ «سَوْدَاءُ وَلُودٌ خَيْرٌ مِنْ حَسْنَاءَ عَقِيمٍ» ، وَلَا يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ، وَلَا حُرَّةً بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا لِعَدَمِ الْجَوَازِ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَلَا زَانِيَةً.
وَالْمَرْأَةُ تَخْتَارُ الزَّوْجَ الدَّيِّنَ الْحَسَنَ الْخُلُقِ الْجَوَادَ الْمُوسِرَ، وَلَا تَتَزَوَّجُ
ــ
[منحة الخالق]
يَكُونُ إثْمُهُ أَشَدَّ مِنْ تَرْكِهِ عِنْدَ عَدَمِ التَّوَقَانِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَخَافَ مِنْهُ الْوُقُوعَ فِي الزِّنَا) أَيْ الْخَوْفُ بِمَعْنَيَيْهِ السَّابِقَيْنِ لِحَمْلِهِ الْوَاجِبَ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْفَرْضَ.
فَاسِقًا، وَلَا يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ الشَّابَّةَ شَيْخًا كَبِيرًا، وَلَا رَجُلًا دَمِيمًا وَيُزَوِّجُهَا كُفُؤًا فَإِذَا خَطَبَهَا الْكُفُؤُ لَا يُؤَخِّرُهَا، وَهُوَ كُلُّ مُسْلِمٍ تَقِيٍّ وَتَحْلِيَةُ الْبَنَاتِ بِالْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ لِيُرَغِّبَ فِيهِنَّ الرِّجَالَ سُنَّةٌ وَنَظَرُهُ إلَى مَخْطُوبَتِهِ قَبْلَ النِّكَاحِ سُنَّةٌ فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لِلْأُلْفَةِ، وَلَا يَخْطُبُ مَخْطُوبَةَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ جَفَاءٌ وَخِيَانَةٌ وَتَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْهَا، وَفِي الْمُجْتَبَى يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ ظَاهِرًا، وَأَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ خُطْبَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ عَقْدُهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَأَنْ يَتَوَلَّى عَقْدَهُ وَلِيٌّ رَشِيدٌ، وَأَنْ يَكُونَ بِشُهُودٍ عُدُولٍ مِنْهَا.
(قَوْلُهُ: وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ، وَقَبُولٍ وُضِعَا لِلْمُضِيِّ أَوْ أَحَدِهِمَا) أَيْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ أَيْ ذَلِكَ الْعَقْدُ الْخَاصُّ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ حَتَّى يَتِمُّ حَقِيقَةً فِي الْوُجُودِ وَالِانْعِقَادُ هُوَ ارْتِبَاطُ أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ بِالْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ يُسَمَّى بِاعْتِبَارِهِ عَقْدًا شَرْعًا وَيَسْتَعْقِبُ الْأَحْكَامَ بِالشَّرَائِطِ الْآتِيَةِ كَذَا قَرَّرَهُ الْكَمَالُ هُنَا، وَقَرَّرَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا مِنْ الِانْعِقَادِ الثُّبُوتُ، وَأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلَى النِّكَاحِ بِاعْتِبَارِ حُكْمِهِ فَالْمَعْنَى يَثْبُتُ حُكْمُ النِّكَاحِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَمَقْصُودُهُ فِي الْبَابَيْنِ تَحْقِيقُ أَنَّ الْإِيجَابَ مَعَ الْقَبُولِ عَيْنُ الْعَقْدِ لَا غَيْرُهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْعَقْدَ مَجْمُوعُ ثَلَاثَةٍ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالِارْتِبَاطُ الشَّرْعِيُّ فَلَمْ يَكُنْ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ عَيْنَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَيْسَ عَيْنَهُ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْبَيْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْإِيجَابُ لُغَةً الْإِثْبَاتُ وَاصْطِلَاحًا هُنَا اللَّفْظُ الصَّادِرُ أَوَّلًا مِنْ أَحَدِ الْمُتَخَاطِبَيْنِ مَعَ صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً وَالْقَبُولُ اللَّفْظُ الصَّادِرُ ثَانِيًا مِنْ أَحَدِهِمَا الصَّالِحُ لِذَلِكَ مُطْلَقًا فَمَا وَقَعَ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْقَبُولَ عَلَى الْإِيجَابِ بِأَنْ قَالَ: تَزَوَّجْت ابْنَتَك فَقَالَ: زَوَّجْتُكهَا فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَقْدِيمُهُ بَلْ قَوْلُهُ: تَزَوَّجْت ابْنَتَك إيجَابٌ وَالثَّانِي قَبُولٌ وَهَلْ يَكُونُ الْقَبُولُ بِالْفِعْلِ كَالْقَبُولِ بِاللَّفْظِ كَمَا فِي الْبَيْعِ قَالَ: فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَجَابَ صَاحِبُ الْبِدَايَةِ فِي امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِأَلْفٍ مِنْ رَجُلٍ عِنْدَ الشُّهُودِ فَلَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ شَيْئًا لَكِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ فِي الْمَجْلِسِ أَنَّهُ يَكُونُ قَبُولًا، وَأَنْكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ، وَقَالَ: لَا مَا لَمْ يَقُلْ بِلِسَانِهِ قَبِلْت بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي وَالنِّكَاحُ لِخَطَرِهِ لَا يَنْعَقِدُ حَتَّى يَتَوَقَّفُ عَلَى الشُّهُودِ بِخِلَافِ إجَازَةِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ بِالْفِعْلِ لِوُجُودِ الْقَوْلِ ثَمَّةَ. اهـ.
وَهَلْ يَكُونُ الْقَبُولُ بِالطَّلَاقِ قَالَ: فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ امْرَأَةٌ قَالَتْ لِأَجْنَبِيٍّ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك فَقَالَ: الرَّجُلُ فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ، وَلَا يَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ قَبُولًا لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إخْبَارٌ أَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى جَعَلَ طَلَاقَهَا جَزَاءً لِنِكَاحِهَا وَطَلَاقُهَا لَا يَكُونُ جَزَاءً لِنِكَاحِهَا إلَّا بِالْقَبُولِ فَيَكُونُ كَلَامُهُ قَبُولًا لِلنِّكَاحِ ثُمَّ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَهُ. اهـ.
فَقَدْ سَاوَى النِّكَاحُ الْبَيْعَ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَقَالَ: فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ، وَلَوْ قَالَ: بِدُونِ الْفَاءِ لَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ قَالَ: فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَتْ أَنَا امْرَأَتُك فَقَالَ: لَهَا أَنْت طَالِقٌ يَكُونُ إقْرَارًا بِالنِّكَاحِ وَتَطْلُقُ هِيَ لِاقْتِضَائِهِ النِّكَاحَ وَضْعًا.
وَلَوْ قَالَ: مَا أَنْتِ لِي بِزَوْجَةٍ، وَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِقِيَامِ الْقَرِينَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِالطَّلَاقِ حَقِيقَتَهُ. اهـ.
أَطْلَقَ فِي اللَّفْظَيْنِ فَشَمِلَ اللَّفْظَيْنِ حُكْمًا، وَهُوَ اللَّفْظُ الصَّادِرُ مِنْ مُتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ شَرْعًا وَشَمِلَ مَا لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مِنْ الْأَلْفَاظِ، وَمَا لَمْ يُذْكَرْ مَعَهُمَا الْمَفْعُولَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ دَلَالَةِ الْمَقَامِ وَالْمُقَدِّمَاتِ؛ لِأَنَّ الْحَذْفَ لِدَلِيلٍ كَائِنٍ فِي كُلِّ لِسَانٍ، وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ لَفْظُ الْمَاضِي؛ لِأَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ لَمْ يَضَعْ لِلْإِنْشَاءِ لَفْظًا خَاصًّا، وَإِنَّمَا عُرِفَ الْإِنْشَاءُ بِالشَّرْعِ وَاخْتِيَارِ لَفْظِ الْمَاضِي لِدَلَالَتِهِ عَلَى التَّحْقِيقِ وَالثُّبُوتِ دُونَ الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَحَدِهِمَا بَيَانٌ لِانْعِقَادِهِ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مَاضٍ وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلٌ كَقَوْلِهِ زَوِّجْنِي ابْنَتَك فَقَالَ: زَوَّجْتُك، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ إيجَابٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ: وَلَفْظَةُ الْأَمْرِ فِي النِّكَاحِ إيجَابٌ، وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْخُلْعُ وَالْكَفَالَةُ وَالْهِبَةُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، وَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَذَهَبَ صَاحِبُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: تَقْدِيمُهُ) أَيْ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ) أَيْ أَنْتَ بِدُونِ الْفَاءِ
الْهِدَايَةِ وَالْمَجْمَعِ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ بِإِيجَابٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَوْكِيلٌ، وَقَوْلُهُ زَوَّجْتُك قَائِمٌ مَقَامَ اللَّفْظَيْنِ بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْوَاحِدَ فِي النِّكَاحِ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَهُوَ تَوْكِيلٌ ضِمْنِيٌّ فَلَا يُنَافِيهِ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَقَدْ عَلِمْت اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِإِيجَابٍ أَوْ تَوْكِيلٍ فَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَانْدَفَعَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ مُنْلَا خُسْرو مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ خَالَفَ الْكُتُبَ فَلَمْ يَتَنَبَّهْ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ فَالْمُعْتَرِضُ غَفَلَ عَنْ الْقَوْلِ الْآخَرِ حَفِظَ شَيْئًا وَغَابَتْ عَنْهُ أَشْيَاءُ مَعَ أَنَّ الرَّاجِحَ كَوْنُهُ إيجَابًا؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ إلَّا اللَّفْظُ الْمُفِيدُ قَصَدَ تَحْقِيقَ الْمَعْنَى أَوْ لَا، وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى لَفْظَةِ الْأَمْرِ فَلْيَكُنْ إيجَابًا وَيُسْتَغْنَى عَمَّا أُورِدَ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا لَمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ كَذَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ قَالَ: الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ هَبْ ابْنَتَك لِفُلَانٍ فَقَالَ: الْأَبُ، وَهَبْت فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ مَا لَمْ يَقُلْ الْوَكِيلُ بَعْدَهُ قَبِلْت كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: هَبْ ابْنَتَك لِابْنِي فَقَالَ: وَهَبْت لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَقُلْ أَبُو الصَّغِيرِ قَبِلْت، وَفِي التَّتِمَّةِ لَوْ قَالَ: هَبْ ابْنَتَك لِفُلَانٍ فَقَالَ: الْأَبُ وَهَبْت مَا لَمْ يَقُلْ الْوَكِيلُ قَبِلْت لَا يَصِحُّ، وَإِذَا قَالَ: قَبِلْت فَإِنْ قَالَ: لِفُلَانٍ صَحَّ النِّكَاحُ لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ قَالَ: مُطْلَقًا قَبِلْت يَجِبُ أَنْ يَصِحَّ أَيْضًا لِلْمُوَكِّلِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: بَعْدَمَا جَرَى بَيْنَهُمَا كَلَامٌ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: الْآخَرُ اشْتَرَيْت يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْبَائِعُ بِعْت مِنْك. اهـ.
وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي نِكَاحِ ابْنِهِ فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ إيجَابًا لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى الْقَبُولِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ لَا إيجَابٌ وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لَكِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى النَّقْلِ وَصَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ تَوْكِيلٌ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ بِالْمُجِيبِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ قَائِمًا بِهِمَا. اهـ.
فَعَلَى هَذَا لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الشَّاهِدَيْنِ لِلْأَمْرِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى التَّوْكِيلِ وَيُشْتَرَطُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى، وَظَاهِرُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ زَوِّجْنِي، وَإِنْ كَانَ تَوْكِيلًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَعْمَلْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ مُنْلَا خُسْرو) دَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ لَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّهُ إيجَابٌ إذْ كَوْنُ أَحَدِهِمَا لِلْمَاضِي يَصْدُقُ بِكَوْنِ الثَّانِي لِلْحَالِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ (قَوْلُهُ: كَذَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ تَوْكِيلًا، وَإِلَّا بَقِيَ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ حَيْثُ لَا يَتِمُّ بِقَوْلِهِ بِعَيْنِهِ بِكَذَا فَيَقُولُ بِعْت بِلَا جَوَابٍ. اهـ.
ثُمَّ ذَكَرَ فِي النَّهْرِ مَا أَوْرَدَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ كَلَامِ الْخُلَاصَةِ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ فِي بُيُوعِ الْفَتْحِ الْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَدْخُلُهُ الْمُسَاوَمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مُقَدِّمَاتٍ، وَمُرَاجَعَاتٍ فَكَانَ لِلتَّحْقِيقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّهُ تَوْكِيلٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ وَيَنْبَغِي عَلَى أَنَّهُ إيجَابٌ أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: وَفِي التَّتِمَّةِ لَوْ قَالَ: هَبْ ابْنَتَكَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَبِهِ يُعْلَمُ حُكْمُ مَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُ مُوَكِّلَكَ فَقَالَ: الْوَكِيلُ قَبِلْتُ، وَلَمْ يَقُلْ لِمُوَكِّلِي فَاعْلَمْهُ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ. اهـ. أَيْ فَيَصِحُّ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: بَعْدَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا كَلَامٌ إلَخْ) تَأَمَّلْ فِي هَذِهِ الدَّلَالَةِ نَعَمْ مَا يَأْتِي عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ إلَخْ الدَّلَالَةُ فِيهِ ظَاهِرَةٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي نِكَاحِ ابْنِهِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى أَنَّهُ تَوْكِيلٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ بِالْمُجِيبِ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَى قَبُولِ الْأَبِ بَعْدُ، وَقَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ إيجَابًا إلَخْ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنَّ تَفْرِيعَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَالصَّوَابُ إبْدَالُ قَوْلِهِ إيجَابًا بِتَوْكِيلًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ كَوْنِهِ مُفَرَّعًا عَلَى كَوْنِهِ إيجَابًا قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ إلَخْ أَيْ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ، وَعَلَى كُلٍّ فَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَفْرِيعُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ إذْ لَوْ كَانَ إيجَابًا أَوْ تَوْكِيلًا لَمَا تَوَقَّفَ عَلَى قَوْلِهِ ثَانِيًا قَبِلْت بَلْ لَوْ كَانَ إيجَابًا كَانَ قَوْلُ الْآخَرِ وَهَبْت قَبُولًا فَيَتِمُّ الْعَقْدُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ تَوْكِيلًا كَمَا عَلِمْته مِمَّا مَرَّ وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ كَلَامِهِ عَلَى وَجْهٍ بَعِيدٍ، وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ إيجَابًا تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ إلَخْ فَلَا يَرِدُ شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ فَتَدَبَّرْ.
هَذَا وَقَدْ أَجَابَ فِي الرَّمْزِ عَنْ إشْكَالِ الْمُؤَلِّفِ بِأَنَّهُ إنَّمَا تَوَقَّفَ الِانْعِقَادُ عَلَى الْقَبُولِ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ إرَادَةُ الْإِيجَابِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَوْ الْأَبَ إذَا اجْتَمَعَ فَقَالَ: هَبْ ابْنَتَكَ لِفُلَانٍ أَوْ لِابْنِي أَوْ أَعْطِهَا مَثَلًا كَانَ ظَاهِرًا فِي الطَّلَبِ، وَأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ لَمْ يَرِدْ بِهِ الْحَالُ وَالتَّحَقُّقُ فَلَمْ يَتِمَّ بِهِ عَقْدٌ بِخِلَافِ زَوِّجْنِي ابْنَتَك بِكَذَا بَعْدَ الْخِطْبَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّحَقُّقِ وَالْإِثْبَاتِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْإِيجَابِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَوْكِيلُ الْأَبِ فِي تَزْوِيجِ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَفْظُهُ هَذَا يَخْرُجُ مَخْرَجَ الْإِيجَابِ وَالْإِثْبَاتِ لِكَوْنِهِ إنْشَاءً لِلتَّزْوِيجِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ مَعْنَى الْإِثْبَاتِ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ طَلَبَ مِنْهَا الزِّنَا فَقَالَتْ: وَهَبْتُ نَفْسِي مِنْك، وَقِيلَ لَا يَكُونُ نِكَاحًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ ابْتِدَاءً عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ
زُوِّجْت بِدُونِهِ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ شَطْرِ الْعَقْدِ فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الشَّاهِدَيْنِ لِلَفْظَةِ الْأَمْرِ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَوْكِيلٌ أَيْضًا ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الشُّهُودِ لِلَّفْظِ الْأَمْرِ قَالَ: فِي النِّكَاحِ بِالْكِتَابَةِ سَوَاءٌ قَالَ: زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي فَبَلَغَهَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ: زَوَّجْتُك أَوْ كَتَبَ تَزَوَّجْتُك وَبَلَغَهَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك لَكِنْ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُهَا الشُّهُودَ.
وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُشْتَرَطُ. اهـ. وَإِنَّمَا جُعِلَ الْأَمْرُ إيجَابًا فِي النِّكَاحِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَلَمْ يُجْعَلْ فِي الْبَيْعِ إيجَابًا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَا مُسَاوَمَةَ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ مُقَدِّمَاتٍ، وَمُرَاجَعَاتٍ غَالِبًا فَكَانَ لِلتَّحْقِيقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لَا يَتَقَدَّمُهُ مَا ذُكِرَ فَكَانَ الْأَمْرُ فِيهِ لِلْمُسَاوَمَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فِي الْبُيُوعِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ كَمَا لَا يَخْفَى هَذَا مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مَاضٍ وَسَكَتَ عَنْ الْآخَرِ لِشُمُولِهِ الْحَالَ وَالْمُسْتَقْبَلَ، وَمِنْهُ الْأَمْرُ، وَقَدْ عَلِمْته، وَأَمَّا الْمُضَارِعُ فَإِنْ كَانَ مَبْدُوءًا بِالْهَمْزَةِ نَحْوُ أَتَزَوَّجُك فَتَقُولُ زَوَّجْته نَفْسِي فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ عَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الِاسْتِقْبَالِ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَالَ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، وَقَدْ أَرَادَ بِهِ التَّحْقِيقَ وَالْحَالَ لَا الْمُسَاوَمَةَ بِدَلَالَةِ الْخُطْبَةِ وَالْمُقَدِّمَاتِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. اهـ.
وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمُضَارِعَ مَوْضُوعٌ لِلْحَالِ، وَعَلَيْهِ تَتَفَرَّعُ الْأَحْكَامُ كَمَا فِي قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مَا فِي مِلْكِهِ فِي الْحَالِ لَا مَا يَمْلِكُهُ بَعْدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَإِنْ كَانَ مَبْدُوءًا بِالتَّاءِ نَحْوُ تُزَوِّجُنِي بِنْتَك فَقَالَ: فَعَلْت يَنْعَقِدُ بِهِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الِاسْتِيعَادَ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَخْبِرُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَعْدِ وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْمَعْنَى لَا اللَّفْظَ لَوْ صَرَّحَ بِالِاسْتِفْهَامِ اُعْتُبِرَ فَهْمُ الْحَالِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيِّ لَوْ قَالَ: هَلْ أَعْطَيْتنِيهَا فَقَالَ: أَعْطَيْتُك إنْ كَانَ الْمَجْلِسُ لِلْوَعْدِ فَوَعْدٌ، وَإِنْ كَانَ لِلْعَقْدِ فَنِكَاحٌ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالِانْعِقَادُ بِقَوْلِهِ أَنَا مُتَزَوِّجُك يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمُضَارِعِ الْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ سَوَاءً، وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا فِي النَّوَازِلِ لَوْ قَالَ: زَوِّجِينِي نَفْسَك فَقَالَتْ: بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَمَا إذَا قَالَ: كُونِي امْرَأَتِي فَقَبِلَتْ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ أَبُو الصَّغِيرَةِ: لِأَبِي الصَّغِيرِ زَوَّجْت ابْنَتِي، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا فَقَالَ: أَبُو الصَّغِيرِ قَبِلْت يَقَعُ النِّكَاحُ لِلْأَبِ هُوَ الصَّحِيحُ وَيَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ فِيهِ فَيَقُولُ قَبِلْت لِابْنِي، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: لِآخَرَ بَعْدَمَا جَرَى بَيْنَهُمَا مُقَدِّمَاتُ الْبَيْعِ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ، وَقَالَ: الْآخَرُ اشْتَرَيْت يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِعْت مِنْك وَالْخُلْعُ عَلَى هَذَا. اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ شَرَائِطَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَمِنْهَا اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ إذَا كَانَ الشَّخْصَانِ حَاضِرَيْنِ فَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ لَمْ يَنْعَقِدْ فَلَوْ أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا فَقَامَ الْآخَرُ أَوْ اشْتَغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ بَطَلَ الْإِيجَابُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الِارْتِبَاطِ اتِّحَادُ الزَّمَانِ فَجُعِلَ الْمَجْلِسُ جَامِعًا تَيْسِيرًا، وَأَمَّا الْفَوْرُ فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ فَلَوْ عَقَدَا، وَهُمَا يَمْشِيَانِ وَيَسِيرَانِ عَلَى الدَّابَّةِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَا عَلَى سَفِينَةٍ سَائِرَةٍ جَازَ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْبَيْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْهَا أَنْ لَا يُخَالِفُ الْقَبُولُ الْإِيجَابَ فَلَوْ أَوْجَبَ بِكَذَا فَقَالَ: قَبِلْت النِّكَاحَ، وَلَا أَقْبَلُ الْمَهْرَ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ فِيهِ تَبَعًا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك بِأَلْفٍ فَقَالَ: قَبِلْت بِأَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَالْمَهْرُ أَلْفٌ إلَّا إنْ قَبِلَتْ الزِّيَادَةَ فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ أَلْفَانِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: تَزَوَّجْتُك بِأَلْفٍ فَقَالَتْ قَبِلْت بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا قَبِلَتْ الْأَلْفَ وَحَطَّتْ عَنْهُ خَمْسَمِائَةٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَتْ لِرَجُلٍ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك بِأَلْفٍ فَقَالَ: الرَّجُلُ قَبِلْت قَبْلَ أَنْ تَنْطِقَ الْمَرْأَةُ بِالتَّسْمِيَةِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ مَا لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ قَبِلْت بَعْدَ التَّسْمِيَةِ، وَمِنْهَا سَمَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا كَلَامَ صَاحِبِهِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُهَا الشُّهُودَ) أَيْ بِمَا فِي الْكِتَابِ وَنَقَلَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَسَيُبَيِّنُ الْمُؤَلِّفُ عِبَارَةَ الظَّهِيرِيَّةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ حُرَّيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ)، وَهُوَ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ عَنْ النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ قَالَ: وَالظَّاهِرُ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمُسْتَقْبَلِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا فَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ جَوَابٌ آخَرُ عَنْ اعْتِرَاضِ الدُّرَرِ حَاصِلُهُ مَنْعُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ أَيْ كَلَامُ الدُّرَرِ مَرْدُودٌ بِوَجْهَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ لَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّهُ إيجَابٌ إذْ كَوْنُ أَحَدِهِمَا لِلْمَاضِي يَصْدُقُ بِكَوْنِ الثَّانِي لِلْحَالِ. الثَّانِي: سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ إلَخْ وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هُنَا إذْ لَا يَصِحُّ الْجَوَابُ مَعَ شُمُولِهِ لِلْمُسْتَقْبَلِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمَ هَذَا الْجَوَابِ كَمَا فَعَلَ فِي النَّهْرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِفَنِّ الْبَحْثِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ الْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الِاسْتِيعَادَ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْوَعْدَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَالْمُضَارِعِ الْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَمْ يَذْكُرُوا الْمُضَارِعَ الْمَبْدُوءَ بِالنُّونِ كَنَتَزَوَّجُكِ أَوْ نُزَوِّجُكِ مِنْ ابْنِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَبْدُوءِ بِالْهَمْزَةِ
لِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِ أَحَدِهِمَا كَلَامَ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ غَيْبَتِهِ كَمَا فِي الْوِقَايَةِ، وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ انْعِقَادَهُ بِاللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ مِنْ الْحَاضِرَيْنِ فَلَوْ كَتَبَ تَزَوَّجْتُك فَكَتَبَتْ قَبِلْت لَمْ يَنْعَقِدْ.
وَأَمَّا مِنْ الْغَائِبِ فَكَالْخِطَابِ، وَكَذَا الرَّسُولُ فَيُشْتَرَطُ سَمَاعُ الشُّهُودِ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ، وَكَلَامَ الرَّسُولِ، وَفِي الْمُحِيطِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالْخِطَابِ أَنَّ فِي الْخِطَابِ لَوْ قَالَ: قَبِلْت فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ، وَفِي الْكِتَابِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَمَا وُجِدَ تَلَاشَى فَلَمْ يَتَّصِلُ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَائِمٌ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، وَقِرَاءَتُهُ بِمَنْزِلَةِ خِطَابِ الْحَاضِرِ فَاتَّصَلَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ فَصَحَّ. اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ سَمَاعُ الشُّهُودِ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ مَعَ قَبُولِهَا أَوْ حِكَايَتِهَا مَا فِي الْكِتَابِ لَهُمْ فَلَوْ قَالَتْ: إنَّ فُلَانًا كَتَبَ إلَيَّ يَخْطُبُنِي فَاشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْهُ صَحَّ النِّكَاحُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِعَ عَشَرَ فِي النِّكَاحِ بِالْكِتَابَةِ مِنْ الْخُلَاصَةِ، وَقَيَّدَ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِقْرَارِ فَلَوْ قَالَ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ: هِيَ امْرَأَتِي، وَأَنَا زَوْجُهَا، وَقَالَتْ: هُوَ زَوْجِي، وَأَنَا امْرَأَتُهُ لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إظْهَارٌ لِمَا هُوَ ثَابِتٌ، وَلَيْسَ بِإِنْشَاءٍ وَنَقَلَ قَاضِي خَانْ عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ انْعِقَادَهُ بِهِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَالْخُلَاصَةِ.
وَصَحَّ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ إنْ كَانَ بِمَحْضَرِ الشُّهُودِ صَحَّ النِّكَاحُ وَجُعِلَ إنْشَاءً، وَإِلَّا فَلَا، وَمِنْ شُرُوطِ الرُّكْنِ أَنْ يُضِيفَ النِّكَاحَ إلَى كُلِّهَا أَوْ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ بِخِلَافِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ كَمَا عُرِفَ فِي الطَّلَاقِ، وَقَالُوا الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا لَا يَقَعُ، وَكَذَا الْعِتْقُ فَلَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى ظَهْرِهَا أَوْ بَطْنِهَا ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ قَالَ مَشَايِخُنَا: الْأَشْبَهُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ وَذَكَرَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ وَالسَّرَخْسِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ قَالَ: تَزَوَّجْت نِصْفَك فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَطَلَاقِ نِصْفِهَا يَقْتَضِي الصِّحَّةَ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَوْضِعٍ جَوَازَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ فِيهَا فَلَا يَكْفِي ذِكْرُ الْبَعْضِ لِاجْتِمَاعِ مَا يُوجِبُ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ فَتُرَجَّحُ الْحُرْمَةُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا تَكُونَ الْمَنْكُوحَةُ مَجْهُولَةً فَلَوْ زَوَّجَهُ بِنْتِهٍ، وَلَمْ يُسَمِّهَا، وَلَهُ بِنْتَانِ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ سَمَاعُ الشُّهُودِ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ إلَخْ) قَدْ مَرَّ تَقْيِيدُهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكْتُبْ إلَيْهَا زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي، وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ وَسَيُعِيدُ عِبَارَةَ الظَّهِيرِيَّةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ عِنْدَ حُرَّيْنِ وَيُبَيِّنُ أَنَّ مَا هُنَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِقْرَارِ) لَا يُنَافِيهِ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِالتَّصَادُقِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِقْرَارِ أَيْ لَا يَكُونُ مِنْ صِيَغِ الْعَقْدِ وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّهُ يَثْبُتُ بِالتَّصَادُقِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُثْبِتُهُ بِهِ وَيَحْكُمُ بِهِ، كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ مَعْزِيًّا لِلْحَانُوتِيِّ (قَوْلُهُ: قَالَ: مَشَايِخُنَا الْأَشْبَهُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ) قَالَ: فِي النَّهْرِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ. اهـ.
أَيْ: الْفَرْقِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ الْآتِيَةِ مِنْ أَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ صِحَّةُ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ، وَقَاعِدَةُ إذَا اجْتَمَعَ مَا يُوجِبُ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ تُرَجَّحُ الْحُرْمَةُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الطَّلَاقِ دُونَ النِّكَاحِ.
وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ فِي النَّهْرِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِذَلِكَ يَقُولُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَمَنْ قَالَ: لَا يَقَعُ يَقُولُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إذَا قَالَ لَهَا نِصْفُك طَالِقٌ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ يَقَعُ، وَإِنْ قَالَ ظَهْرُك طَالِقٌ أَوْ بَطْنُك قَالَ: شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ وَاسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ: ظَهْرُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّيِّ أَوْ قَالَ: بَطْنُكِ عَلَيَّ كَبَطْنِ أُمِّيِّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ قَالَ: وَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَ مَشَايِخُنَا فِيمَا إذَا أُضِيفَ عَقْدُ النِّكَاحِ إلَى ظَهْرِ الْمَرْأَةِ أَوْ إلَى بَطْنِهَا إنَّ الْأَشْبَهَ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ) أَقُولُ: وَرَأَيْت مِثْلَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَنَصُّهُ، وَلَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى نِصْفِ الْمَرْأَةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. اهـ.
وَهَكَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ فَمَا عُزِّيَ إلَى الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ تَصْحِيحِ الصِّحَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ: وَلَهُ بِنْتَانِ) أَيْ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا ذَاتَ زَوْجٍ قَالَ: فِي الْبَزَّازِيَّةِ رَجُلٌ لَهُ بِنْتَانِ مُزَوَّجَةً وَغَيْرَ مُزَوَّجَةٍ، وَقَالَ: عِنْدَ الشُّهُودِ زَوَّجْت بِنْتِي مِنْك، وَلَمْ يُسَمِّ اسْمَ الْبِنْتِ، وَقَالَ: الْخَاطِبُ قَبِلْتُ صَحَّ وَانْصَرَفَ إلَى الْفَارِغَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ إطْلَاقُهُ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَلَوْ جَرَتْ مُقَدِّمَاتُ الْخِطْبَةِ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا لِتَتَمَيَّزَ الْمَنْكُوحَةُ عِنْدَ الشُّهُودِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ عِنْدَ حُرَّيْنِ تَأَمَّلْ. اهـ.
أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَوْ تَمَيَّزَتْ عِنْدَ الشُّهُودِ أَيْضًا بِجَرَيَانِ مُقَدِّمَاتِ الْخِطْبَةِ عَلَيْهَا يَصِحُّ الْعَقْدُ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى تَأَمَّلْ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا إذَا، وَقَعَتْ الْخِطْبَةُ عَلَى إحْدَاهُمَا وَوَقْتَ الْعَقْدِ عَقَدَا بِاسْمِ الْأُخْرَى خَطَأً فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الَّتِي سَمَّيَاهَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُقَدِّمَاتِ الْخِطْبَةِ قَرِينَةٌ مُعَيِّنَةٌ إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا صَرِيحٌ وَالتَّصْرِيحُ بِذَلِكَ الْأُخْرَى صَرِيحٌ فَلَا تَعْمَلُ مَعَهُ
بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ إلَّا إذَا سَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَافِي التَّجْنِيسِ فَلَوْ كَانَ لَهُ بِنْتَانِ كُبْرَى وَاسْمُهَا عَائِشَةُ وَصُغْرَى اسْمُهَا فَاطِمَةُ فَأَرَادَ تَزْوِيجَ الْكُبْرَى فَغَلَطَ فَسَمَّاهَا فَاطِمَةَ انْعَقَدَ عَلَى الصُّغْرَى فَلَوْ قَالَ: فَاطِمَةُ الْكُبْرَى لَمْ يَنْعَقِدْ لِعَدَمِ وُجُودِهَا.
وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ لِلْمُزَوِّجِ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِلْقَابِلِ ابْنٌ وَاحِدٌ فَقَالَ: زَوَّجْت ابْنَتِي مِنْ ابْنِك يَجُوزُ النِّكَاحُ، وَإِذَا كَانَ لِلْمُزَوِّجِ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِلْقَابِلِ ابْنَانِ إنْ سَمَّى الْقَابِلُ الِابْنَ بِاسْمِهِ صَحَّ النِّكَاحُ لِلِابْنِ الْمُسَمَّى، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُسَمِّهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ قَبِلْت يَجُوزُ النِّكَاحُ وَيُجْعَلُ قَوْلُهُ: قَبِلْت جَوَابًا فَيَتَقَيَّدُ بِالْإِيجَابِ، وَلَوْ ذَكَرَ الْقَابِلُ الِابْنَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ بِاسْمِهِ بِأَنْ قَالَ: قَبِلْت لِابْنِي لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ جَوَابًا؛ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ اسْمَانِ تُزَوَّجُ بِمَا عُرِفَتْ بِهِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الِاسْمَيْنِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً مُنْتَقِبَةً، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ وَكَّلَتْ امْرَأَةٌ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهَا فَزَوَّجَهَا وَغَلَطَ فِي اسْمِ أَبِيهَا لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ إذَا كَانَتْ غَائِبَةً. اهـ.
وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ الْفَهْمَ قَالَ: فِي التَّجْنِيسِ، وَلَوْ عَقَدَا عَقْدَ النِّكَاحِ بِلَفْظٍ لَا يَفْهَمَانِ كَوْنَهُ نِكَاحًا هَلْ يَنْعَقِدُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ: بَعْضُهُمْ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَصْدُ. اهـ.
يَعْنِي بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مَعَ الْهَزْلِ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُهُ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَيْضًا تَمْيِيزُ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ لِلِاخْتِلَافِ لِمَا فِي النَّوَازِلِ فِي صَغِيرَيْنِ قَالَ: أَبُو أَحَدِهِمَا زَوَّجْت بِنْتِي هَذِهِ مِنْ ابْنِك هَذَا، وَقَبِلَ ثُمَّ ظَهَرَ الْجَارِيَةُ غُلَامًا وَالْغُلَامُ جَارِيَةً جَازَ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْقُنْيَةِ زَوَّجْت وَتَزَوَّجْت يَصْلُحُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ، وَمَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ) بَيَانٌ لِانْحِصَارِ اللَّفْظَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ أَمَّا انْعِقَادُهُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَأَمَّا انْعِقَادُهُ بِمَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ فَمَذْهَبُنَا؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ فِي مَحَلِّهَا بِوَاسِطَةِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَهُوَ الثَّابِتُ بِالنِّكَاحِ فَأُطْلِقَ اسْمُ السَّبَبِ كَالْهِبَةِ وَأُرِيدَ الْمُسَبَّبُ، وَهُوَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ، وَإِنْ كَانَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ قَصْدِيًّا فِي النِّكَاحِ ضِمْنِيًّا فِي التَّمْلِيكِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ التَّمْلِيكُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ اسْتِعَارَةَ السَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ جَائِزَةٌ مُطْلَقًا، وَعَكْسُهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطِ الِاخْتِصَاصِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلِذَا صَحَّ التَّجَوُّزُ بِلَفْظِ الْعِتْقِ عَنْ الطَّلَاقِ دُونَ عَكْسِهِ وَالْخُلُوصُ فِي قَوْله تَعَالَى {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] إنَّمَا هُوَ فِي عَدَمِ الْمَهْرِ لَا فِي الِانْعِقَادِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ كَمَا عُرِفَ فِي الْخِلَافِيَّاتِ فَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالْعَطِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْمِلْكِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْجُعْلِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَأَمَّا بِلَفْظِ السَّلَمِ فَإِنْ جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ إجْمَاعًا، وَإِنْ جُعِلَتْ مُسَلَّمًا فِيهَا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ قِيلَ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ لَا يَصِحُّ، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَالسَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ يَنْعَقِدُ حَتَّى لَوْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ مِلْكًا فَاسِدًا، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُفْسِدُ الْحَقِيقِيَّ يُفْسِدُ مَجَازِيَّهُ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الْمُتُونِ، وَفِي الصَّرْفِ رِوَايَتَانِ، وَقَوْلَانِ قِيلَ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِإِثْبَاتِ مِلْكِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ مِنْ النَّقْدِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُنَا مُتَعَيِّنٌ، وَقِيلَ يَنْعَقِدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ مِلْكُ الْعَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي فِي الْمُخْتَصَرِ، وَكَذَا فِي انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الْقَرْضِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ الِانْعِقَادِ كَمَا فِي الْكَشْفِ والولوالجية
ــ
[منحة الخالق]
الْقَرِينَةُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ مُقَدِّمَاتِ الْخِطْبَةِ لَمَّا عَيَّنَتْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا عِنْدَ الْعَاقِدَيْنِ وَالشُّهُودِ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ، وَهُوَ الشَّرْطُ، وَلَمْ يُعَارِضْ الْقَرِينَةَ شَيْءٌ صَرِيحٌ هَذَا مَا ظَهَرَ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: يَجُوزُ النِّكَاحُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لِابْنِهِ الْمُسَمَّى فِي الْإِيجَابِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَقَدَا عَقْدَ النِّكَاحِ بِلَفْظٍ لَا يَفْهَمَانِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا أَنَّ هَذَا لَفْظٌ يُعْقَدُ بِهِ النِّكَاحُ فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْحُقُوقِ وَالْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ فَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالتَّدْبِيرُ وَاقِعٌ فِي الْحُكْمِ ذَكَرَهُ فِي عَتَاقِ الْأَصْلِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ، وَإِذَا عُرِفَ الْجَوَابُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِ اللَّفْظِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِأَجْلِ الْقَصْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجَدُّ وَالْهَزْلُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِيهَا، وَمِثْلُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْعَتَّابِيِّ لَا يَجُوزُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ غَالِبُ النَّاسِ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى إنَّ كَثِيرًا لَمْ يَنْقُلْ قَوْلَ الْعَتَّابِيِّ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا انْعِقَادُهُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ إلَخْ) حَاصِلُ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ لَا خِلَافَ فِي الِانْعِقَادِ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ بَلْ الْخِلَافُ فِي خَارِجِ الْمَذْهَبِ، وَقِسْمٌ فِيهِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ وَالصَّحِيحُ الِانْعِقَادُ، وَقِسْمٌ فِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ، وَقِسْمٌ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِهِ فَالْأَوَّلُ مَا سِوَى لَفْظَيْ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ مِنْ لَفْظِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْجُعْلِ. وَالثَّانِي الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ. وَالثَّالِثُ الْإِجَارَةُ. وَالرَّابِعُ الْإِبَاحَةُ وَالْإِحْلَالُ وَالْإِعَارَةُ وَالرَّهْنُ وَالتَّمَتُّعُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَسَيَرِدُ عَلَيْك الْجَمِيعُ مَعَ زِيَادَةٍ عَلَى مَا ذَكَرَ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) قَيْدٌ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَمَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ
وَفِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ الْأَصَحُّ الِانْعِقَادُ. اهـ.
وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِمَا أَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ لِلْحَالِ، وَكَذَا فِي انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الصُّلْحِ قَوْلَانِ وَجَزَمَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِعَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْحَطِيطَةِ، وَإِسْقَاطِ الْحَقِّ، وَكَذَا فِي انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الرَّهْنِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ الِانْعِقَادِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ أَصْلًا قَيَّدَ بِمَا وُضِعَ لِلتَّمْلِيكِ احْتِرَازًا عَمَّا لَا يُفِيدُهُ فَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْفِدَاءِ كَمَا لَوْ قَالَتْ: فَدَيْت نَفْسِي مِنْك فَقَبِلَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْفَسْخِ وَالْإِقَالَةِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالرِّضَا وَالْإِجَازَةِ بِالزَّايِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ أَصْلًا، وَقَيَّدَ بِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ احْتِرَازًا عَمَّا يُفِيدُ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ كَالْعَارِيَّةِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ.
وَأَمَّا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فَإِنْ جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ أُجْرَةً فَيَنْعَقِدُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ لِلْحَالِ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ شَرَطَ الْحُلُولَ أَوْ عُجِّلَتْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَجْعَلْ أُجْرَةً كَقَوْلِهِ آجَرْتُك ابْنَتِي بِكَذَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ؛ وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا مُضَادَّةً؛ لِأَنَّ التَّأْبِيدَ مِنْ شَرَائِطِهِ وَالتَّأْقِيتَ مِنْ شَرَائِطِهَا وَاحْتِرَازًا عَمَّا يُفِيدُ تَمْلِيكَ بَعْضِ الْعَيْنِ كَلَفْظِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَالِ احْتِرَازًا عَنْ لَفْظِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَذَا أَطْلَقَ الشَّارِحُونَ، وَقَيَّدَهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ بِمَا إذَا أَطْلَقَ أَوْ أَضَافَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَمَّا إذَا قَالَ: أَوْصَيْت بِبُضْعِ ابْنَتِي لِلْحَالِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَ الْآخَرُ انْعَقَدَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَجَازًا عَنْ التَّمْلِيكِ وَالْمُعْتَمَدُ الْإِطْلَاقُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَجَازٌ عَنْ التَّمْلِيكِ فَلَوْ انْعَقَدَ بِهَا لَكَانَ مَجَازًا عَنْ النِّكَاحِ وَالْمَجَازُ لَا مَجَازَ لَهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ الْبَيْعِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَنْعَقِدْ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَإِنَّهُ يُثْبِتُ الشُّبْهَةَ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ لَوْ وَطِئَ وَيَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى، وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ الدُّخُولِ. اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ، وَإِنْ كَانَا لَا يُفِيدَانِ مِلْكَ الْعَيْنِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْأَصْلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُمْلَكُ بِهِ شَيْءٌ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ، وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى الِانْعِقَادِ بِهِمَا وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ الْإِمَامِ كُلُّ لَفْظٍ يُمْلَكُ بِهِ الرِّقَابُ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ، وَهَذِهِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ فِيهِمَا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ الْمَشَايِخُ رِوَايَةَ ابْنِ رُسْتُمَ؛ لِأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ مُحْتَمَلَةٌ فَحُمِلَ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الْمُحْكَمِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ اللَّفْظَ الْمُفِيدَ لِمِلْكِ الْعَيْنِ بِالنِّيَّةِ، وَلَا بِالْقَرِينَةِ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَفِي التَّبْيِينِ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ مَعَ ذِكْرِ الْمَهْرِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا تُشْتَرَطُ مُطْلَقًا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَهْمِ الشَّاهِدَيْنِ مَقْصُودَهُمَا، وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ أَضَافَ الْهِبَةَ إلَى الْأَمَةِ بِأَنْ قَالَ لِرَجُلٍ، وَهَبْت أَمَتِي هَذِهِ مِنْك فَإِنْ كَانَ الْحَالُ يَدُلُّ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ إحْضَارِ الشُّهُودِ وَتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ مُؤَجَّلًا، وَمُعَجَّلًا وَنَحْوِ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَالُ دَلِيلًا عَلَى النِّكَاحِ فَإِنْ نَوَى النِّكَاحَ وَصَدَّقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَكَذَلِكَ وَيَنْصَرِفُ إلَى النِّكَاحِ بِقَرِينَةِ النِّيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ يَنْصَرِفُ إلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ. اهـ.
