الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُمَرُ وَجَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى فِي سِتَّةٍ أَحَدُهُمْ عَلِيٌّ، ثُمَّ خُلِصَ مِنْهُمْ بِعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - كَمَا قَدَّمْنَا - فَقُدِّمَ عُثْمَانُ عَلَى عَلِيٍّ، سَمِعَ وَأَطَاعَ. فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ، عَلَى الْمَشْهُورِ عَدَلَ النَّاسُ إِلَى عَلِيٍّ فَبَايَعُوهُ قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ عُثْمَانُ، وَقِيلَ: بَعْدَ دَفْنِهِ. كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدِ امْتَنَعَ عَلِيٌّ مِنْ مُبَايَعَتِهِمْ، وَفَرَّ مِنْهُمْ إِلَى حَائِطِ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ، وَأَغْلَقَ بَابَهُ وَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ الْإِمَارَةِ حَتَّى تَكَرَّرَ قَوْلُهُمْ، فَجَاءَ النَّاسُ فَطَرَقُوا الْبَابَ وَوَلَجُوا عَلَيْهِ، وَجَاءُوا مَعَهُمْ بِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ بِلَا أَمِيرٍ، وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَجَابَ.
[ذِكْرُ بَيْعَةِ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، بِالْخِلَافَةِ]
فَيُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ طَلْحَةُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَكَانَتْ شَلَّاءَ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ - لَمَّا وَقَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، - فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَتِمُّ. وَخَرَجَ عَلِيٌّ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ وَعِمَامَةُ خَزٍّ، وَنَعْلَاهُ فِي يَدِهِ، يَتَوَكَّأُ عَلَى قَوْسِهِ، فَبَايَعَهُ عَامَّةُ النَّاسِ، وَذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، وَيُقَالُ: إِنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ إِنَّمَا بَايَعَاهُ بَعْدَ أَنْ طَلَبَهُمَا وَسَأَلَاهُ أَنْ
يُؤَمِّرُهُمَا عَلَى الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: بَلْ تَكُونَانِ عِنْدِي أَسْتَأْنِسُ بِكُمَا.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يُبَايِعْهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ; مِنْهُمْ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَمَسْلَمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَكَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ. ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ طَرِيقِ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ. قَالَ الْمَدَائِنِيُّ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: هَرَبَ قَوْمٌ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ وَلَمْ يُبَايِعُوا عَلِيًّا، وَلَمْ يُبَايِعْهُ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. قُلْتُ: وَهَرَبَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ، وَآخَرُونَ إِلَى الشَّامِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: بَايَعَ النَّاسُ عَلِيًّا بِالْمَدِينَةِ، وَتَرَبَّصَ سَبْعَةُ نَفَرٍ لَمْ يُبَايِعُوا ; مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَصُهَيْبٌ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَسَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَّا بَايَعَ فِيمَا نَعْلَمُ.
وَذَكَرَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ شُيُوخِهِ قَالُوا: بَقِيَتِ الْمَدِينَةُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ وَأَمِيرُهَا الْغَافِقِيُّ بْنُ حَرْبٍ، يَلْتَمِسُونَ مَنْ يُجِيبُهُمْ إِلَى الْقِيَامِ
بِالْأَمْرِ وَالْمِصْرِيُّونَ يُلِحُّونَ عَلَى عَلِيٍّ وَهُوَ يَهْرُبُ مِنْهُمْ إِلَى الْحِيطَانِ، وَيَطْلُبُ الْكُوفِيُّونَ الزَّبِيرَ، فَلَا يَجِدُونَهُ، وَالْبَصْرِيُّونَ يَطْلُبُونَ طَلْحَةَ فَلَا يُجِيبُهُمْ، فَقَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: لَا نُوَلِّي أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ. فَمَضَوْا إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالُوا: إِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى. فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ، ثُمَّ جَاءُوا إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَحَارُوا فِي أَمْرِهِمْ، ثُمَّ قَالُوا: إِنْ نَحْنُ رَجَعْنَا إِلَى أَمْصَارِنَا بِقَتْلِ عُثْمَانَ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ، اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَمْرِهِمْ وَلَمْ نَسْلَمْ. فَرَجَعُوا إِلَى عَلِيٍّ فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ، وَأَخَذَ الْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ يَقُولُونَ: أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ الْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ. وَذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مُرَاجَعَةِ النَّاسِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَكُلُّهُمْ يَقُولُ: لَا يَصْلُحُ لَهَا إِلَّا عَلِيٌّ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، بَايَعَهُ مَنْ لَمْ يُبَايِعْهُ بِالْأَمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ طَلْحَةُ بِيَدِهِ الشَّلَّاءِ، فَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. ثُمَّ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ قَالَ الزُّبَيْرُ: إِنَّمَا بَايَعْتُ عَلِيًّا وَاللُّجُّ عَلَى عُنُقِي. ثُمَّ رَاحَ إِلَى مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْبَيْعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَكَانَ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ كِتَابًا
