الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ قُلْت إنَّمَا أَقْرَرْت بِهِ حَقٌّ حِينَ أَقْرَرْت بِذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبِمِثْلِهِ لَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بَعْدَ النِّكَاحِ وَقَالَ كُنْت أَقْرَرْت قَبْلَ النِّكَاحِ أَنَّهَا أُخْتِي مِنْ الرَّضَاعِ وَمَا قُلْته حَقٌّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا اهـ.
وَكَذَا هَذَا الْبَابُ فِي النَّسَبِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْغَلَطَ، وَالِاشْتِبَاهَ فِيهِ أَظْهَرُ فَإِنَّ سَبَبَ النَّسَبِ أَخْفَى مِنْ الرَّضَاعِ وَهَذَا فِيمَنْ لَيْسَ لَهُمَا نَسَبٌ مَعْرُوفٌ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى الْإِصْرَارِ هُنَا أَنْ يَقُولَ إنَّ مَا قُلْته حَقٌّ، وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ أَنَّ هَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْإِصْرَارِ، وَالثَّبَاتِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ الْإِقْرَارِ وَلَا يُكْتَفَى فِيهِ فِي تَفْسِيرِ الْإِصْرَارِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا قَالَتْ هَذَا ابْنِي رَضَاعًا وَأَصَرَّتْ عَلَيْهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ إلَيْهَا قَالُوا وَبِهِ يُفْتَى فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ اهـ.
وَأَطْلَقْنَا الْمَرْأَتَيْنِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا هِيَ الْمُرْضِعَةُ وَلَا يَضُرُّ فِي شَهَادَتِهِمَا كَوْنُهَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ كَشَهَادَةِ الْقَاسِمِ وَشَهَادَةِ الْوَزَّانِ، وَالْكَيَّالِ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ حَيْثُ كَانَ حَاضِرًا كَمَا عُرِفَ فِي الْفَتَاوَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الرَّضَاعَ إذَا شَهِدَ بِهِ رَجُلَانِ عَدْلَانِ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَالتَّفْرِيقُ لِلْقَاضِي لِأَنَّ هَذِهِ فُرْقَةٌ وَحُرْمَةٌ تَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْعَبْدِ فَلَا يَتَعَلَّقُ هَذَا الْحُكْمُ بِالشَّهَادَةِ إلَّا بِانْضِمَامِ الْقَضَاءِ إلَيْهَا اهـ.
وَهَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَى الْمَرْأَةِ الظَّاهِرُ عَدَمُهُ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ بِطَلَاقِهَا فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ حُرْمَةَ الْفَرْجِ وَهِيَ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهَا عَدْلَانِ عَلَى إرْضَاعٍ بَيْنَهُمَا وَهُوَ يَجْحَدُ ثُمَّ مَاتَا أَوْ غَابَا قَبْلَ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَسَعُهَا الْمَقَامُ مَعَهُ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِطَلَاقِهَا الثَّلَاثِ كَذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(كِتَابُ الطَّلَاقِ)
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا) تَمَامُ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ: لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ النِّكَاحِ أَنَّ الزَّوْجَ أَخُوهَا مِنْ الرَّضَاعِ وَأَصَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَكَذَا إذَا أَسْنَدَتْ ذَلِكَ إلَى مَا قَبْلَ النِّكَاحِ أَمَّا الزَّوْجُ لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ النِّكَاحِ وَأَصَرَّ عَلَى إقْرَارِهِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَكَذَا إذَا أَسْنَدَ إقْرَارَهُ إلَى مَا قَبْلَ النِّكَاحِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَكْتَفِي بِهِ فِي تَفْسِيرِ الْإِصْرَارِ) الضَّمِيرُ فِي بِهِ يَعُودُ عَلَى تَكْرَارِ الْإِقْرَارِ، وَفِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ مِنَحِ الْغَفَّارِ وَهَلْ يَكُونُ تَكْرَارُ إقْرَارِهِ بِذَلِكَ ثَبَاتًا كَانَتْ وَاقِعَةً الْفَتْوَى وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِيُّونَ فَمِنْ مُقْتَصِرٍ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَنْقُولِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ ثَبَاتًا لَفْظِيًّا فَلَا يَدُلُّ عَلَى الثَّبَاتِ النَّفْسِيِّ وَمِنْ قَائِلٍ بِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ ثَبَاتًا لَفْظِيًّا فَيَدُلُّ عَلَى الثَّبَاتِ النَّفْسِيِّ وَاتَّفَقَتْ فِي ذَلِكَ مَبَاحِثُ طَوِيلَةُ الذُّيُولِ وَآلَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إلَى كِتَابَةِ عِبَارَاتِ النُّقُولِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعَرْضِهَا عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا الشَّافِعِيِّ إذْ ذَاكَ فَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مَذْكُورٌ فِي فَتَاوَاهُ اهـ.
قُلْت وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَاهُ مَا نَصُّهُ صَرِيحُ هَذِهِ النُّقُولِ وَمَنْطُوقُهَا مَعَ الْعِلْمِ بِوُقُوعِ الْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ وَمَعَ النَّظَرِ إلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْمَعْنَى الْمَفْهُومِ مِنْ كَلَامِهِمْ شَاهِدٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّبَاتِ، وَالدَّوَامِ، وَالْإِصْرَارِ وَاحِدٌ وَبِأَنَّ الْمُقِرَّ بِأُخُوَّةِ الرَّضَاعِ وَنَحْوِهَا إنْ ثَبَتَ عَلَى إقْرَارِهِ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَإِلَّا قُبِلَ وَبِأَنَّ الثَّبَاتَ عَلَيْهِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْقَوْلِ بِأَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ أَوْ يَقُولَ حَقٌّ حَقٌّ أَوْ كَمَا قُلْت أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِ هُوَ صِدْقٌ أَوْ صَوَابٌ أَوْ صَحِيحٌ أَوْ لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدِي إذْ لَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَهُ هُوَ صِدْقٌ آكَدُ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ كَمَا
قُلْت فَكَلَامُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ هُوَ حَقٌّ وَكَمَا قُلْت كَمَا فَعَلَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى التَّأْكِيدِ وَكَلَامُ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا وَلَوْ بِطَرِيقِ الْحَصْرِ مُؤَوَّلٌ بِتَقْدِيرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ لِمَا قُلْنَا كَمَا أَوَّلَ قَوْله تَعَالَى {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الأنبياء: 108] .
وَقَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «إنَّمَا الرَّبَّا فِي النَّسِيئَةِ» وَلَيْسَ فِي مَنْطُوقِ النُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ التَّكْرَارَ يَقُومُ مَقَامَ قَوْلِهِ هُوَ حَقٌّ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ حَتَّى يَمْتَنِعَ الرُّجُوعُ بَعْدَهُ نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْمَبْسُوطِ وَلَكِنَّ الثَّابِتَ عَلَى الْإِقْرَارِ كَالْمُجَدِّدِ لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَهُ يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ: قَالُوا بِهِ يُفْتَى فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ) أَيْ سَوَاءٌ قَالَتْ ذَلِكَ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَهُ وَسَوَاءٌ أَصَرَّتْ عَلَيْهِ أَوْ أَكَذَبَتْ نَفْسَهَا وَهَذَا خِلَافُ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ السَّابِقِ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ إنَّهَا لَوْ قَالَتْ ذَلِكَ قَبْلَ النِّكَاحِ وَأَصَرَّتْ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهَا التَّزَوُّجُ بِهِ وَنَصُّ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ آخِرَ كِتَابِ الطَّلَاقِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْأَيْمَانِ قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا ثُمَّ أَرَادَتْ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا مِنْهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ أَصَرَّتْ عَلَيْهِ أَوْ أَكَذَبَتْ نَفْسَهَا وَنَصَّ فِي الرَّضَاعِ عَلَى أَنَّهَا إذَا قَالَتْ هَذَا ابْنِي رَضَاعًا وَأَصَرَّتْ عَلَيْهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ إلَيْهَا قَالُوا وَبِهِ يُفْتِي فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ اهـ.
كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَاتَا أَوْ غَابَا) أَيْ الْعَدْلَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الْخَانِيَّةِ وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا يَسَعُهَا الْمَقَامُ عِنْدَهُ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَوْ قَامَتْ عِنْدَ الْقَاضِي يَثْبُتُ الرَّضَاعُ فَكَذَا إذَا قَامَتْ عِنْدَهَا
[كِتَابُ الطَّلَاقِ]
لَمَّا ذَكَرَ النِّكَاحَ وَأَحْكَامَهُ اللَّازِمَةَ، وَالْمُتَأَخِّرَةَ عَنْهُ شَرَعَ فِيمَا بِهِ يَرْتَفِعُ وَقَدَّمَ الرَّضَاعَ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً بِخِلَافِ الطَّلَاقِ تَقْدِيمًا لِلْأَشَدِّ عَلَى الْأَخَفِّ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ يَدُلُّ عَلَى الْحَلِّ، وَالِانْحِلَالِ يُقَالُ أَطْلَقْت الْأَسِيرَ إذَا حَلَلْت إسَارَهُ وَخَلَّيْت عَنْهُ فَانْطَلَقَ أَيْ ذَهَبَ فِي سَبِيلِهِ وَطَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقًا فَهُوَ مُطَلِّقٌ فَإِنْ كَثُرَ تَطْلِيقُهُ لِلنِّسَاءِ قِيلَ مِطْلِيقٌ وَمِطْلَاقٌ، وَالِاسْمُ الطَّلَاقُ فَطَلَقَتْ هِيَ تَطْلُقُ مِنْ بَابِ قَتَلَ، وَفِي لُغَةٍ مِنْ بَابِ قَرَّبَ فَهِيَ طَالِقٌ بِغَيْرِ هَاءٍ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَكُلُّهُمْ يَقُولُ طَالِقٌ بِغَيْرِ هَاءٍ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُ الْأَعْشَى
أَيَا جَارَتَا بِينِي فَإِنَّكِ طَالِقَهْ
…
كَذَاكَ أُمُورُ النَّاسِ غَادٍ وَطَارِقَهْ
فَقَالَ اللَّيْثُ: أَرَادَ طَالِقَةً غَدًا وَإِنَّمَا اجْتَرَأَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُقَالُ طَلُقَتْ فَحُمِلَ النَّعْتُ عَلَى الْفِعْلِ، وَقَالَ ابْنِ فَارِسٍ: أَيْضًا امْرَأَةٌ طَالِقٌ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَطَالِقَةٌ غَدًا فَصَرَّحَ بِالْفَرْقِ لِأَنَّ الصِّفَةَ غَيْرُ وَاقِعَةٍ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ إذَا كَانَ النَّعْتُ مُنْفَرِدًا بِهِ الْأُنْثَى دُونَ الذَّكَرِ لَمْ تَدْخُلْهُ الْهَاءُ نَحْوُ طَالِقٍ وَطَامِثٍ وَحَائِضٍ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى فَارِقٍ لِاخْتِصَاصِ الْأُنْثَى بِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ مِنْ أَنَّهُ يُقَالُ طَالِقٌ وَطَالِقَةٌ قَالُوا إنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ بِالتَّطْلِيقِ، وَفِي غَيْرِهِ بِالْإِطْلَاقِ حَتَّى كَانَ الْأَوَّلُ صَرِيحًا، وَالثَّانِي كِنَايَةً فَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى النِّيَّةِ فِي طَلَّقْتُك وَأَنْتِ مُطَلَّقَةٌ بِالتَّشْدِيدِ وَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا فِي أَطْلَقْتُك وَمُطْلَقَةٌ بِالتَّخْفِيفِ، وَالتَّفْعِيلُ هُنَا لِلتَّكْثِيرِ إنْ قَالَهُ فِي الثَّالِثَةِ كَغَلَّقَتْ الْأَبْوَابَ وَإِلَّا فَلِلْإِخْبَارِ عَنْ أَوَّلِ طَلْقَةٍ أَوْقَعَهَا فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّوْكِيدُ، وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى التَّطْلِيقِ كَالسَّلَامِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] أَوْ مَصْدَرٌ مِنْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ بِالضَّمِّ طَلَاقًا أَوْ بِالْفَتْحِ كَالْفَسَادِ مِنْ فَسَدَ، وَعَنْ الْأَخْفَشِ لَا يُقَالُ طَلُقَتْ بِالضَّمِّ، وَفِي دِيوَانِ الْأَدَبِ أَنَّهُ لُغَةٌ اهـ.
وَفِي الشَّرِيعَةِ مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (وَهُوَ رَفْعُ الْقَيْدِ الثَّابِتِ شَرْعًا بِالنِّكَاحِ) فَخَرَجَ بِالشَّرْعِيِّ الْقَيْدُ الْحِسِّيُّ وَبِالنِّكَاحِ الْعِتْقُ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى رَفْعِ قَيْدِ النِّكَاحِ لَخَرَجَا بِهِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْقُوضٌ طَرْدًا وَعَكْسًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِالْفَسْخِ كَتَفْرِيقِ الْقَاضِي بِإِبَائِهَا عَنْ الْإِسْلَامِ وَرِدَّةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ، وَالْعِتْقِ فَإِنَّ تَفْرِيقَ الْقَاضِي وَنَحْوِهِ فِيهِ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ فَقَدْ وُجِدَ الْحَدُّ وَلَمْ يُوجَدْ الْمَحْدُودُ وَأَمَّا الثَّانِي فَبِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ الْقَيْدِ فَقَدْ انْتَفَى الْحَدُّ وَلَمْ يَنْتَفِ الْمَحْدُودُ فَالْحَدُّ الصَّحِيحُ قَوْلُنَا رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ حَالًا أَوْ مَآلًا بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ فَخَرَجَ بِقَيْدِ النِّكَاحِ الْحِسِّيُّ، وَالْعِتْقُ وَبِاللَّفْظِ الْمَخْصُوصِ الْفَسْخُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَادَّةِ الطَّلَاقِ صَرِيحًا وَكِنَايَةً وَسَائِرُ الْكِنَايَاتِ الرَّجْعِيَّةِ، وَالْبَائِنَةِ وَلَفْظُ الْخُلْعِ وَقَوْلُ الْقَاضِي فَرَّقْت بَيْنَكُمَا عِنْدَ إبَاءِ الزَّوْجِ عَنْ الْإِسْلَامِ، وَفِي الْعُنَّةِ، وَاللِّعَانِ وَدَخَلَ الرَّجْعِيُّ بِقَوْلِنَا أَوْ مَآلًا وَهَاهُنَا أَبْحَاثٌ الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ قَالُوا رُكْنُهُ اللَّفْظُ الْمَخْصُوصُ الدَّالُّ عَلَى رَفْعِ الْقَيْدِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفُوهُ بِهِ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الشَّيْءِ رُكْنُهُ فَعَلَى هَذَا هُوَ لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى رَفْعِ قَيْدِ النِّكَاحِ الثَّانِي أَنَّ الْقَيْدَ صَيْرُورَتُهَا مَمْنُوعَةً عَنْ الْخُرُوجِ، وَالْبُرُوزِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَرَفْعُهُ يَحْصُلُ بِالْإِذْنِ لَهَا فِي الْخُرُوجِ، وَالْبُرُوزِ فَكَانَ هَذَا التَّعْرِيفُ مُنَاسِبًا لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَا الشَّرْعِيِّ.
وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: رُكْنُ الطَّلَاقِ اللَّفْظُ الَّذِي جُعِلَ دَلَالَةً عَلَى مَعْنَى الطَّلَاقِ لُغَةً وَهُوَ التَّخْلِيَةُ، وَالْإِرْسَالُ وَرَفْعُ الْقَيْدِ فِي الصَّرِيحِ وَقَطْعُ الْوَصْلَةِ وَنَحْوُهُ فِي الْكِنَايَاتِ أَوْ شَرْعًا وَهُوَ إزَالَةُ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ فِي النَّوْعَيْنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ اهـ.
فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ رُكْنَهُ شَرْعًا اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى إزَالَةِ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ وَأَنَّ رَفْعَ الْقَيْدِ إنَّمَا هُوَ مُنَاسِبٌ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: صَرِيحًا وَكِنَايَةً) أَيْ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَأَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِالتَّخْفِيفِ وَأَنْتِ طَ لَ قَ فَإِنَّهَا كِنَايَةٌ وَقَوْلُهُ: وَسَائِرُ الْكِنَايَاتِ. . . إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَا اشْتَمَلَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ غَيْرُ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى مَادَّةِ ط ل ق لَكِنَّ عِبَارَةَ الْفَتْحِ تُفِيدُ خِلَافَ هَذَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَكَانَ هَذَا التَّعْرِيفُ مُنَاسِبًا لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَا الشَّرْعِيِّ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْقَيْدَ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْبَدَائِعِ مَا يُوهِمُ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ وَأَمَّا مَا يَرْفَعُ حُكْمَ النِّكَاحِ فَالطَّلَاقُ وَقَالَ قَبْلَهُ لِلنِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَحْكَامٌ بَعْضُهَا أَصْلِيٌّ وَبَعْضُهَا مِنْ التَّوَابِعِ فَالْأَوَّلُ حِلُّ الْوَطْءِ إلَّا لِعَارِضٍ، وَالثَّانِي حِلُّ النَّظَرِ وَمِلْكُ الْمُتْعَةِ وَمِلْكُ الْحَبْسِ وَغَيْرُ ذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ إزَالَةُ حِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ فِي النَّوْعَيْنِ) أَيْ فِي الصَّرِيحِ، وَالْكِنَايَةِ وَأَرَادَ بِحِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ كَوْنَ الْمَرْأَةِ مَحَلًّا لِلْحِلِّ أَيْ حِلِّ الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ مَعْطُوفٌ عَلَى اللَّفْظِ فِي قَوْلِهِ رُكْنُ الطَّلَاقِ اللَّفْظُ وَفَسَّرَ فِي الْبَدَائِعِ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ بِالْكِتَابَةِ، وَالْإِشَارَةِ أَيْ الْكِتَابَةِ الْمُسْتَبِينَةِ، وَالْإِشَارَةِ بِالْأَصَابِعِ الْمَقْرُونَةِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ
الثَّالِثُ كَانَ يَنْبَغِي تَعْرِيفُهُ بِأَنَّهُ رَفْعُ عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ وَلَوْ مَآلًا لَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَافِعًا لِلْعَقْدِ لَارْتَفَعَ الطَّلَاقُ لِأَنَّ رَفْعَ الْعَقْدِ بِدُونِ الْعَقْدِ لَا يُتَصَوَّرُ فَإِذَا انْعَدَمَ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ انْعَدَمَ الْفَسْخُ مِنْ الْأَصْلِ فَإِذَا انْعَدَمَ الْفَسْخُ عَادَ الْعَقْدُ لِفَقْدِ مَا يُنَافِيهِ لِأَنَّا نَقُولُ جَوَابُهُ مَا أَجَابُوا بِهِ فِي الْقَوْلِ بِفَسْخِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجْعَلُ الْعَقْدَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لِحَلِّ عُقْدَةِ النِّكَاحِ وَيُقَالُ إنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ إسْقَاطِ الْحَقِّ عَنْ الْبُضْعِ وَلِهَذَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، وَالطَّلَاقُ عِنْدَهُمْ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ زَوَالُ الْمِلْكِ عَقِيبَهُ إذَا كَانَ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَائِنًا، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا وَقَفَ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَيْ لَمْ يَزُلْ الْمِلْكُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَائِهَا اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَرْفَعُ حُكْمَ النِّكَاحِ فَالطَّلَاقُ إلَى آخِرِهِ فَجُعِلَ الْمَرْفُوعُ الْحُكْمَ، وَفِيهِ مَا عَلِمْت، وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا لَمْ يَقُولُوا بِرَفْعِ الْعَقْدِ لِبَقَاءِ آثَارِهِ مِنْ الْعِدَّةِ إلَّا أَنَّهُ يَخُصُّ الْمَدْخُولَ بِهَا وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَا أَثَرَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَالتَّحْقِيقُ مَا أَفَادَهُ فِي التَّلْوِيحِ مِنْ بَحْثِ الْعِلَلِ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا بَقَاءُ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ حَقِيقَةً كَالْعُقُودِ مَثَلًا فَلَا خَفَاءَ فِي بُطْلَانِهِ فَإِنَّهَا كَلِمَاتٌ لَا يُتَصَوَّرُ حُدُوثُ حَرْفٍ مِنْهَا حَالَ قِيَامِ حَرْفٍ آخَرَ، وَالْفَسْخُ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ الْعَقْدِ وَلَوْ سُلِّمَ فَالْحُكْمُ بِبَقَائِهَا ضَرُورِيٌّ ثَبَتَ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ إلَى الْفَسْخِ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْفَسْخِ اهـ.
الرَّابِعُ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ طَلَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الرَّفْعُ فِي الْمَآلِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الرَّفْعَ فِي الْمَآلِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ الْمُرَاجَعَةِ بَلْ فِيهِ، وَفِيمَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ ثِنْتَيْنِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَظْهَرُ عَمَلُ الطَّلْقَةِ الْأُولَى بِانْضِمَامِ الثِّنْتَيْنِ إلَيْهَا فَتَحْرُمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً.
كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا يَبْقَى الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُزِيلُ الْقَيْدَ، وَالْحِلَّ لِلْحَالِ لِأَنَّهُ يُزِيلُهُمَا فِي الْمَآلِ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ ثِنْتَانِ اهـ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ مَاتَتْ بَعْدَ سِنِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَبَيَّنَ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلْقَةِ الْأُولَى حَتَّى لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ عَلَيْهَا طَلَاقًا قَطُّ لَا يَحْنَثُ، وَقَدْ عَلِمْت رُكْنَهُ، وَأَمَّا سَبَبُهُ فَالْحَاجَةُ إلَى الْخَلَاصِ عِنْدَ تَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ وَعُرُوضِ الْبَغْضَاءِ الْمُوجِبَةِ عَدَمَ إقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَرْعِهِ رَحْمَةً مِنْهُ - سُبْحَانَهُ - وَأَمَّا صِفَتُهُ فَهُوَ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْمِعْرَاجِ: إيقَاعُ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ، وَإِنْ كَانَ مُبَغَّضًا فِي الْأَصْلِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: لَا يُبَاحُ إيقَاعُهُ إلَّا لِضَرُورَةِ كِبَرِ سِنٍّ أَوْ رِيبَةٍ لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ مِذْوَاقٍ مِطْلَاقٍ» وَلَنَا إطْلَاقُ الْآيَاتِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ مُطْلَقًا «وَطَلَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَفْصَةَ رضي الله عنها فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُرَاجِعَهَا فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ» وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ رِيبَةٌ وَلَا كِبَرُ سِنٍّ وَكَذَا الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم فَإِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه طَلَّقَ أُمَّ عَاصِمٍ وَابْنَ عَوْفٍ تُمَاضِرَ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنهما اسْتَكْثَرَ النِّكَاحَ، وَالطَّلَاقَ بِالْكُوفَةِ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ: إنَّ ابْنِي هَذَا مِطْلَاقٌ فَلَا تُزَوِّجُوهُ فَقَالُوا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَافِعًا لِلْعَقْدِ لَارْتَفَعَ الطَّلَاقُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا لَارْتَفَعَ الْعَقْدُ، وَفِي بَعْضِهَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَافِعًا لِلْقَيْدِ لَارْتَفَعَ الطَّلَاقُ لِأَنَّ رَفْعَ الْقَيْدِ بِدُونِ الْعَقْدِ لَا يُتَصَوَّرُ. . . إلَخْ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا انْعَدَمَ الْفَسْخُ عَادَ الْعَقْدُ لِفَقْدِ مَا يُنَافِيهِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا عَادَ الطَّلَاقُ، وَالصَّوَابُ الْأُولَى كَمَا ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ مَا عَلِمْت) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ التَّعْرِيفُ مُنَاسِبًا لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَا الشَّرْعِيِّ، وَقَدْ عَلِمْت انْدِفَاعَهُ بِمَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا فِي الْبَدَائِعِ مَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ التَّلْوِيحِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ الثَّالِثِ كَانَ يَنْبَغِي تَعْرِيفُهُ بِأَنَّهُ رَفْعُ عَقْدِ النِّكَاحِ لَكِنْ يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي عَنْ التَّلْوِيحِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ: الرَّابِعُ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا. . . إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي التَّعْرِيفِ السَّابِقِ أَوْ مَآلًا الْمَدْخَلُ لِلرَّجْعِيِّ (قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ ثِنْتَيْنِ) لَفْظٌ بَعْدُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لَا مُضَافٌ إلَى ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يُلَائِمُهُ مَا بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا لَوْ طَلَّقَهَا. . . إلَخْ.) قِيلَ مَا حَاصِلُهُ هَذَا يَصْلُحُ إيرَادًا عَلَى الْجَوَابِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْتَفِعْ الْقَيْدُ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ صَدَرَ مِنْهُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى رَفْعِ الْقَيْدِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الطَّلَاقِ فَالْأَحْسَنُ فِي التَّعْرِيفِ الشَّرْعِيِّ مَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ بِقَوْلِهِ هُوَ إزَالَةُ النِّكَاحِ أَوْ نُقْصَانُ حِلِّهِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّ مُجَرَّدَ صُدُورِ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ الرُّكْنُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ زَوَالُ الْقَيْدِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى انْضِمَامِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ إيقَاعِ الثِّنْتَيْنِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ فَهُوَ طَلَاقٌ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ حُكْمُهُ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ عَلَيْهَا طَلَاقًا قَطُّ لَمْ يَحْنَثْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: كَيْفَ يُقَالُ لَمْ يُوقِعْ طَلْقَةً وَلَوْ أَوْقَعَ ثِنْتَيْنِ بَعْدَهَا حَرُمَتْ حُرْمَةً غَلِيظَةً إجْمَاعًا، وَالْمُرَاجَعَةُ تَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ فَقَدْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْمُرَاجَعَةَ بِدُونِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُحَالٌ
نُزَوِّجُهُ ثُمَّ نُزَوِّجُهُ ثُمَّ نُزَوِّجُهُ اهـ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عز وجل الطَّلَاقُ» قَالَ الشُّمُنِّيُّ رحمه الله فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ مُشْكِلٌ لِأَنَّ كَوْنَ الطَّلَاقِ مُبَغَّضًا إلَى اللَّهِ عز وجل مُنَافٍ لِكَوْنِهِ حَلَالًا لِأَنَّ كَوْنَهُ مُبَغَّضًا يَقْتَضِي رُجْحَانَ تَرْكِهِ عَلَى فِعْلِهِ وَكَوْنُهُ حَلَالًا يَقْتَضِي مُسَاوَاةَ تَرْكِهِ بِفِعْلِهِ أُجِيبَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَلَالِ هُنَا مَا اسْتَوَى فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ بَلْ مَا لَيْسَ تَرْكُهُ بِلَازِمٍ الشَّامِلَ لِلْمُبَاحِ، وَالْوَاجِبِ، وَالْمَنْدُوبِ، وَالْمَكْرُوهِ اهـ.
وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَصَحُّ حَظْرُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ اخْتِيَارُ الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَلَيْسَ الْمَذْهَبُ عَنْ عُلَمَائِنَا وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَهُمْ فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ التَّعْلِيلِ يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ مَحْظُورٌ لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْرَانِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ مَا ذَكَرْنَا فِي بَيَانِ سَبَبِهِ فَبَيْنَ الْحُكْمَيْنِ مِنْهُمْ تَدَافُعٌ اهـ.
فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا تَدَافُعَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا صَرِيحٌ فِي إبَاحَتِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَدَعْوَى أَنَّ تَعْلِيلَهُمْ فِيمَا سَيَأْتِي بِأَنَّهُ مَحْظُورٌ خِلَافَ الْوَاقِعِ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا قَالُوا فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى بِدْعِيَّةِ الثَّلَاثِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ، وَالدُّنْيَوِيَّةُ، وَالْإِبَاحَةُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِمَا فَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْظُورٌ شَرْعًا وَإِنَّمَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: أُجِيبَ. . . إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَلَالِ مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ فَلَا يُنَافِي الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَبْغُوضٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ أَحَدُ مَا شَمَلَهُ وَهُوَ الْمَكْرُوهُ فَيَصِحُّ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْأَبْغَضِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُرِيدَ بِالْحَلَالِ الْمُبَاحُ فَإِنَّهُ يُنَافِي الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ مُؤَيِّدٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: اخْتِيَارٌ لِلْقَوْلِ الضَّعِيفِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ التَّقْيِيدُ بِالْحَاجَةِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ الْقَوْلَ الضَّعِيفَ تَخْصِيصُ الْحَاجَةِ بِالْكِبَرِ، وَالرِّيبَةِ وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ غَيْرَ أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْكِبَرِ، وَالرِّيبَةِ فَمِنْ الْحَاجَةِ الْمُبِيحَةِ أَنْ يُلْقِي إلَيْهِ عَدَمَ اشْتِهَائِهَا بِحَيْثُ يَعْجِزُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِإِكْرَاهِهِ نَفْسَهُ عَلَى جِمَاعِهَا فَهَذَا إذَا وَقَعَ فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى طَوْلِ غَيْرِهَا مَعَ اسْتِبْقَائِهَا وَرَضِيَتْ بِإِقَامَتِهَا فِي عِصْمَتِهِ بِلَا وَطْءٍ وَبِلَا قَسَمٍ فَيُكْرَهُ طَلَاقُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى طَوْلِهَا أَوْ لَمْ تَرْضَ هِيَ بِتَرْكِ حَقِّهَا فَهُوَ مُبَاحٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْظُورٌ شَرْعًا إلَخْ.) .
اعْلَمْ أَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ صَرَّحَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مَشْرُوعٌ فِي ذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إزَالَةُ الرِّقِّ وَقَالَ إنَّهُ لَا يُنَافِي الْحَظْرَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ، وَالدُّنْيَوِيَّةُ وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحَظْرُ وَأَنَّ الْإِبَاحَةَ لِحَاجَةِ الْخَلَاصِ فَتَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِهِ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ مِنْ جِهَةٍ وَمَحْظُورٌ مِنْ جِهَةٍ فَمَشْرُوعِيَّتُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إزَالَةُ الرِّقِّ فَإِنَّ النِّكَاحَ رِقُّ الْمَرْأَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ يَتَضَرَّرُ الرَّجُلُ بِهَا كَمَا قَدْ تَتَضَرَّرُ هِيَ بِهِ فَلَوْ لَمْ يُشْرَعْ وَجْهٌ لِلْخَلَاصِ لَلَزِمَ الضَّرَرُ الْمُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَإِنَّمَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الروم: 21] الْآيَةَ فَفِيهِ كُفْرَانُ هَذِهِ النِّعْمَةِ وَقَطْعٌ لِهَذِهِ الْمَوَدَّةِ، وَالرَّحْمَةِ الَّتِي بِهَا مَصَالِحُ الدِّينِ، وَالدُّنْيَا فَهَذِهِ جِهَةُ حَظْرِهِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْحَظْرِ، وَالْمَشْرُوعِيَّةِ مِنْ جِهَتَيْنِ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ لَكِنَّ جِهَةَ الْحَظْرِ تَنْدَفِعُ بِالْحَاجَةِ كَكِبَرٍ أَوْ رِيبَةٍ أَوْ دَمَامَةِ خِلْقَةٍ أَوْ تَنَافُرِ طِبَاعٍ بَيْنَهُمَا أَوْ إرَادَةِ تَأْدِيبٍ أَوْ عَدَمِ قُدْرَةٍ عَلَى الْإِقَامَةِ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَبِالْحَاجَةِ تَتَمَحَّضُ جِهَةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَتَزُولُ جِهَةُ الْحَظْرِ وَبِدُونِهَا تَبْقَى الْجِهَتَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْرَانِ النِّعْمَةِ وَإِيذَائِهَا وَإِيذَاءِ أَهْلِهَا وَأَوْلَادِهِ مِنْهَا بِلَا حَاجَةٍ وَلَا سَبَبٍ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:{فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} [النساء: 34] أَيْ فَلَا تَطْلُبُوا الْفِرَاقَ وَعَلَيْهِ الْحَدِيثُ «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» أَيْ أَبْغَضُ الْمَشْرُوعِ الطَّلَاقُ وَمَشْرُوعِيَّتُهُ بِمَعْنَى عَدَمِ حُرْمَتِهِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ مَبْغُوضًا كَمَا مَرَّ عَنْ الشُّمُنِّيِّ أَوْ كَمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ إبَاحَتِهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَعْنِي أَوْقَاتَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَقَوْلُهُمْ: الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرُ، وَالْإِبَاحَةُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ فَإِنَّ إبَاحَتَهُ مِنْ جِهَةٍ وَحَظْرَهُ مِنْ جِهَةٍ وَلَيْسَتْ جِهَةُ الْإِبَاحَةِ خَاصَّةً بِالْكِبَرِ، وَالرِّيبَةِ كَمَا مَرَّ عَنْ بَعْضِهِمْ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ بَلْ هِيَ مُطْلَقَةٌ فَكُلُّ دَاعٍ إلَى الْخَلَاصِ مِمَّا هُوَ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا مِنْ الْأَعْذَارِ رَافِعٌ لِجِهَةِ الْحَظْرِ وَمُمَحِّضٌ لِجِهَةِ الْإِبَاحَةِ وَالْمَشْرُوعِيَّةِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ مُبَاحٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ بِتَقْيِيدِ الْحَاجَةِ بِالْكِبَرِ، وَالرِّيبَةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ غَيْرَ أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا لِمُنَافَاتِهِ إثْبَاتَ جِهَةِ الْحَظْرِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا لَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ وَيُنْسَبُ فَاعِلُهُ إلَى الْحُمْقِ لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْرَانِ النِّعْمَةِ، وَالْإِيذَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَيْسَتْ جِهَةُ الْحَظْرِ سَاقِطَةً بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْبَحْرِ وَلِذَا كَانَ أَبْغَضَ الْحَلَالِ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ الْأَصْلُ فِي النِّكَاحِ الْحَظْرُ فَإِنَّ هَذَا الْأَصْلَ سَاقِطٌ وَإِنَّهُ حَرَامٌ فِي الْأَصْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِجُزْءِ الْآدَمِيِّ الْمُحْتَرَمِ، وَالِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ وَارْتَفَعَ هَذَا الْأَصْلُ لِحَاجَةِ التَّوَالُدِ، وَالتَّنَاسُلِ وَبَقَاءِ الْعَالَمِ أَمَّا الْأَصْلُ فِي
يُفِيدُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحَظْرُ وَتُرِكَ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ فَصَارَ الْحِلُّ هُوَ الْمَشْرُوعُ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ صَاحِبِ كَشْفِ الْأَسْرَارِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ الْحَظْرُ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّوَالُدِ، وَالتَّنَاسُلِ فَهَلْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَحْظُورٌ فَالْحَقُّ إبَاحَتُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 236] وَحَمْلُهُ عَلَى الْحَاجَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.
وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: يُسْتَحَبُّ طَلَاقُهَا إذَا كَانَتْ سَلِيطَةً مُؤْذِيَةً أَوْ تَارِكَةً لِلصَّلَاةِ لَا تُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ جَوَازَ مُعَاشَرَةِ مَنْ لَا تُصَلِّي وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ بَلْ عَلَيْهَا وَلِذَا قَالُوا فِي الْفَتَاوَى لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقُولُوا عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ فِي ضَرْبِهَا عَلَى تَرْكِهَا رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا قَاضِي خَانْ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُبَاحٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ حَرَامٌ بِدْعِيٌّ وَيَكُونُ وَاجِبًا إذَا فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا فِي امْرَأَةِ الْمَجْبُوبِ، وَالْعِنِّينِ بَعْدَ الطَّلَبِ، وَلِذَا قَالُوا إذَا فَاتَهُ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فَوَجَبَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ وَأَمَّا شَرْطُهُ فِي الزَّوْجِ فَالْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَفِي الزَّوْجَةِ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَتَهُ أَوْ فِي عِدَّتِهِ الَّتِي تَصْلُحُ مَعَهَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَهِيَ الْمُعْتَدَّةُ بِعِدَّةِ الطَّلَاقِ لَا الْمُعْتَدَّةُ بِعِدَّةِ الْوَطْءِ، وَالْخَلْوَةِ وَحَاصِلُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ الَّتِي هِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ هِيَ كُلُّ مُعْتَدَّةٍ عَنْ طَلَاقٍ أَوْ بَعْدَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي بِإِبَاءِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَ ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا فَقَطْ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّةٍ عَنْ فَسْخٍ إلَّا فِي هَاتَيْنِ وَلَا يَقَعُ فِي الْعِدَّةِ عَنْ فَسْخٍ بِحُرْمَةٍ مُؤَبَّدَةٍ كَمَا إذَا اعْتَرَضَتْ الْحُرْمَةُ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ وَكَذَا عَنْ فَسْخٍ بِحُرْمَةٍ غَيْرِ مُؤَبَّدَةٍ كَالْفَسْخِ بِخِيَارِ الْعِتْقِ، وَالْبُلُوغِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ وَسَبْيِ أَحَدِهِمَا وَمُهَاجِرَتِهِ إلَيْنَا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي بَحْثِ خِيَارِ الْبُلُوغِ بِأَنَّ الْأَوْجَهَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الْعِدَّةِ وَنَبَّهْنَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ فَالْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ عَدَمِهِ وَزَادَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِهِ شَرْطَ الرُّكْنِ وَهُوَ اللَّفْظُ الْمَخْصُوصُ أَنْ لَا يَلْحَقَهُ اسْتِثْنَاءٌ وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلطَّلَاقِ انْتِهَاءُ غَايَةٍ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ لَمْ تَقَعْ الثَّلَاثُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَمَّا حُكْمُهُ فَوُقُوعُ الْفُرْقَةِ مُؤَجَّلًا إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ وَبِدُونِهِ فِي الْبَائِنِ وَأَمَّا مَحَاسِنُهُ فَالتَّخَلُّصُ بِهِ مِنْ الْمَكَارِهِ الدِّينِيَّةِ، وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ طَلَاقَ الدَّوْرَ وَاقِعٌ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ آخِرِ الْإِيمَانِ وَأَمَّا أَقْسَامُهُ فَثَلَاثَةٌ: حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ، وَبِدْعِيٌّ
ــ
[منحة الخالق]
الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ بَاقٍ لَمْ يَسْقُطْ بِالْكُلِّيَّةِ فَبَيْنَ الْأَصْلَيْنِ بَوْنٌ بَعِيدٌ لِمَا قُلْنَا مِنْ بَقَاءِ الْحَظْرِ إذَا كَانَ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ طَلَاقُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ رضي الله عنهم عَلَى فِعْلِهِ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا بِأَنْ يَكُونَ لَغْوًا وَعَبَثًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا مِنْ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا فَهَذَا تَحْقِيقُ الْمَقَامِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَاغْتَنِمْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ يُفِيدُ جَوَازَ مُعَاشَرَةِ مَنْ لَا تُصَلِّي) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا كَرَاهَةُ مُعَاشَرَةِ مَنْ لَا تُصَلِّي وَلَا مُخَالَفَةَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةُ (قَوْلُهُ: هِيَ كُلُّ مُعْتَدَّةٍ عَنْ طَلَاقٍ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً وَهُوَ طَلَاقٌ لَا فَسْخٌ كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ (قَوْلُهُ: وَبَعْدَ ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ أَوْ هِيَ وَلَمْ يُطَلِّقْ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبَاءِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّةٍ عَنْ فَسْخٍ إلَّا فِي هَاتَيْنِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ الْفَسْخُ وَلَوْ كَانَ هُوَ الْآبِي كَانَ إبَاؤُهُ طَلَاقًا لَا فَسْخًا.
وَفِي مَسْأَلَةِ الرِّدَّةِ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَفِي كَوْنِهِ فَسْخًا خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا رِدَّتُهَا فَفَسْخٌ اتِّفَاقًا هَذَا وَلَكِنْ سَيَأْتِي فِي آخِرِ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ لِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ فَإِنْ عَادَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَنَقَلَ هُنَاكَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَا يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ طَلَاقُهُ وَكَتَبَ الرَّمْلِيُّ هُنَاكَ أَنَّ هَذَا فِي الْحَرْبِيَّةِ إذَا خَرَجَتْ مُسْلِمَةً ثُمَّ خَرَجَ زَوْجُهَا بِأَمَانٍ فَطَلَّقَهَا لَا يَقَعُ. . إلَخْ رَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ: وَسَبْيُ أَحَدِهِمَا وَمُهَاجِرَتُهُ إلَيْنَا) إنَّمَا لَا يَقَعُ فِيهِمَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْمَسْبِيَّ، وَالْمُهَاجِرَ إنْ كَانَ الزَّوْجَ فَلَا عِدَّةَ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحَرْبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةَ فَكَذَلِكَ لِحِلِّهَا لِلسَّابِي بِاسْتِبْرَاءٍ إنْ كَانَتْ مَسْبِيَّةً، وَإِنْ كَانَتْ مُهَاجِرَةً فَكَذَلِكَ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَهِيَ عِدَّةٌ لَا تُوجِبُ مِلْكَ يَدٍ فَكَانَتْ كَالْعِدَّةِ فِي الْفَاسِدِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَزَادَ بَعْدَهُ وَكَذَا لَوْ خَرَجَ الزَّوْجَانِ مُسْتَأْمِنَيْنِ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا فَهِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثًا فَتَقَعَ الْفُرْقَةُ بِلَا طَلَاقٍ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ لِأَنَّ الْمُصِرَّ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الرُّجُوعِ اهـ.
وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ تَسَامُحٌ إذْ قَوْلُهُ: وَسَبْيُ أَحَدِهِمَا وَمُهَاجِرَتُهُ يُشْعِرُ بِوُجُودِ الْعِدَّةِ فِيهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ طَلَاقَ الدَّوْرِ وَاقِعٌ) أَيْ بِكَوْنِ التَّخَلُّصِ الْمَذْكُورِ مِنْ مَحَاسِنِهِ يُعْلَمُ وُقُوعُهُ وَإِلَّا لَفَاتَتْ هَذِهِ الْحِكْمَةُ تَأَمَّلْ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ وَاقِعٌ إجْمَاعًا كَمَا حَرَّرَهُ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى فَلَوْ حَكَمَ بِعَدَمِهِ حَاكِمٌ لَا يَنْفُذُ أَصْلًا وَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِ ابْنِ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ قُلْت وَسَيَأْتِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطًا فِي الْفَصْلِ الْآتِي بَعْدَ بَابِ الصَّرِيحِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسِ وَقَعَ الْآنَ.
وَأَمَّا أَلْفَاظُهُ فَثَلَاثَةٌ صَرِيحٌ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ وَكِنَايَةٌ وَسَيَأْتِيَانِ.
قَوْلُهُ: (تَطْلِيقُهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ وَتَرَكَهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا أَحْسَنُ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ لَا أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ فَانْدَفَعَ بِهِ مَا قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ حَسَنًا مَعَ أَنَّهُ أَبْغَضُ الْحَلَالِ وَهَذَا أَحَدُ قِسْمَيْ الْمَسْنُونِ فَإِنَّهُ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ وَمَعْنَى الْمَسْنُونِ هُنَا مَا ثَبَتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَوْجِبُ عِتَابًا لَا أَنَّهُ الْمُسْتَعْقِبُ لِلثَّوَابِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ عِبَادَةً فِي نَفْسِهِ لِيَثْبُتَ لَهُ ثَوَابٌ فَالْمُرَادُ هُنَا الْمُبَاحُ نَعَمْ لَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَةٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِدْعِيًّا فَمَنَعَ نَفْسَهُ إلَى وَقْتِ السُّنِّيِّ يُثَابُ عَلَى كَفِّ نَفْسِهِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ لَا عَلَى نَفْسِ الطَّلَاقِ كَكَفِّ نَفْسِهِ عَنْ الزِّنَا مَثَلًا بَعْدَ تَهْيِئِ أَسْبَابِهِ وَوُجُودِ الدَّاعِيَةِ فَإِنَّهُ يُثَابُ لَا عَلَى عَدَمِ الزِّنَا لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ الْكَفُّ لَا الْعَدَمُ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ: إنَّمَا كَانَ هَذَا الْقِسْمُ أَحْسَنَ مِنْ الثَّانِي لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ بِكَرَاهَتِهِ لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِالْوَاحِدَةِ قَيَّدَ بِالْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهَا بِكَلِمَةِ وَاحِدَةٍ بِدْعِيٌّ وَمُتَفَرِّقًا لَيْسَ بِأَحْسَنَ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْوَاحِدَةَ الْبَائِنَةَ بِدْعِيٌّ فَالْمُرَادُ بِالْوَاحِدَةِ هُنَا الرَّجْعِيَّةُ وَقَيَّدَ بِالطُّهْرِ لِأَنَّهُ فِي الْحَيْضِ بِدْعِيٌّ وَقَيَّدَ بِعَدَمِ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ بِدْعِيٌّ لِوُقُوعِ النَّدَمِ بِاحْتِمَالِ حَمْلِهَا وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ بَعْدَ ظُهُورِ حَمْلِهَا لَا يَكُونُ بِدْعِيًّا مِنْ هَذَا الْقِسْمِ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَصَرَّحَ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ لَكِنْ وَطِئَ فِي الْحَيْضِ قَبْلَهُ يَكُونُ بِدْعِيًّا لِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَعُلِمَ مِنْ مُقَابِلِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الطُّهْرِ لَا طَلَاقَ فِيهِ وَلَا فِي بَعْضِهِ جِمَاعٌ وَلَا طَلَاقَ فَلَوْ قَالَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ: الْأَحْسَنُ تَطْلِيقُهَا إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ وَلَا طَلَاقَ فِيهِ وَلَا فِي حَيْضَةِ جِمَاعٌ وَلَا طَلَاقٌ وَتَرَكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لَكَانَ أَحْسَنَ.
فَإِنْ قُلْت عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِوَطْئِهِ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَأَيُّ الْعِبَارَتَيْنِ أَوْلَى قُلْت يَرِدُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا شَيْءٌ أَمَّا عَلَى الْكَنْزِ فَالزِّنَا فَإِنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ غَيْرُهُ بِزِنًا فَإِنَّهُ سُنِّيٌّ مَعَ أَنَّهُ مَا خَلَا عَنْ الْوَطْءِ فِيهِ وَأَمَّا عَلَى الْمَجْمَعِ فَوَطِئَ غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا هُوَ وَإِنَّمَا جَامَعَهَا غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ بِدْعِيٌّ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ الْمُصَنِّفُ الزِّنَا وَيَزِيدَ فِي الْمَجْمَعِ وَلَا غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ وَخَرَجَ الْحَسَنُ بِقَوْلِهِ وَتَرَكَهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا وَمَعْنَاهُ التَّرْكُ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ آخَرَ لَا التَّرْكُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ إذَا رَاجَعَهَا لَا يَخْرُجُ الطَّلَاقُ عَنْ كَوْنِهِ أَحْسَنَ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَلَكِنْ وَطِئَهَا غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ زِنًا وَقَعَ فِي هَذَا الطُّهْرِ، وَإِنْ كَانَ بِشُبْهَةٍ لَمْ يَقَعْ.
قَوْلُهُ: (وَثَلَاثًا فِي أَطْهَارٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ) أَيْ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَسَنِ، وَالْأَحْسَنِ سُنِّيٌّ، فَتَخْصِيصُ هَذَا بِاسْمِ طَلَاقِ السُّنَّةِ لَا وَجْهَ لَهُ، وَالْمُنَاسِبُ تَمْيِيزُهُ بِالْمَفْضُولِ مِنْ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنَّ مَشَايِخَنَا إنَّمَا خَصُّوهُ بِاسْمِ السُّنَّةِ لِمَا أَنَّهُ وَرَدَ فِي وَاقِعَةِ «ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ قَدْ أَخْطَأْت السُّنَّةَ السُّنَّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ فَتُطَلِّقَ لِكُلِّ قُرْءٍ تَطْلِيقَةً» وَخَصُّوا الْأَوَّلَ بِاسْمِ الْأَحْسَنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حِينَ تَمْضِي عِدَّتُهَا وَأَنَّ هَذَا أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْأَطْهَارُ خَالِيَةً عَنْ الْجِمَاعِ فِيهَا، وَفِي حَيْضٍ قَبْلَهَا، وَعَنْ طَلَاقٍ فِيهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يُخْرِجُهُ عَنْ السُّنَّةِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَأَمَّا غَيْرُهَا فَسَيَذْكُرُ حُكْمَهَا.
وَالتَّطْلِيقُ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ صَادِقٌ بِكَوْنِهِ فِي أَوَّلِهِ، وَفِي آخِرِهِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ قِيلَ الْأَوْلَى التَّأْخِيرُ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَقِيبَ الطُّهْرِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْإِيقَاع رُبَّمَا يُجَامِعُهَا وَمِنْ قَصْدِهِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لَكِنَّ مَشَايِخَنَا إنَّمَا خَصُّوهُ بِاسْمِ السُّنَّةِ لِمَا أَنَّهُ وَرَدَ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَوْ قِيلَ أَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ الْحُسْنَ بِهَذَا لِيُعْلَمَ أَنَّهُ فِي الْأَحْسَنِ سُنِّيٌّ بِالْأَوْلَى لَكَانَ فِي الْجَوَابِ أَوْلَى اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الشرنبلالية بِزِيَادَةٍ حَيْثُ قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَحْسَنَ سُنِّيٌّ بِالْإِجْمَاعِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّصْرِيحِ بِكَوْنِهِ سُنِّيًّا وَصَرَّحَ بِكَوْنِ الْحَسَنِ سُنِّيًّا لِدَفْعِ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنِّيٍّ لَا لِأَنَّهُ عِنْدَنَا سُنِّيٌّ دُونَ الْأَوَّلِ كَذَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا اهـ.
أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوِقَاعِ وَهُوَ بِدْعِيٌّ أَيْ الْأَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا فَكَانَ أَوْلَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْهِدَايَةِ لِمَا ذَكَرَهُ وَلِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَ إلَى آخِرِهِ رُبَّمَا فَجَأَهَا الْحَيْضُ قَبْلَ التَّطْلِيقِ فَيَفُوتُ مَقْصُودُهُ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ كَتَبَ إلَيْهَا إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا ثُمَّ حِضْت فَطَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ امْتَدَّ طُهْرُهَا الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ كَتَبَ ثُمَّ إذَا حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ إذَا حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ شَاءَ أَوْجَزَ فَكَتَبَ إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ فَيَقَعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ كَتَبَ إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا ثُمَّ أَهَلَّ شَهْرٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ اهـ.