فَلَمْ يُشْتَرَطْ مَعَ النِّيَّةِ فَهْمُ الشُّهُودِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُضِيفَتْ الْهِبَةُ إلَى الْحُرَّةِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ الْمِلْكُ لِلْحُرَّةِ يُوجِبُ الْحَمْلَ عَلَى الْمَجَازِيِّ فَهُوَ الْقَرِينَةُ فَيَكْتَفِي بِهَا الشُّهُودُ حَتَّى لَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِهِ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَوْ طَلَبَ مِنْ امْرَأَةٍ الزِّنَا فَقَالَتْ: وَهَبْت نَفْسِي مِنْك فَقَالَ الرَّجُلُ قَبِلْت لَا يَكُونُ نِكَاحًا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ أَبِي الْبِنْتِ، وَهَبْتهَا مِنْك لِتَخْدُمَك فَقَالَ: قَبِلْت لَا يَكُونُ نِكَاحًا. اهـ.
قَالَ فِي الْفَتَاوَى: إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ النِّكَاحَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ بِالْهِبَةِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ: وَهَبْت نَفْسِي لَك فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْت قَالُوا لَا يَكُونُ نِكَاحًا صَحِيحًا، وَإِنَّمَا اُسْتُعِيرَتْ الْهِبَةُ لِلنِّكَاحِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُفِيدُ الْمِلْكَ إلَّا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَ الْقَبْضُ لِضَعْفِ السَّبَبِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي انْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الرَّهْنِ قَوْلَانِ) هَذَا مُنَافٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ حَيْثُ جَعَلَهُ مِمَّا لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْخُلْعِ) قَالَ: فِي النَّهْرِ أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ تُجْعَلْ بَدَلَ الْخَلْعِ فَإِنْ جُعِلَتْ كَمَا إذَا قَالَ: أَجْنَبِيٌّ اخْلَعْ زَوْجَتَك بِبِنْتِي هَذِهِ فَقَبِلَ صَحَّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فِي الْأَصَحِّ إنْ جُعِلَتْ الْمَرْأَةُ مُسْتَأْجَرَةً أَمَّا إذَا جُعِلَتْ بَدَلَ إجَارَةٍ كَمَا إذَا قَالَ: اسْتَأْجَرْت دَارَك هَذِهِ بِبِنْتِي هَذِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِي جَوَازِهِ؛ لِأَنَّهُ إضَافَةٌ إلَيْهَا بِلَفْظٍ تُمْلَكُ بِهِ الرِّقَابُ (قَوْلُهُ: انْعَقَدَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَجَازًا عَنْ التَّمْلِيكِ) قَالَ: فِي النَّهْرِ وَارْتَضَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِي صِحَّتِهِ حِينَئِذٍ، وَخَالَفَهُمْ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ: الْمُعْتَمَدُ الْإِطْلَاقُ
لِتَعَرِّيهِ عَنْ الْعِوَضِ وَيَنْعَدِمُ ذَلِكَ الضَّعْفُ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّ الْعِوَضَ يَجِبُ بِنَفْسِهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَيُرَدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَلْفَاظً يَنْعَقِدُ بِهَا النِّكَاحُ غَيْرُ الثَّلَاثَةِ مِنْهَا الْكَوْنُ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ قَالَ: لِامْرَأَةِ كُونِي امْرَأَتِي بِكَذَا فَقَبِلَتْ انْعَقَدَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ أَكُونُ زَوْجَةً لَك فَقَالَ: نَعَمْ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَتْ: الْمَرْأَةُ عَرَّسْتُكَ نَفْسِي فَقَالَ: قَبِلْت انْعَقَدَ وَذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَفْظِ أَعْرَسْتُك، وَمِنْهَا لَفْظُ الرَّجْعَةِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْوَاقِعَاتِ وَالْخَانِيَّةِ، وَكَثِيرٌ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ إذَا قَالَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ رَاجَعْتُك فَقَبِلَتْ كَمَا لَوْ قَالَ لِلْمُبَانَةِ رَاجَعْتُك لَكِنْ شَرَطَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنْ يَذْكُرَ الْمَالَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مَالًا قَالُوا: لَا يَكُونُ نِكَاحًا وَشَرَطَ فِي التَّجْنِيسِ ذِكْرَ الْمَالِ وَنِيَّةَ الزَّوْجِ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُبَانَةِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ فِي الْمُبَانَةِ دُونَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ: الْمُبَانَةُ لِزَوْجِهَا رَدَدْت نَفْسِي عَلَيْك فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجْعَةِ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَمِنْهَا ارْفَعْهَا وَاذْهَبْ بِهَا حَيْثُ شِئْت لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ: زَوِّجْ ابْنَتِك مِنِّي عَلَى كَذَا فَقَالَ: أَبُوهَا بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ ارْفَعْهَا وَاذْهَبْ بِهَا حَيْثُ شِئْت قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ يَكُونُ نِكَاحًا وَجَزَمَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِعَدَمِهِ لِاحْتِمَالِهِ الْوَعْدَ، وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ: أَبُو الصَّغِيرِ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ زَوَّجْت ابْنَةَ أَحْمَدَ يُرِيدُ بِهِ أَبَا الصَّغِيرَةِ مِنْ ابْنِي فُلَانٍ بِمَهْرِ كَذَا، وَقَالَ: لِأَبِيهَا أَلَيْسَ هَكَذَا فَقَالَ: أَبُوهَا هَكَذَا، وَلَمْ يَزِيدَا عَلَى ذَلِكَ قَالُوا الْأَوْلَى أَنْ يُجَدِّدَا النِّكَاحَ، وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدَا جَازَ. اهـ.
وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا لَوْ قَالَ رَجُلٌ جِئْتُك خَاطِبَا ابْنَتَك فَقَالَ الْأَبُ مَلَّكْتُك كَانَ نِكَاحًا، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ: لَهَا خَطَبْتُكِ إلَى نَفْسِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ: قَدْ زَوَّجْتُك نَفْسِي فَهُوَ نِكَاحٌ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْإِيجَابُ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ أَخْطُبُك عَلَى أَلْفٍ فَقَالَتْ: قَدْ فَعَلْت، لَمْ يَنْعَقِدْ حَتَّى يَقُولَ الزَّوْجُ قَبِلْت فَقَدْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ: إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَالَ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ أَرْسَلَ رَجُلًا أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَزَوَّجَهَا الرَّسُولُ إيَّاهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْخِطْبَةَ جُعِلَتْ نِكَاحًا إذَا صَدَرَتْ مِنْ الْآمِرِ فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِهَا أَمْرًا بِالنِّكَاحِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى السَّرَخْسِيِّ أَنَّ مَنْ قَالَ: إنْ خَطَبْت فُلَانَةَ أَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ خَطَبْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنَّ يَمِينَهُ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الْخِطْبَةَ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَهِيَ تَسْبِقُ الْعَقْدَ فَلَا يَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مُضِيفًا الطَّلَاقَ إلَى الْمِلْكِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ إنْ خَطَبْتُ فُلَانَةَ وَتَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَأَجَابَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فَقَالَ: إذَا خَطَبَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا تَطْلُقُ، وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ مَعَ حَرْفِ الْوَاوِ تَصِيرُ الْخِطْبَةُ مَعَ التَّزَوُّجِ شَرْطًا وَاحِدًا كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ أَكَلْت وَشَرِبْت، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِالْخِطْبَةِ وَحْدَهَا فَإِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ فَتَطْلُقُ. اهـ.
وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَوْ خَطَبْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَخَطَبَهَا وَتَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ حِينَ خَطَبَهَا حَنِثَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ فَحِينَ تَزَوَّجَهَا
ــ
[منحة الخالق]
إلَخْ، وَأَقُولُ: مَعْنَى كَوْنِهَا مَجَازًا عَنْ التَّمْلِيكِ إذَا قَالَ الْآنَ أَيْ الْخَاصِّ الَّذِي هُوَ النِّكَاحُ لَا الْمُطْلَقُ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْمَجَازَ لَا مَجَازَ لَهُ. اهـ.
أَيْ الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا مَجَازًا عَنْ التَّمْلِيكِ هُوَ التَّمْلِيكُ الْخَاصُّ الَّذِي هُوَ النِّكَاحُ لَا مُطْلَقُ التَّمْلِيكِ حَتَّى يَرِدُ مَا ذُكِرَ عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا بِمَرْتَبَتَيْنِ كَمَا فِي رَأَيْت مِشْفَرَ زَيْدٍ، وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ قَالَ: الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ الْمَنْظُومِ، وَأَمَّا مَجَازُ الْمَجَازِ فَيَثْبُتُ عِنْدَ مَنْ لَهُ اطِّلَاعٌ عَلَى كُتُبِ اللُّغَةِ كَالْأَسَاسِ وَغَيْرِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَكَتَبَ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ الْبَحْرِ هَذَا مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَحَّ النِّكَاحُ بِلَفْظِهِمَا اتِّفَاقًا فَمَا الْمُوجِبُ؛ لَأَنْ تُجْعَلَ الْهِبَةُ مَجَازًا عَنْ التَّمْلِيكِ ثُمَّ التَّمْلِيكُ عَنْ النِّكَاحِ بَلْ نَقُولُ التَّمْلِيكُ الَّذِي هُوَ وَصِيَّةٌ يُجْعَلُ ابْتِدَاءً عِبَارَةً عَنْ النِّكَاحِ، وَكَوْنُهَا تَمْلِيكًا غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ غَايَتُهُ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مَخْصُوصٌ بِالْأَدَاءِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَتَجَرَّدَ عَنْ قَيْدِ الْإِضَافَةِ بِالتَّقْيِيدِ بِالْحَالِ فَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَوْلُهُ الْمَجَازُ لَا مَجَازَ لَهُ مَرْدُودٌ يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ طَالَعَ أَسَاسَ الْبَلَاغَةِ. اهـ.
