المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ثم دخلت سنة أربع وثلاثين] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ١٠

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتَّ عَشْرَةَ]

- ‌[قُدُومُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَنَازِلَ مَدِينَةِ بَهُرَسِيرَ، وَهِيَ إِحْدَى مُدُنِ كِسْرَى]

- ‌[ذِكْرُ فَتْحِ الْمَدَائِنِ الَّتِي هِيَ مُسْتَقَرُّ مُلْكِ كِسْرَى]

- ‌[وَقْعَةُ جَلُولَاءَ]

- ‌[ذِكْرُ فَتْحِ حُلْوَانَ]

- ‌[فَتْحُ تَكْرِيتَ وَالْمَوْصِلِ]

- ‌[فَتْحُ مَاسَبَذَانَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقَ]

- ‌[فَتْحُ قِرْقِيسِيَاءَ وَهِيتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ]

- ‌[اخْتِطَاطُ الْكُوفَةِ وَبِنَاءُ الْمَسْجِدِ بِهَا]

- ‌[قِصَّةُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَحَصْرِ الرُّومِ لَهُ بِحِمْصَ وَقُدُومِ عُمَرَ إِلَى الشَّامِ أَيْضًا لِيَنْصُرَهُ]

- ‌[فَتْحُ الْجَزِيرَةِ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِ طَاعُونَ عَمَوَاسَ]

- ‌[كَائِنَةٌ غَرِيبَةٌ فِيهَا عُزِلَ خَالِدٌ عَنْ قِنَّسْرِينَ أَيْضًا]

- ‌[فَتْحُ الْأَهْوَازِ وَمَنَاذِرَ وَنَهْرِ تِيرَى]

- ‌[فَتْحُ تُسْتَرَ، الْمَرَّةُ الْأُولَى صُلْحًا]

- ‌[ذِكْرُ غَزْوِ بِلَادِ فَارِسَ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَحْرِينِ]

- ‌[ذِكْرُ فَتْحِ تُسْتَرَ ثَانِيَةً عَنْوَةً وَالسُّوسِ وَرَامَهُرْمُزَ وَأَسْرِ الْهُرْمُزَانِ وَبَعْثِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ]

- ‌[فَتْحُ السُّوسِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِي عَشْرَةَ]

- ‌[طَاعُونُ عَمَوَاسَ وَعَامُ الرَّمَادَةِ]

- ‌[ذِكْرُ طَائِفَةٍ مِنْ أَعْيَانِ مَنْ تُوُفِّيَ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[سَنَةُ عِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[فَتْحُ مِصْرَ]

- ‌[صِفَةُ فَتْحِ مِصْرَ مَجْمُوعًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَسَيْفٍ وَغَيْرِهِمَا]

- ‌[قِصَّةُ نِيلِ مِصْرَ]

- ‌[ذِكْرُ الْمُتَوَفَّيْنَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ]

- ‌[وَقْعَةُ نَهَاوَنْدَ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ]

- ‌[الْفُتُوحَاتُ الَّتِي تَمَّتْ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ]

- ‌[فَتْحُ الرَّيِّ]

- ‌[فَتْحُ قَوْمِسَ]

- ‌[فَتْحُ جُرْجَانَ]

- ‌[فَتْحُ أَذْرَبِيجَانَ]

- ‌[فَتْحُ الْبَابِ]

- ‌[أَوَّلُ غَزْوِ التُّرْكِ]

- ‌[قِصَّةُ السَّدِّ]

- ‌[بَقِيَّةٌ مِنْ خَبَرِ السَّدِّ]

- ‌[قِصَّةُ يَزْدَجِرْدَ بْنِ شَهْرِيَارَ بْنِ كِسْرَى]

- ‌[غَزْوُ الْمُسْلِمِينَ بِلَادَ خُرَاسَانَ مَعَ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[فَتْحُ فَسَا وَدَارَابْجِرْدَ وَقِصَّةُ سَارِيَةَ بْنِ زُنَيْمٍ]

- ‌[غَزْوَةُ الْأَكْرَادِ]

- ‌[خَبَرُ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْجَعِيِّ وَالْأَكْرَادِ]

- ‌[صِفَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وَأَبْنَائِهِ وَبَنَاتِهِ]

- ‌[ذِكْرُ بَعْضِ مَا رُثِيَ بِهِ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ]

- ‌[ثُمَّ اسْتَهَلَّتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[دَفْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمُبَايَعَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَمِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ]

- ‌[خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ]

- ‌[وَفِيهَا تُوُفِّيَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بْنُ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[غَزْوَةُ إِفْرِيقِيَّةَ]

- ‌[غَزْوَةُ الْأَنْدَلُسِ]

- ‌[وَقْعَةُ جُرْجِيرَ وَالْبَرْبَرِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ]

- ‌[سَنَةُ ثَلَاثِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[فَتْحُ طَبَرِسْتَانَ]

- ‌[فِيمَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ]

- ‌[غَزْوَةُ الصَّوَارِي وَغَزْوَةُ الْأَسَاوِدَةِ]

- ‌[كَيْفِيَّةُ قَتْلِ كِسْرَى مِلِكِ الْفُرْسِ وَهُوَ يَزْدَجِرْدُ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[أَسْبَابُ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ مَجِيءِ الْأَحْزَابِ إِلَى عُثْمَانَ لِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مِصْرَ]

- ‌[صِفَةُ حَصْرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ]

- ‌[صِفَةُ قَتْلِهِ رضي الله عنه]

- ‌[تَعْلِيقَاتٌ عَلَى مَقْتَلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه]

- ‌[مُدَّةُ حِصَارِهِ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ صِفَتِهِ رضي الله عنه]

- ‌[كَلَامُ الصَّحَابَةِ فِي مَقْتَلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ بَعْضِ مَا رُثِيَ بِهِ رضي الله عنه]

- ‌[كَيْفِيَّةُ قَتْلِ عُثْمَانَ بِالْمَدِينَةِ وَبِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ]

- ‌[الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي فَضَائِلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ]

- ‌[نَسَبُهُ]

- ‌[فِيمَا وَرَدَ فِي فَضَائِلِهِ مَعَ غَيْرِهِ]

- ‌[فِيمَا وَرَدَ مِنْ فَضَائِلِهِ وَحْدَهُ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ سِيرَتِهِ وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى فَضِيلَتِهِ رضي الله عنه]

- ‌[فِي ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ خُطَبِهِ]

- ‌[مَنَاقِبُهُ رضي الله عنه]

- ‌[مَنَاقِبُهُ الْكِبَارُ وَحَسَنَاتُهُ الْعَظِيمَةُ]

- ‌[ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وَبَنِيهِ وَبَنَاتِهِ، رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوَفِّيَ فِي زَمَانِ دَوْلَةِ عُثْمَانَ]

- ‌[خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه]

- ‌[ذِكْرُ بَيْعَةِ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، بِالْخِلَافَةِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[بِدَايَةُ خِلَافَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه]

- ‌[ابْتِدَاءُ وَقْعَةِ الْجَمَلِ]

- ‌[ذِكْرُ مَسِيرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ بَدَلًا عَنْ مَسِيرِهِ إِلَى الشَّامِ]

- ‌[وَلَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ مِنْ أَمْرِ الْجَمَلِ]

- ‌[ذِكْرُ أَعْيَانِ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ]

- ‌[فِي ذِكْرِ وَقْعَةِ صِفِّينَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَبَيْنَ أَهْلِ الشَّامِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[مُحَاوَلَاتٌ لِلصُّلْحِ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ]

- ‌[ذِكْرُ رَفْعِ أَهْلِ الشَّامِ الْمَصَاحِفَ مَكْرًا مِنْهُمْ بِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَخَدِيعَةً]

- ‌[قِصَّةُ التَّحْكِيمِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْخَوَارِجِ]

- ‌[مُنَاظَرَةُ عَلِيِّ رضي الله عنه لِلْخَوَارِجِ]

- ‌[صِفَةُ اجْتِمَاعِ الْحَكَمَيْنِ وَهُمَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الْخَوَارِجِ مِنَ الْكُوفَةِ وَمُبَارَزَتِهِمْ عَلِيًّا رضي الله عنه بِالْعَدَاوَةِ وَالْمُخَالَفَةِ]

- ‌[مَا وَرَدَ فِي الْخَوَارِجِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مَا دَارَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ قِتَالِ الْخَوَارِجِ]

- ‌[مَا دَارَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ قِتَالِ الْخَوَارِجِ]

- ‌[قِتَالُ عَلِيٍّ الْخَوَارِجَ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ كَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ أَحْدَاثٍ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]

- ‌[سَنَةُ أَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

الفصل: ‌[ثم دخلت سنة أربع وثلاثين]

[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ]

قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ: فِيهَا كَانَتْ غَزْوَةُ الصَّوَارِي. وَالصَّحِيحُ فِي قَوْلِ غَيْرِهِ أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ.

