الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِيمَا حَكَاهُ عَنِ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ أَمِيرَ دِمَشْقَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عُمَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ، وَهُوَ أَيْضًا عَلَى حِمْصَ وَحَوْرَانَ وَقِنَّسْرِينَ وَالْجَزِيرَةِ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ عَلَى الْبَلْقَاءِ وَالْأُرْدُنِّ، وَفِلَسْطِينَ، وَالسَّوَاحِلِ وَأَنْطَاكِيَةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]
ِ أَعْنِي سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ
ابْنُ الْمُغِيرَةِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيُّ، أَبُو سُلَيْمَانَ الْمَخْزُومِيُّ، سَيْفُ اللَّهِ، أَحَدُ الشُّجْعَانِ الْمَشْهُورِينَ، لَمْ يُقْهَرْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ. وَأُمُّهُ عَصْمَاءُ بِنْتُ الْحَارِثِ، أُخْتُ لُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، وَأُخْتُ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَسْلَمَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَشَهِدَ مُؤْتَةَ وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ الْإِمَارَةُ يَوْمَئِذٍ عَنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ، فَقَاتَلَ يَوْمَئِذٍ قِتَالًا شَدِيدًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، انْدَقَّتْ فِي
يَدِهِ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ، وَلَمْ تَثْبُتْ فِي يَدِهِ إِلَّا صَفِيحَةٌ يَمَانِيَةٌ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:«أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ»
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ خَالِدًا سَقَطَتْ قَلَنْسُوَتُهُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ وَهُوَ فِي الْحَرْبِ، فَجَعَلَ يَسْتَحِثُّ فِي طَلَبِهَا، فَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ فِيهَا شَيْئًا مِنْ شَعْرِ نَاصِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّهَا مَا كَانَتْ مَعِيَ فِي مَوْقِفٍ إِلَّا نُصِرْتُ بِهَا.
وَقَدْ رُوِّينَا فِي " مُسْنَدِ أَحْمَدَ " مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّهُ لَمَّا أَمَّرَ خَالِدًا عَلَى حَرْبِ أَهْلِ الرِّدَّةِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«فَنِعْمَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو الْعَشِيرَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ، سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ»
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الشَّامِ وَعَزَلَ خَالِدَ بْنَ
الْوَلِيدِ، فَقَالَ خَالِدٌ: بَعَثَ عَلَيْكُمْ أَمِينَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: ( «خَالِدٌ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ، نِعْمَ فَتَى الْعَشِيرَةِ» . وَقَدْ أَوْرَدَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ طُرُقٍ مُرْسَلَةٍ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا.
وَفِي الصَّحِيحِ: «وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، وَقَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ".
وَشَهِدَ الْفَتْحَ، وَشَهِدَ حُنَيْنًا، وَغَزَا بَنِي جَذِيمَةَ أَمِيرًا فِي حَيَاتِهِ، عليه الصلاة والسلام، وَاخْتُلِفَ فِي شُهُودِهِ خَيْبَرَ. وَقَدْ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرًا عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ، وَقَتَلَ خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ قُرَيْشٍ، كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي مَوْضِعِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، إِلَى الْعُزَّى - وَكَانَتْ لِهَوَازِنَ - فَكَسَرَ أَنْفَهَا أَوَّلًا، ثُمَّ دَعْثَرَهَا وَجَعَلَ يَقُولُ:
يَا عُزَّ كُفْرَانَكِ لَا سُبْحَانَكِ
…
إِنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ أَهَانَكِ
ثُمَّ حَرَّقَهَا.
وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ الصِّدِّيقُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ، فَشَفَى وَاشْتَفَى. ثُمَّ وَجَّهَهُ إِلَى الْعِرَاقِ ثُمَّ إِلَى الشَّامِ، فَكَانَتْ لَهُ مِنَ الْمَقَامَاتِ مَا ذَكَرْنَاهَا مِمَّا تَقَرُّ بِهَا الْقُلُوبُ وَالْعُيُونُ، وَتَتَشَنَّفُ بِهَا الْأَسْمَاعُ. ثُمَّ عَزَلَهُ عُمَرُ عَنْهَا وَوَلَّى أَبَا عُبَيْدَةَ وَأَبْقَاهُ مُسْتَشَارًا فِي الْحَرْبِ، وَلَمْ يَزَلْ بِالشَّامِ حَتَّى مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ، رضي الله عنه.
وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ خَالِدًا الْوَفَاةُ بَكَى، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ حَضَرْتُ كَذَا وَكَذَا زَحْفًا، وَمَا فِي جَسَدِي شِبْرٌ إِلَّا وَفِيهِ ضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ، أَوْ طَعْنَةٌ بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةٌ بِسَهْمٍ، وَهَا أَنَا أَمُوتُ عَلَى فِرَاشِي حَتْفَ أَنْفِي كَمَا يَمُوتُ الْبَعِيرُ، فَلَا نَامَتْ أَعْيُنُ الْجُبَنَاءِ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: ثَنَا شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: مَا لَيْلَةٌ تُهْدَى إِلَيَّ فِيهَا عَرُوسٌ، أَوْ أُبَشَّرُ فِيهَا بِغُلَامٍ، بِأَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ لَيْلَةٍ شَدِيدَةِ الْجَلِيدِ فِي سَرِيَّةٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أُصَبِّحُ بِهِمُ الْعَدُوَّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ: أُتِيَ خَالِدٌ بِرَجُلٍ مَعَهُ زِقُّ خَمْرٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ عَسَلًا. فَصَارَ عَسَلًا. وَلَهُ طُرُقٌ، وَفِي بَعْضِهَا: مَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مَعَهُ زِقُّ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: مَا هَذَا؟ قَالَ: خَلٌّ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ خَلًّا. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ: جِئْتُكُمْ بِخَمْرٍ لَمْ تَشْرَبِ الْعَرَبُ مِثْلَهُ. ثُمَّ فَتَحَهُ فَإِذَا هُوَ خَلٌّ، فَقَالَ: أَصَابَتْهُ وَاللَّهِ دَعْوَةُ خَالِدٍ، رضي الله عنه.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: الْتَقَى خَالِدٌ عَدُوًّا لَهُ، فَوَلَّى عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ وَثَبَتَ هُوَ وَأَخِي الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ، وَكُنْتُ بَيْنَهُمَا وَاقِفًا، قَالَ: فَنَكَسَ خَالِدٌ رَأْسَهُ سَاعَةً إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ سَاعَةً - قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ إِذَا أَصَابَهُ مِثْلُ هَذَا - ثُمَّ قَالَ لِأَخِي الْبَرَاءِ: قُمْ. فَرَكِبَا، وَاخْتَطَبَ خَالِدٌ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا الْجَنَّةُ، وَمَا إِلَى الْمَدِينَةِ سَبِيلٌ. ثُمَّ حَمَلَ بِهِمْ فَهَزَمَ الْمُشْرِكِينَ.
وَقَدْ حَكَى مَالِكٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: اكْتُبْ إِلَى
خَالِدٍ أَنْ لَا يُعْطِيَ شَاةً وَلَا بَعِيرًا إِلَّا بِأَمْرِكَ. فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى خَالِدٍ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ خَالِدٌ: إِمَّا أَنْ تَدَعَنِي وَعَمَلِي، وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِعَمَلِكَ. فَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ بِعَزْلِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ يُجْزِي عَنِّي جَزَاةَ خَالِدٍ؟ قَالَ عُمَرُ: أَنَا. قَالَ: فَأَنْتَ. فَتَجَهَّزَ عُمَرُ حَتَّى أُنِيخَتِ الظَّهْرُ فِي الدَّارِ، ثُمَّ جَاءَ الصَّحَابَةُ فَأَشَارُوا عَلَى الصِّدِّيقِ بِإِبْقَاءِ عُمَرَ بِالْمَدِينَةِ وَإِبْقَاءِ خَالِدٍ بِالشَّامِ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ كَتَبَ إِلَى خَالِدٍ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ خَالِدٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَعَزَلَهُ، وَقَالَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَرَانِيَ آمُرُ أَبَا بَكْرٍ بِشَيْءٍ لَا أُنْفِذُهُ أَنَا.