الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ]
[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]
فِيهَا تَكَامَلَ بِنَاءُ مَدِينَةِ السَّلَامِ بَغْدَادَ، وَسَكَنَهَا الْمَنْصُورُ بَانِيهَا فِي صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ مُقِيمًا قَبْلَ ذَلِكَ بِالْهَاشِمِيَّةِ الْمُتَاخِمَةِ لِلْكُوفَةِ، وَكَانَ قَدْ شَرَعَ فِي بِنَائِهَا فِي السَّنَةِ الْخَارِجَةِ، وَقِيلَ: فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ كَانَ السَّبَبَ الْبَاعِثَ لَهُ عَلَى بِنَائِهَا أَنَّ الرَّاوِنْدِيَّةَ لَمَّا وَثَبُوا عَلَيْهِ بِالْكُوفَةِ، وَوَقَى اللَّهُ شَرَّهُمْ، فَقَهَرَهُمْ وَقَتَلَهُمْ، كَمَا تَقَدَّمَ، بَقِيَتْ مِنْهُمْ بَقِيَّةٌ، فَخَشِيَ عَلَى جُنْدِهِ مِنْهُمْ، فَخَرَجَ مِنَ الْكُوفَةِ يَرْتَادُ لَهُمْ مَوْضِعًا لِبِنَاءِ مَدِينَةٍ، فَسَارَ فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَ الْجَزِيرَةَ، فَلَمْ يَرَ مَوْضِعًا أَحْسَنَ لِوَضْعِ الْمَدِينَةِ مِنْ مَوْضِعِ بَغْدَادَ الَّذِي هِيَ فِيهِ الْآنَ، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يُغْدَى إِلَيْهِ وَيُرَاحُ بِخَيِّرَاتِ مَا حَوْلَهُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَهُوَ مُحَصَّنٌ بِدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَتَوَصَّلَ إِلَى مَوْضِعِ الْخَلِيفَةِ إِلَّا عَلَى جِسْرٍ، وَقَدْ بَاتَ بِهِ الْمَنْصُورُ قَبْلَ بِنَائِهِ، فَرَأَى الرِّيَاحَ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَطِيبَ الْهَوَاءِ فِي تِلْكَ الْمَحَلَّةِ، وَقَدْ كَانَ مَوْضِعُهَا قُرًى وَدُيُورَةً لِعُبَّادِ النَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ - ذَكَرَ ذَلِكَ مُفَصَّلًا بِأَسْمَائِهِ وَتَعْدَادِهِ أَبُو جَعْفَرٍ ابْنُ جَرِيرٍ رحمه الله فَحِينَئِذٍ أَمَرَ الْمَنْصُورُ بِاخْتِطَاطِهَا، فَرَسَمُوهَا لَهُ بِالرَّمَادِ، فَمَشَى فِي طُرُقِهَا وَمَسَالِكِهَا، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ سَلَّمَ كُلَّ رُبْعٍ مِنْهَا لِأَمِيرٍ يَقُومُ
عَلَى بِنَائِهِ، وَأَحْضَرَ مِنْ كُلِّ الْبِلَادِ فُعَّالًا وَصُنَّاعًا وَمُهَنْدِسِينَ، فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ أُلُوفٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ كَانَ هُوَ أَوَّلَ مَنْ وَضَعَ لَبِنَةً فِيهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالْأَرْضُ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. ثُمَّ قَالَ: ابْنُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ. وَأَمَرَ بِبِنَائِهَا مُدَوَّرَةً، سُمْكُ سُورِهَا مِنْ أَسْفَلِهِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَمِنْ أَعْلَاهُ عِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَجَعَلَ لَهَا ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ فِي السُّورِ الْبَرَانِيِّ، وَمِثْلَهَا فِي الْجَوَّانِيِّ، وَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ تُجَاهَ الْآخَرِ، وَلَكِنِ أَزْوَرُ عَنِ الَّذِي يُقَابِلُهُ، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ بَغْدَادُ الزَّوْرَاءَ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِازْوِرَارِهَا بِسَبَبِ انْحِرَافِ دِجْلَةَ عِنْدَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَبَنَى قَصْرَ الْإِمَارَةِ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ لِيَكُونَ النَّاسُ مِنْهُ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَاخْتَطَّ الْمَسْجِدَ الْجَامِعَ إِلَى جَانِبِ الْقَصْرِ، وَكَانَ الَّذِي وَضَعَ قِبْلَتَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَيُقَالُ: إِنَّ فِي قِبْلَتِهِ انْحِرَافًا يَحْتَاجُ الْمُصَلِّي فِيهِ أَنْ يَنْحَرِفَ إِلَى نَاحِيَةِ بَابِ الْبَصْرَةِ. وَذَكَرَ أَنَّ مَسْجِدَ الرُّصَافَةِ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ مِنْهُ; لِأَنَّهُ بُنِيَ قَبْلَ الْقَصْرِ، وَجَامِعُ الْمَدِينَةِ بُنِيَ عَلَى الْقَصْرِ. فَاخْتَلَّتْ قُبْلَتُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ.