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تَكَاتَبَ الْمُنْحَرِفُونَ عَنْ طَاعَةِ عُثْمَانَ، رضي الله عنه، وَكَانَ جُمْهُورُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ - وَهُمْ فِي مُعَامَلَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بِحِمْصَ مَنْفِيُّونَ عَنِ الْكُوفَةِ - وَثَارُوا عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَمِيرِ الْكُوفَةِ، وَتَأَلَّبُوا عَلَيْهِ وَنَالُوا مِنْهُ وَمِنْ عُثْمَانَ، وَبَعَثُوا إِلَى عُثْمَانَ مَنْ يُنَاظِرُهُ فِيمَا فَعَلَ، وَفِيمَا اعْتَمَدَ مَنْ عَزْلِ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَتَوْلِيَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ أَقْرِبَائِهِ، وَأَغْلَظُوا لَهُ فِي الْقَوْلِ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَعْزِلَ عُمَّالَهُ وَيَسْتَبْدِلَ بِهِمْ غَيْرَهُمْ مِنَ السَّابِقَيْنَ وَمِنَ الصَّحَابَةِ، حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ جِدًّا وَبَعَثَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، فَأَحْضَرَهُمْ عِنْدَهُ لِيَسْتَشِيرَهُمْ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَمِيرُ الشَّامِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَمِيرُ مِصْرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَمِيرُ الْمَغْرِبِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ أَمِيرُ الْكُوفَةِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ، فَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا حَدَثَ مِنَ الْأَمْرِ وَافْتِرَاقِ الْكَلِمَةِ، فَأَشَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ أَنْ يَشْغَلَهُمْ بِالْغَزْوِ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الشَّرِّ فَلَا يَكُونَ هَمُّ أَحَدِهِمْ إِلَّا نَفْسَهُ وَمَا هُوَ فِيهِ مِنْ دَبَرَةِ دَابَّتِهِ، وَقَمْلِ

ص: 261

فَرْوَتِهِ، فَإِنَّ غَوْغَاءَ النَّاسِ إِذَا تَفَرَّغُوا وَبَطِلُوا، اشْتَغَلُوا بِمَا لَا يُغْنِي، وَتَكَلَّمُوا فِيمَا لَا يُرْضِي، وَإِذَا تَفَرَّقُوا نَفَعُوا أَنْفُسَهُمْ وَغَيْرَهُمْ. وَأَشَارَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ بِأَنْ يَسْتَأْصِلَ شَأْفَةَ الْمُفْسِدِينَ، وَيَقْطَعَ دَابِرَهُمْ. وَأَشَارَ مُعَاوِيَةُ بِأَنْ يَرُدَّ عُمَّالَهُ إِلَى أَقَالِيمِهِمْ، وَأَنْ لَا يَلْتَفِتَ إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَا تَأَلَّبُوا عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ، فَإِنَّهُمْ أَقَلُّ وَأَضْعَفُ جُنْدًا. وَأَشَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ بِأَنْ يَتَأَلَّفَهُمْ بِالْمَالِ فَيُعْطِيَهِمْ مِنْهُ مَا يَكُفُّ بِهِ شَرَّهُمْ، وَيَأْمَنُ غَائِلَتَهُمْ، وَيَعْطِفُ بِهِ قُلُوبَهُمْ إِلَيْهِ. وَأَمَّا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَامَ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّكَ قَدْ رَكَّبْتَ النَّاسَ مَا يَكْرَهُونَ، فَإِمَّا أَنْ تَعْزِلَ عَنْهُمْ مَا يَكْرَهُونَ، وَإِمَّا أَنْ تَقَدَّمَ فَتُنْزِلَ عُمَّالَكَ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ. وَقَالَ لَهُ كَلَامًا فِيهِ غِلْظَةٌ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ فِي السِّرِّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِيُبَلِّغَ عَنْهُ مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ النَّاسِ إِلَيْهِمْ لِيَرْضَوْا مِنْ عُثْمَانَ بِهَذَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَرَّرَ عُثْمَانُ عُمَّالَهُ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَتَأَلَّفَ قُلُوبَ أُولَئِكَ بِالْمَالِ، وَأَمَرَ بِأَنْ يُبْعَثُوا فِي الْغَزْوِ إِلَى الثُّغُورِ، فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَصَالِحِ كُلِّهَا، وَلَمَّا رَجَعَتِ الْعُمَّالُ إِلَى أَقَالِيمِهَا امْتَنَعَ أَهْلُ الْكُوفَةِ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ، وَلَبِسُوا السِّلَاحَ وَحَلَفُوا أَنْ لَا يُمَكِّنُوهُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَعْزِلَهُ عُثْمَانُ وَيُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، وَكَانَ اجْتِمَاعُهُمْ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: الْجَرَعَةُ. وَقَدْ قَالَ يَوْمَئِذٍ الْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ وَاللَّهِ لَا يُدْخِلُهَا عَلَيْنَا مَا حَمَلْنَا سُيُوفَنَا. وَتَوَاقَفَ النَّاسُ بِالْجَرَعَةِ، وَأَحْجَمَ سَعِيدٌ عَنْ قِتَالِهِمْ وَصَمَّمُوا