وَهَذِهِ الْكِتَابَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَاجِبَةٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الرُّقَيَّاتِ أَنَّهُ يَكْتُبُ إلَيْهَا: إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا فَعَلِمْت مَا فِيهِ ثُمَّ حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْت طَالِقٌ وَتِلْكَ الرِّوَايَةُ أَحْوَطُ اهـ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ امْتَدَّ طُهْرُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَافَرَ وَهِيَ حَائِضٌ وَلَمْ يُجَامِعْهَا فِي ذَلِكَ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يَكْتُبُ لَهَا إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى قَوْلِهِ ثُمَّ حِضْت فَطَهُرْت فَإِنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا فِي طُهْرِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يُقَالَ جَازَ أَنْ تَكُونَ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فِي غَيْبَتِهِ وَهُوَ بَعِيدُ الْوُقُوعِ وَأَمَّا الزِّنَا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لَهَا: إذَا طَهُرْت مِنْ حَيْضَةٍ فَأَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَطَهُرَتْ مِنْ حَيْضَةٍ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا، وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَلُقَتْ لِأَنَّ الْحَيْضَ تَمَّ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهَذَا الْوَلَدُ رَجْعَةٌ. اهـ.
قَوْلُهُ: (وَثَلَاثًا فِي طُهْرٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ بِدْعِيٌّ) أَيْ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً فِي طُهْرٍ وَاحِد أَوْ ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِدْعِيٌّ أَيْ مَنْسُوبٌ إلَى الْبِدْعَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْمُحَرَّمَةُ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِعِصْيَانِهِ وَمُرَادُهُ بِهَذَا الْقِسْمِ مَا لَيْسَ حَسَنًا وَلَا أَحْسَنَ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ طَلَاقُ الْبِدْعَةِ مَا خَالَفَ قِسْمَيْ السُّنَّةِ فَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ طَلَّقَ ثِنْتَيْنِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مُتَفَرِّقًا أَوْ وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ وَأَمَّا الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ فَسَيُصَرِّحُ بِهِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ الطَّلَاقَ بِالْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ وَلَا حَاجَةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ أَنَّ الْبَائِنَةَ بِدْعِيَّةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ فِي الْكَافِي نَصَّ عَلَى أَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ نَاجِزًا وَيَشْهَدُ لَهَا «أَنَّ أَبَا رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، وَالْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخُلْعِ.
وَالْجَوَابُ تَجْوِيزُ أَنْ يَكُونَ أَبُو رُكَانَةَ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ أَنَّهُ أَخَّرَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ لِحَالٍ اقْتَضَتْ تَأْخِيرَهُ إذْ ذَاكَ، وَالْخُلْعُ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَبُلُوغِهَا النِّهَايَةَ وَلِذَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يُكْرَهُ حَالَةَ الْحَيْضِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يُكْرَهُ كَمَا لَا يُكْرَهُ حَالَةَ الْحَيْضِ بِالْإِجْمَاعِ وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْعِوَضِ إلَّا بِهِ اهـ.
وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يُبَاحُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ كَمَالِ الْأَلْفِ إلَّا بِالثَّلَاثِ حَيْثُ لَمْ تَرْضَ إلَّا بِهَا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ثُلُثَ الْعِوَضِ حَاصِلٌ لَهُ بِطَلَاقِهَا وَاحِدَةً جَبْرًا عَلَيْهَا فَيَفُوتُهُ كَمَالُ الْأَلْفِ لَا كُلُّهَا بِخِلَافِ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَخْلَعْهَا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَافْتَرَقَا وَلَا حَاجَةَ إلَى الِاشْتِغَالِ بِالْأَدِلَّةِ عَلَى رَدِّ قَوْلِ مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَلِذَا قَالُوا: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِأَنَّ الثَّلَاثَ بِفَمٍ وَاحِدٍ وَاحِدَةٌ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ لِأَنَّهُ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ طَلَّقَهَا وَهِيَ حُبْلَى أَوْ حَائِضٌ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَحَكَمَ بِبُطْلَانِهِ قَاضٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ لَمْ يَنْفُذْ وَكَذَا لَوْ حَكَمَ بِبُطْلَانِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخُلْعِ بِالرَّفْعِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ «أَنَّ أَبَا رُكَانَةَ» (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يُكْرَهُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ ذَكَرَ الْحَدَّادِيُّ أَنَّ هَذَا رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى، وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ يُكْرَهُ إيقَاعُهُ حَالَةَ الْحَيْضِ، وَالْكَلَامُ فِي الْخُلْعِ عَلَى مَالٍ لِتَعْلِيلِ الْمُحِيطِ الْآتِي وَاسْتَدَلَّ فِي الْمِعْرَاجِ بِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَعُمُّ مَا لَوْ طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُوقِعَ الثَّلَاثَ لِتُحَصِّلَ الْأَلْفَ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مَدْفُوعٌ بِمَا عَلِمْت عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ ثُلُثَ الْأَلْفِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَجَازَ أَنْ يُرْفَعَ إلَى مَنْ يَرَى عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ شَيْئًا لَوْ فَعَلَ فَكَانَ مُضْطَرًّا إلَى الْكُلِّ فَتَدَبَّرْ.
طَلَاقِ مَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ لَا يَنْفُذُ اهـ.
وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما لِلسَّائِلِ الَّذِي جَاءَ يَسْأَلُهُ عَنْ الَّذِي طَلَّقَ ثَلَاثًا بِقَوْلِهِ: عَصَيْت رَبَّك وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مَرْفُوعًا عَنْهُ عليه السلام: «بَانَتْ بِثَلَاثٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» فَقَدْ أَفَادَ الْوُقُوعَ، وَالْعِصْيَانَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ هُوَ يَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا زَادَ عَلَيْهَا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فَلَا يَكُونُ مَحْظُورًا دُفِعَ بِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَاقِعٌ لِحَاجَةِ لُزُومِ فَسَادِ الدِّينِ، وَالدُّنْيَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إضْرَارٌ أَوْ كُفْرَانٌ بِلَا حَاجَةٍ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبِدْعَةَ فِي الْجَمْعِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ رَجْعَةٌ فَإِنْ تَخَلَّلَتْ فَلَا يُكْرَهُ إنْ كَانَتْ بِالْقَوْلِ أَوْ بِنَحْوِ الْقُبْلَةِ، وَاللَّمْسِ عَنْ شَهْوَةٍ.
وَأَمَّا إذَا رَاجَعَهَا بِالْجِمَاعِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ هَذَا طُهْرٌ فِيهِ جِمَاعٌ، وَإِنْ رَاجَعَهَا بِالْجِمَاعِ وَأَعْلَقَهَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ لِلسُّنَّةِ حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ مِنْ التَّطْلِيقَةِ الْأُولَى ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَهُوَ مُمْسِكٌ يَدَهَا بِشَهْوَةٍ وَقَعَتْ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ مُتَعَاقِبًا لِأَنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ، وَالرَّجْعَةُ فَاصِلَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةً لِلْحَالِ وَتَقَعُ ثِنْتَانِ فِي طُهْرَيْنِ آخَرَيْنِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ غَيْرُ فَاصِلَةٍ اهـ.
وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ وَمَشَى عَلَيْهَا فِي الْمَنْظُومَةِ وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَكَقَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَكُونُ فَاصِلَةً كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي تَخَلُّلِ الرَّجْعَةِ أَمَّا لَوْ تَخَلَّلَ النِّكَاحُ فَأَقْوَالٌ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْبِدْعَةُ اسْمٌ مِنْ الِابْتِدَاعِ كَالرِّفْعَةِ مِنْ الِارْتِفَاعِ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى مَا هُوَ نَقْصٌ فِي الدِّينِ أَوْ زِيَادَةٌ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ بَعْضُهَا غَيْرَ مَكْرُوهٍ فَيُسَمَّى بِدْعَةً مُبَاحَةً وَهُوَ مَا شَهِدَ لِجِنْسِهِ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ أَوْ اقْتَضَتْهُ مَصْلَحَةٌ تَنْدَفِعُ بِهَا مَفْسَدَةٌ كَاحْتِجَابِ الْخَلِيفَةِ عَنْ اخْتِلَاطِ النَّاسِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ الْمَوْطُوءَةِ تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ وَلَوْ حَائِضًا) أَيْ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا يَجُوزُ تَطْلِيقُهَا لِلسُّنَّةِ وَاحِدَةً وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا مُتَوَفِّرَةٌ مَا لَمْ يَذُقْهَا فَطَلَاقُهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ يَقُومُ دَلِيلًا عَلَى تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَيْسَ هُوَ تَعْلِيلًا فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ أَعْنِي وَاقِعَةَ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما لِأَنَّ فِيهِ «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» ، وَالْعِدَّةُ لَيْسَتْ إلَّا لِلْمَدْخُولِ بِهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه السلام «فَلْيُرَاجِعْهَا» ، وَالْمُرَاجَعَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا قَبْلَهُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ سُنَّةٌ فِي الْوَقْتِ وَسُنَّةٌ فِي الْعَدَدِ فَالسُّنَّةُ فِي الْعَدَدِ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا حَتَّى لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ تَقَعُ لِلْحَالِ وَاحِدَةً سَوَاءٌ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ طَاهِرَةً وَلَا تَقَعُ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ إلَّا بِالتَّزْوِيجِ وَكَذَا الثَّالِثَةُ بِالتَّزْوِيجِ ثَالِثًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ السُّنِّيَّ الْمُرَتَّبَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَالسُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ أَعْنِي الطُّهْرِ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ يَثْبُتُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا خَاصَّةً، وَالْخَلْوَةُ كَالدُّخُولِ عِنْدَنَا فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ وَمُرَاعَاةِ وَقْتِ السُّنَّةِ فِي الطَّلَاقِ لِأَجْلِ الْعِدَّةِ، كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا.
(قَوْلُهُ: (وَفَرَّقَ عَلَى الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ) أَيْ فَرَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ عَلَى أَشْهُرِ الْعِدَّةِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حَمْلٍ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] إلَى أَنْ قَالَ: {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] ، وَالْإِقَامَةُ فِي حَقِّ الْحَيْضِ خَاصَّةً حَتَّى يُقَدَّرَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي حَقِّهَا بِالشَّهْرِ وَهُوَ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخِلَافُ فِي أَنَّ الْأَشْهُرَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ، وَالطُّهْرِ أَوْ مَقَامَ الْحَيْضِ لَا غَيْرُ وَتَصْحِيحُ الثَّانِي قَلِيلُ الْجَدْوَى لَا ثَمَرَةَ لَهُ فِي الْفُرُوعِ كَذَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَأَعْلَقَهَا) أَيْ أَحْبَلَهَا.
فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ وَثَمَرَةُ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ إلْزَامِ الْحُجَّةِ عَلَى الْبَعْضِ لِإِجْمَاعِهِمْ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَكْتَفِي بِالْحَيْضِ عَلَى أَنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ إذْ التَّبَعُ خَلْفَ الْأَصْلِ بِحَالِهِ لَا بِذَاتِهِ اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ: إذَا وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ فَقَدْ مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً لِأَنَّ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ عِنْدَنَا وَبَقِيَتْ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا حَاضَتْ حَيْضَةً أُخْرَى فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَإِذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى ثُمَّ إذَا مَضَى شَهْرٌ طَلَّقَهَا أُخْرَى ثُمَّ إذَا كَانَتْ حُرَّةً وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَمَضَى مِنْ عِدَّتِهَا شَهْرَانِ وَبَقِيَ شَهْرٌ وَاحِدٌ مِنْ عِدَّتِهَا فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ وَاحِدٌ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً وَوَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَتَانِ فِي شَهْرٍ بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا نِصْفُ شَهْرٍ فَإِذَا مَضَى نِصْفُ شَهْرٍ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا اهـ.
وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ عَلَى الْمُخْتَارِ وَبِالْكَبِيرَةِ الْآيِسَةُ وَهِيَ بِنْتُ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْأَظْهَرِ وَدَخَلَ تَحْتَ مَنْ لَا تَحِيضُ مَنْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَلَمْ تَرِدْ مَا أَصْلًا فَإِنَّ الطَّلَاقَ يُفَرَّقُ عَلَى الْأَشْهُرِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ قَوْلِهِ وَصَحَّ طَلَاقُهُنَّ بَعْدَ الْوَطْءِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَالْبَدَائِعِ: وَلَوْ طَلَّقَهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ ثُمَّ حَاضَتْ فَطَهُرَتْ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّهْرِ قَدْ بَطَلَ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَ مَنْ تَحِيضُ ثُمَّ أَيِسَتْ فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِتَبَدُّلِ الْحَالِ وَلَا تَدْخُلُ الْمُمْتَدَّةُ طُهْرُهَا تَحْتَ مَنْ لَا تَحِيضُ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا الْمُمْتَدَّةُ طُهْرُهَا فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ لِأَنَّهَا قَدْ رَأَتْ الدَّمَ وَهِيَ شَابَّةٌ وَلَمْ تَدْخُلْ فِي حَقِّ الْإِيَاسِ إلَّا أَنَّهُ امْتَدَّ طُهْرُهَا وَيُحْتَمَلُ الزَّوَالُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَبَقِيَ أَحْكَامُ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فِيهَا وَلَا تَطْلُقُ ذَاتُ الْقَرْءِ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً اهـ.
فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ قَدْ جَامَعَهَا فِي الطُّهْرِ وَامْتَدَّ لَا يُمْكِنُ تَطْلِيقُهَا لِلسُّنَّةِ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ.
وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْحَيْضَ مَرْجُوٌّ فِي حَقِّهَا وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فِي الشَّابَّةِ الَّتِي لَا تَحِيضُ زَمَانَ الرَّضَاعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتِبَارَ الْأَشْهُرِ بِالْأَيَّامِ أَوْ بِالْأَهِلَّةِ قَالُوا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ فَتُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ فَفِي حَقِّ تَفْرِيقِ الطَّلَاقِ يُعْتَبَرُ كُلُّ شَهْرٍ بِالْأَيَّامِ وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُعْتَبَرُ شَهْرٌ وَاحِدٌ بِالْأَيَّامِ وَشَهْرَانِ بِالْأَهِلَّةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَفِي الْكَافِي الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ أَسْهَلُ، وَالْمُرَادُ بِأَوَّلِ الشَّهْرِ اللَّيْلَةُ الَّتِي رُئِيَ فِيهَا الْهِلَالُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلُهُ:(وَصَحَّ طَلَاقُهُنَّ بَعْدَ الْوَطْءِ) أَيْ حَلَّ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ لَا فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ الْحَبَلُ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ، وَالْكَرَاهَةُ فِيمَنْ تَحِيضُ بِاعْتِبَارِهِ لِحُصُولِ النَّدَمِ عِنْدَ ظُهُورِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ يَقْتَضِي فِي الَّتِي لَا تَحِيضُ لَا لِصِغَرٍ وَلَا لَكِبَرٍ بَلْ اتَّفَقَ امْتِدَادُ طُهْرِهَا مُتَّصِلًا بِالصِّغَرِ، وَفِي الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ بَعْدُ، وَقَدْ وَصَلَتْ إلَى سِنِّ الْبُلُوغِ أَنْ لَا يَجُوزَ تَعْقِيبُ وَطْئِهَا بِطَلَاقِهَا لِتَوَهُّمِ الْحَمْلِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ رحمه الله: هَذَا فِي صَغِيرَةٍ لَا يُرْجَى حَبَلُهَا أَمَّا فِيمَنْ يُرْجَى فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ طَلَاقِهَا وَوَطْئِهَا بِشَهْرٍ كَمَا قَالَ زُفَرُ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ زُفَرَ لَيْسَ هُوَ فِي أَفْضَلِيَّةِ الْفَصْلِ بَلْ لِلُّزُومِ الْفَصْلِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ التَّشْبِيهَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ بِأَصْلِ الْفَاصِلِ وَهُوَ الشَّهْرُ وَشَمَلَ كَلَامُهُ الْحَامِلَ وَهُوَ قَوْلُهُ: مَا فَيَفْصِلُ بَيْنَ تَطْلِيقَتَيْنِ بِشَهْرٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ، وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَا يُطَلِّقُهَا لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً كَالْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا وَلَهُمَا أَنَّ الْإِبَاحَةَ بِعِلَّةِ الْحَاجَةِ وَهِيَ لَا تَنْدَفِعُ بِالْوَاحِدَةِ فَشُرِعَ لِدَفْعِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُعْقِبُ النَّدَمَ لِلتَّفْرِيقِ عَلَى أَوْقَاتِ الرَّغْبَةِ وَهِيَ الْأَطْهَارُ الَّتِي تَلِي الْحَيْضَ لِيَكُونَ كُلُّ طَلَاقٍ دَلِيلًا عَلَى قِيَامِهَا بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ طُهْرُهَا لِأَنَّهَا مَحَلُّ النَّصِّ عَلَى نَفْيِ جَوَازِ الْإِيقَاعِ بِالطُّهْرِ الْحَاصِلِ عَقِيبَ الْحَيْضِ وَهُوَ مَرْجُوٌّ فِي حَقِّهَا كُلَّ لَحْظَةٍ وَلَا يُرْجَى فِي الْحَامِلِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَطَلَاقُ الْمَوْطُوءَةِ حَائِضًا بِدْعِيَّةٌ) أَيْ حَرَامٌ لِلنَّهْيِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ عَلَى الْمُخْتَارِ) مَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ بَلَغَتْهَا لَا يُفَرَّقُ طَلَاقُهَا عَلَى الْأَشْهُرِ إذَا لَمْ تَحِضْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا التَّقْيِيدِ بِالنَّظَرِ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَصَحَّ طَلَاقُهُنَّ بَعْدَ الْوَطْءِ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْقِيبُ طَلَاقِهَا بِوَطْئِهَا لِتَوَهُّمِ الْحَبَلِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْكَافِي الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا) قَالَ فِي الْفَتْحِ قِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ أَسْهَلُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَفِي النَّهْرِ قِيلَ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْكَافِي.
