الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خِلَافَةُ يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ]
وَهُوَ الْمُلَقَّبُ بِالنَّاقِصِ ; لِنَقْصِهِ النَّاسَ الزِّيَادَةَ الَّتِي كَانَ زَادَهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ فِي أَعْطِيَاتِهِمْ، وَهِيَ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ، وَرَدِّهِ إِيَّاهُمْ إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي زَمَنِ هِشَامٍ. وَيُقَالُ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ لَقَّبَهُ بِذَلِكَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ.
بُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ مَقْتَلِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ، وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ - وَكَانَ فِيهِ صَلَاحٌ وَوَرَعٌ قَبْلَ ذَلِكَ، فَأَوَّلُ مَا عَمِلَ انْتِقَاصُهُ مِنْ أَرْزَاقِ الْجُنْدِ مَا كَانَ الْوَلِيدُ زَادَهُمْ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَشْرَةٌ عَشْرَةٌ، فَسُمِّيَ النَّاقِصَ لِذَلِكَ. وَيُقَالُ فِي الْمَثَلِ: الْأَشَجُّ وَالنَّاقِصُ أَعْدَلَا بَنِي مَرْوَانَ. يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهَذَا. وَلَكِنْ لَمْ تَطُلْ أَيَّامُهُ، فَإِنَّهُ تُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ هَذِهِ السَّنَةِ، وَاضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ، وَانْتَشَرَتِ الْفِتَنُ، وَاخْتَلَفَتْ كَلِمَةُ بَنِي مَرْوَانَ فَنَهَضَ سُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامٍ، وَكَانَ مُعْتَقَلًا فِي سِجْنِ الْوَلِيدِ بِعَمَّانَ، فَاسْتَحْوَذَ عَلَى أَمْوَالِهَا وَحَوَاصِلِهَا، وَأَقْبَلَ إِلَى دِمَشْقَ، فَجَعَلَ يَلْعَنُ الْوَلِيدَ وَيَعِيبُهُ وَيَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ، فَأَكْرَمَهُ يَزِيدُ وَرَدَّ عَلَيْهِ أَمْوَالَهُ الَّتِي كَانَ أَخَذَهَا مِنْهُ الْوَلِيدُ وَتَزَوَّجَ يَزِيدُ أُخْتَ سُلَيْمَانَ وَهِيَ أُمُّ هِشَامٍ بِنْتُ هِشَامٍ
وَنَهَضَ أَهْلُ حِمْصَ إِلَى دَارِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ الَّتِي عِنْدَهُمْ فَهَدَمُوهَا، وَحَبَسُوا أَهْلَهُ وَبَنِيهِ، وَهَرَبَ هُوَ مِنْ حِمْصَ، فَلَحِقَ بِيَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى دِمَشْقَ، وَأَظْهَرَ أَهْلُ حِمْصَ الْأَخْذَ بِدَمِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ، وَأَغْلَقُوا أَبْوَابَ الْبَلَدِ، وَأَقَامُوا النَّوَائِحَ وَالْبَوَاكِيَ عَلَى الْوَلِيدِ وَكَاتَبُوا الْأَجْنَادَ فِي طَلَبِ ثَأْرِ الْوَلِيدِ فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهُمْ، عَلَى أَنْ يَكُونَ الْحَكَمُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنُ يَزِيدَ الَّذِي أَخَذَ لَهُ الْعَهْدَ هُوَ الْخَلِيفَةُ، وَخَلَعُوا نَائِبَهُمْ، وَهُوَ مَرْوَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ثُمَّ قَتَلُوهُ وَقَتَلُوا ابْنَهُ، وَأَمَّرُوا عَلَيْهِمْ مُعَاوِيَةَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ حُصَيْنٍ فَلَمَّا انْتَهَى خَبَرُهُمْ إِلَى يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ كَتَبَ إِلَيْهِمْ كِتَابًا مَعَ يَعْقُوبَ بْنِ هَانِئٍ، وَمَضْمُونُ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَدْعُو إِلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ شُورَى، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ: فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَقَدْ رَضِينَا بِوَلِيِّ عَهْدِنَا الْحَكَمِ بْنِ الْوَلِيدِ. فَأَخَذَ يَعْقُوبُ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَ: وَيْحَكَ! لَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ يَتِيمًا تَحْتَ حَجْرِكَ لَمْ يَحِلَّ لَكَ أَنْ تَدْفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ، فَكَيْفَ أَمْرُ الْأُمَّةِ. فَوَثَبَ أَهْلُ حِمْصَ عَلَى رُسُلِ يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ فَطَرَدُوهُمْ عَنْهُمْ، وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ السُّفْيَانِيُّ: لَوْ قَدْ قَدِمْتُ دِمَشْقَ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيَّ مِنْهُمُ اثْنَانِ. فَرَكِبُوا مَعَهُ، وَسَارُوا نَحْوَ دِمَشْقَ، وَقَدْ أَمَّرُوا عَلَيْهِمُ السُّفْيَانِيَّ فَتَلَقَّاهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامٍ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ قَدْ جَهَّزَهُمْ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَجَهَّزَ أَيْضًا عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ الْحَجَّاجِ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ يَكُونُونَ عِنْدَ ثَنِيَّةِ الْعُقَابِ، وَجَهَّزَ هِشَامَ بْنَ مَصَادٍ الْمِزِّيَّ فِي أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لِيِكُونُوا عَلَى عَقَبَةِ السُّلَمِيَّةِ فَمَرَّ أَهْلُ حِمْصَ، وَتَرَكُوا جَيْشَ سُلَيْمَانَ بْنِ هِشَامٍ ذَاتَ الْيَسَارِ
وَعَدَّوْهُ، فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ سُلَيْمَانُ سَاقَ فِي طَلَبِهِمْ، فَلَحِقَهُمْ عِنْدَ السُّلَيْمَانِيَّةِ فَجَعَلُوا الزَّيْتُونَ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَالْجَبَلَ عَنْ شَمَائِلِهِمْ وَالْجِبَابَ مِنْ خَلْفِهِمْ، وَلَمْ يَبْقَ مَخْلَصٌ إِلَيْهِمْ إِلَّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، فَاقْتَتَلُوا هُنَالِكَ فِي قَيَّالَةِ الْحَرِّ قِتَالًا شَدِيدًا، فَقُتِلَ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْحَجَّاجِ بِمَنْ مَعَهُ، فَحَمَلَ عَلَى أَهْلِ حِمْصَ فَاخْتَرَقَ جَيْشَهُمْ، حَتَّى رَكِبَ التَّلَّ الَّذِي فِي وَسَطِهِمْ، وَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ، فَتَفَرَّقُوا وَاتَّبَعَهُمُ النَّاسُ، ثُمَّ تَنَادَوْا بِالْكَفِّ عَنْهُمْ عَلَى أَنْ يُبَايِعُوا لِيَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ وَأَسَرُوا مِنْهُمْ جَمَاعَةً، مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ السُّفْيَانِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ثُمَّ ارْتَحَلَ سُلَيْمَانُ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ فَنَزَلَا عَذْرَاءَ وَمَعَهُمُ الْجُيُوشُ وَأَشْرَافُ النَّاسِ، وَأَشْرَافُ أَهْلِ حِمْصَ مِنَ الْأُسَارَى، وَمَنِ اسْتَجَابَ مِنْ غَيْرِ أَسْرٍ، بَعْدَ مَا قُتِلَ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةِ نَفْسٍ، فَدَخَلُوا بِهِمْ عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَصَفَحَ عَنْهُمْ، وَأَطْلَقَ الْأَعْطِيَاتِ لَهُمْ، لَا سِيَّمَا لِأَشْرَافِهِمْ، وَوَلَّى عَلَيْهِمُ الَّذِي اخْتَارُوهُ، وَهُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَطَابَتْ عَلَيْهِ أَنْفُسُهُمْ، وَأَقَامُوا عِنْدَهُ بِدِمَشْقَ سَامِعِينَ لَهُ مُطِيعِينَ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بَايَعَ أَهْلُ فِلَسْطِينَ يَزِيدَ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي سُلَيْمَانَ كَانَتْ لَهُمْ أَمْلَاكٌ هُنَاكَ، وَكَانُوا ينْزِلُونَهَا، وَكَانَ
أَهْلُ فِلَسْطِينَ يُحِبُّونَ مُجَاوَرَتَهُمْ، فَلَمَّا قُتِلَ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ كَتَبَ سَعِيدُ بْنُ رَوْحِ بْنِ زِنْبَاعٍ - وَكَانَ رَئِيسَ تِلْكَ النَّاحِيَةِ - إِلَى - يَزِيدَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ يَدْعُوهُ إِلَى الْمُبَايَعَةِ لَهُ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا بَلَغَ أَهْلَ الْأُرْدُنِّ خَبَرُهُمْ بَايَعُوا أَيْضًا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَأَمَّرُوهُ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا انْتَهَى خَبَرُهُمْ إِلَى يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، بَعَثَ إِلَيْهِمُ الْجُيُوشَ مَعَ سُلَيْمَانَ بْنِ هِشَامٍ فِي الدَّمَاشِقَةِ وَأَهْلِ حِمْصَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ السُّفْيَانِيِّ فَصَالَحَهُمْ أَهْلُ الْأُرْدُنِّ أَوَّلًا وَرَجَعُوا إِلَى الطَّاعَةِ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ فِلَسْطِينَ وَكَتَبَ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ وِلَايَةَ الْإِمْرَةِ بِالرَّمَلَةِ وَتِلْكَ النَّوَاحِي لِأَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْوَلِيدِ وَاسْتَقَرَّتِ الْمَمَالِكُ هُنَالِكَ، وَقَدْ خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّاسَ بِدِمَشْقَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، أَنَا وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ أَشَرًا وَلَا بَطَرًا، وَلَا حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا، وَلَا رَغْبَةً فِي الْمِلْكِ، وَمَا بِي إِطْرَاءُ نَفْسِي، إِنِّي لَظَلُومٌ لِنَفْسِي إِنْ لَمْ يَرْحَمْنِي رَبِّي، وَلَكِنِّي خَرَجْتُ غَضَبًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِدِينِهِ، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، لَمَّا هُدِمَتْ مَعَالِمُ الدِّينِ، وَأُطْفِئَ نُورُ أَهْلِ التَّقْوَى، وَظَهَرَ الْجَبَّارُ الْعَنِيدُ، الْمُسْتَحِلُّ لِكُلِّ حُرْمَةٍ، وَالرَّاكِبُ كُلَّ بِدْعَةٍ، مَعَ أَنَّهُ وَاللَّهِ مَا كَانَ يُصَدِّقُ بِالْكِتَابِ، وَلَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ، وَإِنَّهُ لَابْنُ عَمِّي فِي النَّسَبِ، وَكُفْئِي فِي الْحَسَبِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ اسْتَخَرْتُ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَكِلَنِي إِلَى نَفْسِي، وَدَعَوْتُ إِلَى ذَلِكَ مَنْ أَجَابَنِي مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِي، وَسَعَيْتُ فِيهِ حَتَّى أَرَاحَ اللَّهُ مِنْهُ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ، بِحَوَلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ، لَا بِحَوْلِي وَقُوَّتِي، أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ لَكُمْ
عَلَيَّ أَنْ لَا أَضَعَ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، وَلَا لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ، وَلَا أَكْرِي نَهْرًا، وَلَا أُكَثِّرُ مَالًا، وَلَا أُعْطِيَهُ زَوْجَةً وَلَا وَلَدًا، وَلَا أَنْقُلُ مَالًا مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ حَتَّى أَسُدَّ ثَغْرَ ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَخَصَاصَةَ أَهْلِهِ بِمَا يُعِينُهُمْ، فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ نَقَلْتُهُ إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي يَلِيهِ مِمَّنْ هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ، وَلَا أُجَمِّرَكُمْ فِي ثُغُورِكُمْ فَأَفْتِنَكُمْ وَأَفْتِنَ أَهْلِيكُمْ، وَلَا أُغْلِقُ بَابِي دُونَكُمْ فَيَأْكُلَ قَوِيُّكُمْ ضَعِيفَكُمْ، وَلَا أَحْمِلَ عَلَى أَهْلِ جِزْيَتِكُمْ مَا يُجْلِيهِمْ عَنْ بِلَادِهِمْ وَيَقْطَعُ نَسْلَهُمْ، وَإِنَّ لَكُمْ عِنْدِي أَعْطِيَاتِكُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَأَرْزَاقَكُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ، حَتَّى تَسْتَدِرَّ الْمَعِيشَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَكُونُ أَقْصَاهُمْ كَأَدْنَاهُمْ، فَإِنْ أَنَا وَفَّيْتُ لَكُمْ بِمَا قُلْتُ، فَعَلَيْكُمُ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ وَحُسْنُ الْمُؤَازَرَةِ، وَإِنْ أَنَا لَمْ أَفِ لَكُمْ، فَلَكُمْ أَنْ تَخْلَعُونِي إِلَّا أَنْ تَسْتَتِيبُونِي، فَإِنْ تُبْتُ قَبِلْتُمْ مِنِّي، وَإِنْ عَلِمْتُمْ أَحَدًا مَنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ يُعْطِيكُمْ مِنْ نَفْسِهِ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتُكُمْ، فَأَرَدْتُمْ أَنْ تُبَايِعُوهُ، فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُبَايِعُهُ وَيَدْخُلُ فِي طَاعَتِهِ، أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ طَاعَةُ اللَّهِ، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فَأَطِيعُوهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ مَا أَطَاعَ، فَإِذَا عَصَى فَدَعَا إِلَى مَعْصِيَتِهِ فَهُوَ أَهْلٌ أَنْ يُعْصَى وَيُقْتَلَ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ عَنْ إِمْرَةِ الْعِرَاقِ لَمَّا ظَهَرَ مِنْهُ مِنَ الْحَنَقِ عَلَى الْيَمَانِيَةِ، وَهُمْ قَوْمُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ حِينَ قُتِلَ
الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ وَكَانَ قَدْ سَجَنَ غَالِبَ مَنْ بِبِلَادِهِ مِنْهُمْ، وَجَعَلَ الْأَرْصَادَ عَلَى الثُّغُورِ ; خَوْفًا مِنْ جُنْدِ الْخَلِيفَةِ، فَعَزَلَهُ عَنْهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَوَلَّى عَلَيْهَا مَنْصُورَ بْنَ جُمْهُورٍ مَعَ بِلَادِ السِّنْدِ وَسِجِسْتَانَ وَخُرَاسَانَ وَقَدْ كَانَ مَنْصُورُ بْنُ جُمْهُورٍ أَعْرَابِيًّا جِلْفًا، وَكَانَ يُزَنُّ بِمَذْهَبِ الْغَيْلَانِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ وَلَكِنْ كَانَتْ لَهُ آثَارٌ حَسَنَةٌ، وَغِنَاءٌ كَثِيرٌ فِي مَقْتَلِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ فَحَظِيَ بِذَلِكَ عِنْدَ يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمَّا فَرَغَ النَّاسُ مِنْ مَقْتَلِ الْوَلِيدِ ذَهَبَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى الْعِرَاقِ فَأَخَذَ الْبَيْعَةَ مِنْ أَهْلِهَا لِيَزِيدَ وَقَرَّرَ بِالْأَقَالِيمِ نُوَّابًا وَعُمَّالًا، وَكَرَّ رَاجِعًا فِي أَوَاخِرِ رَمَضَانَ ; فَلِذَلِكَ وَلَّاهُ الْخَلِيفَةُ مَا وَلَّاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فَإِنَّهُ فَرَّ مِنَ الْعِرَاقِ فَلَحِقَ بِبِلَادِ الْبَلْقَاءِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ فَأَحْضَرُوهُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ - وَكَانَ كَبِيرَ اللِّحْيَةِ جِدًّا، رُبَّمَا كَانَتْ تُجَاوِزُ سَرَّتْهُ، وَكَانَ قَصِيرَ الْقَامَةِ - فَوَبَّخَهُ وَأَنَّبَهُ، ثُمَّ سَجَنَهُ، وَأَمَرَ بِاسْتِخْلَاصِ الْحُقُوقِ مِنْهُ، وَلَمَّا انْتَهَى مَنْصُورُ بْنُ جُمْهُورٍ إِلَى الْعِرَاقِ قَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ مَقْتَلِ الْوَلِيدِ وَأَنَّ اللَّهَ أَخَذَهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، وَأَنَّهُ قَدْ وَلَّى عَلَيْهِمْ مَنْصُورَ بْنَ جُمْهُورٍ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ شَجَاعَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالْحَرْبِ، فَبَايَعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ لِيَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ وَكَذَلِكَ أَهْلُ السِّنْدِ وَسِجِسْتَانَ.
وَأَمَّا نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ نَائِبُ خُرَاسَانَ فَإِنَّهُ امْتَنَعَ مِنَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِمَنْصُورِ بْنِ جُمْهُورٍ وَأَبَى أَنْ يَنْقَادَ لِأَوَامِرِهِ، وَقَدْ كَانَ جَهَّزَ هَدَايَا كَثِيرَةً لِلْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ فَاسْتَمَرَّتْ لَهُ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَتَبَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُلَقَّبُ بِالْحِمَارِ كِتَابًا إِلَى الْغَمْرِ بْنِ يَزِيدَ أَخِي الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ، يَحُثُّهُ عَلَى الْقِيَامِ بِطَلَبِ دَمِ أَخِيهِ الْوَلِيدِ وَكَانَ مَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرًا عَلَى أَذْرَبِيجَانَ وَإِرْمِينِيَّةَ.
