المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[صفة حصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ١٠

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتَّ عَشْرَةَ]

- ‌[قُدُومُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَنَازِلَ مَدِينَةِ بَهُرَسِيرَ، وَهِيَ إِحْدَى مُدُنِ كِسْرَى]

- ‌[ذِكْرُ فَتْحِ الْمَدَائِنِ الَّتِي هِيَ مُسْتَقَرُّ مُلْكِ كِسْرَى]

- ‌[وَقْعَةُ جَلُولَاءَ]

- ‌[ذِكْرُ فَتْحِ حُلْوَانَ]

- ‌[فَتْحُ تَكْرِيتَ وَالْمَوْصِلِ]

- ‌[فَتْحُ مَاسَبَذَانَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقَ]

- ‌[فَتْحُ قِرْقِيسِيَاءَ وَهِيتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ]

- ‌[اخْتِطَاطُ الْكُوفَةِ وَبِنَاءُ الْمَسْجِدِ بِهَا]

- ‌[قِصَّةُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَحَصْرِ الرُّومِ لَهُ بِحِمْصَ وَقُدُومِ عُمَرَ إِلَى الشَّامِ أَيْضًا لِيَنْصُرَهُ]

- ‌[فَتْحُ الْجَزِيرَةِ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِ طَاعُونَ عَمَوَاسَ]

- ‌[كَائِنَةٌ غَرِيبَةٌ فِيهَا عُزِلَ خَالِدٌ عَنْ قِنَّسْرِينَ أَيْضًا]

- ‌[فَتْحُ الْأَهْوَازِ وَمَنَاذِرَ وَنَهْرِ تِيرَى]

- ‌[فَتْحُ تُسْتَرَ، الْمَرَّةُ الْأُولَى صُلْحًا]

- ‌[ذِكْرُ غَزْوِ بِلَادِ فَارِسَ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَحْرِينِ]

- ‌[ذِكْرُ فَتْحِ تُسْتَرَ ثَانِيَةً عَنْوَةً وَالسُّوسِ وَرَامَهُرْمُزَ وَأَسْرِ الْهُرْمُزَانِ وَبَعْثِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ]

- ‌[فَتْحُ السُّوسِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِي عَشْرَةَ]

- ‌[طَاعُونُ عَمَوَاسَ وَعَامُ الرَّمَادَةِ]

- ‌[ذِكْرُ طَائِفَةٍ مِنْ أَعْيَانِ مَنْ تُوُفِّيَ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[سَنَةُ عِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[فَتْحُ مِصْرَ]

- ‌[صِفَةُ فَتْحِ مِصْرَ مَجْمُوعًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَسَيْفٍ وَغَيْرِهِمَا]

- ‌[قِصَّةُ نِيلِ مِصْرَ]

- ‌[ذِكْرُ الْمُتَوَفَّيْنَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ]

- ‌[وَقْعَةُ نَهَاوَنْدَ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ]

- ‌[الْفُتُوحَاتُ الَّتِي تَمَّتْ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ]

- ‌[فَتْحُ الرَّيِّ]

- ‌[فَتْحُ قَوْمِسَ]

- ‌[فَتْحُ جُرْجَانَ]

- ‌[فَتْحُ أَذْرَبِيجَانَ]

- ‌[فَتْحُ الْبَابِ]

- ‌[أَوَّلُ غَزْوِ التُّرْكِ]

- ‌[قِصَّةُ السَّدِّ]

- ‌[بَقِيَّةٌ مِنْ خَبَرِ السَّدِّ]

- ‌[قِصَّةُ يَزْدَجِرْدَ بْنِ شَهْرِيَارَ بْنِ كِسْرَى]

- ‌[غَزْوُ الْمُسْلِمِينَ بِلَادَ خُرَاسَانَ مَعَ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[فَتْحُ فَسَا وَدَارَابْجِرْدَ وَقِصَّةُ سَارِيَةَ بْنِ زُنَيْمٍ]

- ‌[غَزْوَةُ الْأَكْرَادِ]

- ‌[خَبَرُ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْجَعِيِّ وَالْأَكْرَادِ]

- ‌[صِفَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وَأَبْنَائِهِ وَبَنَاتِهِ]

- ‌[ذِكْرُ بَعْضِ مَا رُثِيَ بِهِ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ]

- ‌[ثُمَّ اسْتَهَلَّتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[دَفْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمُبَايَعَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ]

- ‌[خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ]

- ‌[وَفِيهَا تُوُفِّيَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بْنُ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[غَزْوَةُ إِفْرِيقِيَّةَ]

- ‌[غَزْوَةُ الْأَنْدَلُسِ]

- ‌[وَقْعَةُ جُرْجِيرَ وَالْبَرْبَرِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[سَنَةُ ثَلَاثِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[فَتْحُ طَبَرِسْتَانَ]

- ‌[فِيمَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ]

- ‌[غَزْوَةُ الصَّوَارِي وَغَزْوَةُ الْأَسَاوِدَةِ]

- ‌[كَيْفِيَّةُ قَتْلِ كِسْرَى مِلِكِ الْفُرْسِ وَهُوَ يَزْدَجِرْدُ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[أَسْبَابُ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ مَجِيءِ الْأَحْزَابِ إِلَى عُثْمَانَ لِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مِصْرَ]