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مَجَالِدٍ، أَنَّ الْمَنْصُورَ أَرَادَ أَبَا حَنِيفَةَ النُّعْمَانَ بْنَ ثَابِتٍ عَلَى الْقَضَاءِ فَامْتَنَعَ، فَحَلَفَ الْمَنْصُورُ أَنْ يَتَوَلَّى لَهُ، وَحَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ لَا يَفْعَلَ، فَوَلَّاهُ الْقِيَامَ بِأَمْرِ الْمَدِينَةِ وَضَرْبِ اللَّبِنَ وَعَدِّهِ، وَأَخْذِ الرِّجَالِ بِالْعَمَلِ، فَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمُتَوَلِّيَ لِذَلِكَ، حَتَّى فَرَغَ مِنَ اسْتِتْمَامِ حَائِطِ الْمَدِينَةِ مِمَّا
يَلِي الْخَنْدَقَ، وَكَانَ اسْتِتْمَامُهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَذُكِرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّ الْمَنْصُورَ عَرَضَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الْقَضَاءَ وَالْمَظَالِمَ فَامْتَنَعَ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يُقْلِعَ عَنْهُ حَتَّى يَعْمَلَ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، فَدَعَا بِقَصَبَةٍ، فَعَدَّ اللَّبِنَ لِيُبِرَّ بِذَلِكَ يَمِينَ أَبِي جَعْفَرٍ، وَمَاتَ أَبُو حَنِيفَةَ بِبَغْدَادَ.
وَذَكَرَ أَنَّ خَالِدَ بْنَ بَرْمَكَ هُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى الْمَنْصُورِ بِبِنَائِهَا، وَأَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِثًّا فِيهَا، وَقَدْ شَاوَرَ الْمَنْصُورُ الْأُمَرَاءَ فِي نَقْلِ الْقَصْرِ الْأَبْيَضِ مِنَ الْمَدَائِنِ إِلَى بَغْدَادَ لِأَجْلِ قَصْرِ الْإِمَارَةِ بِهَا، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّهُ آيَةٌ فِي الْعَالَمِ، وَفِيهِ مُصَلَّى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَخَالَفَهُ وَنَقَلَ مِنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا، فَلَمْ يَفِ مَا تَحَصَّلَ مِنْهُ بِأُجْرَةِ مَا يُصْرَفُ فِي حَمْلِهِ، فَتَرَكَهُ، وَنَقَلَ أَبْوَابَ وَاسِطَ إِلَى أَبْوَابِ بَغْدَادَ، وَقَدْ كَانَ الْحَجَّاجُ نَقَلَهَا مِنْ مَدِينَةٍ هُنَاكَ كَانَتْ مِنْ بِنَاءِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَكَانَتِ الْجِنُّ قَدْ عَمِلَتْ تِلْكَ الْأَبْوَابَ.