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ "، وَغَيْرِهِ، مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ نَاشِرَةَ بْنِ سُمَيٍّ الْيَزَنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَعْتَذِرُ إِلَى النَّاسِ بِالْجَابِيَةِ مِنْ عَزْلِ خَالِدٍ، فَقَالَ: أَمَرْتُهُ أَنْ يَحْبِسَ هَذَا الْمَالَ عَلَى ضَعَفَةِ الْمُهَاجِرِينَ، فَأَعْطَاهُ ذَا الْبَأْسِ، وَذَا الشَّرَفِ وَاللِّسَانِ، وَأَمَّرْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ. فَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ: مَا اعْتَذَرْتَ يَا عُمَرُ، لَقَدْ نَزَعْتَ عَامِلًا اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَوَضَعْتَ لِوَاءً رَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَأَغْمَدْتَ سَيْفًا سَلَّهُ اللَّهُ، وَلَقَدْ قَطَعْتَ الرَّحِمَ، وَحَسَدْتَ ابْنَ الْعَمِّ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّكَ قَرِيبُ الْقَرَابَةِ، حَدِيثُ السِّنِّ، مُغْضَبٌ فِي ابْنِ عَمِّكَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ بَقَرْيَةٍ عَلَى مِيلٍ مِنْ حِمْصَ، وَأَوْصَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَالَ دُحَيْمٌ وَغَيْرُهُ: مَاتَ بِالْمَدِينَةِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
وَقَدَّمْنَا فِيمَا سَلَفَ تَعْزِيرَ عُمَرَ لَهُ حِينَ أَعْطَى الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ عَشَرَةَ آلَافٍ، وَأَخْذَهُ مِنْ مَالِهِ عِشْرِينَ أَلْفًا أَيْضًا. وَقَدَّمْنَا عَتْبَهُ عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ الْحَمَّامَ وَتَدَلُّكِهُ بَعْدَ النُّورَةِ بِدَقِيقِ عُصْفُرٍ مَعْجُونٍ بِخَمْرٍ، وَاعْتِذَارَ خَالِدٍ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ صَارَ غَسُولًا.
وَرُوِّينَا عَنْ خَالِدٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَقَالَ: إِنِّي لَمْ أُطَلِّقْهَا عَنْ رِيبَةٍ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَمْرَضْ عِنْدِي وَلَمْ يُصِبْهَا شَيْءٌ فِي بَدَنِهَا وَلَا رَأْسِهَا، وَلَا فِي شَيْءٍ
مِنْ جَسَدِهَا.
وَرَوَى سَيْفٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ حِينَ عَزَلَ خَالِدًا عَنِ الشَّامِ، وَالْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ عَنِ الْعِرَاقِ. إِنَّمَا عَزَلْتُهُمَا لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ اللَّهَ نَصَرَ الدِّينَ لَا يَنْصُرُهُمَا، وَأَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا.
وَرَوَى سَيْفٌ أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ قَالَ حِينَ عَزَلَ خَالِدًا عَنْ قِنَّسْرِينَ وَأَخَذَ مِنْهُ مَا أَخَذَ: إِنَّكَ عَلَيَّ لِكَرِيمٌ، وَإِنَّكَ عِنْدِي لِعَزِيزٌ، وَلَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ مِنِّي أَمْرٌ تَكْرَهُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَقَدْ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ عَنْ بِلَالٍ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: اصْطَرَعَ عُمَرُ وَخَالِدٌ وَهُمَا غُلَامَانِ - وَكَانَ خَالِدٌ ابْنَ خَالِ عُمَرَ - فَكَسَرَ خَالِدٌ سَاقَ عُمَرَ، فَعُولِجَتْ وَجُبِرَتْ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: دَخَلَ خَالِدٌ عَلَى عُمَرَ وَعَلَيْهِ قَمِيصُ حَرِيرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَذَا يَا خَالِدُ؟ فَقَالَ:
وَمَا بَأْسُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَيْسَ قَدْ لَبِسَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ؟ فَقَالَ: وَأَنْتَ مِثْلُ ابْنِ عَوْفٍ! وَلَكَ مِثْلُ مَا لِابْنِ عَوْفٍ! عَزَمْتُ عَلَى مَنْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِطَائِفَةٍ مِمَّا يَلِيهِ. قَالَ: فَمَزَّقُوهُ حَتَّى لَمَّ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ - ثُمَّ شَكَّ حَمَّادٌ فِي أَبِي وَائِلٍ - قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ الْوَفَاةُ قَالَ: لَقَدْ طَلَبْتُ الْقَتْلَ فِي مَظَانِّهِ فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي إِلَّا أَنْ أَمُوتَ عَلَى فِرَاشِي، وَمَا مِنْ عَمَلِي شَيْءٌ أَرْجَى عِنْدِي بَعْدَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مِنْ لَيْلَةٍ بِتُّهَا وَأَنَا مُتَتَرِّسٌ وَالسَّمَاءُ تَهُلُّنِي نَنْتَظِرُ الصُّبْحَ، حَتَّى نُغِيرَ عَلَى الْكُفَّارِ. ثُمَّ قَالَ: إِذَا أَنَا مِتُّ فَانْظُرُوا إِلَى سِلَاحِي وَفَرَسِي فَاجْعَلُوهُ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ خَرَجَ عُمَرُ عَلَى جِنَازَتِهِ، فَذَكَرَ قَوْلَهُ: مَا عَلَى نِسَاءِ آلِ الْوَلِيدِ أَنْ يَسْفَحْنَ عَلَى خَالِدٍ مِنْ دُمُوعِهِنَّ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعًا أَوْ لَقْلَقَةً. قَالَ ابْنُ الْمُخْتَارِ: النَّقْعُ: التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ، وَاللَّقْلَقَةُ: الصَّوْتُ. وَقَدْ عَلَّقَ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " بَعْضَ هَذَا فَقَالَ: وَقَالَ عُمَرُ: دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ. وَالنَّقْعُ: التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ، وَاللَّقْلَقَةُ: الصَّوْتُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: لَمَّا مَاتَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ اجْتَمَعَ نِسْوَةُ بَنِي الْمُغِيرَةِ فِي دَارِ خَالِدٍ يَبْكِينَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لِعُمَرَ: إِنَّهُنَّ قَدِ اجْتَمَعْنَ فِي دَارِ خَالِدٍ، وَهُنَّ خُلَقَاءُ أَنْ يُسْمِعْنَكَ بَعْضَ مَا تَكْرَهُ، فَأَرْسِلْ إِلَيْهِنَّ فَانْهَهُنَّ. فَقَالَ عُمَرُ: وَمَا عَلَيْهِنَّ أَنْ يُرِقْنَ مِنْ دُمُوعِهِنَّ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعًا أَوْ لَقْلَقَةً. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي " التَّارِيخِ " مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مَاتَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِالْمَدِينَةِ فَخَرَجَ عُمَرُ فِي جِنَازَتِهِ وَإِذَا أُمُّهُ تَنْدُبُهُ وَتَقُولُ:
أَنْتَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ أَلْفٍ مِنَ الْقَوْ
…
مِ إِذَا مَا كَبَتْ وُجُوهُ الرِّجَالِ
فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقْتِ، إِنْ كَانَ لَكَذَلِكَ.
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُبَشِّرٍ، عَنْ سَالِمٍ قَالَ: فَأَقَامَ خَالِدٌ فِي
الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا ظَنَّ عُمَرُ أَنْ قَدْ سَبَكَهُ وَبَصَّرَ النَّاسَ، حَجَّ وَقَدْ عَزَمَ عَلَى تَوْلِيَتِهِ، وَاشْتَكَى خَالِدٌ بَعْدُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَدِينَةِ زَائِرًا لِأُمِّهِ، فَقَالَ لَهَا: أَحْدِرُونِي إِلَى مُهَاجِرِي. فَقَدِمَتْ بِهِ الْمَدِينَةَ وَمَرَّضَتْهُ، فَلَمَّا ثَقُلَ وَأَظَلَّ قُدُومُ عُمَرَ، لَقِيَهُ لَاقٍ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ صَادِرًا عَنْ حَجِّهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَهْيَمْ؟ فَقَالَ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَقِيلٌ لِمَا بِهِ. فَطَوَى ثَلَاثًا فِي لَيْلَةٍ، فَأَدْرَكَهُ حِينَ قَضَى، فَرَقَّ عَلَيْهِ وَاسْتَرْجَعَ، وَجَلَسَ بِبَابِهِ حَتَّى جُهِّزَ، وَبَكَتْهُ الْبَوَاكِي، فَقِيلَ لِعُمَرَ: أَلَا تَسْمَعُ، أَلَا تَنْهَاهُنَّ؟ فَقَالَ: وَمَا عَلَى نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَنْ يَبْكِينَ أَبَا سُلَيْمَانَ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ وَلَا لَقْلَقَةٌ. فَلَمَّا خَرَجَ لِجِنَازَتِهِ رَأَى عُمَرَ امْرَأَةً مُحْتَزِمَةً تَبْكِيهِ وَتَقُولُ:
أَنْتَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ أَلْفٍ مِنَ النَّا
…
سِ إِذَا مَا كَبَتْ وُجُوهُ الرِّجَالِ
أَشُجَاعٌ فَأَنْتَ أَشْجَعُ مِنْ لَيْ
…
ثِ عَرِينٍ جَهْمٍ أَبِي أَشْبَالِ
أَجَوَادٌ فَأَنْتَ أَجْوَدُ مِنْ سَيْ
لِ دِيَاسٍ يَسِيلُ بَيْنَ الْجِبَالِ
فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقِيلَ: أُمُّهُ. فَقَالَ: أُمُّهُ، وَالْإِلَهِ - ثَلَاثًا - هَلْ قَامَتِ النِّسَاءُ عَنْ مِثْلِ خَالِدٍ! قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ يَتَمَثَّلُ فِي طَيِّهِ تِلْكَ الثَّلَاثَ فِي لَيْلَةٍ وَفِي قُدُومِهِ:
تُبَكِّي مَا وَصَلْتَ بِهِ النَّدَامَى
…
وَلَا تَبْكِي فَوَارِسَ كَالْجِبَالِ
