الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرَجَعَ فَلُّ الْخَوَارِجِ إِلَيْهِمْ، فَأَشَارَ سُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامٍ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْتَحِلُوا عَنِ الْمَوْصِلِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُمُ الْإِقَامَةُ بِهَا وَمَرْوَانُ مِنْ أَمَامِهِمْ وَابْنُ ضُبَارَةَ مِنْ وَرَائِهِمْ، قَدْ قَطَعَ عَنْهُمُ الْمِيرَةَ حَتَّى لَمْ يَجِدُوا شَيْئًا يَأْكُلُونَهُ، فَارْتَحَلُوا عَنْهَا، وَسَارُوا عَلَى حُلْوَانَ إِلَى الْأَهْوَازِ فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ ابْنَ ضُبَارَةَ فِي آثَارِهِمْ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، فَاتَّبَعَهُمْ يَقْتُلُ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ، وَيَلْحَقُهُمْ فِي مُوَاطِنَ فَيُقَاتِلُهُمْ، وَمَا زَالَ وَرَاءَهُمْ حَتَّى فَرَّقَ شَمْلَهُمْ شَذَرَ مَذَرَ، وَهَلَكَ أَمِيرُهُمْ شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْيَشْكُرِيُّ بِالْأَهْوَازِ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ، قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ خُلَيْدٍ الْأَزْدِيُّ. وَرَكِبَ سُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامٍ فِي مَوَالِيهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ السُّفُنَ، وَسَارُوا إِلَى السِّنْدِ، وَرَجَعَ مَرْوَانُ مِنَ الْمَوْصِلِ فَأَقَامَ بِمَنْزِلِهِ بَحَرَّانَ وَقَدْ وَجَدَ سُرُورًا بِزَوَالِ الْخَوَارِجِ وَلَكِنْ لَمْ يَتِمَّ سُرُورُهُ، بَلْ أَعْقَبَهُ الْقَدَرُ مَنْ هُوَ أَقْوَى شَوْكَةً، وَأَعْظَمُ أَتْبَاعًا، وَأَشَدُّ بَأْسًا مِنَ الْخَوَارِجِ، وَهُوَ ظُهُورُ أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ الدَّاعِيَةُ إِلَى دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ.
[أَوَّلُ ظُهُورِ أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ بِخُرَاسَانَ]
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَرَدَ كِتَابٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْإِمَامِ الْعَبَّاسِيِّ بِطَلَبِ أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ مِنْ خُرَاسَانَ، فَسَارَ إِلَيْهِ فِي سَبْعِينَ مِنَ النُّقَبَاءِ، لَا يَمُرُّونَ بِبَلَدٍ إِلَّا سَأَلُوهُمْ: إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُونَ؟ فَيَقُولُ أَبُو مُسْلِمٍ: نُرِيدُ الْحَجَّ. وَإِذَا تَوَسَّمَ أَبُو مُسْلِمٍ مِنْ بَعْضِهِمْ مَيْلًا إِلَيْهِ دَعَاهُ إِلَى مَا هُمْ فِيهِ، فَيُجِيبُهُ إِلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ أَبُو مُسْلِمٍ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ جَاءَ كِتَابٌ ثَانٍ مِنْ إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامِ إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ
إِلَيْكَ بِرَايَةِ النَّصْرِ فَارْجِعْ إِلَى خُرَاسَانَ وَأَظْهَرَ الدَّعْوَةَ. فَامْتَثَلَ أَبُو مُسْلِمٍ ذَلِكَ وَأَمَرَ قَحْطَبَةَ بْنَ شَبِيبٍ أَنْ يَسِيرَ بِمَا مَعَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالتُّحَفِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامِ فَيُوَافِيهِ بِهَا فِي الْمَوْسِمِ، وَرَجَعَ أَبُو مُسْلِمٍ بِالْكِتَابِ، فَدَخَلَ خُرَاسَانَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَدَفَعَ الْكِتَابَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ وَفِيهِ أَنْ أَظْهِرْ دَعْوَتَكَ وَلَا تَتَرَبَّصْ، فَقَدَّمُوا عَلَيْهِمْ أَبَا مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيَّ دَاعِيًا إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ فَبَثَّ أَبُو مُسْلِمٍ دُعَاتَهُ فِي بِلَادِ خُرَاسَانَ وَنَوَاحِيهَا، وَأَمِيرُ خُرَاسَانَ نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ مَشْغُولٌ بِقِتَالِ الْكَرْمَانِيِّ، وَشَيْبَانَ بْنِ سَلَمَةَ الْحَرُورِيِّ وَقَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ بِالْخِلَافَةِ فِي طَوَائِفَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْخَوَارِجِ فَظَهَرَ أَمْرُ أَبِي مُسْلِمٍ وَقَصَدَهُ النَّاسُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَكَانَ مِمَّنْ قَصَدَهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَهْلُ سِتِّينَ قَرْيَةٍ، فَأَقَامَ هُنَاكَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا، فَفَتُحَتْ عَلَيْهِ أَقَالِيمُ كَثِيرَةٌ. وَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْخَمِيسِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، عَقَدَ أَبُو مُسْلِمٍ اللِّوَاءَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ الْإِمَامُ، وَكَانَ يُدْعَى الظِّلَّ، عَلَى رُمْحٍ طُولُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، وَعَقَدَ الرَّايَةَ الَّتِي بَعَثَ بِهَا الْإِمَامُ أَيْضًا، وَتُدْعَى السَّحَابَ، عَلَى رُمْحٍ طُولُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، وَهُمَا سَوْدَاوَانِ، وَهُوَ يَتْلُو قَوْلَهُ تَعَالَى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39] . وَلَبِسَ أَبُو مُسْلِمٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَمَنْ أَجَابَهُمْ إِلَى هَذِهِ الدَّعْوَةِ السَّوَادَ وَصَارَتْ شِعَارَهُمْ، وَأَوْقَدُوا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ نَارًا عَظِيمَةً يَدْعُونَ بِهَا أَهْلَ تِلْكَ النَّوَاحِي، وَكَانَتْ عَلَامَةَ مَا بَيْنَهُمْ فَتَجَمَّعُوا. وَمَعْنَى تَسْمِيَةِ إِحْدَى الرَّايَتَيْنِ بِالسَّحَابِ أَنَّ السَّحَابَ كَمَا يُطَبِّقُ جَمِيعَ الْأَرْضِ، كَذَلِكَ بَنُو الْعَبَّاسِ تُطَبِّقُ دَعْوَتُهُمُ الْأَرْضَ، وَمَعْنَى تَسْمِيَةِ الْأُخْرَى بِالظِّلِّ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنَ الظِّلِّ أَبَدًا، وَكَذَلِكَ بَنُو الْعَبَّاسِ لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ مِنْهُمْ، وَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَكَثُرَ جَيْشُهُ جِدًّا.
وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عِيدِ الْفِطْرِ أَمَرَ أَبُو مُسْلِمٍ سُلَيْمَانَ بْنَ كَثِيرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَنَصَبَ لَهُ مِنْبَرًا، وَأَنْ يُخَالِفَ فِي ذَلِكَ بَنِي أُمَيَّةَ وَيَعْمَلَ بِالسُّنَّةِ، فَنُودِيَ لِلصَّلَاةِ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً. وَلَمْ يُؤَذِّنْ وَلَمْ يُقِمْ، خِلَافًا لَهُمْ، وَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَكَبَّرَ سَبْعًا فِي الْأُولَى قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، لَا أَرْبَعًا، وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ لَا ثَلَاثًا، خِلَافًا لَهُمْ. وَابْتَدَأَ الْخُطْبَةَ بِالذِّكْرِ وَالتَّكْبِيرِ، وَخَتَمَهَا بِالْقِرَاءَةِ، وَانْصَرَفَ النَّاسُ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَقَدْ أَعَدَّ لَهُمْ أَبُو مُسْلِمٍ طَعَامًا، فَوَضَعَهُ بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ، وَكَتَبَ إِلَى نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ كِتَابًا بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِلَى نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ عَيَّرَ أَقْوَامًا فِي كِتَابِهِ فَقَالَ:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: 42]
[فَاطِرٍ: 42، 43] فَعَظُمَ عَلَى نَصْرٍ أَنْ قَدَّمَ اسْمَهُ عَلَى اسْمِهِ، وَأَطَالَ الْفِكْرَةَ، وَقَالَ: هَذَا كِتَابٌ لَهُ جَوَابٌ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ثُمَّ بَعَثَ نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ خَيْلًا عَظِيمَةً لِمُحَارَبَةِ أَبِي مُسْلِمٍ وَذَلِكَ بَعْدَ ظُهُورِهِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، فَأَرْسَلَ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَيْهِمْ مَالِكَ بْنَ الْهَيْثَمِ
الْخُزَاعِيَّ فَالْتَقَوْا هُنَالِكَ فَدَعَاهُمْ مَالِكٌ إِلَى الرِّضَا عَنْ آلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَبَوْا ذَلِكَ، فَتَصَافُّوا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى الْعَصْرِ، ثُمَّ جَاءَهُ مَدَدٌ فَقَوِيَ مَالِكٌ عَلَيْهِمْ، وَاسْتَظْهَرَ وَظَفِرَ بِهِمْ، وَكَانَ هَذَا أَوَّلَ مَوْقِفٍ اقْتَتَلَ فِيهِ دُعَاةُ بَنِي الْعَبَّاسِ وَجُنْدُ بَنِي أُمَيَّةَ.
وَفِي ذِي الْقِعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ غَلَبَ خَازِمُ بْنُ خُزَيْمَةَ عَلَى مُرْوِ الرُّوذِ وَقَتَلَ عَامِلِهَا مِنْ جِهَةِ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ، وَهُوَ بِشْرُ بْنُ جَعْفَرٍ السَّعْدِيُّ وَكَتَبَ بِالْفَتْحِ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ.
وَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ إِذْ ذَاكَ شَابًّا حَدَثًا قَدِ اخْتَارَهُ إِبْرَاهِيمُ الْإِمَامُ لِدَعْوَتِهِمْ، وَذَلِكَ لِشَهَامَتِهِ وَصَرَامَتِهِ وَقُوَّةِ فَهْمِهِ وَجَوْدَةِ عَقْلِهِ، وَأَصْلُهُ مِنْ سَوَادِ الْكُوفَةِ، وَكَانَ مَوْلًى لِإِدْرِيسَ بْنِ مَعْقِلٍ الْعِجْلِيِّ فَاشْتَرَاهُ بَعْضُ دُعَاةِ بَنِي الْعَبَّاسِ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ أَخَذَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثُمَّ آلَ وَلَاؤُهُ لِآلِ الْعَبَّاسِ وَقَدْ زَوَّجَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِمَامُ بِابْنَةِ أَبِي النَّجْمِ عِمْرَانَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَأَصْدَقَهَا عَنْهُ، وَكَتَبَ إِلَى نُقَبَائِهِمْ بِخُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا، فَامْتَثَلُوا أَمْرَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَقَدْ كَانُوا فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ رَدُّوا عَلَيْهِ أَمْرَهُ فِيهِ لِصِغَرِهِ فِي أَعْيُنِهِمْ، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ السَّنَةُ أَكَّدَ كِتَابَهُ إِلَيْهِمْ فِي سَبَبِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَنْهُ مَعْدِلٌ، وَكَانَ
فِي ذَلِكَ الْخِيَرَةُ، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا.
وَلَمَّا اسْتَفْحَلَ أَمْرُ أَبِي مُسْلِمٍ بِخُرَاسَانَ تَعَاقَدَتْ طَوَائِفُ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ الَّذِينَ بِهَا عَلَى حَرْبِهِ وَمُقَاتِلَتِهِ، وَلَمْ يَكْرَهْ أَمْرَهُ الْكَرْمَانِيُّ، وَشَيْبَانُ لِأَنَّهُمَا خَرَجَا عَلَى نَصْرٍ وَهَذَا مُخَالِفٌ لَهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَدْعُو إِلَى خَلْعِ مَرْوَانَ الْحِمَارِ وَقَدْ طَلَبَ نَصْرٌ مِنْ شَيْبَانَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ عَلَى حَرْبِ أَبِي مُسْلِمٍ أَوْ يَكُفَّ عَنْهُ حَتَّى يَتَفَرَّغَ لِحَرْبِهِ، فَإِذَا قَتَلَهُ وَتَفَرَّغَ مِنْهُ عَادَا إِلَى عَدَاوَتِهِمَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا مُسْلِمٍ فَبَعَثَ إِلَى ابْنِ الْكَرْمَانِيِّ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ، فَثَنَى ابْنُ الْكَرْمَانِيِّ شَيْبَانَ عَلَى ذَلِكَ الرَّأْيِ، وَبَعَثَ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى هَرَاةَ النَّضْرَ بْنَ نُعَيْمٍ فَافْتَتَحَهَا وَطَرَدَ عَنْهَا عَامِلَهَا عِيسَى بْنَ عَقِيلٍ اللَّيْثِيَّ وَاسْتَحْوَذَ عَلَى الْبَلَدِ، وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ بِذَلِكَ، وَجَاءَ عَامِلُهَا إِلَى نَصْرٍ هَارِبًا. ثُمَّ إِنَّ شَيْبَانَ وَادَعَ نَصْرَ بْنَ سَيَّارٍ سَنَةً عَلَى تَرْكِ الْحَرْبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَذَلِكَ عَنْ كُرْهٍ مِنَ ابْنِ الْكَرْمَانِيِّ فَبَعَثَ ابْنُ الْكَرْمَانِيِّ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ: إِنِّي مَعَكَ عَلَى قِتَالِ نَصْرٍ. وَرَكِبَ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى خِدْمَةِ ابْنِ الْكَرْمَانِيِّ فَنَزَلَ عِنْدَهُ وَاجْتَمَعَا، فَاتَّفَقَا عَلَى حَرْبِهِ وَمُخَالَفَتِهِ، وَتَحَوَّلَ أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى مَوْضِعٍ فَسِيحٍ، وَكَثُرَ جُنْدُهُ، وَعَظُمَ جَيْشُهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الشُّرَطِ وَالْحَرَسِ وَالرَّسَائِلِ وَالدِّيوَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ الْمَلِكُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُجَاشِعٍ التَّمِيمِيَّ - وَكَانَ أَحَدَ النُّقَبَاءِ - عَلَى الْقَضَاءِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِأَبِي مُسْلِمٍ الصَّلَوَاتِ، وَيَقُصُّ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَيَذْكُرُ مَحَاسِنَ بَنِي هَاشِمٍ وَيَذُمُّ بَنِي أُمَيَّةَ. ثُمَّ تَحَوَّلَ أَبُو مُسْلِمٍ فَنَزَلَ