وَقَدْ كَانَتِ الْأَسْوَاقُ قَرِيبًا مِنْ قَصْرِ الْإِمَارَةِ، فَكَانَتْ أَصْوَاتُ الْبَاعَةِ وَهَوْشَاتُ الْأَسْوَاقِ تُسْمَعُ مِنْهُ، فَعَابَ ذَلِكَ بَعْضُ بَطَارِقَةِ النَّصَارَى مِمَّنْ قَدِمَ فِي بَعْضِ الرَّسَائِلِ مِنَ الرُّومِ، فَأَمَرَ الْمَنْصُورُ بِنَقْلِ الْأَسْوَاقِ مِنْ هُنَاكَ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وَأَمَرَ
بِتَوْسِعَةِ الطُّرُقَاتِ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، وَمَنْ بَنَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هُدِمَ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَذُكِرَ عَنْ عِيسَى ابْنِ الْمَنْصُورِ أَنَّهُ قَالَ: وَجَدْتُ فِي خَزَائِنِ الْمَنْصُورِ فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى مَدِينَةِ السَّلَامِ وَمَسْجِدِهَا الْجَامِعِ وَقَصْرِ الذَّهَبِ بِهَا وَالْأَسْوَاقِ وَالْفُصْلَانِ وَالْخَنَادِقِ وَقِبَابِهَا وَأَبْوَابِهَا أَرْبَعَةَ آلَافِ أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةٍ وَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، وَكَانَ أُجْرَةُ الْأُسْتَاذِ مِنَ الْبَنَّائِينَ فِيهَا كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَ فِضَّةٍ، وَأُجْرَةُ الصَّانِعِ مِنَ الْحَبَّتَيْنِ إِلَى الثَّلَاثِ.
قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: وَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ. وَحَكَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: أَنْفَقَ عَلَيْهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفٍ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْمَنْصُورَ نَاقَصَ أَحَدَ الْمُهَنْدِسِينَ الَّذِي بَنَى لَهُ بَيْتًا حَسَنًا فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ، فَنَقَصَهُ دِرْهَمًا عَمَّا سَاوَمَهُ، وَأَنَّهُ حَاسَبَ بَعْضَ الْمُسْتَحَثِّينَ عَلَى الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَفَضَلَ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَحَبَسَهُ حَتَّى أَحْضَرَهَا.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ فِي " تَارِيخِ بَغْدَادَ ": وَبَنَاهَا مُدَوَّرَةً،
وَلَا يُعْرَفُ فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا كُلِّهَا مَدِينَةٌ مُدَوَّرَةٌ سِوَاهَا، وَوَضَعَ أَسَاسَهَا فِي وَقْتٍ اخْتَارَهُ لَهُ نُوبَخْتُ الْمُنَجِّمُ. ثُمَّ رَوَى عَنْ بَعْضِ الْمُنَجِّمِينَ قَالَ: قَالَ لِي الْمَنْصُورُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ بَغْدَادَ: خُذِ الطَّالِعَ. فَنَظَرْتُ فِي طَالِعِهَا، وَكَانَ الْمُشْتَرِي فِي الْقَوْسِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ النُّجُومُ مِنْ طُولِ زَمَانِهَا، وَكَثْرَةِ عِمَارَتِهَا وَانْصِبَابِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا، وَفَقْرِ النَّاسِ إِلَى مَا فِيهَا. قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: وَأُبَشِّرُكُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبِشَارَةٍ أُخْرَى; وَهِيَ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ أَبَدًا. قَالَ: فَرَأَيْتُهُ يَبْتَسِمُ ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
وَذَكَرَ عَنْ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ أَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا مِنْهُ:
قَضَى رَبُّهَا أَنْ لَا يَمُوتَ خَلِيفَةٌ
…
بِهَا إِنَّهُ مَا شَاءَ فِي خَلْقِهِ يَقْضِي
وَقَدْ قَرَّرَهُ عَلَى هَذَا الْخَطَأِ الْخَطِيبُ، وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْقُضْهُ بِشَيْءٍ، مَعَ اطِّلَاعِهِ وَمَعْرِفَتِهِ.
قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْأَمِينَ قُتِلَ بِدَرْبِ الْأَنْبَارِ مِنْهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْقَاضِي أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ الْمُحْسِنِ التَّنُوخِيِّ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ الْأَمِينُ أَيْضًا لَمْ يُقْتَلْ بِالْمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا قَدْ نَزَلَ فِي سَفِينَةٍ إِلَى دِجْلَةَ لِيَتَنَزَّهَ، فَقُبِضَ عَلَيْهِ فِي وَسَطِ
دِجْلَةَ، وَقُتِلَ هُنَاكَ، وَذَكَرَ ذَلِكَ الصُّولِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَذَكَرَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِ بَغْدَادَ أَنَّهُ قَالَ: اتِّسَاعُ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ جَرِيبًا، وَذَلِكَ يَعْدِلُ مِيلَيْنِ فِي مِيلَيْنِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: بَغْدَادُ مِنَ الصَّرَاةِ إِلَى بَابِ التِّبْنِ.