ص: 262

عَلَى مَنْعِهِ. وَقَدِ اجْتَمَعَ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ حُذَيْفَةُ، وَأَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو، فَجَعَلَ أَبُو مَسْعُودٍ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا يَرْجِعُ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ حَتَّى يَكُونَ دِمَاءٌ. فَجَعَلَ حُذَيْفَةُ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَيَرْجِعَنَّ وَلَا يَكُونُ فِيهَا مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ، وَمَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ شَيْئًا إِلَّا وَقَدْ عَلِمْتُهُ وَمُحَمَّدٌ، صلى الله عليه وسلم، حَيٌّ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ كَرَّ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَسَرَ الْفِتْنَةَ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَكَتَبُوا إِلَى عُثْمَانَ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، فَأَجَابَهُمْ عُثْمَانُ إِلَى مَا سَأَلُوا؛ إِزَاحَةً لِعُذْرِهِمْ، وَإِزَالَةً لِشُبَهِهِمْ، وَقَطْعًا لِعِلَلِهِمْ.

وَذَكَرَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ أَنَّ سَبَبَ تَأَلُّبِ الْأَحْزَابِ عَلَى عُثْمَانَ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ. كَانَ يَهُودِيًّا فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَصَارَ إِلَى مِصْرَ، فَأَوْحَى إِلَى طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ كَلَامًا اخْتَرَعَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ مَضْمُونُهُ أَنَّهُ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: أَلَيْسَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ سَيَعُودُ إِلَى هَذِهِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ الرَّجُلُ: بَلَى! فَيَقُولُ لَهُ: فَرَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، أَفْضَلُ مِنْهُ فَمَا تُنْكِرُ أَنْ يَعُودَ إِلَى هَذِهِ الدُّنْيَا وَهُوَ أَشْرَفُ مِنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام! ثُمَّ يَقُولُ: وَقَدْ كَانَ أَوْصَى إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؛ فَمُحَمَّدٌ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَعَلِيٌّ خَاتَمُ الْأَوْصِيَاءِ. ثُمَّ يَقُولُ: فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِمْرَةِ مِنْ عُثْمَانَ، وَعُثْمَانُ مُعْتَدٍ فِي وِلَايَتِهِ مَا لَيْسَ لَهُ. فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ وَأَظْهَرُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ. فَافْتُتِنَ بِهِ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، وَكَتَبُوا إِلَى جَمَاعَاتٍ مِنْ عَوَامِّ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ؛ فَتَمَالَئُوا عَلَى ذَلِكَ، وَتَكَاتَبُوا فِيهِ، وَتَوَاعَدُوا أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي الْإِنْكَارِ عَلَى عُثْمَانَ، وَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ مَنْ يُنَاظِرُهُ وَيَذْكُرُ لَهُ

