المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المحرمات بسبب الرضاع] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٣

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌[فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى]

- ‌[فَصْلٌ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ]

- ‌(بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ)

- ‌(بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ)

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ فِي الْحَجّ أَوْ الْعُمْرَة]

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ فِي الْحَجُّ]

- ‌(بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ)

- ‌(بَابُ الْهَدْيِ)

- ‌[مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌(كِتَابُ النِّكَاحِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاح]

- ‌[بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاح]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ مَسَائِلِ الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاح]

- ‌(بَابُ الْمَهْرِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ)

- ‌[بَابُ نِكَاحِ الْكَافِر]

- ‌(بَابُ الْقَسْمِ)

- ‌(كِتَابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[الْمُحْرِمَات بِسَبَبِ الرَّضَاعِ]

- ‌[وَلَبَنُ الرَّجُلِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ]

- ‌ أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌[بَابُ أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ)

- ‌(بَابُ الْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ)

- ‌(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)

الفصل: ‌[المحرمات بسبب الرضاع]

مِنْ الرَّضَاعِ دُونَ النَّسَبِ لِأَنَّهُ أَخُوهَا فَصَارَتْ الثَّلَاثَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَصَارَ الْكُلُّ سِتًّا وَسِتِّينَ صُورَةً فَالْمُرَادُ بِالنَّيِّفِ فِي كَلَامِ ابْنِ وَهْبَانَ سِتٌّ وَهَذَا الْبَيَانُ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ ثُمَّ تَأَمَّلْت بَعْدَ قَوْلِ ابْنِ الْهُمَامِ إذَا عَرَفْت مَنَاطَ الْإِخْرَاجِ أَمْكَنَك تَسْمِيَةُ صُوَرٍ أُخْرَى فَفَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَسْمِيَةِ صُورَتَيْنِ الْأُولَى بِنْتُ أُخْتِ وَلَدِهِ حَلَالٌ مِنْ الرَّضَاعِ حَرَامٌ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهَا إمَّا بِنْتُ بِنْتِهِ أَوْ بِنْتُ رَبِيبَتِهِ وَيَصِحُّ فِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ الْأُخْتُ مُضَافَةً إلَى الِابْنِ أَوْ الْبِنْتِ فَهِيَ سِتَّةٌ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا بِاعْتِبَارِ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَوْ لَهَا فَإِنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِبِنْتِ أُخْتٍ، وَالِدِهِ رَضَاعًا يَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بِابْنِ أُخْتٍ وَلَدِهَا رَضَاعًا فَصَارَتْ اثْنَيْ عَشَرَ الثَّانِيَةُ بِنْتُ عَمَّةِ وَلَدِهِ جَائِزَةٌ مِنْ الرَّضَاعِ حَرَامٌ مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهَا بِنْتُ أُخْتِهِ

وَفِيهَا الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ فَقَطْ بِاعْتِبَارِ مَا يَحِلُّ لَهُ وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا بِاعْتِبَارِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِابْنِ عَمَّةِ وَلَدِهَا مِنْ النَّسَبِ، وَالرَّضَاعِ جَمِيعًا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بِابْنِ أُخْتِ وَلَدِهَا مِنْ النَّسَبِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ ابْنَ بِنْتِهَا أَوْ ابْنَ بِنْتِ زَوْجِهَا وَهُوَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّزَوُّجُ بِحَلِيلَةِ جَدِّهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَجْهًا فَصَارَتْ الْمَسَائِلُ الْمُسْتَثْنَاةُ إحْدَى وَثَمَانِينَ مَسْأَلَةً وَلِلَّهِ الْحَمْدُ لَكِنْ صِحَّةُ اتِّصَالٍ مِنْ الرَّضَاعِ فِي قَوْلِهِمْ إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَنَحْوِهِ بِكُلٍّ مِنْ الْمُضَافِ وَحْدَهُ، وَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَحْدَهُ وَبِهِمَا إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْإِعْرَابِ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمِّ حَالًا مِنْهُ لِأَنَّ الْأُمَّ مَعْرِفَةٌ فَيَجِيءُ الْمَجْرُورُ حَالًا مِنْهُ لَا مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ وَلَيْسَ صِفَةً لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ أَعْنِي أُمَّ أُخْتِهِ بِخِلَافِ أُخْتِهِ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مُسَوِّغَاتِ مَجِيءِ الْحَالِ مِنْهُ وَمِثْلُ هَذَا يَجِيءُ فِي أُخْتِ ابْنِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ حَكَى الْمُرَادِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ عَنْ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ جَوَازَ مَجِيءِ الْحَالِ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ بِلَا مُسَوِّغٍ مِنْ الْمُسَوِّغَاتِ الثَّلَاثَةِ نَحْوُ ضَرَبْت غُلَامَ هِنْدٍ جَالِسَةً وَنُوزِعَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ فِي دَعْوَى أَنَّ عَدَمَ جَوَازِهِ بِلَا خِلَافٍ وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ الْجَارَّ، وَالْمَجْرُورَ، وَالظَّرْفَ إذَا وَقَعَا بَعْدَ نَكِرَةٍ مَحْضَةٍ كَانَا صِفَتَيْنِ نَحْوُ: رَأَيْت طَائِرًا فَوْقَ غُصْنٍ أَوْ عَلَى غُصْنٍ وَإِذَا وَقَعَا بَعْدَ مَعْرِفَةٍ مَحْضَةٍ كَانَا حَالَيْنِ نَحْوُ: رَأَيْت الْهِلَالَ بَيْنَ السَّحَابِ أَوْ فِي الْأُفُقِ وَمُحْتَمِلَانِ فِي نَحْوِ يُعْجِبُنِي الزَّهْرُ فِي أَكْمَامِهِ، وَالثَّمَرُ عَلَى أَغْصَانِهِ لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ الْجِنْسِيَّ كَالنَّكِرَةِ، وَفِي نَحْوِ: هَذَا ثَمَرٌ يَانِعٌ عَلَى أَغْصَانِهِ لِأَنَّ النَّكِرَةَ الْمَوْصُوفَةَ كَالْمَعْرِفَةِ اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْإِضَافَةِ هُنَا كَالتَّعْرِيفِ الْجِنْسِيِّ فَيَجُوزُ إعْرَابُهُ صِفَةً وَحَالًا وَقَوْلُهُ: يَتَعَلَّقُ بِالْأُمِّ لَا مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الظَّرْفَ، وَالْمَجْرُورَ يَجِبُ تَعَلُّقُهُمَا بِمَحْذُوفٍ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا وُقُوعُهُمَا حَالًا أَوْ صِفَةً كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي مِنْ الْبَابِ الثَّالِثِ، وَالتَّقْدِيرُ هُنَا إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ كَائِنَةً مِنْ الرَّضَاعِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ أُمَّ الْعَمِّ وَأُمَّ الْخَالِ لَا تَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ، فَقَالَ الشَّارِحُ وَمِنْ الْعَجَبِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ أَنَّ أُمَّ الْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ لَا تَحْرُمُ وَكَذَا أُمُّ الْخَالِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالنَّسَبِ، وَالْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ الْحُرْمَةَ فِي النَّسَبِ مَوْجُودٌ فِي الرَّضَاعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا بَيَانُهُ أَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ جَدَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ مَوْطُوءَةَ جَدِّهِ وَكِلَاهُمَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ فَلَا يَسْتَقِيمُ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِالْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أَبِيهِ وَبِالْخَالِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أُمِّهِ فَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ اهـ.

وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِمَنْعِ الْحَصْرِ لِجَوَازِ كَوْنِهَا لَمْ تُرْضِعْ أَبَاهُ وَلَا أُمَّهُ فَلَا تَكُونُ جَدَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا مَوْطُوءَةَ جَدِّهِ بَلْ أَجْنَبِيَّةً أَرْضَعَتْ عَمَّهُ مِنْ النَّسَبِ وَخَالَهُ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِحَ فَهِمَ أَنَّ الْجَارَّ، وَالْمَجْرُورَ أَعْنِي قَوْلَهُ مِنْ الرَّضَاعِ مُتَّصِلٌ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ وَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ التَّزَوُّجُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ رَضَاعًا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أُمُّ نَسَبٍ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا

ــ

[منحة الخالق]

[الْمُحْرِمَات بِسَبَبِ الرَّضَاعِ]

(قَوْلُهُ: وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا بِاعْتِبَارِ الْمَرْأَةِ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْرِضَ بَدَلَهُ ابْنَ خَالَةِ وَلَدِهَا حَتَّى لَا يُنْتَقَصَ الْعَدَدُ كَمَا فَرَضَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ أَعْنِي عَمَّ وَلَدِهَا حَيْثُ فَرَضَ بَدَلَهُ خَالَ وَلَدِهَا (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ: يَتَعَلَّقُ بِالْأُمِّ. . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا وَهْمٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّعَلُّقِ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمِّ التَّعَلُّقَ الْمَعْنَوِيَّ وَهُوَ كَوْنُهُ وَصْفًا لَهُ لِمَا اسْتَقَرَّ مِنْ أَنَّ الْحَالَ قَيْدٌ فِي عَامِلِهَا وَصْفٌ لِصَاحِبِهَا وَهَذَا هُوَ الْمَنْفِيُّ يَعْنِي لَا مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ هُوَ صَاحِبُ الْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ إلَّا أُمَّ أَخِيهِ فَإِنَّهَا لَا تُحَرَّمُ مِنْ الرَّضَاعِ فَيَكُونُ صَاحِبُ الْحَالِ هُوَ الضَّمِيرُ فِي يُحَرَّمُ إذْ لَا مُحْوِجَ إلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَكَيْفَ يُنْسَبُ إلَى مِثْلِ هَذَا الْإِمَامِ أَنَّهُ قَدْ خَفَى عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ

ص: 241

لِأَنَّهَا كَمَا قَالَ إمَّا جَدَّتُهُ رَضَاعًا أَوْ مَوْطُوءَةُ جَدِّهِ وَغَفَلَ الشَّارِحُ عَنْ الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا مُرَادُ صَاحِبِ الْغَايَةِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْمُضَافِ فَقَطْ أَعْنِي الْأُمَّ بِأَنْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ نَسَبًا فَأَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةٌ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ جَدَّتُهُ وَلَا مَوْطُوءَةُ جَدِّهِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَفَلَ عَنْ الْوَجْهِ الْآخَرِ وَهُوَ أَنْ يَتَّصِلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ رَضَاعًا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أُمٌّ رَضَاعًا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا لِمَا قُلْنَاهُ وَهَاهُنَا وَجْهٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِالْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أَبِيهِ رَضَاعًا وَبِالْخَالِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أُمِّهِ رَضَاعًا وَلَا شَكَّ فِي حِلِّ أُمِّهِمَا لِمَا قُلْنَاهُ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْأَبِ بِإِرْضَاعٍ وَكَذَا الْأُمُّ وَإِلَّا لَا تَحِلُّ أُمُّهُمَا وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الشَّارِحَ حَمَلَ كَلَامَ الْغَايَةِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَخَلَّ بِهَذَا الْقَيْدِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالْعَمِّ مِنْ الرَّضَاعِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أَبِيهِ نَسَبًا وَبِالْخَالِ مَنْ رَضَعَ مَعَ أُمِّهِ نَسَبًا لَمْ يَسْتَقِمْ فَإِنْ قُلْت قَدْ قَرَّرَتْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اتِّصَالُهُ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ قَوْلِ شَارِحِ الْوِقَايَةِ وَلَا تَنْسَ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَعَدَمُ صِحَّةِ تَقْسِيمِ ابْنِ وَهْبَانَ إلَى نَيِّفٍ وَسِتِّينَ لِإِسْقَاطِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ

قُلْت لَمْ يَلْزَمَا لِأَنَّهُ يَصِحُّ اتِّصَالُهُ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ عَلَى الْوَجْهِ الرَّابِعِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَلِاتِّصَالِهِ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ صُورَتَانِ فِي صُورَةٍ لَا تَحِلُّ الْأُمُّ، وَفِي صُورَةٍ تَحِلُّ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي تَحِلُّ تَصْحِيحًا وَتَوْفِيقًا وَهَذَا الْبَيَانُ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ هَذَا الْإِخْرَاجُ تَخْصِيصٌ لِلْحَدِيثِ أَعْنِي «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» بِدَلِيلِ الْعَقْلِ، وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ تَخْصِيصًا لِأَنَّهُ أَحَالَ مَا يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ عَلَى مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ وَمَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ هُوَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ تَحْرِيمِهِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْأُمَّهَاتِ، وَالْبَنَاتِ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ فَمَا كَانَ مِنْ مُسَمَّى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مُتَحَقِّقًا مِنْ الرَّضَاعِ حَرُمَ فِيهِ، وَالْمَذْكُورَاتُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ مُسَمَّى تِلْكَ فَكَيْفَ تَكُونُ مُخَصَّصَةً وَهِيَ غَيْرُ مُتَنَاوَلَةٍ وَلِذَا إذَا خَلَا تَنَاوَلَ الِاسْمُ فِي النَّسَبِ جَازَ النِّكَاحُ كَمَا إذَا ثَبَتَ النَّسَبُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ جَازَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَتْ أُخْتَ وَلَدِهِ مِنْ النَّسَبِ وَأَنْتَ إذَا حَقَّقَتْ مَنَاطَ الْإِخْرَاجِ أَمْكَنَك تَسْمِيَةُ صُوَرٍ أُخْرَى، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا أَعْنِي قَوْلَهُ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ إلَى آخِرِهِ اهـ.

وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ بِقَوْلِهِ: وَاسْتِثْنَاءُ أُخْتِ ابْنِ الرَّجُلِ وَأُمِّ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ حُرْمَتَهَا فِي النَّسَبِ بِالْمُصَاهَرَةِ دُونَ النَّسَبِ اهـ. لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعِ صَحِيحٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ.

