الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ]
فِيهَا فُرِغَ مِنْ بِنَاءِ سُورِ بَغْدَادَ وَخَنْدَقِهَا. وَفِيهَا غَزَا الصَّائِفَةَ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فَدَخَلَ بِلَادَ الرُّومِ وَمَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ قَحْطَبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ، وَمَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ فِي الطَّرِيقِ. وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَوَلَّاهُ الْمَنْصُورُ عَلَى مَكَّةَ وَالْحِجَازِ عِوَضًا عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَلِيٍّ. وَعُمَّالُ الْأَمْصَارِ فِيهَا هُمُ الَّذِينَ فِيمَا قَبْلَهَا.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَكَهَمْسُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الثَّقَفِيُّ الْبَصْرِيُّ النَّحْوِيُّ شَيْخُ سِيبَوَيْهِ، يُقَالُ: إِنَّهُ مِنْ مَوَالِي خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَإِنَّمَا نَزَلَ فِي ثَقِيفٍ، فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ. كَانَ
إِمَامًا كَبِيرًا جَلِيلًا فِي اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ وَالْقِرَاءَاتِ، أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَسَمِعَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَغَيْرُهُمْ، وَعَنْهُ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، وَالْأَصْمَعِيُّ، وَسِيبَوَيْهِ، وَلَزِمَهُ وَعُرِفَ بِهِ وَانْتَفَعَ بِهِ، وَأَخَذَ كِتَابَهُ الَّذِي صَنَّفَهُ وَسَمَّاهُ " الْجَامِعَ " فَزَادَ عَلَيْهِ وَبَسَطَهَ، فَهُوَ " كِتَابُ سِيبَوَيْهِ " الْيَوْمَ، وَكَانَ يَسْأَلُ عَمَّا أَشْكَلَ فِيهِ عَلَيْهِ شَيْخَهُ الْخَلِيلَ بْنَ أَحْمَدَ، وَقَدْ سَأَلَ الْخَلِيلُ يَوْمًا سِيبَوَيْهِ عَمَّا صَنَّفَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ فَقَالَ: جَمَعَ بِضْعًا وَسَبْعِينَ كِتَابًا، ذَهَبَتْ كُلُّهَا إِلَّا كِتَابَهُ " الْإِكْمَالَ "، وَهُوَ بِأَرْضِ فَارِسَ وَكِتَابَهُ " الْجَامِعَ "، وَهُوَ الَّذِي أَشْتَغِلُ فِيهِ وَأَسْأَلُكَ عَنْ غَوَامِضِهِ. فَأَطْرَقَ الْخَلِيلُ سَاعَةً ثُمَّ أَنْشَدَ:
ذَهَبَ النَّحْوُ جَمِيعًا كُلُّهُ
…
غَيْرَ مَا أَحْدَثَ عِيسَى بْنُ عُمَرْ
ذَاكَ إِكْمَالٌ وَهَذَا جَامِعٌ
…
وَهُمَا لِلنَّاسِ شَمْسٌ وَقَمَرْ
وَقَدْ كَانَ عِيسَى يُغْرِبُ وَيَتَقَعَّرُ فِي عِبَارَتِهِ جِدًّا، وَقَدْ حَكَى الْجَوْهَرِيُّ عَنْهُ فِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ سَقَطَ يَوْمًا عَنْ حِمَارِهِ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَالَ: مَا لَكُمْ تَكَأْكَأْتُمْ عَلَيَّ تَكَأْكُؤَكُمْ عَلَى ذِي جِنَّةٍ؟! افْرَنْقِعُوا عَنِّي. مَعْنَاهُ: مَا لَكُمْ تَجَمَّعْتُمْ عَلَيَّ تَجَمُّعَكُمْ عَلَى مَجْنُونٍ؟! انْكَشِفُوا عَنِّي.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ بِهِ ضِيقُ النَّفَسِ، فَسَقَطَ بِسَبَبِهِ، فَاعْتَقَدَ النَّاسُ أَنَّهُ مَصْرُوعٌ، فَجَعَلُوا يُعَوِّذُونَهُ وَيَقْرَءُونَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ مِنْ غَشِيَتِهِ قَالَ مَا قَالَ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: إِنَّ جِنِّيَّتَهُ تَتَكَلَّمُ بِالْفَارِسِيَّةِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي ابْنُ خِلِّكَانَ أَنَّهُ كَانَ صَاحِبًا لِأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، وَأَنَّ عِيسَى بْنَ عُمَرَ قَالَ يَوْمًا لِأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ: أَنَا أَفْصَحُ مِنْ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ. فَقَالَ لَهُ أَبُو عَمْرٍو: كَيْفَ تُنْشِدُ هَذَا الْبَيْتَ:
قَدْ كُنْ يَخْبَأْنَ الْوُجُوهَ تَسَتُّرًا
…
فَالْيَوْمَ حِينَ بَدَأْنَ لِلنُّظَّارِ
أَوْ " بَدَيْنَ "؟ فَقَالَ: بَدَيْنَ. فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: أَخْطَأْتَ. وَلَوْ قَالَ: بَدَأْنَ. لَأَخْطَأَ أَيْضًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَبُو عَمْرٍو تَغْلِيطَهُ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ: بَدَوْنَ، مِنْ بَدَا يَبْدُو إِذَا ظَهَرَ. وَبَدَأَ يَبْدَأُ إِذَا شَرَعَ فِي الشَّيْءِ.