أُولَئِكَ إِنْ بَكَيْتَ أَشَدُّ فَقْدًا
…
مِنَ الْأَذْهَابِ وَالْعَكَرِ الْجَلَالِ
تَمَنَّى بَعْدَهُمْ قَوْمٌ مَدَاهُمْ
…
فَلَمْ يَدْنُوا لَأَسْبَابِ الْكَمَالِ
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأُمِّ خَالِدٍ: أَخَالِدًا وَأَجْرَهُ تَرْزَئِينَ! عَزَمْتُ عَلَيْكِ أَنْ لَا تَبِيتِي حَتَّى تَسْوَدَّ يَدَاكِ مِنَ الْخِضَابِ.
وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَقْتَضِي مَوْتَهُ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دُحَيْمٌ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ، وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنِ الْجُمْهُورِ؛ وَهُمُ الْوَاقِدِيُّ، وَكَاتِبُهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو الْعُصْفُرِيُّ، وَمُوسَى بْنُ أَيُّوبَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُهُمْ، أَنَّهُ مَاتَ بِحِمْصَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ. زَادَ الْوَاقِدِيُّ: وَأَوْصَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ وَغَيْرِهِ، قَالُوا: قَدِمَ خَالِدٌ الْمَدِينَةَ بَعْدَ مَا عَزَلَهُ عُمَرُ، فَاعْتَمَرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الشَّامِ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ أَنَّ عُمَرَ رَأَى حُجَّاجًا يُصَلُّونَ بِمَسْجِدِ قُبَاءَ. فَقَالَ: أَيْنَ نَزَلْتُمْ بِالشَّامِ؟ قَالُوا: بِحِمْصَ. قَالَ: فَهَلْ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، مَاتَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: فَاسْتَرْجَعَ عُمَرُ وَقَالَ: كَانَ وَاللَّهِ سَدَّادًا لِنُحُورِ الْعَدُوِّ، مَيْمُونَ النَّقِيبَةِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: فَلِمَ عَزَلْتَهُ؟ قَالَ: لِبَذْلِهِ الْمَالَ لِذَوِي الشَّرَفِ وَاللِّسَانِ. وَفِي رِوَايَةٍ
أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَلِيٍّ: نَدِمْتُ عَلَى مَا كَانَ مِنِّي.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ، ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ أَبِي حَازِمٍ يَقُولُ: لَمَّا مَاتَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ عُمَرُ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا سُلَيْمَانَ، لَقَدْ كُنَّا نَظُنُّ بِهِ أُمُورًا مَا كَانَتْ. وَقَالَ جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ خَالِدٌ لَمْ يُوجَدْ لَهُ إِلَّا فَرَسُهُ وَغُلَامُهُ وَسِلَاحُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا سُلَيْمَانَ، إِنْ كُنَّا لَنَظُنُّهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا.
وَقَالَ الْقَاضِي الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجَرِيرِيُّ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْعَسْكَرِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْزَةَ اللَّخْمِيُّ، ثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحِرْمَازِيُّ قَالَ: دَخَلَ هِشَامُ بْنُ الْبَخْتَرِيِّ فِي نَاسٍ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ: يَا هِشَامُ، أَنْشِدْنِي شِعْرَكَ فِي خَالِدٍ. فَأَنْشَدُهُ، فَقَالَ: قَصَّرْتَ فِي الثَّنَاءِ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ، رحمه الله، إِنَّهُ كَانَ لِيُحِبُّ أَنْ يُذِلَّ
الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ، وَإِنْ كَانَ الشَّامِتُ بِهِ لَمُتَعَرِّضًا لِمَقْتِ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: قَاتَلَ اللَّهُ أَخَا بَنِي تَمِيمٍ مَا أَشْعَرَهُ:
فَقُلْ لِلَّذِي يَبْقَى خِلَافَ الَّذِي مَضَى
…
تَهَيَّأْ لِأُخْرَى مِثْلِهَا فَكَأَنْ قَدِ
فَمَا عَيْشُ مَنْ قَدْ عَاشَ بَعْدِي بِنَافِعِي
…
وَلَا مَوْتُ مَنْ قَدْ مَاتَ يَوْمًا بِمُخْلِدِي
ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا سُلَيْمَانَ، مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لَهُ مِمَّا كَانَ فِيهِ، وَلَقَدْ مَاتَ فَقِيدًا، وَعَاشَ حَمِيدًا، وَلَكِنْ رَأَيْتُ الدَّهْرَ لَيْسَ بِقَابِلٍ.
طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ
ابْنُ نَوْفَلِ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ الْأَشْتَرِ بْنِ حَجْوَانَ بْنِ فَقْعَسِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قُعَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ
خُزَيْمَةَ، الْأَسَدِيُّ الْفَقْعَسِيُّ، كَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْخَنْدَقَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ أَسْلَمَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَوَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فِي أَيَّامِ الصِّدِّيقِ، وَادَّعَى النُّبُوَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّهُ ادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّ ابْنَهُ حِبَالًا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ:" مَا اسْمُ الَّذِي يَأْتِي إِلَى أَبِيكَ؟ ". فَقَالَ: ذُو النُّونِ الَّذِي لَا يَكْذِبُ وَلَا يَخُونُ، وَلَا يَكُونُ كَمَا يَكُونُ. فَقَالَ:" لَقَدْ سَمَّى مَلَكًا عَظِيمَ الشَّأْنِ ". ثُمَّ قَالَ لِابْنِهِ: " قَتَلَكَ اللَّهُ وَحَرَمَكَ الشَّهَادَةَ ". وَرَدَّهُ كَمَا جَاءَ، فَقُتِلَ حِبَالٌ فِي الرِّدَّةِ فِي بَعْضِ الْوَقَائِعِ، قَتَلَهُ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ ثُمَّ قَتَلَ طُلَيْحَةُ عُكَّاشَةَ، وَلَهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَقَائِعُ. ثُمَّ خَذَلَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَتَفَرَّقَ جُنْدُهُ، فَهَرَبَ حَتَّى دَخَلَ الشَّامَ، فَنَزَلَ عَلَى آلِ جَفْنَةَ، فَأَقَامَ عِنْدَهُمْ حَتَّى مَاتَ الصِّدِّيقُ - حَيَاءً مِنْهُ - ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَاعْتَمَرَ، ثُمَّ جَاءَ يُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: اغْرُبْ عَنِّي فَإِنَّكَ قَاتِلُ الرَّجُلَيْنِ الصَّالِحَيْنِ؛ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ وَثَابِتِ بْنِ أَقْرَمَ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هُمَا رَجُلَانِ أَكْرَمَهُمَا اللَّهُ عَلَى يَدَيَّ وَلَمْ يُهِنِّي بِأَيْدِيهِمَا. فَأَعْجَبَ عُمَرَ كَلَامُهُ وَرَضِيَ عَنْهُ، وَكَتَبَ لَهُ بِالْوَصَاةِ إِلَى الْأُمَرَاءِ أَنْ يُشَاوَرَ وَلَا يُوَلَّى شَيْئًا مِنَ الْأَمْرِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الشَّامِ مُجَاهِدًا، فَشَهِدَ الْيَرْمُوكَ وَبَعْضَ حُرُوبٍ، كَالْقَادِسِيَّةِ
وَنَهَاوَنْدَ الْفُرْسِ، وَكَانَ مِنَ الشُّجْعَانِ الْمَذْكُورِينَ، وَالْأَبْطَالِ الْمَشْهُورِينَ، وَقَدْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ.
وَذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَالَ: كَانَ يُعَدُّ بِأَلْفِ فَارِسٍ؛ لِشِدَّتِهِ وَشَجَاعَتِهِ وَبَصَرِهِ بِالْحَرْبِ. وَقَالَ أَبُو نَصْرِ بْنُ مَاكُولَا: أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَكَانَ يُعْدَلُ بِأَلْفِ فَارِسٍ.