ص: 263

مَا يَنْقِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ تَوْلِيَتِهِ أَقْرِبَاءَهُ وَذَوِي رَحِمِهِ وَعَزْلِهِ كِبَارَ الصَّحَابَةِ. فَدَخَلَ هَذَا فِي قُلُوبِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فَجَمَعَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ نُوَّابَهُ مِنَ الْأَمْصَارِ، فَاسْتَشَارَهُمْ فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِيمَا رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ كَثُرَ النَّاسُ عَلَى عُثْمَانَ، وَنَالُوا مِنْهُ أَقْبَحَ مَا نِيلَ مِنْ أَحَدٍ، فَكَلَّمَ النَّاسُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى عُثْمَانَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ وَرَائِي وَقَدْ كَلَّمُونِي فِيكَ، وَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ وَمَا أَعْرِفُ شَيْئًا تَجْهَلُهُ وَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَمْرٍ لَا تَعْرِفُهُ، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ مَا سَبَقْنَاكَ إِلَى شَيْءٍ فَنُخْبِرُكَ عَنْهُ، وَلَا خَلَوْنَا بِشَيْءٍ فَنُبَلِّغُكَهُ، وَمَا خُصِصْنَا بِأُمُورٍ عَنْكَ، وَقَدْ رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، وَنِلْتَ صِهْرَهُ وَمَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ بِأَوْلَى بِعَمَلِ أَلْحَقِّ مِنْكَ، وَلَا ابْنُ الْخَطَّابِ بِأَوْلَى بِشَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ مِنْكَ، وَإِنَّكَ أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، رَحِمًا، وَلَقَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، مَا لَمْ يَنَالَا، وَلَا سَبَقَاكَ إِلَى شَيْءٍ، فَاللَّهَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ، فَإِنَّكَ وَاللَّهِ مَا تُبْصِرُ مِنْ عَمَى، وَلَا تَعْلَمُ مِنْ جَهْلٍ، وَإِنَّ الطَّرِيقَ لِوَاضِحٌ بَيِّنٌ، وَإِنَّ أَعْلَامَ الدِّينِ لِقَائِمَةٌ، تَعْلَمُ يَا عُثْمَانُ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ عَادِلٌ، هُدِيَ وَهَدَى، فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً، وَأَمَاتَ بِدْعَةً مَعْلُومَةً، فَوَاللَّهِ إِنَّ كُلًّا لَبَيِّنٌ، وَإِنَّ السُّنَنَ لَقَائِمَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ، وَإِنَّ الْبِدَعَ

ص: 264

لَقَائِمَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ، وَإِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ جَائِرٌ، ضَلَّ وَضُلَّ بِهِ، فَأَمَاتَ سُنَّةً مَعْلُومَةً، وَأَحْيَا بِدْعَةً مَتْرُوكَةً، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:«يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْإِمَامِ الْجَائِرِ وَلَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَلَا عَاذِرٌ، فَيُلْقَى فِي جَهَنَّمَ فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرَّحَا ثُمَّ يَرْتَطِمُ فِي غَمْرَةِ جَهَنَّمَ» . وَإِنِّي أُحَذِّرُكَ اللَّهَ وَأُحَذِّرُكَ سَطْوَتَهُ وَنِقْمَتَهُ، فَإِنَّ عَذَابَهُ شَدِيدٌ أَلِيمٌ، وَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ إِمَامَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَقْتُولَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ: يُقْتَلُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ إِمَامٌ فَيُفْتَحُ عَلَيْهَا الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَتُلَبَّسُ أُمُورُهَا عَلَيْهَا، وَيُتْرَكُونَ شِيَعًا لَا يُبْصِرُونَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، يَمُوجُونَ فِيهَا مَوْجًا، وَيَمْرَجُونَ فِيهَا مَرَجًا. فَقَالَ عُثْمَانُ: قَدْ وَاللَّهِ عَلِمْتُ لَتَقُولَنَّ الَّذِي قُلْتَ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ مَكَانِي مَا عَنَّفْتُكَ وَلَا أَسْلَمْتُكَ، وَلَا عِبْتُ عَلَيْكَ، وَلَا جِئْتُ مُنْكِرًا أَنْ وَصَلْتُ رَحِمًا، وَسَدَدْتُ خَلَّةً، وَأَوَيْتُ ضَائِعًا، وَوَلَّيْتُ شَبِيهًا بِمَنْ كَانَ عُمَرُ يُوَلِّي، أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا عَلِيُّ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ لَيْسَ هُنَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَعْلَمُ أَنَّ عُمَرَ وَلَّاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَلِمَ تَلُومُنِي أَنْ وَلَّيْتُ ابْنَ عَامِرٍ فِي رَحِمِهِ وَقَرَابَتِهِ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: سَأُخْبِرُكَ، إِنَّ عُمَرَ كَانَ كُلُّ مَنْ وَلَّى فَإِنَّمَا يَطَأُ عَلَى صِمَاخَيْهِ، وَإِنْ بَلَغَهُ عَنْهُ حَرْفٌ، جَاءَ بِهِ، ثُمَّ بَلَغَ بِهِ أَقْصَى الْغَايَةِ فِي الْعُقُوبَةِ،

