الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بْنَ الْحَسَنِ بْنِ قَحْطَبَةَ، ثُمَّ عَزَلَ الرَّشِيدُ جَعْفَرًا عَنْ خُرَاسَانَ بَعْدَ عِشْرِينَ لَيْلَةً.
وَفِيهَا هَدَمَ الرَّشِيدُ سُورَ الْمَوْصِلِ ; بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْخَوَارِجِ هُنَاكَ، وَجَعَلَ الرَّشِيدُ جَعْفَرًا عَلَى الْحَرَسِ، وَنَزَلَ الرَّشِيدُ الرَّقَّةَ وَاسْتَوْطَنَهَا، وَاسْتَنَابَ عَلَى بَغْدَادَ ابْنَهُ الْأَمِينَ مُحَمَّدًا، وَوَلَّاهُ الْعِرَاقَيْنِ، وَعَزَلَ هَرْثَمَةَ بْنَ أَعْيَنَ عَنْ إِفْرِيقِيَّةَ وَاسْتَدْعَاهُ إِلَى بَغْدَادَ فَاسْتَنَابَهُ جَعْفَرٌ عَلَى الْحَرَسِ.
وَفِيهَا كَانَتْ بِمِصْرَ زَلْزَلَةٌ شَدِيدَةٌ سَقَطَ مِنْهَا رَأْسُ مَنَارَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ.
وَفِيهَا خَرَجَ بِالْجَزِيرَةِ خُرَاشَةُ الشَّيْبَانِيُّ، فَقَتَلَهُ مُسْلِمُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ مُسْلِمٍ الْعُقَيْلِيُّ.
وَفِيهَا ظَهَرَتْ طَائِفَةٌ بِجُرْجَانَ يُقَالُ لَهُمُ: الْمُحَمِّرَةُ. لَبِسُوا الْحُمْرَةَ، وَاتَّبَعُوا رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَمْرَكِيُّ. وَكَانَ يُنْسَبُ إِلَى الزَّنْدَقَةِ، فَبَعَثَ الرَّشِيدُ يَأْمُرُ بِقَتْلِهِ، فَقُتِلَ بِمَرْوَ، وَأَطْفَأَ اللَّهُ نَارَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
وَفِيهَا غَزَا الصَّائِفَةَ مُعَاوِيَةُ بْنُ زُفَرَ بْنِ عَاصِمٍ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ مُوسَى بْنُ عِيسَى بْنِ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ.
[وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَعْيَانِ]
إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ،
قَارِئُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ أَقَامَ
مُدَّةً بِبَغْدَادَ يُؤَدِّبُ عَلِيًّا ابْنَ الْمَهْدِيِّ، حَتَّى تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ.
وَفِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ عَلِيٍّ ابْنِ الْمَهْدِيٍّ، وَقَدْ وَلِيَ إِمْرَةَ الْحَجِّ غَيْرَ مَرَّةٍ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ أَسَنَّ مِنَ الرَّشِيدِ بِشُهُورٍ.
حَسَّانُ بْنُ سِنَانٍ
حَسَّانُ بْنُ سِنَانِ بْنِ أَوْفَى بْنِ عَوْفٍ التَّنُوخِيُّ الْأَنْبَارِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ سِتِّينَ، وَرَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَدَعَا لَهُ، فَجَاءَ مِنْ نَسْلِهِ قُضَاةٌ وَوُزَرَاءُ وَصُلَحَاءُ، وَأَدْرَكَ الدَّوْلَتَيْنِ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَكَانَ يَكْتُبُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ وَالسُّرْيَانِيَّةِ، وَكَانَ يُعَرِّبُ الْكُتُبَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِيعَةَ لَمَّا وَلَّاهُ السَّفَّاحُ الْأَنْبَارَ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ، أَحَدُ الثِّقَاتِ.
وَعَافِيَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قَيْسٍ، الْقَاضِي لِلْمَهْدِيِّ عَلَى الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ بَغْدَادَ هُوَ وَابْنُ عُلَاثَةَ، وَكَانَا يَحْكُمَانِ بِجَامِعِ الرُّصَافَةِ، وَكَانَ عَافِيَةُ عَابِدًا زَاهِدًا وَرِعًا، دَخَلَ يَوْمًا عَلَى الْمَهْدِيِّ فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَعْفِنِي. فَقَالَ:
لِمَ؟ أَعْتَرَضَ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ خُصُومَةٌ عِنْدِي، فَعَمَدَ أَحَدُهُمَا إِلَى رُطَبِ السُّكَّرِ، وَكَأَنَّهُ سَمِعَ أَنِّي أُحِبُّهُ، فَأَهْدَى إِلَيَّ مِنْهُ طَبَقًا لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَرَدَدْتُهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَا وَجَلَسَا لِلْحُكُومَةِ، لَمْ يَسْتَوِيَا عِنْدِي فِي قَلْبِي وَلَا نَظَرِي، وَمَالَ قَلْبِي إِلَى الْمُهْدِي مِنْهُمَا، هَذَا وَمَا قَبِلْتُ مِنْهُ، فَكَيْفَ لَوْ قَبِلْتُ مِنْهُ؟! فَأَعْفِنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عَفَا اللَّهُ عَنْكَ. فَأَعْفَاهُ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ الرَّشِيدِ يَوْمًا وَعِنْدَهُ عَافِيَةُ الْقَاضِي، وَقَدْ أَحْضَرَهُ لِأَنَّ قَوْمًا اسْتَعَدَوْا عَلَيْهِ إِلَى الرَّشِيدِ، فَجَعَلَ الرَّشِيدُ يُوقِفُهُ عَلَى مَا قِيلَ عَنْهُ، وَهُوَ يُجِيبُ الْخَلِيفَةَ عَمَّا يَسْأَلُهُ، وَطَالَ الْمَجْلِسُ، فَعَطَسَ الْخَلِيفَةُ، فَشَمَّتَهُ النَّاسُ وَلَمْ يُشَمِّتْهُ عَافِيَةُ، فَقَالَ لَهُ: لِمَ لَمْ تُشَمِّتْنِي مَعَ النَّاسِ؟ فَقَالَ: لِأَنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ. وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: ارْجِعْ إِلَى عَمَلِكَ، فَوَاللَّهِ مَا كُنْتَ لِتَفْعَلَ مَا قِيلَ عَنْكَ، وَأَنْتَ لَمْ تُسَامِحْنِي فِي عَطْسَةٍ. وَرَدَّهُ رَدًّا جَمِيلًا إِلَى وِلَايَتِهِ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ سِيبَوَيْهِ إِمَامُ النُّحَاةِ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قَنْبَرٍ أَبُو بِشْرٍ، الْمَعْرُوفُ بِسِيبَوَيْهِ النَّحْوِيِّ، مَوْلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، وَقِيلَ: مَوْلَى آلِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ سِيبَوَيْهِ; لِأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ تُرَقِّصُهُ وَتَقُولُ لَهُ ذَلِكَ، وَمَعْنَى
سِيبَوَيْهِ: رَائِحَةُ التُّفَّاحِ. وَقَدْ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ يَصْحَبُ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءَ، وَكَانَ يَسْتَمْلِي عَلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَلَحَنَ يَوْمًا، فَرَدَّ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَأَنِفَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَزِمَ الْخَلِيلَ بْنَ أَحْمَدَ، فَبَرَعَ فِي النَّحْوِ، وَدَخَلَ بَغْدَادَ وَنَاظَرَ الْكِسَائِيَّ.