ثُمَّ إِنَّ يَزِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَزَلَ مَنْصُورَ بْنَ جُمْهُورٍ عَنْ وِلَايَةِ الْعِرَاقِ وَوَلَّى عَلَيْهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يُحِبُّونَ أَبَاكَ فَقَدْ وَلَّيْتُكَهَا. وَذَلِكَ فِي شَوَّالٍ مِنْهَا، وَكَتَبَ لَهُ إِلَى أُمَرَاءِ الشَّامِ الَّذِينَ بِالْعِرَاقِ يُوصِيهِمْ بِهِ ; خَشْيَةَ أَنْ يَمْتَنِعَ مَنْصُورُ بْنُ جُمْهُورٍ مِنْ تَسْلِيمِ الْبِلَادِ إِلَيْهِ، فَسَلَّمَ إِلَيْهِ، وَسَمِعَ وَأَطَاعَ.
وَكَتَبَ الْخَلِيفَةُ إِلَى نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ بِوِلَايَةِ خُرَاسَانَ مُسْتَقِلًّا بِهَا، فَخَرَجَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْكَرْمَانِيُّ. لِأَنَّهُ وُلِدَ بِكَرْمَانَ وَهُوَ أَبُو عَلِيٍّ جَدِيعُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَبِيبٍ الْمَعْنِيُّ وَاتَّبَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ بِحَيْثُ إِنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ الْجُمُعَةَ فِي نَحْوٍ مِنْ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَكَانَ يُسَلِّمُ عَلَى نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ وَلَا يَجْلِسُ عِنْدَهُ، فَتَحَيَّرَ نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ وَأُمَرَاؤُهُ فِيمَا يَصْنَعُ بِهِ، فَاتَّفَقَ رَأْيُهُمْ بَعْدَ جَهْدٍ عَلَى سَجْنِهِ، فَسُجِنَ قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ، ثُمَّ أَطْلَقَهُ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَجَمٌّ غَفِيرٌ، وَرَكِبُوا مَعَهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ نَصْرٌ مَنْ قَاتَلَهُمْ وَقَهَرَهُمْ وَكَسَرَهُمْ.
وَاسْتَخَفَّ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ بِنَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ وَتَلَاشَوْا أَمْرَهُ وَحُرْمَتَهُ، وَأَلَحُّوا عَلَيْهِ فِي أَعْطِيَاتِهِمْ، وَأَسْمَعُوهُ غَلِيظَ مَا يَكْرَهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسِفَارَةِ سَلْمِ بْنِ أَحْوَزَ أَدَّى ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَخَرَجَتِ الْبَاعَةُ مِنَ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَهُوَ يَخْطُبُ، وَانْفَضَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُمْ نَصْرٌ فِيمَا قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ
نَشَرْتُكُمْ وَطَوَيْتُكُمْ، وَطَوَيْتُكُمْ وَنَشَرْتُكُمْ، فَمَا عِنْدِي مِنْكُمْ عَشَرَةٌ عَلَى دِينٍ، فَاتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ لَئِنِ اخْتَلَفَ فِيكُمْ سَيْفَانِ لَيَتَمَنَّيْنَّ الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَنْ يَنْخَلِعَ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ رَآهَا. ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ النَّابِغَةِ:
فَإِنْ يَغْلِبْ شَقَاؤُكُمُ عَلَيْكُمْ
…
فَإِنِّي فِي صَلَاحِكُمُ سَعَيْتُ
وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَشْرَجِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْوَرْدِ الْجَعْدِيُّ:
أَبِيتُ أَرْعَى النُّجُومَ مُرْتِفِقًا
…
إِذَا اسْتَقَلَّتْ تَجْرِي أَوَائِلُهَا
مِنْ فِتْنَةٍ أَصْبَحَتْ مُجَلِّلَةً
…
قَدْ عَمَّ أَهْلَ الصَّلَاةِ شَامِلُهَا
مَنْ بِخُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ وَمَنْ
…
بِالشَّامِ كُلٌّ شَجَاهُ شَاغِلُهَا
فَالنَّاسُ مِنْهَا فِي لَوْنٍ مُظْلِمَةٍ
…
دَهْمَاءَ مُلْتَجَّةٍ غَيَاطِلُهَا
يُمْسِي السَّفِيهُ الَّذِي يُعَنَّفُ بِالْ
…
جَهْلِ سَوَاءً فِيهَا وَعَاقِلُهَا
وَالنَّاسُ فِي كُرْبَةٍ يَكَادُ لَهَا
…
تَنْبِذُ أَوْلَادَهَا حَوَامِلُهَا
يَغْدُونَ مِنْهَا فِي ظِلِّ مُبْهَمَةٍ
…
عَمْيَاءَ تَغْتَالُهُمْ غَوَائِلُهَا
لَا يَنْظُرُ النَّاسُ مِنْ عَوَاقِبِهَا
…
إِلَّا الَّتِي لَا يَبِينُ قَائِلُهَا