(قَوْلُهُ: زَوْجُ مُرْضِعَةٍ لَبَنُهَا مِنْهُ أَبٌ لِلرَّضِيعِ وَابْنُهُ أَخٌ وَبِنْتُهُ أُخْتٌ وَأَخُوهُ عَمٌّ وَأُخْتُهُ عَمَّةٌ) بَيَانٌ لِأَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ أَبًا لَهُ لَا يَحِلُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَوْطُوءَةُ الْآخَرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ اللَّبَنُ الَّذِي نَزَلَ مِنْ الْمَرْأَةِ بِسَبَبِ وِلَادَتِهَا مِنْ رَجُلٍ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ فَلَيْسَ الزَّوْجُ قَيْدًا فِي كَلَامِهِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَإِنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْحُرْمَةُ مِنْ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ فَمِنْهَا أَوْلَى فَلَا تَتَزَوَّجُ الصَّغِيرَةُ أَبَا الْمُرْضِعَةِ لِأَنَّهُ جَدُّهَا لِأُمِّهَا وَلَا أَخَاهَا لِأَنَّهُ خَالُهَا وَلَا عَمَّهَا لِأَنَّهَا بِنْتُ بِنْتِ أَخِيهِ وَلَا خَالَهَا لِأَنَّهَا بِنْتُ بِنْتِ أُخْتِهِ وَلَا أَبْنَاءَهَا، وَإِنْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ اللَّبَنِ لِأَنَّهُمْ إخْوَتُهَا لِأُمِّهَا وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ زَوْجَتَانِ أَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتًا لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ رَضَاعًا مِنْ الْأَبِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَبَنُهَا مِنْهُ لِأَنَّ لَبَنَهَا لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ وَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ لِآخَرَ قَبْلَهُ فَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً فَإِنَّهَا رَبِيبَةٌ لِلثَّانِي بِنْتٌ لِلْأَوَّلِ فَيَحِلُّ تَزَوُّجُهَا بِأَبْنَاءِ الثَّانِي وَلَوْ كَانَ الرَّضِيعُ صَبِيًّا حَلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِبَنَاتِهِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا كَمَا قَالَ إمَّا جَدَّتُهُ رَضَاعًا أَوْ مَوْطُوءَةُ جَدِّهِ) أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرْضِعَةَ إنْ كَانَتْ أُمَّ الْعَمِّ أَوْ الْخَالِ فَعَدَمُ جَوَازِ التَّزَوُّجِ بِالْأُمِّ النَّسَبِيَّةِ وَهِيَ الْمُرْضِعَةُ هُنَا لِكَوْنِهَا جَدَّتَهُ رَضَاعًا وَمَوْطُوءَةَ جَدِّهِ أَيْ جَدِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ أَجْنَبِيَّةً فَالْأُمُّ النَّسَبِيَّةُ لَيْسَتْ جَدَّتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا مَوْطُوءَةَ جَدِّهِ وَعَلَى كُلٍّ فَالتَّرْدِيدُ غَيْرُ ظَاهِرٍ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ حُرْمَتَهُمَا فِي النَّسَبِ بِالْمُصَاهَرَةِ دُونَ النَّسَبِ) فِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أُخْتَ ابْنِ الرَّجُلِ إنَّمَا تَكُونُ حُرْمَتُهَا بِالْمُصَاهَرَةِ إذَا كَانَتْ أُخْتًا لِأُمٍّ فَتَكُونُ رَبِيبَتَهُ بِخِلَافِهَا شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ وَأُمُّ أَخِيهِ إنَّمَا تَكُونُ حُرْمَتُهَا بِالْمُصَاهَرَةِ إذَا كَانَ الْأَخُ أَخًا لِأَبٍ فَإِنَّ أُمَّهُ حِينَئِذٍ امْرَأَةُ الْأَبِ بِخِلَافِ الْأَخِ الشَّقِيقِ أَوْ لِأُمٍّ فَإِنَّ حُرْمَةَ أُمِّهِ بِالنَّسَبِ لِأَنَّهَا أُمٌّ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ.

ص: 242

مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ هَذَا مَا لَمْ تَلِدْ مِنْ الثَّانِي فَإِذَا وَلَدَتْ مِنْ الثَّانِي انْقَطَعَ لَبَنُ الْأَوَّلِ وَصَارَ لِلثَّانِي فَإِذَا أَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا كَانَ وَلَدًا لِلثَّانِي اتِّفَاقًا وَإِذَا حَبَلَتْ مِنْ الثَّانِي وَلَمْ تَلِدْ فَهُوَ وَلَدٌ لِلْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ نَزَلَ بِسَبَبِ وِلَادَتِهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُ قَطُّ وَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ وَأَرْضَعَتْ بِهِ وَلَدًا لَا يَكُونُ الزَّوْجُ أَبًا لِلْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ ابْنُهُ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ مِنْهُ فَإِذَا انْتَفَتْ انْتَفَتْ النِّسْبَةُ فَكَانَ كَلَبَنِ الْبِكْرِ وَلِهَذَا لَوْ وَلَدَتْ لِلزَّوْجِ فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ ثُمَّ جَفَّ لَبَنُهَا ثُمَّ دَرَّ فَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً فَإِنَّ لِابْنِ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ التَّزَوُّجَ بِهَذِهِ الصَّبِيَّةِ وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا كَانَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأَوْلَادِ هَذَا الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ الْمُرْضِعَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَشَارَ بِذِكْرِ الزَّوْجِ إلَى أَنَّ لَبَنَ الزِّنَا لَيْسَ كَالْحَلَالِ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا وَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيَّةً يَجُوزُ لِأُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ التَّزَوُّجُ بِهَا وَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ إلَّا مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ وَاخْتَارَهُ الْوَبَرِيُّ وَصَاحِبُ الْيَنَابِيعِ، وَفِي الْمُحِيطِ خِلَافُهُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ الْأَحْوَطُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ الزِّنَا لِلْبَعْضِيَّةِ وَذَلِكَ فِي الْوَلَدِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ دُونَ اللَّبَنِ إذْ لَيْسَ اللَّبَنُ كَائِنًا مِنْ مَنِيِّهِ لِأَنَّهُ فَرْعُ التَّغَذِّي وَهُوَ لَا يَقَعُ إلَّا بِمَا يَدْخُلُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ لَا مِنْ أَسْفَلِ الْبَدَنِ كَالْحُقْنَةِ فَلَا إنْبَاتَ فَلَا حُرْمَةَ بِخِلَافِ ثَابِتِ النَّسَبِ لِلنَّصِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا مَحَلَّ الْخِلَافِ بِأُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلزَّانِي اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا بِنْتُ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ فُرُوعَ الْمَزْنِيِّ بِهَا مِنْ الرَّضَاعِ حَرَامٌ عَلَى الزَّانِي وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَمَا ذَكَرَ حُرْمَتَهَا عَلَى الزَّانِي: وَكَذَا لَوْ لَمْ تَحْبَلْ مِنْ الزِّنَا وَأَرْضَعَتْ لَا بِلَبَنِ الزِّنَا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي كَمَا تَحْرُمُ بِنْتُهَا مِنْ النَّسَبِ عَلَيْهِ اهـ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الصَّبِيَّةَ لَا تَحْرُمُ عَلَى عَمِّ الزَّانِي وَخَالِهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنْ الزَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِذِكْرِ الزَّوْجِ) قَدْ قَدَّمَ أَنَّ ذِكْرَ الزَّوْجِ لَيْسَ قَيْدًا فَلَا يُفِيدُ مَا ذُكِرَ فَالْأَوْلَى التَّنْبِيهُ عَلَى مَسْأَلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ) أَيْ دِرَايَةً لَا رِوَايَةً كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْبَحْرِ مِنْ إطْلَاقِهِ كَلَامَ الْكَمَالِ الْأَوْجَهِيَّةَ وَقَيَّدَ أُسْتَاذُنَا بِمَا قُلْنَاهُ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَّلَهُ بِمَا يَأْتِي آخِرَ كَلَامِ الْكَمَالِ كَذَا فِي الشرنبلالية، وَقَدْ وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِمَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ أَيْضًا، وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ كَمَا نُشِيرُ إلَيْهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِلزَّانِي اتِّفَاقًا) فِي دَعْوَى الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ فَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَنَصُّهُ: لَوْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ وَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ اهـ.

وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ زَنَى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَأَرْضَعَتْ صَبِيَّةً بِلَبَنِهِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ هَذِهِ الصَّبِيَّةُ وَعَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ خِلَافَ هَذَا فَقَالَ: الْمَرْأَةُ إذَا وَلَدَتْ مِنْ الزِّنَا فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ أَوْ نَزَلَ لَهَا لَبَنٌ مِنْ غَيْرِ وِلَادَةٍ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَإِنَّ الرَّضَاعَ يَكُونُ مِنْهَا خَاصَّةً لَا مِنْ الزَّانِي وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ النَّسَبُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ اهـ.

بَلْ كَلَامُ الْوَبَرِيِّ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّهُ الْأَوْجَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ هَكَذَا وَذَكَرَ الْوَبَرِيُّ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ خَاصَّةً مَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ مِنْ الْأَبِ وَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَصَاحِبُ الْيَنَابِيعِ وَهُوَ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ الزِّنَا إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الزَّانِي لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ رَادًّا عَلَى كَلَامِ الْخُلَاصَةِ الْآتِي وَإِذَا تَرَجَّحَ عَدَمُ حُرْمَةِ الرَّضِيعَةِ بِلَبَنِ الزَّانِي عَلَى الزَّانِي كَمَا ذَكَرْنَا فَعَدَمُ حُرْمَتِهَا عَلَى مَنْ لَيْسَ اللَّبَنُ مِنْهُ أَوْلَى اهـ.

فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ كَلَامَ الْوَبَرِيِّ وَغَيْرِهِ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ عَلَى الزَّانِي نَفْسِهِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى عَدَمُ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَظَهَرَ الْوَجْهُ لِإِحْدَاهُمَا لَا يُعْدَلُ عَنْهَا لِمَا قَالَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْ الدِّرَايَةِ إذَا وَافَقَتْهَا رِوَايَةٌ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ الْأَوْجَهُ دِرَايَةً لَا رِوَايَةً فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِثُبُوتِ كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَظُهُورِ الْوَجْهِ لِإِحْدَاهُمَا وَكَأَنَّهُمْ تَوَهَّمُوا مِنْ قَوْلِ الْفَتْحِ وَلِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ: مَا قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ رَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ بِنْتِ الْمُرْضِعَةِ بِلَبَنِ غَيْرِ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى اهـ.

يَعْنِي: أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ اللَّبَنُ لِغَيْرِ الزَّوْجِ لَا تَحْرُمُ الرَّضِيعَةُ عَلَى الزَّوْجِ وَقَوْلُ الْخُلَاصَةِ لَوْ أَرْضَعَتْ لَا بِلَبَنِ الزِّنَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي يَقْتَضِي خِلَافَ الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فَهُوَ مَرْدُودٌ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. . . إلَخْ) أَيْ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ التَّقْيِيدِ السَّابِقِ بِأُصُولِ الزَّانِي وَفُرُوعِهِ وَمِنْ التَّعْلِيلِ لِلْحُرْمَةِ بِالْبَعْضِيَّةِ، وَفِي الْفَتْحِ عَنْ التَّجْنِيسِ لَا يَجُوزُ لِلزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالصَّبِيَّةِ الْمُرْضَعَةِ وَلَا لِأَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَلِعَمِّ الزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالصَّبِيَّةِ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْ الزَّانِي

ص: 243

فِيهَا حُكْمُ الْقَرَابَةِ، وَالتَّحْرِيمِ عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلَادِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ لِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ، وَالْبَعْضِيَّةِ وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمِّ، وَالْخَالِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي حَقِّ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الزِّنَا فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمِرْضَعَةِ بِلَبَنِ الزِّنَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ الزَّانِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ ثُبُوتُهُ قَالَ: وَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مِنْ اللَّبَنِ النَّازِلِ بِالزِّنَا وَوَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ فِي حَقِّ الْفَحْلِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: لَا يَثْبُتُ فِي الزِّنَا، وَالْمَنْفِيَّةُ بِاللِّعَانِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْوَبَرِيُّ والإسبيجابي وَصَاحِبُ الْيَنَابِيعِ وَتَثْبُتُ فِي حَقِّ الْأُمِّ بِالْإِجْمَاعِ اهـ.

وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ قَالَ: رَجُلٌ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ بِهَذَا اللَّبَنِ صَغِيرَةً لَا يَجُوزُ لَهَا الزَّانِي وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ آبَائِهِ وَأَوْلَادِهِ نِكَاحُ هَذِهِ الصَّبِيَّةِ وَذَكَر فِي الدَّعْوَى رَجُلٌ قَالَ لِمَمْلُوكٍ: هَذَا ابْنِي مِنْ الزِّنَا ثُمَّ اشْتَرَاهُ مَعَ أُمِّهِ عَتَقَ الْمَمْلُوكُ وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ اهـ.

وَإِنَّمَا تَمَسَّك بِمَسْأَلَةِ الدَّعْوَى لِأَنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزِّنَا كَالْحَلَالِ فِي ثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ وَإِلَّا كَانَ لَغْوًا، وَإِنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ فَحَبَلَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا فَهُوَ ابْنُ الْوَاطِئِ مِنْ الرَّضَاعِ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْوَاطِئِ يَثْبُتُ مِنْ الرَّضَاعِ وَمَنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَالْمُرَادُ بِلَبَنِ الْفَحْلِ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الزِّنَا كَالْحَلَالِ لَبَنٌ حَدَثَ مِنْ حَمْلِ رَجُلٍ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ يُقَالُ لَا مِنْ زِنًا

(قَوْلُهُ: وَتَحِلُّ أُخْتُ أَخِيهِ رَضَاعًا) يَصِحُّ اتِّصَالُهُ بِكُلٍّ مِنْ الْمُضَافِ، وَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَبِهِمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي نَظَائِرِهِ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ مِنْ النَّسَبِ وَلِهَذَا الْأَخِ أُخْتٌ رَضَاعِيَّةٌ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ مِنْ الرَّضَاعِ لَهُ أُخْتٌ نَسَبِيَّةٌ، وَالثَّالِثُ ظَاهِرٌ.

(قَوْلُهُ: وَنَسَبًا) أَيْ تَحِلُّ أُخْتُ أَخِيهِ نَسَبًا بِأَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ مِنْ أَبٍ لَهُ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا فَقَوْلُهُ: نَسَبًا مُتَّصِلٌ بِالْمُضَافِ، وَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَلَا يَتَّصِلُ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ دَاخِلٌ فِي الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثِ فِيمَا قَبْلَهَا.

(قَوْلُهُ: وَلَا حِلَّ بَيْنَ رَضِيعَيْ ثَدْيٍ) أَيْ بَيْنَ مَنْ اجْتَمَعَا عَلَى الِارْتِضَاعِ مِنْ ثَدْيِ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ زَوْجَيْنِ فَهُمَا أَخَوَانِ لِأُمٍّ أَوْ أُخْتَانِ لِأُمٍّ، وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ فَأَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ أُخْتَانِ لَهُمَا وَلَوْ كَانَ تَحْتَ رَجُلٍ امْرَأَتَانِ فَأَرْضَعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا صَبِيَّةً فَهُمَا أُخْتَانِ لِأَبٍ رَضَاعًا كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ مُرْضَعَةٍ وَوَلَدِ مُرْضِعَتِهَا وَوَلَدِ وَلَدِهَا) ، وَالْمُرْضَعَةُ الْأُولَى بِفَتْحِ الضَّادِ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَالثَّانِيَةُ بِكَسْرِهَا أَيْ لَا حِلَّ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ الْمُرْضَعَةِ، وَوَلَدِ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَرْضَعَتْهُمَا لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ وَلَدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ رَضِيعًا مَعَ الْمُرْضَعَةِ أَوْ كَانَ سَابِقًا لِسِنٍّ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ أَوْ مَسْبُوقًا بِارْتِضَاعِهَا بِأَنْ وُلِدَ بَعْدَهُ بِسِنِينَ وَكَذَا لَا يَتَزَوَّجُ أُخْتَ الْمُرْضَعَةِ لِأَنَّهَا خَالَتُهُ وَلَا وَلَدَ وَلَدِهَا لِأَنَّهُ وَلَدُ الْأَخِ، وَفِي آخِرِ الْمَبْسُوطِ: وَلَوْ كَانَتْ أُمُّ الْبَنَاتِ أَرْضَعَتْ إحْدَى الْبَنِينَ وَأُمُّ الْبَنِينَ أَرْضَعَتْ إحْدَى الْبَنَاتِ لَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ الْمُرْتَضَعِ مِنْ أُمِّ الْبَنَاتِ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ وَكَانَ لِإِخْوَتِهِ أَنْ يَتَزَوَّجُوا بَنَاتِ الْأُخْرَى إلَّا الِابْنَةَ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا أُمُّهُمْ وَحْدَهَا لِأَنَّهَا أُخْتُهُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَا حِلَّ بَيْنَ رَضِيعَيْ ثَدْيٍ عَمَّا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّ

ــ

[منحة الخالق]

لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهَا مِنْ الزَّانِي حَتَّى يَظْهَرَ فِيهَا حُكْمُ الْقَرَابَةِ، وَالتَّحْرِيمُ عَلَى آبَاءِ الزَّانِي وَأَوْلَادِهِ لِاعْتِبَارِ الْجُزْئِيَّةِ، وَالْبَعْضِيَّةِ وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمِّ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي حَقِّ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الزِّنَا فَكَذَا فِي حَقِّ الْمُرْضَعَةِ بِلَبَنِ الزِّنَا اهـ.