- ‌[صِفَةُ حَصْرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ]

- ‌[صِفَةُ قَتْلِهِ رضي الله عنه]

- ‌[تَعْلِيقَاتٌ عَلَى مَقْتَلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه]

- ‌[مُدَّةُ حِصَارِهِ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ صِفَتِهِ رضي الله عنه]

- ‌[كَلَامُ الصَّحَابَةِ فِي مَقْتَلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ بَعْضِ مَا رُثِيَ بِهِ رضي الله عنه]

- ‌[كَيْفِيَّةُ قَتْلِ عُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ وَبِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي فَضَائِلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ]

- ‌[نَسَبُهُ]

- ‌[فِيمَا وَرَدَ فِي فَضَائِلِهِ مَعَ غَيْرِهِ]

- ‌[فِيمَا وَرَدَ مِنْ فَضَائِلِهِ وَحْدَهُ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ سِيرَتِهِ وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى فَضِيلَتِهِ رضي الله عنه]

- ‌[فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ خُطَبِهِ]

- ‌[مَنَاقِبُهُ رضي الله عنه]

- ‌[مَنَاقِبُهُ الْكِبَارُ وَحَسَنَاتُهُ الْعَظِيمَةُ]

- ‌[ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وَبَنِيهِ وَبَنَاتِهِ، رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوَفِّيَ فِي زَمَانِ دَوْلَةِ عُثْمَانَ]

- ‌[خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ بَيْعَةِ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، بِالْخِلَافَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[بِدَايَةُ خِلَافَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه]

- ‌[ابْتِدَاءُ وَقْعَةِ الْجَمَلِ]

- ‌[ذِكْرُ مَسِيرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ بَدَلًا عَنْ مَسِيرِهِ إِلَى الشَّامِ]

- ‌[وَلَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ مِنْ أَمْرِ الْجَمَلِ]

- ‌[ذِكْرُ أَعْيَانِ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ]

- ‌[فِي ذِكْرِ وَقْعَةِ صِفِّينَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَبَيْنَ أَهْلِ الشَّامِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[مُحَاوَلَاتٌ لِلصُّلْحِ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ]

- ‌[ذِكْرُ رَفْعِ أَهْلِ الشَّامِ الْمَصَاحِفَ مَكْرًا مِنْهُمْ بِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَخَدِيعَةً]

- ‌[قِصَّةُ التَّحْكِيمِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْخَوَارِجِ]

- ‌[مُنَاظَرَةُ عَلِيِّ رضي الله عنه لِلْخَوَارِجِ]

- ‌[صِفَةُ اجْتِمَاعِ الْحَكَمَيْنِ وَهُمَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْخَوَارِجِ مِنَ الْكُوفَةِ وَمُبَارَزَتِهِمْ عَلِيًّا رضي الله عنه بِالْعَدَاوَةِ وَالْمُخَالَفَةِ]

- ‌[مَا وَرَدَ فِي الْخَوَارِجِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مَا دَارَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ قِتَالِ الْخَوَارِجِ]

- ‌[مَا دَارَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ قِتَالِ الْخَوَارِجِ]

- ‌[قِتَالُ عَلِيٍّ الْخَوَارِجَ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ كَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[سَنَةُ أَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

الفصل: ‌[صفة حصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان]

بِأَجْمَعِهِمْ فَحَصَبُوا النَّاسَ حَتَّى أَخْرَجُوهُمْ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَحَصَبُوا عُثْمَانَ حَتَّى صُرِعَ مِنَ الْمِنْبَرِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَاحْتُمِلَ وَأُدْخِلَ دَارَهُ، وَكَانَ الْمِصْرِيُّونَ لَا يَطْمَعُونَ فِي أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُسَاعِدَهُمْ إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَمُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ، وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ. وَأَقْبَلَ عَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ إِلَى عُثْمَانَ فِي أُنَاسٍ يَعُودُونَهُ وَيَشْكُونَ إِلَيْهِ بَثَّهُمْ وَمَا حَلَّ بِالنَّاسِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ، وَاسْتَقْتَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ؛ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فِي الْمُحَارَبَةِ عَنْ عُثْمَانَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ يُقْسِمُ عَلَيْهِمْ لَمَا كَفُّوا أَيْدِيَهُمْ وَسَكَنُوا حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ مَا يَشَاءُ.

[صِفَةُ حَصْرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ]

َ، رضي الله عنه

لَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَشُجَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ وَهُوَ فِي رَأْسِ الْمِنْبَرِ، وَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، وَاحْتُمِلَ إِلَى دَارِهِ، تَفَاقَمَ الْأَمْرُ وَطَمِعَ فِيهِ أُولَئِكَ الْأَجْلَافُ الْأَخْلَاطُ مِنَ النَّاسِ وَأَلْجَئُوهُ إِلَى دَارِهِ وَضَيَّقُوا عَلَيْهِ، وَأَحَاطُوا بِهَا مُحَاصِرِينَ لَهُ،