وَمِنْ شِعْرِهِ أَيَّامَ رِدَّتِهِ وَادِّعَائِهِ النُّبُوَّةَ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ أَصْحَابُهُ:
فَمَا ظَنُّكُمْ بِالْقَوْمِ إِذْ تَقْتُلُونَهُمْ
…
أَلَيْسُوا وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا بِرِجَالِ
فَإِنْ تَكُ أَذْوَادٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ
…
فَلَمْ يَذْهَبُوا فِرْغًا بِقَتْلِ حِبَالِ
نَصَبْتُ لَهُمْ صَدْرَ الْحِمَالَةِ إِنَّهَا
…
مُعَاوِدَةٌ قَتْلَ الْكُمَاةِ نَزَالِ
فَيَوْمًا تَرَاهَا فِي الْجَلَالِ مَصُونَةً
…
وَيَوْمًا تَرَاهَا غَيْرَ ذَاتِ جَلَالِ
وَيَوْمًا تُضِيءُ الْمَشْرِفِيَّةُ نَحْوَهَا
…
وَيَوْمًا تَرَاهَا فِي ظِلَالِ عَوَالِي
عَشِيَّةَ غَادَرْتُ ابْنَ أَقْرَمَ ثَاوِيًا
…
وَعُكَّاشَةَ الْغُنْمِيَّ عِنْدَ مَجَالِ
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، مَا اطَّلَعْنَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقَادِسِيَّةِ يُرِيدُ الدُّنْيَا مَعَ الْآخِرَةِ، وَلَقَدِ اتَّهَمْنَا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ، فَمَا رَأَيْنَا كَمَا هَجَمْنَا عَلَيْهِ مِنْ أَمَانَتِهِمْ وَزُهْدِهِمْ؛ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ، وَعَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبَ، وَقَيْسُ بْنُ الْمَكْشُوحِ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْقَوَّاسِ الْوَرَّاقُ، أَنَّ طُلَيْحَةَ اسْتُشْهِدَ بِنَهَاوَنْدَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ مَعَ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ، وَعَمْرِو بْنِ مَعْدِيكَرِبَ، رضي الله عنهم.
عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُصْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
زُبَيْدٍ الْأَصْغَرِ - وَهُوَ مُنَبِّهُ - بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ مَازِنَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مُنَبِّهِ بْنِ زُبَيْدٍ الْأَكْبَرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ صَعْبِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مُذْحِجٍ، الزُّبَيْدِيُّ الْمُذْحِجِيُّ، أَبُو ثَوْرٍ، أَحَدُ الْفُرْسَانِ الْمَشَاهِيرِ الْأَبْطَالِ، وَالشُّجْعَانِ الْمَذَاكِيرِ، قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، سَنَةَ تِسْعٍ، وَقِيلَ: عَشْرٍ. مَعَ وَفْدِ مُرَادٍ، وَقِيلَ: فِي وَفْدِ مُرَادٍ، وَقِيلَ: فِي وَفْدِ زُبَيْدٍ قَوْمِهِ. وَقَدِ ارْتَدَّ مَعَ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ، فَسَارَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، فَقَاتَلَهُ فَضَرَبَهُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بِالسَّيْفِ عَلَى عَاتِقِهِ فَهَرَبَ وَقَوْمُهُ، وَقَدِ اسْتَلَبَ خَالِدٌ سَيْفَهُ الصَّمْصَامَةَ، ثُمَّ أُسِرَ وَدُفِعَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَأَنَّبَهُ وَعَاتَبَهُ وَاسْتَتَابَهُ، فَتَابَ وَأَنَابَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَسَيَّرَهُ إِلَى الشَّامِ، فَشَهِدَ الْيَرْمُوكَ، ثُمَّ أَمَرَهُ عُمَرُ بِالْمَسِيرِ إِلَى سَعْدٍ، وَكَتَبَ بِالْوَصَاةِ بِهِ، وَأَنْ يُشَاوَرَ وَلَا يُوَلَّى شَيْئًا، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَأَبْلَى بَلَاءً حَسَنًا يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ قُتِلَ بِهَا. وَقِيلَ: بِنَهَاوَنْدَ. وَقِيلَ: مَاتَ عَطَشًا فِي بَعْضِ الْقُرَى، يُقَالُ لَهَا: رَوْذَةُ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَلِكَ كُلُّهُ سَنَةَ إِحْدَى