وَفِي شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ صَرَّحَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ بِأَنَّ الْمَجَازَ يَكُونُ لَهُ مَجَازٌ، وَمَثَّلَ لَهُ بِمُثُلٍ ثَمَّةَ فَارْجِعْ إلَيْهِ. اهـ.
قُلْتُ: لَكِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ، وَمَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ يُخْرِجُ الْوَصِيَّةَ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا لِمُطْلَقِ التَّمْلِيكِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهِبَةِ ظَاهِرٌ فَإِذَا أُرِيدَ مِنْ الْوَصِيَّةِ التَّمْلِيكُ فِي الْحَالِ كَانَ مَجَازًا ثُمَّ إذَا اُسْتُعْمِلَتْ لِلنِّكَاحِ كَانَ مَجَازًا مَبْنِيًّا عَلَى مَجَازٍ فَلَمْ يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ: وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ إرَادَةَ التَّمْلِيكِ فِي الْحَالِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لَا بِطَرِيقِ الْوَضْعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ مَوْضُوعٌ أَيْضًا وَيُرَادُ بِالْوَضْعِ مَا يَشْمَلُ الْوَضْعَ الْحَقِيقِيَّ وَالْمَجَازِيَّ كَمَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْوَضْعِ الِاسْتِعْمَالُ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْمَجَازِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ) قَالَ: فِي الرَّمْزِ أَقُولُ: يُدْفَعُ بِأَنَّهَا إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى النِّكَاحِ لِلْقَرِينَةِ الْوَاضِحَةِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسٍ سَبَقَهُ إشَارَةٌ إلَى الْخِطْبَةِ
تَزَوَّجَهَا وَالْيَمِينُ غَيْرُ بَاقِيَةٍ. اهـ.
وَمِنْهَا مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ: صِرْت لِي أَوْ صِرْت لَك فَإِنَّهُ نِكَاحٌ عِنْدَ الْقَبُولِ، وَقَدْ قِيلَ بِخِلَافِهِ. اهـ.
وَمِنْهَا مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ قَالَ: لَهَا يَا عَرُوسِي فَقَالَتْ: لَبَّيْكَ انْعَقَدَ لَكِنْ فِي الصَّيْرَفِيَّةِ أَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَمِنْهَا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَوْ قَالَ: زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ: بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فَهُوَ نِكَاحٌ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَمِنْهَا مَا فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ: ثَبَتَ حَقِّي فِي مَنَافِعِ بُضْعِك بِأَلْفٍ فَقَالَتْ: نَعَمْ صَحَّ النِّكَاحُ. اهـ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي حَتَّى فِي النِّكَاحِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تُؤَدِّي مَعْنَى النِّكَاحِ، وَهَذَا مِمَّا ظَهَرَ لِي مِنْ فَضْلِهِ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: عِنْدَ حُرَّيْنِ أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، وَلَوْ فَاسِقَيْنِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ أَوْ أَعَمِيَيْنِ أَوْ ابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَنْعَقِدُ بَيَانٌ لِلشَّرْطِ الْخَاصِّ بِهِ، وَهُوَ الْإِشْهَادُ فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ شُهُودٍ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ «الْبَغَايَا اللَّاتِي يُنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ» وَلِمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مَرْفُوعًا «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» فَكَانَ شَرْطًا وَلِذَا قَالَ: فِي مَآلِ الْفَتَاوَى لَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شُهُودٍ ثُمَّ أَخْبَرَ الشُّهُودَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ عَقْدًا بِحَضْرَتِهِمْ. اهـ. .
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ لَوْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يَنْعَقِدُ وَيَكْفُرُ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَصَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَخْصُوصًا بِالنِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِعْلَانُ مَعَ الشُّهُودِ لِمَا فِي التَّبْيِينِ أَنَّ النِّكَاحَ بِحُضُورِ الشَّاهِدَيْنِ يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ سِرًّا وَيَحْصُلُ بِحُضُورِهِمَا الْإِعْلَانُ. اهـ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسْأَلَةُ الْيَمِينِ لِمَا فِي عِدَّةِ الْفَتَاوَى إذَا حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ سِرًّا فَتَزَوَّجَ بِثَلَاثَةِ شُهُودٍ يَحْنَثُ وَبِالشَّاهِدَيْنِ لَا يَحْنَثُ. اهـ.
وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الشَّهَادَةَ تُشْتَرَطُ فِي الْمَوْقُوفِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَأَنَّ الْحُضُورَ كَافٍ لِتَعْبِيرِهِ بِكَلِمَةِ عِنْدَ فَلَا يُشْتَرَطُ السَّمَاعُ، وَفِيهِ خِلَافٌ فَفِي الْخَانِيَّةِ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ شَرَطُوا السَّمَاعَ وَالْقَائِلُ بِعَدَمِهِ الْقَاضِي الْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ. اهـ.
وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي النَّائِمَيْنِ وَالْأَصَمَّيْنِ فَعَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِمَا، وَعَلَى قَوْلِ السُّغْدِيِّ يَنْعَقِدُ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ الْأَصَمَّيْنِ وَجَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ وَجَزَمَ فِي فَتَاوَاهُ بِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَهُمَا فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْأَصَحَّ مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحُضُورِ السَّمَاعُ فَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ الْأَصَمَّيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ ضَعِيفٌ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ عَلَى الْأَصَحِّ لِعَدَمِ السَّمَاعِ، وَلَقَدْ أَنْصَفَ الْمُحَقِّقُ الْكَمَالُ حَيْثُ قَالَ: وَلَقَدْ أَبْعَدَ عَنْ الْفِقْهِ، وَعَنْ الْحِكْمَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ جَوَّزَهُ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ. اهـ.
وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ سَمَاعِ الشَّاهِدَيْنِ مَعًا فَنَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَجَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ فَلَوْ سَمِعَا كَلَامَهُمَا مُتَفَرِّقَيْنِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصَمَّ فَسَمِعَ صَاحِبُ السَّمْعِ، وَلَمْ يَسْمَعْ الْأَصَمُّ حَتَّى صَاحَ صَاحِبُهُ فِي أُذُنِهِ أَوْ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ حَتَّى يَكُونَ السَّمَاعُ مَعًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي فَهْمِ الشَّاهِدَيْنِ كَلَامَهُمَا فَجَزَمَ فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَ بِحَضْرَةِ هِنْدِيَّيْنِ لَمْ يَفْهَمَا كَلَامَهُمَا لَمْ يَجُزْ وَصَحَّحَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَقَالَ: فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فَهْمُ أَنَّهُ نِكَاحٌ وَاخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ لَفْظَ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ، وَمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُمَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ) أَيْ فِي قَذْفٍ، وَقَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ تَابَا قَالَ: وَهَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّكْرَارُ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي الْفَاسِقِ الْمُظْهِرِ وَالْمَحْدُودِ قَبْلَ التَّوْبَةِ، وَأَمَّا الْمَسْتُورُ وَالْمَحْدُودُ بَعْدَ التَّوْبَةِ فَلَا خِلَافَ لَهُ فِيهِمَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْحَقَائِقِ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقَيْدِ فِرْيَةٌ بِلَا مِرْيَةٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ عَدَمِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: أَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ غَيْرَ تَائِبَيْنِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّكْرَارُ مَمْنُوعٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْ الْفَاسِقِينَ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ ذِكْرَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ تَكْرَارٌ، كَيْفَ وَهُوَ وَاقِعٌ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الْإِعْجَازِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْإِكْرَاهِ بِأَنَّهُ إذَا قُوبِلَ الْخَاصُّ بِالْعَامِّ يُرَادُ بِالْعَامِّ مَا عَدَا الْخَاصَّ، هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِأَوْ، وَهُوَ مِمَّا تَفَرَّدَتْ بِهِ الْوَاوُ حَتَّى كَمَا فِي الْمُغْنِي حَمَوِيٌّ قَالَ شَيْخُنَا وَيُجَابُ بِمَا ذَكَرَهُ هُوَ فِي الْعِنِّينِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَوْ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا مِنْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يَتَسَامَحُونَ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي الْعَطْفِ بِأَوْ مُطْلَقًا كَذَا فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ قُلْتُ:، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَكُونُ بِثُمَّ وَيَكُونُ بِأَوْ أَيْضًا كَمَا فِي قَوْلِهِ عليه السلام فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُمَا مَعًا مَعَ الْفَهْمِ عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِالْعَرَبِيَّةِ، وَالزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ يُحْسِنَانِ الْعَرَبِيَّةَ وَالشُّهُودُ لَا يَعْرِفُونَ الْعَرَبِيَّةَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ. اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي اشْتِرَاطِ الْفَهْمِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ السُّكَارَى إذَا فَهِمُوا النِّكَاحَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا بَعْدَ الصَّحْوِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فَهْمُهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْفَهْمِ مُلْحَقٌ بِالْجُنُونِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِ الْمَنْكُوحَةِ عِنْدَ الشَّاهِدَيْنِ لِتَنْتَفِي الْجَهَالَةُ فَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً مُتَنَقِّبَةً كَفَى الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَالِاحْتِيَاطُ كَشْفُ وَجْهِهَا فَإِنْ لَمْ يَرَوْا شَخْصَهَا وَسَمِعُوا كَلَامَهَا مِنْ الْبَيْتِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْبَيْتِ وَحْدَهَا جَازَ النِّكَاحُ لِزَوَالِ الْجَهَالَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا امْرَأَةٌ أُخْرَى لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ زَوَالِهَا، وَكَذَا إذَا وَكَّلَتْ بِالتَّزْوِيجِ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً، وَلَمْ يَسْمَعُوا كَلَامَهَا بِأَنْ عَقَدَ لَهَا وَكِيلُهَا فَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ يَعْرِفُونَهَا كَفَى ذِكْرُ اسْمِهَا إذَا عَلِمُوا أَنَّهُ أَرَادَهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوهَا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ اسْمِهَا وَاسْمِ أَبِيهَا وَجَدِّهَا وَجَوَّزَ الْخَصَّافُ النِّكَاحَ مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ وَكَّلْته فَقَالَ: بِحَضْرَتِهِمَا زَوَّجْت نَفْسِي مِنْ مُوَكِّلَتِي أَوْ مِنْ امْرَأَةٍ جَعَلَتْ أَمْرَهَا بِيَدِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَهُ قَالَ قَاضِي خَانْ وَالْخَصَّافُ كَانَ كَبِيرًا فِي الْعِلْمِ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى كَمَا قَالَ الْخَصَّافُ. اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا زَوَّجَهَا أَخُوهَا فَقَالَ: زَوَّجْت أُخْتِي، وَلَمْ يُسَمِّهَا جَازَ إنْ كَانَتْ لَهُ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ أُخْتَانِ فَسَمَّاهَا جَازَ، وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ انْعِقَادَ النِّكَاحِ بِكِتَابِ أَحَدِهِمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ سَمَاعُ الشَّاهِدَيْنِ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ مَعَ قَبُولِ الْآخَرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي النِّكَاحِ سَوَاءٌ كَتَبَ زَوِّجِي نَفْسَك مِنِّي فَبَلَغَهَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ: زَوَّجْت أَوْ كَتَبَ تَزَوَّجْتُك وَبَلَغَهَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ: زَوَّجْت نَفْسِي جَازَ لَكِنْ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُهَا الشُّهُودَ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُشْتَرَطُ. اهـ. فَقَوْلُهُمْ يُشْتَرَطُ حُضُورُهُمَا وَقْتَ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ تَوْكِيلٌ فَقَوْلُهَا زَوَّجْت نَفْسِي مِنْهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَاكْتُفِيَ بِسَمَاعِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عَلَى التَّوْكِيلِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْأَمْرَ إيجَابًا فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَمَا لَا يَخْفَى وَشُرِطَ فِي الشُّهُودِ أَرْبَعَةٌ الْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ فَلَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ الْعَبِيدِ وَالْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ وَالْكُفَّارِ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِهَؤُلَاءِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْعَبْدِ بَيْنَ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ فَلَوْ أُعْتِقَ الْعَبِيدُ أَوْ بَلَغَ الصِّبْيَانُ بَعْدَ التَّحَمُّلِ ثُمَّ شَهِدُوا إنْ كَانَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ وَقْتَ الْعَقْدِ مِمَّنْ يَنْعَقِدُ بِحُضُورِهِمْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ.
