المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ذكر بيعة علي، رضي الله عنه، بالخلافة] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ١٠

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتَّ عَشْرَةَ]

- ‌[قُدُومُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَنَازِلَ مَدِينَةِ بَهُرَسِيرَ، وَهِيَ إِحْدَى مُدُنِ كِسْرَى]

- ‌[ذِكْرُ فَتْحِ الْمَدَائِنِ الَّتِي هِيَ مُسْتَقَرُّ مُلْكِ كِسْرَى]

- ‌[وَقْعَةُ جَلُولَاءَ]

- ‌[ذِكْرُ فَتْحِ حُلْوَانَ]

- ‌[فَتْحُ تَكْرِيتَ وَالْمَوْصِلِ]

- ‌[فَتْحُ مَاسَبَذَانَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقَ]

- ‌[فَتْحُ قِرْقِيسِيَاءَ وَهِيتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ]

- ‌[اخْتِطَاطُ الْكُوفَةِ وَبِنَاءُ الْمَسْجِدِ بِهَا]

- ‌[قِصَّةُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَحَصْرِ الرُّومِ لَهُ بِحِمْصَ وَقُدُومِ عُمَرَ إِلَى الشَّامِ أَيْضًا لِيَنْصُرَهُ]

- ‌[فَتْحُ الْجَزِيرَةِ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِ طَاعُونَ عَمَوَاسَ]

- ‌[كَائِنَةٌ غَرِيبَةٌ فِيهَا عُزِلَ خَالِدٌ عَنْ قِنَّسْرِينَ أَيْضًا]

- ‌[فَتْحُ الْأَهْوَازِ وَمَنَاذِرَ وَنَهْرِ تِيرَى]

- ‌[فَتْحُ تُسْتَرَ، الْمَرَّةُ الْأُولَى صُلْحًا]

- ‌[ذِكْرُ غَزْوِ بِلَادِ فَارِسَ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَحْرِينِ]

- ‌[ذِكْرُ فَتْحِ تُسْتَرَ ثَانِيَةً عَنْوَةً وَالسُّوسِ وَرَامَهُرْمُزَ وَأَسْرِ الْهُرْمُزَانِ وَبَعْثِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ]

- ‌[فَتْحُ السُّوسِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِي عَشْرَةَ]

- ‌[طَاعُونُ عَمَوَاسَ وَعَامُ الرَّمَادَةِ]

- ‌[ذِكْرُ طَائِفَةٍ مِنْ أَعْيَانِ مَنْ تُوُفِّيَ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[سَنَةُ عِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[فَتْحُ مِصْرَ]

- ‌[صِفَةُ فَتْحِ مِصْرَ مَجْمُوعًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَسَيْفٍ وَغَيْرِهِمَا]

- ‌[قِصَّةُ نِيلِ مِصْرَ]

- ‌[ذِكْرُ الْمُتَوَفَّيْنَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ]

- ‌[وَقْعَةُ نَهَاوَنْدَ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ]

- ‌[الْفُتُوحَاتُ الَّتِي تَمَّتْ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ]

- ‌[فَتْحُ الرَّيِّ]

- ‌[فَتْحُ قَوْمِسَ]

- ‌[فَتْحُ جُرْجَانَ]

- ‌[فَتْحُ أَذْرَبِيجَانَ]

- ‌[فَتْحُ الْبَابِ]

- ‌[أَوَّلُ غَزْوِ التُّرْكِ]

- ‌[قِصَّةُ السَّدِّ]

- ‌[بَقِيَّةٌ مِنْ خَبَرِ السَّدِّ]

- ‌[قِصَّةُ يَزْدَجِرْدَ بْنِ شَهْرِيَارَ بْنِ كِسْرَى]

- ‌[غَزْوُ الْمُسْلِمِينَ بِلَادَ خُرَاسَانَ مَعَ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[فَتْحُ فَسَا وَدَارَابْجِرْدَ وَقِصَّةُ سَارِيَةَ بْنِ زُنَيْمٍ]

- ‌[غَزْوَةُ الْأَكْرَادِ]