وَذَكَرَ الْخَطِيبُ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ بَيْنَ كُلِّ بَابَيْنِ مِنْ أَبْوَابِهَا الثَّمَانِيَةِ مِيلًا، وَقِيلَ: أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ. وَذَكَرَ الْخَطِيبُ صِفَةَ قَصْرِ الْإِمَارَةِ، وَأَنَّ فِيهِ الْقُبَّةَ الْخَضْرَاءَ طُولُهَا ثَمَانُونَ ذِرَاعًا، عَلَى رَأْسِهَا تِمْثَالُ فَرَسٍ عَلَيْهِ فَارِسٌ فِي يَدِهِ رُمْحٌ يَدُورُ بِهِ، فَإِلَى أَيِّ جِهَةٍ اسْتَقْبَلَهَا وَاسْتَمَرَّ مُسْتَقْبِلَهَا، عُلِمَ أَنَّ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ قَدْ وَقَعَ حَدَثٌ، فَيَنْظُرُ فِي أَمْرِهِ الْخَلِيفَةُ. وَهَذِهِ الْقُبَّةُ عَلَى مَجْلِسٍ فِي صَدْرِ إِيوَانِ الْمَحْكَمَةِ، وَطُولُهُ ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا، وَعَرْضُهُ عِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَقَدْ سَقَطَتْ هَذِهِ الْقُبَّةُ فِي لَيْلَةِ بَرْدٍ وَمَطَرٍ وَرَعْدٍ وَبَرْقٍ، لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
وَذَكَرَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّهُ كَانَ يُبَاعُ فِي أَيَّامِ الْمَنْصُورِ بِبَغْدَادَ الْكَبْشُ بِدِرْهَمْ، وَالْحَمَلُ بِأَرْبَعَةِ دَوَانِقَ، وَيُنَادَى عَلَى لَحْمِ الْغَنَمِ كُلُّ سِتِّينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ، وَلَحْمُ الْبَقَرِ كُلُّ تِسْعِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ، وَالتَّمْرُ كُلُّ سِتِّينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ، وَالزَّيْتُ كُلُّ
سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ، وَالسَّمْنُ كُلُّ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ، وَالْعَسَلُ كُلُّ عَشَرَةِ أَرْطَالٍ بِدِرْهَمٍ.
وَلِهَذَا الْأَمْنِ وَالرُّخْصِ كَثُرَ سَاكِنُوهَا، وَعَظُمَ أَهْلُوهَا، حَتَّى كَانَ الْمَارُّ فِيهَا لَا يَكَادُ يَجْتَازُ فِي الْأَسْوَاقِ; لِكَثْرَةِ أَهْلِهَا. قَالَ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ وَقَدْ رَجَعَ مِنَ السُّوقِ: طَالَمَا طَرَدْتُ خَلْفَ الْأَرَانِبِ فِي هَذَا الْمَكَانِ.
وَذَكَرَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ، أَنَّ الْمَنْصُورَ جَلَسَ يَوْمًا فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ وَعِنْدَهُ بَعْضُ رُسُلِ الرُّومِ، فَسَمِعَ ضَجَّةً عَظِيمَةً، ثُمَّ أُخْرَى، ثُمَّ أُخْرَى، فَقَالَ لِلرَّبِيعِ الْحَاجِبِ: مَا هَذَا؟ فَكَشَفَ فَإِذَا بَقَرَةٌ قَدْ نَفَرَتْ مِنْ جَازِرِهَا هَارِبَةً فِي الْأَسْوَاقِ، فَقَالَ الرُّومِيُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ بَنَيْتَ بِنَاءً لَمْ يَبْنِهِ أَحَدٌ قَبْلَكَ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ عُيُوبِ; بُعْدُهُ مِنَ الْمَاءِ، وَقُرْبُ الْأَسْوَاقِ مِنْهُ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ خُضْرَةٌ، وَالْعَيْنُ خَضِرَةٌ تُحِبُّ الْخُضْرَةَ. فَلَمْ يَرْفَعْ بِهَا الْمَنْصُورُ رَأْسًا، ثُمَّ أَمَرَ بِتَغْيِيرِ ذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَسَاقَ إِلَيْهِ الْمَاءَ، وَبَنَى عِنْدَهُ الْبَسَاتِينَ، وَحَوَّلَ الْأَسْوَاقَ مِنْ ثَمَّ إِلَى الْكَرْخِ.