قُلْت وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ أَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُخْتُهُ مِنْ الزِّنَا وَبِنْتُ أَخِيهِ وَبِنْتُ أُخْتِهِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ.

(قَوْلُهُ: إنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ الزَّانِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ) أَيْ عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ أَمَّا حُرْمَةُ تِلْكَ الرَّضِيعَةِ عَلَى الزَّانِي نَفْسِهِ فَلَيْسَتْ بِسَبَبِ اللَّبَنِ بَلْ لِكَوْنِهَا بِنْتَ الْمَزْنِيِّ بِهَا كَمَا مَرَّ وَعَلِمْت مَا فِيهِ، وَجَعْلُهُ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ مُفِيدٌ لِحَمْلِهِ الْأَوْجَهِيَّةَ فِي كَلَامِ الْكَمَالِ عَلَى الرِّوَايَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ بِلَبَنِ الْفَحْلِ) أَيْ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَلَبَنُ الْفَحْلِ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ.

(قَوْلُهُ: فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ) قَيَّدَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا لِمَا يَأْتِي مَعَ مَا فِيهِ لَكِنْ لَا يُنَاسِبُهُ التَّفْرِيعُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ زَوْجَيْنِ فَإِنَّهُ لَا اتِّحَادَ لِلْوَقْتِ ضَرُورَةً فَكَانَ الصَّوَابُ عَدَمَ التَّقْيِيدِ (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ وَلَدِ الَّتِي أَرْضَعَتْ رَضِيعًا) اسْمُ الْكَوْنِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ وَرَضِيعًا خَبَرُهُ وَمَفْعُولُ أَرْضَعَتْ مَحْذُوفٌ أَيْ أَرْضَعَتْ الْمُرْضِعَةُ وَقَوْلُهُ: مَعَ الْمُرْضِعَةِ مُتَعَلِّقٌ ب رَضِيعًا وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ مَسْبُوقًا بِارْتِضَاعِهَا أَوْ لَمْ تُرْضِعْهُ أَصْلًا لِئَلَّا يُوهِمَ اشْتِرَاطُ رَضَاعِهَا وَلَدَهَا مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ الْمُصَنِّفُ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: مِنْ أَيْنَ يُوهِمُ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَفَادَ بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى اشْتِرَاطَ الِاجْتِمَاعِ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ فِي الْأَجْنَبِيَّيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ عَدَمَ اشْتِرَاطِهِ

ص: 244

الِاجْتِمَاعَ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَذَكَرَ الِاجْتِمَاعَ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِإِثْبَاتِ الْحُرْمَةِ بِالِاجْتِمَاعِ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ وَهُوَ الثَّدْيُ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لَكِنْ لَوْ انْتَصَرَ عَلَى الثَّانِي لَاسْتَغْنَى عَنْ الْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ: وَاللَّبَنُ الْمَخْلُوطُ بِالطَّعَامِ لَا يُحَرِّمُ) أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ اللَّبَنِ غَالِبًا بِحَيْثُ يَتَقَاطَرُ عِنْدَ رَفْعِ اللُّقْمَةِ أَوْ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ مَطْبُوخًا أَوْ لَا لِأَنَّ الطَّعَامَ أَصْلٌ، وَاللَّبَنَ تَابِعٌ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ التَّغَذِّي وَهُوَ مَنَاطُ التَّحْرِيمِ وَلِأَنَّ الْغَلَبَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ حَالَةَ الْوُصُولِ إلَى الْمَعِدَةِ، وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ الطَّعَامُ هُوَ الْغَالِبُ وَقَالَا إنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ نَظَرًا لِلْغَالِبِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ أَمَّا الْمَطْبُوخُ فَلَا اتِّفَاقًا وَيَدْخُلُ فِي الطَّعَامِ الْخُبْزُ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى إنَّمَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَشْرَبْهُ أَمَّا إذَا حَسَاهُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ هَذَا إذَا أَكَلَ الطَّعَامَ لُقْمَةً لُقْمَةً فَإِذَا حَسَاهُ حَسْوًا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَالْحَقُّ أَنَّ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه عِلَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا فَعَلَى الْأُولَى لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَسْوِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَسْوِ وَغَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ وَوَضْعُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَكْلِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا اهـ.