- ‌[خَبَرُ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْجَعِيِّ وَالْأَكْرَادِ]

- ‌[صِفَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وَأَبْنَائِهِ وَبَنَاتِهِ]

- ‌[ذِكْرُ بَعْضِ مَا رُثِيَ بِهِ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ]

- ‌[ثُمَّ اسْتَهَلَّتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[دَفْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمُبَايَعَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ]

- ‌[خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ]

- ‌[وَفِيهَا تُوُفِّيَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بْنُ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[غَزْوَةُ إِفْرِيقِيَّةَ]

- ‌[غَزْوَةُ الْأَنْدَلُسِ]

- ‌[وَقْعَةُ جُرْجِيرَ وَالْبَرْبَرِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[سَنَةُ ثَلَاثِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[فَتْحُ طَبَرِسْتَانَ]

- ‌[فِيمَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ]

- ‌[غَزْوَةُ الصَّوَارِي وَغَزْوَةُ الْأَسَاوِدَةِ]

- ‌[كَيْفِيَّةُ قَتْلِ كِسْرَى مِلِكِ الْفُرْسِ وَهُوَ يَزْدَجِرْدُ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[أَسْبَابُ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ مَجِيءِ الْأَحْزَابِ إِلَى عُثْمَانَ لِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مِصْرَ]

- ‌[صِفَةُ حَصْرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ]

- ‌[صِفَةُ قَتْلِهِ رضي الله عنه]

- ‌[تَعْلِيقَاتٌ عَلَى مَقْتَلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه]

- ‌[مُدَّةُ حِصَارِهِ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ صِفَتِهِ رضي الله عنه]

- ‌[كَلَامُ الصَّحَابَةِ فِي مَقْتَلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ بَعْضِ مَا رُثِيَ بِهِ رضي الله عنه]

- ‌[كَيْفِيَّةُ قَتْلِ عُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ وَبِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي فَضَائِلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ]

- ‌[نَسَبُهُ]

- ‌[فِيمَا وَرَدَ فِي فَضَائِلِهِ مَعَ غَيْرِهِ]

- ‌[فِيمَا وَرَدَ مِنْ فَضَائِلِهِ وَحْدَهُ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ سِيرَتِهِ وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى فَضِيلَتِهِ رضي الله عنه]

- ‌[فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ خُطَبِهِ]

- ‌[مَنَاقِبُهُ رضي الله عنه]

- ‌[مَنَاقِبُهُ الْكِبَارُ وَحَسَنَاتُهُ الْعَظِيمَةُ]

- ‌[ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وَبَنِيهِ وَبَنَاتِهِ، رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوَفِّيَ فِي زَمَانِ دَوْلَةِ عُثْمَانَ]

- ‌[خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ بَيْعَةِ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، بِالْخِلَافَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[بِدَايَةُ خِلَافَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه]

- ‌[ابْتِدَاءُ وَقْعَةِ الْجَمَلِ]

- ‌[ذِكْرُ مَسِيرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ بَدَلًا عَنْ مَسِيرِهِ إِلَى الشَّامِ]

- ‌[وَلَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ مِنْ أَمْرِ الْجَمَلِ]

- ‌[ذِكْرُ أَعْيَانِ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ]

- ‌[فِي ذِكْرِ وَقْعَةِ صِفِّينَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَبَيْنَ أَهْلِ الشَّامِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[مُحَاوَلَاتٌ لِلصُّلْحِ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ]

- ‌[ذِكْرُ رَفْعِ أَهْلِ الشَّامِ الْمَصَاحِفَ مَكْرًا مِنْهُمْ بِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَخَدِيعَةً]

- ‌[قِصَّةُ التَّحْكِيمِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْخَوَارِجِ]

- ‌[مُنَاظَرَةُ عَلِيِّ رضي الله عنه لِلْخَوَارِجِ]

- ‌[صِفَةُ اجْتِمَاعِ الْحَكَمَيْنِ وَهُمَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْخَوَارِجِ مِنَ الْكُوفَةِ وَمُبَارَزَتِهِمْ عَلِيًّا رضي الله عنه بِالْعَدَاوَةِ وَالْمُخَالَفَةِ]