كَرَغْوَةِ الْبَكْرِ أَوْ كَصَيْحَةِ حُبْ
…
لَى طَرَقَتْ حَوْلَهَا قَوابِلُهَا
فَجَاءَ فِينَا يَزْرِي بِوِجْهَتِهِ
…
فِيهَا خُطُوبٌ جَمٌّ زَلْازِلُهَا
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَخَذَ الْخَلِيفَةُ الْبَيْعَةَ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ لِأَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِ إِبْرَاهِيمَ، لِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا، وَقَدْ حَرَّضَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْأَكَابِرِ وَالْوُزَرَاءِ.
وَفِيهَا عَزَلَ يَزِيدُ عَنْ إِمْرَةِ الْحِجَازِ يُوسُفَ بْنَ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيَّ وَوَلَّى عَلَيْهَا عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَدِمَهَا فِي أَوَاخِرِ ذِي الْقِعْدَةِ مِنْهَا.
وَفِيهَا أَظْهَرَ مَرْوَانُ الْحِمَارُ الْخِلَافَ لِيَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ وَخَرَجَ مِنْ بِلَادِ إِرْمِينِيَّةَ يُظْهِرُ أَنَّهُ يَطْلُبُ بِدَمِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى حَرَّانَ أَظْهَرَ الْمُوَافَقَةَ، وَبَايَعَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ.
وَفِيهَا أَرْسَلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَبَا هَاشِمٍ بُكَيْرَ بْنَ مَاهَانَ إِلَى أَرْضِ خُرَاسَانَ، فَاجْتَمَعَ بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ بِمَرْوَ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْإِمَامِ إِلَيْهِمْ وَوَصِيَّتَهُ، فَتَلَقَّوْا ذَلِكَ بِالْقَبُولِ، وَأَرْسَلُوا مَعَهُ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ النَّفَقَاتِ.
وَفِي سَلْخِ ذِي الْقِعْدَةِ، وَقِيلَ: فِي سَلْخِ ذِي الْحِجَّةِ. وَقِيلَ: لِعَشَرٍ مَضَيْنَ مِنْهُ. وَقِيلَ: بَعْدَ الْأَضْحَى مِنْهَا. كَانَتْ وَفَاةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ بْنِ الْوَلِيدِ رحمه الله، وَهَذِهِ تَرْجَمَتُهُ:
هُوَ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قَصِيِّ، أَبُو خَالِدٍ الْأُمَوِيُّ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
بُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ أَوَّلَ مَا بُويِعَ بِهَا فِي قَرْيَةٍ الْمِزَّةِ ثُمَّ دَخَلَ دِمَشْقَ فَغَلَبَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَرْسَلَ الْجُيُوشَ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ فَقَتَلَهُ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَى الْخِلَافَةِ فِي أَوَاخِرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِالنَّاقِصِ ; لِنَقْصِهِ النَّاسَ الْعَشَرَاتِ الَّتِي زَادَهُمْ إِيَّاهَا الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ، وَقِيلَ: إِنَّمَا سَمَّاهُ بِذَلِكَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُلَقَّبُ بِالْحِمَارِ. فَكَانَ يَقُولُ: النَّاقِصُ بْنُ الْوَلِيدِ. وَأَمُّهُ شَاهْفَرِنْدَ بِنْتُ فَيْرُوزَ بْنِ كِسْرَى كِسْرَوِيَّةٌ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأُمُّهُ شَاهْ آفْرِيْدَ بِنْتُ فَيْرُوزَ بْنِ يَزْدَجِرْدَ بْنِ شَهْرِيَارَ بْنِ كِسْرَى. وَهُوَ الْقَائِلُ:
أَنَا ابْنُ كِسْرَى وَأَبِي مَرْوَانُ
…
وَقَيْصَرُ جَدِّي وَجَدُّ خَاقَانَ
وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ جَدَّهُ فَيْرُوزُ وَأُمُّ أُمِّهِ بِنْتُ قَيْصَرَ وَأُمُّ شِيرَوَيْهِ هِيَ بِنْتُ خَاقَانَ مَلِكُ التُّرْكِ وَكَانَتْ قَدْ سَبَاهَا قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ هِيَ وَأُخْتًا لَهَا، فَبَعَثَهُمَا إِلَى الْحَجَّاجِ فَأَرْسَلَ بِهَذِهِ إِلَى الْوَلِيدِ وَاسْتَبْقَى عِنْدَهُ الْأُخْرَى. فَوَلَدَتْ هَذِهِ لِلْوَلِيدِ يَزِيدَ النَّاقِصَ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ تِسْعِينَ، وَقِيلَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَتِسْعِينَ.