وَفِي الْقَامُوسِ: حَسَا زَيْدٌ الْمَرَقَ شَرِبَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مَخْلُوطًا لِأَنَّ لَبَنَ الْمَرْأَةِ إذَا جُبِّنَ وَأُطْعِمَ الصَّبِيَّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ خِلَافُهُ وَلَفْظُهُ وَلَوْ جَعَلَ اللَّبَنَ مَخِيضًا أَوْ رَائِبًا أَوْ شِيرَازًا أَوْ جُبْنًا أَوْ أَقِطًا أَوْ مَصْلًا فَتَنَاوَلَهُ الصَّبِيُّ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِهِ لِأَنَّ اسْمَ الرَّضَاعِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ وَلِذَا لَا يَنْبُتُ اللَّحْمُ وَلَا يَنْشُرُ الْعَظْمُ وَلَا يَكْتَفِي بِهِ الصَّبِيُّ فِي الِاغْتِذَاءِ فَلَا يَحْرُمُ بِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ لَوْ بِمَاءٍ وَدَوَاءٍ وَلَبَنِ شَاةٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى) أَيْ لَوْ اخْتَلَطَ اللَّبَنُ بِمَا ذُكِرَ يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الْمَاءَ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنًا لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي فِيهِ أَجْزَاءُ اللَّبَنِ وَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءُ كَذَا فِي أَيْمَانِ الْخَانِيَّةِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الدَّوَاءُ وَفَسَّرَ الْغَلَبَةَ فِي الْخَانِيَّةِ بِأَنْ يُغَيِّرَهُ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ غَيَّرَ طَعْمَ اللَّبَنِ وَلَوْنَهُ لَا يَكُونُ رَضَاعًا، وَإِنْ غَيَّرَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَانَتْ رَضَاعًا اهـ.

وَمِثْلُ الدَّوَاءِ الدُّهْنُ أَوْ النَّبِيذُ سَوَاءٌ أُوجِرَ بِذَلِكَ أَوْ أُسْعِطَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَذَا إذَا كَانَ الْغَالِبُ لَبَنَ الشَّاةِ لِأَنَّ لَبَنَهَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ كَانَ كَالْمَاءِ وَلَوْ اسْتَوَيَا وَجَبَ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَغْلُوبٍ فَلَمْ يَكُنْ مُسْتَهْلِكًا وَإِذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَتَيْنِ تَعَلَّقَ التَّحْرِيمُ بِأَغْلَبِهِمَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَعَلَّقَ بِهِمَا كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَا يَغْلِبُ الْجِنْسَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَحْوَطُ، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قِيلَ إنَّهُ الْأَصَحُّ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَأَمَّا إذَا تَسَاوَيَا تَعَلَّقَ بِهِمَا جَمِيعًا إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَبَنَ هَذِهِ الْبَقَرَةِ فَخَلَطَ لَبَنَهَا بِلَبَنِ بَقَرَةٍ أُخْرَى فَشَرِبَهُ وَلَبَنُ الْبَقَرَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا مَغْلُوبٌ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَلَوْ كَانَ غَالِبًا حَنِثَ اتِّفَاقًا وَلَوْ اسْتَوَيَا ذَكَرَ فِي أَيْمَانِ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ اسْتِحْسَانًا.

(قَوْلُهُ: وَلَبَنُ الْبِكْرِ، وَالْمَيِّتَةِ يُحَرَّمُ) أَيْ مُوجِبٌ لِلْحُرْمَةِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْبِكْرُ بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ فَأَكْثَرَ أَمَّا لَوْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ فَنَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ أَرْضَعَتْ الْبِكْرُ صَبِيًّا صَارَتْ أُمًّا لِلصَّبِيِّ وَتَثْبُتُ جَمِيعُ أَحْكَامِ الرَّضَاعِ بَيْنَهُمَا حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَتْ الْبِكْرُ رَجُلًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ لِهَذَا الزَّوْجِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الصَّبِيَّةَ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ الرَّبَائِبِ الَّتِي دَخَلَ بِأُمِّهَا وَأَطْلَقَ فِي لَبَنِ الْمَيِّتَةِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِبَ قَبْلَ مَوْتِهَا فَيَشْرَبَهُ الصَّبِيُّ بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ حَلَبَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَالْخَانِيَّةِ وَإِذَا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ بِلَبَنِ الْمَيِّتَةِ حَلَّ لِزَوْجِ هَذِهِ الصَّبِيَّةِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا الْآنَ دَفْنُ الْمَيِّتَةِ وَتَيَمُّمُهَا لِأَنَّهُ صَارَ مَحْرَمًا لَهَا لِأَنَّهَا أُمُّ امْرَأَتِهِ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرَّضِيعَةِ وَبِنْتِ الْمَيِّتَةِ لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ

وَفِي

ــ

[منحة الخالق]

فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَوَلَدِهَا إذْ الْمُرْضَعَةُ أُخْتٌ لِوَلَدِهَا رَضَاعًا سَوَاءٌ أَرْضَعَتْ وَلَدَهَا أَوْ لَا وَبِهَذَا لَا يُسْتَغْنَى بِالثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى هَذَا حَاصِلُ مَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ الْمُحَقِّقُ وَوَقَعَ فِي الْبَحْرِ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ خَلْطٌ فَاجْتَنِبْهُ اهـ.

كَلَامُ الرَّمْلِيِّ نَعَمْ يَظْهَرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي قَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَكُلُّ صَبِيَّيْنِ اجْتَمَعَا عَلَى ثَدْيٍ وَاحِدَةٍ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْآخَرِ.

ص: 245