المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ١٠

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتَّ عَشْرَةَ]

- ‌[قُدُومُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَنَازِلَ مَدِينَةِ بَهُرَسِيرَ، وَهِيَ إِحْدَى مُدُنِ كِسْرَى]

- ‌[ذِكْرُ فَتْحِ الْمَدَائِنِ الَّتِي هِيَ مُسْتَقَرُّ مُلْكِ كِسْرَى]

- ‌[وَقْعَةُ جَلُولَاءَ]

- ‌[ذِكْرُ فَتْحِ حُلْوَانَ]

- ‌[فَتْحُ تَكْرِيتَ وَالْمَوْصِلِ]

- ‌[فَتْحُ مَاسَبَذَانَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقَ]

- ‌[فَتْحُ قِرْقِيسِيَاءَ وَهِيتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ]

- ‌[اخْتِطَاطُ الْكُوفَةِ وَبِنَاءُ الْمَسْجِدِ بِهَا]

- ‌[قِصَّةُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَحَصْرِ الرُّومِ لَهُ بِحِمْصَ وَقُدُومِ عُمَرَ إِلَى الشَّامِ أَيْضًا لِيَنْصُرَهُ]

- ‌[فَتْحُ الْجَزِيرَةِ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِ طَاعُونَ عَمَوَاسَ]

- ‌[كَائِنَةٌ غَرِيبَةٌ فِيهَا عُزِلَ خَالِدٌ عَنْ قِنَّسْرِينَ أَيْضًا]

- ‌[فَتْحُ الْأَهْوَازِ وَمَنَاذِرَ وَنَهْرِ تِيرَى]

- ‌[فَتْحُ تُسْتَرَ، الْمَرَّةُ الْأُولَى صُلْحًا]

- ‌[ذِكْرُ غَزْوِ بِلَادِ فَارِسَ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَحْرِينِ]

- ‌[ذِكْرُ فَتْحِ تُسْتَرَ ثَانِيَةً عَنْوَةً وَالسُّوسِ وَرَامَهُرْمُزَ وَأَسْرِ الْهُرْمُزَانِ وَبَعْثِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ]

- ‌[فَتْحُ السُّوسِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِي عَشْرَةَ]

- ‌[طَاعُونُ عَمَوَاسَ وَعَامُ الرَّمَادَةِ]

- ‌[ذِكْرُ طَائِفَةٍ مِنْ أَعْيَانِ مَنْ تُوُفِّيَ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[سَنَةُ عِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[فَتْحُ مِصْرَ]

- ‌[صِفَةُ فَتْحِ مِصْرَ مَجْمُوعًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَسَيْفٍ وَغَيْرِهِمَا]

- ‌[قِصَّةُ نِيلِ مِصْرَ]

- ‌[ذِكْرُ الْمُتَوَفَّيْنَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ]

- ‌[وَقْعَةُ نَهَاوَنْدَ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ]

- ‌[الْفُتُوحَاتُ الَّتِي تَمَّتْ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ]

- ‌[فَتْحُ الرَّيِّ]

- ‌[فَتْحُ قَوْمِسَ]

- ‌[فَتْحُ جُرْجَانَ]

- ‌[فَتْحُ أَذْرَبِيجَانَ]

- ‌[فَتْحُ الْبَابِ]

- ‌[أَوَّلُ غَزْوِ التُّرْكِ]

- ‌[قِصَّةُ السَّدِّ]

- ‌[بَقِيَّةٌ مِنْ خَبَرِ السَّدِّ]

- ‌[قِصَّةُ يَزْدَجِرْدَ بْنِ شَهْرِيَارَ بْنِ كِسْرَى]

- ‌[غَزْوُ الْمُسْلِمِينَ بِلَادَ خُرَاسَانَ مَعَ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[فَتْحُ فَسَا وَدَارَابْجِرْدَ وَقِصَّةُ سَارِيَةَ بْنِ زُنَيْمٍ]

- ‌[غَزْوَةُ الْأَكْرَادِ]

- ‌[خَبَرُ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْجَعِيِّ وَالْأَكْرَادِ]

- ‌[صِفَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وَأَبْنَائِهِ وَبَنَاتِهِ]

- ‌[ذِكْرُ بَعْضِ مَا رُثِيَ بِهِ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ]

- ‌[ثُمَّ اسْتَهَلَّتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[دَفْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمُبَايَعَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ]

- ‌[خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ]

- ‌[وَفِيهَا تُوُفِّيَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بْنُ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[غَزْوَةُ إِفْرِيقِيَّةَ]

- ‌[غَزْوَةُ الْأَنْدَلُسِ]

- ‌[وَقْعَةُ جُرْجِيرَ وَالْبَرْبَرِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[سَنَةُ ثَلَاثِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[فَتْحُ طَبَرِسْتَانَ]

