المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل في المشيئة) - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٣

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجّ]

- ‌[فَصْلٌ نَظَرَ الْمُحْرِم إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى]

- ‌[فَصْلٌ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ]

- ‌(بَابُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ)

- ‌(بَابُ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ)

- ‌[بَابُ الْإِحْصَارِ فِي الْحَجّ أَوْ الْعُمْرَة]

- ‌[بَابُ الْفَوَاتِ فِي الْحَجُّ]

- ‌(بَابُ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ)

- ‌(بَابُ الْهَدْيِ)

- ‌[مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَة]

- ‌(كِتَابُ النِّكَاحِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاح]

- ‌[بَابُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاحِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَكْفَاءِ فِي النِّكَاح]

- ‌[فَصْلٌ بَعْضُ مَسَائِلِ الْوَكِيلِ وَالْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاح]

- ‌(بَابُ الْمَهْرِ)

- ‌(بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ)

- ‌[بَابُ نِكَاحِ الْكَافِر]

- ‌(بَابُ الْقَسْمِ)

- ‌(كِتَابُ الرَّضَاعِ)

- ‌[الْمُحْرِمَات بِسَبَبِ الرَّضَاعِ]

- ‌[وَلَبَنُ الرَّجُلِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ]

- ‌ أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا

- ‌(كِتَابُ الطَّلَاقِ)

- ‌[بَابُ أَلْفَاظُ الطَّلَاقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ)

- ‌(بَابُ الْكِنَايَاتِ فِي الطَّلَاقِ)

- ‌(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)

الفصل: ‌(فصل في المشيئة)

شَاءَتْ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ لَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ خِلَافًا لِزُفَرَ وَإِذَا وَمَتَى كَكُلَّمَا فِي عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ لَكِنْ لَا يُفِيدُ أَنَّ التَّكْرَارَ وَكَيْفَ، وَإِنْ وَحَيْثُ وَكَمْ وَأَيْنَ وَأَيْنَمَا تَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَالْعِتْقُ كَالطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ حَتَّى لَوْ قَالَ فِيمَا لَا يُفِيدُ التَّكْرَارَ لَا أَشَاءُ ثُمَّ شَاءَ الْعِتْقَ عَتَقَ وَكَذَا الطَّلَاقُ وَاسْتَشْكَلَهُ مُؤَلِّفُهُ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا بَطَلَ وَأُجِيبَ عَنْهُ فِيمَا كَتَبْته عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْن اخْتِيَارِهَا الزَّوْجَ وَبَيْنَ قَوْلِهَا لَا أَشَاءُ فِي مَشِيئَةٍ مُكَرَّرَةٍ بِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لِلزَّوْجِ مُبْطِلٌ أَصْلَ التَّفْوِيضِ قَوْلُهَا لَا أَشَاءُ إنَّمَا يُبْطِلُ مَشِيئَةً مِنْ جُمْلَةِ الْمَشِيئَاتِ لَهَا الْمَشِيئَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُبْطِلُ أَصْلَ التَّفْوِيضَ.

وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا قَالَ: أَمْرُهَا بِيَدِهَا إنْ قَامَرَ ثُمَّ قَامَرَ وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ: إنَّكِ عَلِمْت مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ تُطَلِّقِي فِي مَجْلِسِ عِلْمِك قَالَتْ لَا بَلْ عَلِمْت الْآنَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ إنَّمَا طَلَّقْت نَفْسَك بَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِكَلَامٍ أَوْ عَمَلٍ وَقَالَتْ لَا بَلْ طَلَّقْت نَفْسِي فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بِلَا تَبَدُّلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّهُ وَجَدَ سَبَبَهُ بِإِقْرَارِهِ وَهُوَ التَّخْيِيرُ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الِاشْتِغَالِ بِشَيْءٍ آخَرَ قَالَ: خَيَّرْتُك أَمْسِ فَلَمْ تَخْتَارِي وَقَالَتْ قَدْ اخْتَرْت فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: قَالَ لِقِنِّهِ جَعَلْت أَمْرَك بِيَدِك فِي الْعِتْقِ أَمْسِ فَلَمْ تَعْتِقْ نَفْسَك وَقَالَ: الْقِنُّ فَعَلْته لَا يُصَدَّقُ إذَا الْمَوْلَى لَمْ يُقِرَّ بِعِتْقِهِ لِأَنَّ جَعْلَ الْأَمْرِ بِيَدِهِ لَا يُوجِبُ الْعِتْقَ مَا لَمْ يُعْتِقْ الْقِنُّ نَفْسَهُ، وَالْقِنُّ يَدَّعِي ذَلِكَ، وَالْمَوْلَى يُنْكِرُهُ وَلَا قَوْلَ لِلْقِنِّ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِمَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ لِخُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهِ بِتَبَدُّلِ مَجْلِسِهِ أَقُولُ: عَلَى هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الِاشْتِغَالِ بِكَلَامٍ إلَى آخِرِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهَا اهـ.

وَقَدْ أَجَبْت عَنْهُ فِي حَاشِيَتِهِ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى اتَّفَقَا عَلَى صُدُورِ الْإِيقَاعِ مِنْهَا بَعْدَ التَّفْوِيضِ، وَالزَّوْجُ يَدَّعِي إبْطَالَ إيقَاعِهَا فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يُقِرَّ الْمَوْلَى بِالْإِيقَاعِ مِنْ الْعَبْدِ بَعْدَ التَّفْوِيضِ فَإِنْ قُلْت هَلْ التَّفْوِيضُ يَصِحُّ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَالصَّحِيحِ قُلْت قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنْ ضَرَبَهَا بِلَا جُرْمٍ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِحُكْمِ التَّفْوِيضِ إنْ قِيلَ يَكُونُ مُتَارَكَةً كَالطَّلَاقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلَهُ وَجْهٌ، وَإِنْ قِيلَ: لَا فَلَهُ وَجْهٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُتَارَكَةَ فَسْخٌ وَتَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِالشَّرْطِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا يَكُونُ مُتَارَكَةً لِأَنَّ لَا تَعْلِيقَ فِيهِ، وَفِي الْأَوَّلِ تَعَلَّقَ الْفَسْخُ بِالضَّرْبِ اهـ.

قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ شَاوَرْته، وَاسْتَشَرْتُهُ رَاجَعْتُهُ لَأَرَى رَأْيَهُ فَأَشَارَ عَلَيَّ بِكَذَا أَرَانِي مَا عِنْدَهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فَكَانَتْ إشَارَتُهُ حَسَنَةً، وَالِاسْمُ الْمَشُورَةُ، وَفِيهَا لُغَتَانِ سُكُونُ الشِّينِ وَفَتْحُ الْوَاوِ وَضَمُّ الشِّينِ وَسُكُونُ الْوَاوِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)

(وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً، وَإِنْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعْنَ) أَيْ وَقَعَ الثَّلَاثُ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي نَفْسَك مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ التَّطْلِيقِ فَهُوَ مَذْكُورٌ لُغَةً لِأَنَّهُ جُزْءُ مَعْنَى اللَّفْظِ فَتَصِحُّ نِيَّةُ الْعُمُومِ وَهُوَ فِي حَقِّ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ، وَفِي حَقِّ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك وَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ نِيَّةَ الثِّنْتَيْنِ لَا تَصِحُّ هُنَا أَيْضًا لِكَوْنِهِ عَدَدًا وَأَطْلَقَ تَطْلِيقَهَا الثَّلَاثَ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا وَقَوْلَهَا قَدْ فَعَلْت مَعَ نِيَّةِ الثَّلَاثِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَشَمِلَ مَا إذَا أَوْقَعَتْ الثَّلَاثَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَمُتَفَرِّقًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا، وَقَدْ نَوَى وَاحِدَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا سَيَأْتِي وَقَيَّدَ بِخِطَابِهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: طَلِّقِي أَيْ نِسَائِي شِئْت فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا أَوْ قَالَ: أَمْرُ نِسَائِي بِيَدِك لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُخَاطَبَ هُنَا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ عُمُومِ خِطَابِهِ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: نِسَائِي كُلُّهُنَّ طَوَالِقُ إذَا دَخَلَتْ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَتْ هِيَ طَلُقَتْ هِيَ وَغَيْرُهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: وَبِأَبَنْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ لَا بِاخْتَرْتُ) يَعْنِي أَنَّ أَبَنْتُ نَفْسِي يَصْلُحُ جَوَابًا لِطَلِّقِي نَفْسَك وَلَا يَصْلُحُ اخْتَرْت نَفْسِي جَوَابًا لَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَالْمُفَوَّضُ إلَيْهَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) أَيْ إذَا كَانَتْ اسْتَوْفَتْ الثَّلَاثَ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنْ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ فَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ فَلَهَا إنْ تَشَاءُ الطَّلَاقَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى تَسْتَوْفِيَ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ فِي قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ هَلْ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ أَمْ لَا.

[فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ]

(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ)(قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِخِطَابِهَا لِأَنَّهُ. . . إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْخِطَابَ مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَةِ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ نَفْسُك.

(قَوْلُهُ: يَعْنِي إنْ أَبَنْت نَفْسِي يَصْلُحُ جَوَابًا لِطَلِّقِي) هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ لِصُدُورِهِ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ وَأَمَّا مَا يَأْتِي عَنْ التَّلْخِيصِ فَهُوَ فِيمَا إذَا قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي ابْتِدَاءً لَا جَوَابًا لِلْأَمْرِ كَمَا هُنَا، وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْك فَارْجِعْ إلَى مَا كَتَبْنَاهُ عَنْ شَرْحِ التَّلْخِيصِ فِي أَوَّلِ بَابِ التَّفْوِيضِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ هَكَذَا

ص: 352

الطَّلَاقُ، وَالِاخْتِيَارُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً بِدَلِيلِ الْوُقُوعِ بِأَبَنْتُك دُونَ اخْتَارِي، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ. وَتَوَقُّفُهُ عَلَى إجَازَتِهِ إذَا قَالَتْ أَبَنْتُ نَفْسِي بِشَرْطِ نِيَّتِهَا كَمَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ وَعَدَمِ التَّوَقُّفِ إذَا قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي مِنْهُ وَإِنَّمَا صَارَ كِنَايَةً بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِيمَا إذَا حَصَلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَصَلُحَ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ أَيْضًا لِأَنَّهُ هُوَ التَّخْيِيرُ مَعْنًى فَثَبَتَ جَوَابًا لَهُ بِدَلَالَةِ نَصِّ إجْمَاعِهِمْ عَلَى التَّخْيِيرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَمْرُك بِيَدِك لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّك مُخَيَّرَةٌ فِي أَمْرِك الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ بَيْنَ إيقَاعِهِ وَعَدَمِهِ فَهُوَ مُرَادِفٌ لِلتَّخْيِيرِ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ خُصُوصَ اللَّفْظِ مَلْغِيٌّ بِخِلَافِ طَلِّقِي فَإِنَّهُ وُضِعَ لِطَلَبِ الطَّلَاقِ لَا لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِهِ، وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ الْعِتْقِ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَعْتِقِي نَفْسَك فَقَالَتْ اخْتَرْتُ كَانَ بَاطِلًا اهـ.

بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ جَعَلْت الْخِيَارَ إلَيَّ أَوْ جَعَلْت أَمْرِي بِيَدِي فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ فَإِذَا أَجَازَ صَارَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ طَلَّقْت إلَى أَنَّهُ رَجْعِيٌّ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهَا فِي الْوَصْفِ فَقَطْ فَوَقَعَ أَصْلُ الطَّلَاقِ دُونَ مَا وَصَفَتْهُ بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: طَلِّقِي نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا حَيْثُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْأَصْلِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا التُّمُرْتَاشِيُّ، وَالْخِلَافُ فِيهِمَا فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ صُورَةِ اللَّفْظِ لَا غَيْرُ إذْ لَوْ أَوْقَعَتْ عَلَى الْمُوَافَقَةِ أَعْنِي الثَّلَاثَ، وَالنِّصْفَ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْوَاقِعُ بِالتَّطْلِيقَةِ، وَالْأَلْفُ، وَالْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْوَاقِعَ بِمُجَرَّدِ الصَّرِيحِ لَيْسَ هُوَ الْوَاقِعُ بِالْبَائِنِ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ الْخِلَافُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ بِلَا مُخَالَفَةٍ فِي الْمَعْنَى نَظَرًا إلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْإِيقَاعِ، وَالْخِلَافُ فِي الْمَعْنَى غَيْرُ خِلَافٍ، وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى اهـ.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك، وَقَوْلِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي وَبَيْنَ قَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي بَائِنَةً فِي وُقُوعِ الْأَصْلِ وَإِلْغَاءِ الْوَصْفِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِيهَا مِنْ الْعِتْقِ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَمْرُ عِتْقِك فِي يَدِك أَوْ جَعَلْت عِتْقَك فِي يَدِك أَوْ خَيَّرْتُك فِي عِتْقِك فَأَعْتَقَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ عَتَقَتْ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ السَّيِّدِ اهـ.

فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الطَّلَاقِ كَذَلِكَ فَتَصِيرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ بِمَنْزِلَةِ طَلِّقِي نَفْسَك لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَأَفَادَ بِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْجَوَابِ أَنَّ الْأَمْرَ يَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَدَلَّ اقْتِصَارُهُ عَلَى نَفْيِ الِاخْتِيَارِ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ مِنْ الزَّوْجِ يَصْلُحُ جَوَابًا لِطَلِّقِي نَفْسَك كَجَوَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ: حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَقَعُ بِخُوَارِزْمَ وَبُخَارَى اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اخْتَرْتُ يَصْلُحُ جَوَابًا لِأَمْرُكِ بِيَدِك وَلِاخْتَارِي لَا لِطَلِّقِي وَطَلَّقْت جَوَابًا لِلْكُلِّ، وَالْأَمْرُ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْأَمْرِ لِأَنَّ إقَامَةَ التَّعْزِيرِ فِي الْأَوَّلِ غَيْرُ مُفَوَّضٍ إلَيْهِ وَكَذَا الِاخْتِيَارُ لِلِاخْتِيَارِ وَطَلِّقِي نَفْسَك يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: أَمْرُك بِيَدِك وَلِقَوْلِهِ اخْتَارِي. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ) أَيْ وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ الرُّجُوعَ عَنْ التَّفْوِيضِ سَوَاءٌ كَانَ لَفْظَ التَّخْيِيرِ أَوْ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ يَتِمُّ بِالْمِلْكِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَبُولٍ وَأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَبِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ تَقْيِيدٌ بِالْمَجْلِسِ بِاعْتِبَارِ التَّعْلِيقِ لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَلَا عَزْلُهَا وَلَا نَهْيُهَا، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَالْخَانِيَّةِ لَوْ صَرَّحَ بِوَكَالَتِهَا فَقَالَ: وَكَّلْتُك فِي طَلَاقِك كَانَ تَمْلِيكًا كَقَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك اهـ.

بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَهَذِهِ عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا حَتَّى لَوْ فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقَ ضَرَّتِهَا أَوْ فَوَّضَ أَجْنَبِيٌّ لَهَا طَلَاقَ زَوْجَتِهِ كَانَ تَوْكِيلًا فَمَلَكَ الرُّجُوعَ مِنْهُ لِكَوْنِهَا عَامِلَةً لِغَيْرِهَا وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ

ــ

[منحة الخالق]

وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَتْ قَدْ اخْتَرْتُ نَفْسِي لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَبْنَتُك يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ أَجَزْت ذَلِكَ بَانَتْ فَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِلتَّفْوِيضِ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهَا زَادَتْ فِيهِ وَصْفًا فَيَلْغُو وَيَثْبُتُ الْأَصْلُ بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ خَيَّرْتُك أَوْ اخْتَارِي يَنْوِي الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ، وَلَوْ قَالَتْ ابْتِدَاء اخْتَرْتُ نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ أَجَزْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ انْتَهَتْ فَمَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: أَوْ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً) أَيْ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ طَلِّقِي ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْأَصْلِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ فِي الْأُولَى ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ بِالْعَدَدِ عِنْدَ ذِكْرِهِ لَا بِالْوَصْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ خِلَافًا مُعْتَبَرًا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ فِي الْوَصْفِ بَعْدَ مُوَافَقَتِهَا فِي الْأَصْلِ فَلَا يُعَدُّ خِلَافًا إذْ الْوَصْفُ تَابِعٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْأَمْرِ) قَالَ الْبَزَّازِي بِأَنْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَتْ أَمْرِي بِيَدِي وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ إقَامَةَ التَّعْزِيرِ فِي الْأَوَّلِ غَيْرُ مُفَوَّضٍ إلَيْهِ لَيْسَ هُنَا مَحَلُّهُ بَلْ ذَكَرَهُ قُبَيْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَسَائِلِ الضَّرْبِ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَكَأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي نُسْخَتِهِ عَلَى الْهَامِشِ فَظَنَّ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ مَوْضِعَهَا هُنَا أَوْ الْغَلَطَ مِنْ الْكَاتِبِ لِنُسْخَتِهِ.

ص: 353

وَكَذَا الْمَدْيُونُ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ بِقَوْلِ الدَّائِنِ لَهُ أَبْرِئْ ذِمَّتَك عَامَلَ لِغَيْرِهِ بِالذَّاتِ وَلِنَفْسِهِ ضِمْنًا عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَالتَّوْكِيلُ اسْتِعَانَةٌ فَلَوْ لَزِمَ وَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ عَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ وَقَدَّمْنَا عَدَمَ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ طَلِّقِي وَأَبْرِئْ ذِمَّتَك إذْ كُلُّ مَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فِي أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ فِي الْآخَرِ، وَإِنْ عَدِمَ الرُّجُوعَ أَيْضًا يَتَفَرَّعُ عَلَى مَعْنَى الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالتَّمْلِيكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبُولِ شَرْعًا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَرَتُّبِهِ عَلَى مَعْنَى التَّعْلِيقِ الْمُسْتَخْرَجِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِي الْوَكَالَاتِ، وَالْوِلَايَاتِ فَلَوْ صَحَّ لَزِمَ أَنْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْ تَوْكِيلٍ وَوِلَايَةٍ وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ اهـ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ سَهْوٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِي الْوَكَالَاتِ، وَالْوِلَايَاتِ شَرْعًا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِجَازَةِ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ بِالشَّرْطِ، وَالطَّلَاقُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَقَدْ اسْتَمَرَّ عَلَى سَهْوِهِ هَذَا، وَلَوْ قَالَ إنَّهُ يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِي التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ لَكَانَ صَحِيحًا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ الْمُسْتَخْرَجَ يُمْكِنُ فِيهِ عَلَى مَعْنَى: إنْ طَلَّقْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَأَمَّا التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ، وَالْوِلَايَاتُ فَلَا دَخْلَ لَهَا وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى هُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي الْفَرْقُ بَيْنَ طَلِّقِي، وَأَبْرِئْ ذِمَّتَك وَهُوَ أَنَّهُمَا، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْعَمَلِ لِلنَّفْسِ بِتَمَلُّكِهَا نَفْسَهَا وَبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَلِلْغَيْرِ بِامْتِثَالِ أَمْرِ الزَّوْجِ، وَالدَّائِنِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الطَّلَاقُ مَحْظُورًا فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَامِلَةً لِنَفْسِهَا قَصْدًا وَلِهَذَا قَالُوا لَا يُكْرَهُ التَّفْوِيضُ وَهِيَ حَائِضٌ وَلَمَّا كَانَ الْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ مُسْتَحَبًّا سَبَبًا لِلثَّوَابِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَدْيُونُ عَامِلًا لَهُ لَا لِنَفْسِهِ لِيَحْصُلَ الثَّوَابُ لَهُ عَلَى فِعْلِ الْمُسْتَحَبِّ قَصْدًا لَا ضِمْنًا وَمِنْ الْعَجَبِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْوَكَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَطَلَ تَوْكِيلُهُ الْكَفِيلَ بِمَالٍ أَنَّ قَوْلَ الدَّائِنِ أَبْرِئْ ذِمَّتَك تَمْلِيكٌ لَا تَوْكِيلٌ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَقْيِيدُهُ بِالْمَجْلِسِ وَعَدَمُ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَنْهُ، وَالْمَنْقُولُ خِلَافُهُ وَمِنْ الْعَجَبِ مَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي فَصْلِ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ تَمْلِيكًا أَنْ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ لِانْتِقَاضِهِ بِالْهِبَةِ فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّقْيِيدُ بِالْمَجْلِسِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ.

وَذَكَرَ الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ مِمَّا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَكَانَ التَّفْوِيضُ فِيهِمَا تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا مَحْضًا فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ مِمَّا يَحْلِفُ بِهِ فَكَانَ يَمِينًا فَلَمْ يُمْكِنْ الرُّجُوعُ عَنْهُ بِخِلَافِ التَّفْوِيضِ فِي الْإِبْرَاءِ وَأَخَوَاتِهِ فَإِنَّهَا لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَكَانَ تَوْكِيلًا مَحْضًا فَلَمْ تَقْتَصِرْ عَلَى الْمَجْلِسِ وَأَمْكَنَ الرُّجُوعُ عَنْهُ اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ: امْرَأَةٌ قَالَتْ لِزَوْجِهَا إذَا جَاءَ غَدٌ فَاخْلَعْنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ ذَلِكَ تَوْكِيلًا حَتَّى لَوْ نَهَتْهُ عَنْ ذَلِكَ صَحَّ نَهْيُهَا وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَاعْتِقْنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ اهـ.

وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ إذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِخَلْعِ نَفْسِهَا فَخَلَعَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ أَوْ عَرَضٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْضَى وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: اشْتَرِ طَلَاقَك مِنِّي بِمَا شِئْت وَقَدْ وَكَّلْتُك بِذَلِكَ فَقَالَتْ قَدْ اشْتَرَيْته بِكَذَا كَذَا كَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَ: اخْلَعِي نَفْسَك مِنِّي بِكَذَا كَذَا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا وَلَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ بِمَالٍ الَّذِي يَخْلَعُ بِغَيْرِ مَالٍ اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْخُلْعِ اشْتَرِ نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ اشْتَرَيْت لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَقُلْ بِعْت، وَلَوْ قَالَ: اخْلَعِي نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ خَلَعْت وَقَعَ بِلَا قَبُولِهِ.

(قَوْلُهُ: وَتَقَيَّدَ بِمَجْلِسِهَا إلَّا إذَا أَرَادَ مَتَى شِئْت) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَهُوَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَإِذَا زَادَ مَتَى شِئْت كَانَ لَهَا التَّطْلِيقُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت وَمُرَادُهُ مِنْ مَتَى مَا دَلَّ عَلَى عُمُومِ الْوَقْتِ فَدَخَلَ إذَا وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إذَا عِنْدَ الْإِمَامِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِجَازَةِ) أَيْ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الْوَكَالَةُ، وَقَدْ مَرَّ جَوَابُ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَنَّهُ يُمْكِنُ. . . إلَخْ) أَيْ لَوْ قَالَ صَاحِبُ الْفَتْحِ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَرَتُّبِهِ عَلَى مَعْنَى التَّعْلِيقِ أَنَّهُ يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِيمَا لَوْ وَكَّلَ أَجْنَبِيًّا بِالطَّلَاقِ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ هُنَا مُمْكِنٌ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ.

ص: 354

كَانَ كَمَا تَقَدَّمَ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَقَدَّمْنَا جَوَابَهُ بِإِمْكَانِ أَنْ تَعْمَلَ شَرْطًا فَيَتَقَيَّدُ وَأَنْ تَعْمَلَ ظَرْفًا فَلَا تَتَقَيَّدُ، وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَدَخَلَ حِينَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ.

وَلَوْ قَالَ: حِينَ شِئْت فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إذَا شِئْت لِأَنَّ الْحِينَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَقْتِ اهـ.

وَقَيَّدَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى عُمُومِ الْوَقْتِ احْتِرَازًا عَنْ أَنْ وَكَيْفَ وَحَيْثُ وَكَمْ وَأَيْنَ وَأَيْنَمَا فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَكُلَّمَا كَمَتَى فِي عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ مَعَ اخْتِصَاصِهَا بِإِفَادَةِ التَّكْرَارِ إلَى الثَّلَاثِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، وَالْإِرَادَةُ، وَالرِّضَا، وَالْمَحَبَّةُ كَالْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ أَفْعَالِهَا كَالْأَكْلِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي الْجَمِيعِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّفْوِيضَ إلَيْهَا بِلَفْظِ التَّطْلِيقِ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ سَوَاءٌ أَطْلَقَهُ أَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا إلَّا فِي مَتَى وَإِذَا وَحِينَ وَكُلَّمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَكِنْ بَيْنَ إطْلَاقِهِ وَتَعْلِيقِهِ بِغَيْرِ الْأَرْبَعِ فَرْقٌ فَإِنَّهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ تَنْجِيزٌ لِلتَّمْلِيكِ وَمَعَ التَّعْلِيقِ إضَافَةٌ لَهُ لَا تَنْجِيزٌ وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِلَا قَصْدٍ غَلَطًا لَا يَقَعُ إذَا ذَكَرَ الْمَشِيئَةَ وَيَقَعُ إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مَا يُوجِبُ حَمْلَ مَا أُطْلِقَ مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ الْوُقُوعِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ غَلَطًا عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْقَضَاءِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ.

وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ إنْ وَإِذَا فَلَهَا مَشِيئَتَانِ مَشِيئَةٌ لِلْحَالِ نَظَرًا إلَى " أَنَّ " وَمَشِيئَةٌ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ نَظَرًا إلَى " إذَا " قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ إذَا شِئْت فَلَهَا مَشِيئَتَانِ مَشِيئَةٌ فِي الْحَالِ وَمَشِيئَةٌ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِمَشِيئَتِهَا فِي الْحَالِ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتَانِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إذَا شِئْت اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَعْلِيقِ التَّطْلِيقِ أَوْ الطَّلَاقِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ لِمَا فِي الْمَحِيضِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَذْكُرْ مَشِيئَةً فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشِيئَةِ إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَهِيَ أَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ صَحِيحَةٌ فِي طَلِّقِي دُونَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَشَأْ فِي الْمَجْلِسِ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ فِي الْمَجْلِسِ هِيَ الشَّرْطُ فِي الْمَشِيئَةِ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا ثَلَاثًا، وَقَدْ دَخَلَ بِهِمَا فَطَلَّقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا عَلَى التَّعَاقُبِ ثَلَاثًا طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثًا بِتَطْلِيقِ الْأُولَى لَا بِتَطْلِيقِ الْأُخْرَى لِأَنَّ تَطْلِيقَ الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا بَاطِلٌ، وَلَوْ بَدَأَتْ الْأُولَى فَطَلَّقَتْ صَاحِبَتَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا طَلَّقَتْ صَاحِبَتَهَا دُونَ نَفْسِهَا لِأَنَّهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا مَالِكَةٌ، وَالتَّمْلِيكُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِذَا بَدَأَتْ بِطَلَاقِ صَاحِبَتِهَا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَبِتَطْلِيقِهَا نَفْسِهَا لَا يَبْطُلُ تَطْلِيقُهَا الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا فِي حَقِّ الْأُخْرَى وَكِيلَةٌ، وَالْوَكَالَةُ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَلَوْ قَالَ لَهُمَا: طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا إنْ شِئْتُمَا فَطَلَّقَتْ إحْدَاهُمَا نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى تُطَلِّقَ الْأُخْرَى نَفْسَهَا وَصَاحِبَتَهَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَنْفَرِدُ بِالْإِيقَاعِ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى ضَرَّتِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الْإِيقَاعِ شَرْطُ الْوُقُوعِ، وَلَوْ قَالَ لَهُمَا: أَمْرُكُمَا بِأَيْدِيكُمَا يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا قَالَ طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا إنْ شِئْتُمَا فِي أَنَّهُ لَا تَنْفَرِدُ إحْدَاهُمَا بِالطَّلَاقِ غَيْرَ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّهُمَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى طَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَقَعُ.

وَفِي قَوْلِهِ إنْ شِئْتُمَا لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ ثَمَّةَ عَلَّقَ طَلَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِمَشِيئَتِهِمَا طَلَاقَهُمَا جَمِيعًا وَهَهُنَا لَمْ يُعَلِّقْ بَلْ فَوَّضَ تَطْلِيقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَى رَأْيِهِمَا فَإِذَا اجْتَمَعَا عَلَى طَلَاقِ وَاحِدَةٍ يَقَعُ اهـ.

وَفِي قَوْلِهِ فَإِذَا بَدَأَتْ بِطَلَاقِ صَاحِبَتِهَا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا نَظَرًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ، وَالْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ اشْتِغَالَهَا بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَجَوَابُهُ أَنَّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُمَا فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَمَا هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ مَالِكَةٌ لِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا لَا وَكِيلَةٌ، وَفِي الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ وَكِيلَةٌ فَافْهَمْ، وَالْأَمْرُ بِالتَّطْلِيقِ الْمُعَلَّقِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي الْجَمِيعِ) يَنْبَغِي تَحْرِيرُ هَذَا الْكَلَامِ فَرَاجِعْهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ إنْ وَإِذَا. . . إلَخْ) سَيُعِيدُ ذِكْرَ هَذَا الْكَلَامِ بِزِيَادَةٍ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْت أَوْ مَتَى مَا. . . إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ فَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّفْوِيضَ إلَيْهَا. . . إلَخْ (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ وَكِيلَةٌ) أَيْ فِي صُورَةِ مَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالْمَشِيئَةِ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ وَإِلَّا كَانَ تَمْلِيكًا أَيْضًا كَمَا يَأْتِي

ص: 355

بِمَشِيئَتِهَا كَالْأَمْرِ بِالْيَدِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْمُحِيطِ طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: لَا تُطَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَا دَامَتْ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ صَاحِبَتَهَا بَعْدَ النَّهْيِ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي حَقِّ صَاحِبَتِهَا تَمْلِيكٌ فِي حَقِّهَا اهـ.

وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ عُلِمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ الْمُطْلَقِ، وَالْمُعَلَّقِ بِمَشِيئَتِهَا فِي فَرْعٍ ثَانٍ غَيْرَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَقَالَتْ أَنَا طَالِقٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت فَقَالَتْ قَدْ شِئْت أَنْ أُطَلِّقَ نَفْسِي كَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك إذَا شِئْت ثُمَّ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا ثُمَّ طَلَّقَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ كُلُّ شَيْءٍ يَمْلِكُ الزَّوْجُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ كَلَامِهِ يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ وَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَمْلِكْ الزَّوْجُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ كَلَامِهِ لَا يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ اهـ.

وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ قَالَ: أَيُّ نِسَائِي شِئْت طَلَاقَهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَشَاءَتْ طَلَاقَ الْكُلِّ طَلُقْنَ إلَّا وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ: أَيُّ نِسَائِي شَاءَتْ الطَّلَاقَ فَهِيَ طَلَاقٌ فَشِئْنَ طَلُقْنَ اهـ.