عَنْهُ الثَّابِتِ ضِمْنَ الْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]«وَقَوْلُهُ: عليه السلام لِابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما حِينَ طَلَّقَهَا فِيهِ مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ» وَلِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ عَاصٍ قُيِّدَ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ، وَالِاخْتِيَارَ، وَالْخُلْعَ فِي الْحَيْضِ لَا يُكْرَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِذَا أَدْرَكَتْ الصَّبِيَّةُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَا بَأْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَيْضِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَمَّا كَانَ الْمَنْعُ مِنْهُ فِيهِ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا كَانَ النِّفَاسُ كَالْحَيْضِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ تَعْلِيلِ عَدَمِ كَرَاهَةِ الْخُلْعِ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ صَرِيحٍ، وَالنَّصُّ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْكِنَايَاتِ لَا تُكْرَهُ فِي الْحَيْضِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي الْحَيْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمِعْرَاجِ مَعَ أَنَّهُ صَرِيحٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ لِلْبِدْعِيِّ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ: الرَّابِعُ: تَطْلِيقُهَا ثِنْتَيْنِ بِكَلِمَةٍ، الْخَامِسُ: تَطْلِيقُهَا ثِنْتَيْنِ فِي طُهْرٍ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا رَجْعَةٌ. السَّادِسُ: تَطْلِيقُهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ. السَّابِعُ: تَطْلِيقُهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ لَكِنْ جَامَعَهَا فِي حَيْضٍ كَانَ قَبْلَهُ، الثَّامِنُ: تَطْلِيقُهَا فِي النِّفَاسِ قَوْلُهُ: (فَيُرَاجِعُهَا) أَيْ وُجُوبًا فِي الْحَيْضِ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ لِأَنَّ رَفْعَهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَرَفْعُ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ بِالْمُرَاجَعَةِ مُمْكِنٌ وَلَمْ يَذْكُرْ صِفَتَهَا لِلِاخْتِلَافِ فَاخْتَارَ الْقُدُورِيُّ اسْتِحْبَابَهَا لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَإِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوُجُوبِ.
وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهَا لِمَا قُلْنَا وَعَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ عليه السلام: «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا» ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصِّيغَةِ النَّادِبَةِ، وَالْمُوجِبَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حَتَّى يَصْدُقَ النَّدْبُ مَأْمُورًا بِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْوُجُوبُ مِنْ قَوْلِهِ مُرْ ابْنَك وَأَمَّا عِنْدَنَا فَمُسَمَّى الْأَمْرِ الصِّيغَةُ الْمُوجِبَةُ كَمَا أَنَّ الصِّيغَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ فَيَلْزَمُ الْوُجُوبُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ صَادِرَةً عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه لَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِيهَا فَهُوَ كَالْمُبَلِّغِ لِلصِّيغَةِ فَاشْتَمَلَ قَوْلُهُ:«مُرْ ابْنَك» عَلَى وَجَوْبَيْنِ صَرِيحٍ وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه أَنْ يَأْمُرَ وَضِمْنِيٍّ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِابْنِهِ عِنْدَ تَوَجُّهِ الصِّيغَةِ إلَيْهِ قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا فِي الْحَيْضِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى طَهُرَتْ تَقَرَّرَتْ الْمَعْصِيَةُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مُسْتَنِدًا إلَى أَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فِي الصَّحِيحَيْنِ:«مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ» إلَى آخِرِهِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ الْآتِيَةِ مِنْ أَنَّهَا إذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقَرَّرَ الْمَعْصِيَةُ حَتَّى يَأْتِيَ الطُّهْرُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ أَوَانُ طَلَاقِهَا.
قَوْلُهُ: (وَيُطَلِّقُهَا فِي طُهْرٍ ثَانٍ) يَعْنِي إذَا رَاجَعَهَا فِي الْحَيْضِ أَمْسَكَ عَنْ طَلَاقِهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ فَيُطَلِّقَهَا ثَانِيَةً وَلَا يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي طَلَّقَهَا فِي حَيْضَتِهِ لِأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ بِدْعِيٌّ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فِي طُهْرِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ انْعَدَمَ بِالْمُرَاجَعَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِي هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَيُسَنُّ تَطْلِيقُهَا فِي طُهْرِهَا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْكَافِي وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَقَوْلُ الْكُلِّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ:«مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يُمْسِكَهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» وَلِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ بِحَيْضَةٍ، وَالْفَاصِلُ هُنَا بَعْضُ الْحَيْضَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ تَعْلِيلٍ. . . إلَخْ) قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ عَلَّلَ عَدَمَ كَرَاهَتِهِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْعِوَضِ إلَّا بِهِ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ تَعْلِيلِهِ هُنَا وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ عَدَمِ كَرَاهَةِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ وَأَمَّا التَّخْيِيرُ، وَالِاخْتِيَارُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ التَّخْيِيرَ لَيْسَ طَلَاقًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ بِقَوْلِهِ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك لَا يَقَعُ مَا لَمْ تَخْتَرْ نَفْسَهَا فَإِذَا اخْتَارَتْ فَكَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي أَوْقَعَتْ عَلَى نَفْسِهَا الطَّلَاقَ كَمَا لَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِخِيَارِ الْعِتْقِ أَوْ الْبُلُوغِ أَوْ الْعُنَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي الْحَيْضِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ، وَالْمَمْنُوعُ عَنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ هُوَ الرَّجُلُ لَا هِيَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ لِلْبِدْعِيِّ) وَهِيَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ وَطَلَاقُ الْمَوْطُوءَةِ حَائِضًا وَمَرْفُوعٌ آخَرُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَهُوَ طَلَاقُهَا فِي طُهْرٍ طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ فَهِيَ تِسْعَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَضِمْنِيٌّ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِابْنِهِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فَلْيُرَاجِعْهَا أَمْرٌ لِابْنِ عُمَرَ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُرَاجَعَةُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَنْبَغِي. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ فِي الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ» يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْمُرَاجَعَةِ فِي الْحَيْضِ وَحَيْثُ كَانَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ مُحْتَمِلًا لِتَقَرُّرِ الْمَعْصِيَةِ بِالطُّهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي تَعَيَّنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْحَدِيثِ كَيْ لَا يُخَالِفَهُ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ تَأَمَّلْ.
لِلسُّنَّةِ وَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ) لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْوَقْتِ وَوَقْتُ السُّنَّةِ طُهْرٌ لَا جِمَاعَ فِيهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْجَوَابَ لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ ثَلَاثًا لِوَقْتِ السُّنَّةِ وَهَذَا يُوجِبُ تَقْيِيدَ الطَّلَاقِ بِإِحْدَى جِهَتَيْ سُنَّةِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ السُّنِّيُّ وَقْتًا وَحِينَئِذٍ فَمُرَادُهُ ثَلَاثًا فِي وَقْتِ السُّنَّةِ فَيَصْدُقُ بِوُقُوعِهَا جُمْلَةً فِي طُهْرٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيَمْتَنِعُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ تَعْمِيمُ السُّنَّةِ فِي جِهَتَيْهَا، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ فَالْمَعْنَى الطَّلَاقُ الْمُخْتَصُّ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَهُوَ السُّنِّيُّ عَدَدًا وَوَقْتًا فَوَجَبَ جَعْلُ الثَّلَاثِ مُفَرَّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ السُّنِّيِّ وَقْتًا السُّنِّيُّ عَدَدًا إذْ لَا يُمْكِنُ إيقَاعُ ثَلَاثٍ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ أَصْلًا.
وَأَمَّا السُّنِّيُّ عَدَدًا فَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِلسُّنِّيِّ وَقْتًا فَإِنَّ الْوَاحِدَةَ تَكُونُ سُنَّةً فِي طُهْرٍ فِيهِ جِمَاعٌ فِي الْآيِسَةِ، وَالصَّغِيرَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ وَقَيَّدَ بِالْمَوْطُوءَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهَا ذَلِكَ وَقَعَتْ لِلْحَالِ وَاحِدَةً وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا ثَمَّ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ شَيْءٌ وَلَا يَنْحَلُّ الْيَمِينُ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَقَعَتْ الثَّانِيَةُ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا أَيْضًا وَقَعَتْ الثَّالِثَةُ فَيُفَرِّقُ الثَّلَاثَ عَلَى التَّزَوُّجَاتِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَمَا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ لِلْحَالِ بِالْإِجْمَاعِ سَهْوٌ ظَاهِرٌ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ إلَى أَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يَقَعُ لِلْحَالِ وَاحِدَةً وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى وَكَذَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي طَلَاقِ الْحَامِلِ وَأَشَارَ بِذِكْرِ الثَّلَاثِ وَتَفْرِيقِهَا عَلَى الْأَطْهَارِ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لِلشُّهُورِ يَقَعُ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ تَطْلِيقَةٌ وَلَوْ قَالَ لِلْحَيْضِ يَقَعُ عِنْدَ كُلِّ حَيْضٍ وَاحِدَةً وَتُكْرَهُ الثَّانِيَةُ فِي رِوَايَةٍ وَلَا تُكْرَهُ فِي أُخْرَى كَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ، وَالْحَيْضُ بِالْجَمْعِ لَا الْمَصْدَرِ وَقَيَّدَهُ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنْ يَنْوِيَ الثَّلَاثَ وَلَفْظُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ لِلشُّهُورِ أَوْ الْحَيْضِ وَنَوَى ثَلَاثًا كَانَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى مَا لَهُ عَدَدٌ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ لِلْحَيْضِ وَلَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ: أَنْت طَالِقٌ لِلْحَيْضِ وَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ مِنْ كُلِّ حَيْضَةٍ تَطْلِيقَةٌ لِأَنَّ الْحَيْضَ الَّذِي يُضَافُ إلَيْهِ الطَّلَاقُ هِيَ أَطْهَارُ الْعِدَّةِ اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إنَّمَا هِيَ لِلْحَيْضِ لَا لِلْأَطْهَارِ وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمُنْتَقَى وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً وَقْتَهُ وَلَمْ يَكُنْ جَامَعَهَا فِيهِ وَقَعَتْ لِلْحَالِ وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ جَامَعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ لَمْ تَطْلُقُ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، وَفِي الْبَدَائِعِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَقَعَتْ الطَّلْقَتَانِ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةٌ قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَوَى أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ أَوْ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ صَحَّتْ) أَيْ نِيَّتُهُ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الثَّلَاثَ سُنِّيٌّ وُقُوعًا أَيْ وُقُوعُهُ بِالسُّنَّةِ فَتَصِحُّ إرَادَتُهُ وَتَكُونُ اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ لِأَجْلِ السُّنَّةِ الَّتِي أَوْجَبَتْ وُقُوعَ الثَّلَاثِ فَإِنَّ وُقُوعَهَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلرَّوَافِضِ وَلِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ الْمُجْتَمِعِ سُنَّةٌ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ النِّيَّةِ وَعِنْدَ عَدَمِهَا يُحْمَلُ عَلَى الْكَامِلِ وَهُوَ السُّنِّيُّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا فَإِنْ قِيلَ الْوُقُوعُ بِدُونِ الْإِيقَاعِ مُحَالٌ فَلَمَّا كَانَ الْوُقُوعُ سُنِّيًّا كَانَ الْإِيقَاعُ سُنِّيًّا لِامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ سُنِّيًّا وَلَازِمُهُ بِدْعِيًّا قُلْت الْوُقُوعُ لَا يُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لَا اخْتِيَارَ لِلْعَبْدِ فِيهِ وَحُكْمُ الشَّرْعِ لَا يُوصَفُ بِالْبِدْعَةِ، وَالْإِيقَاعُ فِعْلُ الْعَبْدِ فَيُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ، وَالْبِدْعَةِ فَكَانَ الْوُقُوعُ أَشْبَهَ بِالسُّنَّةِ الْمَرْضِيَّةِ، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ إمَّا أَنْ يَكُونَ زَمَانَ حَيْضِهَا أَوْ طُهْرِهَا فَعَلَى الثَّانِي هُوَ سُنِّيٌّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا وَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ سُنِّيٌّ وُقُوعًا فَنِيَّةُ الثَّلَاثِ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ قَدْ تَكُونُ حَائِضًا فِيهِ بِنِيَّةِ الْأَعَمِّ مِنْ السُّنِّيِّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا.
لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِلْحَالِ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَامَعَهَا أَوْ كَانَتْ حَائِضًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَتَّى تَطْهُرَ فَيَقَعَ وَاحِدَةً فَلَوْ نَوَى ثَلَاثًا مُفَرِّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ صَحَّ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي أَوْقَاتِ طَلَاقِ السُّنَّةِ وَلَوْ نَوَى الثَّلَاثَ جُمْلَةً اُخْتُلِفَ فِيهِ فَذَهَبَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَصَاحِبُ الْمُخْتَلَفَاتِ إلَى عَدَمِ صِحَّتِهَا وَإِنَّمَا يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةً فَقَطْ، وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّهُ يَصِحُّ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ جُمْلَةً كَمَا تَقَعُ مُفَرَّقًا عَلَى الْأَطْهَارِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ نَوَى وَاحِدَةً بَائِنَةً لَمْ تَكُنْ بَائِنَةً لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ وَكَذَا لَفْظُ السُّنَّةِ بَلْ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْبَيْنُونَةِ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لَيْسَتْ بِمَسْنُونَةٍ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ لَمْ تَكُنْ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ بِخِلَافِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ فَرْدٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنْسُ كُلِّ الطَّلَاقِ وَلَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِهِ لِلسُّنَّةِ أُخْرَى لَمْ يَقَعْ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلسُّنَّةِ لَيْسَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ لِلسُّنَّةِ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَيَّدَ بِاللَّامِ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْأَوْقَاتِ فَقَالَ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْقَاتَ السُّنَّةِ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ جُمْلَةَ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ اللَّامَ تَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَكُونَ لِلْوَقْتِ فَقَدْ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ وَأَمَّا التَّصْرِيحُ بِالْوَقْتِ فَغَيْرُ مُحْتَمِلٍ غَيْرَهُ فَانْصَرَفَ إلَى السُّنَّةِ الْكَامِلَةِ وَهِيَ السُّنَّةُ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ جَمْعِ الْوَقْتِ وَأَفْرَادِهِ لِأَنَّهُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِهِ مُفْرَدٌ لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ، وَمُرَادُهُ اللَّامُ وَمَا كَانَ بِمَعْنَاهُ فَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ فِي السُّنَّةِ أَوْ عَلَى السُّنَّةِ أَوْ مَعَ السُّنَّةِ أَوْ طَلَاقَ السُّنَّةِ فَهُوَ كَاللَّامِ وَكَذَا السُّنَّةُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهَا مَا كَانَ بِمَعْنَاهَا كَطَلَاقِ الْعَدْلِ أَوْ طَلَاقًا عَدْلًا وَطَلَاقِ الْعِدَّةِ أَوْ لِلْعِدَّةِ أَوْ طَلَاقِ الدِّينِ أَوْ الْإِسْلَامِ أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْمَلَهُ أَوْ طَلَاقِ الْحَقِّ أَوْ طَلَاقِ الْقُرْآنِ أَوْ الْكِتَابِ وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمِنْهُ طَلَاقُ التَّحَرِّي، وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ أَنْت طَالِقٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ نَوَى بِهِ طَلَاقَ السُّنَّةِ وَقَعَ فِي أَوْقَاتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا وَقَعَ فِي الْحَالِ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِلسُّنَّةِ، وَالْبِدْعَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ أَنْت طَالِقٌ عَلَى الْكِتَابِ أَوْ بِالْكِتَابِ أَوْ عَلَى قَوْلِ الْقُضَاةِ أَوْ عَلَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَوْ طَلَاقَ الْقُضَاةِ أَوْ طَلَاقَ الْفُقَهَاءِ فَإِنْ نَوَى السُّنَّةَ يُدَيَّنُ وَيَقَعُ فِي الْحَالِ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ قَوْلَ الْقُضَاةِ أَوْ الْفُقَهَاءِ يَقْتَضِي الْأَمْرَيْنِ فَإِذَا خَصَّصَ يُدَيَّنُ وَلَا يُسْمَعُ فِي الْقَضَاءِ اهـ.