وَقَدْ انْعَقَدَ الْعَقْدُ بِغَيْرِهِمْ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ نُطْقَ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَ يَسْمَعُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَلَحَ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ صَلَحَ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فِيهِ فَخَرَجَ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ، وَإِنْ مَلَكَ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ لَكِنَّهُ بِوِلَايَةٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى لَا بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ ثُمَّ النِّكَاحُ لَهُ حُكْمَانِ حُكْمُ الْإِظْهَارِ وَحُكْمُ الِانْعِقَادِ فَحُكْمُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَخْ) جَعَلَهُ فِي النَّهْرِ مُفَرَّعًا عَلَى اشْتِرَاطِ الْحُضُورِ فَقَطْ أَمَّا عَلَى اشْتِرَاطِ السَّمَاعِ مَعَ الْفَهْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَقِدَ (قَوْلُهُ: قَالَ قَاضِي خَانْ وَالْخَصَّافُ كَانَ كَبِيرًا فِي الْعِلْمِ) هَذَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِ قَاضِي خَانْ، وَإِنَّمَا نَقَلَهُ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الْفَتَاوَى، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رحمه الله: هَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا، وَمَشَايِخِ بَلْخٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا ثُمَّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله وَإِنَّ خَصَّافًا رحمه الله كَانَ كَبِيرًا فِي الْعِلْمِ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ إلَخْ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَيْ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَهَا وَاسْمَ أَبِيهَا وَاسْمَ جَدِّهَا ثُمَّ ذَكَرَ مَا فِي الْمُنْتَقَى، وَقَالَ: فَيُتَأَمَّلُ عِنْدَ الْفَتْوَى ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْبَقَّالِيِّ إذَا لَمْ يَنْسِبْهَا الزَّوْجُ، وَلَمْ يَعْرِفْهَا الشُّهُودُ وَسِعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ.
وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَ أَسْطُرٍ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ رحمه الله إذَا ذَكَرُوا فِي النِّكَاحِ اسْمَ رَجُلٍ غَائِبٍ وَكُنْيَةَ أَبِيهِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا اسْمَ أَبِيهِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا مُشَارًا إلَيْهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يَذْكُرْ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَاسْمَ جَدِّهِ قَالَ: وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الْمَحَلَّةِ أَيْضًا قِيلَ لَهُ فَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ مَعْرُوفًا عِنْدَ الشُّهُودِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا لَا بُدَّ مِنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ غَيْرِهِ الْغَائِبَةُ إذَا ذَكَرَ الزَّوْجُ اسْمَهَا لَا غَيْرُ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الشُّهُودِ، وَعَلِمَ الشُّهُودُ أَنَّهُ أَرَادَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ يَجُوزُ النِّكَاحُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ تَوْكِيلٌ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّا إنْ بَنَيْنَا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ تَوْكِيلٌ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الظَّهِيرِيَّةِ يَكُونُ قَوْلُهُمْ بِاشْتِرَاطِ حُضُورِهِمَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ إيجَابٌ فَهُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ يَعُودُ إلَى مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي دُرَرِ الْبِحَارِ ذَكَرَ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ
الِانْعِقَادِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا حُكْمُ الْإِظْهَارِ فَإِنَّمَا يَكُون عِنْدُ التَّجَاحُدِ فَلَا يُقْبَلُ فِي الْإِظْهَارِ إلَّا شَهَادَةُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَلِذَا انْعَقَدَ بِحُضُورِ الْفَاسِقَيْنِ وَالْأَعْمَيَيْنِ وَالْمَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبَا وَابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ أَدَاؤُهُمْ عِنْدَ الْقَاضِي كَانْعِقَادِهِ بِحَضْرَةِ الْعَدُوَّيْنِ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي النِّكَاحِ لِدَفْعِ تُهْمَةِ الزِّنَا لَا لِصِيَانَةِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْجُحُودِ وَالْإِنْكَارِ وَالتُّهْمَةُ تَنْدَفِعُ بِالْحُضُورِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الصِّيَانَةِ تَحْصُلُ بِسَبَبِ حُضُورِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَظْهَرُ وَيَشْتَهِرُ بِحُضُورِهِمَا فَإِذَا ظَهَرَ وَاشْتَهَرَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِالتَّسَامُعِ فَتَحْصُلُ الصِّيَانَةُ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا انْعَقَدَ بِحُضُورِهِ ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ جَازَ لَهُ الشَّهَادَةُ بِهِ بِالتَّسَامُعِ فَلْيُحْفَظْ هَذَا، وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ لِلْقَاضِي أَنْ يَبْعَثَ إلَى شَفْعَوِيٍّ لِيُبْطِلَ الْعَقْدَ إذَا كَانَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ وَلِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَبَعَثَ إلَى شَافِعِيٍّ يُزَوِّجُهَا مِنْهُ بِغَيْرِ مُحَلِّلٍ ثُمَّ يَقْضِي بِالصِّحَّةِ وَبُطْلَانِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ إذَا لَمْ يَأْخُذْ الْقَاضِي الْكَاتِبَ وَالْمَكْتُوبَ إلَيْهِ شَيْئًا، وَلَا يَظْهَرُ بِهَذَا حُرْمَةُ الْوَطْءِ السَّابِقِ، وَلَا شُبْهَةَ، وَلَا خُبْثَ فِي الْوَلَدِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَى شَافِعِيِّ الْمَذْهَبِ إلَّا فِي الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ أَمَّا لَوْ فَعَلُوا فَقَضَى يُنَفَّذُ. اهـ.
وَصُورَةُ التَّزْوِيجِ بِحَضْرَةِ ابْنَيْهِمَا أَنْ تَقَعَ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ثُمَّ يُعْقَدُ بِحُضُورِ ابْنَيْهِمَا، وَلَوْ تَجَاحَدَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ ابْنَيْهِمَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ شَهَادَتِهِمَا لِأَصْلِهِمَا فَلَوْ كَانَا ابْنَيْهِ وَحْدَهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ لَا لَهُ، وَلَوْ كَانَا ابْنَيْهَا وَحْدَهَا قُبِلَتْ عَلَيْهَا لَا لَهَا، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ابْنَهَا وَالْآخَرُ ابْنَهُ لَمْ تُقْبَلْ أَصْلًا، وَمَنْ زَوَّجَ بِنْتِهٍ بِشَهَادَةِ ابْنَيْهِ ثُمَّ تَجَاحَدَ الزَّوْجَانِ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَعَ الْجَاحِدِ مِنْهُمَا أَيُّهُمَا كَانَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَعَ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا أَيُّهُمَا كَانَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُقْبَلُ فَأَبُو يُوسُفَ نَظَرَ إلَى الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ وَمُحَمَّدٌ نَظَرَ إلَى الْمَنْفَعَةِ، وَعَدَمِهَا، وَهُنَا لَا مَنْفَعَةَ لِلْأَبِ.
قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالصَّحِيحُ نَظَرُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْقَبُولِ التُّهْمَةُ، وَإِنَّهَا تَنْشَأُ عَنْ النَّفْعِ، وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ: رَجُلٌ لِعَبْدِهِ إذَا كَلَّمَك زَيْدٌ فَأَنْت حُرٌّ ثُمَّ قَالَ: الْعَبْدُ كَلَّمَنِي زَيْدٌ، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى فَشَهِدَ لِلْعَبْدِ ابْنَا زَيْدٍ أَنَّ أَبَاهُمَا قَدْ كَلَّمَهُ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ تُقْبَلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ادَّعَى زَيْدٌ الْكَلَامَ أَوْ لَا لِعَدَمِ مَنْفَعَتِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ زَيْدٌ يَدَّعِي الْكَلَامَ لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدَّعِي تُقْبَلُ، وَكَذَا عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ تَوَكَّلَ عَنْ غَيْرِهِ فِي عَقْدٍ ثُمَّ شَهِدَ ابْنَا الْوَكِيلِ عَلَى الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ حُقُوقُ الْعَقْدِ لَا تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ تُقْبَلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ يَدَّعِي لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ يُنْكِرُ تُقْبَلُ. اهـ.
وَلَوْ زَوَّجَ بِنْتِهٍ، وَأَنْكَرَتْ الرِّضَا فَشَهِدَ أَخَوَاهًا، وَهُمَا ابْنَاهُ لَمْ تُقْبَلْ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ الرِّضَا شَرْطُ الْجَوَازِ فَكَانَ فِيهِ تَنْفِيذُ قَوْلِ الْأَبِ مَقْصُودًا فَتَكُونُ شَهَادَةً لَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَجَعَلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلَ الْإِمَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ كَانَتْ الْبِنْتُ صَغِيرَةً لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا إلَّا إذَا كَانَ الْأَبُ جَاحِدًا وَالْآخَرُ مُدَّعِيًا فَمَقْبُولَةٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَيَانِ أَمَتَهُمَا ثُمَّ شَهِدَا بِطَلَاقِهَا فَإِنْ ادَّعَتْ الْأَمَةُ لَا تُقْبَلُ إجْمَاعًا، وَإِنْ أَنْكَرَتْ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُقْبَلُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ. اهـ.