- ‌[فِيمَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ]

- ‌[غَزْوَةُ الصَّوَارِي وَغَزْوَةُ الْأَسَاوِدَةِ]

- ‌[كَيْفِيَّةُ قَتْلِ كِسْرَى مِلِكِ الْفُرْسِ وَهُوَ يَزْدَجِرْدُ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[أَسْبَابُ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ مَجِيءِ الْأَحْزَابِ إِلَى عُثْمَانَ لِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مِصْرَ]

- ‌[صِفَةُ حَصْرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ]

- ‌[صِفَةُ قَتْلِهِ رضي الله عنه]

- ‌[تَعْلِيقَاتٌ عَلَى مَقْتَلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه]

- ‌[مُدَّةُ حِصَارِهِ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ صِفَتِهِ رضي الله عنه]

- ‌[كَلَامُ الصَّحَابَةِ فِي مَقْتَلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ بَعْضِ مَا رُثِيَ بِهِ رضي الله عنه]

- ‌[كَيْفِيَّةُ قَتْلِ عُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ وَبِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي فَضَائِلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ]

- ‌[نَسَبُهُ]

- ‌[فِيمَا وَرَدَ فِي فَضَائِلِهِ مَعَ غَيْرِهِ]

- ‌[فِيمَا وَرَدَ مِنْ فَضَائِلِهِ وَحْدَهُ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ سِيرَتِهِ وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى فَضِيلَتِهِ رضي الله عنه]

- ‌[فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ خُطَبِهِ]

- ‌[مَنَاقِبُهُ رضي الله عنه]

- ‌[مَنَاقِبُهُ الْكِبَارُ وَحَسَنَاتُهُ الْعَظِيمَةُ]

- ‌[ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وَبَنِيهِ وَبَنَاتِهِ، رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوَفِّيَ فِي زَمَانِ دَوْلَةِ عُثْمَانَ]

- ‌[خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ بَيْعَةِ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، بِالْخِلَافَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[بِدَايَةُ خِلَافَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه]

- ‌[ابْتِدَاءُ وَقْعَةِ الْجَمَلِ]

- ‌[ذِكْرُ مَسِيرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ بَدَلًا عَنْ مَسِيرِهِ إِلَى الشَّامِ]

- ‌[وَلَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ مِنْ أَمْرِ الْجَمَلِ]

- ‌[ذِكْرُ أَعْيَانِ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ]

- ‌[فِي ذِكْرِ وَقْعَةِ صِفِّينَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَبَيْنَ أَهْلِ الشَّامِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[مُحَاوَلَاتٌ لِلصُّلْحِ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ]

- ‌[ذِكْرُ رَفْعِ أَهْلِ الشَّامِ الْمَصَاحِفَ مَكْرًا مِنْهُمْ بِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَخَدِيعَةً]

- ‌[قِصَّةُ التَّحْكِيمِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْخَوَارِجِ]

- ‌[مُنَاظَرَةُ عَلِيِّ رضي الله عنه لِلْخَوَارِجِ]

- ‌[صِفَةُ اجْتِمَاعِ الْحَكَمَيْنِ وَهُمَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْخَوَارِجِ مِنَ الْكُوفَةِ وَمُبَارَزَتِهِمْ عَلِيًّا رضي الله عنه بِالْعَدَاوَةِ وَالْمُخَالَفَةِ]

- ‌[مَا وَرَدَ فِي الْخَوَارِجِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مَا دَارَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ قِتَالِ الْخَوَارِجِ]

- ‌[مَا دَارَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ قِتَالِ الْخَوَارِجِ]

- ‌[قِتَالُ عَلِيٍّ الْخَوَارِجَ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ كَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[سَنَةُ أَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

الفصل: ‌[خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان]

[ثُمَّ اسْتَهَلَّتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ]

[دَفْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمُبَايَعَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ]

فَفِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهَا دُفِنَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، وَذَلِكَ يَوْمَ الْأَحَدِ فِي قَوْلٍ. وَبَعْدَ ثَلَاثِ أَيَّامٍ بُويِعَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رضي الله عنه.

[خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ]

َ، رضي الله عنه

كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، قَدْ جَعَلَ الْأَمْرَ بَعْدَهُ شُورَى بَيْنَ سِتَّةِ نَفَرٍ، وَهُمْ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، رضي الله عنهم. وَتَحَرَّجَ أَنْ يَجْعَلَهَا إِلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَقَالَ: لَا أَتَحَمَّلُ أَمْرَكُمْ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِكُمْ خَيْرًا يَجْمَعْكُمْ عَلَى خَيْرِ هَؤُلَاءِ، كَمَا جَمَعَكُمْ عَلَى خَيْرِكُمْ بَعْدَ نَبِيِّكُمْ، صلى الله عليه وسلم.