وَفِي مُخْتَصَرِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً لِلسُّنَّةِ يَقِفُ عَلَى مَحَلِّهِ بِخِلَافِ سُنِّيَّةٍ أَوْ عِدْلَةٍ أَوْ عَدْلِيَّةٍ أَوْ حَسَنَةٍ أَوْ جَمِيلَةٍ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لِلْوَاقِعِ وَهُنَاكَ الْإِيقَاعُ وَلَوْ قَالَ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ أَجْمَلَهُ تَوَقَّفَ لِحَرْفِ الْمُبَالَغَةِ وَلَوْ قَالَ تَطْلِيقَةً حَسَنَةً فِي دُخُولِك الدَّارَ وَشَدِيدَةً فِي ضَرْبِك أَوْ قَوِيَّةً فِي بَطْشِك أَوْ ظَرِيفَةً فِي نِقَابِك أَوْ مُعْتَدِلَةً فِي قِيَامِك تَتَعَلَّقُ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ التَّطْلِيقَةَ يُتَنَجَّزُ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا وَتَمَّ وَصْفُهُ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً حَقًّا طَلُقَتْ السَّاعَةَ وَلَوْ قَالَ طَلَاقَ الْحَقِّ كَانَ لِلسُّنَّةِ وَقَيَّدَ بِالسُّنَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ وَنَوَى الثَّلَاثَ وَقَعَتْ لِلْحَالِ وَكَذَا الْوَاحِدَةُ فِي الْحَيْضِ، وَالطُّهْرِ الَّذِي فِيهِ جِمَاعٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي طُهْرٍ فِيهِ جِمَاعٌ أَوْ فِي حَالِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً مِنْ سَاعَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لَا يَقَعُ لِلْحَالِ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَقَدْ بَحَثَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ بِدَرْسِ الصرغتمشية أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ بِلَا نِيَّةٍ إذَا كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْحَيْضِ أَوْ الْجِمَاعِ لِأَنَّهُ بِدْعِيٌّ فَأَجَبْته بِأَنَّ الْبِدْعِيَّ عَلَى قِسْمَيْنِ: فَاحِشٍ وَأَفْحَشَ كَالْأَحْسَنِ، وَالْحَسَنِ فِي السُّنِّيِّ فَالثَّلَاثُ أَفْحَشُ وَمَا دُونَهَا فَاحِشٌ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْأَفْحَشِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ مَدْخُولَةٌ بِهَا فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ قَالَ إذَا حِضْت وَطَهُرْت.
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ طَلَاقُ التَّحَرِّي) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ وَهُوَ أَنْ يَتَحَرَّى طَلَاقَهَا فِي الطُّهْرِ مَرَّةً أَوْ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ نَوَى بِهِ طَلَاقَ السُّنَّةِ وَقَعَ فِي أَوْقَاتِهَا) أَيْ وَقَعَ ثَلَاثٌ مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى أَوْقَاتِ السُّنَّةِ مِنْ الْأَطْهَارِ أَوْ الْأَشْهُرِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَقَعَ فِي الْحَالِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وُقُوعُ الثَّلَاثِ فِي الْحَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ التَّعْلِيلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَحْسَنُ الطَّلَاقِ. . . إلَخْ) سَيَأْتِي قُبَيْلَ فَصْلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَحْسَنُ الطَّلَاقِ أَسَنُّهُ أَجْمَلُهُ أَعْدَلُهُ خَيْرُهُ أَكْمَلُهُ أَفْضَلُهُ أَتَمُّهُ يَقَعُ رَجْعِيًّا وَتَكُونُ طَالِقًا لِلسُّنَّةِ فِي وَقْتِهَا، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ لِلسُّنَّةِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهَا تَكُونُ رَجْعِيَّةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَالَةُ حَالَةَ حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وَذَكَرَ مَا جَزَمَ بِهِ الْحَاكِمُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ.
فَأَنْت طَالِقٌ فَحَاضَتْ وَطَهُرَتْ
لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ الطَّلَاقُ فِي وَقْتِ السُّنَّةِ فَلَا يَمْلِكُ إيقَاعَهُ قَبْلَ وَقْتِ السُّنَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ طَلِّقْ امْرَأَتِي غَدًا فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ: أَنْت طَالِقٌ غَدًا لَا يَقَعُ إذَا جَاءَ غَدٌ حَتَّى لَوْ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ ثُمَّ قَالَ الْوَكِيلُ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ وَلَوْ قَالَ لَهُ طَلِّقْ امْرَأَتِي ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ لِلْحَالِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً وَيَنْبَغِي أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى فِي طُهْرٍ آخَرَ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى فِي طُهْرٍ آخَرَ اهـ. .
قَوْلُهُ: (وَيَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ) لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ بَيَانٌ لِلْمَحَلِّ وَشَرَائِطُهُ فَأَشَارَ إلَى مَحَلِّهِ بِذِكْرِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ الزَّوْجَةُ وَلَوْ حُكْمًا وَهِيَ الْمُعْتَدَّةُ كَمَا سَبَقَ وَأَشَارَ إلَى شَرْطِهِ بِالْبُلُوغِ، وَالْعَقْلِ وَهُوَ تَكْلِيفُ الزَّوْجِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِمَفْهُومِهِ فِيمَا يَأْتِي وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ جَادًّا فَيَقَعُ طَلَاقُ الْهَازِلِ بِهِ، وَاللَّاعِبِ لِلْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ» وَلَا أَنْ يَكُونَ خَالِيًا عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ فَيَقَعُ طَلَاقُ شَارِطِ الْخِيَارِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَلَهَا إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَا إذَا شَرَطَ لَهَا فِي الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ لِكَوْنِهِ مِنْ جَانِبِهَا مُعَاوَضَةَ مَالٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْخُلْعِ وَلَا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَلَا مُسْلِمًا فَيَقَعُ مِنْ الْمَرِيضِ، وَالْكَافِرِ وَلَا أَنْ يَكُونَ عَامِدًا فَيَقَعُ طَلَاقُ الْمُخْطِئِ وَهُوَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ فَيَسْبِقُ عَلَى لِسَانِهِ الطَّلَاقُ وَكَذَا الْعَتَاقُ، وَرَوَى الْكَرْخِيُّ أَنَّ فِي الْعَتَاقِ رِوَايَتَيْنِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَرَوَى بِشْرٌ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْكُلُّ مِنْ الْبَدَائِعِ وَلَا أَنْ يَكُونَ نَاوِيًا لَهُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْكِنَايَاتِ فَقَطْ وَاعْلَمْ أَنَّ طَلَاقَ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ فَإِنَّ أَجَازَهُ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ كَانَ الْفُضُولِيُّ امْرَأَةً أَوْ غَيْرَهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ قِيلَ لَهُ إنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَك أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَك فَقَالَ نِعْمَ مَا صَنَعَ أَوْ بِئْسَ مَا صَنَعَ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِمَا رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ: طَلَّقْت امْرَأَتَك فَقَالَ أَحْسَنْت أَوْ قَالَ أَسَأْت عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ لَا يَكُونُ إجَازَةً.
وَلَوْ قَالَ أَحْسَنْت يَرْحَمُك اللَّهُ حَيْثُ خَلَّصْتنِي مِنْهَا أَوْ قَالَ فِي إعْتَاقِ الْعَبْدِ أَحْسَنْت تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْك كَانَ إجَازَةً اهـ.
وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ إجَازَةً فِي نِعْمَ مَا صَنَعْت لِحَمْلِهِ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّنْجِيزِ، وَالتَّعْلِيقِ فَلَوْ عَلَّقَهُ الْفُضُولِيُّ بِشَرْطٍ فَأَجَازَ الزَّوْجُ جَازَ فَلَوْ وُجِدَ الشَّرْطُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ ثُمَّ أَجَازَ لَمْ يَقَعْ حَتَّى يُوجَدَ الشَّرْطُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَةَ غَيْرِهِ فَقَالَ زَوْجُهَا: بِئْسَ مَا صَنَعْت قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ هُوَ إجَازَةٌ وَلَوْ قَالَ: نِعْمَ مَا صَنَعْت لَا يَكُونُ إجَازَةً وَعِنْدِي عَلَى عَكْسِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ التَّعْلِيقِ بِالْمِلْكِ وَتَطْلِيقُ الْفُضُولِيِّ، وَالْإِجَازَةُ قَوْلًا وَفِعْلًا كَالنِّكَاحِ اهـ.
فَلَوْ حَلَفَ لَا يُطَلِّقُ فَطَلَّقَ فُضُولِيٌّ إنْ أَجَازَ بِالْقَوْلِ حَنِثَ وَبِالْفِعْلِ لَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ مَنْكُوحَتِهِ وَغَيْرِهَا فِي الطَّلَاقِ بِكَلِمَةٍ فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى مَنْكُوحَتِهِ فَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَنْكُوحَتِهِ وَرَجُلٍ فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقَعُ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ وَقَالَ طَلَّقْت إحْدَاكُمَا طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ، وَلَوْ قَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تَطْلُقُ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَمَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلطَّلَاقِ كَالْبَهِيمَةِ، وَالْحَجَرِ، وَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ الْحَيَّةِ، وَالْمَيِّتَةِ وَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ الْحَيَّةُ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلطَّلَاقِ وَكَذَا الْمَيِّتَةُ فَيَنْبَغِي الْوُقُوعُ كَمَا فِي الْبَهِيمَةِ، وَالْحَجَرِ وَلِذَا قَالُوا لَوْ قَالَ أَنَا مِنْك طَالِقٌ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى مُعَلِّلِينَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهُ لَكِنْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ إنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَى الرَّجُلِ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ فَحُكْمُهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ وَلِذَا لَوْ أَضَافَ الزَّوْجُ الْحُرْمَةَ، وَالْبَيْنُونَةَ إلَى نَفْسِهِ صَحَّ فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ اهـ.
وَفِيهَا أَيْضًا إذَا جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ إحْدَاهُمَا صَحِيحَةُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَبِالْفِعْلِ لَا) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِالْفِعْلِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا مُؤَخَّرَ صَدَاقِهَا بَعْدَمَا طَلَّقَهَا الْفُضُولِيُّ اهـ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ وَمِثْلُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي فَتَاوَى قَاضِي ظَهِيرٍ لَكِنْ نَقَلَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ إنْ بَعَثَ الْمَهْرَ إلَيْهَا لَيْسَ بِإِجَازَةٍ لِوُجُوبِهِ قَبْلَ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَنَقَلَ عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ فِي الطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ قَوْلَيْنِ فِي قَبْضِ الْجُعْلِ هَلْ هُوَ إجَازَةٌ أَمْ لَا فَرَاجِعْهُ اهـ.
إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَالْمَجْمُوعِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ فَلْيُرَاجَعْ.
النِّكَاحِ، وَالْأُخْرَى فَاسِدَةُ النِّكَاحِ فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ صَحِيحَةُ النِّكَاحِ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَنْكُوحَةٍ وَأَجْنَبِيَّةٍ، وَقَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ اسْمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا زَيْنَبُ إحْدَاهُمَا صَحِيحَةُ النِّكَاحِ، وَالْأُخْرَى فَاسِدَةُ النِّكَاحِ فَقَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ طَلُقَتْ صَحِيحَةُ النِّكَاحِ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْأُخْرَى لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً اهـ.
وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ حَلَفَ لَيُطَلِّقَن فُلَانَةَ الْيَوْمَ ثَلَاثًا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَيَمِينُهُ عَلَى التَّطْلِيقِ بِاللِّسَانِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ فُلَانَةَ الْيَوْمَ وَهِيَ مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ وَمَدْخُولَتُهُ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ اهـ. فَالْأَجْنَبِيَّةُ مَحَلٌّ لَهُ فِي الْأَيْمَانِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُكْرَهًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُكْرَهًا عَلَى إنْشَاءِ الطَّلَاقِ لَفْظًا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِحَدِيثِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلَنَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ» كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَمَا رَوَوْهُ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى وَلَا عُمُومَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ الْحُكْمِ الشَّامِلِ لِحُكْمِ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ بَلْ إمَّا حُكْمُ الدُّنْيَا وَإِمَّا حُكْمُ الْآخِرَةِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمُؤَاخَذَةُ مُرَادٌ فَلَا يُرَادُ الْآخِرَةُ مَعَهُ وَإِلَّا يَلْزَمُ عُمُومُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ فَوَكَّلَ فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ يَقَعُ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ لِيُوَكِّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَقَالَ الزَّوْجُ مَخَافَةَ الْحَبْسِ، وَالضَّرْبِ أَنْت وَكِيلٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَطَلَّقَ الْوَكِيلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَالَ الْمُوَكِّلُ لَمْ أُوَكِّلْهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِي قَالُوا لَا يُسْمَعُ مِنْهُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ جَوَابًا لِخِطَابِ الْأَمْرِ، وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ اهـ.
وَقَيَّدْنَا بِالْإِنْشَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِالطَّلَاقِ فَأَقَرَّ لَا يَقَعُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا أَوْ كَاذِبًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْإِكْرَاهِ وَمُرَادُهُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ عَدَمُهُ دِيَانَةً لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ كَاذِبٌ وَقَعَ فِي الْقَضَاءِ اهـ.
وَصَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّ لَهُ فِي الدِّيَانَةِ إمْسَاكُهَا إذَا قَالَ أَرَدْت بِهِ الْخَبَرَ عَنْ الْمَاضِي كَذِبًا، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْخَبَرَ عَنْ الْمَاضِي أَوْ أَرَادَ بِهِ الْكَذِبَ أَوْ الْهَزْلَ وَقَعَ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَاسْتَثْنَى فِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْوُقُوعِ قَضَاءً مَا إذَا شَهِدَ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِي يَتَّهِمُهُ فِي إرَادَتِهِ الْكَذِبَ فَإِذَا أَشْهَدَ قَبْلَهُ زَالَتْ التُّهْمَةُ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ كَالْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ وَقَيَّدَهُ الْبَزَّازِيُّ بِالْمَظْلُومِ إذَا أَشْهَدَ عِنْدَ اسْتِحْلَافِ الظَّالِمِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثَ أَنَّهُ يَحْلِفُ كَاذِبًا قَالَ يُصَدَّقُ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالطَّلَاقِ جَمِيعًا وَهَذَا صَحِيحٌ اهـ.
وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ عَلَى النُّطْقِ لِأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فَكَتَبَ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ أُقِيمَتْ مُقَامَ الْعِبَارَةِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ هُنَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِهَا فَكَتَبَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ اهـ.
وَفِي الْخِزَانَةِ لِأَبِي اللَّيْثِ وَجُمْلَةُ مَا يَصِحُّ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَيْئًا الطَّلَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالرَّجْعَةُ، وَالْحَلِفُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَظِهَارٍ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَمِثْلُهُ الْعَتَاقُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَأَمَّا التَّوْكِيلُ بِالنِّكَاحِ فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُمَا فِي ذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الثَّلَاثَ تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ اسْتِحْسَانًا، وَقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ أَنَّ الْوُقُوعَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْهَزْلِ فَكَذَا مَعَ الْإِكْرَاهِ كَالْبَيْعِ وَأَمْثَالِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ وَلَكِنْ يُوجِبُ فَسَادَهُ فَكَذَا التَّوْكِيلُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْوَكَالَةِ لِكَوْنِهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ فَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ اهـ. فَانْظُرْ إلَى عِلَّةِ الِاسْتِحْسَانِ فِي الطَّلَاقِ تَجِدْهَا فِي النِّكَاحِ فَيَكُونُ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ بِالْوُقُوعِ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا أَوْ كَاذِبًا لَكِنَّ مَا فِي الْفَتْحِ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِمَا ادَّعَاهُ فِي الْهَازِلِ بَلْ فِي الْكَاذِبِ فَقَطْ لَكِنَّ الْهَازِلَ كَاذِبٌ فِي الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَقَعَ قَضَاءً وَدِيَانَةً) هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ الْخَانِيَّةِ بِقَوْلِهِ لَا يَقَعُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا أَوْ كَاذِبًا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ لَكِنْ يُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَذِبِ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمَاضِي وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ الْفَتْحِ تُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا مُخَالَفَةَ نَعَمْ تَبْقَى الْمُخَالَفَةُ فِي الْهَازِلِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ فِيهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ بِمِثْلِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْهَازِلَ مُكَابِرٌ بِاللَّفْظِ فَيَسْتَحِقُّ التَّغْلِيظَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهَزْلَ إنْ كَانَ فِي إنْشَاءِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ يُبْطِلُ الْهَزْلُ وَيَقَعُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسَبَبِهِ الَّذِي هُوَ مَلْزُومٌ لِلْحُكْمِ شَرْعًا وَلِذَا لَا يَحْتَمِلُ شَرْطَ الْخِيَارِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ وَكَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ أَوَّلًا فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الْهَزْلِ كَمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَقَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَكَمَا أَنَّهُ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقُ مُكْرَهًا كَذَلِكَ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِهِمَا هَازِلًا لِأَنَّ الْهَزْلَ دَلِيلُ الْكَذِبِ كَالْإِكْرَاهِ حَتَّى لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إنَّمَا تَلْحَقُ سَبَبًا مُنْعَقِدًا يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ، وَالْبُطْلَانَ وَبِالْإِجَازَةِ لَا يَصِيرُ الْكَذِبُ صِدْقًا وَهَذَا بِخِلَافِ إنْشَاءِ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ فِيهِ لِلْهَزْلِ عَلَى مَا سَبَقَ اهـ.