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: كَمُلَ بِنَاءُ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ سِتِّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ حَوْلَ الْأَسْوَاقِ إِلَى بَابِ الْكَرْخِ وَبَابِ الشَّعِيرِ وَبَابِ الْمُحَوَّلِ،
وَأَمَرَ بِتَوْسِعَةِ الْأَسْوَاقِ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا. وَبَعْدَ شَهْرٍ مِنْ ذَلِكَ شَرَعَ فِي بِنَاءِ قَصْرِهِ الْمُسَمَّى بِالْخُلْدِ، فَكَمُلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، كَمَا سَيَأْتِي، وَجَعَلَ أَمْرَ ذَلِكَ إِلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: الْوَضَّاحُ، فَبَنَى قَصْرَ الْوَضَّاحِ، وَبَنِي لِلْعَامَّةِ جَامِعًا لِصَلَاةِ الْجُمْعَةِ; لَا يَدْخُلُونَ إِلَى جَامِعِ مَدِينَةِ الْمَنْصُورِ.
فَأَمَّا دَارُ الْخِلَافَةِ الَّتِي كَانَتْ بِبَغْدَادَ فَإِنَّهَا كَانَتْ أَوَّلًا لِلْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ، فَانْتَقَلَتْ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى ابْنَتِهِ بَوَرَانَ الَّتِي كَانَ تَزَوَّجَهَا الْمَأْمُونُ، فَطَلَبَهَا مِنْهَا الْمُعْتَضِدُ - وَقِيلَ: الْمُعْتَمِدُ - فَأَنْعَمَتْ لَهُ بِهَا، وَاسْتَنْظَرَتْهُ أَيَّامًا حَتَّى تَنْتَقِلَ مِنْهَا، ثُمَّ شَرَعَتْ فِي تَرْمِيمِهَا وَتَبْيِيضِهَا وَتَحْسِينِهَا، ثُمَّ فَرَشَتْهَا بِأَنْوَاعِ الْفُرُشِ، وَعَلَّقَتْ فِيهَا أَنْوَاعَ السُّتُورِ، وَأَرْصَدَتْ فِيهَا مَا يَنْبَغِي لِلْخَلِيفَةِ مِنَ الْجَوَارِي وَالْخَدَمِ، بِأَنْوَاعِ الْمَلَابِسِ، وَجَعَلَتْ فِي الْخَزَائِنِ مَا يَنْبَغِي مِنْ أَنْوَاعِ الْأَطْعِمَةِ وَالْمَآكِلِ، ثُمَّ بَعَثَتْ بِمَفَاتِيحِهَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلَهَا وَجَدَ فِيهَا مَا أَرْصَدَتْهُ بِهَا، فَهَالَهُ ذَلِكَ وَاسْتَعْظَمَهُ جِدًّا، فَكَانَ أَوَّلَ خَلِيفَةٍ سَكَنَهَا، وَبَنَى عَلَيْهَا سُورًا. ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ.
وَأَمَّا التَّاجُ فَبَنَاهُ الْمُكْتَفِي عَلَى دِجْلَةَ، وَحَوْلَهُ الْقِبَابُ وَالْمَجَالِسُ وَالْمَيْدَانُ وَالثُّرَيَّا وَحَيْرُ الْوُحُوشِ.
وَذَكَرَ الْخَطِيبُ صِفَةَ دَارِ الشَّجَرَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَنِ الْمُقْتَدِرِ
بِاللَّهِ، وَمَا فِيهَا مِنَ الْفُرُشِ وَالسُّتُورِ وَالْخَدَمِ وَالْمَمَالِيكِ، وَالْحِشْمَةِ الْبَاذِخَةِ، وَأَنَّهُ كَانَ بِهَا أَحَدَ عَشَرَ أَلْفَ طَوَاشِيٍّ، وَسَبْعُمِائَةِ حَاجِبٍ، وَأَمَّا الْمَمَالِيكُ فَأُلُوفٌ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي مَوْضِعِهِ بَعْدَ سَنَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ.