وَمِنْ تَمَامِ وَرَعِهِ لَمْ يَذْكُرْ فِي أَهْلِ الشُّورَى سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ خَشِيَ أَنْ يُرَاعَى فَيُوَلَّى لِكَوْنِهِ ابْنَ عَمِّهِ، فَلِذَلِكَ تَرَكَهُ، وَهُوَ أَحَدُ الْعَشْرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ بَلْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ شُيُوخِهِ أَنَّهُ اسْتَثْنَاهُ مِنْ بَيْنِهِمْ وَقَالَ: لَسْتُ مُدْخِلَهُ فِيهِمْ. وَقَالَ لِأَهْلِ الشُّورَى: يَحْضُرُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَهُ - وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ؛ بَلْ يَحْضُرُ الشُّورَى وَيُشِيرُ بِالنُّصْحِ

ص: 208

وَلَا يُوَلَّى شَيْئًا.

وَأَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ الرُّومِيُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الشُّورَى، وَأَنْ يَجْتَمِعَ أَهْلُ الشُّورَى وَيُوَكَّلَ بِهِمْ أُنَاسٌ حَتَّى يَنْبَرِمَ الْأَمْرُ وَوَكَّلَ بِهِمْ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ مُسْتَحِثًّا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ، وَالْمِقْدَادَ بْنَ الْأُسُودِ الْكِنْدِيَّ. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا أَظُنُّ النَّاسَ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَحَدًا؛ إِنَّهُمَا كَانَا يَكْتُبَانِ الْوَحْيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، مِمَّا يَنْزِلُ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ.

قَالُوا: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ، رضي الله عنه، وَأُحْضِرَتْ جِنَازَتُهُ تَبَادَرَ إِلَيْهَا عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ أَيُّهُمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لَسْتُمَا مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ، إِنَّمَا هَذَا إِلَى صُهَيْبٍ الَّذِي أَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَتَقَدَّمَ صُهَيْبٌ وَصَلَّى عَلَيْهِ. وَنَزَلَ فِي قَبْرِهِ مَعَ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ أَهْلُ الشُّورَى سِوَى طَلْحَةَ فَإِنَّهُ كَانَ غَائِبًا.

فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ شَأْنِ عُمَرَ جَمَعَهُمُ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ فِي بَيْتِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَقِيلَ: فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ. وَقِيلَ: فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَقِيلَ: فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أُخْتِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ. وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَجَلَسُوا فِي الْبَيْتِ، وَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ يَحْجُبُهُمْ، وَجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَجَلَسَا مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ، فَحَصَبَهُمَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَرَدَهُمَا، وَقَالَ: جِئْتُمَا لِتَقُولَا: حَضَرْنَا أَمْرَ الشُّورَى! رَوَاهُ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مَشَايِخِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْقَوْمَ خَلَصُوا مِنَ النَّاسِ فِي بَيْتٍ يَتَشَاوَرُونَ فِي أَمْرِهِمْ فَكَثُرَ

ص: 209

الْقَوْلُ، وَعَلَتِ الْأَصْوَاتُ، وَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: إِنِّي كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ تَدَافَعُوهَا، وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنْ تَنَافَسُوهَا. ثُمَّ صَارَ الْأَمْرُ بَعْدَ حُضُورِ طَلْحَةَ إِلَى أَنْ فَوَّضَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ مَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَى ثَلَاثَةٍ؛ فَفَوَّضَ الزُّبَيْرُ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْإِمَارَةِ إِلَى عَلِيٍّ، وَفَوَّضَ سَعْدٌ مَا لَهُ فِي ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَتَرَكَ طَلْحَةُ حَقَّهُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِعَلِيٍّ وَعُثْمَانَ: أَيُّكُمَا يَبْرَأُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَنُفَوِّضَ الْأَمْرَ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ، لَيُوَلِّيَنَّ أَفْضَلَ الرَّجُلَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ. فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَإِنِّي أَتْرُكُ حَقِّي مِنْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ عَلَيَّ وَالْإِسْلَامُ أَنْ أَجْتَهِدَ فَأُوَلِّيَ أَوْلَاكُمَا بِالْحَقِّ. فَقَالَا: نَعَمْ. ثُمَّ خَاطَبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ لَئِنْ وَلَّاهُ لَيَعْدِلَنَّ وَلَئِنْ وُلِّيَ عَلَيْهِ لَيَسْمَعَنَّ وَلَيُطِيعَنَّ، فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: نَعَمَ. ثُمَّ تَفَرَّقُوا.