ص: 285

وَلَزِمَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بُيُوتَهُمْ، وَسَارَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَبْنَاءِ الصَّحَابَةِ عَنْ أَمْرِ آبَائِهِمْ ; مِنْهُمُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - وَكَانَ أَمِيرَ الدَّارِ - وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَصَارُوا يُجَاحِفُونَ عَنْهُ، وَيُنَاضِلُونَ دُونَهُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَأَسْلَمَهُ بَعْضُ النَّاسِ رَجَاءَ أَنْ يُجِيبَ أُولَئِكَ إِلَى وَاحِدَةٍ مِمَّا سَأَلُوا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ طَلَبُوا مِنْهُ إِمَّا أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ أَوْ يُسْلِمَ إِلَيْهِمْ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، وَلَمْ يَقَعْ فِي خَلَدِ أَحَدٍ أَنَّهُ يُقْتَلُ، إِلَّا مَا كَانَ فِي نَفْسِ أُولَئِكَ الْخَارِجِينَ عَلَيْهِ. وَانْقَطَعَ عُثْمَانُ عَنِ الْمَسْجِدِ، فَكَانِ لَا يَخْرُجُ إِلَيْهِ إِلَّا قَلِيلًا فِي أَوَائِلِ الْأَمْرِ، ثُمَّ انْقَطَعَ بِالْكُلِّيَّةِ فِي آخِرِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْغَافِقِيُّ بْنُ حَرْبٍ. وَقَدِ اسْتَمَرَّ الْحَصْرُ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ. وَقِيلَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا. حَتَّى كَانَ آخِرَ ذَلِكَ أَنْ قُتِلَ شَهِيدًا، رضي الله عنه، عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ. وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى أَيْضًا، وَصَلَّى

ص: 286

أَبُو أَيُّوبَ وَصَلَّى بِهِمْ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَكَانَ يَجْمَعُ بِهِمْ عَلِيٌّ، وَهُوَ الَّذِي صَلَّى بِهِمْ بَعْدُ. وَقَدْ خَاطَبَ النَّاسَ فِي غُبُونِ ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ، وَجَرَتْ أُمُورٌ سَنُورِدُ مِنْهَا مَا تَيَسَّرَ. وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، ثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ جَاوَانَ قَالَ: «قَالَ الْأَحْنَفُ: انْطَلَقْنَا حُجَّاجًا فَمَرَرْنَا بِالْمَدِينَةِ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ فِي مَنْزِلِنَا إِذْ جَاءَنَا آتٍ فَقَالَ: النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَصَاحِبِي فَإِذَا النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَى نَفَرٍ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ: فَتَخَلَّلْتُهُمْ حَتَّى قُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ جَاءَ عُثْمَانُ يَمْشِي، فَقَالَ: هَاهُنَا عَلِيٌّ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: أَهَاهُنَا الزُّبَيْرُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: أَهَاهُنَا سَعْدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ يَبْتَاعُ مِرْبَدَ بَنِي فُلَانٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ فَابْتَعْتُهُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدِ ابْتَعْتُهُ. فَقَالَ: " اجْعَلْهُ فِي مَسْجِدِنَا وَأَجْرُهُ لَكَ "؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ يَبْتَاعُ بِئْرَ رُومَةَ؟ .

ص: 287

فَابْتَعْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدِ ابْتَعْتُهَا - يَعْنِي بِئْرَ رُومَةَ - فَقَالَ: اجْعَلْهَا سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَلَكَ أَجْرُهَا "؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، نَظَرَ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ يَوْمَ جَيْشِ الْعُسْرَةِ فَقَالَ: مَنْ يُجَهِّزْ هَؤُلَاءِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ فَجَهَّزْتُهُمْ حَتَّى مَا يَفْقِدُونَ خِطَامًا وَلَا عِقَالًا؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ. ثُمَّ انْصَرَفَ» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ حُصَيْنٍ، وَعِنْدَهُ: إِذْ جَاءَ عُثْمَانُ وَعَلَيْهِ مُلَاءَةٌ صَفْرَاءُ.

طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَوْسٍ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو عُبَادَةَ الزُّرَقِيُّ الْأَنْصَارِيُّ، مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ يَوْمَ حُصِرَ فِي مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ، وَلَوْ أُلْقِيَ حَجَرٌ لَمْ يَقَعْ إِلَّا عَلَى رَأْسِ رَجُلٍ، فَرَأَيْتُ عُثْمَانَ أَشْرَفَ مِنَ الْخَوْخَةِ الَّتِي تَلِي مَقَامَ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَفِيكُمْ طَلْحَةُ؟ فَسَكَتُوا. ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَفِيكُمْ طَلْحَةُ؟ فَسَكَتُوا. ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَفِيكُمْ طَلْحَةُ؟ فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: أَلَا

ص: 288

أَرَاكَ هَاهُنَا؟ مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّكَ تَكُونُ فِي جَمَاعَةِ قَوْمٍ تَسْمَعُ نِدَائِي آخِرَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ ثُمَّ لَا تُجِيبُنِي، أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا طَلْحَةُ، تَذْكُرُ يَوْمَ كُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ غَيْرِي وَغَيْرُكَ - فَقَالَ: نَعَمْ - فَقَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: يَا طَلْحَةُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَمَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ رَفِيقٌ مِنْ أُمَّتِهِ مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ هَذَا - يَعْنِينِي - رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؟ . فَقَالَ طَلْحَةُ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. ثُمَّ انْصَرَفَ. لَمْ يُخْرِجُوهُ.

طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، ثَنَا هِلَالُ بْنُ حَقٍّ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ الدَّارَ يَوْمَ أُصِيبَ عُثْمَانُ، فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمُ اطِّلَاعَةً، فَقَالَ: ادْعُوا لِي صَاحِبَيْكُمُ اللَّذَيْنِ أَلَّبَاكُمْ عَلَيَّ، فَدُعِيَا لَهُ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ، أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لَمَّا

ص: 289

قَدِمَ الْمَدِينَةَ ضَاقَ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ، فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذِهِ الْبُقْعَةَ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فَيَكُونَ فِيهَا كَالْمُسْلِمِينَ وَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؟ . فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ خَالِصِ مَالِي فَجَعَلْتُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْتُمْ تَمْنَعُونِي أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ! ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِئْرٌ يُسْتَعْذَبُ مِنْهُ إِلَّا بِئْرَ رُومَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:«مَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فَيَكُونَ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؟» فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ خَالِصِ مَالِي وَأَنْتُمْ تَمْنَعُونِي أَنْ أَشْرَبَ مِنْهَا! ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي صَاحِبُ جَيْشِ الْعُسْرَةِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ وَعَبَّاسٍ الدُّورِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ. كُلُّهُمْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ.

طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، ثَنَا الْقَاسِمُ - يَعْنِي ابْنَ الْفَضْلِ - ثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ

ص: 290

قَالَ: دَعَا عُثْمَانُ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فِيهِمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكُمْ وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُصْدُقُونِي، نَشَدْتُكُمُ اللَّهَ، أَتَعْلَمُونَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، كَانَ يُؤْثِرُ قُرَيْشًا عَلَى سَائِرِ النَّاسِ، وَيُؤْثِرُ بَنِي هَاشِمٍ عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ،» فَقَالَ عُثْمَانُ: لَوْ أَنَّ بِيَدِي مَفَاتِيحَ الْجَنَّةِ لَأَعْطَيْتُهَا بَنِي أُمَيَّةَ حَتَّى يَدْخُلُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ. فَبَعَثَ إِلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، «فَقَالَ عُثْمَانُ: أَلَا أُحَدِّثُكُمَا عَنْهُ - يَعْنِي عَمَّارًا - أَقْبَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، آخِذًا بِيَدِي نَتَمَشَّى فِي الْبَطْحَاءِ حَتَّى أَتَى عَلَى أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَعَلَيْهِ يُعَذَّبُونَ، فَقَالَ أَبُو عَمَّارٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الدَّهْرَ هَكَذَا؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم:" اصْبِرْ ". ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِآلِ يَاسِرٍ وَقَدْ فَعَلْتَ» . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ.

طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ مُغِيرَةَ بْنَ مُسْلِمٍ أَبَا سَلَمَةَ يَذْكُرُ عَنْ مَطَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُثْمَانَ أَشْرَفَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ: عَلَامَ تَقْتُلُونِي؟ فَإِنِّي سَمِعْتُ

ص: 291

رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ؛ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ، أَوْ قَتَلَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، أَوِ ارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلَامِهِ فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ» . فَوَاللَّهِ مَا زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، وَلَا قَتَلْتُ أَحَدًا فَأُقِيدَ نَفْسِي مِنْهُ، وَلَا ارْتَدَدْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ؛ إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْأَزْهَرِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ بِهِ.

طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عُثْمَانَ فِي الدَّارِ وَهُوَ مَحْصُورٌ، قَالَ: وَكُنَّا نَدْخُلُ مُدْخَلًا إِذَا دَخَلْنَاهُ سَمِعْنَا كَلَامَ مَنْ عَلَى الْبَلَاطِ، قَالَ: فَدَخَلَ عُثْمَانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَيَتَوَعَّدُونِي بِالْقَتْلِ آنِفًا. قَالَ: قُلْنَا: يَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: فَقَالَ: وَبِمَ يَقْتُلُونِي؟ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ؛ رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ» . فَوَاللَّهِ مَا زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ قَطُّ، وَلَا تَمَنَّيْتُ بَدَلًا بِدِينِي مُذْ هَدَانِي اللَّهُ لَهُ، وَلَا قَتَلْتُ نَفْسًا، فَبِمَ يَقْتُلُونِي؟ . وَقَدْ رَوَاهُ أَهْلُ

ص: 292

" السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ " مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - زَادَ النَّسَائِيُّ: وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ - قَالَا: كُنَّا مَعَ عُثْمَانَ. فَذَكَرَهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ، وَقَدْ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَرَفَعَهُ.

طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قَطَنٌ، حَدَّثَنَا يُونُسُ - يَعْنِي ابْنَ أَبِي إِسْحَاقَ - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَشْرَفَ عُثْمَانُ مِنَ الْقَصْرِ وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَقَالَ: أَنْشُدُ بِاللَّهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ حِرَاءَ، إِذِ اهْتَزَّ الْجَبَلُ فَرَكَلَهُ بِقَدَمِهِ، ثُمَّ قَالَ:«اسْكُنْ حِرَاءُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ، وَأَنَا مَعَهُ» . فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ. قَالَ: أَنْشُدُ بِاللَّهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، إِذْ بَعَثَنِي إِلَى الْمُشْرِكِينَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَقَالَ:" هَذِهِ يَدِي وَهَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ " فَبَايَعَ لِي؟ فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ. قَالَ: أَنْشُدُ بِاللَّهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ مَنْ يُوَسِّعُ لَنَا بِهَذَا الْبَيْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ؟ فَابْتَعْتُهُ مِنْ مَالِي فَوَسَّعْتُ بِهِ الْمَسْجِدَ؟ فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ. قَالَ: وَأَنْشُدُ بِاللَّهِ مَنْ شَهِدَ رَسُولَ اللَّهِ يَوْمَ جَيْشِ الْعُسْرَةِ قَالَ: مَنْ يُنْفِقُ الْيَوْمَ نَفَقَةً مُتَقَبَّلَةً؟ . فَجَهَّزْتُ نِصْفَ الْجَيْشِ مِنْ مَالِي؟ فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ. وَأَنْشُدُ بِاللَّهِ مَنْ

ص: 293

شَهِدَ رُومَةَ يُبَاعُ مَاؤُهَا ابْنَ السَّبِيلِ، فَابْتَعْتُهَا مِنْ مَالِي فَأَبَحْتُهَا ابْنَ السَّبِيلِ؟ قَالَ: فَانْتَشَدَ لَهُ رِجَالٌ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ بَكَّارٍ، عَنْ خَطَّابِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ بِهِ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ عُثْمَانَ، رضي الله عنه، لَمَّا رَأَى مَا فَعَلَهُ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجُ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، مِنْ مُحَاصَرَتِهِ فِي دَارِهِ، وَمَنْعِهِ الْخُرُوجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، وَإِلَى ابْنِ عَامِرٍ بِالْبَصْرَةِ، وَإِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ، يَسْتَنْجِدُهُمْ فِي بَعْثِ جَيْشٍ يَطْرُدُونَ هَؤُلَاءِ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ، وَانْتَدَبَ يَزِيدُ بْنُ أَسَدٍ الْقَسْرِيُّ فِي جَيْشٍ، وَبَعَثَ أَهْلُ الْكُوفَةِ جَيْشًا، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ جَيْشًا، فَلَمَّا سَمِعَ أُولَئِكَ بِخُرُوجِ الْجُيُوشِ إِلَيْهِمْ صَمَّمُوا فِي الْحِصَارِ، فَمَا اقْتَرَبَ الْجُيُوشُ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى جَاءَهُمْ قَتْلُ عُثْمَانَ، رضي الله عنه، كَمَا سَنَذْكُرُهُ.

وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ عُثْمَانَ اسْتَدْعَى الْأَشْتَرَ النَّخَعِيَّ، وَوُضِعَتْ لِعُثْمَانَ وِسَادَةٌ فِي كُوَّةٍ مِنْ دَارِهِ، فَأَشْرَفَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: يَا أَشْتَرُ مَاذَا يُرِيدُونَ؟ فَقَالَ: إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ مِنْكَ إِمَّا أَنْ تَعْزِلَ نَفْسَكَ عَنِ الْإِمْرَةِ، وَإِمَّا أَنْ تُقِيدَ مِنْ نَفْسِكَ مَنْ قَدْ ضَرَبْتَهُ، أَوْ جَلَدْتَهُ، أَوْ حَبَسْتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلُوكَ.

ص: 294

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَعْزِلَ نُوَّابَهُ عَنِ الْأَمْصَارِ وَيُوَلِّيَ عَلَيْهَا مَنْ يُرِيدُونَ هُمْ، وَإِنْ لَمْ يَعْزِلْ نَفْسَهُ، أَنْ يُسْلِمَ لَهُمْ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فَيُعَاقِبُوهُ كَمَا زَوَّرَ عَلَى عُثْمَانَ كِتَابَهُ إِلَى مِصْرَ. فَخَشِيَ عُثْمَانُ إِنْ سَلَّمَهُ إِلَيْهِمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ، فَيَكُونَ سَبَبًا فِي قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، وَمَا فَعَلَ مِنَ الْأَمْرِ مَا يَسْتَحِقُّ بِسَبَبِهِ الْقَتْلَ، وَاعْتَذَرَ عَنِ الِاقْتِصَاصِ مِمَّا قَالُوا بِأَنَّهُ رَجُلٌ ضَعِيفُ الْبَدَنِ كَبِيرُ السِّنِّ. وَأَمَّا مَا سَأَلُوهُ مِنْ خَلْعِهِ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ لَا يَفْعَلُ وَلَا يَنْزِعُ قَمِيصًا قَمَّصَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، وَيَتْرُكُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ يَعْدُو بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَقَالَ لَهُمْ فِيمَا قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ إِلَيَّ مِنَ الْأَمْرِ إِنْ كُنْتُ كُلَّمَا كَرِهْتُمْ أَمِيرًا عَزَلْتُهُ، وَكُلَّمَا رَضِيتُمْ عَنْهُ وَلَّيْتُهُ؟ وَقَالَ لَهُمْ فِيمَا قَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُونِي لَا تَتَحَابُّوا بَعْدِي أَبَدًا، وَلَا تُصَلُّوا جَمِيعًا أَبَدًا، وَلَا تُقَاتِلُوا بَعْدِي عَدُوًّا جَمِيعًا أَبَدًا. وَقَدْ صَدَقَ، رضي الله عنه فِيمَا قَالَ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ، حَدَّثَنِي النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ: كَتَبَ مَعِي مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ كِتَابًا فَدَفَعَتْ إِلَيْهَا كِتَابَهُ، فَحَدَّثَتْنِي أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ لِعُثْمَانَ:«إِنَّ اللَّهَ لَعَلَّهُ يُقَمِّصُكَ قَمِيصًا فَإِنْ أَرَادَكَ أَحَدٌ عَلَى خَلْعِهِ فَلَا تَخْلَعْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» . قَالَ النُّعْمَانُ: فَقُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَيْنَ كُنْتِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، وَاللَّهِ أُنْسِيتُهُ. وَقَدْ رَوَاهُ