وَإِيلَاءٍ، وَالْعِتْقُ وَإِيجَابُ الصَّدَقَةِ، وَالْعَفْوُ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ وَقَبُولُ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ، وَالْإِسْلَامُ وَقَبُولُ الْقَاتِلِ الصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَالٍ، وَالتَّدْبِيرُ، وَالِاسْتِيلَاءُ، وَالرَّضَاعُ، وَالْيَمِينُ، وَالنَّذْرُ اهـ.
وَالْمَذْكُورُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَنَّهَا عَشَرَةٌ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ، وَالْإِيلَاءُ، وَالْفَيْءُ، وَالظِّهَارُ، وَالْعَتَاقُ، وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ، وَالْيَمِينُ، وَالنَّذْرُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْخِزَانَةِ الْفَيْءَ فَصَارَتْ تِسْعَةَ عَشَرَ وَيُزَادُ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ أُكْرِهَ عَلَى قَبُولِ الْوَدِيعَةِ فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ فَلِمُسْتَحِقِّهَا تَضْمِينُ الْمُودَعِ اهـ.
إنْ كَانَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَهِيَ عِشْرُونَ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا سِتَّةَ عَشَرَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَشْمَلُ الْمُعَلَّقَ، وَالْمُنَجَّزَ، وَالطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ، وَالْعِتْقُ كَذَلِكَ، وَالنَّذْرُ يَشْمَلُ إيجَابَ الصَّدَقَةِ فَالزَّائِدُ عَلَى الْعَشَرَةِ الْإِسْلَامُ وَقَبُولُ الصُّلْحِ، وَالتَّدْبِيرُ، وَالِاسْتِيلَادُ، وَالرَّضَاعُ وَقَبُولُ الْوَدِيعَةِ وَقَدْ أَطْلَقَ كَثِيرٌ صِحَّةَ إسْلَامِ الْمُكْرَهِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَالْعَفْوُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) قَالَ فِي الْكَافِي: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَبَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا فَأُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ أَوْ حَبْسٍ حَتَّى عَفَا فَالْعَفْوُ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ لَهُ عَلَى الْجَانِي وَلَا عَلَى الْمُكْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ لَهُ مَالًا (قَوْلُهُ: وَقَبُولُ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ) قَالَ فِي الْكَافِي: وَلَوْ أُكْرِهَتْ امْرَأَةٌ بِوَعِيدِ تَلَفٍ أَوْ حَبْسٍ حَتَّى تَقْبَلَ مِنْ زَوْجِهَا تَطْلِيقَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَتْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَقَدْ دَخَلَ بِهَا وَمَهْرُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا مِنْ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ التَّطْلِيقَةِ خُلْعٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا اهـ.
وَذَكَرَ قَبْلَهُ لَوْ أُكْرِهَ رَجُلٌ بِوَعِيدِ تَلَفٍ حَتَّى خَلَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَقَدْ دَخَلَ بِهَا، وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ مُكْرَهَةٍ فَالْخُلْعُ وَاقِعٌ وَلِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَا شَيْءَ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَهِيَ عِشْرُونَ) نَظَمَهَا فِي النَّهْرِ فَقَالَ
طَلَاقٌ وَإِيلَاءٌ ظِهَارٌ وَرَجْعَةٌ
…
نِكَاحٌ مَعَ اسْتِيلَادِ عَفْوٍ عَنْ الْعَمْدِ
رَضَاعٌ وَأَيْمَانٌ وَفَيْءٌ وَنَذْرُهُ
…
قَبُولٌ لِإِيدَاعٍ كَذَا الصُّلْحُ عَنْ عَمْدِ
طَلَاقٌ عَلَى جُعْلٍ يَمِينٌ بِهِ أَتَتْ
…
كَذَا الْعِتْقُ وَالْإِسْلَامُ تَدْبِيرٌ لِلْعَبْدِ
وَإِيجَابُ إحْسَانٍ وَعِتْقٌ فَهَذِهِ
…
تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِشْرِينَ فِي الْعَدِّ
قَالَ ثُمَّ ظَهَرَ لِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ بِكَسْرِ الدَّالِ فَلَيْسَ مِنْ الْمَوَاضِعِ فِي شَيْءٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ أُكْرِهَ بِالْحَبْسِ عَلَى إيدَاعِ مَالِهِ عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ وَأُكْرِهَ الْمُودَعُ أَيْضًا عَلَى قَبُولِهِ فَضَاعَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ اهـ.
قُلْت وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي النَّظْمِ كَذَا الصُّلْحُ مَعْنَاهُ كَذَا قَبُولُ الصُّلْحِ وَقَوْلُهُ: طَلَاقٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الصُّلْحِ بِعَاطِفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ كَذَا قَبُولُ الصُّلْحِ وَقَبُولُ الطَّلَاقِ وَحَيْثُ كَانَ مَا فِي الْقُنْيَةِ لَيْسَ مِنْهَا عَادَتْ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقَدْ أَخَذْت بَعْضَ أَبْيَاتِ النَّهْرِ وَأَسْقَطْت مِنْهَا بَيْتًا مُقْتَصِرًا عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَقُلْت
طَلَاقٌ وَإِيلَاءٌ ظِهَارٌ وَرَجْعَةٌ
…
نِكَاحٌ مَعَ اسْتِيلَادٍ عَفْوٌ عَنْ الْعَمْدِ
رَضَاعٌ وَأَيْمَانٌ وَفَيْءٌ وَنَذْرُهُ
…
قَبُولٌ لِصُلْحِ الْعَمْدِ تَدْبِيرٌ لِلْعَبْدِ
وَعِتْقٌ وَإِسْلَامٌ فَذَلِكَ خَمْسَةٌ
…
وَعَشْرٌ مَعَ الْإِكْرَاهِ صَحَّتْ بِلَا نَقْدِ
وَنَظَمَ صَاحِبُ الْفَتْحِ الْعَشَرَةَ الَّتِي فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ بِقَوْلِهِ:
يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِتْقٌ وَرَجْعَةٌ
…
نِكَاحٌ وَإِيلَاءٌ طَلَاقٌ مُفَارِقُ
وَفَيْءٌ ظِهَارٌ وَالْيَمِينُ وَنَذْرُهُ
…
وَعَفْوٌ لِقَتْلٍ شَابَ مِنْهُ مَفَارِقُ
اهـ.
وَتَمَمْتهَا بِقَوْلِي
رَضَاعٌ وَتَدْبِيرٌ قَبُولٌ لِصُلْحِهِ
…
كَذَلِكَ الِاسْتِيلَادُ وَالْإِسْلَامُ فَارَقَ
ثُمَّ ظَهَرَ لِي زِيَادَةُ أَشْيَاءَ الْأَوَّلُ التَّوْكِيلُ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقُ اسْتِحْسَانًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الرَّمْلِيُّ الثَّانِي الْكَفَّارَةُ عَنْ الظِّهَارِ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ كِتَابِ الْإِكْرَاهِ حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ كَانَ مُظَاهِرًا فَإِنْ أَجْبَرَهُ عَلَى أَنْ يَكْفُرَ فَفَعَلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَلْزَمُهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ لَهُ بِعَيْنِهِ عَنْ ظِهَارِهِ فَفَعَلَ عَتَقَ وَرَجَعَ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ بِقِيمَتِهِ وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ الثَّالِثُ شَرْطُ الْحِنْثِ كَمَا لَوْ قَالَ: عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ فَأُكْرِهَ حَتَّى دَخَلَ عَتَقَ الْعَبْدُ وَلَا يَضْمَنُ لَهُ الْمُكْرِهُ قِيمَتَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي أَيْضًا، وَفِيهِ أَيْضًا وَإِذَا أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ حَتَّى اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَعَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْعَبْدِ، وَقَدْ كَانَ الْمُشْتَرِي حَلَفَ أَنَّ كُلَّ عَبْدٍ يَمْلِكُهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ فَقَدْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ لِلْبَائِعِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِشَيْءٍ وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى شِرَاءِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ أَمَةٍ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ أَوْ أَمَةً قَدْ جَعَلَهَا مُدَبَّرَةً إذَا مَلَّكَهَا.
الرَّابِعُ: الْخُلْعُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَافِي الْخَامِسُ: الْفَسْخُ بِالْعِتْقِ قَالَ فِي الْكَافِي وَلَوْ أُعْتِقَتْ أَمَةٌ لَهَا زَوْجٌ حُرٌّ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَأُكْرِهَتْ بِوَعِيدِ تَلَفٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى أَنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي مَجْلِسِهَا بَطَلَ الصَّدَاقُ كُلُّهُ عَنْ الزَّوْجِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهَا وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ الصَّدَاقُ لِمَوْلَاهَا عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهَا بِشَيْءٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ السِّيَرِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا التَّقْيِيدُ لَمْ يُوجَدْ فِي سِيَرِ الْخَانِيَّةِ بَلْ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اهـ.
قَالَ مُحَشِّي مِسْكِينٍ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّ نَفْيَ الْوُجُودِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ فِيهَا وَنَصُّهُ فِي بَابِ مَا يَكُونُ كُفْرًا مِنْ الْمُسْلِمِ وَمَا لَا يَكُونُ وَكَذَا إسْلَامُ الْمُكْرَهِ إسْلَامٌ عِنْدَنَا إنْ كَانَ حَرْبِيًّا، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ
السِّيَرِ قَيَّدَهُ بِأَنْ يَكُونَ حَرْبِيًّا، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ إسْلَامًا، وَفِي الْقُنْيَةِ: أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثَلَاثًا فَطَلَّقَ لَمْ يَصِرْ فَارًّا فَلَا تَرِثُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَسَكْرَانُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ سَكْرَانَ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا خَاطَبَهُ فِي حَالِ سُكْرِهِ بِالْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ بِحُكْمٍ فَرْعِيٍّ عَرَفْنَا أَنَّهُ اعْتَبَرَهُ كَقَائِمِ الْعَقْلِ تَشْدِيدًا عَلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ، وَقَدْ فَسَرُّوهُ هُنَا بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْعَقْلِ مَا يَقُومُ بِهِ التَّكْلِيفُ فَهُوَ كَالصَّاحِي.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ السَّكْرَانَ الَّذِي تَصِحُّ مِنْهُ التَّصَرُّفَاتُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ يُمَيِّزُ بِهِ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى آخِرِهِ وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ فِيهِ بِمَعْنًى عَكْسِ الِاسْتِحْسَانِ، وَالِاسْتِقْبَاحِ مَعَ تَمْيِيزِهِ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَالْعَجَبُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مِنْ أَنَّهُ مَعَهُ مِنْ الْعَقْلِ مَا يَقُومُ بِهِ التَّكْلِيفُ وَلَا شَكَّ أَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يُتَّجَهُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لَا تَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ وَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ مِنْ تَقْيِيدِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ، وَالسَّكْرَانِ بِالنِّيَّةِ فَلَيْسَ مَذْهَبًا لِأَصْحَابِنَا وَلِأَنَّهُ إذَا قَالَ نَوَيْت بِهِ يَجِبُ أَنْ يَقَعَ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ رضي الله عنه لَا يَقَعُ طَلَاقُ السَّكْرَانِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ اهـ.
وَقَدْ اخْتَارُوا قَوْلَهُمَا فِي تَفْسِيرِهِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَهُوَ الَّذِي أَكْثَرُ كَلَامِهِ هَذَيَانُ وَاخْتَارُوا فِي نَقْضِ طَهَارَتِهِ أَنَّهُ الَّذِي فِي مِشْيَتِهِ خَلَلٌ وَكَذَا فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يَسْكَرَ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَنْ سَكِرَ مُكْرَهًا أَوْ مُضْطَرًّا فَطَلَّقَ.
وَقَدْ جَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ بِالْوُقُوعِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ حَصَلَ بِفِعْلٍ هُوَ مَحْظُورٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا بِعَارِضِ الْإِكْرَاهِ وَلَكِنَّ السَّبَبَ الدَّاعِيَ لِلْحَظْرِ قَائِمٌ فَأَثَّرَ قِيَامِ السَّبَبِ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ اهـ.
وَصَحَّحَهُ الشُّمُنِّيُّ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفَتَاوَاهُ عَدَمَ الْوُقُوعِ وَكَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى التُّحْفَةِ وَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ الْأَحْسَنُ، وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ حَسَنٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالُوا لَا يَقَعُ مَعْذُورًا أَوْ غَيْرَ مَعْذُورٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقَعُ فِي الْحَالَيْنِ فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا كَانَ قَوْلُهُ: بِخِلَافِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ بَاطِلًا اهـ.
وَشَمَلَ أَيْضًا مَنْ سَكِرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ، وَالْعَسَلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَقَالَ الْإِمَامُ: الثَّانِي لَا يَقَعُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ مُحَرَّمٍ اهـ.
وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ عَدَمَ الْوُقُوعِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا لُزُومُ الْحَدِّ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ وَكَذَا الْمُخْتَارُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْحَدَّ يُحْتَالُ لِدَرْئِهِ، وَالطَّلَاقُ يُحْتَاطُ فِيهِ فَلَمَّا وَجَبَ مَا يَحْتَالُ لَأَنْ يَقَعَ مَا يُحْتَاطُ أَوْلَى، وَقَدْ طَالَبَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ نَافِي الْحَدِّ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّكْرِ مِنْ الْمُبَاحِ كَالْمُثَلَّثِ فَعَجَزُوا ثُمَّ قَالَ وَجَدْت نَصًّا عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى لُزُومِ الْحَدِّ وَشَمَلَ أَيْضًا مَنْ غَابَ عَقْلُهُ بِأَكْلِ الْحَشِيشِ فَطَلَّقَ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِوَرَقِ الْقُنَّبِ، وَقَدْ اتَّفَقَ عَلَى وُقُوعِ طَلَاقِهِ فَتْوَى مَشَايِخِ الْمَذْهَبَيْنِ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ لِفَتْوَاهُمْ بِحُرْمَتِهِ وَتَأْدِيبِ بَاعَتِهِ حَتَّى قَالُوا مَنْ قَالَ بِحِلِّهِ فَهُوَ زِنْدِيقٌ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِحُرْمَةِ الْحَشِيشِ، وَالْبَنْجِ، وَالْأَفْيُونِ الْحَدَّادِيُّ فِي الْجَوْهَرَةِ فِي آخِرِ الْأَشْرِبَةِ وَصَرَّحَ بِتَعْزِيرِ آكِلِهِ وَشَمَلَ أَيْضًا مَنْ غَابَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ، وَالْأَفْيُونِ فَإِنَّهُ يَقَعُ طَلَاقُهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ لِلَّهْوِ وَإِدْخَالِ الْآفَاتِ قَصْدًا لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً.
وَإِنْ كَانَ لِلتَّدَاوِي فَلَا لِعَدَمِهَا وَعَنْ هَذَا قُلْنَا إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَتَصَدَّعَ فَزَالَ عَقْلُهُ بِالصُّدَاعِ فَطَلَّقَ لَا يَقَعُ لِأَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ مُضَافٌ إلَى الصُّدَاعِ لَا إلَى الشَّرَابِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي حُرْمَةِ الْبَنْجِ الْأَفْيُونِ لَا لِلدَّوَاءِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالتَّعْلِيلُ يُنَادِي بِحُرْمَتِهِ لَا لِلتَّدَاوِي اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْخُلْعِ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِ السَّكْرَانِ جَائِزَةٌ إلَّا الرِّدَّةُ، وَالْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ، وَالْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ وَمِنْ كِتَابِ
ــ
[منحة الخالق]
إسْلَامًا اهـ.
وَوَجْهُ الْمَسْأَلَةِ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ بِأَنَّ الْحَرْبِيَّ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَ الذِّمِّيِّ اهـ.
لَكِنْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا فِي السِّيَرِ مِنْ الْخَانِيَّةِ وَبَيْنَ مَا أَطْلَقَهُ غَيْرُهُ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ فِي إسْلَامِ النَّصْرَانِيِّ عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيَاسًا وَيَصِحُّ اسْتِحْسَانًا قَالَ فِي إكْرَاهِ الْمِنَحِ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى الْقِيَاسِ.