هَادِيًا بَيَّنَ فِيهِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، فَخُذُوا بِالْخَيْرِ وَدَعُوا الشَّرَّ، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ حُرُمًا مُجْمَلَةً، وَفَضَّلَ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحُرُمِ كُلِّهَا، وَشَدَّ بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ إِلَّا بِالْحَقِّ، لَا يَحِلُّ أَذَى مُسْلِمٍ إِلَّا بِمَا يَجِبُ، بَادِرُوا أَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخَاصَّةُ أَحَدِكُمُ الْمَوْتُ، فَإِنَّ النَّاسَ أَمَامَكُمْ وَإِنَّمَا خَلْفَكُمُ السَّاعَةُ تَحْدُوكُمْ فَتَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا، فَإِنَّمَا يَنْتَظِرُ النَّاسُ أُخْرَاهُمُ، اتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَهُ فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ، إِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَالْبَهَائِمِ، أَطِيعُوا اللَّهَ وَلَا تَعْصُوهُ، وَإِذَا رَأَيْتُمُ الْخَيْرَ فَخُذُوا بِهِ وَإِذَا رَأَيْتُمُ الشَّرَّ فَدَعُوهُ:{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 26] فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ قَالَ الْمِصْرِيُّونَ:
خُذْهَا إِلَيْكَ وَاحْذَرَنْ أَبَا الْحَسَنْ
…
إِنَّا نُمِرُّ الْأَمْرَ إِمْرَارَ الرَّسَنْ
صَوْلَةَ أَقْوَامٍ كَأَسْدَادِ السُّفُنْ
…
بِمَشْرَفِيَّاتٍ كَغُدْرَانِ اللَّبَنْ
وَنَطْعُنُ الْمُلْكَ بِلِينٍ كَالشَّطَنْ
حَتَّى يُمَرَّنَّ عَلَى غَيْرِ عَنَنْ
فَقَالَ عَلِيٌّ مُجِيبًا لَهُمْ:
إِنِّي عَجَزْتُ عَجْزَةً لَا أَعْتَذِرْ
…
سَوْفَ أَكِيسُ بَعْدَهَا وَأَسْتَمِرْ
أَرْفَعُ مِنْ ذَيْلِيَ مَا كُنْتُ أَجُرْ
…
وَأَجْمَعُ الْأَمْرَ الشَّتِيتَ الْمُنْتَشِرْ
إِنْ لَمْ يُشَاغِبْنِي الْعَجُولُ الْمُنْتَصِرْ
…
أَوْ يَتْرُكُونِي وَالسِّلَاحُ يُبْتَدَرْ
وَكَانَ عَلَى الْكُوفَةِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَعَلَى الْحَرْبِ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَلَى الْخَرَاجِ جَابِرُ بْنُ فُلَانٍ الْمُزَنِيُّ، وَعَلَى الْبَصْرَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، وَعَلَى مِصْرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَقَدْ تَغَلَّبَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَعَلَى الشَّامِ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَنُوَّابُهُ ; عَلَى حِمْصَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَعَلَى قِنَّسْرِينَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَعَلَى الْأُرْدُنِّ أَبُو الْأَعْوَرِ، وَعَلَى فِلَسْطِينَ عَلْقَمَةُ بْنُ حَكِيمٍ، وَعَلَى أَذْرَبِيجَانَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَعَلَى قَرْقِيسْيَاءَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ، وَعَلَى حُلْوَانَ عُتَيْبَةُ بْنُ
النَّهَّاسِ، وَعَلَى مَاهَ مَالِكُ بْنُ حَبِيبٍ، وَعَلَى هَمَذَانَ النُّسَيْرُ. هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ نُوَّابِ عُثْمَانَ الَّذِينَ تُوَفِّيَ وَهُمْ نُوَّابُ الْأَمْصَارِ، وَكَانَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَلَى قَضَاءِ الْمَدِينَةِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ.
وَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ خَرَجَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَمَعَهُ قَمِيصُ عُثْمَانَ مُضَمَّخٌ بِدَمِهِ، وَمَعَهُ أَصَابِعُ نَائِلَةَ الَّتِي أُصِيبَتْ حِينَ جَاحَفَتْ عَنْهُ بِيَدِهَا، فَقُطِعَتْ مَعَ بَعْضِ الْكَفِّ فَوَرَدَ بِهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، فَوَضَعَهُ مُعَاوِيَةُ عَلَى الْمِنْبَرِ لِيَرَاهُ النَّاسُ، وَعَلَّقَ الْأَصَابِعَ فِي كُمِّ الْقَمِيصِ، وَنَدَبَ النَّاسَ إِلَى الْأَخْذِ بِثَأْرِ هَذَا الدَّمِ وَصَاحِبِهِ، فَتَبَاكَى النَّاسُ حَوْلَ الْمِنْبَرِ، وَجَعَلَ الْقَمِيصُ يُرْفَعُ تَارَةً وَيُوضَعُ تَارَةً، وَالنَّاسُ يَتَبَاكَوْنَ حَوْلَهُ سَنَةً، وَحَثَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى الْأَخْذِ بِثَأْرِهِ، وَاعْتَزَلَ أَكْثَرُ النَّاسِ النِّسَاءَ فِي هَذَا الْعَامِ، وَقَامَ فِي النَّاسِ مُعَاوِيَةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعَهُ يُحَرِّضُونَ النَّاسَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِدَمِ عُثْمَانَ مِمَّنْ قَتَلَهُ مِنْ أُولَئِكَ الْخَوَارِجِ ; مِنْهُمْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو أُمَامَةَ، وَعَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنَ التَّابِعِينَ ;
شَرِيكُ بْنُ خُبَاشَةَ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ.
وَلَمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرُ بَيْعَةِ عَلِيٍّ دَخَلَ عَلَيْهِ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَرُءُوسُ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَطَلَبُوا مِنْهُ إِقَامَةَ الْحُدُودِ، وَالْأَخْذَ بِدَمِ عُثْمَانَ. فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ مَدَدٌ وَأَعْوَانٌ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ يَوْمَهُ هَذَا، فَطَلَبَ مِنْهُ الزُّبَيْرُ أَنْ يُوَلِّيَهُ إِمْرَةَ الْكُوفَةِ لِيَأْتِيَهُ بِالْجُنُودِ، وَطَلَبَ مِنْهُ طَلْحَةُ أَنْ يُوَلِّيَهُ إِمْرَةَ الْبَصْرَةِ لِيَأْتِيَهُ مِنْهَا بِالْجُنُودِ، لِيَتَقَوَّى بِهِمْ عَلَى شَوْكَةِ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجِ، وَجَهَلَةِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ، رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُمَا: حَتَّى أَنْظُرَ فِي هَذَا. وَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَرَى أَنْ تُقِرَّ عُمَّالَكَ عَلَى الْبِلَادِ، فَإِذَا أَتَتْكَ طَاعَتُهُمُ اسْتَبْدَلْتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَنْ شِئْتَ وَتَرَكْتَ مَنْ شِئْتَ. ثُمَّ جَاءَهُ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَرَى أَنْ تَعْزِلَهُمْ لِتَعْلَمَ مَنْ يُطِيعُكَ مِمَّنْ يَعْصِيكَ. فَعَرَضَ ذَلِكَ عَلِيٌّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَقَدْ نَصَحَكَ بِالْأَمْسِ وَغَشَّكَ الْيَوْمَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمُغِيرَةَ فَقَالَ: نَعَمْ نَصَحْتُهُ فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْ غَشَشْتُهُ. ثُمَّ خَرَجَ الْمُغِيرَةُ فَلَحِقَ
بِمَكَّةَ، وَلَحِقَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ بِمَكَّةَ، وَكَانُوا قَدِ اسْتَأْذَنُوا عَلِيًّا فِي الِاعْتِمَارِ فَأَذِنَ لَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَشَارَ عَلَى عَلِيٍّ بِاسْتِمْرَارِهِ بِنُوَّابِهِ فِي الْبِلَادِ إِلَى حِينِ يَتَمَكَّنُ الْأَمْرُ، وَأَنْ يُقِرَّ مُعَاوِيَةَ خُصُوصًا عَلَى الشَّامِ وَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَخْشَى إِنْ عَزَلْتَهُ عَنْهَا أَنْ يُطَالِبَكَ بِدَمِ عُثْمَانَ، وَلَا آمَنُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ أَنْ يَكِرَّا عَلَيْكَ بِسَبَبِ ذَلِكَ. فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنِّي لَا أَرَى هَذَا، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ إِلَى الشَّامِ فَقَدْ وَلَّيْتُكَهَا. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِّي أَخْشَى مِنْ مُعَاوِيَةَ أَنْ يَقْتُلَنِي بِعُثْمَانَ، أَوْ يَحْبِسَنِي لِقَرَابَتِي مِنْكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَمَنِّهِ وَعِدْهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا مَا لَا يَكُونُ أَبَدًا. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فَوَاللَّهِ لَئِنْ أَطَعْتَنِي لَأُورِدَنَّهُمْ بَعْدَ صَدْرِهِمْ. وَنَهَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَلِيًّا فِيمَا أَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحَسِّنُونَ لَهُ الدُّخُولَ إِلَى الْعِرَاقِ، وَمُفَارَقَةَ الْمَدِينَةِ، فَأَبَى عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَطَاوَعَ أَمْرَ أُولَئِكَ الْأُمَرَاءِ مِنْ أُولَئِكَ الْخَوَارِجِ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قَصَدَ قُسْطَنْطِينُ بْنُ هِرَقْلَ بِلَادَ
الْمُسْلِمِينَ فِي أَلْفِ مَرْكَبٍ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَغَرَّقَهُ اللَّهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ وَمَنْ مَعَهُ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا الْمَلِكُ فِي شِرْذِمَةٍ قَلِيلَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ صِقِلِّيَةَ عَمِلُوا لَهُ حَمَّامًا فَدَخَلَهُ فَقَتَلُوهُ فِيهِ وَقَالُوا: أَنْتَ قَتَلْتَ رِجَالَنَا.