الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهُمْ قَدْ أَسَرَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ قَدْ عَزَمَ عَلَى قَتْلِهِمْ لِظَنِّهِ أَنَّ عَلِيًّا قَدْ قَتَلَ أَسْرَاهُمْ، فَلَمَّا جَاءَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَطْلَقَهُمْ، أَطْلَقَ مُعَاوِيَةُ الَّذِينَ فِي يَدِهِ، وَيُقَالُ: إِنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ - مِنَ الْأَوْدِ. كَانَ مِنَ الْأُسَارَى، فَأَرَادَ مُعَاوِيَةُ قَتْلَهَ، فَقَالَ: امْنُنْ عَلَيَّ فَإِنَّكَ خَالِي. فَقَالَ: وَيْحَكَ! مِنْ أَيْنَ أَنَا خَالُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَا ابْنُهَا وَأَنْتَ أَخُوهَا، فَأَنْتَ خَالِي. فَأَعْجَبَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ وَأَطْلَقَهُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمَ - وَذَكَرَ أَهْلَ صِفِّينَ - فَقَالَ: كَانُوا عَرَبًا يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَالْتَقَوْا فِي الْإِسْلَامِ مَعَهُمْ بِتِلْكَ الْحَمِيَّةِ نُهْيَةِ الْإِسْلَامِ، فَتَصَابَرُوا وَاسْتَحْيَوْا مِنَ الْفِرَارِ، وَكَانُوا إِذَا تَحَاجَزُوا دَخَلَ هَؤُلَاءِ فِي عَسْكَرِ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ فِي عَسْكَرِ هَؤُلَاءِ، فَيَسْتَخْرِجُونَ قَتْلَاهُمْ فَيَدْفِنُوهُمْ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: هُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يَفِرَّ أَحَدٌ مِنْ أَحَدٍ.
[ذِكْرُ خُرُوجِ الْخَوَارِجِ]
وَذَلِكَ أَنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ مَرَّ عَلَى مَلَأٍ مَنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ،
فَقَامَ إِلَيْهِ عُرْوَةُ ابْنُ أُدَيَّةَ - وَهِيَ أُمُّهُ، وَهُوَ عُرْوَةُ بْنُ حُدَيْرٍ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ حَنْظَلَةَ، وَهُوَ أَخُو أَبِي بِلَالٍ مِرْدَاسِ بْنِ حُدَيْرٍ - فَقَالَ: أَتُحَكِّمُونَ فِي دِينِ اللَّهِ الرِّجَالَ؟ ثُمَّ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ عَجُزَ دَابَّةِ الْأَشْعَثِ، فَغَضِبِ الْأَشْعَثُ وَقَوْمُهُ، وَجَاءَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ رُؤَسَاءِ بَنِي تَمِيمٍ يَعْتَذِرُونَ إِلَى الْأَشْعَثِ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ وَالْخَوَارِجُ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ حَكَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ الرَّاسِبِيُّ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَقَدْ أَخَذَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ طَوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ مِنَ الْقُرَّاءِ وَقَالُوا: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ. فَسُمُّوا الْمُحَكِّمِيَّةَ. وَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَى بِلَادِهِمْ مِنْ صِفِّينَ، فَرَجَعَ عَلِيٌّ إِلَى الْكُوفَةِ عَلَى طَرِيقِ هِيتَ، وَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الشَّامِ بِأَصْحَابِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: ذَهَبَ عَلِيٌّ وَرَجَعَ فِي غَيْرِ شَيْءٍ. فَقَالَ عَلِيٌّ: لَلَّذِينَ فَارَقْنَاهُمْ آنِفًا خَيْرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ. ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
أَخُوكَ الَّذِي إِنَّ أَجْرَضَتْكَ مُلِمَّةٌ
…
مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَبْرَحْ لِبَثِّكَ وَاجِمَا
وَلَيْسَ أَخُوكَ بِالَّذِي إِنْ تَشَعَّبَتْ
…
عَلَيْكَ الْأُمُورُ ظَلَّ يَلْحَاكَ لَائِمَا
ثُمَّ مَضَى فَجَعَلَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى دَخَلَ قَصْرَ الْإِمَارَةِ مِنَ الْكُوفَةِ، وَلَمَّا كَانَ قَدْ قَرُبَ مِنْ دُخُولِ الْكُوفَةِ انْخَزَلَ مَنْ جَيْشِهِ قَرِيبٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَهُمُ الْخَوَارِجُ، وَأَبَوْا أَنْ يُسَاكِنُوهُ فِي بَلَدِهِ، وَنَزَلُوا بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: حَرُورَاءُ. وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَشْيَاءَ فِيمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ ارْتَكَبَهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ، رضي الله عنه، عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَنَاظَرَهُمْ، فَرَجَعَ أَكْثَرُهُمْ وَبَقِيَ بَقِيَّتُهُمْ، فَقَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ وَأَصْحَابُهُ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجَ هُمُ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ - وَفِي رِوَايَةٍ: " مِنَ الْمُسْلِمِينَ ". وَفِي رِوَايَةٍ: " مِنْ أُمَّتِي " - " فَيَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ ".»
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَهُ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَأَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَعَفَّانُ، ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:«تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنِ الْقَاسِمِ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«تَكُونُ أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ، تَخْرُجُ بَيْنَهُمَا مَارِقَةٌ، يَلِي قَتْلَهَا أَوْلَاهُمَا بِالْحَقِّ» . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ وَدَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، ذَكَرَ قَوْمًا يَكُونُونَ فِي أُمَّتِهِ يَخْرُجُونَ فِي فِرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ - أَوْ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ - يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْحَقِّ» . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَأَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:«تَفْتَرِقُ أُمَّتِي فِرْقَتَيْنِ، فَتَمْرُقُ بَيْنَهُمَا مَارِقَةٌ، فَيَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ» . وَرَوَاهُ أَيْضًا، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ عَوْفٍ ; وَهُوَ الْأَعْرَابِيُّ، بِهِ مِثْلَهُ. فَهَذِهِ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ الْعَبْدِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الرُّفَعَاءِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ الْمِشْرَقِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِنَحْوِهِ.
فَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ; لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ طِبْقَ مَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ، صلى الله عليه وسلم، وَفِيهِ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِ الطَّائِفَتَيْنِ ; أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ، لَا كَمَا يَزْعُمُهُ فِرْقَةُ الرَّافِضَةِ، أَهْلُ الْجَهْلِ وَالْجَوْرِ، مِنْ تَكْفِيرِهِمْ أَهْلَ الشَّامِ. وَفِيهِ أَنَّ أَصْحَابَ عَلِيٍّ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الْمُصِيبُ وَإِنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ مُجْتَهِدًا فِي قِتَالِهِ لَهُ وَقَدْ أَخْطَأَ، وَهُوَ مَأْجُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَكِنْ عَلِيًّا هُوَ الْإِمَامُ الْمُصِيبُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَهُ أَجْرَانِ كَمَا ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "، مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» . وَسَيَأْتِي بَيَانُ كَيْفِيَّةِ قِتَالِ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، لِلْخَوَارِجِ، وَصِفَةُ