(قَوْلُهُ: نَافِي الْحَدِّ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ النَّفْيِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَمْعُ نَافٍ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ فَعَجَزُوا هُوَ مَفْعُولُ طَالَبَ
السِّيَرِ هَذَا إذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءُ أَمَّا إذَا كَانَ يَعْرِفُ فَكُفْرُهُ صَحِيحٌ، وَفِي بَابِ حَدِّ الشُّرْبِ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ السَّكْرَانِ مِنْ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ، وَالْفَوَاكِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَنْفُذُ كَمَا لَا تَنْفُذُ مِنْ الَّذِي زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ، وَفِي الْيَنَابِيعِ مِنْ الْأَيْمَانِ سَكْرَانُ وَهَبَ لِزَوْجَتِهِ دِرْهَمًا فَقَالَتْ لَهُ: إنَّك تَسْتَرِدُّهُ مِنِّي إذَا صَحَوْت فَقَالَ إنْ اسْتَرَدَّتِيهِ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ أَخَذَهُ لِلْحَالِ وَهُوَ سَكْرَانُ لَا يَقَعُ لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ جَوَابًا لَهَا، وَفِي الْمُجْتَبَى: سَكِرَ الْوَكِيلُ فَطَلَّقَ لَا يَقَعُ لِأَنَّ ضَرَرَهُ يَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَجُزْ اهـ.
وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ، وَالْخَانِيَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ الْوُقُوعُ بِخِلَافِ مَا إذَا جُنَّ الْوَكِيلُ فَطَلَّقَ، وَفِي الْقُنْيَةِ سَكْرَانُ قَرَعَ الْبَابَ فَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فَقَالَ إنْ لَمْ تَفْتَحِي الْبَابَ اللَّيْلَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ أَحَدٌ فَمَضَتْ اللَّيْلَةُ وَلَمْ تَفْتَحْ لَا تَطْلُقُ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ سَكْرَانُ قَالَ لِآخَرَ وَهَبْت دَارِي هَذِهِ مِنْك ثُمَّ قَالَ إنْ لَمْ أَقُلْ مِنْ قَلْبِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثُمَّ أَفَاقَ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ هَذَا شَيْئًا لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فِي غَايَةِ النَّشَاطِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مِنْ قَلْبِهِ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ فَطَلَّقَهَا فِي حَالِ السُّكْرِ إنْ كَانَ التَّوْكِيلُ عَلَى طَلَاقٍ بِمَالٍ لَا يَقَعُ وَلَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ فِي حَالِ الصَّحْوِ، وَالْإِيقَاعُ فِي حَالِ السُّكْرِ لَا يَقَعُ، وَإِنْ كَانَا فِي حَالِ السُّكْرِ يَقَعُ إذَا كَانَ بِلَا مَالٍ وَلَوْ كَانَ بِمَالٍ لَا يَقَعُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِتَقْدِيرِ الْبَدَلِ اهـ. وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ.
قَوْلُهُ: (وَأَخْرَسُ بِإِشَارَتِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ أَخْرَسَ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِإِشَارَتِهِ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَفْهُومَةً فَكَانَتْ كَالْعِبَارَةِ فِي الدَّلَالَةِ اسْتِحْسَانًا فَيَصِحُّ بِهَا نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ أَوْ لَا وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ بِالْإِشَارَةِ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِمَا هُوَ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ الْإِشَارَةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِشَارَةِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا طَلَاقُهُ الْإِشَارَةُ الْمَقْرُونَةُ بِتَصْوِيتٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْعَادَةَ مِنْهُ ذَلِكَ فَكَانَتْ الْإِشَارَةُ بَيَانًا لِمَا أَجْمَلَهُ الْأَخْرَسُ اهـ.
وَإِنَّمَا ذَكَرَ إشَارَتَهُ دُونَ كِتَابَتِهِ لِمَا أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِهِ لِأَنَّ غَيْرَ الْأَخْرَسِ يَقَعُ طَلَاقُهُ بِكِتَابَتِهِ إذَا كَانَ مُسْتَبِينًا لَا مَا لَا يَسْتَبِينُ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الرَّسْمِ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ عَنَى تَجْرِبَةَ الْخَطِّ وَرَسْمَهَا أَنْ يُكْتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ إذَا وَصَلَ إلَيْك كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ كَانَ مُعَلِّقًا بِالْإِتْيَانِ إلَيْهَا لَا يَقَعُ إلَّا بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلِّقًا وَقَعَ عَقِيبَ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ عَلَّقَهُ بِالْمَجِيءِ إلَيْهَا فَوَصَلَ إلَى أَبِيهَا مَزَّقَهُ وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا فَإِنْ كَانَ مُتَصَرِّفًا فِي أُمُورِهَا وَقَعَ وَإِلَّا لَا، وَإِنْ أَخْبَرَهَا مَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهَا الْكِتَابَ الْمُمَزَّقَ وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهَا إذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ نَسَخَهُ فِي كِتَابٍ آخَرَ أَوْ غَيْرَهُ فَبَلَغَا إلَيْهَا تَطْلُقُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ كَتَبَ إلَى امْرَأَتِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرُك وَغَيْرُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ مَحَى اسْمَ الْأَخِيرَةِ ثُمَّ بَعَثَ بِالْكِتَابِ لَا تَطْلُقُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ عَجِيبَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ فِيهِ مَسْأَلَةَ مَا إذَا كَتَبَ مَعَ الطَّلَاقِ غَيْرَهُ مِنْ الْحَوَائِجِ ثُمَّ مَحَى مِنْهُ شَيْئًا.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَوَائِجَ إنْ كَتَبَهَا فِي أَوَّلِهِ، وَالطَّلَاقَ فِي آخِرِهِ فَإِنْ مَحَى الْحَوَائِجَ فَقَطْ فَوَصَلَ إلَيْهَا لَا تَطْلُقُ، وَإِنْ مَحَى الطَّلَاقَ فَقَطْ طَلُقَتْ، وَإِنْ كَتَبَ الطَّلَاقَ أَوَّلًا، وَالْحَوَائِجَ آخِرًا انْعَكَسَ الْحُكْمُ وَلَوْ كَتَبَ الطَّلَاقَ فِي وَسَطِهِ وَكَتَبَ الْحَوَائِجَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ فَإِنْ مَحَى الطَّلَاقَ وَتَرَكَ مَا قَبْلَهُ طَلُقَتْ، وَإِنْ مَحَى مَا قَبْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ لَا تَطْلُقُ وَلَوْ جَحَدَهُ فَبَرْهَنَتْ عَنْهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ وَقَعَ قَضَاءً كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَا عَلَى وَجْهِ الرَّسْمِ نَحْوُ أَنْ يَكْتُبَ إنْ جَاءَ كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا يَنْوِي وَيُبَيِّنُ الْأَخْرَسُ نِيَّتَهُ بِكِتَابَتِهِ وَقَيَّدَ صَاحِبُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ. . . إلَخْ) النُّسَخُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مُخْتَلِفَةٌ وَنَصُّ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ هَكَذَا وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ فَطَلَّقَهَا فِي حَالِ السُّكْرِ إنْ كَانَ التَّوْكِيلُ عَلَى طَلَاقٍ بِمَالٍ لَا يَقَعُ لَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ فِي حَالِ الصَّحْوِ، وَالْإِيقَاعُ فِي حَالِ السُّكْرِ، وَإِنْ كَانَا فِي حَالِ السُّكْرِ وَقَعَ وَإِذَا كَانَ بِلَا مَالٍ يَقَعُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الرَّأْيَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِتَقْدِيرِ الْبَدَلِ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ. . . إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا الْقَوْلُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ مَا نَصُّهُ: فَإِنْ كَانَ الْأَخْرَسُ لَا يَكْتُبُ وَكَانَ لَهُ إشَارَةٌ تُعْرَفُ فِي طَلَاقِهِ وَنِكَاحِهِ وَشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ شُكَّ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ اهـ.
فَقَدْ رُتِّبَ جَوَازُ الْإِشَارَةِ عَلَى عَجْزِهِ عَنْ الْكِتَابَةِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ لَا تَجُوزُ إشَارَتُهُ وَقَالَ فِي الْكَافِي أَيْضًا: وَإِذَا طَلَّقَ الْأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ فِي كِتَابٍ وَهُوَ يَكْتُبُ جَازَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي كِتَابِهِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ، وَالنِّكَاحُ فَإِنْ كَتَبَ الصَّحِيحُ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الطَّلَاقَ فَإِنْ نَوَاهُ جَازَ عَلَيْهِ إذَا كَتَبَ كِتَابًا يَسْتَبِينُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَبِينُ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ الْأَخْرَسُ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْرَسِ أَنْ يَسْأَلَ بِكِتَابٍ فَيُجِيبُ بِكِتَابَةٍ وَلَوْ كَتَبَ الصَّحِيحُ إلَى امْرَأَتِهِ فِي صَحِيفَةٍ بِطَلَاقِهَا ثُمَّ جَحَدَ الْكِتَابَ وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَكَذَلِكَ الْأَخْرَسُ اهـ.
الْيَنَابِيعِ الْأَخْرَسَ بِكَوْنِهِ وُلِدَ أَخْرَسَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ وَدَامَ، وَإِنْ لَمْ يَدُمْ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَقَدَّرَ التُّمُرْتَاشِيُّ الِامْتِدَادَ هُنَا بِسَنَةٍ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ إنْ دَامَتْ الْعُقْلَةُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ وَيَجُوزُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ النُّطْقِ بِمَعْنًى لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَكَانَ كَالْأَخْرَسِ قَالَ الشَّارِحُ: فِي آخِرِ الْكِتَابِ قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.
فَعَلَى هَذَا إذَا طَلَّقَ مَنْ اعْتَقَلَ لِسَانُهُ تَوَقَّفَ فَإِنْ دَامَ بِهِ إلَى الْمَوْتِ نَفَذَ، وَإِنْ زَالَ بَطَلَ.
قَوْلُهُ: (أَوْ حُرًّا أَوْ عَبْدًا) لِلْعُمُومَاتِ وَلِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيِّ «الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» قَوْلُهُ:(لَا طَلَاقَ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ سَابِقًا لِلْحَدِيثِ «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ» ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ النَّفَاذُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِهِ الصِّحَّةُ لِيَدْخُلَ تَحْتَهُ طَلَاقُ الْفُضُولِيِّ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ غَيْرُ نَافِذٍ أَطْلَقَ الصَّبِيَّ فَشَمَلَ الْعَاقِلَ وَلَوْ مُرَاهِقًا لِفَقْدِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ خُصُوصًا مَا هُوَ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ، وَالضَّرَرِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم صِحَّتُهُ مِنْهُ وَمِثْلُهُ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذِهِ النُّقُولِ وَإِنَّمَا صَحَّ إسْلَامُهُ لِأَنَّهُ حَسَنٌ لِذَاتِهِ لَا يَقْبَلُ السُّقُوطَ وَنَفَعَ لَهُ وَلَوْ طَلَّقَ الصَّبِيُّ ثُمَّ بَلَغَ فَقَالَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْته وَقَعَ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ إيقَاعٍ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَةَ الصَّبِيِّ فَلَمَّا بَلَغَ الصَّبِيُّ قَالَ أَوْقَعْت الطَّلَاقَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فُلَانٌ يَقَعُ وَلَوْ قَالَ أَجَزْت ذَلِكَ لَا يَقَعُ وَقَالَ قَبْلَهُ طَلَّقَ النَّائِمُ فَلَمَّا انْتَبَهَ قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك فِي النَّوْمِ لَا يَقَعُ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ يَقَعُ وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت الَّذِي تَلَفَّظْت بِهِ لَا يَقَعُ وَكَذَا الصَّبِيُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْقَعْت ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى الْجِنْسِ وَقَوْلُهُ: الَّذِي تَلَفَّظْت إشَارَةٌ إلَى الشَّخْصِ الَّذِي حَكَمَ بِبُطْلَانِهِ فَأَشْبَهَ مَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ ثَلَاثًا عَلَيْك، وَالْبَاقِي عَلَى ضَرَّاتِهَا لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الثَّلَاثِ غَيْرُ عَامِلٍ اهـ.
وَأَرَادَ بِالْمَجْنُونِ مَنْ فِي عَقْلِهِ اخْتِلَالٌ فَيَدْخُلُ الْمَعْتُوهُ وَأَحْسَنُ الْأَقْوَالِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَعْتُوهَ هُوَ الْقَلِيلُ الْفَهْمِ الْمُخْتَلِطُ الْكَلَامِ الْفَاسِدُ التَّدْبِيرِ لَكِنْ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَيَدْخُلُ الْمُبَرْسَمُ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالْمَدْهُوشُ، وَفِي الصِّحَاحِ الْبَرْسَامُ دَاءٌ مَعْرُوفٌ، وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الطِّبِّ أَنَّهُ وَرَمٌ حَارٌّ يَعْرِضُ لِلْحِجَابِ الَّذِي بَيْنَ الْكَبِدِ، وَالْمَعَاثِمِ يَتَّصِلُ بِالدِّمَاغِ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَبُرْسِمَ الرَّجُلُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ يُقَالُ بَرْسَامٌ وَبِلْسَامٌ وَهُوَ مُبَرْسَمٌ وَمُبَلْسَمٌ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ عُرِفَ أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ طَلَّقْتَنِي الْبَارِحَةَ، فَقَالَ أَصَابَنِي الْجُنُونُ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَاحِبُ بِرُسُمٍ فَلَمَّا صَحَّ قَالَ قَدْ طَلَّقْت امْرَأَتِي ثُمَّ قَالَ إنِّي كُنْت أَظُنُّ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَقَعُ كَانَ وَاقِعًا قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى -: حِينَمَا أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ إنْ رَدَّهُ إلَى حَالَةِ الْبَرْسَامِ بِأَنْ قَالَ قَدْ طَلَّقْت امْرَأَتِي حَالَةَ الْبَرْسَامِ فَالطَّلَاقُ غَيْرُ وَاقِعٍ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ إلَى حَالَةِ الْبَرْسَامِ فَهُوَ مَأْخُوذٌ بِذَلِكَ قَضَاءً، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ فِي حَالَةِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ اهـ.
وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك إذَا شِئْت ثُمَّ جُنَّ الرَّجُلُ جُنُونًا مُطْبِقًا ثُمَّ طَلَّقَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ كُلُّ شَيْءٍ يَمْلِكُ الزَّوْجُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ كَلَامِهِ يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَمْلِكُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ كَلَامِهِ لَا يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ، وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ جُنَّ الْمُوَكِّلُ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ إنْ جُنَّ زَمَانًا طَوِيلًا، وَإِنْ كَانَ سَاعَةً لَا تَبْطُلُ وَلَمْ يُوَقِّتْ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ شَيْئًا. اهـ. .
قَوْلُهُ: (وَالنَّائِمُ) أَيْ لَا يَقَعُ طَلَاقُ النَّائِمِ فَلَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَمَا اسْتَيْقَظَ طَلَّقْتُك فِي النَّوْمِ أَوْ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ أَوْقَعْت مَا تَلَفَّظْت بِهِ حَالَةَ النَّوْمِ لَا يَقَعُ وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: أَطْلَقَ الصَّبِيَّ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَأَطْلَقَ الطَّلَاقَ فَشَمِلَ الْمُعَلَّقَ، وَالْمُنَجَّزَ وَاَلَّذِي بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِ مَالٍ، وَالرَّجْعِيَّ، وَالْبَائِنَ بِنَوْعَيْهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الطَّلَاقُ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ شَرْعًا كَمَا إذَا كَانَ مَجْبُوبًا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ طَلَاقٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَيُؤَهَّلُ لَهُ لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ فَعُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهِ مُمَيِّزًا وَأَبَى وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدْ أَفْتَيْت بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ فِيمَا إذَا زَوَّجَهُ أَبُوهُ امْرَأَةً وَعَلَّقَ عَلَيْهِ مَتَى تَزَوَّجَ أَوْ تَسَرَّى عَلَيْهَا فَكَذَا وَكَبِرَ فَتَزَوَّجَ عَالِمًا بِالتَّعْلِيقِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ:، وَالْمَدْهُوشُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ: الْمُرَادُ بِالْمَدْهُوشِ مَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ ذَهِلَ أَوْ وَلِهَ لَا مُطْلَقُ الْمُتَحَيِّرِ وَهَذَا الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ إذْ التَّحَيُّرُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: دَهِشَ كَفَرِحَ فَهُوَ دَهِشٌ تَحَيَّرَ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ ذَهِلَ أَوْ وَلِهَ، وَالذَّاهِلُ الْمُتَحَيِّرُ، وَالْوَلَهُ مُحَرَّكَةٌ: الْحُزْنُ أَوْ ذَهَابُ الْعَقْلِ خَوْفًا، وَالْحِيرَةُ، وَالْخَوْفُ فَرَجَعَ الْمَعْنَى فِي كَلَامِهِمْ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ التَّحَيُّرِ، وَالْخَوْفِ فَيَكُونُ نَوْعًا مِنْ الْجُنُونِ اهـ.
مُلَخَّصًا وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَوْقَعْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ جَعَلْته طَلَاقًا وَقَعَ) مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ فِي الصَّبِيِّ لَكِنْ فِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ أَوْقَعْته لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