ص: 265

وَأَنْتَ لَا تَفْعَلُ، ضَعُفْتَ وَرَفُقْتَ عَلَى أَقْرِبَائِكَ. فَقَالَ عُثْمَانُ: هُمْ أَقْرِبَاؤُكَ أَيْضًا. فَقَالَ عَلِيٌّ: لَعَمْرِي إِنَّ رَحِمَهُمْ مِنِّي لِقَرِيبَةٌ، وَلَكِنَّ الْفَضْلَ فِي غَيْرِهِمْ. قَالَ عُثْمَانُ: هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُمَرَ وَلَّى مُعَاوِيَةَ خِلَافَتَهُ كُلَّهَا؟ فَقَدَ وَلَّيْتُهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ أَخْوَفَ مِنْ عُمَرَ مِنْ يَرْفَأَ غُلَامِ عُمَرَ مِنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ يَقْطَعُ الْأُمُورَ دُونَكَ وَأَنْتَ تَعْلَمُهَا، وَيَقُولُ لِلنَّاسِ: هَذَا أَمْرُ عُثْمَانَ. فَيَبْلُغُكَ وَلَا تُغَيِّرُ عَلَى مُعَاوِيَةَ. ثُمَّ خَرَجَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ، وَخَرَجَ عُثْمَانُ عَلَى إِثْرِهِ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَ النَّاسَ فَوَعَظَ، وَحَذَّرَ وَأَنْذَرَ، وَتَهَدَّدَ وَتَوَعَّدَ، وَأَبْرَقَ وَأَرْعَدَ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ: أَلَا فَقَدَ وَاللَّهِ عِبْتُمْ عَلَيَّ بِمَا أَقْرَرْتُمْ بِهِ لِابْنِ الْخَطَّابِ، وَلَكِنَّهُ وَطِئَكُمْ بِرِجْلِهِ، وَضَرَبَكُمْ بِيَدِهِ، وَقَمَعَكُمْ بِلِسَانِهِ، فَدِنْتُمْ لَهُ عَلَى مَا أَحْبَبْتُمْ أَوْ كَرِهْتُمْ، وَلِنْتُ لَكُمْ وَأَوْطَأْتُ لَكُمْ كَتِفِي، وَكَفَفْتُ يَدِي وَلِسَانِي عَنْكُمْ، فَاجْتَرَأْتُمْ عَلَيَّ، أَمَا وَاللَّهِ لَأَنَا أَعَزُّ نَفَرًا، وَأَقْرَبُ نَاصِرًا، وَأَكْثَرُ عَدَدًا، وَأَقْمَنُ إِنْ قُلْتُ: هَلُمَّ. أُتِيَ إِلَيَّ، وَلَقَدْ أَعْدَدْتُ لَكُمْ أَقْرَانَكُمْ، وَأَفْضَلْتُ عَلَيْكُمْ فُضُولًا، وَكَشَرْتُ لَكُمْ عَنْ نَابِي، فَأَخْرَجْتُمْ مِنِّي خُلُقًا لَمْ أَكُنْ أُحْسِنُهُ، وَمَنْطِقًا لَمْ أَنْطِقْ بِهِ، فَكُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ وَطَعْنَكُمْ وَعَيْبَكُمْ عَلَى وُلَاتِكُمْ، فَإِنِّي قَدْ كَفَفْتُ عَنْكُمْ مِنْ لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي يَلِيكُمْ لَرَضِيتُمْ مِنْهُ بِدُونِ مَنْطِقِي هَذَا، أَلَا فَمَا تَفْقِدُونَ مِنْ حَقِّكُمْ؟ فَوَاللَّهِ مَا