وَيُرْوَى أَنَّ أَهْلَ الشُّورَى جَعَلُوا الْأَمْرَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ؛ لِيَجْتَهِدَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَفْضَلِهِمْ فَيُوَلِّيَهُ. فَيُذْكَرُ أَنَّهُ سَأَلَ كُلَّ مَنْ يُمْكِنُهُ سُؤَالُهُ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى وَغَيْرِهِمْ، فَلَا يُشِيرُ إِلَّا بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ حَتَّى أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أُوَلِّكَ، فَمَنْ تُشِيرُ بِهِ؟ قَالَ: بِعُثْمَانَ. وَقَالَ لِعُثْمَانَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أُوَلِّكَ، فَمَنْ تُشِيرُ بِهِ؟ قَالَ: بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَصِرَ الْأَمْرُ فِي ثَلَاثَةٍ، وَيَنْخَلِعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْهَا لِيَنْظُرَ الْأَفْضَلَ، وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ لَيَجْتَهِدَنَّ فِي أَفْضَلِ الرَّجُلَيْنِ فَيُوَلِّيهِ.

ص: 210

ثُمَّ نَهَضَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، رضي الله عنه، يَسْتَشِيرُ النَّاسَ فِيهِمَا وَيَجْتَمِعُ بِرُءُوسِ النَّاسِ وَأَجْنَادِهِمْ؛ جَمِيعًا وَأَشْتَاتًا، مَثْنَى وَفُرَادَى وَمُجْتَمِعِينَ، سِرًّا وَجَهْرًا، حَتَّى خَلَصَ إِلَى النِّسَاءِ الْمُخَدَّرَاتِ فِي حِجَابِهِنَّ، وَحَتَّى سَأَلَ الْوِلْدَانَ فِي الْمَكَاتِبِ، وَحَتَّى سَأَلَ مَنْ يَرِدُ مِنَ الرُّكْبَانِ وَالْأَعْرَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فِي مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا، فَلَمْ يَجِدِ اثْنَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي تَقْدِيمِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ؛ إِلَّا مَا يُنْقَلُ عَنْ عَمَّارٍ وَالْمِقْدَادِ أَنَّهُمَا أَشَارَا بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ بَايَعَا مَعَ النَّاسِ عَلَى مَا سَيُذْكَرُ. فَسَعَى فِي ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا لَا يَغْتَمِضُ بِكَثِيرِ نَوْمٍ إِلَّا صَلَاةً وَدُعَاءً وَاسْتِخَارَةً، وَسُؤَالًا مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَعْدِلُ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رضي الله عنه.

فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُسْفِرُ صَبَاحُهَا عَنِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْ مَوْتِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، جَاءَ إِلَى مَنْزِلِ ابْنِ أُخْتِهِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، فَقَالَ: أَنَائِمٌ يَا مِسْوَرُ! وَاللَّهِ لَمْ أَغْتَمِضْ بِكَثِيرِ نَوْمٍ مُنْذُ ثَلَاثٍ، اذْهَبْ فَادْعُ لِي عَلِيًّا وَعُثْمَانَ. قَالَ الْمِسْوَرُ: فَقُلْتُ: بِأَيِّهِمَا أَبْدَأُ؟ فَقَالَ: بِأَيِّهِمَا شِئْتَ. قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى عَلِيٍّ، فَقُلْتُ: أَجِبْ خَالِي. فَقَالَ: أَمَرَكَ أَنْ تَدْعُوَ مَعِيَ أَحَدًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مَنْ؟ قُلْتُ: عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ. قَالَ: بِأَيِّنَا بَدَأَ؟ قُلْتُ: لَمْ يَأْمُرْنِي بِذَلِكَ، بَلْ قَالَ: ادْعُ أَيَّهُمَا شِئْتَ أَوَّلًا. فَجِئْتُ إِلَيْكَ. قَالَ: فَخَرَجَ مَعِي، فَلَمَّا مَرَرْنَا بِدَارِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ،