ص: 295

التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النُّعْمَانِ، عَنْ عَائِشَةَ بِهِ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْفَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ النُّعْمَانِ فَأَسْقَطَ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عَامِرٍ

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا قَيْسٌ، عَنْ أَبِي سَهْلَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: " ادْعُوا لِي بَعْضَ أَصْحَابِي ". قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: " لَا ". قُلْتُ: عُمَرُ؟ قَالَ: " لَا ". قُلْتُ: ابْنُ عَمِّكَ عَلِيٌّ؟ قَالَ: " لَا ". قَالَتْ: قُلْتُ: عُثْمَانُ؟ قَالَ: " نَعَمْ ". فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: تَنَحَّيْ. فَجَعَلَ يُسَارُّهُ وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ وَحُصِرَ فِيهَا قُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا تُقَاتِلُ؟ قَالَ: لَا؛ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا وَإِنِّي صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ» . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَائِذٍ الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا ثَوْرٍ الْفَهْمِيَّ يَقُولُ: قَدِمْتُ عَلَى

ص: 296

عُثْمَانَ فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ فَخَرَجْتُ فَإِذَا بِوَفْدِ أَهْلِ مِصْرَ قَدْ رَجَعُوا فَدَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ فَأَعْلَمْتُهُ، فَقَالَ: وَكَيْفَ رَأَيْتَهُمْ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْتُ فِي وُجُوهِهِمُ الشَّرَّ، وَعَلَيْهِمُ ابْنُ عُدَيْسٍ الْبَلَوِيُّ، فَصَعِدَ ابْنُ عُدَيْسٍ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فَصَلَّى بِهِمُ الْجُمُعَةَ وَتَنَقَّصَ عُثْمَانَ فِي خُطْبَتِهِ، فَدَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَامَ فِيهِمْ، فَقَالَ: كَذَبَ وَاللَّهِ ابْنُ عُدَيْسٍ، وَلَوْلَا مَا ذَكَرَ مَا ذَكَرْتُ ذَلِكَ، إِنِّي لَرَابِعُ أَرْبَعَةٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَقَدْ أَنْكَحَنِي رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، ابْنَتَهُ، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ، فَأَنْكَحَنِي ابْنَتَهُ الْأُخْرَى، وَاللَّهِ وَلَا زَنَيْتُ وَلَا سَرَقْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، وَلَا تَعَتَّيْتُ وَلَا تَمَنَّيْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا مَسَسْتُ فَرْجِي بِيَمِينِي مُنْذُ بَايَعْتُ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَلَقَدْ جَمَعْتُ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَلَا أَتَتْ عَلَيَّ جُمُعَةٌ إِلَّا وَأَنَا أُعْتِقُ فِيهَا رَقَبَةً مُنْذُ أَسْلَمْتُ، إِلَّا أَنْ لَا أَجِدَهَا فِي تِلْكَ الْجُمُعَةِ فَأَجْمَعَهَا فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ. وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ قَالَ: لَقَدِ اخْتَبَأْتُ عِنْدَ رَبِّي عَشْرًا فَذَكَرَهُنَّ.

ص: 297

فَصْلٌ

كَانَ الْحِصَارُ مُسْتَمِرًّا مِنْ أَوَاخِرَ ذِي الْقِعْدَةِ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةَ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ، قَالَ عُثْمَانُ لِلَّذِينِ عِنْدَهُ فِي الدَّارِ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ - وَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ سَبْعِمِائَةٍ؛ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَمَرْوَانُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَخَلْقٌ مِنْ مَوَالِيهِ، وَلَوْ تَرَكَهُمْ لَمَنَعُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: أُقْسِمَ عَلَى مَنْ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ أَنْ يَكُفَّ يَدَهُ، وَأَنْ يَنْطَلِقَ إِلَى مَنْزِلِهِ. وَعِنْدَهُ مِنْ أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ وَأَبْنَائِهِمْ جَمٌّ غَفِيرٌ. وَقَالَ لِرَقِيقِهِ: مَنْ أَغْمَدَ سَيْفَهُ فَهُوَ حُرٌّ. فَبَرُدَ الْقِتَالُ مِنْ دَاخِلِ الدَّارِ، وَحَمِيَ مِنْ خَارِجٍ، وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ رَأَى فِي الْمَنَامِ رُؤْيَا دَلَّتْ عَلَى اقْتِرَابِ أَجَلِهِ، فَاسْتَسْلَمَ لِأَمْرِ اللَّهِ رَجَاءَ مَوْعُودِهِ، وَشَوْقًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَلِيَكُونَ خَيْرَ ابْنَيْ آدَمَ حَيْثُ قَالَ حِينَ أَرَادَ أَخُوهُ قَتْلَهُ:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 29] . وَرُوِيَ أَنَّ آخِرَ مَنْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ عُثْمَانَ مِنَ الدَّارِ بَعْدَ أَنْ عَزَمَ عَلَيْهِمْ فِي الْخُرُوجِ، الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَقَدْ جُرِحَ، وَكَانَ أَمِيرَ الْحَرْبِ عَلَى أَهْلِ الدَّارِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، رضي الله عنهم.

وَرَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ أَوْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَلْبَسْ سِلَاحَهُ

ص: 298

بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، إِلَّا يَوْمَ الدَّارِ، وَيَوْمَ نَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُثْمَانَ، رضي الله عنه، أَصْبَحَ يُحَدِّثُ النَّاسَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، فِي الْمَنَامِ فَقَالَ:" يَا عُثْمَانُ أَفْطِرْ عِنْدَنَا ". فَأَصْبَحَ صَائِمًا وَقُتِلَ مِنْ يَوْمِهِ.

وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْهِ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اخْرُجْ فَاجْلِسْ بِالْفَنَاءِ، فَيُرَى وَجْهُكَ، فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ارْتَدَعُوا. فَضَحِكَ، وَقَالَ: يَا كَثِيرُ رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ وَكَأَنِّي دَخَلْتُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَقَالَ:" ارْجِعْ فَإِنَّكَ مُفْطِرٌ عِنْدِي غَدًا ". ثُمَّ قَالَ عُثْمَانُ: وَلَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ وَاللَّهِ غَدًا - أَوْ كَذَا وَكَذَا - إِلَّا وَأَنَا مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ. قَالَ: فَوَضَعَ سَعْدٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ السِّلَاحَ، وَأَقْبَلَا حَتَّى دَخَلَا عَلَى عُثْمَانَ.

وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَلْقَمَةَ - مَوْلًى لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - حَدَّثَنِي ابْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: أَغْفَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ

ص: 299

فِيهِ فَاسْتَيْقَظَ فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: تَمَنَّى عُثْمَانُ أُمْنِيَةً لَحَدَّثْتُكُمْ. قَالَ: قُلْنَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ، حَدِّثْنَا فَلَسْنَا نَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ. فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فِي مَنَامِي هَذَا فَقَالَ:" إِنَّكَ شَاهِدٌ مَعَنَا الْجُمُعَةَ ".

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، ثَنَا خَلَفُ بْنُ تَمِيمٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ الْبَجَلِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ لِي: يَا كَثِيرُ، مَا أُرَانِي إِلَّا مَقْتُولًا يَوْمِي هَذَا. قَالَ: قُلْتُ: يَنْصُرُكَ اللَّهُ عَلَى عَدُوِّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: ثُمَّ أَعَادَ عَلَيَّ فَقُلْتُ: وُقِّتَ لَكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ شَيْءٌ، أَوْ قِيلَ لَكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي سَهِرْتُ فِي لَيْلَتِي هَذِهِ الْمَاضِيَةِ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ السَّحَرِ أَغْفَيْتُ إِغْفَاءَةً، فَرَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَرَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ لِي: يَا " عُثْمَانُ الْحَقْنَا لَا تَحْبِسْنَا، فَإِنَّا نَنْتَظِرُكَ ". قَالَ: فَقُتِلَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ لِأَسْلَمِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأَخِي، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، اللَّيْلَةَ فِي هَذِهِ الْخَوْخَةِ - قَالَ: وَخَوْخَةٌ فِي الْبَيْتِ - فَقَالَ: " يَا عُثْمَانُ حَصَرُوكَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: " عَطَّشُوكَ؟ ". قُلْتُ: نَعَمْ. فَأَدْلَى دَلْوًا فِيهِ مَاءٌ فَشَرِبْتُ حَتَّى رَوَيْتُ، حَتَّى إِنِّي لَأَجِدُ بَرْدَهُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ بَيْنَ كَتِفَيَّ، وَقَالَ

ص: 300

لِي: " إِنْ شِئْتَ نُصِرْتَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ شِئْتَ أَفْطَرْتَ عِنْدَنَا ". فَاخْتَرْتُ أَنْ أُفْطِرَ عِنْدَهُ. فَقُتِلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، أَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا وُهَيْبٌ، ثَنَا دَاوُدُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أُمِّ هِلَالٍ بِنْتِ وَكِيعٍ، عَنِ امْرَأَةِ عُثْمَانَ - قَالَ: وَأَحْسَبُهَا بِنْتَ الْفَرَافِصَةِ - قَالَتْ: أَغْفَى عُثْمَانُ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ: إِنَّ الْقَوْمَ يَقْتُلُونَنِي. قُلْتُ: كَلَّا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالُوا:" أَفْطِرْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ ". أَوْ: " إِنَّكَ تُفْطِرُ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ ".

وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلَانِيُّ، ثَنَا شَبَابَةُ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي رَاشِدٍ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيِّ، وَعُقْبَةَ بْنِ أُسَيْدٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ نَائِلَةَ بِنْتِ الْفَرَافِصَةِ الْكَلْبِيَّةِ - امْرَأَةِ عُثْمَانَ - قَالَتْ: لَمَّا حُصِرَ عُثْمَانُ ظَلَّ الْيَوْمَ الَّذِي كَانَ قَبْلَ قَتْلِهِ صَائِمًا، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ إِفْطَارِهِ سَأَلَهُمُ الْمَاءَ الْعَذْبَ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَقَالُوا:

ص: 301

دُونَكَ ذَلِكَ الرَّكِيَّ - وَرَكِيٌّ فِي الدَّارِ الَّذِي يُلْقَى فِيهِ النَّتِنُ - قَالَتْ: فَلَمْ يُفْطِرْ، فَأَتَيْتُ جَارَاتٍ لَنَا عَلَى أَجَاجِيرَ مُتَوَاصِلَةٍ - وَذَلِكَ فِي السَّحَرِ - فَسَأَلْتُهُمُ الْمَاءَ الْعَذْبَ فَأَعْطَوْنِي كُوزًا مِنْ مَاءٍ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: هَذَا مَاءٌ عَذْبٌ أَتَيْتُكَ بِهِ. قَالَتْ: فَنَظَرَ فَإِذَا الْفَجْرُ قَدْ طَلَعَ فَقَالَ: إِنِّي أَصْبَحْتُ صَائِمًا. قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمِنْ أَيْنَ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا أَتَاكَ بِطَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ؟ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، اطَّلَعَ عَلَيَّ مِنْ هَذَا السَّقْفِ وَمَعَهُ دَلْوٌ مِنْ مَاءٍ فَقَالَ:" اشْرَبْ يَا عُثْمَانُ ". فَشَرِبْتُ حَتَّى رَوِيتُ ثُمَّ قَالَ: " ازْدَدْ ". فَشَرِبْتُ حَتَّى نَهِلْتُ ثُمَّ قَالَ: " أَمَا إِنَّ الْقَوْمَ سَيَبْكُرُونَ عَلَيْكَ، فَإِنْ قَاتَلْتَهُمْ ظَفِرْتَ، وَإِنْ تَرَكْتَهُمْ أَفْطَرْتَ عِنْدَنَا ". قَالَتْ: فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِهِ فَقَتَلُوهُ.

وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ

ص: 302

بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي يَعْفُورٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُسْلِمٍ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، أَنَّ عُثْمَانَ أَعْتَقَ عِشْرِينَ مَمْلُوكًا، وَدَعَا بِسَرَاوِيلَ فَشَدَّهَا وَلَمْ يَلْبَسْهَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، وَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فِي الْمَنَامِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَإِنَّهُمْ قَالُوا لِي:" اصْبِرْ فَإِنَّكَ تُفْطِرُ عِنْدَنَا الْقَابِلَةَ ". ثُمَّ دَعَا بِمُصْحَفٍ فَنَشَرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُتِلَ وَهُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ. قُلْتُ: إِنَّمَا لَبِسَ السَّرَاوِيلَ، رضي الله عنه، فِي هَذَا الْيَوْمِ لِئَلَّا تَبْدُوَ عَوْرَتَهُ إِذَا قُتِلَ ; فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيدَ الْحَيَاءِ، كَانَتْ تَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ، كَمَا نَطَقَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم. وَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمُصْحَفَ يَتْلُو فِيهِ، وَاسْتَسْلَمَ لِقَضَاءِ اللَّهِ، عز وجل، وَكَفَّ يَدَهُ عَنِ الْقِتَالِ، وَأَمَرَ النَّاسَ وَعَزَمَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا دُونَهُ، وَلَوْلَا عَزِيمَتُهُ عَلَيْهِمْ لَنَصَرُوهُ مِنْ أَعْدَائِهِ، وَلَكِنْ كَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا.

وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: إِنَّ عُثْمَانَ، رضي الله عنه، أَوْصَى إِلَى الزُّبَيْرِ.

وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ فَتَّشُوا خَزَائِنَهُ فَوَجَدُوا فِيهَا صُنْدُوقًا مُقْفَلًا، فَفَتَحُوهُ فَوَجَدُوا فِيهِ حُقَّةً فِيهَا وَرَقَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا: هَذِهِ وَصِيَّةُ عُثْمَانَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، عَلَيْهَا يَحْيَا وَعَلَيْهَا يَمُوتُ، وَعَلَيْهَا يُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ص: 303

وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ عُثْمَانَ، رضي الله عنه، قَالَ يَوْمَ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ:

أَرَى الْمَوْتَ لَا يُبْقِي عَزِيزًا وَلَمْ يَدَعْ

لِعَادٍ مَلَاذًا فِي الْبِلَادِ وَمُرْتَقَى

وَقَالَ أَيْضًا:

يُبَيِّتُ أَهْلَ الْحِصْنِ وَالْحِصْنُ مُغْلَقٌ

وَيَأْتِي الْجِبَالَ فِي شَمَارِيخِهَا الْعُلَا

ص: 304