وَذَكَرَ الْخَطِيبُ دَارَ الْمُلْكِ الَّتِي بِالْمُخَرَّمِ، وَذَكَرَ الْجَوَامِعَ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَاتُ، وَذَكَرَ الْأَنْهَارَ وَالْجُسُورَ الَّتِي بِهَا، وَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ فِي زَمَنِ الْمَنْصُورِ، وَمَا أُحْدِثَ بَعْدَهُ إِلَى زَمَانِهِ. وَأَنْشَدَ لِبَعْضِ الشُّعَرَاءِ فِي جُسُورِ بَغْدَادَ الَّتِي عَلَى دِجْلَةَ:
يَوْمٌ سَرَقْنَا الْعَيْشَ فِيهِ خِلْسَةً
…
فِي مَجْلِسٍ بِفِنَاءِ دِجْلَةَ مُفْرَدِ
رَقَّ الْهَوَاءُ بِرِقَّةٍ قُدَّامَهُ
…
فَغَدَوْتُ رِقًّا لِلزَّمَانِ الْمُسْعِدِ
فَكَأَنَّ دِجْلَةَ طَيْلَسَانٌ أَبْيَضُ
…
وَالْجِسْرُ فِيهَا كَالطِّرَازِ الْأَسْوَدِ
وَقَالَ آخَرُ:
أَيَا حَبَّذَا جِسْرٌ عَلَى مَتْنِ دِجْلَةٍ
…
بِإِتْقَانِ تَأْسِيسٍ وَحُسْنٍ وَرَوْنَقِ
جَمَالٌ وَحَسَنٌ لِلْعِرَاقِ وَنُزْهَةٌ
…
وَسَلْوَةُ مَنْ أَضْنَاهُ فَرْطُ التَّشَوُّقِ
تَرَاهُ إِذَا مَا جِئْتَهُ مُتَأَمِّلًا
كَسَطْرِ عَبِيرٍ خُطَّ فِي وَسْطِ مُهْرَقِ
…
أَوِ الْعَاجُ فِيهِ الْآبِنُوسُ مُرَقَّشٌ
مِثَالُ فَيُولٍ تَحْتَهَا أَرْضُ زِئْبَقِ
وَذَكَرَ الصُّولِيُّ قَالَ: ذَكَرَ أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي طَاهِرٍ فِي كِتَابِ " بَغْدَادَ " أَنَّ ذَرْعَ بَغْدَادَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَخَمْسُونَ أَلْفَ جَرِيبٍ وَسَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ جَرِيبًا، وَأَنَّ الْجَانِبَ الشَّرْقِيَّ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ جَرِيبٍ وَسَبْعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ جَرِيبًا، وَأَنَّ عَدَدَ حَمَّامَاتِهَا سِتُّونَ أَلْفَ حَمَّامٍ، وَأَقَلُّ مَا فِي كُلِّ حَمَّامٍ مِنْهَا خَمْسَةُ نَفَرٍ حَمَّامِيٌّ وَقَيِّمٌ وَزَبَّالٌ وَوَقَّادٌ وَسَقَّاءٌ، وَأَنَّ بِإِزَاءِ كُلِّ حَمَّامٍ خَمْسَةَ مَسَاجِدَ، فَذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفِ مَسْجِدٍ، وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ خَمْسَةُ أَنْفُسٍ. يَعْنِي إِمَامًا وَقِيَمًا وَمُؤَذِّنًا وَمَأْمُومَيْنِ. ثُمَّ تَنَاقَصَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ دُثِرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَتْ كَأَنَّهَا خَرِبَةٌ; صُورَةً وَمَعْنًى. عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: لَمْ يَكُنْ لِبَغْدَادَ فِي الدُّنْيَا نَظِيرٌ فِي جَلَالَةِ قَدْرِهَا، وَفَخَامَةِ أَمْرِهَا، وَكَثْرَةِ عُلَمَائِهَا وَأَعْلَامِهَا، وَتَمَيُّزِ خَوَاصِّهَا وَعَوَامِّهَا، وَعِظَمِ أَقْطَارِهَا، وَسِعَةِ أَطْرَارِهَا، وَكَثْرَةِ دُورِهَا وَمَنَازِلِهَا، وَدُرُوبِهَا وَشَوَارِعِهَا، وَمَحَالِّهَا وَأَسْوَاقِهَا، وَسِكَكِهَا وَأَزِقَّتِهَا، وَمَسَاجِدِهَا، وَحَمَّامَاتِهَا، وَخَانَاتِهَا، وَطِيبِ هَوَائِهَا، وَعُذُوبَةِ مَائِهَا، وَبَرْدِ ظِلَالِهَا وَأَفْيَائِهَا،
وَاعْتِدَالِ صَيْفِهَا وَشِتَائِهَا، وَصِحَّةِ رَبِيعِهَا وَخَرِيفِهَا، وَأَكْثَرُ مَا كَانَتْ عِمَارَةً وَأَهْلًا فِي أَيَّامِ الرَّشِيدِ. ثُمَّ ذَكَرَ تَنَاقُصَ أَحْوَالِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَلُمَّ جَرَّا إِلَى زَمَانِهِ.