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ شَهِدَ عَلَيْهِ بَنُوهُ أَنَّهُ طَلَّقَ أُمَّهُمْ ثَلَاثًا، وَهُوَ يَجْحَدُ فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ تَدَّعِي فَهِيَ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ تَجْحَدُ فَهِيَ جَائِزَةٌ ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْقَضَاءِ وَذَكَرَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّ الشَّهَادَةَ لِضَرَّةِ أُمِّهِ كَالشَّهَادَةِ لِأُمِّهِ، وَقَيَّدْنَا الْإِشْهَادَ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالنِّكَاحِ لِمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِقَوْلِهِ، وَأَمَّا سَائِرُ الْعُقُودِ فَتُنَفَّذُ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَلَكِنَّ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ مُسْتَحَبٌّ لِلْآيَةِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْوَاقِعَاتِ أَنَّ الْإِشْهَادَ وَاجِبٌ فِي الْمُدَايَنَاتِ.
وَأَمَّا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَلِذَا انْعَقَدَ بِحُضُورِ الْفَاسِقَيْنِ أَوْ الْأَعْمَيَيْنِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ حَيْثُ قَالَ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْإِشَارَةِ إلَيْهِمَا فَلَا يَكُونُ كَلَامُهُ شَهَادَةً، وَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحَضْرَتِهِ. اهـ.
لَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا وَالتَّرْجِيحُ بِتَقْدِيمِ الْمُتُونِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَخْ) قَالَ: فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ. اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ لَيْسَ مُعَوَّلًا فِيهِ عَلَى مُجَرَّدِ إخْبَارِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَلْ عَلَيْهِ مَعَ انْضِمَامِ ظُهُورِ النِّكَاحِ وَاشْتِهَارِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ الشَّهَادَةَ لِضَرَّةِ أُمِّهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَإِذَا كَانَتْ تَدَّعِي وَالْأَبُ يَجْحَدُ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى مَنْفَعَةِ الْأُمِّ فَرُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ تَأَمَّلْ
الْكِتَابَةُ فَقَالَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الْعِتْقِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَكْتُبَ لِلْعِتْقِ كِتَابًا وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ شُهُودًا تَوْثِيقًا وَصِيَانَةً عَنْ التَّجَاحُدِ كَمَا فِي الْمُدَايَنَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ التِّجَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا فَالْكِتَابَةُ فِيهَا تُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ، وَلَا كَذَلِكَ الْعِتْقُ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِيهَا.
(قَوْلُهُ: وَصَحَّ تَزَوُّجُ مُسْلِمٍ ذِمِّيَّةً عِنْدَ ذِمِّيَّيْنِ) بَيَانٌ لِكَوْنِ اشْتِرَاطِ إسْلَامِ الشَّاهِدِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَمَّا إذَا كَانَتْ ذِمِّيَّةً فَلَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ فِي النِّكَاحِ شَهَادَةٌ، وَلَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَ الْمُسْلِمِ، وَلَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ شُرِطَتْ فِي النِّكَاحِ عَلَى اعْتِبَارِ إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِوُرُودِهِ عَلَى مَحَلٍّ ذِي خَطَرٍ لَا عَلَى اعْتِبَارِ وُجُوبِ الْمَهْرِ إذْ لَا شَهَادَةَ تُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ الْمَالِ، وَهُمَا شَاهِدَانِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلَامَهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ بِكَلَامَيْهِمَا، وَالشَّهَادَةُ شَرْطٌ عَلَى الْعَقْدِ أَطْلَقَ فِي الذِّمِّيَّيْنِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَا مُوَافِقَيْنِ لَهَا فِي الْمِلَّةِ أَوْ مُخَالِفَيْنِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَيَّدَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي عِنْدَ إنْكَارِ الْمُسْلِمِ غَيْرُ صَحِيحٍ إجْمَاعًا، وَعِنْدَ إنْكَارِهَا مَقْبُولٌ عِنْدَهُمَا مُطْلَقًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ قَالَا كَانَ مَعَنَا مُسْلِمَانِ وَقْتَ الْعَقْدِ قُبِلَ، وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا إذَا أَسْلَمَا، وَأَدَّيَا فَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا مُطْلَقًا قَالَ: فِي الْبَدَائِعِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى إثْبَاتِ فِعْلِ الْمُسْلِمِ عَلَى نِكَاحٍ فَاسِدٍ.
(فُرُوعٌ) شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ بِإِسْلَامِ نَصْرَانِيٍّ فَجَحَدَ لَا تُقْبَلُ، وَعَلَى نَصْرَانِيَّةٍ تُقْبَلُ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى كَافِرٍ بِأُجْرَةٍ لِمُسْلِمٍ تُقْبَلُ لَا فِي عَكْسِهِ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ بِاسْتِحْقَاقِ مَا اشْتَرَى نَصْرَانِيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ لِنَصْرَانِيٍّ لَا تُقْبَلُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ صَغِيرَتَهُ فَزَوَّجَهَا عِنْدَ رَجُلٍ وَالْأَبُ حَاضِرٌ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا) ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يُجْعَلُ مُبَاشِرًا لِلْعَقْدِ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ لِيَكُونَ الْوَكِيلُ سَفِيرًا، وَمُعَبِّرًا فَبَقِيَ الْمُزَوِّجُ شَاهِدًا، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ غَائِبًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُخْتَلِفٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَبُ مُبَاشِرًا، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ إمْكَانِ جَعْلِ الْأَبِ شَاهِدًا مِنْ غَيْرِ نَقْلِ عِبَارَةِ الْوَكِيلِ إلَيْهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ثَمَرَةِ هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ ثَمَرَتَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ وَكِيلَ الْأَبِ لَوْ كَانَ امْرَأَةً فَعَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ رَجُلٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى، وَعَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ يَنْعَقِدُ، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ بِتَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ أُمَّهَا انْعَكَسَ الْحُكْمُ. الثَّانِي: لَوْ شَهِدَ الْأَبُ بِالنِّكَاحِ بَعْدَ بُلُوغِهَا، وَهِيَ تُنْكِرُ فَعَلَى طَرِيقَةِ مَا فِي النِّهَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ لَا مُزَوِّجٌ، وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُزَوِّجٌ، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ الْأَخَ أَوْ الْعَمَّ فَشَهِدَ لَهَا أَوْ عَلَيْهَا فَعَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ تُقْبَلُ، وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا تُقْبَلُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَالْعِتْقِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَيْ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ شُهُودًا صِيَانَةً عَنْ التَّجَاحُدِ.
(قَوْلُهُ: فُرُوعٌ إلَخْ) سَاقِطَةٌ مِنْ أَكْثَرِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: فَجَحَدَ لَا تُقْبَلُ) أَيْ؛ لِأَنَّ جُحُودَهُ الْإِسْلَامَ رِدَّةٌ فَقَبُولُ شَهَادَةِ النَّصْرَانِيِّينَ عَلَيْهِ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِهِ إنْ امْتَنَعَ عَنْ الرُّجُوعِ إلَى الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ تَأَمَّلْ. .
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَبَ يُجْعَلُ مُبَاشِرًا لِلْعَقْدِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سُئِلْت عَنْ رَجُلٍ وَكَّلَ أَبَاهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِنْتَ آخَرَ فَزَوَّجَهُ عِنْدَ رَجُلٍ وَالزَّوْجُ حَاضِرٌ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا فَأَجَبْت بِقَوْلِي يَصِحُّ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِنَقْلِ عِبَارَةِ الْوَكِيلِ إلَى الْمُوَكِّلِ فَيَكُونُ الْوَكِيلُ شَاهِدًا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ فَلَمَّا لَمْ يُمْكِنُ جَعْلُ الزَّوْجِ شَاهِدًا لِنِكَاحِهِ تَعَيَّنَ نَقْلُ عِبَارَةِ وَكِيلِهِ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْوَكِيلُ سَفِيرًا، وَمَعْبَرًا تَأَمَّلْ. وَأَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ بِنَقْلِ عِبَارَةِ الْوَكِيلِ أَوْ بِغَيْرِ نَقْلٍ يَقَعُ صَحِيحًا، وَقَوْلُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَ صَغِيرَتَهُ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يُجْعَلُ مُبَاشِرًا إلَخْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ صُورَةٍ كَذَلِكَ بَلْ إنْ صَحَّ الْعَقْدُ بِهِ جُعِلَ، وَإِنْ صَحَّ بِغَيْرِهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى النَّقْلِ جُعِلَ وَالْمَدَارُ عَلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ، وَعَلَيْهِ لَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ إلَخْ، وَعَلَيْك أَنْ تَتَأَمَّلَ ذَلِكَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ) قَالَ: فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ يُؤَيِّدُ كَلَامَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ مَا سَيَجِيءُ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الْمَهْرِ مِنْ أَنَّ الْوَلِيَّ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ لَا عَاقِدٌ مُبَاشِرٌ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ بِتَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ أُمَّهَا انْعَكَسَ الْحُكْمُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَفِي نُسْخَةٍ، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ بِتَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ امْرَأَةً وَالْمَأْمُورُ رَجُلًا انْعَكَسَ الْحُكْمُ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُزَوِّجٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدْ يُقَالُ جَعَلَهُ مُزَوِّجًا لِضَرُورَةِ تَصْحِيحِ النِّكَاحِ، وَمَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَأَيْضًا عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ جَعَلَهُ شَاهِدًا لِلضَّرُورَةِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي قَبُولُ شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَلَّ التَّزْوِيجَ بِنَفْسِهِ فَبَقِيَ مُجَرَّدُ الْحُضُورِ حَقِيقَةً فَتُقْبَلُ عَلَيْهَا لَا لَهَا، وَإِنْ قِيلَ بِعَدَمِ الْقَبُولِ لِكَوْنِ الْوَكِيلِ فِي النِّكَاحِ سَفِيرًا، وَمُعَبِّرًا فَيَثْبُتُ نَقْلُهُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَلَهُ وَجْهٌ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ النَّقْلَ فَلَعَلَّك تَظْفَرْ بِالْمَسْأَلَةِ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا تُقْبَلُ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي إذَا قَالَ: أَنَا زَوَّجْتهَا أَمَّا إذَا قَالَ: هَذِهِ زَوْجَتُهُ قُبِلَتْ