وَكَانَ سِيبَوَيْهِ شَابًّا جَمِيلًا نَظِيفًا، تَعَلَّقَ مِنْ كُلِّ عِلْمٍ بِسَبَبٍ، وَضَرَبَ فِي كُلِّ أَدَبٍ بِسَهْمٍ، مَعَ حَدَاثَةِ سِنِّهِ وَبَرَاعَتِهِ فِي النَّحْوِ. وَقَدْ صَنَّفَ فِي النَّحْوِ كِتَابًا لَا يُلْحَقُ شَأْوُهُ، وَشَرَحَهُ أَئِمَّةُ النُّحَاةِ بَعْدَهُ، فَانْغَمَرُوا فِي لُجُجِ بَحْرِهِ، وَاسْتَخْرَجُوا مِنْ جَوَاهِرِ حَاصِلِهِ، وَلَمْ يَبْلُغُوا إِلَى قَعْرِهِ. وَقَدْ زَعَمَ ثَعْلَبٌ أَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِتَصْنِيفِهِ، وَقَدْ تَسَاعَدَ جَمَاعَةٌ فِي تَصْنِيفِهِ نَحْوٌ مَنْ أَرْبَعِينَ نَفَسًا، هُوَ أَحَدُهُمْ. قَالَ: وَهُوَ أَصُولُ الْخَلِيلِ، فَادَّعَاهُ سِيبَوَيْهِ لِنَفْسِهِ، وَقَدِ اسْتَبْعَدَ ذَلِكَ السِّيرَافِيُّ فِي كِتَابِ " طَبَقَاتِ النُّحَاةِ " قَالَ: وَقَدْ أَخَذَ سِيبَوَيْهِ اللُّغَاتِ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ الْأَخْفَشِ وَغَيْرِهِ، وَكِتَابُهُ الْمَشْهُورُ " بِالْكِتَابِ " لَمْ يُسْبَقْ إِلَى مِثْلِهِ، وَلَا يَلْحَقُهُ فِيهِ أَحَدٌ.
وَكَانَ سِيبَوَيْهِ يَقُولُ: سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْعَرُوبَةِ، وَالْعَرُوبَةُ يَوْمُ الْجُمْعَةِ. وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ قَالَ: عَرُوبَةُ. فَقَدْ أَخْطَأَ. فَذُكِرَ ذَلِكَ لِيُونُسَ فَقَالَ: أَصَابَ، لِلَّهِ دَرُّهُ.
وَقَدِ ارْتَحَلَ إِلَى خُرَاسَانَ لِيَحْظَى عِنْدَ طَلْحَةَ بْنِ طَاهِرٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ النَّحْوَ، فَمَرِضَ هُنَاكَ مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَتَمَثَلَ عِنْدَ الْمَوْتِ:
يُؤَمِّلُ دُنْيَا لِتَبْقَى لَهُ
…
فَمَاتَ الْمُؤَمِّلُ قَبْلَ الْأَمَلْ
حَثِيثًا يَرْوِي أُصُولَ الْفَسِيلِ
…
فَعَاشَ الْفَسِيلُ وَمَاتَ الرَّجُلْ
وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمَّا احْتُضِرَ وَضَعَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِ أَخِيهِ، فَدَمَعَتْ عَيْنُ أَخِيهِ، فَأَفَاقَ فَرَآهُ يَبْكِي، فَقَالَ:
وَكُنَّا جَمِيعًا فَرَّقَ الدَّهْرُ بَيْنَنَا
…
إِلَى الْأَمَدِ الْأَقْصَى فَمَنْ يَأْمَنُ الدَّهَرَا
قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ: وَيُقَالُ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ وَعُمْرُهُ ثِنْتَانِ وَثَلَاثُونَ سَنَةً.
وَفِيهَا تُوُفِّيَتْ عُفَيْرَةُ الْعَابِدَةُ، كَانَتْ طَوِيلَةَ الْحُزْنِ كَثِيرَةَ الْبُكَاءِ، قَدِمَ قَرِيبٌ لَهَا مِنْ سَفَرٍ، فَجَعَلَتْ تَبْكِي، فَقِيلَ لَهَا: لَيْسَ هَذَا وَقْتَ بُكَاءٍ! فَقَالَتْ: لَقَدْ ذَكَّرَنِي قُدُومُ هَذَا الْفَتَى يَوْمَ الْقُدُومِ عَلَى اللَّهِ، فَمِنْ مَسْرُورٍ وَمَثْبُورٍ.
وَفِيهَا مَاتَ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزِّنْجِيُّ شَيْخُ الشَّافِعِيِّ، كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ لِسُوءِ حِفْظِهِ.