ص: 211

جَلَسَ عَلِيٌّ حَتَّى دَخَلْتُ فَوَجَدْتُهُ يُوتِرُ مَعَ الْفَجْرِ، فَدَعَوْتُهُ، فَقَالَ لِي كَمَا قَالَ لِي عَلِيٌّ سَوَاءً، ثُمَّ خَرَجَ، فَدَخَلْتُ بِهِمَا عَلَى خَالِي وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ سَأَلْتُ النَّاسَ عَنْكُمَا، فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَعْدِلُ بِكُمَا أَحَدًا. ثُمَّ أَخَذَ الْعَهْدَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَيْضًا لَئِنْ وَلَّاهُ لَيَعْدِلَنَّ، وَلَئِنْ وَلَّى عَلَيْهِ لَيَسْمَعَنَّ وَلِيُطِيعَنَّ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِمَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَقَدْ لَبِسَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْعِمَامَةَ الَّتِي عَمَّمَهُ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَتَقَلَّدَ سَيْفًا، وَبَعَثَ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَنُودِيَ فِي النَّاسِ عَامَّةً: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. فَامْتَلَأَ الْمَسْجِدُ حَتَّى غَصَّ بِالنَّاسِ، وَتَرَاصَّ النَّاسُ، وَتَرَاصُّوا حَتَّى لَمْ يَبْقَ لِعُثْمَانَ مَوْضِعٌ يَجْلِسُ فِيهِ إِلَّا فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسُ - وَكَانَ رَجُلًا حَيِيًّا، رضي الله عنه ثُمَّ صَعِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فَوَقَفَ وُقُوفًا طَوِيلًا، وَدَعَا دُعَاءً طَوِيلًا، لَمْ يَسْمَعْهُ النَّاسُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ سَأَلْتُكُمْ سِرًّا وَجَهْرًا، مَثْنَى وَفُرَادَى، فَلَمْ أَجِدْكُمْ تَعْدِلُونَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ؛ إِمَّا عَلِيٌّ وَإِمَّا عُثْمَانُ، فَقُمْ إِلَيَّ يَا عَلِيُّ، فَقَامَ إِلَيْهِ فَوَقَفَ تَحْتَ الْمِنْبَرِ، فَأَخَذَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِيَدِهِ فَقَالَ: هَلْ أَنْتَ مُبَايِعِي عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا، وَلَكِنْ عَلَى جُهْدِي مِنْ ذَلِكَ وَطَاقَتِي. قَالَ: فَأَرْسَلَ يَدَهُ وَقَالَ:

ص: 212

قُمْ يَا عُثْمَانُ. فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ: هَلْ أَنْتَ مُبَايِعِي عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى سَقْفِ الْمَسْجِدِ وَيَدَهُ فِي يَدِ عُثْمَانَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْمَعْ وَاشْهَدْ، اللَّهُمَّ اسْمَعْ وَاشْهَدْ، اللَّهُمَّ اسْمَعْ وَاشْهَدْ، اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ جَعَلْتُ مَا فِي رَقَبَتِي مِنْ ذَاكَ فِي رَقَبَةِ عُثْمَانَ. قَالَ: وَازْدَحَمَ النَّاسُ يُبَايِعُونَ عُثْمَانَ حَتَّى غَشَوْهُ تَحْتَ الْمِنْبَرِ قَالَ: فَقَعَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَقْعَدَ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، وَأَجْلَسَ عُثْمَانَ تَحْتَهُ عَلَى الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ، وَجَاءَ إِلَيْهِ النَّاسُ يُبَايِعُونَهُ، وَبَايَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوَّلًا، وَيُقَالُ آخِرًا.

وَمَا يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ - كَابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ - عَنْ رِجَالٍ لَا يُعْرَفُونَ مِنْ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: خَدَعْتَنِي، وَإِنَّكَ إِنَّمَا وَلَّيْتَهُ؛ لِأَنَّهُ صِهْرُكَ وَلِيُشَاوِرَكَ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ. وَأَنَّهُ تَلَكَّأَ حَتَّى قَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:{فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 10] . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمُخَالِفَةِ لِمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ، فَهِيَ مَرْدُودَةٌ عَلَى قَائِلِيهَا وَنَاقِلِيهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَظْنُونُ بِالصَّحَابَةِ خِلَافُ مَا يَتَوَهَّمُ كَثِيرٌ مِنْ جَهَلَةِ الرَّافِضَةِ وَأَغْبِيَاءِ الْقُصَّاصِ الَّذِينَ لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ وَضَعِيفِهَا، وَمُسْتَقِيمِهَا وَسَقِيمِهَا، وَشَاذِّهَا وَقَوِيمِهَا،

ص: 213

وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ السِّيَرِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي بُويِعَ فِيهِ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رضي الله عنه؛ فَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ أَنَّهُ بُويِعَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَاسْتَقْبَلَ بِخِلَافَتِهِ الْمُحَرَّمَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ. وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا. وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: بُويِعَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ بَعْدَ مَقْتَلِ عُمَرَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ. وَهَذَا أَغْرَبُ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ.

وَقَالَ سَيْفٌ، عَنْ خُلَيْدِ بْنِ ذَفَرَةَ، وَمُجَالِدٍ قَالَا: اسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ. وَكَذَا رَوَى سَيْفٌ عَنْ عُمَرَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: اجْتَمَعَ أَهْلُ الشُّورَى عَلَى عُثْمَانَ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَقَدْ أَذَّنَ مُؤَذِّنُ صُهَيْبٍ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، فَخَرَجَ فَصَلَّى بِهِمُ الْعَصْرَ وَزَادَ النَّاسَ - يَعْنِي فِي أُعْطِيَّاتِهِمْ - مِائَةً، وَوَفَّدَ أَهْلَ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ.