- ‌[مَا وَرَدَ فِي الْخَوَارِجِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مَا دَارَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ قِتَالِ الْخَوَارِجِ]

- ‌[مَا دَارَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ قِتَالِ الْخَوَارِجِ]

- ‌[قِتَالُ عَلِيٍّ الْخَوَارِجَ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ كَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[سَنَةُ أَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

الفصل: ‌[ذكر بيعة علي، رضي الله عنه، بالخلافة]

عُمَرُ وَجَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى فِي سِتَّةٍ أَحَدُهُمْ عَلِيٌّ، ثُمَّ خُلِصَ مِنْهُمْ بِعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - كَمَا قَدَّمْنَا - فَقُدِّمَ عُثْمَانُ عَلَى عَلِيٍّ، سَمِعَ وَأَطَاعَ. فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ، عَلَى الْمَشْهُورِ عَدَلَ النَّاسُ إِلَى عَلِيٍّ فَبَايَعُوهُ قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ عُثْمَانُ، وَقِيلَ: بَعْدَ دَفْنِهِ. كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدِ امْتَنَعَ عَلِيٌّ مِنْ مُبَايَعَتِهِمْ، وَفَرَّ مِنْهُمْ إِلَى حَائِطِ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ، وَأَغْلَقَ بَابَهُ وَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ الْإِمَارَةِ حَتَّى تَكَرَّرَ قَوْلُهُمْ، فَجَاءَ النَّاسُ فَطَرَقُوا الْبَابَ وَوَلَجُوا عَلَيْهِ، وَجَاءُوا مَعَهُمْ بِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ بِلَا أَمِيرٍ، وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَجَابَ.

[ذِكْرُ بَيْعَةِ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، بِالْخِلَافَةِ]

فَيُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ طَلْحَةُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَكَانَتْ شَلَّاءَ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ - لَمَّا وَقَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، - فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَتِمُّ. وَخَرَجَ عَلِيٌّ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ وَعِمَامَةُ خَزٍّ، وَنَعْلَاهُ فِي يَدِهِ، يَتَوَكَّأُ عَلَى قَوْسِهِ، فَبَايَعَهُ عَامَّةُ النَّاسِ، وَذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، وَيُقَالُ: إِنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ إِنَّمَا بَايَعَاهُ بَعْدَ أَنْ طَلَبَهُمَا وَسَأَلَاهُ أَنْ

ص: 420

يُؤَمِّرُهُمَا عَلَى الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: بَلْ تَكُونَانِ عِنْدِي أَسْتَأْنِسُ بِكُمَا.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَمْ يُبَايِعْهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ; مِنْهُمْ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَمَسْلَمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَكَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ. ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ طَرِيقِ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ. قَالَ الْمَدَائِنِيُّ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: هَرَبَ قَوْمٌ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ وَلَمْ يُبَايِعُوا عَلِيًّا، وَلَمْ يُبَايِعْهُ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. قُلْتُ: وَهَرَبَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ، وَآخَرُونَ إِلَى الشَّامِ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: بَايَعَ النَّاسُ عَلِيًّا بِالْمَدِينَةِ، وَتَرَبَّصَ سَبْعَةُ نَفَرٍ لَمْ يُبَايِعُوا ; مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَصُهَيْبٌ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَسَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَّا بَايَعَ فِيمَا نَعْلَمُ.

وَذَكَرَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ شُيُوخِهِ قَالُوا: بَقِيَتِ الْمَدِينَةُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ وَأَمِيرُهَا الْغَافِقِيُّ بْنُ حَرْبٍ، يَلْتَمِسُونَ مَنْ يُجِيبُهُمْ إِلَى الْقِيَامِ

ص: 421

بِالْأَمْرِ وَالْمِصْرِيُّونَ يُلِحُّونَ عَلَى عَلِيٍّ وَهُوَ يَهْرُبُ مِنْهُمْ إِلَى الْحِيطَانِ، وَيَطْلُبُ الْكُوفِيُّونَ الزَّبِيرَ، فَلَا يَجِدُونَهُ، وَالْبَصْرِيُّونَ يَطْلُبُونَ طَلْحَةَ فَلَا يُجِيبُهُمْ، فَقَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: لَا نُوَلِّي أَحَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ. فَمَضَوْا إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالُوا: إِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى. فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ، ثُمَّ جَاءُوا إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَحَارُوا فِي أَمْرِهِمْ، ثُمَّ قَالُوا: إِنْ نَحْنُ رَجَعْنَا إِلَى أَمْصَارِنَا بِقَتْلِ عُثْمَانَ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ، اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَمْرِهِمْ وَلَمْ نَسْلَمْ. فَرَجَعُوا إِلَى عَلِيٍّ فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ، وَأَخَذَ الْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ يَقُولُونَ: أَوَّلُ مَنْ بَايَعَهُ الْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ. وَذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مُرَاجَعَةِ النَّاسِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَكُلُّهُمْ يَقُولُ: لَا يَصْلُحُ لَهَا إِلَّا عَلِيٌّ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، بَايَعَهُ مَنْ لَمْ يُبَايِعْهُ بِالْأَمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ طَلْحَةُ بِيَدِهِ الشَّلَّاءِ، فَقَالَ قَائِلٌ: إِنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. ثُمَّ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ قَالَ الزُّبَيْرُ: إِنَّمَا بَايَعْتُ عَلِيًّا وَاللُّجُّ عَلَى عُنُقِي. ثُمَّ رَاحَ إِلَى مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْبَيْعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَكَانَ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ كِتَابًا

ص: 422

هَادِيًا بَيَّنَ فِيهِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، فَخُذُوا بِالْخَيْرِ وَدَعُوا الشَّرَّ، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ حُرُمًا مُجْمَلَةً، وَفَضَّلَ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحُرُمِ كُلِّهَا، وَشَدَّ بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ إِلَّا بِالْحَقِّ، لَا يَحِلُّ أَذَى مُسْلِمٍ إِلَّا بِمَا يَجِبُ، بَادِرُوا أَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخَاصَّةُ أَحَدِكُمُ الْمَوْتُ، فَإِنَّ النَّاسَ أَمَامَكُمْ وَإِنَّمَا خَلْفَكُمُ السَّاعَةُ تَحْدُوكُمْ فَتَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا، فَإِنَّمَا يَنْتَظِرُ النَّاسُ أُخْرَاهُمُ، اتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَهُ فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ، إِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَالْبَهَائِمِ، أَطِيعُوا اللَّهَ وَلَا تَعْصُوهُ، وَإِذَا رَأَيْتُمُ الْخَيْرَ فَخُذُوا بِهِ وَإِذَا رَأَيْتُمُ الشَّرَّ فَدَعُوهُ:{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 26] فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ قَالَ الْمِصْرِيُّونَ:

خُذْهَا إِلَيْكَ وَاحْذَرَنْ أَبَا الْحَسَنْ

إِنَّا نُمِرُّ الْأَمْرَ إِمْرَارَ الرَّسَنْ

صَوْلَةَ أَقْوَامٍ كَأَسْدَادِ السُّفُنْ

بِمَشْرَفِيَّاتٍ كَغُدْرَانِ اللَّبَنْ

ص: 423

وَنَطْعُنُ الْمُلْكَ بِلِينٍ كَالشَّطَنْ

حَتَّى يُمَرَّنَّ عَلَى غَيْرِ عَنَنْ

فَقَالَ عَلِيٌّ مُجِيبًا لَهُمْ:

إِنِّي عَجَزْتُ عَجْزَةً لَا أَعْتَذِرْ

سَوْفَ أَكِيسُ بَعْدَهَا وَأَسْتَمِرْ

أَرْفَعُ مِنْ ذَيْلِيَ مَا كُنْتُ أَجُرْ

وَأَجْمَعُ الْأَمْرَ الشَّتِيتَ الْمُنْتَشِرْ

إِنْ لَمْ يُشَاغِبْنِي الْعَجُولُ الْمُنْتَصِرْ

أَوْ يَتْرُكُونِي وَالسِّلَاحُ يُبْتَدَرْ

وَكَانَ عَلَى الْكُوفَةِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَعَلَى الْحَرْبِ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَلَى الْخَرَاجِ جَابِرُ بْنُ فُلَانٍ الْمُزَنِيُّ، وَعَلَى الْبَصْرَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، وَعَلَى مِصْرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَقَدْ تَغَلَّبَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَعَلَى الشَّامِ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَنُوَّابُهُ ; عَلَى حِمْصَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَعَلَى قِنَّسْرِينَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَعَلَى الْأُرْدُنِّ أَبُو الْأَعْوَرِ، وَعَلَى فِلَسْطِينَ عَلْقَمَةُ بْنُ حَكِيمٍ، وَعَلَى أَذْرَبِيجَانَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَعَلَى قَرْقِيسْيَاءَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ، وَعَلَى حُلْوَانَ عُتَيْبَةُ بْنُ

ص: 424

النَّهَّاسِ، وَعَلَى مَاهَ مَالِكُ بْنُ حَبِيبٍ، وَعَلَى هَمَذَانَ النُّسَيْرُ. هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ نُوَّابِ عُثْمَانَ الَّذِينَ تُوَفِّيَ وَهُمْ نُوَّابُ الْأَمْصَارِ، وَكَانَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَلَى قَضَاءِ الْمَدِينَةِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ.

وَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ خَرَجَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَمَعَهُ قَمِيصُ عُثْمَانَ مُضَمَّخٌ بِدَمِهِ، وَمَعَهُ أَصَابِعُ نَائِلَةَ الَّتِي أُصِيبَتْ حِينَ جَاحَفَتْ عَنْهُ بِيَدِهَا، فَقُطِعَتْ مَعَ بَعْضِ الْكَفِّ فَوَرَدَ بِهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، فَوَضَعَهُ مُعَاوِيَةُ عَلَى الْمِنْبَرِ لِيَرَاهُ النَّاسُ، وَعَلَّقَ الْأَصَابِعَ فِي كُمِّ الْقَمِيصِ، وَنَدَبَ النَّاسَ إِلَى الْأَخْذِ بِثَأْرِ هَذَا الدَّمِ وَصَاحِبِهِ، فَتَبَاكَى النَّاسُ حَوْلَ الْمِنْبَرِ، وَجَعَلَ الْقَمِيصُ يُرْفَعُ تَارَةً وَيُوضَعُ تَارَةً، وَالنَّاسُ يَتَبَاكَوْنَ حَوْلَهُ سَنَةً، وَحَثَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى الْأَخْذِ بِثَأْرِهِ، وَاعْتَزَلَ أَكْثَرُ النَّاسِ النِّسَاءَ فِي هَذَا الْعَامِ، وَقَامَ فِي النَّاسِ مُعَاوِيَةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعَهُ يُحَرِّضُونَ النَّاسَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِدَمِ عُثْمَانَ مِمَّنْ قَتَلَهُ مِنْ أُولَئِكَ الْخَوَارِجِ ; مِنْهُمْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو أُمَامَةَ، وَعَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنَ التَّابِعِينَ ;

ص: 425

شَرِيكُ بْنُ خُبَاشَةَ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ.

وَلَمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرُ بَيْعَةِ عَلِيٍّ دَخَلَ عَلَيْهِ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَرُءُوسُ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَطَلَبُوا مِنْهُ إِقَامَةَ الْحُدُودِ، وَالْأَخْذَ بِدَمِ عُثْمَانَ. فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ مَدَدٌ وَأَعْوَانٌ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ يَوْمَهُ هَذَا، فَطَلَبَ مِنْهُ الزُّبَيْرُ أَنْ يُوَلِّيَهُ إِمْرَةَ الْكُوفَةِ لِيَأْتِيَهُ بِالْجُنُودِ، وَطَلَبَ مِنْهُ طَلْحَةُ أَنْ يُوَلِّيَهُ إِمْرَةَ الْبَصْرَةِ لِيَأْتِيَهُ مِنْهَا بِالْجُنُودِ، لِيَتَقَوَّى بِهِمْ عَلَى شَوْكَةِ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجِ، وَجَهَلَةِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ، رضي الله عنه، فَقَالَ لَهُمَا: حَتَّى أَنْظُرَ فِي هَذَا. وَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَرَى أَنْ تُقِرَّ عُمَّالَكَ عَلَى الْبِلَادِ، فَإِذَا أَتَتْكَ طَاعَتُهُمُ اسْتَبْدَلْتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَنْ شِئْتَ وَتَرَكْتَ مَنْ شِئْتَ. ثُمَّ جَاءَهُ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَرَى أَنْ تَعْزِلَهُمْ لِتَعْلَمَ مَنْ يُطِيعُكَ مِمَّنْ يَعْصِيكَ. فَعَرَضَ ذَلِكَ عَلِيٌّ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَقَدْ نَصَحَكَ بِالْأَمْسِ وَغَشَّكَ الْيَوْمَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمُغِيرَةَ فَقَالَ: نَعَمْ نَصَحْتُهُ فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْ غَشَشْتُهُ. ثُمَّ خَرَجَ الْمُغِيرَةُ فَلَحِقَ

ص: 426

بِمَكَّةَ، وَلَحِقَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ بِمَكَّةَ، وَكَانُوا قَدِ اسْتَأْذَنُوا عَلِيًّا فِي الِاعْتِمَارِ فَأَذِنَ لَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَشَارَ عَلَى عَلِيٍّ بِاسْتِمْرَارِهِ بِنُوَّابِهِ فِي الْبِلَادِ إِلَى حِينِ يَتَمَكَّنُ الْأَمْرُ، وَأَنْ يُقِرَّ مُعَاوِيَةَ خُصُوصًا عَلَى الشَّامِ وَقَالَ لَهُ: إِنِّي أَخْشَى إِنْ عَزَلْتَهُ عَنْهَا أَنْ يُطَالِبَكَ بِدَمِ عُثْمَانَ، وَلَا آمَنُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ أَنْ يَكِرَّا عَلَيْكَ بِسَبَبِ ذَلِكَ. فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنِّي لَا أَرَى هَذَا، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ إِلَى الشَّامِ فَقَدْ وَلَّيْتُكَهَا. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِّي أَخْشَى مِنْ مُعَاوِيَةَ أَنْ يَقْتُلَنِي بِعُثْمَانَ، أَوْ يَحْبِسَنِي لِقَرَابَتِي مِنْكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَمَنِّهِ وَعِدْهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا مَا لَا يَكُونُ أَبَدًا. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فَوَاللَّهِ لَئِنْ أَطَعْتَنِي لَأُورِدَنَّهُمْ بَعْدَ صَدْرِهِمْ. وَنَهَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَلِيًّا فِيمَا أَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحَسِّنُونَ لَهُ الدُّخُولَ إِلَى الْعِرَاقِ، وَمُفَارَقَةَ الْمَدِينَةِ، فَأَبَى عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَطَاوَعَ أَمْرَ أُولَئِكَ الْأُمَرَاءِ مِنْ أُولَئِكَ الْخَوَارِجِ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قَصَدَ قُسْطَنْطِينُ بْنُ هِرَقْلَ بِلَادَ

ص: 427

الْمُسْلِمِينَ فِي أَلْفِ مَرْكَبٍ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَغَرَّقَهُ اللَّهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ وَمَنْ مَعَهُ، وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا الْمَلِكُ فِي شِرْذِمَةٍ قَلِيلَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ صِقِلِّيَةَ عَمِلُوا لَهُ حَمَّامًا فَدَخَلَهُ فَقَتَلُوهُ فِيهِ وَقَالُوا: أَنْتَ قَتَلْتَ رِجَالَنَا.

ص: 428