الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " تَعْلِيقًا «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، رَأَيْتُ السَّدَّ. فَقَالَ: " كَيْفَ رَأَيْتَهُ؟ " قَالَ: مِثْلَ الْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ. فَقَالَ: " رَأَيْتَهُ» ".
قَالُوا: ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَبِيعَةَ لِشَهْرَبْرَازَ: كَمْ كَانَتْ هَدِيَّتُكَ؟ قَالَ: قِيمَةَ مِائَةِ أَلْفٍ فِي بِلَادِي، وَثَلَاثَةِ آلَافِ أَلْفٍ فِي تِلْكَ الْبُلْدَانِ.
[بَقِيَّةٌ مِنْ خَبَرِ السَّدِّ]
أَوْرَدَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ الْحَافِظُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ كِتَابِ " مَسَالِكِ الْمَمَالِكِ "، عَمَّا أَمْلَاهُ عَلَيْهِ سَلَّامٌ التُّرْجُمَانُ، حِينَ بَعَثَهُ الْوَاثِقُ بِأَمْرِ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَصِمِ - وَكَانَ قَدْ رَأَى فِي النَّوْمِ كَأَنَّ السَّدَّ قَدْ فُتِحَ - فَأَرْسَلَ سَلَّامًا هَذَا وَكَتَبَ لَهُ إِلَى الْمُلُوكِ بِالْوَصَاةِ بِهِ، وَبَعَثَ مَعَهُ أَلْفَيْ بَغْلٍ تَحْمِلُ طَعَامًا، فَسَارُوا مِنْ سَامَرَّاءَ إِلَى إِسْحَاقَ بِتَفْلِيسَ، فَكَتَبَ لَهُمْ إِلَى صَاحِبِ السَّرِيرِ، وَكَتَبَ لَهُمْ صَاحِبُ السَّرِيرِ إِلَى مَلِكِ اللَّانِ، فَكَتَبَ لَهُمْ إِلَى
فِيلَانْشَاهْ، فَكَتَبَ لَهُمْ إِلَى مَلِكِ الْخَزَرِ، فَوَجَّهَ مَعَهُ خَمْسَةَ أَدِلَّاءَ فَسَارُوا سِتَّةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فَانْتَهَوْا إِلَى أَرْضٍ سَوْدَاءَ مُنْتِنَةٍ حَتَّى جَعَلُوا يَشُمُّونَ الْخَلَّ، فَسَارُوا فِيهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَانْتَهَوْا إِلَى مَدَائِنَ خَرَابٍ مُدَّةَ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ تَطْرُقُهَا فَخَرِبَتْ مِنْ ذَلِكَ الْحِينِ وَإِلَى الْآنِ، ثُمَّ انْتَهَوْا إِلَى حِصْنٍ قَرِيبٍ مِنَ السَّدِّ فَوَجَدُوا قَوْمًا يَعْرِفُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَبِالْفَارِسِيَّةِ وَيَحْفَظُونَ الْقُرْآنَ، وَلَهُمْ مَكَاتِبُ وَمَسَاجِدُ، فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْهُمْ وَيَسْأَلُونَهُمْ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلُوا؟ فَذَكَرُوا لَهُمْ أَنَّهُمْ مِنْ جِهَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمْ يَعْرِفُوهُ بِالْكُلِّيَّةِ. ثُمَّ انْتَهَوْا إِلَى جَبَلٍ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْهِ خَضْرَاءُ وَإِذَا السَّدُّ هُنَالِكَ مِنْ لَبِنٍ حَدِيدٍ مُغَيَّبٍ فِي نُحَاسٍ، وَهُوَ مُرْتَفِعٌ جِدًّا لَا يَكَادُ الْبَصَرُ يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَلَهُ شُرُفَاتٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَفِي وَسَطِهِ بَابٌ عَظِيمٌ بِمِصْرَاعَيْنِ مُغْلَقَيْنِ، عَرْضُهُمَا مِائَةُ ذِرَاعٍ، فِي طُولِ مِائَةِ ذِرَاعٍ، فِي ثَخَانَةِ خَمْسَةِ أَذْرُعٍ، وَعَلَيْهِ قُفْلٌ طُولُهُ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ فِي غِلَظِ بَاعٍ - وَذَكَرَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً - وَعِنْدَ ذَلِكَ الْمَكَانِ حَرَسٌ يَضْرِبُونَ عِنْدَ الْقُفْلِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَيَسْمَعُونَ بَعْدَ ذَلِكَ صَوْتًا عَظِيمًا مُزْعِجًا؛ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ وَرَاءَ هَذَا الْبَابِ حَرَسًا وَحَفَظَةً، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ حِصْنَانِ عَظِيمَانِ بَيْنَهُمَا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبَةٍ، وَفِي
إِحْدَاهُمَا بَقَايَا الْعِمَارَةِ مِنْ مَغَارِفَ وَلَبِنٍ وَحَدِيدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذَا طُولُ اللَّبِنَةِ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ فِي مِثْلِهِ، فِي سُمْكِ شِبْرٍ.
وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَهْلَ تِلْكَ الْبِلَادِ هَلْ رَأَوْا أَحَدًا مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ؟ فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُمْ رَأَوْا مِنْهُمْ يَوْمًا أَشْخَاصًا فَوْقَ الشُّرُفَاتِ، فَهَبَّتِ الرِّيحُ فَأَلْقَتْهُمْ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا طُولُ الرَّجُلِ مِنْهُمْ شِبْرٌ وَنِصْفُ شِبْرٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ غَزَا مُعَاوِيَةُ الصَّائِفَةَ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ، فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَسَارَ وَغَنِمَ وَرَجَعَ سَالِمًا.
وَفِيهَا وُلِدَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ. وَفِيهَا حَجٌّ بِالنَّاسِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَكَانَ عُمَّالُهُ فِيهَا عَلَى الْبِلَادِ، هُمُ الَّذِينَ كَانُوا فِي السَّنَةِ قَبْلَهَا.
وَذُكِرَ أَنَّ عُمَرَ عَزَلَ عَمَّارًا فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَنِ الْكُوفَةِ؛ اشْتَكَاهُ أَهْلُهَا وَقَالُوا: لَا يُحْسِنُ السِّيَاسَةَ. فَعَزَلَهُ وَوَلَّى أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، فَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ لَا نُرِيدُهُ. وَشَكَوْا مِنْ غُلَامِهِ. فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِي. وَذَهَبَ إِلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ لِيُفَكِّرَ مَنْ يُوَلِّي. فَنَامَ مِنَ الْهَمِّ فَجَاءَهُ الْمُغِيرَةُ فَجَعَلَ يَحْرُسُهُ حَتَّى اسْتَيْقَظَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ عَظِيمٌ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِي بَلَغَ بِكَ هَذَا. قَالَ: وَكَيْفَ لَا وَأَهْلُ الْكُوفَةِ مِائَةُ أَلْفٍ لَا يَرْضَوْنَ عَنْ أَمِيرٍ، وَلَا يَرْضَى عَنْهُمْ أَمِيرٌ. ثُمَّ جَمَعَ الصَّحَابَةَ وَاسْتَشَارَهُمْ ; هَلْ يُوَلِّي عَلَيْهِمْ قَوِيًّا مُشَدِّدًا أَوْ ضَعِيفًا مُسْلِمًا؟ فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الْقَوِيَّ قُوَّتُهُ لَكَ وَلِلْمُسْلِمِينَ،