وَالْفَرْقُ أَنَّ أَيًّا فِي الْأَوَّلِ وُصِفَتْ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ، وَفِي الثَّانِي بِصِفَةٍ عَامَّةٍ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ أَحَدُ الْمَأْمُورِينَ يَنْفَرِدُ بِهِ وَبِبَدَلِ لَا وَهُوَ يَمِينٌ مِنْهُ بَيْعٌ مِنْهَا قَالَ لَهُمَا فِي مَرَضِهِ، وَقَدْ دَخَلَ بِهِمَا طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا ثَلَاثًا مَلَكَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلَاقَهَا وَتَوَكَّلَتْ فِي طَلَاقِ الْأُخْرَى وَلَا يَنْقَسِمُ وَمَنْ طَلَّقَتْ بِتَطْلِيقِهَا لَا تَرِثُ لِرِضَاهَا وَكَذَا بِتَطْلِيقِهِمَا مَعًا لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِمَا كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مَعَ الْمُوَكِّلِ وَبِتَطْلِيقِ الْأُخْرَى تَرِثُ، وَإِنْ طَلَّقَتْ بَعْدَهَا كَالتَّمْكِينِ بَعْدَهُ، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا ثَلَاثًا إنْ شِئْتُمَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِلتَّمْلِيكِ وَيَشْتَرِطُ اجْتِمَاعُهُمَا لِلتَّعْلِيقِ، وَإِنْ طَلَّقَتْ إحْدَاهُمَا كِلَيْهِمَا ثَلَاثًا، وَالْأُخْرَى مِثْلَهَا بَانَتَا وَوَرِثَتْ الْأُولَى لِعَدَمِ رِضَاهَا نَظِيرُهُ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي مَرَضِهِ فَأَجَازَهُ بِخِلَافِ سُؤَالِهَا، وَالثَّانِيَةُ لَا تَرِثُ لِرِضَاهَا، وَلَوْ خَرَجَ كَلَامُهُمَا مَعًا وَرِثَتَا لِعَدَمِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُكُمَا بِيَدِكُمَا فَكَمَا مَرَّ غَيْرَ أَنَّ هُنَا لَوْ اجْتَمَعَتَا عَلَى إحْدَاهُمَا يَقَعُ وَثَمَّةَ لَا لِلتَّعْلِيقِ نَظِيرُهُ وَكُلُّ رَجُلَيْنِ يَبِيعُ عَبْدَيْنِ أَوْ طَلَاقَ امْرَأَتَيْنِ بِمَالٍ مَعْلُومٍ قَالَ: طَلِّقَا أَنْفُسَكُمَا بِأَلْفٍ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا وَلَا يَرِثَانِ بِحَالٍ، وَلَوْ اجْتَمَعَا عَلَى إحْدَاهُمَا صَحَّ بِحِصَّتِهِ مِنْ مَهْرِهَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْ امْرَأَتِي لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْمَجْلِسِ إلَّا إذَا زَادَ إنْ شِئْت) لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَأَنَّهُ اسْتِعَانَةٌ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَكَانَ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا وَإِذَا زَادَ إنْ شِئْت بِأَنْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْهَا إنْ شِئْت فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْوَكَالَةِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُ وَقَالَ زُفَرُ: هَذَا، وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْمَشِيئَةِ كَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَةٍ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قِيلَ لَهُ بِعْ إنْ شِئْت وَلَنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ، وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ، وَالطَّلَاقُ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بِالْمَشِيئَةِ بَلْ الْمُعَلَّقُ فِيهِ الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ وَهِيَ تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ بِنَفْسِ الْبَيْعِ اهـ.

وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ غَلَطٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ هُوَ قَوْلُهُ: بِعْ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ كَوْنُ نَفْسِ قَوْلِهِ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَةٍ غَيْرِهِ بَلْ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَفَرَغَ مِنْهُ قَبْلَ مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ لَمْ يَبْقَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ سِوَى فِعْلِ مُتَعَلِّقِ التَّوْكِيلِ أَوْ عَدَمِ الْقَبُولِ، وَالرَّدِّ اهـ.

وَهُوَ سَهْوٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنَّ التَّوْكِيلَ مُعَلَّقٌ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّ الْوَكَالَةَ مُعَلَّقَةٌ بِالْمَشِيئَةِ، وَالْوَكَالَةُ أَثَرُ التَّوْكِيلِ فَجَازَ إطْلَاقُ التَّوْكِيلِ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ وَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ التَّوْكِيلَ أَيْ الْوَكَالَةَ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْبَيْعَ، وَالتَّوْكِيلَ بِهِ لَمْ يُعَلَّقَا بِالْمَشِيئَةِ.

وَإِنَّمَا الْمُعَلَّقُ الْوَكَالَةُ وَتَعْلِيقُهَا صَحِيحٌ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ طَلِّقْهَا إنْ شِئْت وَبِعْ إنْ شِئْت ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَالْبَيْعُ لَا يَحْتَمِلُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ وَإِذَا لَمْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ رِضَاهَا) أَيْ وَقْتَ الْوُقُوعِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ سَهْوٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَكَالَةَ مُعَلَّقَةٌ بِمَشِيئَتِهِ لِاتِّصَافِهِ بِهَا قَبْلَ مَشِيئَةِ الْبَيْعِ وَلَا وُجُودَ لِلْمَشْرُوطِ دُونَ شَرْطِهِ وَإِنَّمَا الْمُعَلَّقُ فِعْلُ مُتَعَلِّقِهَا وَاعْتِبَارُ التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَابِلٌ لِلتَّوْكِيلِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ بِهِ اهـ.

وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الْمُعَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ عَلَى كَلَامِ الْمُتَعَقِّبِ إنَّمَا هُوَ الْوَكَالَةُ لَا الْبَيْعُ وَعَلَى هَذَا فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِاتِّصَافِهِ بِهَا قَبْلَ مَشِيئَةِ الْبَيْعِ.

(قَوْلُهُ: فَاحْتَاجَ إلَى الْفَرْقِ) أَقُولُ: لَعَلَّ الْفَرْقَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ

ص: 356

يَحْتَمِلْهُ فَهَلْ يَبْطُلُ أَوْ يَصِحُّ وَيَبْطُلُ التَّعْلِيقُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ قِسْمِ التَّعْلِيقِ: لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ بِعْت عَبْدِي مِنْك بِكَذَا إنْ شِئْت فَقِبَلَ يَكُونُ بَيْعًا صَحِيحًا إذَا الْبَيْعُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ اهـ.

قَيَّدَ بِقَوْلِهِ طَلِّقْهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِك يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ قَالَ: بَعْضٌ هَذَا تَوْكِيلٌ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْأَمْرِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: جَعَلْت إلَيْك طَلَاقَهَا فَطَلِّقْهَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: قُلْ لِامْرَأَتِي أَمْرُك بِيَدِك لَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا مَا لَمْ يَقُلْ الْمَأْمُورُ بِخِلَافِ قُلْ لَهَا إنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُهَا بِيَدِ اللَّهِ وَبِيَدِك انْفَرَدَ الْمُخَاطَبُ وَذِكْرُ اللَّهِ هُنَا لِلتَّبَرُّكِ عُرْفًا وَكَذَا فِي الْعَتَاقِ، وَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْخُلْعِ، وَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُهَا بِيَدِي وَيَدِك لَا يَنْفَرِدُ الْمُخَاطَبُ، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت فَطَلَّقَهَا الْمُخَاطَبُ لَا يَقَعُ لِاسْتِعْمَالِهِ لِلِاسْتِثْنَاءِ، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا بِمَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت مِنْ الْمَالِ فَطَلَّقَهَا الْمُخَاطَبُ جَازَ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ هُنَا تَنْصَرِفُ إلَى الْبَدَلِ لَا إلَى التَّفْوِيضِ اهـ.

فَإِنْ قُلْت إذَا جُمِعَ لِأَجْنَبِيٍّ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، وَالْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ فَمَا الْمُعْتَبَرُ مِنْهُمَا قُلْت قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِك فَطَلِّقْهَا فَقَالَ لَهَا الْمَأْمُورُ أَنْت طَالِقٌ أَوْ قَالَ طَلَّقْتُك يَقَعُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً إلَّا إذَا نَوَى الزَّوْجُ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَكَذَا لَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا فَأَمْرُهَا بِيَدِك بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَمْرُهَا بِيَدِك فِي تَطْلِيقَةٍ أَوْ بِتَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَهَا الْمَأْمُورُ فِي الْمَجْلِسِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا، وَقَدْ جَعَلْت أَمْرَ ذَلِكَ إلَيْك فَهُوَ تَفْوِيضٌ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا، وَقَدْ جَعَلْت إلَيْك طَلَاقَهَا فَطَلَّقَهَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا فَأَبِنْهَا أَوْ أَبِنْهَا فَطَلِّقْهَا فَهُوَ تَوْكِيلٌ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلِلزَّوْجِ الرُّجُوعُ وَيَقَعُ بَائِنَةً وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوقِعَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا، وَقَدْ جَعَلْت أَمْرَهَا بِيَدِك أَوْ جَعَلْت أَمْرَهَا بِيَدِك وَطَلِّقْهَا كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ فَأَمَّا حَرْفُ الْفَاءِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يَكُونُ لِبَيَانِ السَّبَبِ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا وَاحِدَةً وَإِذَا ذَكَرَ بِحَرْفِ الْوَاوِ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ فِي الْمَجْلِسِ تَبَيَّنَ بِتَطْلِيقَتَيْنِ لِأَنَّ الْوَاقِعَ بِحُكْمِ الْأَمْرِ يَكُونُ بَائِنًا فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا بَائِنًا كَانَ الْآخَرُ بَائِنًا فَإِنْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ بَعْدَ الْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ تَقَعُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّ التَّفْوِيضَ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَبَقِيَ التَّوْكِيلُ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَمْرُهَا بِيَدِك وَطَلِّقْهَا.

وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا وَأَبِنْهَا أَوْ قَالَ: أَبِنْهَا وَطَلِّقْهَا وَطَلَّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ غَيْرُهُ يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْإِبَانَةِ، وَالطَّلَاقِ، وَالتَّوْكِيلُ لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ فَيَقَعُ طَلَاقَانِ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا جُمِعَ لِلْأَجْنَبِيِّ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، وَالْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ بِالْفَاءِ فَهُوَ وَاحِدٌ وَلَا اعْتِبَارَ لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَلَا يَمْلِكُ عَزَاءً وَتَقَعُ بَائِنَةً، وَإِنْ كَانَ بِالْوَاوِ فَهُمَا تَفْوِيضَانِ فَالْأَمْرُ بِالْيَدِ تَمْلِيكٌ يُعْطَى أَحْكَامُهُ، وَالْأَمْرُ بِالتَّطْلِيقِ تَوْكِيلٌ فَيَأْخُذُ أَحْكَامَهُ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِالْإِبَانَةِ، وَالتَّطْلِيقِ بِالْفَاءِ فَهُوَ تَوْكِيلٌ بِوَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْوَاوُ فَهُوَ تَوْكِيلٌ بِالْإِبَانَةِ، وَالتَّطْلِيقِ فَيَقَعُ طَلَاقًا، وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْجَعْلِ إلَيْهِ وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ فَإِنْ قَدَّمَ الْجَعْلَ فَهُوَ تَمْلِيكٌ، وَإِنْ أَخَّرَهُ فَهُوَ تَوْكِيلٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَاءِ، وَالْوَاوِ وَإِلَى هُنَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّمْلِيكِ، وَالتَّوْكِيلِ فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ فَالتَّمْلِيكُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَلَا الْعَزْلُ وَلَا يَبْطُلُ بِجُنُونِ الزَّوْجِ وَانْعَكَسَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ فِي التَّوْكِيلِ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهَا طَلِّقْهَا لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا إذَا أَمَرَ زَوْجَتَهُ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَسَيَأْتِي عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَقَدْ بِعْت طَلَاقَهَا مِنْك بِدِرْهَمٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَتْ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ حِينَ عَلِمَتْ بِنِكَاحِ غَيْرِهَا قَبِلْت أَوْ قَالَتْ طَلَّقْتهَا أَوْ قَالَتْ: اشْتَرَيْت طَلَاقَهَا طَلُقَتْ الَّتِي تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ قَالَتْ الَّتِي عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى قَبِلْت لَا يَصِحُّ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 357

قَبُولُهَا لِأَنَّ ذَلِكَ قَبُولٌ قَبْلَ الْإِيجَابِ اهـ.

وَأَطْلَقَ الرَّجُلُ فَشَمِلَ مَا إذَا فَوَّضَهُ لِصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونٍ فَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ صَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونٍ فَذَلِكَ إلَيْهِ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ فِي ضِمْنِهِ تَعْلِيقٌ فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَصَحَّحْنَاهُ بِاعْتِبَارِ التَّعْلِيقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ قَالَ لَك الْمَجْنُونُ أَنْت طَالِقٌ فَأَنْت طَالِقٌ وَبِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ اهـ.

لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: رَجُلٌ فَوَّضَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ إلَى صَبِيٍّ قَالَ فِي الْأَصْلِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُعَبِّرُ يَجُوزُ اهـ.

وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ لَا يَجُوزُ وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي الْمُحِيطِ وَمَا فِيهَا لِأَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ لِيَصِحَّ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ الْعَقْلُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ جُنَّ الْمَجْعُولُ إلَيْهِ بَعْدَ التَّفْوِيضِ فَطَلَّقَ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ اهـ.

فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ التَّفْوِيضِ إلَى الْمَجْنُونِ ابْتِدَاءً وَبَيْنَ طَرَيَان الْجُنُونِ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَهُ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَجُنَّ الْوَكِيلُ جُنُونًا يَعْقِلُ فِيهِ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ ثُمَّ بَاعَ الْوَكِيلُ لَا يَنْعَقِدُ بَيْعُهُ، وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا مَجْنُونًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَ الْوَكِيلُ نَفَذَ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَجْنُونًا وَقْتَ التَّوْكِيلِ كَانَ التَّوْكِيلُ بِبَيْعٍ تَكُونُ الْعُهْدَةُ فِيهِ عَلَى الْوَكِيلِ وَبَعْدَ مَا جُنَّ الْوَكِيلُ لَوْ نَفَذَ بَيْعُهُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ فِيهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يَنْفُذُ أَمَّا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مَجْنُونًا وَقْتَ التَّوْكِيلِ فَإِنَّمَا وُكِّلَ بِبَيْعٍ تَكُونُ الْعُهْدَةُ فِيهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِذَا أَتَى بِذَلِكَ نَفَذَ بَيْعُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ اهـ.

وَفِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ لَا عُهْدَةَ أَصْلًا وَلَكِنَّ الزَّوْجَ حِينَ التَّفْوِيضِ لَمْ يُعَلِّقْ إلَّا عَلَى كَلَامِ عَاقِلٍ فَإِذَا طَلَّقَ وَهُوَ مَجْنُونٌ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَوَّضَ إلَى مَجْنُونٍ ابْتِدَاءً وَبَيْنَ التَّفْوِيضِ إلَى مَجْنُونٍ وَتَوْكِيلِهِ بِالْبَيْعِ فَرْقٌ فَإِنَّهُ فِي التَّفْوِيضِ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ أَصْلًا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَفِي التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَكَأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَعْتُوهِ وَمِنْ فَرْعَيْ التَّفْوِيضِ، وَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ ظَهَرَ أَنَّهُ تُسُومِحَ فِي الِابْتِدَاءِ مَا لَمْ يُتَسَامَحْ فِي الْبَقَاءِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي الْبَقَاءِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ، وَالْخَانِيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ لَا فِيمَا إذَا وَكَّلَهُمَا وَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ مُطْلَقًا مِنْ عَقْلِ الْوَكِيلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْعَقْلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ مِمَّا خَالَفَ فِيهَا التَّمْلِيكُ التَّوْكِيلَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ جَوَابَ الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ الْمُعَلَّقِ بِالْمَشِيئَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ شِئْت فَقَالَ شِئْت لَا يَقَعْ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَمَرَهُ بِتَطْلِيقِهَا إنْ شَاءَ وَلَمْ يُوجَدْ التَّطْلِيقُ بِقَوْلِهِ شِئْت فَلَوْ قَالَ هِيَ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَ شِئْت وَقَعَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ مَشِيئَتُهُ، وَلَوْ قَالَ طَلِّقْهَا فَقَالَ فَعَلْت وَقَعَ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَعَلْت كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِهِ طَلَّقْت، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَمَاتَ فُلَانٌ لَا يَقَعُ لِتَعَذُّرِ وُجُودِ الشَّرْطِ اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ رَجُلَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ قَالَ لَهُمَا طَلِّقَا امْرَأَتِي ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً، وَالْآخَرُ ثِنْتَيْنِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا اهـ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ التَّفْوِيضَ إلَيْهَا مَعَ رَجُلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالْأُولَى وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ الْفَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ قُلْ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك حَيْثُ لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا إلَّا إذَا قَالَ لَهَا وَقَوْلُهُ: قُلْ لَهَا إنَّ أَمْرَك بِيَدِك حَيْثُ يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا مِنْ غَيْرِ قَوْلِ الرَّسُولِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا أَمَرَنَا أَنْ نُبَلِّغَ امْرَأَتَهُ أَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا فَبَلَّغْنَاهَا، وَقَدْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بَعْدَهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا قَالَ لَنَا فُوِّضَا إلَيْهَا فَفَعَلْنَا لَمْ يَجُزْ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا أَمَرَنَا أَنْ نُبَلِّغَ فُلَانًا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ قِنِّهِ فَأَعْلَمْنَاهُ ثُمَّ بَاعَهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا اهـ.

وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ إلَّا إذَا زَادَ إنْ شِئْت أَوْ شَاءَتْ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْعَقْلِ) تَأَمَّلْهُ مَعَ مَا يَأْتِي أَوَاخِرَ هَذِهِ السِّوَادَةِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ التَّوْكِيلُ بِالطَّلَاقِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِلَفْظِ الْوَكِيلِ وَلِذَا يَقَعُ مِنْهُ حَالَ سُكْرِهِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي اشْتِرَاطَ الْعَقْلِ لِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ ابْتِدَاءً.

ص: 358

يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ إذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَنْت وَكِيلِي فِي طَلَاقِ امْرَأَتِي إنْ شَاءَتْ أَوْ هَوِيَتْ أَوْ أَرَادَتْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا حَتَّى تَشَاءَ الْمَرْأَةُ فِي مَجْلِسِهَا لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّوْكِيلَ بِمَشِيئَتِهَا فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَجْلِسِ الْعِلْمِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهَا فَإِذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ يَكُونُ وَكِيلًا فَإِنْ قَامَ الْوَكِيلُ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ مَشِيئَتِهَا أَنْتَ وَكِيلِي فِي طَلَاقِهَا فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ.

قَالُوا: وَالصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَكَالَةِ بِالطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى مَا فَوَّضَ إلَيْهَا مِنْ الْمَشِيئَةِ وَمَشِيئَتُهَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَشِيئَتِهَا فِي مَجْلِسِهَا وَتَطْلِيقُهُ فِي مَجْلِسِهِ وَهَذَا مِمَّا يُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ وَكَالَةٌ تَقَيَّدَتْ بِمَجْلِسِ الْوَكِيلِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَهُنَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا فَكَانَ تَوْكِيلًا فَيَمْلِكُ عَزْلَهُ، وَفِي الْقُنْيَةِ كَتَبَ إلَى أَخِيهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنْ وَصَلَ إلَيْك كِتَابِي فَطَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ سَأَلَتْ ذَلِكَ فَوَصَلَ وَعَرَضَ عَلَيْهَا فَلَمْ تَسْأَلْ الطَّلَاقَ إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ خَمْسَةٍ ثُمَّ سَأَلَتْهُ فَطَلَّقَهَا لَا يَقَعُ قَالَ لَهُ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ شَاءَتْ لَا يَصِيرُ وَكِيلًا مَا لَمْ تَشَأْ وَلَهَا الْمَشِيئَةُ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهَا فَإِذَا شَاءَتْ صَارَ وَكِيلًا فَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ يَقَعُ، وَلَوْ قَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ بَطَلَ التَّوْكِيلُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ هَذَا فَإِنَّ الْبَلْوَى فِيهِ تَعُمُّ فَإِنَّ عَامَّةَ كُتُبِ الطَّلَاقِ عَلَى هَذِهِ الْمَثَابَةِ، وَالْوُكَلَاءُ يُؤَخِّرُونَ الْإِيقَاعَ عَنْ مَشِيئَتِهَا وَلَا يَدْرُونَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ اهـ.

وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ طَلَّقَهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أُرِيدُ أَنْ أُطَلِّقَ امْرَأَتَك ثَلَاثًا فَقَالَ الزَّوْجُ نَعَمْ فَقَالَ الرَّجُلُ طَلَّقْت امْرَأَتَك ثَلَاثًا فَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ نَعَمْ بَعْدَ قَوْلِهَا لَهُ أُرِيدُ أَنْ أُطَلِّقَ نَفْسِي ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا إذَا نَوَى الزَّوْجُ التَّفْوِيضَ إلَيْهَا، وَإِنْ عَنَى بِذَلِكَ طَلِّقِي نَفْسَك إنْ اسْتَطَعْت أَوْ طَلِّقْهَا إنْ اسْتَطَعْت لَا تَطْلُقُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ لَا أَنْهَاك عَنْ طَلَاقِ امْرَأَتِي لَا يَكُونُ تَوْكِيلًا، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ لَا أَنْهَاك عَنْ التِّجَارَةِ يَكُونُ إذْنًا فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلْعَبْدِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ دُونَ مَا لَوْ رَآهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَلَمْ يَنْهَهُ وَثَمَّةَ يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ فَهَهُنَا أَوْلَى، وَلَوْ رَأَى إنْسَانًا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَنْهَهُ لَا يَصِيرُ الْمُطَلِّقُ وَكِيلًا وَلَا يَقَعُ كَذَلِكَ هُنَا، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ وَكَّلْتُك فِي جَمِيعِ أُمُورِي فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ امْرَأَتَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَفِي فَتَاوَى الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لَوْ قَالَ وَكَّلْتُك فِي جَمِيعِ أُمُورِي وَأَقَمْتُك مَقَامَ نَفْسِي لَمْ تَكُنْ الْوَكَالَةُ عَامَّةً، وَإِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّجُلِ مُخْتَلِفًا لَيْسَ لَهُ صِنَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ تَاجِرًا يَنْصَرِفُ التَّوْكِيلُ إلَى التِّجَارَةِ.

قَالَ رحمه الله: وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك فِي جَمِيعِ أُمُورِي الَّتِي يَجُوزُ بِهَا التَّوْكِيلُ كَانَتْ الْوَكَالَةُ عَامَّةً فِي جَمِيعِ الْبِيَاعَاتِ، وَالْأَنْكِحَةِ وَكُلِّ شَيْءٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ هُوَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ جَائِزٍ صَنَعَهُ كَانَ وَكِيلًا فِي الْبِيَاعَاتِ، وَالْهِبَاتِ، وَالْإِجَارَاتِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْمُعَاوَضَاتِ دُونَ الْهِبَاتِ، وَالْعَتَاقِ وَقَالَ مَوْلَانَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَإِنْ كَانَ فِي حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ يَكُونُ وَكِيلًا بِالطَّلَاقِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَطْلَقَ فِي فِعْلِ الْوَكِيلِ فَشَمِلَ إذَا سَكِرَ فَطَلَّقَ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِيهَا مِنْ فَصْلِ التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ مِنْهُ مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ لَا بَأْسَ بِذِكْرِهَا تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ مِنْهَا الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ أَوْ غَيْرِهِمَا إذَا قَبِلَ التَّوْكِيلَ وَغَابَ الْمُوَكِّلُ فَإِنَّ الْوَكِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى فِعْلِ مَا وُكِّلَ فِيهِ إلَّا فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ ادْفَعْ هَذِهِ الْعَيْنَ إلَى فُلَانٍ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُعَيَّنَ جَازَ أَنْ يَكُونَ أَمَانَةً عِنْدَ الْآمِرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْأَمَانَةِ وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْآمِرِ وَلَيْسَ عَلَى الْآمِرِ إيقَاعُ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَكِيلِ وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِطَلَبِهَا عِنْدَ السَّفَرِ وَسَافَرَ ثُمَّ عَزَلَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرِ الْمَرْأَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 359

يَمْلِكُ عَزْلَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِطَلَبِهَا وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ قَالَ كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْت وَكِيلِي قِيلَ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ لِأَنَّ فِيهِ تَغْيِيرَ حُكْمِ الشَّرْعِ.

، وَالصَّحِيحُ صِحَّتُهُ ثُمَّ قِيلَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ، وَفِي طَرِيقِ عَزْلِهِ أَقْوَالٌ قَالَ السَّرَخْسِيُّ يَقُولُ عَزَلْتُك عَنْ جَمِيعِ الْوَكَالَاتِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمُعَلَّقِ، وَالْمُنَجَّزِ وَقِيلَ يَقُولُ عَزَلْتُك كُلَّمَا وَكَّلْتُك وَقِيلَ يَقُولُ رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَاتِ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُك عَنْ الْوَكَالَاتِ الْمُطْلَقَةِ وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتَيْهِ فَطَلَّقَ إحْدَاهُمَا طَلُقَتْ وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ لِيُطَلِّقَهَا لِلسَّنَةِ فَطَلَّقَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِ السَّنَةِ لَا يَقَعُ لَا لِلْحَالِ وَلَا إذَا جَاءَ وَقْتُ السَّنَةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ السَّنَةِ يَقَعُ وَمِنْهَا لَوْ طَلَّقَهَا الْمُوَكِّلُ، وَلَوْ بَائِنًا فَطَلَاقُ الْوَكِيلِ وَاقِعٌ مَا دَامَتْ الْعِدَّةُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِإِبَانَةِ الْمُوَكِّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقُ الْوَكِيلِ بِمَالٍ فَلَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا الْوَكِيلُ حَتَّى تَزَوَّجَهَا الْمُوَكِّلُ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ طَلَاقُ الْوَكِيلِ، وَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ بَعْدَ رِدَّةِ أَحَدِهِمَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ إلَّا إذَا قَضَى بِلَحَاقِهِ فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ وَارْتِدَادُ الْوَكِيلِ لَا يُبْطِلُهَا إلَّا بِالْقَضَاءِ بِلِحَاقَةِ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ لَهُ إذَا تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَطَلِّقْهَا صَحَّ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ فَطَلَّقَ قَبْلَ الْعِلْمِ لَمْ يَقَعْ وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ فَرَدَّ ثُمَّ طَلَّقَ لَمْ يَقَعْ.

وَلَوْ سَكَتَ بِلَا قَبُولٍ ثُمَّ طَلَّقَ وَقَعَ وَمِنْهَا لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْوَكَالَةِ صَحَّتْ وَبَطَلَ الشَّرْطُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَكَالَةٍ وَوَكَالَةٍ وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَلَهُ أَرْبَعٌ فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ وَاحِدَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا أَوْ قَالَ طَلَّقْت امْرَأَتَك فَالْبَيَانُ إلَى الزَّوْجِ، وَلَوْ طَلَّقَ الْوَكِيلُ مُعَيَّنَةً جَازَ وَلَا يُقْبَلُ مِنْ الزَّوْجِ أَنَّهُ مَا أَرَادَهَا كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ فَبَاعَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ لَهُ طَلَّقَهَا غَدًا فَقَالَ الْوَكِيلُ أَنْت طَالِقٌ غَدًا كَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَ طَلِّقْهَا فَقَالَ الْوَكِيلُ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَتْ لَمْ يَقَعْ، وَإِنْ قَالَ طَلِّقْهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ فَقَالَ الْوَكِيلُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَقَعُ لِلْحَالِ وَاحِدَةً وَيُبْطِلُ الْبَاقِي وَقِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِيقَاعِ الْوَاحِدَةِ فِي كُلِّ طُهْرٍ وَعِنْدَهُ الْمَأْمُورُ بِالْوَاحِدَةِ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ هُنَا وَاحِدَةً بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُعْتَبَرُ الْمُوَافَقَةُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ طَلِّقْ امْرَأَتِي ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا أَلْفًا لَا يَصِحُّ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: طَلِّقْ امْرَأَتِي نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ تَطْلِيقَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَهُنَا وُجِدَتْ الْمُوَافَقَةُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَيَقَعُ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ طَلِّقْهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ بِأَلْفٍ فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ فِي وَقْتِ السُّنَّةِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ يَقَعُ وَاحِدَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ فَإِنْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي تَطْلِيقَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ فَقَبِلَتْ يَقَعُ أُخْرَى بِغَيْرِ شَيْءٍ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ فِي الطُّهْرِ الثَّالِثِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ أَوَّلًا تَطْلِيقَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ تَطْلِيقَةً ثَانِيَةً بِثُلُثِ الْأَلْفِ تَقَعُ الثَّانِيَةُ بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَكَذَا الثَّالِثَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.

وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ الْمُبَانَةِ بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ بِأَلْفٍ فِي الْعِدَّةِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَهَا الْمُوَكِّلُ طَلُقَتْ بِالْأَلْفِ وَإِلَّا طَلُقَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي طَلَاقِهَا بِالْأَلْفِ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ بِأَلْفٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَمِنْهَا الْوَكِيلُ بِالْإِعْتَاقِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَمْسِ وَكَذَّبَهُ الْمُوَكِّلُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْإِعْتَاقِ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ الْوَكَالَةِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ وَمِنْهَا لَوْ وَكَّلَ الْوَكِيلَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ غَيْرَهُ فَطَلَّقَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْبَتِهِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ فَفِي الْخُلْعِ، وَالنِّكَاحِ إذَا فَعَلَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ أَوْ أَجَازَ الْوَكِيلُ فِعْلَ الْأَجْنَبِيِّ جَازَ اهـ.

وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالطَّلَاقِ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى اعْتَبَرُوا فِيهِ الْمُوَافَقَةَ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى كَمَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا وَلَمْ يُجَوِّزُوا إجَازَةَ الْوَكِيلِ وَلَا فِعْلَ وَكِيلِهِ بِحَضْرَتِهِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِقَوْلِهِ فَلَا يَقَعُ بِقَوْلِ غَيْرِهِ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 360

وَلَمْ يَعْتَبِرُوا مَعْنَى التَّعْلِيقِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا الرُّجُوعَ عَنْهُ وَلِذَا قَالَ فِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ كُلَّمَا أَخْرَجْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ فَأَنْت وَكِيلِي فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ مَا خَلَا الطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يَتَعَلَّقَانِ بِالشَّرْطِ، وَالْإِخْطَارُ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ وَلَا رُجُوعَ عَنْ الْيَمِينِ اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَمْلِكُ عَزْلَهُ بِحَضْرَتِهِ إلَّا فِي الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالتَّوْكِيلِ بِسُؤَالِ الْخَصْمِ اهـ.

فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا.

وَحَاصِلُ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ أَنَّ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَ وَكِيلَ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: كُلَّمَا أَخْرَجْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ فَأَنْتَ وَكِيلِي فَإِنَّهُ يَصِيرُ لَازِمًا لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ التَّوْكِيلُ بِالطَّلَاقِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِلَفْظِ الْوَكِيلِ وَلِذَا يَقَعُ مِنْهُ حَالَ سُكْرِهِ وَمِنْهَا التَّوْكِيلُ بِالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ جَائِزٌ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَةِ الْغَيْرِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَجَازَ الزَّوْجُ جَازَ الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ إذَا خَالَعَ عَلَى مَالٍ إنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً فَخِلَافٌ إلَى شَرٍّ، وَإِنْ غَيْرَ مَدْخُولٍ فَإِلَى خَيْرٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَ الصَّفَّارُ وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ: لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ خِلَافٌ فِيهِمَا إلَى شَرٍّ اهـ.

