الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ]
[الْفُتُوحَاتُ الَّتِي تَمَّتْ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ]
وَفِيهَا كَانَتْ فُتُوحَاتٌ كَثِيرَةٌ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الشَّأْنِ مِنْهَا: فَتْحُ هَمَذَانَ ثَانِيَةً، ثُمَّ الرَّيِّ وَمَا بَعْدَهَا، ثُمَّ أَذْرَبِيجَانَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَأَبُو مَعْشَرٍ: كَانَتْ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ. وَقَالَ سَيْفٌ: كَانَتْ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ هَمَذَانَ وَالرَّيِّ وَجُرْجَانَ. وَأَبُو مَعْشَرٍ يَقُولُ بِأَنَّ أَذْرَبِيجَانَ كَانَتْ بَعْدَ هَذِهِ الْبُلْدَانِ، وَلَكِنْ عِنْدَهُ أَنَّ الْجَمِيعَ كَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ. وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ فَتْحَ هَمَذَانَ وَالرَّيِّ كَانَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ؛ فَهَمَذَانُ افْتَتَحَهَا الْمُغِيرَةُ بَعْدَ مَقْتَلِ عُمَرَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، قَالَ: وَيُقَالُ: كَانَ فَتْحُ الرَّيِّ قَبْلَ وَفَاةِ عُمَرَ بِسَنَتَيْنِ. إِلَّا أَنَّ الْوَاقِدِيَّ وَأَبَا مَعْشَرٍ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ أَذْرَبِيجَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَتَبِعَهُمَا ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ.
وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا فَرَغُوا مِنْ نَهَاوَنْدَ وَمَا وَقَعَ مِنَ الْحَرْبِ الْمُتَقَدَّمِ، فَتَحُوا حُلْوَانَ وَهَمَذَانَ بَعْدَ ذَلِكَ. ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ هَمَذَانَ نَقَضُوا عَهْدَهُمُ الَّذِي صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو، فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى نُعَيْمِ بْنِ مُقَرِّنٍ أَنْ يَسِيرَ
إِلَى هَمَذَانَ، وَأَنْ يَجْعَلَ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ أَخَاهُ سُوَيْدَ بْنَ مُقَرِّنٍ، وَعَلَى مُجَنَّبَتَيْهِ رِبْعِيَّ بْنَ عَامِرٍ الطَّائِيَّ، وَمُهَلْهَلَ بْنَ زَيْدٍ الْيَمَنِيَّ. فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى ثَنِيَّةِ الْعَسَلِ، ثُمَّ تَحَدَّرَ عَلَى هَمَذَانَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى بِلَادِهَا، وَحَاصَرَهَا فَسَأَلُوهُ الصُّلْحَ فَصَالَحَهُمْ وَدَخَلَهَا، فَبَيْنَمَا هُوَ فِيهَا وَمَعَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذْ تَكَاتَبَ الدَّيْلَمُ وَأَهْلُ الرَّيِّ وَأَهْلُ أَذْرَبِيجَانَ، وَاجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِ نُعَيْمِ بْنِ مُقَرِّنٍ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، فَعَلَى الدَّيْلَمِ مَلِكُهُمْ وَاسْمُهُ مُوتَا، وَعَلَى أَهْلِ الرَّيِّ أَبُو الْفَرُّخَانِ، وَعَلَى أَهْلِ أَذْرَبِيجَانَ إِسْفَنْدِيَاذُ أَخُو رُسْتُمَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ نُعَيْمُ بْنُ مُقَرِّنٍ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى الْتَقَوْا بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: وَاجِ رُوذَ. فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا وَكَانَتْ وَقْعَةُ عَظِيمَةً تَعْدِلُ نَهَاوَنْدَ وَلَمْ تَكُ دُونَهَا، فَقَتَلُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ جَمْعًا كَثِيرًا، وَجَمًّا غَفِيرًا لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَقُتِلَ مَلِكُ الدَّيْلَمِ مُوتَا وَتَمَزَّقَ شَمْلُهُمْ، وَانْهَزَمُوا بِأَجْمَعِهِمْ، بَعْدَ مَنْ قُتِلَ بِالْمَعْرَكَةِ مِنْهُمْ، فَكَانَ نُعَيْمُ بْنُ مُقَرِّنٍ أَوَّلَ مَنْ قَاتَلَ الدَّيْلَمَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ كَانَ نُعَيْمٌ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ يُعْلِمُهُ بِاجْتِمَاعِهِمْ فَهَمَّهُ ذَلِكَ وَاغْتَمَّ لَهُ. فَلَمْ يَفْجَأْهُ إِلَّا الْبَرِيدُ بِالْبِشَارَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَأَمَرَ بِالْكِتَابِ فَقُرِئَ عَلَى النَّاسِ، فَفَرِحُوا وَحَمِدُوا اللَّهَ، عز وجل. ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِ بِالْأَخْمَاسِ ثَلَاثَةٌ مِنَ
الْأُمَرَاءِ؛ وَهُمْ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ - وَلَيْسَ بِأَبِي دُجَانَةَ - وَسِمَاكُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَسِمَاكُ بْنُ مَخْرَمَةَ. فَلَمَّا اسْتَسْمَاهُمْ عُمَرُ، قَالَ: " اللَّهُمَّ اسْمُكْ بِهِمُ الْإِسْلَامَ، وَأَمِدَّ بِهِمُ الْإِسْلَامَ. ثُمَّ كَتَبَ إِلَى نُعَيْمِ بْنِ مُقَرِّنٍ بِأَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى هَمَذَانَ وَيَسِيرَ إِلَى الرَّيِّ. فَامْتَثَلَ نُعَيْمٌ. وَقَدْ قَالَ نُعَيْمٌ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ:
وَلَمَّا أَتَانِي أَنَّ مُوتَا وَرَهْطَهُ
…
بَنِي بَاسِلٍ جَرُّوا جُنُودَ الْأَعَاجِمِ
نَهَضْتُ إِلَيْهِمْ بِالْجُنُودِ مُسَامِيًا
…
لِأَمْنَعَ مِنْهُمْ ذِمَّتِي بِالْقَوَاصِمِ
فَجِئْنَا إِلَيْهِمْ بِالْحَدِيدِ كَأَنَّنَا
…
جِبَالٌ تَرَاءَى مِنْ فُرُوعِ الْقَلَاسِمِ
فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ بِهَا مُسْتَفِيضَةً
…
وَقَدْ جَعَلُوا يَسْمَوْنَ فِعْلَ الْمُسَاهِمِ
صَدَمْنَاهُمُ فِي وَاجِ رَوْذَ بِجَمْعِنَا
…
غَدَاةَ رَمَيْنَاهُمْ بِإِحْدَى الْعَظَائِمِ
فَمَا صَبَرُوا فِي حَوْمَةِ الْمَوْتِ سَاعَةً
…
لِحَدِّ الرِّمَاحِ وَالسُّيُوفِ الصَّوَارِمِ
كَأَنَّهُمْ عِنْدَ انْبِثَاثِ جُمُوعِهِمْ
…
جِدَارٌ تَشَظَّى لَبِنُهُ لِلْهَوَادِمِ
أَصَبْنَا بِهَا مُوتَا وَمَنْ لَفَّ جَمْعَهُ
…
وَفِيهَا نِهَابٌ قَسْمُهُ غَيْرُ عَاتِمِ
تَبِعْنَاهُمُ حَتَّى أَوَوْا فِي شِعَابِهِمْ
…
فَنَقْتُلُهُمْ قَتْلَ الْكِلَابِ الْجَوَاحِمِ
كَأَنَّهُمْ فِي وَاجِ رَوْذَ وَجَوِّهِ
…
ضَئِينٌ أَصَابَتْهَا فُرُوجُ الْمَخَارِمِ