ص: 214

قُلْتُ: ظَاهِرُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ سِيَاقِ بَيْعَتِهِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ، لَكِنَّهُ لَمَّا بَايَعَهُ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ، ذُهِبَ بِهِ إِلَى دَارِ الشُّورَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهَا مِنَ الْخِلَافِ، فَبَايَعَهُ بَقِيَّةُ النَّاسِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ الْبَيْعَةَ إِلَّا بَعْدَ الظُّهْرِ.

وَصَلَّى صُهَيْبٌ يَوْمَئِذٍ الظَّهْرَ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَكَانَ أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا الْخَلِيفَةُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِالْمُسْلِمِينَ صَلَاةُ الْعَصْرِ، كَمَا ذَكَرَهُ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا بِالْمُسْلِمِينَ فَرَوَى سَيْفُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ بَدْرِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ أَهْلُ الشُّورَى عُثْمَانَ، خَرَجَ وَهُوَ أَشَدُّهُمْ كَآبَةً فَأَتَى مِنْبَرَ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، فَخَطَبَ النَّاسَ؛ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: إِنَّكُمْ فِي دَارِ قَلْعَةٍ، وَفِي بَقِيَّةِ أَعْمَارٍ، فَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بِخَيْرِ مَا تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، فَلَقَدْ أُتِيتُمْ؛ صُبِّحْتُمْ أَوْ مُسِّيتُمْ، أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا طُوِيَتْ عَلَى الْغُرُورِ {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: 33] . وَاعْتَبِرُوا بِمَنْ مَضَى ثُمَّ جِدُّوا وَلَا تَغْفُلُوا؛ أَيْنَ أَبْنَاءُ الدُّنْيَا وَإِخْوَانُهَا الَّذِينَ أَثَارُوهَا وَعَمَرُوهَا وَمُتِّعُوا بِهَا طَوِيلًا؛ أَلَمْ تَلْفِظْهُمْ! ارْمُوا بِالدُّنْيَا حَيْثُ رَمَى اللَّهُ بِهَا، وَاطْلُبُوا الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ ضَرَبَ لَهَا مَثَلًا، وَالَّذِي هُوَ خَيْرٌ، فَقَالَ تَعَالَى {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 45]

ص: 215

[سُورَةُ الْكَهْفِ: 45، 46] . قَالَ: وَأَقْبَلَ النَّاسُ يُبَايِعُونَهُ.

قُلْتُ: وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ إِمَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ يَوْمَئِذٍ، أَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ جَالِسٌ فِي رَأْسِ الْمِنْبَرِ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا خَطَبَ أَوَّلَ خُطْبَةٍ أُرْتِجَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ حَتَّى قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَوَّلَ مَرْكَبٍ صَعْبٌ، وَإِنْ أَعِشْ فَسَتَأْتِكُمُ الْخُطْبَةُ عَلَى وَجْهِهَا. فَهُوَ شَيْءٌ يَذْكُرُهُ صَاحِبُ الْعِقْدِ وَغَيْرُهُ، مِمَّنْ يَذْكُرُ طَرَفَ الْفَوَائِدِ، وَلَكِنْ لَمْ أَرَ هَذَا بِإِسْنَادٍ تَسْكُنُ النَّفْسُ إِلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ زَادَ النَّاسَ مِائَةً، يَعْنِي فِي عَطَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جُنْدِ الْمُسْلِمِينَ؛ زَادَهُ عَلَى مَا فَرَضَ لَهُ عُمَرُ مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَانَ عُمَرُ قَدْ جَعَلَ لِكُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ دِرْهَمًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يُفْطِرُ عَلَيْهِ، وَلِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ، فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ، أَقَرَّ ذَلِكَ وَزَادَهُ، وَاتَّخَذَ سِمَاطًا فِي الْمَسْجِدِ أَيْضًا لِلْمُتَعَبِّدِينَ، وَالْمُعْتَكِفِينَ، وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَالْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ، رضي الله عنه. وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا خَطَبَ يَقُومُ عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَحْتَ الدَّرَجَةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَقِفُ عَلَيْهَا فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ نَزَلَ دَرَجَةً أُخْرَى عَنْ دَرَجَةِ أَبِي بَكْرٍ، رضي الله عنهما، فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ قَالَ: إِنَّ هَذَا يَطُولُ: فَصَعِدَ إِلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم.

ص: 216

وَزَادَ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ قَبْلَ الْأَذَانِ الَّذِي كَانَ يُؤُذَّنُ بِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، إِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ.