وَلَعَلَّ الشَّرَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ ارْتِكَابُ الْحُرْمَةِ بِأَخْذِ الْمَالِ إنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْهُ وَإِلَّا فَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ بَائِنٌ وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ فَأَخْذُ الْمَالِ خَيْرٌ لِلْمُوَكِّلِ كَمَا لَا يَخْفَى إلَّا أَنْ يُقَالَ الشَّرُّ فِيهِ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالتَّنْجِيزِ، وَقَدْ أَتَى بِالتَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِقَبُولِهَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْوَكَالَةِ: وَكَّلَهُ أَنْ يَخْلَعَ امْرَأَتَهُ فَخَلَعَهَا عَلَى دِرْهَمٍ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمَا إلَّا فِيمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَلَوْ وَكَّلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَنْ تَخْلَعَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ أَوْ عِوَضٍ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ بِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةً) لِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ كَانَ لَهَا أَنْ تُوقِعَ مِنْهَا مَا شَاءَتْ كَالزَّوْجِ نَفْسِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاحِدَةِ، وَالثِّنْتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ فَطَلَّقَتْ أَقَلَّ وَقَعَ مَا أَوْقَعَتْهُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَقَعُ بِالْأُولَى وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً أَوْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي تَطْلِيقَتَيْنِ فَاخْتَارَتْ وَاحِدَةً تَقَعُ وَاحِدَةً كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ التَّمْلِيكِ، وَالتَّوْكِيلِ فَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً بِكُلِّ الْأَلْفِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ طَلِّقِي لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً بِأَلْفٍ حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ إيجَابِهِ وَقَبُولِهَا لَفْظًا وَمَعْنًى، وَفِي الْوَكَالَةِ الْمُخَالَفَةُ إلَى خَيْرٍ لَا تَضُرُّ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: لَا فِي عَكْسِهِ) أَيْ لَا يَقَعُ فِيمَا إذَا أَمَرَهَا بِالْوَاحِدَةِ فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا مَلَكَتْهُ وَزِيَادَةٍ وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ لِلْإِمَامِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّهَا مَلَكَتْ الْوَاحِدَةَ وَهِيَ شَيْءٌ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ بِخِلَافِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي فِي ضِمْنِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهَا بِقَيْدِ ضِدٍّ وَقَيَّدَ الْأَمْرَ بِتَطْلِيقِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْعَدَدِ لَفْظًا، وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لِلْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ كَلَامٌ فَقَالَتْ اللَّهُمَّ نَجِّنِي مِنْك فَقَالَ الزَّوْجُ: تُرِيدِينَ النَّجَاةَ مِنِّي فَأَمْرُك بِيَدِك وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَلَمْ يَنْوِ الْعَدَدَ فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا فَقَالَ الزَّوْجُ نَجَوْت لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ كَانَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَنْوِ الْعَدَدَ فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَقَعُ وَاحِدَةً فِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ.

وَلَا يُقَالُ قَوْلُ الزَّوْجِ بَعْدَ قَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا نَجَوْت لِمَ لَا يَكُونُ إجَازَةً لِأَنَّا نَقُولُ قَوْلُ الزَّوْجِ نَجَوْت يَحْتَمِلُ الِاسْتِهْزَاءَ فَلَا يُجْعَلُ إجَازَةً بِالشَّكِّ اهـ.

وَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافِيَّةِ أَنْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَلْ طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَنَوَى ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ ثِنْتَيْنِ تَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ أَيْضًا إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَكَانَ لَهَا أَنْ تُوقِعَ مِنْهَا مَا شَاءَتْ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ فِيهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَوْقَعَتْ الثَّلَاثَ بِلَفْظٍ وَاحِدَةٍ وَبَيْنَ مَا إذَا أَوْقَعَتْهَا مُتَفَرِّقَةً فَإِنَّا عِنْدَ التَّفْرِيقِ قَدْ حَكَمْنَا بِوُقُوعِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ الثَّالِثَةِ فَلَوْ اقْتَصَرْنَا عَلَى الثَّانِيَةِ تَقَعُ الثِّنْتَانِ فَقَطْ فَلَوْ لَمْ تَمْلِكْ الثِّنْتَيْنِ لَمَا جَازَ التَّفْوِيضُ تَأَمَّلْ.

ص: 361

لِلْعَدَدِ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ ثَلَاثًا إنْ نَوَى الزَّوْجُ الثَّلَاثَ وَقَعَ الثَّلَاثُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَقَعُ وَاحِدَةً اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مُشْكِلٌ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ فَإِنَّهُ نُقِلَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَهُ فِي الْمِعْرَاجِ، وَالْعِنَايَةِ فَإِذَا قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا مِنْ الْعَدَدِ فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا كَيْفَ لَا تَقَعُ الْوَاحِدَةُ عِنْدَهُ بَلْ الْوُقُوعُ بِالْأَوْلَى فَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةً اتِّفَاقًا لِامْتِثَالِهَا بِالْأَوَّلِ وَيَلْغُو مَا بَعْدَهُ وَأَوْرَدَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلِّقِي وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِي فَطَلَّقَتْهُنَّ جَمِيعًا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ اعْتِبَارًا بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ الثَّلَاثَ اسْمٌ لِعَدَدٍ خَاصٍّ لَا يَقَعُ عَلَى مَا دُونَهُ وَلَا عَلَى مَا عَدَاهُ وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْعُمُومِ، وَالْوَاحِدُ خَاصٌّ وَإِرَادَةُ الْخُصُوصِ مِنْ الْخُصُوصِ مُمْتَنِعَةٌ وَاسْمُ النِّسَاءِ عَامٌّ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى مِقْدَارٍ بِعَيْنِهِ، وَالْعَامُّ مَا يَنْتَظِمُ جَمِيعًا مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَلَا تَحْدِيدٍ وَإِرَادَةُ الْخُصُوصِ مِنْ الْعُمُومِ سَائِغَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ النِّسَاءَ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَاحِدَةً يَحْنَثُ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي وَكَالَةِ الْمَبْسُوطِ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ وَكَّلَ أَجْنَبِيًّا أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا إنْ نَوَى الزَّوْجُ وَقَعَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَا يَقَعُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ.

وَلَعَلَّهُ إنْ أَجَازَ الزَّوْجُ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ بِتَطْلِيقِ الثَّلَاثِ فَتَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي الْمَرْأَةِ أَيْضًا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلَا مَحَلَّ لَهَا لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ بِلَفْظِ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ طَلِّقْهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ فَقَالَ الْوَكِيلُ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَقَعُ وَاحِدَةً لِلْحَالِ وَيَبْطُلُ الْبَاقِي بِلَا خِلَافٍ عَلَى الصَّحِيحِ لِوُجُودِ الْمُوَافَقَةِ فِي اللَّفْظِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي أَمْرِ الْأَجْنَبِيِّ بِطَلَاقِهَا قَرِيبًا فَارْجِعْ إلَيْهِ وَقِيَاسُهُ فِي أَمْرِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ فَقَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ بِأَلْفٍ وَهِيَ مَحَلٌّ يَقَعُ وَاحِدَةً بِثُلُثِهَا وَكَذَا فِي الطُّهْرِ الثَّانِي إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ، وَإِنْ تَجَدَّدَ مِلْكُهُ لِرِضَاهُ وَإِلَّا وَقَعَتْ بِغَيْرِ شَيْءٍ بِشَرْطِ الْعِدَّةِ وَكَذَا الثَّالِثُ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ بِأَلْفٍ فَطَلَّقْت ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ بِهَا فَعَلَى مَا مَرَّ لَا يَقَعُ فِي الْبَاقِي إلَّا بِإِيقَاعٍ جَدِيدٍ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ إضَافَتَهُ بِخِلَافِ جِنَايَةٍ وَقِيلَ عِنْدَهُ لَا يَقَعُ أَصْلُهُ طَلِّقِي وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا، وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَطَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَعَكْسُهُ لَا) أَيْ لَا يَقَعُ فِيهِمَا، وَالْمُرَاد بِالْعَكْسِ أَنْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَلَا خِلَافَ فِي الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّ تَفْوِيضَ الثَّلَاثِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ هُوَ مَشِيئَتُهَا إيَّاهَا لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لِأَنَّهَا لَمْ تَشَأْ إلَّا وَاحِدَةً بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِالْمَشِيئَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ قَالَتْ شِئْت وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً مُنْفَصِلًا بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ بِالسُّكُوتِ لِأَنَّ السُّكُوتَ فَاصِلٌ فَلَمْ يُوجَدْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ وَخَرَجَ عَنْ هَذِهِ الصُّوَرِ إذَا كَانَ بَعْضُهَا مُتَّصِلًا بِالْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ قَدْ وُجِدَتْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكُلِّ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولَةِ وَغَيْرِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَعَدَمُ الْوُقُوعِ فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةً لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْمَشِيئَةَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ طَلِّقِي نَفْسَك عَشْرًا إنْ شِئْت فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا لَا يَقَعُ اهـ.

وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَكْفِي الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعْنَى بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْمُوَافَقَةِ فِي اللَّفْظِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي الْمَعْنَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَهُ: لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَقَالَتْ شِئْت نِصْفَ وَاحِدَةٍ لَا تَطْلُقُ اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلَعَلَّهُ إنْ أَجَازَ الزَّوْجُ يَقَعُ وَإِلَّا فَلَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ: كَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ سَوْقِ الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ وَمَسْأَلَةُ الْفُضُولِيِّ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا هَذَا لَا يَصِحُّ بَلْ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَعَتْ سَهْوًا مِنْ الْكَاتِبِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي غَالِبِ الْكُتُبِ وَهِيَ الْمُتَقَدِّمَةُ قَرِيبًا عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ تَأَمَّلْ.

ص: 362

أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمُعَلَّقِ بِالْمَشِيئَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالتَّطْلِيقِ أَوْ نَفْسَ الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شِئْت أَوْ وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَخَالَفَتْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شِئْت أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إنْ شِئْت فَقَالَتْ قَدْ شِئْت وَاحِدَةً وَقَدْ شِئْت ثِنْتَيْنِ إذَا وَصَلَتْ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا اهـ.

وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا فَصَلَتْ لَا يَقَعُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت وَشِئْت وَشِئْت فَقَالَتْ شِئْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَتَّى تَقُولَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ شِئْت اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَيْضًا أَنْت طَالِقٌ أَنْت طَالِقٌ أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَقَالَ زَيْدٌ شِئْت تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ شِئْت أَرْبَعًا فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَقَعُ الثَّلَاثُ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ طَلَّقْت إلَى أَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ تَطْلِيقُهَا نَفْسَهَا فَلَوْ أَجَابَتْ بِقَوْلِهَا شِئْت أَنْ أُطَلِّقَ نَفْسِي كَانَ بَاطِلًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ أَوْ الرَّجْعِيِّ فَعَكَسَتْ وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ) أَيْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك طَلْقَةً بَائِنَةً فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي طَلْقَةً رَجْعِيَّةً أَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك طَلْقَةً رَجْعِيَّةً فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي طَلْقَةً بَائِنَةً وَقَعَ فِي الْأُولَى الْبَائِنُ، وَفِي الثَّانِيَةِ الرَّجْعِيُّ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْأَصْلِ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ، وَالضَّابِطُ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ إنْ كَانَتْ فِي الْوَصْفِ لَا يَبْطُلُ الْجَوَابُ بَلْ يَبْطُلُ الْوَصْفُ الَّذِي بِهِ الْمُخَالَفَةُ وَيَقَعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَوَّضَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ يَبْطُلُ أَصْلًا كَمَا إذَا فَوَّضَ وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَوْ فَوَّضَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا أَطْلَقَ فِي قَوْلٍ فَعَكَسَتْ فَشَمِلَ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا أَمَرَهَا بِالرَّجْعِيِّ مَا إذَا قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي وَمَا إذَا قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي بَائِنَةً، وَالثَّانِي ظَاهِرٌ بِإِلْغَاءِ الْوَصْفِ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الثَّانِي وَقَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْمَشِيئَةِ، وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَاضِي خَانْ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ فَقَالَ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ: طَلِّقْ امْرَأَتِي رَجْعِيَّةً فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ طَلَّقْتُك بَائِنَةً يَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ أَبَنْتُهَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ لِلْوَكِيلِ: طَلِّقْهَا بَائِنَةً فَقَالَ لَهَا الْوَكِيلُ أَنْت طَالِقٌ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً اهـ.

فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أَبَنْتُهَا وَبَيْنَ الْمَأْمُورَةِ بِالرَّجْعِيِّ إذَا قَالَتْ أَبَنْتُ نَفْسِي وَلَعَلَّ الْفَرْقَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالطَّلَاقِ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى نِيَّةٍ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِطَلَاقٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ فَكَانَ مُخَالِفًا فِي الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ بِكُلِّ لَفْظٍ يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِهِ صَرِيحًا كَانَ أَوْ كِنَايَةً وَهَذَا الْفَرْقُ صِحَّتُهُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وُجُودِ النَّقْلِ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِالْكِنَايَةِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْوَكَالَةِ: قَالَ لِغَيْرِهِ طَلِّقْ امْرَأَتِي بَائِنًا لِلسُّنَّةِ وَقَالَ لِآخَرَ طَلِّقْهَا رَجْعِيًّا لِلسُّنَّةِ فَطَلَّقَاهَا فِي طُهْرٍ وَاحِدَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَلِلزَّوْجِ الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الْوَاقِعِ اهـ.

مَعَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالطَّلَاقِ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ بَعْدَ طَلَاقِ الْمُوَكِّلِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَلَكِنَّ الْمَانِعَ مِنْ وُقُوعِ طَلَاقَيْهِمَا التَّقْيِيدُ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّ السُّنَّةَ وَاحِدَةً وَقَيَّدْنَا فِي التَّصْوِيرِ الْأَمْرَ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ بِمَشِيئَتِهَا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ التَّعَالِيقِ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَائِنَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً أَمْلِك الرَّجْعَةَ إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً تَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا مَا أَتَتْ بِمَشِيئَةِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا اهـ.

إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِمَّا قَبْلَهُ وَقَدَّمْنَا فِي مَسَائِلِ التَّوْكِيلِ قَبْلَهُ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْمُنَجَّزِ فَعَلَّقَ أَوْ أَضَافَ لَا يَقَعُ وَكَذَا لَوْ قَالَ طَلِّقْهَا غَدًا فَقَالَ: أَنْت طَالِقٌ غَدًا لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالتَّنْجِيزِ فِي غَدٍ وَقَدْ أَضَافَهُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ طَلِّقْهَا بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْ أَبِيهَا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَ كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَغَيْرِهَا كَقَوْلِهِ بِعْهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِ الْوَكِيلِ. . . إلَخْ) ذُكِرَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الشَّلَبِيِّ مَا يُفِيدُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا وَنَصُّهُ قَوْلُهُ: فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدًا بَائِنًا قَيَّدَ بِهِ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ الشَّلَبِيُّ مَحَلُّهُ مَا إذَا قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي بَائِنَةً أَمَّا إذَا قَالَتْ أَبَنْت نَفْسِي لَا يَقَعُ شَيْءٌ فَاغْتَنِمْ هَذَا الْقَيْدَ فَإِنَّك لَا تَجِدُهُ فِي شَرْحٍ مِنْ الشُّرُوحِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا وَهَبَ اهـ. كَلَامُهُ. اهـ. مَا فِي الشرنبلالية، وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ مَا يُفِيدُ أَنَّ الشَّلَبِيَّ أَخَذَ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ مِنْ تَقْيِيدِ الْخَانِيَّةِ الْوَكِيلُ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا سَبَقَ فِي الْمَتْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَبِأَبَنْتُ نَفْسِي طَلَّقْت لَا بِاخْتَرْتُ يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَذَكَرَ الشَّارِحُ عَقِبَهُ أَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ فَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مُخَرَّجًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ اهـ.