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الْأَوْزَاعِيُّ مَسْأَلَةً فِي السَّلَمِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا كَيْفِيَّةَ وِلَايَتِهِ فِيمَا سَلَفَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَأَنَّهُ كَانَ عَادِلًا دَيِّنًا، مُحِبًّا لِلْخَيْرِ، مُبْغِضًا لِلشَّرِّ، قَاصِدًا لِلْحَقِّ.
وَقَدْ خَرَجَ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ بَيْنَ صَفَّيْنِ مِنَ الْخَيَّالَةِ، وَالسُّيُوفُ مُسَلَّةٌ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، وَرَجَعَ مِنَ الْمُصَلَّى إِلَى الْخَضْرَاءِ
كَذَلِكَ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا، يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: الْأَشَجُّ وَالنَّاقِصُ أَعْدَلَا بَنِي مَرْوَانَ. وَالْمُرَادُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهَذَا.
وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ اللَّيْثِيِّ قَالَ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّاقِصُ: يَا بَنِي أُمَيَّةَ إِيَّاكُمْ وَالْغِنَاءَ، فَإِنَّهُ يُنْقِصُ الْحَيَاءَ، وَيَزِيدُ فِي الشَّهْوَةِ، وَيَهْدِمُ الْمُرُوءَةَ، وَإِنَّهُ لَيَنُوبُ عَنِ الْخَمْرِ، وَيَفْعَلَ مَا يَفْعَلُ الْمُسْكِرُ، فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ فَجَنِّبُوهُ النِّسَاءَ فَإِنَّ الْغِنَاءَ دَاعِيَةُ الزِّنَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنِ الشَّافِعِيِّ: لَمَّا وَلِيَ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: النَّاقِصُ. دَعَا النَّاسَ إِلَى الْقَدَرِ، وَحَمَلَهُمْ عَلَيْهِ، وَقَرَّبَ غَيْلَانَ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَلَعَلَّهُ قَرَّبَ أَصْحَابَ غَيْلَانَ لِأَنَّ غَيْلَانَ قَتَلَهُ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ: آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّاقِصُ: وَاحَسْرَتَاهُ! وَاأَسَفَاهُ. وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ: الْعَظَمَةُ لِلَّهِ.
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِالْخَضْرَاءِ مِنْ طَاعُونٍ أَصَابَهُ، وَذَلِكَ يَوْمَ السَّبْتِ لِسَبْعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَقِيلَ: فِي مُسْتَهَلِّهِ. وَقِيلَ: يَوْمَ الْأَضْحَى مِنْهُ. وَقِيلَ: بَعْدَهُ بِأَيَّامٍ. وَقِيلَ: لِعَشْرٍ بَقَيْنَ مِنْهُ. وَقِيلَ: فِي سَلْخِهِ. وَقِيلَ: فِي سَلْخِ ذِي الْقِعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ. وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ فِي عُمْرِهِ سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً. وَقِيلَ: ثَلَاثُونَ سَنَةً. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَانَتْ مُدَّةُ وِلَايَتِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ عَلَى الْأَشْهَرِ. وَقِيلَ: خَمْسَةُ أَشْهُرٍ وَأَيَّامٌ.