قُلْتُ: وَكَذَا مِنْ بَعْدِهِ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا، وَلَا سِيَّمَا فِي أَيَّامِ هُولَاكُو بْنُ تَوْلَى بْنِ جِنْكِزْ خَانَ التُّرْكِيِّ الَّذِي وَضَعَ مَعَالِمَهَا، وَقَتَلَ خَلِيفَتَهَا وَعَالِمَهَا، وَخَرَّبَ دُورَهَا، وَهَدَمَ قُصُورَهَا، وَأَبَادَ الْخَوَاصَّ وَالْعَوَامَّ مِنْ أَهْلِهَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ، وَأَخَذَ الْأَمْوَالَ وَالْحَوَاصِلَ، وَنَهَبَ الذَّرَارِيَّ وَالْأَصَائِلَ، وَأَوْرَثَ بِهَا حُزْنًا يُعَدَّدُ بِهِ فِي الْبَكَرَاتِ وَالْأَصَائِلِ، وَصَيَّرَهَا مُثْلَةً فِي الْأَقَالِيمِ، وَعِبْرَةً لِكُلِّ مُعْتَبِرٍ عَلِيمٍ، وَتَذْكِرَةً لِكُلِّ ذِي عَقْلٍ مُسْتَقِيمٍ، وَبُدِّلَتْ بَعْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، بِالنَّغَمَاتِ وَالْأَلْحَانِ، وَإِنْشَادِ الْأَشْعَارِ وَكَانَ وَكَانَ، وَبَعْدَ سَمَاعِ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ، بِدَرْسِ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ، وَالْمَنَاهِجِ الْكَلَامِيَّةِ، وَالتَّأْوِيلَاتِ الْقُرْمَطِيَّةِ، وَبَعْدَ الْعُلَمَاءِ بِالْحُكَمَاءِ، وَبَعْدَ الْخَلِيفَةِ الْعَبَّاسِيِّ، بَشَرِّ الْوُلَاةِ مِنَ الْأَنَاسِيِّ، وَبَعْدَ الرِّيَاسَةِ وَالنَّبَاهَةِ، بِالْخَسَاسَةِ وَالسَّفَاهَةِ، وَبَعْدَ الْعُبَّادِ بِالْأَنْكَادِ، وَبَعْدَ الطَّلَبَةِ الْمُشْتَغِلِينَ، بِالظَّلَمَةِ وَالْعَيَّارِينَ، وَبَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِفُنُونِ الْعِلْمِ مِنَ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَتَعْبِيرِ الرُّؤْيَا، بِالزَّجَلِ وَالْمُوَشَّحِ وَدُوبِيتَ وَمَوَالِيَا، وَمَا أَصَابَهُمْ ذَلِكَ إِلَّا بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.
وَالتَّحَوُّلُ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ - لِكَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الْمُنْكَرَاتِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ - وَالِانْتِقَالُ عَنْهَا إِلَى بِلَادِ الشَّامِ الَّذِي تَكَفَّلَ اللَّهُ بِأَهْلِهِ، أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ وَأَجْمَلُ.