قُلْت إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مُخَرَّجٌ عَلَى ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَا يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ وَجْهِ الْفَرْقِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: مَوْقُوفَةٌ عَلَى وُجُودِ النَّقْلِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: مَا فِي الْخَانِيَّةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوَكِيلَ يَكُونُ مُخَالِفًا بِإِيقَاعِهِ بِالْكِنَايَةِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِمَّا قَبْلَهُ) اُنْظُرْ مَا مَحَلُّ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ

ص: 363

بِشُهُودٍ فَبَاعَهُ بِغَيْرِهِمْ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ مَذْكُورَةٍ فِي وَكَالَةِ الصُّغْرَى بِعْهُ مِنْ فُلَانٍ بِعْهُ بِكَفِيلٍ بِعْهُ بِرَهْنٍ وَمَعَ النَّهْيِ لَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ كَقَوْلِهِ لَا تَبِعْهُ إلَّا بِشُهُودٍ إلَّا فِي قَوْلِهِ لَا تُسَلِّمْهُ حَتَّى تَقْبِضَ الثَّمَنَ فَلَهُ الْمُخَالَفَةُ وَتَوْضِيحُهُ فِيهَا وَحَاصِلُهُ إنْ أَمَرَ بِالتَّطْلِيقِ بِوَصْفٍ مُقَيَّدٍ بِمَشِيئَتِهَا إذَا خَالَفَتْ فِي ذَلِكَ الْوَصْفِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْكِتَابِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.

(قَوْلُهُ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَتْ شِئْت إنْ شِئْت فَقَالَ شِئْت يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا لِمَعْدُومٍ بَطَلَ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهَا الْمُنَجَّزَةَ وَهِيَ أَتَتْ بِالْمُعَلَّقَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَقَالَتْ شِئْت مُقْتَصِرَةً عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ شِئْت طَلَاقِي إنْ شِئْت فَقَالَ شِئْت نَاوِيًا الطَّلَاقَ وَقَعَ لِكَوْنِهِ شَائِيًا طَلَاقَهَا لَفْظًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَذْكُرْ الطَّلَاقَ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ وَلَا عِبْرَةَ بِالنِّيَّةِ بِلَا لَفْظٍ صَالِحٍ لِلْإِيقَاعِ كَاسْقِنِي نَاوِيًا الطَّلَاقَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: شِئْت طَلَاقَك يَقَعُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ بِخِلَافِ أَرَدْت طَلَاقَك لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْمَوْجُودِ بَلْ هُوَ طَلَبُ النَّفْسِ الْوُجُودَ عَنْ مَيْلٍ فَقَدْ أَثْبَتَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْمَشِيئَةِ، وَالْإِرَادَةِ فَرْقًا فِي صِفَاتِ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَا مُتَرَادِفَيْنِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ اللُّغَةُ فِيهِمَا مُطْلَقًا فَلَا يَدْخُلُهُمَا وُجُودٌ أَيْ لَا يَكُونُ الْوُجُودُ جُزْءَ مَفْهُومِ أَحَدِهِمَا غَيْرَ أَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَكَذَا مَا أَرَادَهُ لِأَنَّ تَخَلُّفَ الْمُرَادِ إنَّمَا يَكُونُ لِعَجْزِ الْمُرِيدِ لَا لِذَاتِ الْإِرَادَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ الْمُؤَثِّرَةَ لِلْوُجُودِ لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصَّةُ الْقُدْرَةِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهَا الْمُخَصَّصَةُ لِلْمَقْدُورِ الْمَعْلُومِ وُجُودُهُ بِالْوَقْتِ، وَالْكَيْفِيَّةِ ثُمَّ الْقُدْرَةُ تُؤَثِّرُ عَلَى وَفْقِ الْإِرَادَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ شَيْءٌ عَنْ مُرَادِهِ تَعَالَى لِمَا قُلْنَا فِي الْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ الْعِبَادِ وَعَنْ هَذَا لَوْ قَالَ أَرَادَ اللَّهُ طَلَاقَك يَنْوِيهِ يَقَعُ كَمَا قَالَ شَاءَ اللَّهُ بِخِلَافِ أَحَبَّ اللَّهُ طَلَاقَك أَوْ رَضِيَهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُمَا لَا يَسْتَلْزِمَانِ مِنْهُ تَعَالَى الْوُجُودَ وَأَحْبَبْت طَلَاقَك وَرَضِيته مِثْلُ أَرَدْته.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَشِيئَةِ، وَالْإِرَادَةِ فِي صِفَاتِ الْعِبَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ فَإِنَّ فِيهِ الْوُجُودَ، وَالْمَشِيئَةُ مِنْهُ وَلَمَّا كَانَ مُحْتَمَلُ اللَّفْظِ تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ فَلَزِمَ الْوُجُودُ فِيهَا فَإِذَا قَالَ شِئْت كَذَا فِي التَّخَاطُبِ الْعُرْفِيِّ فَمَعْنَاهُ أَوْجَدْته عَنْ اخْتِيَارٍ بِخِلَافِ أَرَدْت كَذَا مُجَرَّدًا يُفِيدُ عُرْفًا عَدَمَ الْوُجُودِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ مَعَ ذِكْرِ الطَّلَاقِ صَرِيحًا لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ وُقُوعًا وَقَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ مِلْكًا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِتَعْيِينِ جِهَةِ الْوُجُودِ وُقُوعًا.

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ شِئْت طَلَاقَك ذُكِرَ فِي شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَا نِيَّةِ الْإِيقَاعِ اهـ.

وَلَوْ قَالَ شَيْئِيّ طَلَاقَك نَاوِيًا الطَّلَاقَ فَقَالَتْ شِئْت وَقَعَ، وَلَوْ قَالَ أَرِيدِيهِ أَوْ أَحَبِّيهِ أَوْ اهْوِيهِ أَوْ اُرْضِيهِ نَاوِيًا فَأَجَابَتْهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الطَّلَبِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْوُجُودَ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ عَلَى إرَادَتِهَا وَنَحْوُهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ يَقَعُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ سَهْوٌ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ عَلَى النِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ شِيئِي الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الطَّلَاقَ إلَيْهَا فَيَحْتَمِلُ تَفْوِيضَ طَلَاقِ غَيْرِهَا وَأَمَّا شِيئِي طَلَاقَك فَإِنَّهُ يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى أَوْجِدِي طَلَاقَك كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَذُكِرَ فِي الْمَوَاقِفِ إنَّ الْإِرَادَةَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا صِفَةٌ ثَالِثَةٌ مُغَايِرَةٌ لِلْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ تُوجِبُ تَخْصِيصَ أَحَدِ الْمَقْدُورَيْنِ بِالْوُقُوعِ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ إنْ أَحْبَبْت فَقَالَتْ شِئْت وَقَعَ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمَحَبَّةِ وَزِيَادَةً.

وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَقَالَتْ أَحْبَبْت لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْإِيجَادِ فَلَمْ تُوجَدْ الْمَشِيئَةُ، وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ نَعَمْ أَوْ قَبِلَتْ أَوْ رَضِيَتْ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَتِهَا لَفْظًا وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَشِيئَةٍ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ قَبِلْت فَقَالَتْ شِئْت حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْقَبُولِ وَزِيَادَةٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْكِتَابِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ لَا تَرِدُ لِانْصِرَافِهِ إلَى الْمُنَجَّزِ دُونَ الْمُعَلَّقِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّ فِيهِ الْوُجُودَ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ تَحْرِيفًا، وَالْأَصْلُ فَإِنَّهُ فِيهِ الْمَوْجُودُ أَيْ فَإِنَّ الشَّيْءَ فِي الْعُرْفِ هُوَ الْمَوْجُودُ، وَالْمَشِيئَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْهُ فَتُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ فَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْعُرْفُ فِيهِ يَعْنِي يَكُونُ الْعُرْفُ الْعَامُّ أَنَّ الشَّيْءَ الْمَوْجُودَ، وَالْمَشِيئَةُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَهْوٌ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَيْسَ بِسَهْوٍ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمَشِيئَةِ مِنْ النِّيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّهُ الْمَشِيئَةُ، وَإِنْ كَانَتْ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ وُقُوعًا، وَقَدْ يَقْصِدُ وُجُودَهُ مِلْكًا إذْ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ، وَفِي قَوْلِهِ شِيئِي طَلَاقَك يَحْتَمِلُ أَوْجِدِيهِ مِلْكًا فَكَيْفَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ

ص: 364

مُعَلَّقًا بِالْمَحَبَّةِ فَقَالَتْ شِئْت وَذَكَرَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ إنْ شِئْت لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَقْبَلَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ قَبِلْت لِأَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ، وَالْمُعَاوَضَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَبُولَ لَا يَكْفِي عَنْ الْمَشِيئَةِ إلَّا فِي الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِالْإِرَادَةِ فَأَجَابَتْ بِالْمَحَبَّةِ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ بِالرِّضَا، وَفِي شَرْحِ الْمُسَابَرَةِ الرِّضَا تَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الشَّيْءِ لِإِرَادَةِ وُقُوعِهِ، وَالْمَحَبَّةُ إرَادَةٌ خَاصَّةٌ وَهِيَ مَا لَا يَتْبَعُهَا تَبِعَةٌ وَمُؤَاخَذَةٌ، وَالْإِرَادَةُ أَعَمُّ فَهِيَ مُنْفَكَّةٌ عَنْهَا فِيمَا إذَا تَعَلَّقَتْ بِمَا يَتْبَعُهُ تَبَعَةٌ اهـ.

وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِالتَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ حُكْمِ " مَتَى " وَأَخَوَاتِهَا فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَقَيَّدْ فِيهَا تَقَيَّدَ فِي " إنَّ "" وَلَا بُدَّ " مِنْ مَشِيئَتِهَا فِي مَجْلِسِهَا فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ، وَالْمَحَبَّةِ، وَالرِّضَا، وَالْإِرَادَةِ وَكُلِّ مَا هُوَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمَشِيئَةَ الْمُضَافَةَ وَحَاصِلُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ إنْ تَأَخَّرَتْ عَنْ الْوَقْتِ كَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ لَهَا فِي الْغَدِ فَقَطْ، وَإِنْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ كَإِنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ لَهَا الْمَشِيئَةَ فِي الْحَالِ وَعَنْ أَبِي يُوسُف أَنَّ لَهَا الْمَشِيئَةَ فِي الْغَدِ فَلَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ إنْ شَاءَتْ فَتَزَوَّجَهَا فَلَهَا الْمَشِيئَةُ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ أَمْسِ إنْ شِئْت فَلَهَا الْمَشِيئَةُ فِي الْحَالِ اهـ.

وَفِي الْمِعْرَاجِ: لَوْ قَالَ لَهَا إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى طَلَاقُك مَعَ طَلَاقِ هَذِهِ فَشَاءَتْ طَلُقَتْ وَيَنْوِي فِي الْأُخْرَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ امْرَأَتَهُ مَعَهَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَمْلُوكٌ لَهُ لَا الْمَعِيَّةُ فِي الْوُقُوعِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ لَهَا: أَخْرِجِي إنْ شِئْت يَنْوِي الطَّلَاقَ فَشَاءَتْ طَلُقَتْ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ شِئْت إنْ شِئْت إلَى كُلِّ مَشِيئَةٍ مُعَلَّقَةٍ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا عَلَى مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ أَيْضًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت وَشَاءَ فُلَانٌ فَقَالَتْ قَدْ شِئْت إنْ شَاءَ فُلَانٌ وَقَالَ فُلَانٌ شِئْت لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةٍ مُرْسَلَةٍ مُنَجَّزَةٍ مِنْهَا وَهِيَ أَتَتْ بِمَشِيئَةٍ مُعَلَّقَةٍ فَبَطَلَتْ مَشِيئَتُهَا وَبِمَشِيئَةِ فُلَانٍ وُجِدَ بَعْضُ الشَّرْطِ فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رحمه الله مَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا وَعَدَمِ مَشِيئَتِهَا أَوْ بِمَشِيئَتِهَا وَإِبَائِهَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا وَحَاصِلُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إنْ جَعَلَ الْمَشِيئَةَ، وَالْإِبَاءَ شَرْطًا وَاحِدًا وَكَذَا الْمَشِيئَةُ وَعَدَمُهَا فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ أَبَدًا لِلتَّعَذُّرِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَأَبَيْت أَوْ إنْ شِئْت وَلَمْ تَشَائِي، وَإِنْ كَرَّرَ " إنْ " وَقَدَّمَ الْجَزَاءَ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت، وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَشَاءَتْ فِي مَجْلِسِهَا طَلُقَتْ، وَإِنْ قَامَتْ مِنْ غَيْرِ مَشِيئَةٍ تَطْلُقُ أَيْضًا لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطًا عَلَى حِدَةٍ كَقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلِي فَأَيُّهُمَا وُجِدَ طَلُقَتْ، وَإِنْ أَخَّرَ الْجَزَاءَ كَإِنْ شِئْت، وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ بِهَذَا أَبَدًا لِأَنَّهُ مَعَ التَّأْخِيرِ صَارَا كَشَرْطٍ وَاحِدٍ وَتَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى يُوجَدَا نَحْوُ: إنْ أَكَلْت، وَإِنْ شَرِبْت فَأَنْت طَالِقٌ، وَإِنْ كَرَّرَ إنْ وَأَحَدُهُمَا الْمَشِيئَةُ، وَالْآخَرُ الْإِبَاءُ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت، وَإِنْ أَبَيْت فَإِنْ شَاءَتْ وَقَعَ، وَإِنْ أَبَتْ وَقَعَ، وَإِنْ سَكَتَتْ حَتَّى قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا يَقَعُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطٌ عَلَى حِدَةٍ، وَالْإِبَاءُ فِعْلٌ كَالْمَشِيئَةِ فَأَيُّهُمَا وُجِدَ يَقَعُ، وَإِنْ انْعَدَمَا لَا يَقَعُ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُكَرِّرْ إنْ وَعَطَفَ بِأَوْ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ أَبَيْت لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِأَحَدِهِمَا، وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ، وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ لِلْحَالِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ الطَّلَاقَ فَأَنْت طَالِقٌ، وَإِنْ كُنْت تُبْغِضِينَ فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا تُحِبَّ وَلَا تُبْغِضَ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِشَرْطِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَإِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ تَشَاءَ أَوْ لَا تَشَاءُ فَيَكُونُ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ ثَابِتًا لَا مَحَالَةَ فَوَقَعَ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ أَبَيْت أَوْ كَرِهْت طَلَاقَك فَقَالَتْ أَبَيْت تَطْلُقُ.

وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَشَائِي طَلَاقَك فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَتْ لَا أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَبَيْت صِيغَةٌ لِإِيجَادِ الْفِعْلِ وَهُوَ الْإِبَاءُ فَقَدْ عَلَّقَ بِالْإِبَاءِ مِنْهَا، وَقَدْ وُجِدَ فَوَقَعَ فَأَمَّا قَوْلُهُ: إنْ لَمْ تَشَائِي صِيغَةٌ لِلْعَدَمِ لَا لِلْإِيجَادِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ

ــ

[منحة الخالق]

بِالسَّهْوِ بِمَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرَ، وَقَدْ قَدَّمَ أَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ شِئْت طَلَاقَك يَقَعُ بِالنِّيَّةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ فَلَا يُحْكَمُ بِالسَّهْوِ عَلَى مَنْ تَكَلَّمَ مُفَرَّعًا عَلَى أَحَدِهِمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِالتَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ. . . إلَخْ) مَحَلُّ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ مَضَى طَلُقَتْ إذْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ الْمَتْنِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ تَأَمَّلْ.