ص: 266

قَصَّرْتُ فِي بُلُوغِ مَا كَانَ يَبْلُغُ مَنْ كَانَ قَبْلِي. ثُمَّ اعْتَذَرَ عَمَّا كَانَ يُعْطِي أَقَارِبَهُ بِأَنَّهُ مِنْ فَضْلِ مَالِهِ. فَقَامَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فَقَالَ: إِنْ شِئْتُمْ وَاللَّهِ حَكَّمْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ السَّيْفَ، نَحْنُ وَاللَّهَ وَأَنْتُمْ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

فَرَشْنَا لَكُمْ أَعْرَاضَنَا فَنَبَتْ بِكُمْ

مَعَارِسُكُمْ تَبْنُونَ فِي دِمَنِ الثَّرَى

فَقَالَ عُثْمَانُ: اسْكُتْ لَا سَكَتَّ، دَعْنِي وَأَصْحَابِي، مَا مَنْطِقُكَ فِي هَذَا! أَلَمْ أَتَقَدَّمْ إِلَيْكَ أَنْ لَا تَنْطِقَ! فَسَكَتَ مَرْوَانُ وَنَزَلَ عُثْمَانُ، رضي الله عنه.

وَذَكَرَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا وَدَّعَ عُثْمَانَ حِينَ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى الشَّامِ، عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْحَلَ مَعَهُ إِلَى الشَّامِ، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ كَثِيرَةٌ طَاعَتُهُمْ لِلْأُمَرَاءِ. فَقَالَ: لَا أَخْتَارُ بِجِوَارِ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، سِوَاهُ. فَقَالَ: أُجَهِّزُ لَكَ جَيْشًا مِنَ الشَّامِ يَكُونُونَ عِنْدَكَ يَنْصُرُونَكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ أُضَيِّقَ بِهِمْ بَلَدَ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: فَوَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَتُغْتَالَنَّ - أَوْ قَالَ: لَتُغْزَيَنَّ - فَقَالَ عُثْمَانُ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. ثُمَّ خَرَجَ مُعَاوِيَةُ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ السَّيْفَ، وَقَوْسُهُ فِي يَدِهِ، فَمَرَّ عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ؛ فِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ وَاتَّكَأَ عَلَى قَوْسِهِ، وَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ بَلِيغٍ يَشْتَمِلُ عَلَى الْوَصَاةِ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ إِسْلَامِهِ إِلَى أَعْدَائِهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ ذَاهِبًا. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: مَا

ص: 267

رَأَيْتُهُ أَهْيَبَ فِي عَيْنِي مِنْ يَوْمِهِ هَذَا.

وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ اسْتَشْعَرَ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ مَنْ قَدْمَتِهِ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سَمِعَ حَادِيًا يَرْتَجِزُ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ فِي هَذَا الْعَامِ وَهُوَ يَقُولُ:

قَدْ عَلِمَتْ ضَوَامِرُ الْمَطِيِّ

وَضُمَّرَاتُ عُوَّجِ الْقِسِيِّ

أَنَّ الْأَمِيرَ بَعْدَهُ عَلِيُّ

وَفِي الزُّبَيْرِ خَلَفٌ رَضِيُّ

وَطَلْحَةُ الْحَامِي لَهَا وَلِيُّ

فَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ - وَهُوَ يَسِيرُ خَلْفَ عُثْمَانَ: وَاللَّهِ إِنَّ الْأَمِيرَ بَعْدَهُ صَاحِبُ الْبَغْلَةِ الشَّهْبَاءِ. وَأَشَارَ إِلَى مُعَاوِيَةَ.

فَلَمَّا سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ لَمْ يَزَلْ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ حَتَّى كَانَ مَا كَانَ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبِهِ الثِّقَةُ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ بَدْرِيٌّ.

ص: 268

وَمَاتَ أَيْضًا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، وَعَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ.

وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.

ص: 269