وَأَمَّا أَوَّلُ حُكُومَةٍ حَكَمَ فِيهَا فَقَضِيَّةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ غَدَا عَلَى ابْنَةِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ قَاتِلِ عُمَرَ فَقَتَلَهَا، وَضَرَبَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا يُقَالُ لَهُ: جُفَيْنَةُ. بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ، وَضَرَبَ الْهُرْمُزَانَ الَّذِي كَانَ صَاحِبَ تَسْتُرَ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ قَدْ قِيلَ: إِنَّهُمَا مَالَئَا أَبَا لُؤْلُؤَةَ عَلَى قَتْلِ عُمَرَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ كَانَ عُمَرُ قَدْ أَمَرَ بِسَجْنِهِ لِيَحْكُمَ فِيهِ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِهِ، فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ، وَجَلَسَ لِلنَّاسِ، كَانَ أَوَّلَ مَا تُحُوكِمَ إِلَيْهِ فِي شَأْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا مِنَ الْعَدْلِ تَرْكُهُ. وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُهَاجِرِينَ: أَيُقْتَلُ أَبُوهُ بِالْأَمْسِ وَيُقْتَلُ هُوَ الْيَوْمَ! فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ بَرَّأَكَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ؛ قَضِيَّةٌ لَمْ تَكُنْ فِي أَيَّامِكَ فَدَعْهَا عَنْكَ. فَوَدَى عُثْمَانُ، رضي الله عنه، أُولَئِكَ الْقَتْلَى مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُمْ إِلَيْهِ، إِذْ لَا وَارِثَ لَهُمْ إِلَّا بَيْتُ الْمَالِ، وَالْإِمَامُ يَرَى الْأَصْلَحَ فِي ذَلِكَ، وَخَلَّى سَبِيلَ عُبَيْدِ اللَّهِ. قَالُوا: فَكَانَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الْبَيَاضِيُّ إِذَا رَأَى عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ:

أَلَا يَا عُبَيْدَ اللَّهِ مَالَكَ مَهْرَبٌ

وَلَا مَلْجَأٌ مِنِ ابْنِ أَرْوَى وَلَا خَفَرْ

أَصَبْتَ دَمًا وَاللَّهِ فِي غَيْرِ حِلِّهِ

حَرَامًا وَقَتْلُ الْهُرْمُزَانِ لَهُ خَطَرْ

عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ غَيْرَ أَنْ قَالَ قَائِلٌ

أَتَتَّهِمُونَ الْهُرْمُزَانَ عَلَى عُمَرَ

ص: 217

فَقَالَ سَفِيهٌ وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ

نَعَمْ أَتَّهِمْهُ قَدْ أَشَارَ وَقَدْ أَمَرَ

وَكَانَ سِلَاحُ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ

يُقَلِّبُهَا وَالْأَمْرُ بِالْأَمْرِ يُعْتَبَرْ

قَالَ: فَشَكَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ زِيَادًا إِلَى عُثْمَانَ، فَاسْتَدْعَى عُثْمَانُ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ، فَأَنْشَأَ زِيَادٌ يَقُولُ فِي عُثْمَانَ:

أَبَا عَمْرٍو عُبَيْدُ اللَّهِ رَهْنٌ

فَلَا تَشْكُكْ بِقَتْلِ الْهُرْمُزَانِ

فَإِنَّكَ إِنْ غَفَرْتَ الْجُرْمَ عَنْهُ

وَأَسْبَابُ الْخُطَا فَرَسَا رِهَانِ

أَتَعْفُو إِذْ عَفَوْتَ بِغَيْرِ حَقٍّ

فَمَا لَكَ بِالَّذِي يُخْلَى يَدَانِ

قَالَ: فَنَهَاهُ عُثْمَانُ عَنْ ذَلِكَ، وَزَبَرَهُ، فَسَكَتَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ عَمَّا يَقُولُ.

ثُمَّ كَتَبَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى عُمَّالِهِ عَلَى الْأَمْصَارِ؛ أُمَرَاءِ الْحَرْبِ وَالْأَئِمَّةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ، وَالْأُمَنَاءِ عَلَى بُيُوتِ الْمَالِ؛ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَيُحَرِّضُهُمْ عَلَى الِاتِّبَاعِ وَتَرْكِ الِابْتِدَاعِ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ عُثْمَانُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَنِ الْكُوفَةِ، وَوَلَّى عَلَيْهَا سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، فَكَانَ أَوَّلَ عَامِلٍ وَلَّاهُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَالَ: فَإِنْ أَصَابَتِ الْإِمْرَةُ سَعْدًا فَذَاكَ، وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ وَلِيَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ. فَاسْتَعْمَلَ سَعْدًا عَلَيْهَا سَنَةً وَبَعْضَ أُخْرَى. ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ

ص: 218

طَرِيقِ سَيْفٍ، عَنْ مَجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِيمَا ذَكَرَهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ أَوْصَى أَنْ تُقَرَّ عُمَّالُهُ سَنَةً، فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ أَقَرَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَلَى الْكُوفَةِ سَنَةً، ثُمَّ عَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ سَعْدًا، ثُمَّ عَزَلَهُ وَوَلَّى الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ تَكُونُ وِلَايَةُ سَعْدٍ عَلَى الْكُوفَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ - غَزَا الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ أَذْرَبِيجَانَ، وَأَرْمِينِيَّةَ حِينَ مَنَعَ أَهْلُهَا مَا كَانُوا صَالَحُوا عَلَيْهِ فِي أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي مِخْنَفٍ. وَأَمَّا فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ.

ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا هَذِهِ الْوَقْعَةَ، وَمُلَخَّصُهَا أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ سَارَ بِجَيْشِ الْكُوفَةِ نَحْوَ أَذْرَبِيجَانَ وَأَرْمِينِيَةَ حِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ فَوَطِئَ بِلَادَهُمْ، وَأَغَارَ بِأَرَاضِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ، فَغَنِمَ وَسَبَى، وَأَخَذَ أَمْوَالًا جَزِيلَةً، فَلَمَّا أَيْقَنُوا بِالْهِلْكَةِ صَالَحَهُ أَهْلُهَا عَلَى مَا كَانُوا صَالَحُوا عَلَيْهِ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ؛ ثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَقَبَضَ مِنْهُمْ جِزْيَةَ سَنَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ سَالِمًا غَانِمًا إِلَى الْكُوفَةِ، فَمَرَّ بِالْمَوْصِلِ، وَجَاءَهُ كِتَابُ عُثْمَانَ وَهُوَ بِهَا يَأْمُرُهُ أَنْ يُمِدَّ أَهْلَ الشَّامِ عَلَى حَرْبِ أَهْلِ الرُّومِ.

ص: 219

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ جَاشَتِ الرُّومُ حَتَّى خَافَ أَهْلُ الشَّامِ وَبَعَثُوا إِلَى عُثْمَانَ، رضي الله عنه، يَسْتَمِدُّونَهُ، فَكَتَبَ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ؛ أَنْ إِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا، فَابْعَثْ رَجُلًا أَمِينًا كَرِيمًا شُجَاعًا قِي ثَمَانِيَةِ آلَافٍ أَوْ تِسْعَةِ آلَافٍ أَوْ عَشَرَةِ آلَافٍ إِلَى إِخْوَانِكُمْ بِالشَّامِ. فَقَامَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا حِينَ وَصَلَ إِلَيْهِ كِتَابُ عُثْمَانَ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَدَبَ النَّاسَ، وَحَثَّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ وَمُعَاوَنَةِ مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ، وَأَمَّرَ سَلْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ إِلَى الشَّامِ، فَانْتَدَبَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ، فَبَعَثَهُمْ إِلَى الشَّامِ، وَعَلَى جُنْدِ الْمُسْلِمِينَ حَبِيبُ بْنُ مُسْلِمٍ الْفِهْرِيُّ. فَلَمَّا اجْتَمَعَ الْجَيْشَانِ شَنُّوا الْغَارَاتِ عَلَى بِلَادِ الرُّومِ، فَغَنِمُوا وَسَبَوْا سَبْيًا كَثِيرًا، وَفَتَحُوا حُصُونًا كَثِيرَةً. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الَّذِي أَمَدَّ أَهْلَ الشَّامِ بِسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ إِنَّمَا هُوَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ؛ عَنْ كِتَابِ عُثْمَانَ، رضي الله عنه، فَبَعَثَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ سَلْمَانَ بْنَ رَبِيعَةَ بِسِتَّةِ آلَافِ فَارِسٍ حَتَّى انْتَهَى إِلَى حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَقَدْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ الْمَوْرِيَانُ الرُّومِيُّ فِي ثَمَانِينَ أَلْفًا مِنَ الرُّومِ وَالتُّرْكِ، وَكَانَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ شُجَاعًا شَهْمًا، فَعَزَمَ عَلَى أَنْ يُبَيِّتَ جَيْشَ الرُّومِ، فَسَمِعَتْهُ امْرَأَتُهُ يَقُولُ لِلْأُمَرَاءِ ذَلِكَ، فَقَالَتْ لَهُ: فَأَيْنَ مَوْعِدِي مَعَكَ. تَعْنِي أَيْنَ أَجْتَمِعُ بِكَ غَدًا؟ فَقَالَ لَهَا: مَوْعِدُكِ سُرَادِقُ مَوْرِيَانَ أَوِ الْجَنَّةُ. ثُمَّ نَهَضَ إِلَيْهِمْ فِي اللَّيْلِ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ،

ص: 220