ص: 365

وَعَدَمُ الْمَشِيئَةِ لَا يَتَحَقَّقُ بِقَوْلِهَا لَا أَشَاءُ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَشَاءَ مِنْ بَعْدُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِبَارَاتِ اخْتَلَفَتْ فِي قَوْلِهِ إنْ شِئْت وَأَبَيْت بِدُونِ تَكْرَارِ إنْ فَنُقِلَ فِي الْوَاقِعَاتِ عَنْ عَلَامَةِ النَّوَازِلِ كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ أَبَدًا وَنُقِلَ قَبْلَهُ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يُوجَدَ الْمَشِيئَةُ، وَالْإِبَاءُ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ وَذُكِرَ قَبْلَهُ أَنَّهَا إنْ شَاءَتْ يَقَعُ، وَإِنْ أَبَتْ يَقَعُ كَمَا لَوْ كَرَّرَ إنْ فَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يُوجَدَ أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَ إنْ شِئْت، وَإِنْ لَمْ تَشَائِي حَيْثُ لَا يَقَعُ وَبَيْنَ إنْ شِئْت وَأَبَيْت حَيْثُ يَقَعُ إذَا وُجِدَا وَأَشَارَ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا إلَى صِحَّةِ تَعْلِيقِ عَدَدِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا أَيْضًا فَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ تَشَائِي وَاحِدَةً، وَإِنْ شَاءَتْ وَاحِدَةً قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهَا لَزِمَتْهَا وَاحِدَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ حَاضِرًا فَلَهُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَرَى فُلَانٌ غَيْرَ ذَلِكَ تَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَرَ فُلَانٌ غَيْرَ ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ رَأَى فُلَانٌ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَأَكْثَرِ الْمُؤَلَّفِينَ مَا لَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ وَذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فَقَالَ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ قَالَ بَعْدَمَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ رَأَيْت غَيْرَ ذَلِكَ لَا يَقَعُ الثَّلَاثَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إلَّا أَنْ أَشَاءَ أَنَا غَيْرَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَوْ إنْ أَحَبَّ أَوْ إنْ رَضِيَ أَوْ إنْ هَوَى أَوْ إنْ أَرَادَ فَبَلَغَ فُلَانًا فَلَهُ مَجْلِسُ عِلْمِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ شِئْت أَنَا أَوْ إنْ أَحْبَبْت أَنَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَضِيَّةَ الْقِيَاسِ فِي الْأَجْنَبِيِّ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ لَكِنْ تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مَعْنًى وَجَوَابُ التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَأَتَّى فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِأَنَّ الزَّوْجَ كَانَ مَالِكًا لِلطَّلَاقِ قَبْلَ هَذَا فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ التَّمْلِيكُ فَبَقِيَ هَذَا الشَّرْطُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ مُلْحَقًا بِسَائِرِ الشُّرُوطِ فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَإِذَا قَالَ إنْ شِئْت أَنَا فَالزَّوْجُ كَيْفَ يَقُولُ حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ.

وَقَالَ مَشَايِخُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ شِئْت الَّذِي جَعَلَتْهُ إلَيَّ وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ شِئْت وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ شِئْت طَلَاقَك لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِقَوْلِهِ شِئْت وَإِنَّمَا يَقَعُ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ مُعَلَّقٌ بِمَشِيئَةٍ اُعْتُبِرَتْ شَرْطًا مَحْضًا فَعِنْدَ قَوْلِهِ شِئْت يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَعْلِيقَ الزَّوْجِ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ قَلْبِ نَفْسِهِ لَيْسَ بِتَفْوِيضٍ وَتَمْلِيكٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ فُلَانٌ فَقَالَ فُلَانٌ لَا أَشَاءُ فِي الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ لَا أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ بِقَوْلِ الْأَجْنَبِيِّ لَا أَشَاءُ يَقَعُ الْيَأْسُ عَنْ شَرْطِ الْبِرِّ وَهُوَ مَشِيئَةُ طَلَاقِهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَقَدْ تَبَدَّلَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، وَالِاعْتِبَارُ بِقَوْلِهِ لَا أَشَاءُ لَا اشْتِغَالُهُ بِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْإِيقَاعِ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ فِي الْإِيقَاعِ السُّكُوتُ عَنْ الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَقُومَ عَنْ الْمَجْلِسِ أَمَّا بِقَوْلِ الزَّوْجِ لَا أَشَاءُ لَا يَقَعُ الْيَأْسُ عَمَّا هُوَ شَرْطُ الْبِرِّ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ، وَإِنْ تَبَدَّلَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ إلَّا أَنَّ شَرْطَ الْبِرِّ فِي حَقِّ الزَّوْجِ عَدَمُ الْمَشِيئَةِ فِي الْعُمُرِ، وَالْعُمُرُ بَاقٍ فَلِهَذَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ اهـ.

وَفِي الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَوْ أَرَادَ أَوْ رَضِيَ أَوْ هَوَى فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَجْلِسِ عِلْمِهِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِخِلَافِ إضَافَتِهِ إلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَشَأْ أَوْ إنْ لَمْ يُرِدْ فَقَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ أَوْ قَالَ فِيهِ لَا أَشَاءُ طَلُقَتْ بِخِلَافِ إنْ لَمْ يَشَأْ الْيَوْمَ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَشَأْ إنْ لَمْ أُرِدْ فَقَامَ أَوْ قَالَ لَا أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ إنْ أَبَيْت طَلَاقَك أَوْ كَرِهْت اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَفُلَانَةُ وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَشَاءَتْ وَاحِدَةً وَزَبَّبْتُ طَلُقَتْ فُلَانَةُ وَاحِدَةً وَيَبْطُلُ عَنْهَا الثَّلَاثُ اهـ.

وَأَطْلَقَ الْبُطْلَانَ فَأَفَادَ عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَأَنَّ الْأَمْرَ خَرَجَ مِنْ يَدِهَا لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا.

(قَوْلُهُ:

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 366

وَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ مَضَى طَلُقَتْ) يَعْنِي لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ شِئْت إنْ كَانَ فُلَانٌ قَدْ جَاءَ وَقَدْ جَاءَ طَلُقَتْ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْكَائِنِ تَنْجِيزًا وَلِذَا صَحَّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِكَائِنٍ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَاضِي الْمُحَقَّقِ وُجُودُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَاضِيًا أَوْ حَاضِرًا كَقَوْلِهَا شِئْت إنْ كَانَ أَبِي فِي الدَّارِ وَهُوَ فِيهَا أَوْ إنْ كَانَ هَذَا لَيْلًا وَهِيَ فِي اللَّيْلِ أَوْ نَهَارًا هِيَ فِي النَّهَارِ أَوْ كَانَ هَذَا أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ زَوْجِي وَكَانَ هُوَ وَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ هُوَ كَافِرٌ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ أَنَّهُ يَقْتَضِي عَلَى هَذَا الْكُفْرُ مَعَ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ الْكُفْرَ يَبْتَنِي عَلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَتَبَدُّلُهُ غَيْرُ وَاقِعٍ مَعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذُكِرَ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ فَإِنْ قِيلَ لَوْ قَالَ هُوَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ يَجِبُ أَنْ يُكَفَّرَ فَلْيُكَفَّرْ هُنَا بِلَفْظِ هُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ قُلْنَا النَّازِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ حُكْمُ اللَّفْظِ لَا عَيْنُهُ فَلَيْسَ هُوَ مُتَكَلِّمًا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ هُوَ كَافِرٌ حَقِيقَةً اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُوجِبَ لِلتَّكْفِيرِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ، وَلَوْ كَانَ كَائِنًا.

(قَوْلُهُ: أَنْت طَالِقٌ مَتَى شِئْت أَوْ مَتَى مَا أَوْ إذَا أَوْ إذَا مَا فَرَدَّتْ الْأَمْرَ لَا يَرْتَدُّ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَلَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً) أَمَّا فِي كَلِمَةِ مَتَى وَمَتَى مَا فَلِأَنَّهَا لِلْوَقْتِ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا كَأَنَّهُ قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَلَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ رَدًّا لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا قَبْلَ الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَلَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ دُونَ الْأَفْعَالِ فَتَمْلِكُ التَّطْلِيقَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلَا تَمْلِكُ تَطْلِيقًا بَعْدَ تَطْلِيقٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ تَمْلِيكًا فِي حَالٍ أَصْلًا لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِطَلَاقِهَا مُعَلَّقًا بِشَرْطِ مَشِيئَتِهَا فَإِذَا وُجِدَتْ مَشِيئَتُهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَهُ فِي طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت لِأَنَّهَا تَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَكِنَّ الْوَاقِعَ طَلَاقُهُ الْمُعَلَّقُ وَقَوْلُهَا طَلَّقْت إيجَادٌ لِلشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مَشِيئَةُ الطَّلَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ تُقَارِنُ الْإِيجَادَ اهـ.

وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا لَكِنْ أَجْرَوْهُ مَجْرَى التَّمْلِيكِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فَإِطْلَاقُ التَّمْلِيكِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنَيَيْنِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا، وَالتَّعْلِيقُ لَازِمٌ لَا يَقْبَلُ الْإِبْطَالَ وَيَتَضَمَّنُ مَعْنَى التَّمْلِيكِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا تَمْلِيكٌ مِنْهَا لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَهِيَ عَامِلَةٌ فِي التَّطْلِيقِ لِنَفْسِهَا، وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ وَجَوَابُ التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ اهـ.

وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ قِسْمِ التَّعْلِيقِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ أَحْبَبْت أَوْ هَوَيْت فَلَيْسَ بِيَمِينٍ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ مَعْنًى تَعْلِيقٌ صُورَةً وَلِهَذَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ اهـ.

وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَحْلِفُ وَأَمَّا كَلِمَةُ إذَا وَإِذَا مَا فَهِيَ وَمَتَى سَوَاءٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ كَمَا تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ لَكِنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ، وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ إذَا شِئْت يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَعْلِيقُ طَلَاقِهَا بِشَرْطٍ هُوَ مَشِيئَتُهَا وَأَنَّهُ إضَافَةٌ إلَى زَمَانِهِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ حَتَّى إذَا تَحَقَّقَتْ مَشِيئَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ شِئْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَقَعَ مُعَلَّقًا كَانَ أَوْ مُضَافًا لَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ دَخَلَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ثَبَتَ مِلْكُهَا بِالتَّمْلِيكِ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ فَالْمُرَادُ بِإِذَا أَنَّهُ مَحْضُ الشَّرْطِ فَيَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ أَوْ الزَّمَانِ فَلَا يَخْرُجُ كَمَتَى، وَقَدْ صَرَّحَ آنِفًا فِي مَتَى بِعَدَمِ ثُبُوتِ التَّمْلِيكِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَّكَهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا قَبْلَهُ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَاَلَّذِي دَخَلَ مِلْكَهَا تَحْقِيقُ الشَّرْطِ أَوْ الْمُضَافُ إلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ مَشِيئَتُهَا الطَّلَاقَ لِيَقَعَ طَلَاقُهُ وَعَلَى هَذَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا لَكِنْ أَجْرَوْهُ مَجْرَى التَّمْلِيكِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: لَا يَخْفَى أَنَّ مُحَصَّلَ الْجَوَابِ أَنَّهُمْ تَسَامَحُوا وَجَعَلُوا تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا، وَنَحْوُهَا فِي حُكْمِ التَّمْلِيكِ لِكَوْنِهَا إذَا شَاءَتْ وَقَعَ فَكَأَنَّهَا مَلَكَتْهُ وَهَذَا لَا يَنْفِي مَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ، وَفِي النَّهْرِ وَهَذَا بَعْدَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَتَى شِئْت سَهْوٌ ظَاهِرٌ يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ اهـ.

وَأَجَابَ قَبْلَهُ عَنْ التَّعَقُّبِ بِأَنَّ هَذَا بِالنَّظَرِ إلَى صُورَتِهِ أَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى مَعْنَاهُ فَتَمْلِيكٌ لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ لِنَفْسِهِ وَهَذِهِ كَذَلِكَ.

ص: 367

فَقَوْلُهُمْ فِي قَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ مَعْنَاهُ تَطْلُقُ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ تَجَوُّزًا بِالتَّطْلِيقِ عَنْهُ بِأَنْ تَقُولَ شِئْت طَلَاقِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي فَيَقَعُ طَلَاقُهُ عِنْدَ تَحْقِيقِ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ كَلَامُهُمْ فِي قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْحِينَ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ حِينَ شِئْت فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إذَا شِئْت لِأَنَّ الْحِينَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَقْتِ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ إنْ وَإِذَا وَذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ: وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ إذَا شِئْت فَلَهَا مَشِيئَتَانِ مَشِيئَةٌ فِي الْحَالِ وَمَشِيئَةٌ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ مَشِيئَتَهَا فِي الْحَالِ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ آخِرَ الْفَصْلِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ إذَا شِئْت إنْ شِئْت أَوْ أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت إذَا شِئْت فَهُمَا سَوَاءٌ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا مَتَى شَاءَتْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَخَّرَ قَوْلَهُ إنْ شِئْت فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قَدَّمَهُ تُعْتَبَرُ الْمَشِيئَةُ فِي الْحَالِ فَإِنْ شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا شَاءَتْ وَلَوْ قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا بَطَلَ ثُمَّ ذَكَرَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى السَّرَخْسِيِّ وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَا مَعَ مَتَى لِيُفِيدَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ مَعَهَا أَيْضًا رَدَّ الْقَوْلَ بَعْضُ النُّحَاةِ أَنَّهُ إذَا زِيدَ عَلَيْهَا مَا كَانَتْ لِلتَّكْرَارِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الزَّائِدَ لَا يُفِيدُ غَيْرَ التَّأْكِيدِ وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ النُّحَاةِ لَا يُغَيِّرُ وَيَقُولُ قَوْلُهُمْ إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ بِمَنْزِلَةِ إنَّ زَيْدًا قَائِمٌ فَهُوَ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ كَمَا يَحْتَمِلُهُ إنَّ زَيْدًا قَائِمٌ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ يَنْقُلُ الْمَعْنَى مِنْ احْتِمَالِ الْعُمُومِ إلَى مَعْنَى الْحَصْرِ فَإِذَا قِيلَ إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ فَالْمَعْنَى لَا قَائِمَ إلَّا زَيْدٌ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ مِنْ الزَّمَانِ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مَتَى وَمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مَتَى مَا وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَإِنْ وَقَعَتْ شَرْطًا كَانَتْ لِلْحَالِ فِي النَّفْيِ وَلِلْحَالِ، وَالِاسْتِقْبَالِ فِي الْإِثْبَاتِ اهـ.

وَفِيهِ " إذَا " لَهَا مَعَانٍ أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ ظَرْفًا لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الزَّمَانِ، وَفِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ نَحْوُ: إذَا جِئْت أَكْرَمْتُك.

وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ لِلْوَقْتِ الْمُجَرَّدِ نَحْوُ قُمْ إذَا احْمَرَّ الْبُسْرُ أَيْ وَقْتَ احْمِرَارِهِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مُرَادِفَةً لِلْفَاءِ فَيُجَازَى بِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِي كُلَّمَا شِئْت لَهَا أَنْ تُفَرِّقَ الثَّلَاثَ وَلَا تَجْمَعَ) أَيْ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تُبَاشِرَ شَرْطَ الْوُقُوعِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِأَنْ تَقُولَ شِئْت طَلَاقِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي فَيَقَعُ طَلَاقُهُ الْمُعَلَّقُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَقُولَ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا جُمْلَةً لِأَنَّ كُلَّمَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ، وَالْأَزْمَانَ عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَأَفَادَ أَنَّهَا لَا تَشَاءُ ثِنْتَيْنِ أَيْضًا، وَلَوْ شَاءَتْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا جُمْلَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةً بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَلَوْ قَالَتْ قَدْ شِئْت أَمْسِ تَطْلِيقَةً وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَمَّا لَا تَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْ بِمَشِيئَةٍ كَانَتْ مِنْهَا أَمْسِ فَلَا يَبْقَى ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ أَمْسِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهَا لَوْ شَاءَتْ فِي الْحَالِ يَصِحُّ مِنْهَا فَقَدْ أَخْبَرَتْ بِمَا تَمْلِكُ إنْشَاءَهُ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ فَالْمَشِيئَةُ فِي الْحَالِ غَيْرُ الْمَشِيئَةِ فِي الْأَمْسِ وَكُلُّ مَشِيئَةٍ شَرْطُ تَطْلِيقَةٍ فَهِيَ لَا تَمْلِكُ إنْشَاءَ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ إنَّمَا تَمْلِكُ إنْشَاءَ شَيْءٍ آخَرَ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ كَلِمَةَ " كُلّ " إنَّمَا أَفَادَتْ التَّكْرَارَ بِدُخُولِ مَا عَلَيْهَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ:" وَكُلُّ " كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ بِحَسَبِ الْمَقَامِ، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْكَثِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25] أَيْ كَثِيرًا وَتُفِيدُ التَّكْرَارَ بِدُخُولِ مَا عَلَيْهِ نَحْوُ: كُلَّمَا أَتَاك زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَتْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَا يَقَعُ) أَيْ لَوْ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ شِئْت طَلَاقِي بَعْدَمَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَا يَقَعُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ وَهُوَ الثَّلَاثُ فَبِاسْتِغْرَاقِهِ يَنْتَهِي التَّفْوِيضُ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 368

زَوْجٍ آخَرَ فَلَهَا أَنْ تُفَرِّقَ الثَّلَاثَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْهَدْمِ الْآتِيَةِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: لَوْ قَالَ لَهَا كُلَّمَا شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَقَالَتْ شِئْت وَاحِدَةً فَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ كُلَّمَا شِئْت الثَّلَاثَ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ تَكْرَارَ الْإِيقَاعِ إلَّا فِي كُلَّمَا وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا الْخِيَارُ اهـ.

وَنَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْمَبْسُوطِ مَا فِي الْمِعْرَاجِ لَوْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ إنْ شِئْتُمَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَشَاءَ أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً، وَالْآخَرُ ثِنْتَيْنِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْوُقُوعَ بِمَشِيئَتِهِمَا الثَّلَاثِ وَلَمْ تُوجَدْ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: وَفِي حَيْثُ شِئْت وَأَيْنَ شِئْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءَ فِي مَجْلِسِهَا) يَعْنِي إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ حَيْثُ شِئْت إلَى آخِرِهِ فَلَوْ قَامَتْ مِنْهُ قَبْلَ مَشِيئَتِهَا فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا لِأَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ اسْمَانِ لِلْمَكَانِ، وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ فَيُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُفِيدُ ضَرْبًا مِنْ التَّأْخِيرِ وَحُمِلَ عَلَى إنْ دُونَ مَتَى وَمَا فِي مَعْنَاهَا لِأَنَّهَا أُمُّ الْبَابِ وَحَرْفُ الشَّرْطِ، وَفِيهِ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ انْدَفَعَ سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا لَغَا ذِكْرُ الْمَكَانِ يَنْبَغِي أَنْ يُتَنَجَّزَ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ فَلِمَ حُمِلَ عَلَى إنْ دُونَ مَتَى، وَفِي الْمِصْبَاحِ: حَيْثُ ظَرْفُ مَكَان وَتُضَافُ إلَى جُمْلَةٍ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ وَتَجْمَعُ بِمَعْنَى ظَرْفَيْنِ لِأَنَّك تَقُولُ أَقُومُ حَيْثُ يَقُومُ زَيْدٌ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَقُومُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقُومُ فِيهِ زَيْدٌ اهـ.

وَفِيهِ وَأَيْنَ ظَرْفُ مَكَان يَكُونُ اسْتِفْهَامًا فَإِذَا قِيلَ أَيْنَ زَيْدٌ لَزِمَ الْجَوَابُ بِتَعْيِينِ مَكَانِهِ وَتَكُونُ شَرْطًا أَيْضًا وَتُزَادُ مَا فَيُقَالُ أَيْنَمَا تَقُمْ أَقُمْ.

(قَوْلُهُ: وَفِي كَيْفَ شِئْت يَقَعُ رَجْعِيَّةً فَإِنْ شَاءَتْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعَ) يَعْنِي تَطْلُقُ فِي أَنْت طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت وَتَبْقَى الْكَيْفِيَّةُ يَعْنِي كَوْنَهُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا خَفِيفَةً أَوْ غَلِيظَةً مُفَوَّضَةً إلَيْهَا إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا مِنْ الْكَيْفِيَّةِ، وَإِنْ نَوَى فَإِنْ اتَّفَقَ مَا نَوَاهُ وَمَا شَاءَتْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَرَجْعِيَّةٌ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَصْلِ فَعِنْدَهُمَا مَا لَا يَقْبَلُ الْإِشَارَةَ فَحَالُهُ وَأَصْلُهُ سَوَاءٌ كَذَا فِي التَّوْضِيحِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَوْ قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ أَوْ رَدَّتْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَهُمَا وَيَقَعُ رَجْعِيَّةً عِنْدَهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَدْخُولَةِ فَأَمَّا غَيْرُهَا فَبَائِنَةٌ وَلَغَتْ مَشِيئَتُهَا كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ كَيْفَ شِئْت فَإِنَّهُ يَقَعُ الْعِتْقُ وَيَلْغُو ذِكْرُ الْمَشِيئَةِ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَشِيئَةِ فِيهِمَا فِي الْمَجْلِسِ فَلَوْ شَاءَ عِنْدَهُمَا عَتَقَا عَلَى مَالٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِشَرْطٍ أَوْ التَّدْبِيرُ يَثْبُتُ مَا شَاءَهُ كَمَا فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَيْفَ أَصْلُهَا لِلسُّؤَالِ عَنْ الْحَالِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ لِلْحَالِ فِي: اُنْظُرْ إلَى كَيْفَ يَصْنَعُ، وَعَلَى الْحَالِيَّةِ: فَرْعُ الْكُلِّ غَيْرَ أَنَّهُمَا قَالَا لَا انْفِكَاكَ بَيْنَ الْأَصْلِ، وَالْحَالِ فَتَعَلَّقَ الْأَصْلُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَلَهَا أَنْ تُفَرِّقَ الثَّلَاثَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) أَقُولُ: مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا أَنْ يُقَالَ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ مَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ هُوَ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلَاثَ وَهَذَا عِنْدَهُمَا فَإِذَا طَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ عَادَتْ إلَيْهِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ لِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ هَدَمَ مَا مَلَكَهُ الْأَوَّلُ فِي الْعَقْدِ السَّابِقِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَهْدِمُ الثَّلَاثَ فَقَطْ لَا مَا دُونَهَا فَلَوْ طَلَّقَتْ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ عَادَتْ إلَيْهِ بِمَا بَقِيَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَإِذَا كَانَ التَّعْلِيقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ فَلَهَا أَنْ تُفَرِّقَ مَا بَقِيَ لِأَنَّهُ كَانَ قَائِمًا وَقْتَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهَا تَعُودُ إلَيْهِ بِثَلَاثٍ حَادِثَةٍ بَعْدَ التَّعْلِيقِ وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَإِنَّهَا تَعُودُ بِثَلَاثٍ حَادِثَةٍ بِالْمِلْكِ الْجَدِيدِ سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ فَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تُطَلِّقَ بِالتَّخْيِيرِ السَّابِقِ ثُمَّ رَأَيْت الْمُحَقِّقَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوْرَدَ فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مَا اسْتَشْكَلَهُ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ الْهِدَايَةِ: وَإِنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَطَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ. . . إلَخْ وَأَوْرَدَ بَعْضُ أَفَاضِلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا وَاحِدَةً لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْمُعَلَّقَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ هَذَا الْمِلْكِ لَيْسَ إلَّا وَاحِدَةً فَكَانَ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِهِ سِوَاهَا.

وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ مَشْرُوطَةٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ الثَّلَاثِ مَا دَامَ مِلْكُهُ لَهَا فَإِذَا زَالَ بَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطَلَّقَةً كَمَا هُوَ اللَّفْظُ لَكِنْ بِشَرْطِ بَقَائِهَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ فَإِذَا نَجَّزَ ثِنْتَيْنِ زَالَ مِلْكُ الثَّلَاثِ فَبَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطَلَّقَةً مَا بَقِيَتْ مَحَلِّيَّتُهَا وَأَمْكَنَ وُقُوعُهَا وَهَذَا ثَابِتٌ فِي تَنْجِيزِهِ الثِّنْتَيْنِ فَيَقَعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.

قُلْت وَأَصْلُ هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيَبْطُلُ تَنْجِيزُ الثَّلَاثِ تَعْلِيقُهُ لِأَنَّ الْجَزَاءَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ هَذَا بِمَا إذَا طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَدَخَلَتْ حَيْثُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَحَلَّ بَاقٍ بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ إذَا الْمَحَلِّيَّةُ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْحِلِّ وَهِيَ قَائِمَةٌ بَعْدَ الطَّلْقَتَيْنِ فَتَبْقَى الْيَمِينُ، وَقَدْ اسْتَفَادَ مِنْ جِنْسِ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيَسْرِي إلَيْهِ حُكْمُ الْيَمِينِ تَبَعًا، وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ قَصْدًا اهـ. .

ص: 369

لِتَعَلُّقِ الْحَالِ وَمَنَعَهُ الْإِمَامُ، وَالْحَقُّ قَوْلُهُ: لِانْتِقَاضِ قَاعِدَتِهِمَا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ انْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّهَا لِلشَّرْطِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ شَرْطَ شَرْطِيَّتِهَا اتِّفَاقُ فِعْلَيْ الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءِ لَفْظًا وَمَعْنًى نَحْوُ كَيْفَ تَصْنَعُ أَصْنَعُ بِالرَّفْعِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُغْنِي وَقَيَّدَ بِإِضَافَةِ الْمَشِيئَةِ إلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَوْ أَضَافَهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ مَشِيئَةَ الْكَيْفِيَّةِ تَلْغُو وَتَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ تَحْقِيقٌ وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ شَيْءٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّ الْحَالَ، وَالْأَصْلَ سَوَاءٌ عِنْدَهُمَا، وَفِي الْمِصْبَاحِ: كَلِمَةُ كَيْفَ يُسْتَفْهَمُ بِهَا عَنْ حَالِ الشَّيْءِ، وَعَنْ صِفَتِهِ يُقَالُ: كَيْفَ زَيْدٌ وَيُرَادُ السُّؤَالُ عَنْ صِحَّتِهِ وَسَقَمِهِ وَعُسْرِهِ وَيُسْرِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَتَأْتِي لِلتَّعَجُّبِ، وَالتَّوْبِيخِ، وَالْإِنْكَارِ وَلِلْحَالِ لَيْسَ مَعَهُ سُؤَالٌ، وَقَدْ تَتَضَمَّنَ مَعْنَى النَّفْيِ، وَكَيْفِيَّةُ الشَّيْءِ حَالُهُ وَصِفَتُهُ اهـ. .

(قَوْلُهُ: وَفِي: كَمْ شِئْت أَوْ مَا شِئْت تَطْلُقُ مَا شَاءَتْ، وَإِنْ رَدَّتْ ارْتَدَّ) يَعْنِي فَيَتَعَلَّقُ أَصْلُ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا اتِّفَاقًا لِأَنَّ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ فَكَانَ التَّفْوِيضُ فِي نَفْسِ الْعَدَدِ، وَالْوَاحِدُ عَدَدٌ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ لِمَا تَكَرَّرَ مِنْ إطْلَاقِ الْعَدَدِ وَإِرَادَةِ الْوَاحِدَةِ وَقَوْلُهُ: مَا شِئْت تَعْمِيمٌ لِلْعَدَدِ فَأَفَادَ بِقَوْلِهِ مَا شَاءَتْ أَنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَلَا يَكُونُ بِدْعِيًّا إلَّا مَا أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ فَرَّقَتْ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَفِي الْقَامُوسِ: كَمْ اسْمٌ نَاقِصٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ أَوْ مُؤَلَّفَةٌ مِنْ كَافِ التَّشْبِيهِ وَمَا، ثُمَّ قَصُرَتْ وَأُسْكِنَتْ وَهِيَ لِلِاسْتِفْهَامِ وَيُخْفَضُ مَا بَعْدَهَا حِينَئِذٍ كَرُبَّ، وَقَدْ تُرْفَعُ تَقُولُ كَمْ رَجُلٌ كَرِيمٌ قَدْ أَتَانِي، وَقَدْ تُجْعَلُ اسْمًا تَامًّا فَيُصْرَفُ وَيُشَدَّدُ تَقُولُ أَكْثِرْ مِنْ الْكَمِّ، وَالْكَمِيَّةِ اهـ.

وَفِي الْمُغْنِي: كَمْ خَبَرِيَّةٌ بِمَعْنَى: كَثِيرٍ، وَاسْتِفْهَامِيَّةٌ بِمَعْنَى: أَيُّ عَدَدٍ وَيَشْتَرِكَانِ فِي خَمْسَةِ أُمُورٍ الِاسْمِيَّةِ، وَالْإِبْهَامِ، وَالِافْتِقَارِ إلَى التَّمْيِيزِ، وَالْبِنَاءِ وَلُزُومِ التَّصْدِيرِ وَيَفْتَرِقَانِ فِي خَمْسَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْكَلَامَ مَعَ الْخَبَرِيَّةِ يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ، وَالتَّكْذِيبَ بِخِلَافِهِ مَعَ الِاسْتِفْهَامِيَّة الثَّانِي أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِالْخَبَرِيَّةِ لَا يَسْتَدْعِي مِنْ مُخَاطِبِهِ جَوَابًا لِأَنَّهُ مُخْبِرٌ، وَالْمُتَكَلِّمُ بِالِاسْتِفْهَامِيَّةِ يَسْتَدْعِيهِ لِأَنَّهُ مُسْتَخْبِرٌ الثَّالِثُ أَنَّ الِاسْمَ الْمُبْدَلَ مِنْ الْخَبَرِيَّةِ لَا يَقْتَرِنُ بِالْهَمْزَةِ بِخِلَافِ الْمُبْدَلِ مِنْ الِاسْتِفْهَامِيَّة الرَّابِعُ أَنَّ تَمْيِيزَ الْخَبَرِيَّةِ مُفْرَدٌ أَوْ مَجْمُوعٌ وَلَا يَكُونُ تَمْيِيزُ الِاسْتِفْهَامِيَّة إلَّا مُفْرَدًا، وَالْخَامِسُ أَنَّ تَمْيِيزَ الْخَبَرِيَّةِ وَاجِبُ الْخَفْضِ وَتَمْيِيزُ الِاسْتِفْهَامِيَّة مَنْصُوبٌ وَلَا يَجُوزُ جَرُّهُ مُطْلَقًا وَتَمَامُهُ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَفِي طَلِّقِي مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْت تَطْلُقَ مَا دُونَ الثَّلَاثِ) يَعْنِي لَيْسَ لَهَا أَنْ تَطْلُقَ الثَّلَاثَ عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا نَظَرًا إلَى أَنَّ مَا لِلْعُمُومِ وَمِنْ لِلْبَيَانِ وَلَهُ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَرَجَّحَهُ فِي التَّحْرِيرِ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ عَلَى الْبَيَانِ مَا شِئْت مِمَّا هُوَ الثَّلَاثُ وَطَلِّقِي مَا شِئْت وَافٍ بِهِ فَالتَّبْعِيضُ مَعَ زِيَادَةِ مِنْ الثَّلَاثِ أَظْهَرُ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ: اخْتَارِي مِنْ الثَّلَاثِ مَا شِئْت. اهـ. تَمَّ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بِإِضَافَةِ الْمَشِيئَةِ إلَى الْعَبْدِ) أَيْ إلَى الْمَخْلُوقِ وَهُوَ الزَّوْجَةُ هُنَا.

ص: 370