وَعِشْرِينَ، فَقَالَ بَعْضُ مَنْ رَثَاهُ مَنْ قَوْمِهِ:
لَقَدْ غَادَرَ الرُّكْبَانُ يَوْمَ تَحَمَّلُوا
…
بِرَوْذَةَ شَخْصًا لَا جَبَانًا وَلَا غَمْرَا
فَقُلْ لِزُبَيْدٍ بَلْ لِمُذْحِجَ كُلِّهَا
…
رُزِئْتُمْ أَبَا ثَوْرٍ قَرِيعَكُمُ عَمْرَا
وَكَانَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبَ، رضي الله عنه، مِنَ الشُّعَرَاءِ الْمُجِيدِينَ، فَمِنْ شِعْرِهِ:
أَعَاذِلَ عُدَّتِي بَدَنِي وَرُمْحِي
…
وَكُلُّ مُقَلَّصٍ سَلِسِ الْقِيَادِ
أَعَاذِلَ إِنَّمَا أَفْنَى شَبَابِي
…
إِجَابَتِيَ الصَّرِيخَ إِلَى الْمُنَادِي
مَعَ الْأَبْطَالِ حَتَّى سَلَّ جِسْمِي
…
وَأَقْرَحَ عَاتِقِي حَمْلُ النِّجَادِ
وَيَبْقَى بَعْدَ حِلْمِ الْقَوْمِ حِلْمِي
…
وَيَفْنَى قَبْلَ زَادِ الْقَوْمِ زَادِي
تَمَنَّى أَنْ يُلَاقِينِي قُيَيْسٌ
…
وَدِدْتُ وَأَيْنَمَا مِنِّي وِدَادِي
فَمَنْ ذَا عَاذِرِي مِنْ ذِي سَفَاهٍ
…
يَرُودُ بِنَفْسِهِ شَرَّ الْمَرَادِ
أُرِيدُ حَيَاتَهُ وَيُرِيدُ قَتْلِي
…
عَذِيرَكَ مِنْ خَلِيلِكَ مِنْ مُرَادِ
لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي التَّلْبِيَةِ رَوَاهُ شَرَاحِيلُ بْنُ الْقَعْقَاعِ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا لَبَّيْنَا:
لَبَّيْكَ تَعْظِيمًا إِلَيْكَ عُذْرَا
…
هَذِي زُبَيْدٌ قَدْ أَتَتْكَ قَسْرَا
تَعْدُو بِهَا مُضَمَّرَاتٌ شَزْرَا
…
يَقْطَعْنَ خَبْتًا وَجِبَالًا وَعْرًا
قَدْ تَرَكُوا الْأَوْثَانَ خِلْوًا صِفْرَا
قَالَ عَمْرٌو: فَنَحْنُ نَقُولُ الْآنَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَمَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ.
الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ، أَمِيرُ الْبَحْرَيْنِ لِرَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ. تَقَدَّمَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ تَأَخَّرَ إِلَى سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ. وَعَزَلَهُ عُمَرُ عَنِ الْبَحْرَيْنِ وَوَلَّى مَكَانَهُ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَمَّرَهُ عُمَرُ عَلَى الْكُوفَةِ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا مُنْصَرَفَهُ مِنَ الْحَجِّ. كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ قَصَّتْهُ فِي سَيْرِهِ بِجَيْشِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَمَا جَرَى لَهُ مِنْ خَرْقِ الْعَادَاتِ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنِ بْنِ عَائِذٍ الْمُزَنِيُّ، أَمِيرُ وَقْعَةِ نَهَاوَنْدَ، صَحَابِيٌّ جَلِيلُ الْقَدْرِ، قَدِمَ مَعَ قَوْمِهِ مِنْ مُزَيْنَةَ فِي أَرْبَعِمِائَةِ رَاكِبٍ، ثُمَّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ، وَبَعَثَهُ الْفَارُوقُ أَمِيرًا عَلَى الْجُنُودِ إِلَى نَهَاوَنْدَ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ فَتْحًا عَظِيمًا، وَمَكَّنَ اللَّهُ لَهُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ، وَمَكَّنَهُ مِنْ رِقَابِ أُولَئِكَ الْعِبَادِ، وَمَكَّنَ بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ هُنَالِكَ إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ، وَمَنَحَهُ النَّصْرَ فِي الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ، وَأَتَاحَ لَهُ بَعْدَمَا أَرَاهُ مَا أَحَبَّ شَهَادَةً عَظِيمَةً، وَذَلِكَ غَايَةُ الْمُرَادِ، فَكَانَ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّهِ فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ وَهُوَ صِرَاطُهُ الْمُسْتَقِيمُ:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111] . [التَّوْبَةِ: 111]